Skip to main content

Full text of "ktp2019-bk8702"

See other formats




ْ ترجمة 
دنى غالي ‏ ستي غاسمو 
2 سن :2 








0 


1 
0 كه‎ + 
١ 
0 
| 
0 

يا 
1 








لمتواعءاع عمذس- هأ جمس عط نرقو[ 


م] 
1 





“ 8 8 إا بز ع 6 ع0 4 6 م 6 لزاع عبم1[1 


116 ص لذ نا 6ع ل 8 ع 8 لاكااهة 148 








اسم المؤلف : هانس كريستيان أندرسن 42106588613 01215]188) قصفك] : #مطاندة 
عنوان الكتاب : قصص وحكايات خرافية 1مأسلط ع0 “ج17 عله[ تسوك : 111" 


المترجم : ذنى غالي القطع) دصناداآ :*دمغداكسقه 1" 
شت غاسموشن 0 1.6 5018 

تدقيق : طالب غالى ألهط© طئله] بجعتعي. 

الناشقر االمدى 0 11503-ا4 

الطبعة الأولى : سنة ٠١١5‏ 06 : 10101011 )15 


الحقوق العربية محفوظة 38-لذم © نغطع :ممت عتاطوعدم 


تم إصدارالكتاب بدعم من صند وق ه. ك. أند رسن ٠٠١86‏ مملكة الدانمارك وصند وق بيكوين 


,2005 تلاعس5ع0 دخ .) .11 قط ع151ز5ودمم 22206 ذذ سمه تاطنام عنط 1" 


م دءطناعلزظ عطل1 عن مسد 12 01 تملع م1 11 





دارظ© للثقافة والنشر 
وس 115000100102777 
سورية - دمشق ص. ب.: 471/7 او577/ -تلفون: 77771717/0 -7777717/7- فاكس: 77777248 


5/32 - 5لا03,035 - ءث. كا" لإمؤمدمه© وقأطذتاطنط 146006 41 
9 :ةا , 2322276 - 2322275 :أو1-. 7366 ,0 8272 : . يرم8. 5.0 
061.5 ©©56نه5803-|3:|ز8-عا 0056.00 3|300 . الابراينا 


لبئان -بيروت-الحمراء-شارع ليون -بناية منصور-الطابق الأول - تلفاكس: ٠/07711/-10/07717‏ 
طاءاعم. ل © هةذ5نه 3-3085 :اتقهم-ع 
العراق - بفداد- أبو نواس- محلة -١٠١7‏ زقاق 7١-بناء ١6١‏ 
مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون 
تلفون: 5956١/6017-1711١7١1/ا‏ فاكس: 11/0947/ا 


لرمء. رمعم 82م 3150303 . بويا 
».|03 (200.60 3152031126 





ر00100امع7 ع2 2233 «ملغوعتاطتنام وتط) 2ه كاعهم 10ل .لعرمعوع5 مأطوم للذة 
2ق 'إ5 05 20523 323 دل 5101م قت 08 , ضرع أدره اأوأعغ لاع" 3 صآا 0ع105و 
00115915 05 عستلمعع7 رعستأزممء010طم ,لمعتسموطععم رعتممعاععك زر وموعمر 

.ل طكتاطنام ع1 01 رعستناك؟71 سأ رده أدمتصصعم ملعم عط انام اكد 


هاضسك ستيان أنررسن 


ترجمة: دنى غائي - ستي غاسموسن 


مقد مهف 


هانس كريستيان أندرسن ,141060-١48-86‏ يُعد من أكبر شعراء الدمارك. وقد 
أطلق عليه النقاد شاعر الدفارك الوطني. كتب روايات. مسرحيات وأعمالاً شعرية, 
لكن إسهامته الكبرى في الأدب العالمي كانت هي الحكايات الخرافية, والتي تأخذ 
بشكلها قالب الحكاية الشعبية. و بعض منها ينطلق من القصص الخرافية الشعبية التي 
كان الشاعر قد سمعها عندما كان صغيراً؛ لكن المحتوى لحكايات ه.ك. أندرسن اكثر 
تعقيداً بكثير . فهي تتضمن في الوقت نفسه مستويات عدة في بنائها. وعندما تكون 
الحكايات الخرافية هي أجمل ما يكون. يمكننا نحن الكبار وبالمتعة ذاتها التي يشعر بها 
الأطفال لدى سماعهم لهاء أن نفهمها وبشكل أعمق عندما نقرؤها لهم بصوت عال. 

يقول المؤلف نفسه: 

" حكاياتي الخرافية هي للكبار كما هي للصغار في الوقت نفسه. إذ الأطفال يفهمون 
السطحي منها. بينما الناضجون يتعرفون على مقاصدها ويدركون فحواها. وليس هناك 
إلا مقدار من السذاجة فيهاء أما المزاح والدعابة فهي ليست إلا ملحاً لها"'؛ 

وفي تعليق له في " حكايات خرافية وقصص"' كتب: 

" الراوي يجب أن يُسمع صوته من خلال الأسلوب. واللغة يجب أن تقترب من 
الشفاهة. القص هو للأطفال ولكن الكبار يجب أن يصيبهم نصيب من المتعة أيضا". 

وفي سيرته الذاتية " قصة حياتي الخرافية”" .١14060‏ يستخلص الكاتب أيضاً: 
"في المجموعة الأولى التي صدرت لي كتبت الحكاية الخرافية القديمة والتي سمعتها 
عندما كنت طفلا بطريقتي الخاصة؛ ما زلت أذكر جيدا الأسلوب الذي كتبت به والذي 
١‏ مقنبسة من اولفك هورست بيترسن ؛ عالم هانس كريستيان أندرسن ٠‏ كوبئهاجن ١91//‏ ؛ ص١١‏ 
؟ 84.2 ,1863 يوهان دي موليوس على صفحة الإنترئيت أرشيف الأدب الدتماركي : 


.طنام_[20 ع0 <7تع4 222 2501711-60 1011261_ع20112665_ع/10112161/طانام_1ل 2 لعلل.201. بجانتا بو //:طراغط 
" (2 206 ,ؤنا[:8/17) 258-294 .5 ,3 .رهع1 ,1855 ,80.1 


5 


كان هو الطبيعي بالنسبة إلي , ولكني كنت أعلم جيداً أن النقاد ا متخصصين سينتقدون 
هذه اللغة؛ فلكي يكون القاريء على بيئة من ذلك فقد أسميتها حكايات خرافية تُروى 
للأطفال. وبغض النظر عن ذلك فقد كان القصد أن تكون للصغار والكبار معا". 

ويتابع أندرسن": " لقد وضعت قصصي الصغيرة على الورق تماما كما لو كنت 
جالسا مع الأطفال بالتعابير التي أستخدمها شفهياء وقد توصلت إلى إدراك أن 
الغالبية بأعمارهم المختلفة قد تفاعلت معها؛ أكثر ما استمتع به الأطفال كان ما أسميه 
السطحي. الكبار بالمقابل كانوا مهتمين بالفكرة العميقة. الحكايات الخرافية صارت 
للصغار والكبارء وباعتقادي يجب ان يكون ذلك مهمة من يرغب في كتابة الحكاية 
الخرافية في زماننا هذا" (١.89؟-.159).‏ 

يكتب ه.ك. أندرسن عن الطفل في دواخلنا جميعاً؛ هذه النواة التي لها في الغالب 
مدخل مباشر إلى المخفي في شخصياتنا. ولكنه المستوى المؤثر فينا دوماً؛ والذي يخاطب 
في الوقت نفسه تفكير الكبير الناضج. إن أعماله تدور حول شخصياتنا جميعاً, بجوانبها 
المضيئة والمظلمة؛ طبيعتنا البشرية وقدراتنا الإيجابية والسلبية. وحول شروط الحياة: 
الإنتقال من مرحلة الطفولة إلى التضج. حول الحقيقي والمزيف؛ حول القوى الإجتماعية, 
الفشل والصعود, اللاعدالة والعدالة التي تأتي لاحقا. الأمل والإنكسار ؛ إنه يستقرئ في 
أفضل حكاياته دواخل كل من الفرد والمجتمع بشكل نقدي ولكن بأسلوب فكاهي شائق. 

نبذة مختصرة حول نتاج الكاتب ه.ك. أندرسن' 

0 ولد في الثاني من نيسان في أودنسه 

أولى محاولاته الأدبية 
؟ وفق موليوس (ملاحظة؟)- صدر مؤخرا السيرة الذاتية باللغة الأنكليزية - جاكي ولشلايكر :هائس 

كريستيان ائدرسن : حياة راوي الحكايات(الحكواتي) . لندن١ ٠٠٠١‏ . الكتابات التحليلية لمؤلفاته باللغة 
الإنكليزية موجودة في : 

+ ل ,.2062562ش ةناد مان قصفآط :معدمعلعء2 رغم 12و81 موع الا عه معددعع102 عع 2خ ,دنا1/11:1 عل مداه 
له ا لأدتصة0آ زلع5مع0 صخ ندناكمطن) ذمدآاط :(.لع) آع1]055 رمءعلدآط معك :1999 عومعل0 ,عدسماط' دآ 
مع186١‏ عه لعدوعع102 ععقث ,كنانا:ز7/1 عل مقطه[ :1996 تمقلععاودة ,210ه171 عط 1ه مععنات 
:1هلكلء:8 81125 :1993 عووعء00) .710210 عطا لسة دءدرعلهمف لطعلىء/١‏ عه دعدرعلمم :معدرعلء2 


-تعطن وقهآ] :عاقة8 عملم :1975 2ه00دومآ بعاءه لآ لهمه عكناآ دتط 01 نجتماة ع1" .اعستعلسف مقتائتعات 
2 ققعر مط ه01 آه وزومء انمتا .طأمتلء57 عط دوه لع نة[وصه:1 .تإطامهعومغط 2 تمعدععلمم دنا 


6 


4 حصل على الثانوية 

69 كتب أول عمل أدبي له بقص إبداعي خفيف الظل " السفر سيراً على الأقدام 
من قناة هومن إلى الرأس الشرقي لجزيرة آما ". ومسرحية " حب في برج نيكولاي أو ماذا 
يقول المتفرجون في المقاعد الخلفية". 

١‏ كتاب في أدب الرحلات " صور الظل" التي تحوي قصتين يتجلى فيهما 
بُعد القص الخرافي. 

0 أول رواية له "الفنان المرتجل" حول الإرتقاء الفني والإجتماعي 

1881-68 " حكايات خرافية". "حكايات خرافية تروى للأطفال", تحوي 
الحكاية الخرافية " حورية البحر الصغيرة" التي تعد نقطة انطلاقه الفئية لمجمل أعماله. 

رواية " واو. تاء." حول الإرتقاء الإجتماعي. 

87 رواية " مجرد عازف" حول الإحباطات الفنية. 

4 مخطوطات نثرية "كتاب مصوّر بدون صور" ( مستوحى من ألف ليلة وليلة). 

حال أدب رحلات " سوق شاعر". 

"1848-1841 " حكايات خرافية جديدة”. تحوي أهم أعماله" العندليب" و"الظل". 

6 صدرت رواياته باللغة الإنكليزية. 

صدرت حكاياته باللغة الإنكليزية. 

1 صدرت سيرته الذاتية باللغة الألمانية تحت عنوان " قصة حياتي بلا رتوش", 
وفي العام نفسه صدرت أيضاً باللغة الإنكليزية تحت عنوان " قصة حياتي الحقيقية". 

4 رواية " البارونتان" حول الإرتقاء الإجتماعي وانتقال المجتمع بأكمله من 
العصر القديم إلى الجديد وحول النضج الفني أيضاً. 

صدرور المجموعة الكاملة لما كتب حتى هذا العام من حكايات خرافية. 

١‏ كتابه في أدب الرحلات النثري " في السويد". 

861 الجزء الأول من المجموعة الكاملة. 

6 السيرة الذاتية " قصة حياتي الخرافية", نسخة منقحة وموسعة من "قصة 
حياتي بلا رتوش" التي صدرت في /841 . وفي العام نفسه صدر له كتاب بعئوان 


قصص". 


7 رواية " أن تكون أو لا تكون" . حول فقدان الإيمان واسترجاعه ثانية, 
وحول الفنان الذي لا يكتب أبداً ما يتمنى حقيقة أن يكتب. 

148177-04 "حكايات خرافية وقصص". 

7 كتاب في أدب الرحلات " في إسبانيا". 

4 كتاب في أدب الرحلات " زيارة إلى البرتغال في ."١1455‏ 

رواية " بير المحظوظ ". حول الإرتقاء الفني. الصعود إلى القمة, بأسلوب 
فكاهي ساخر. 

60 توفي في الرابع من آب في كوينهاجن. 


ه. ك. أندرسن باللغة العربية 

يدع ه. ك. أندرسن إحدى شخصياته تقول: 

" أجد في تأليف الحكايات الخرافية مملكة الشعر العظمى, التي تند من قبور 
العصر القديم التي يفوح منها الدم إلى كتاب الأساطير المصور الطفولي البريء. 
الكتابة تجمع بين طياتها التأليف الشعبي والتأليف الفني. بالنسبة إلي فهو يمثل الشعر 
كله. بكل أشكاله, والذي يكون قادرا على ذلك. عليه أن يمازج بين التسراجيديء 
الكوميدي. الساذجء النقدي والفكاهي وأن يكون لديه الوتر الشعري, وأسلوب الروي 
للطفل. أن تكون لديه لغة لوصف الطبيعة؛ أن يوظف ذلك كله لخدمته"*. 

ذلك هو وصف المؤلف نفسه للغته والذي يدلنا على دقته في استخدامه الخاص 
للغة: لذا فقد جاء الأسلوب اللغوي المتلاقح بانسيابية وبساطة مع الشعر ليعمّق 
التعبير. و بتعامله الأصيل هذا مع اللغة يغني ه.ك. أندرسن اللغة المحكية ويرقى بها. 


© أن تكون أولا تكون .18017 ؛ حوار إيستر في الجزء الثالث . يوهان موليوس - أرشيف الآدب الدنماركي على 
العنوان في صفحة الإنترنيت ١‏ 

' : كنان[نا1/4 عل مسقطهل 

201.016 . اتا بتا برا // :مط 


قد يمكن مقارنة أدب ه. ك. أندرسن في الأدب العربي بكتاب ألف ليلة وليلة 
وكليلة ودمنة. مضافا إليهما وهج شعر الصحراء العربي في وصفه عالي الحساسية 
للطبيعة ومقامات الحريري أو مكنة المتنبي البارعة بالمعنى المزدوج للكلمات. اتسمت 
لغة ألف ليلة وليلة باللغة المحكية العامة. وألف ليلة وليلة لم تعد إطلاقا أدبا ملتزما 
بضوابط اللغة في الغالم العربي- تماما مثلما لم تعد الحكايات الخرافية الشعبية من 
ضمن الأدب الدفاركي؛ ولكنها صارت الأساس في فن القص بالنسبة ل ه.ك. أندرسن, 
وقد وفق إلى حد كبير في أفضل حكاياته الخرافية بأن جعل اللغة المحكية تحمل بين 
ثناياها عمقاً فنياً من النادر أن نجده في اللغة الفصحى المكتوبة التي نزع إليها الأدب 
وينزع إليها اليوم. 

هنا تكمن أيضا الصعوبة الخاصة في ترجمة أعمال ه.ك.أندرسن إلى العربية. فلو 
ترجمت وفق ضوابط اللغة الفصحى الكلاسيكية المكتوبة ستفقد الإحساس ب الحس 
العفوي الفني غير الرسمي الخالي من التعقيد في تراكيبه اللغوية الذي تعكسه اللغة: 
الكبير يتحدث إلى الطفل- وإلى نفسه باللحظة ذاتها. وإن تمت ترجمتها إلى اللهجة 
المحلية يكون بالإمكان توصيل الكلمات بالفعل عن طريق الترجمة مثل الإشارات 
الصغيرة: الإيحاءات والإستخدامات اليومية الموجودة في كل اللغات المحكية العربية 
ولكن ليس في اللغة الفصحى؛ بالمقابل وفي هذه الحالة يفقد النص عن طريق الترجمة 
جزءءا من ألقه ورهافته وإبداعه الفني. كان الحل هو التمسك بالترجمة إلى اللغة 
العربية الفصحى كأساس مشترك, وحاولنا أن نعطي اللغة المكتوبة إيقاعا قريباً من 
إيقاع اللغة المحكية ونترك لبعض خصائصها أن تحل هنا وهناك ونستخدم كلمات 
جديدة تساهم في توصيل اسلوب ه.ك. اندرسن. 

جاء اختيار مجموعة الحكايات الخرافية في هذا الكتاب ليشمل نصوصا للفترات 
المختلفة من نتاج الكاتب, كما إنها من القصص القصيرة بشكل أساسيء وأيضا لا 
تتطلب معرفة مسبقة للوضع الدماركي. الحكايات التسع الأولى هي المجموعة الكاملة 
المترجمة لأعماله الفنية التي كانت نقطة الإنطلاق له تحت عنوان " حكايات خرافية 
تروى للأطفال" المجموعة الأولى. ١810‏ 


الترجمة وطبع المختارات إلى العربية من الحكايات الخرافية في هذا الكتاب قت 
بالدعم الكريم من قبل صندوق ه. ك. أندرسن في أودنسه, الدنمارك. 


المستعرب د. ستي غاسموسن 
دكتوراه في اللغات السامية 
المكتبة الملكية في كوبنهاجن. دنمارك 


قوى الأعماق 


حكايات أندرسن الخرافية لا تقتصر على الأطفال فقطء إنها اعمال فنية مركبة 
تحكي عن شيء أساسي هو الجانب الإنساني في الحياة اليومية الذي يشكل الشخصية 
وتطورها. هذه العملية التي أما أن تخلق إنسانا منقسما أو كاملا. 
يمكن للمرء أن يميز أربعة صنوف أساسية من الشخوص' التي تشكل بأجمعها 
علما للشخصيات الإنسانية أو الافاط الشخصية التي تجسدت في الأعمال التي 
كشفت عنها موهبة الكاتب بالتدريج. فيما يلي سيتم ذكر بعض النماذج من 
الشخصيات التي سيضمها هذا الكتاب. 
١‏ . هؤلاء الذين يودون عن غير حق أن يكونوا الآخر. 
أ. حورية البحر الصغيرة؛ من الأعمال الرئيسية 
ب. قصة أم ( مأساوية) 
ت. شجرة الصنوبر ( حزينة-ساخرة) 
ث. المحبون( حزينة- ساخرة) 
ج. حبة القمح السوداء ( حزينة -ساخرة) 
ح. الحقيبة الطائرة(ساخرة-حزينة) 
خ. البرغوث والبروفيسور( ساخرة) 
د. الظل ( شيطانية؛ سيكولوجية السلطة)؛ من الأعمال الرئيسية 
ذ. قبقاب الحظ( كوميدية) 
ر. ثوب القيصر الجديد١(‏ كوميدية) 


١‏ الفقرة مينية على أساس دراسة للباحث 26]62568 110256 طءنانا 


11 


؟ . هؤلاء الذين يودون عن حق أن يكونوا الآخر 
أ. فرخ البط القبيح (مرحة- مبالغة ) 
ب. تحت شجرة البلوط (حزينة) 
“ . هؤلاء الذين - عن غير حق - ليسوا غير أنفسهم 
|. ضفدع الطين (مرحة-شعرية) 
ب. إنها الحقيقة صدقوني ( مرحة-ساخرة) 
ت. العداؤون (شعرية- كوميدية) 
ث. ثعبان البحر الكبير ( شعرية- كوميدية) 
4 . هؤلاء الذين - عن حق- ليسوا غير انفسهم. 
أ. العندليب (مرحة- جادة) ؛من الأعمال الرئيسية. 
ب. بائعة أعواد الكبريت الصغيرة (نقد اجتماعي). 
ت. الأم غسالة الملابس (نقد اجتماعي). 
ج. الجنائئي والسيد (كوميدية- تعرية للواقع). 
ح. الجني العابث ( راقية مبطنةٍ-مرحة). 
خ. الراعية ومنظف المداخن (حزينة-ساخرة). 
د. جندي الصفيح الصامد (مرحة-ساخرة) 


خصوصية العمل في " حورية البح رالصفيرة" 

نقطة التحول في عمله الإبداعي: 

سنطرح هنا رؤية تحليلية لإحدى الحكايات الخرافية - "حورية البحر الصغيرة" - 
لكي نوضح ما يحدث حقيقة في المستويات العميقة لنص الحكاية. لذا ينصّح بقراءة 
هذه الحكاية قبل التعمق في التحليل. 


البحر هو العامل الأساسي الأول في " حورية البحر الصغيرة". واليابسة هي 
العامل الثاني. الحركة في الحكاية تنطلق من أعماق البحر إلى اليابسة وتعود من ثم 
إلى البحر. وجهة النظر هنا وعلى العكس من الحكايات الخرافية الأخرى التي تدور 


12 


أيضا حول التوغل بالأعماق- لا تعود إلى بشر هنا بل إلى حورية البحر. الحورية هي 
كائن ينتمي إلى البحر. كانت بشوق إلى رجل أرضي يحبها كي تنعم بروح خالدة وجزء 
من سعادة البشر. شوق ا حورية لا يتوافق مع نظام الطبيعة: 

الفاصل الطبيعي بين الأرض والبحر؛ بينما يتبع الأمير قانون الطبيعة عندما 
يختار الأميرة لا حورية البحر. شوقهامتلئ بالتضادات؛ شوقها مائح للحياة ومهدد لها 
في آن واحدء اما كالبحر. أوجهها الإيجابية والسلبية تكون وحدة واحدة- الكل- 
فيها. هي ليست حكاية عن قوة أعماق البحر الخيرة أو الشريرة ولكن عن طاقة منبعثة 
من الأسفل هناك موجودة أساساً قبل أن يوجد الفاصل بين الخير والشر. بجوانبها 
الإيجابية المانحة للحياة تقود الحورية الأمير متحرراً من ولد إلى رجلء وبجانبها 
السلبي فهي تهدد الأمير بإبقائه في أوائل مرحلة النضج والنشوء وتحول دون انتقاله 
منها في يوم ما. 

تنقذ الحورية الأمير من الموت غرقاً, تحمله إلى اليابسة مغمياً عليه حيث تجده 
الأميرة هناك. حورية البحر تأخذ بالبحث عنه منذ ذلك الوقت على اليايسة. والأمير لم 
يتمكن من معرفة تلك التي أنقذته ولكنها تذكره بعروس المستقبل- هناك رابط عميق 
بين هاتين الإمرأتين: إنها حورية البحر في وجهها الإيجابي التي تقوده إلى المرأة؛ لأن 
الحورية كمانحة للحياة تشكل في داخل الرجل تلك الطاقات التي تربطه بالمرأة التي 
سيتحد بها. عن طريق وجهها الإيجابي وقيادتها له من الجانب الأنثوي إلى الرجولي 
تكمل المستقبل, وتضع نهايتها هي أيضا؛ ولكن وجهها السلبي يكبر بشكل قوي 
خلال الحكاية ( من اللحظة التي تعقد فيها اتفاقاً مع ساحرة البحر) ويصير ذلك 
شيطانياً بقوة متصاعدة طرديا مع حبها الطفولي ١‏ الذي يحمل رمزه تمثال الولد في 
حديقتها البحرية: الحياة الجامدة) قوة متصاعدة ضد الوقت تريده أن يبقى. حيث يصل 
ذروته في لبلة زفاف الأمير. لا يمكن للحورية أن تدخل المستقبل إن لم يحب الأمير 
الأميرة. لذلك كان يجب عليها أن تموت. والحورية بوجهها الإيجابي عملت على اتحاد 
الأمير بالأميرة. وبذلك فهي بطريقة ما قد دخلت المستقبل أيضاً؛ ولكن بوجهها السلبي 
تناقض ذلك فتتصارع الإثنتان في داخلها من أجل الفوز بحياة الأمير. فمازال 
بإمكانها أن تظل حورية ثانية إن قتلت الأمير: منحنية على العروسين النائمين 


13 


والسكين في يدهاء ولكنها ترميها باللحظة الأخيرة في البحر وتنحل وتذوب هي في 
البحر. 


نهاية الحكاية مأساوية ليس لأن الحورية لم تفز بالأمير ولكن لأن الأمير بحبه 
الإنساني الحقيقي حصل على الأميرة وبهذا كان عليه أن ينفصل عن الحورية. 


للحكاية هذه مستويان: الإفتراق الطبيعي بين الأرض والبحر؛ والإفتراق بين 
الحورية و الأمير والأميرة الذي يتم بلا رحمة ولامفر. وهذان المستويان يتطوران 
بانسجام طبيعي. وذلك لأن الحاضر في مسار الروي في تقدم وفي الوقت ذاته تنشأ 
معركة بين الماضي ( الفصل بين الأرض والبحر) والمستقبل ( المملكة. استمرارية 
النوع- الإنسان). هذا التوافق الزمني هو مصدر إلهام الحكاية الأساسي والخلق الفني 
الجديد, له ارتباط وثيق بإعادة أندرسن لخلق قالب الحكاية الخرافية. 


" حورية البحر الصغيرة" هي نقطة التحول الفني لأندرسن. ففي شوق الحورية 
وطاقة الحكاية الفعالة يصل الصعود بلا انقطاع من الأعماق عالياً إلى الأرض 
والضوء. وهو رمز يحمل شمولية واحتواء أكبر بكثير من حكاياته الخرافية المبكرة 
(والروايات الأولى له), إذ إن تناول الموضوعة لم يكن جديا تراجيديا. 

في " حورية البح رالصغيرة " يجمع الكاتب شخصيته ويواجه ما نفضل نحن تجنب 
مواجهته- لأثنا إن قمنا بذلك ستنقلب الأعماق علينا: هذا ما يرينا إياه " الظل" 


بوضوح شديد. 
ستي غاسموسن 
المكتبة الملكية في كوبنهاجن, دنمارك 


14 


الحب عند أثد رسن 
بيتربراسك (بروفيسور. تاريخ أدب) 


بعض حكايات أندرسن الخرافية في الفترة من ١1844-١4178‏ تشبه بعضها 
بعضاً, إنها " القصة ذاتها" ولكن متباينة, موسعة, تتطور بالتدريج. تدور حول الحب» 
النساء, المال, الجنس وأهمية النقود في لعبة الحب. لقد تصارع أندرسن مع تجاربه السلبية 
التي آلمنه وعذبته حتى جعلته يعبر عنها- بأنساق بالغة المعنى والأهمية. الحكايات 
الخرافية تظهر جهاده العاطفي العنيد. ولكنه وأثناء معالجته لنفسه يُسقط أحكاما على 
يتنه المغيطة,' - إة أن كل خبركه منانية من عندامه مع 'العالم حكاياته تقضع وتسبخر 
من العالم البرجوازي الذي ينتمي إليه ولكنه بالمقابل لم يشعر يوما بإنتمائه الكامل إليه. 
كان ابن عامل بروليتاري, ولكنه في الوقت نفسه رجل برجوازي على درجة عالية من 
التعليم؛ عرف حياة الفقر. - بالرغم من انه مات مليونيراً وغمر بالألقاب والرتب 
والأنواط. بالرغم من ذلك فلم يشعر إطلاقا بأنه كان معترفاً به. كان يشكر ربه لنجاحه 
ولكنه كان غاضباً من أصحاب الطبقة العليا الراقين في وطنه والذين لم يعترفوا بعبقريته. 

- دعنا نطلع على بعض من حكاياته الخرافية. 

في "راعي الخنازير" وقد كتبت في عام ( )١414‏ يهجو أندرسن " حاشية القيصر" 
ذلك يعني علية المجتمع. ولكن النواة في الحكاية هو الانتقام من الحب. تقليد الحاشية 
المتبع هو الإزدواجية, الإستبداد الطبقي والإدعاء والتظاهر- وهو بالفعل صراع قوى. 
عندما تتحدث سيدات القصر بالفرنسية, يكون حديث الواحدة أسوأ من الأخرى, عندما 
تكون كل معزوفات الأميرة ا موسيقية هي لحن واحد فقط تعزفه, على البيانو بإصبع واحدء 
هذا يكشف عن السطحية التي تجعل الحاشية تفضل القدر وا خحشخاشة على الوردة الجورية 
والعندليب. كان القيصر مُسيراً من قبل ابنته الغبية؛ كانت هي التي تقرر. 


15 


أمرت الأميرة نساء الحاشية بتقبيل راعي الخنازير, وعندما اعترضن ذكّرتهن يأنها 
هي ربة العمل التي تقاضيهن أجورهن. يحصل راعي الخنازير على حجرة بائسة في 
حظيرة الخنازير- الفوارق الطبقية والإستبداد الطبقي. - نساء الحاشية لا يذكرن السعر 
الوقح الذي طلبه راعي الخنازير مقابل خشخاته. - إذاً بإمكانهن أن يهمسن. تقول لهن 
الأميرة. كانت على استعداد لدفع ثمن غير محترم شريطة ألا يعرف أحد بذلك. 
"تذكروا بأنني ابنة القيصر!". كما تقول. هذه هي الازدواجية. كل شيء يقال بشفرات 
حكايات الأطفال الخرافية. ولكننا نفهم من خلف ذلك بأن ‏ على سبيل المثال ‏ مئة قبلة 
من الأميرة هو بمثل النوم معها بالفراش. 

إنها البيئة ولكن عن ماذا يدور كل شيء؟ 


في البدء سنتئاول بعض التصادات المهمة: 

احتقار الأميرة للأمير هو العكس من قبولها لمربي الخنازير: راعي الخنازير نقيض 
الأمير. لقد نبذت ابنة الملك ال حب الحقيقي ١‏ الوردة الجورية؛ العندليب)- وقبلت أن 
يكون الجنس مسألة يمكن التفاوض حولها. الأمير المنبوذ مقابل الأمير المنتقم. الأميرة 
الجريئة مقابل الأميرة الذليلة. القيصر المضطهد مقابل الأب المعاقب. نقطة الإنعطاف 
لهذه التضادات هي عندما يقوم الأمير بالتنكر بزي مربي خنازير- التناقض يستمر 
حتى ينتهي عندما يرمي الثياب ويعود مجددا الأمير الوسيم. هذا العالم بأجمعه 
مزدوج ومجزاً. الوردة الجورية النقيض للقدر؛ العندليب نقيض الخشخاشة. لاحظ أن 
والد الأمير متوفى» والدة الأميرة متوفاة. كان يجب على هذين الشابين أن يتحدا 
ويكونا زوجاً من أم وأب جديدين. الوردة الجورية من قبر أب الأمير تجسد الحب 
الحقيقي - إنها تزهر كل خمس سنوات فقطء وبالمقابل فعطرها ينسي كل الأحزان. 
العندليب يعرف كل الألحان الجميلة- على النقيض من لحن الأميرة الوحيد. الوردة 
الجورية والعندليب هما الشيء الفعلي والحقيقي. الأميرة تعيش في عالم من الإدعاء 
والخداع والزيف. تحب المشير والإصطناعي. الوقت يمر مجرد تزجية وقت, على النقيض 
من أعمال راعي الخنازير اليدوية. هي تلعب مع نساء الحاشية لعبة " جاء الغريب": من 
المثير في هذه اللعبة تمثيل الأدوار المختلفة. عندما رفض الأمير الصادق النية انتقم عن 


16 


يق: تنكره- بما هو نقيض له, ظله " نسبة إلى الحكاية الخرافية " الظل". - جعله 

القيصر يعتني بخنازيره وهذا يمثل الدوافع في أفعالهم وأشكالهم المشوهة. 

" من هذه لديئا الكثير". قال القيصرء الرجل المسكين. هيمنت عليه ابنته الطفلة 
الشريرة؛ لكنه يبقى غير مدمر. عندما غنى العندليب تذكر زوجته المتوفاة و" بكى مثل 
طفل صغير". وهذا يعني شيئاً حقيقياً. عندما بكى لم يستطع التكلم- ولكن رجل 
عجوز في الحاشية قال, إن العندليب يذكره بصندوق موسيقى القيصرة المرحومة. ذلك 
يعكس لنا شعور القيصرء ولكنه هجاء أيضاً. لأن وضع الطير الحقيقي بالمرتبة نفسها 
مع صندوق الموسيقى هو أمر تافه- وهي الثيمة التي استخدمها الكاتب في حكاية 
العندليب. 

الشيء الحاذق والصعب بشفرات حكايات أندرسن الخرافية هو انها يمكن ان تضم 
وجهات النظر المتناقضة نفس واحد. وبمجرد إضافته لبضع كلمات لا يعود الكلام 
ساذجا سطحيا. الحاشية تبدو على السطح مضحكة. ولكن بالنسبة للذين يتوجب 
عليهم العيش داخلها من حاشية وخدم يكسبون رزقهم منها فالأمر ليس مضحكا. إنه 
عالم خنازير. ولكي تتمكن من العيش فيه عليك أن تصير خنزيراً. شيطاناً- مثل الظل 
في حكايته الخرافية؛ التي يدور موضوعها بشكل مباشر حول الشيطنة أو الشر. في 
"راعي الخنازير" يلعب الأمير دور إيجابيا وسلبيا ولكنه يبقى أميرا. 

الفن في حكايات أندرسن الخرافية لا يكمن فقط في الوشج البارع في ال محتوى. 
كل قص هو عبارة عن سلسلة من المراحل التي يجب أن تنجزء هو سياق مجرى ما في 
وقت معين. الموضوعات والأحداث تتموضع في داخل هذا السياق, فتجعل هذه المواقع 
القصّ واضحا بشكل خاص وفاتن: هذه العلاقة ما نطلق عليها ب بناء النص من 
السهل مثلا في " راعي الخنازير" لمس تراكيب وبناء النص . 

في " الظل" )١18447(‏ توزعت الأقطاب بين طالب العلم الذي ينسحق ويموت 
والظل الذي يكسب العالم و لا يكسب نفسه- مثل أندرسن. - الأميرة في " راعي 
الخنازير" كانت وستظل خنزيرة صغيرة, أما "الظل" فلديه سيدتان راقيتان, إلهة الشعر 
بعينها- وأميرة شيطانية قادرة على الزواج دون إشكال من ظل. 

مقدرتهما المشتركة هي سبر غور البيئة المحيطة بهما ورئية الشر خلف كل شيء, 


17 


حتى لدى الأطفال. بالمقابل لا يريان شيئا غير ذلك. الرجل طالب العلم الذي سيقتلاته 
هو ليس مجرد ضحية بريئة: إنه يعرف الكثير ولكته يفهم القليل جدا. - في " راعي 
الخنازير”" يتضامن القص مع الأمير ويقع كل اللوم والذنب على الأميرة؛ وفي النهاية 
تُطرّد هي من قبل كل من ملكتي القيصر والأمير. في " الظل بالمقابل لم يملك أحد 
الحق في شيء. هنا ليس غير متناقضات لا توافق بينها. بين القصتين هناك زمن أمده 
عشر سئوات من عمل الكاتب. 

خطوة على الطريق نجدها في " الراعية ومنظف المداخن"؛ وعلى مستوى أعلى في 
حكاية " العندليب" وهي الجواب أو الصنو الإيجابي ل " الظل". في الحكايات الخرافية 
التي جاءت من قبل نجد القوة الإيجابية مرتبطة بالمرأة. ولذا فقد كان من غير الممكن 
تقريباً تحرير قوة إيجابية:؛ لأن المرأة مقيدة بالسلبي: الجنس, الإقتصاد., الفارق 
الطبقي- ولكن في " العندليب" تسحرر القوة الإيجابية من المرأة وتصور بشكل 
تجريدي, ألا وهي العندليب نفسه. 

في " الراعية ومنظف المداخن" )١1846(‏ لم يكن التفريق بعد ولكن الموقف 
والرأي قد تغير. الراوي يسيطر على القص ويتمكن من ذلك لأن اللعب كان بين أشياء 
لا بشر. أشياء استخدمت لخصائصها المعينة لا غيرء بما له علاقة بمجرى الحكاية فقط. 
التمثالان من الخزف الصيني هما اصطناعيان. ولكي يكونا حقيقيين عليهما الهروب 
من هذا العالم المحافظ البرجوازي إلى أعلى عبر المدخنة. كان لدى منظف المداخن 
الشجاعة والسلمء وكأنه خلق لرحلة الإستكشاف في العالم الفسيح. ولكنهما عندما 
نظرا من على السطح في الأعلى فقدت الراعية شجاعتها. يعودان رغم " إن ذلك كان 
حماقة" كما يقول الكاتب. الشخوص في الحكاية هم لعب اطفال وتحف خزفية صغيرة 
للزريئنة واندرسن عندما يستخدمهم يوجه نقدا شديدا إلى شروط ذاك العالم المحافظ. 
ولكي نرى ذلك بشكل واضح عليئنا ان نبحث في تفاصيل نص الحكاية؛ يمكن قراءة 
المزيد عن ذلك في الدراسة التحليلية " الخروج إلى العالم الفسيع". 

عندما ينجح أندرسن بفضح ميكانيكية هذا العالم, فذلك يعود إلى كونه هو نفسه 
قد عجز عن الخروج من هذه العجلة. فلكي يمكن للحب من أن يكون واقعياً بمستوى 
برجوازي جيد كان على أندرسن أن يجني المال من عمله ككاتب, وهذا يتطلب منه 


18 


الإلهام. وحياة عاطفية لم يكن بمقدوره توفيرها وعيشها لأنه لم يتدبر أمره اقتصادياً 
بعد ... وهكذا. 

المشاعر صارت شيطانية تنقل بلا خيار إلى أمكنة اخرى. ولكن لما كان الراوي في 
قصة " الراعية ومنظف المداخن" متسامحاً مع المرأة. أكثر منه في قصة " راعي 
الخنازير" فهذا يعود إلى مقدار تعمقه في الحياة والذي كان " العندليب" شاهداً على 
ذلك. في العندليب قد تم تحرر الإلهام. قل التأزم الذي كان في داخل أندرسن بما له 
علاقة بالجنس والمرأة- مصدر الإلهام لم يكن الوضع الإقتصادي والجنس. 

وفي " الناقوس" حزيران ١8140‏ ما زعمه الكاتب كان أن الفارق الطبقي لا يمكن 
أن يكون العائق المطلق في طريق الوصول إلى أهم حكمة في فهم الحياة. ولكن وبعد 
عام سنرى في الحكاية الخرافية " الظل" بأن كل المشاكل تعود مجددا بشكل أقوى 
ولكن بتنويع أرقى إلى حد بعيد. 


19 


المجيء إلى العالم 
بيتربراسك 


حول حكاية " الراعية ومنظف المداخن" الخرافية 

ل هانس كريستيان أندرسن 

انها قصة مقتضبة الروي حول محاولة فاشلة لتحقيق علاقة الحب وجودياً. الحكاية 
الخرافية التقليدية تختم بنهاية سعيدة ( عاشوا عيشة سعيدة) ولكنها هنا تختم 
بأسلوب تهكمي لاذع. وهذه النهاية تتوافق مع محاولة المحبين الفاشلة في الإنفصال 
عن عادات وتقاليد العالم المرجأً حيث الحياة فيه مع وقف التنفيذ. 

كُسّم الكون في هذه الحكاية إلى قسمين: غرفة المعيشة و" العالم الفسيح". الرابط 
بينهما هو المدخنة والموقد. قسمت غرفة المعيشة وحدها إلى مناطق عديدة,. بحيث كانت 
هناك رحلة بحالها من منطقة إلى أخرى. 

الشخوص في ثلاثة مستويات في النص. ال " المستوى الأعلى؛ وهو الأقرب إلى 
القارئ حيث يوجد راو بالإضافة إلى شخص يتحدث إليه: " أنت". لهؤلاء وجد باقي 
الأشخاص. المستوى الثاني هو عالم البشر وهو المستوى الوسطي حيث أبطال الحكاية 
الخرافية هم أمثلة جمادية ( الخزانة, الدمى الخزفية...) وهنا توجد العائلة: الجدة 
والأطفال. المستوى الثالث هو المستوى الداخلي ويضم الممثلين الحقيقيين: الراعية, 
منظف المداخن, الصيئي. ا ماعز. الغزلان. سندانة الزهر المجفف وأناس ورق اللعب. في 
هذا المستوى يمكن الإشارة إلى العائلة, ولكنها تلعب دورا تقنيا فقط. كحقيقة مادية لا 
تدخل في النص من جانبه النفسي, لكن على المرء أن يأخذها بنظر الإعتبار: كما في : 

- " عندما يلصقون ظهره...", هؤلاء هم الناس في غرفة المعيشة. 

وأيضا في: 


21 


"وقد وضع كل منهما حيث وضع": كما قيل عن الراعية ومنظف المداخن. 

العالم البشري الذي تمثله العائلة في غرفة المعيشة له خصائص من القدر أو قانون 
الطبيعة للممثلين في المستوى الداخلي ( الراعية, منظف المداخن؛ الصينيء الخ...). 
وبالمناسبة فما عدا ذلك لا علاقة للممثلين بالعالم البشري في المستوى الوسطي. 

المشاهدات وتعليقات الراوي لا يمكن أن تُفصّل عن وصفه للممثلين أو تحدثه عن 
أفكارهم وأدوراهم. ولكن يمكن ان نرى بوضوح أن بعض التعليقات كانت على لسان 
الراوي: 

حول الماعز: "و كان نحمّه شأنا كبيراً أيضاً. على كل حال كان هو هناك" 

حول منظف المداخن: " كوه منظفّ مداخن, فهو شيء تخيلَهُ الخزاف, وإلا فقد كان 
بإمكانه أن يصنع منه أميرا. لأن الأمرَ واحد." 

حول الصيني الذي يقول إنه جد الراعية: " ولكن لم يكن من المؤكد أن باستطاعته 
إثبات ذلك " 

" وكانت بالفعل هناك نجمةٌ في السماء تسطع لهما في الأسفل. وكأنها كانت تود 
أن تريهما الطريق." 

"... وقد كانا متعبين بالفعل" و " وكان لهما الحق في أن يكونا كذلك" 

"لم يكن بمقدوره غير أن يستسلم لرغبتها رغم أن ذلك كان حماقة" 

وجاء أيضا حول وجه منظف المداخن: " ويوجه ابيض واحمر كوجه فتاة صغيرة, 
وكان هذا خطأ بالذات, كان جميلا لو أضاف قليلاً من الأسود" 

تظهر التعليقات الصغيرة هذه, والتي تبدو وكأنها قد ألقيت من دون قصدء 
توضيحات تعتبر أساسية لتفسير المشهد. 

عن ذلك سنقرأ المزيد لاحقا. 

الطفل الذي تقرأ له الحكاية ينادى عليه من قبل الكبير في الحكاية ب " أنت" وهي 
تقال في أول جملة من الحكاية فقط. هذا التصور يعطي الإنطباع بأن الحديث موجه إلى 
طفل؛ يمكن تتبعه باختيار التعابير الوصفية, بالأخص الموضوعية؛ والتي تتكرر كما 
هي قاما في أسلوب أندرسن بالوصف: ( نقي. حسن. جميل. رقيق. صغيرء مسكين, 
قاس). التصور مبئي في مكان واحد فقط. مقتبس من أشعار الأطفال المغناة: " منظف 


22 


مداخن صغيرء أسود كالفحم, ولكته.." - وهذا المقطع هو من أغنية للعبة أطفال 
شعبية. يتم أخيراً تثبيت التصور بهذه التوضيحات,. والتي غالبا ما توصل شيئا 
للقارئ الكبير الذي في الأساس لا علاقة له بما يجب أن يوضح للسامع - الطفل. هذا 
الوضع يؤكد أن الطفل هو مجرد خيال وابتداع في النص. مثال على ذلك: 

" كوثه منظف مداخن. فهو شيء تخيلهُ الخراف” وهو مجرد توضيح للأطفال؛ 
ولكن التتمة: 

" وإلا فقد كان بإمكانه أن يصنع منه أميراً, لأن الأمرَ واحدٌ ". هذه العبارة تهدف 
إلى إخبار القارئ الكبير بأن منظف المداخن لديه مكانة رمزية في هذه الحكاية كأمير 
وراعية كذلك أميرة. - وبا مناسبة فهناك أسباب تربوية وجيهة كي تكون لدى الأطفال 
هذه المعلومة حول منظف المداخن, لأن هذا اللقب اقترن في زمن الحكاية حينذاك بشيء 
سلبي ومزعج؛ ففي سنوات ال 188٠0‏ كانت الناس لاتزال تهدد الأطفال وترعبهم 
بمنظف المداخن. 


بنية مستويات التخيل قَكّن الراوي. وهو (هنا انسان وأيضا راو) من سبر عالم 
الممثلين في طريقتين- اللتين كانت الواحدة منهما تقطع الطريق على الأخرى: الأولى 
هي عالم الدمى, حيث الممثلون لا يملكون فيه القرارء والثائية كواقع يكون فيه الممثلون 
أصحاب قرار. يمكن للمرء أن يعترض بأن الكاتب كان يمكنه الإكتفاء بالمستويين 
الوسطي والداخلي. بمعنى حذف مستوى الراوي. ولكن فقط من خلال الراوي يمكن 
للكاتب بطريقة غير إجبارية أن يصدر حكماً إيجابا أو سلباً بشأن محاولة الهروب. 

أما الهروب بالنسبة للممثلين فقد كان فعلاً إجبارياً: " ... لا يمكننا البقاء هنا". 

في المستوى الوسطي لا يوجد حدث نهائي؛. و إصدار حكم ما هناء ذلك غير تمكن 
إلا بطريقة بارعة جدا. ولكن بالنسبة لأندرسن فقد دْسّت بشكل تلقائي طبيعي إلى 
درجة يصعب معها ملاحظة ذلك. 

يبدو الأسلوب وكأنه كلاسيكي: مقدمة جامدة- وحدث متناول ديناميكي- حكم 
قطعي. ولكنه لا يقدم لنا تنويرا أكثر. التأمل في ذلك يجعلنا ولاشك نلاحظ أسلوب 
المقطع الوسطي: 


23 


أطراف المعادلة أ١‏ إلى أ4 في سلسلة الأحداث أ تأتي ثانية في نقائضها ب١‏ 
إلى ب8 في السلسلة ب: 
أ ب 


١‏ . يريد الماعز الراعية والصيني يوميء برأسه إيجاباً 2 ١‏ . يتقدم الماعز للخطبة ثانية ولكن الصيني لا 


يوميء برأسه . 
؟ . تترجى الراعية منظف المداخن الهرب معها . ؟ . تترجى الراعية منظف المداخن العودة معها 
" . التزول من الطاولة . . الصعود إلى الطاولة . 
؛ . تكسر الصيني ؛ . يلحم الصيني . 


ه . تعد الراعية بأن تكون شجاعة . . تفقد الراعية شجاعتها تاماً . 


6. 


١‏ . تؤكد الراعية بأئها قد فكرت جيدا بمدى وسع ١‏ .لم يدر بخلد الراعية يوما سعة وكبر العالم 


وكبر العالم الفسيح . الفسيح هذا : " العالم كبير جداً” 
. الصعود إلى أعلى في المدختة . . النزول إلى الأسفل في المدختة . 
. تلطع نجمة . . سطعت كل النجمات . 


المتناقضات في أ١‏ تقابلها ب١,‏ وهكذا. ل أن ( ن عدد ما) هناك بن حيث 
ن- من ١‏ إلى 8. ولكن نظام أطراف المعادلة في سياق الروي ليس هو نفسه في ب 
كما هو في أ. نظاما سياق الروي المتوالي هو كالآتي: 

أ 91” ع ولام 

ب:548ه؟ ا" ١‏ 

من السهل الإدراك بأن نظام أطراف المعادلة ب لم يأت بالمصادفة؛ 

كل طرف يفترض بالضرورة الذي قبله: سطعت كل النجمات (ب 8) تقف خلف 
الموقف الذي يجعل الراعية تجد أن العالم كيير جدا (ب 5)- إحساسها بكبر العالم 
جعلها تفقد الشجاعة ( ب 0) لذا فهي تترجى منظف المداخن العودة معها ( ب ؟), 


24 


والذي قد حدث (ب ل, ب "). عملية لحم الصيني ( ب 4) كان شرطاً ضرورياً لكل 
من الماعز الذي يريد التقدم إليه للزواج ( إذ بدون عملية اللحم لن يكون هو هناك على 
الطاولة) وأيضاً من أجل ألا يتمكن من الإيماء برأسه ( وذلك بسبب اللحم بالضبط), 
وهكذا يشترط ب 4 ب, ١‏ لدينا إذاً سلسلة الشرط ب,8.ب" وسلسلة ب4. ب١‏ 

هنا نفتقد تبريراً ل ب4 مشروطة ب ب,8..ب,” لا يوجد تعليل من النوع الذي 
رصدناه حتى الآن. وهذا يظهر أن بإمكاننا من خلال تحليل الحكاية إيجاد الربط 
المفقود. الرابط من هذا النوع بين عناصر النص والذي لا يمكن إيجاده إلا عن طريق 
تحليل النص نطلق عليه ب "الرابط الرمزي". حتى الآن نفترض إذاً أن هناك رابطأاً رمزياً 
بين: الحدث و الراعية ومنظف المداخن يعودان ثانية والحدث حيث الصيني يلحم. ومنها 
علينا أن نجد أساسا أكثر دقة في النص لهذه الفرضية. لنقرأ الحكاية من البداية. 
يقتتضي على المرء أن يكون دقيق الملاحظة جدا بشأن البداية. 


الجملة الأولى تُطرح على شكل سوال ومع المخاطب " أنت" أسلوب الروي المتخيل 
ذاته. بالمناسبة يدخل النص مباشرة بال موضوع من خلال وصف الخزانة. هذا الوصف 
يسيطر على النص حتى " الأطفال في غرفة المعيشة". السؤال بلاغي منمقء يمكن من 
خلال اسلوب الطرح في المقدمة افتراض الجواب التالي " أجل؛ ..." قبل المتابعة: 
"مثل هذه قاما...." الذي يساهم بالروي المتخيل هو أن هناك حديثا أو لغة طفل في 
ذلك: 

" مثل هذه تماما كانت هناك واحدة في غرفة معيشة, خزانة موروثة من جد الأم 
الأكبرء نُحَنَتَْ بالورود والزنابق من الأعلى إلى الأسفل" 

من داهس " ...ولحية طويلة" كانت الخزانة هي التي تجمع النص بلحمة 
واحدة. وقد أضيفت قدرات مختلفة من خلال الروي: أولا ما يعرفه الطفل في " هل 
رأيت؟... مثل هذه ". ومن ثم العمر والمكان التاريخي. ومن ثم الديكور. عبر ذلك 
ينتقل الإنتباه إلى الماعز. وصف الخزانة يقاد باتجاه الماعز: في البدء لدينا صنف الخزانة 
" مثل هذه..." ومن ثم الخزائة المعينة, في المكان المعين ( " غرفة معيشة"). يتم فحص 


25 


ديكوره من أعلى وأسفل. ( " من الأعلى إلى الأسفل") ومن الخزانة كقطعة واحدة إلى 
جزئياتها: "أعجب اللوالب المحفورة في الخشب". والتي يتم من ثم وصفها بتمييز 
أكثر: " بينها غزلانٌ صغيرة مدّت رؤوسّها للأمام بشعاب قرون كثيرة". بعدها نصل 
إلى مركز الخزانة: 

" وفي وسط الخزانة كان هناك رجلُ كامل". - عندها ينتقل الإهتمام إليه.- كل 
هذه العملية تشغل 17 كلمة فقط لرواية الحدث, وال59 كلمة التي تأتي بعدها ستكون 
عن هذا الرجل, بعدها نستمر بالقراءة بتكنيك في الروي: " ينظر تجاه الطاولة تحت 
المرآة دوما". وتدخل بعدها الراعية 14 كلمة. بعدها يلتقي القارئ بالرابط : "وقف 
بجانيها قاما..." هذا الرابط يجعل وصف منظف المداخن 6١(‏ كلمة) بالغ ا معنى أوية 
بتكرار الكاتب ل " انتصب قرب الراعية تاما". وثانياً وبدرجة أكبر عندما يجعل من 
موقعهما هذا من بعضهما بعضاً غير المتوقع والخالي قاما من معنى على تحديد السبب 
في الموقف الأكثر مركزية في الحكاية. 

"وقد وضع كل منهما حيث وضبعء وبا أنهما وضعا بهذه الصورة فقد خُطبا لبعض" 


وأخيرا نصادف ثائية "مبدأ الجيرة": 

* بالقرب منهما كانت هناك تحفةٌ" 

كل السيناريو في تقديم الشخوص كان ساكناً: 

مثل هذه تام ( الخزانة) كانت هناك واحدة في غرفة معيشة» 
وفي وسط الخزانة كان هناك رجلٌ كاملٌ منحوت 

تحت المرآة... هناك وقفت... راعية, 


وقد وضع كل منهما... وما أنهما وضعا بهذه الصورة 

بالقرب منهما كانت هناك تحفة ( ملاحظة توضيحية: الكلمات وقف. كان هناك ,2 
وضعء انتصب حلت بالترجمة محل كلمة واحدة باللغة الدفاركية بالمقابل وهي الكلمة 
وقف وتعني السكون. المترجم) 


26 


هذا السكون لا يُعطى فقط من خلال تكرار الفعل "وقف". إن غرفة المعيشة كانت 
على ما كانت عليه في زمن الجدة ومتوارثة ما يجعل السكون أو التحجر يفضي إلى 
أن كل غرفة المعيشة هي عالم ماض» تاريخاً, وتعبيراً كما نقرأً: 

- فالأطفال في غرفة المعيشة يسمونه دوما رجل الماعز... 

- ينظر تجاه الطاولة تحت المرآة دوما 

تساهم هذه الجمل في اللا زمن للإنطباع الساكن. بعدها يقرأ هذا السكون أيضاً 
في موقف التقدم لطلب الزواج نفسه؛ حيث الماعز " تقدم لخطبة الراعية", بإمكان المرء 
قراءة " التقدم لطلب الزواج" تماما وكأن الماعز كان معتاداً دوما على التقدم للزواج. - 
السيناريو يضع إطاراً لماعز في موقع تقدم للزواج وكأنه أبدي ("ينظر تجاه الطاولة تحت 
المرآة دوما"). وبالرغم ما روي عن الصيني بأنه " أومأ بالإيجاب" للماعز- ولكن لم 
يتم ذكر متى تم ذلك. الزمن لم يكن موجوداً أو إنه قد ألغي: من الجائز أن يكون قد 
اوما في زمن شباب الجدة. 

وهنا يأتي أول حوار 

ا حوار الأول هو بدء شروع ا حدث بضربة عصا سحرية: الدمى الخرس تتحول إلى 
أشخاص ناطقة؛ فينشأ خيال جديد ويئيّت هذا الخيال إلى آخر خمس كلمات في 
الحكاية. إدراك السبب خلف تصدع المدخيل في آخر خمس كلمات في الحكاية هو 
العامل الحاسم في فهم الحكاية كلها. وحول ذلك ستقراأ المزيد. 

لم يقم الكاتب إلى حد الآن إلا بوصف أبطاله فقط. وقد مر سبع الحكاية. الأمر 
ليس اعتياديا ولا من ضمن الأسلوب نهائياً. والسبب هو أن الشخصيات في الحكاية 
معرفة, ليس هناك إخراج مسرحي لهاء ليس هناك من وصف مسبق ضروري. يمكن 
البدء مباشرة. في الأغلب يأتي الحوار في حكاياته الخرافية بزمن أبكر. ( انظر: 
المحبون, إبرة الرفو. تل الجن, القبة). عندما تأخذ الحكاية حيزاً كبيراً في المقدمة هنا 
كما هو حاصل فذلك يعود إلى أن الأشخاص ليسوا معرقين. بخلاف ذلك فالأشخاص 
عموما معرفون بالرغم من انهم من خلق أندرسن في الحكايات ( جندي الصفيح 
الصامد, الدوامة. الكرة. شجرة الصنوبر أبرة الرفوء القبة). هم موجودون وتبدأ بعدها 
الحكاية: " كان هناك س الذي ..." السيب بأن الأشخاص ليسوا معرفين هنا قد يعود 


27 


إلى يقين الكاتب من دورهم الرمزيء الذي يحدد نغمة عرضهم المبطنة أيضاً. وهذا 
بالإمكان رؤيته في وجهة نظر النص المحكى بإحالاته وتعليقاته. حيث وحتى نهاية 
العرض المسرحي يتم التأكيد على أن الموصوفين هنا هم أدوار مسرحية: 

- " بالقرب منهما كانت هناك تحفةٌ أخرى". 

الإنتقالة من الوصف الظاهري من فوقء يمكن للمرء أن يقول- ويفكر بمسرح الدمى 
ولاعب الدمى إلى الوصف المصاحب والمحسوسء أي بمعنى آخر إلى تقبل الراوي و 
القراء لعالم الدمى ك" واقع حقيقي", كل هذا قد حدث بالضبط في الحوار الأول. قد 
ذكر بالتحديد فيه الأمر الذي أجبر الراعية ومنظف المداخن على الهروب وقطع الرحلة: 

" ستحصلين على رجل محترم بالفعل" 

ومن هنا ستهيمن الحوارات على ما تبقى من سياق النص, وهي حركة درامية مئة بالمئة. 

إذا قمنا بالعدٌ فهناك من مجموع ١60١‏ سطراً من ال حوار الأول إلى نهاية النص 
و١/‏ سطراً فيها حوار. لا يمكن بالمرة تبرير وجودها بهذا الحيز الصغير إن لمس المرء 
هيمنة هذه الحوارات. من خلالها تم إظهار مشاعر الأشخاص؛ الفقرات الخالية من 
ال حوارات تستخدم بالغالب لوصف الحدث/الفعل؛ هناك فقط مقطع واحد كبير: 
السيناريو الذي حصل في الجارور بين أناس ورق اللعب. كان الإنتقال في المقطع الأول 
للحكاية بين الأشياء الموجودة انسيابيا' والسبب هو حبك العلاقات بين الأشياء 
وتناولها الواحد بعد الآخر ومن ثم تناولها جزءاً جزءاً. جاراً بعد جار. انها عين الراوي 
التي تتنقل من موجود إلى آخر. نبدأ من ثم, بعد ا حوارء لنرى من خلال الممثلين؛ عن 
طريق عين الراعية ومنظف المداخن اللذين يتحركان خلال العالم بشكل نقلات. حيث كل 
نقلة تكون ناتجة عن التفكير الذي يعقب ال حوارات التي تطرح. نحصل على حركة 
مستمرة بنقلات ولكنها نقلات على شكل قفزات عبر المكان وعبر الحدث. عندما كانت 
الحوارات هي التي تقرر ا حركة, نفهم أنها هي التي تتحكم في النص وهي المتحكمة 
في تحرك القارئ في زمن- فضاء العالم المتخيل. لاحظ أيضاً أن التحرك المادي 
للراعية ومنظف المداخن يمكن أن يحدث داخل الحوارات: 

"" آهء لو كنا تحت على الأرض/ لو كان بإمكاننا النزول فقط من على الطاولة' 

قالت" 


28 


كما يمكن أيضا لملخص مشاعرهم أن يبنى في وصف الراوي ( والذي بدوره يضم 
ايضا مادة حوار): 

" لم تتصور الراعية المسكينة أن الأمر هكذا أبدأ" 

وصف الشخصية إذاً بالغ الأهمية, ولكن ماذا يعني ذلك؟ - في البدء تم وصف 
الماعز. إنه منتصف الخزانة. والتي نحتت مثل غابة وحشية ( من ورق الئباتات». من 
أعجب اللوالب المحفورة في الخشب"). له رجل الماعزء قرون صغيرة في الجبهة ولحية 
طويلة: إنه الشهواني في غابة الغرائز. الشخصية العربيدة تمثل تاريخيا الغريرة 
الجنسية, ذلك يعني الجزء الحيواني فقط من الحب. " والقهقهة التي كانت بلا شك من 
اختصاصه لا يمكن اعتبارها ضحكا"؛ بل له قهقهة وليس ضحكة يتناسب مع كونه 
الغريزة الأساسية الأولية:- الضحكة تتطلب روحاً. ولكن كائنه يُوارى باللا اسم. كان 
اسم الكنية: - رِجل الماعز اللواء العسكري الأعلى الأسفل الآمر الرقيب, وهو ما أطلق 
عليه الأطفال في غرفة المعيشة ( الأطفال كانوا في غرفة المعيشة فقط من أجل ذلك لا 
نسمع عن شيء آخر عنهم). لا يمكن أن يحمل كائن بشري إسماً كهذاء وهو لم يكن 
كذلك أيضاً. الأطفال لم يعرفوا اسمه الحقيقي- الكاتب يدعي كذلك عدم معرفته 
بذلك. الإسم المستعار قد تشكل من قبل القدرات الخارجية والداخلية للرجل الشهواني 
بطرافة وفصاحة لغوية بالغة في الوقت نفسه: " رجل الماعز-" له ميزة الشهواني الذي 
يتصرف بحكم غرائزه لا عقله. لا أحد يعلم السبب الذي أدى إلى توصل الأطفال إلى 
تشبيهه بنوع من رقيب ( وفضلا عن ذلك الأعلى والأسفل). إذا فالتعليل يعود إلى 
الكاتب وليس لهم: الرجل هو الغريزة الجنسية الضاغطة بخشونة؛ وقد تم تناولها 
بشكل دعابي. لذا فمن المعقول أن يكون تبرير الأطفال للاسم غير معقول: 

" كان اسماً من الصعب نطقه. " 

( إن انتباه أندرسن للإملائي والصوتي مدهش في الكلمة؛ يمكن ملاحظته في 
حكاية " جرح القلب" حيث إمرأة الدبّاغ كان عليها أن تكتب عنوان المرسل إليه على 
المظروف وهو " اللواء العسكري. الموقر... إلى آخره " ولكنها توقفت منتصف عبارة 
اللواء العسكري, تنهدت وقالت: لا يمكنني ذلك فأنا مجرد إمرأة!". 

شحنة الماعز الرمزية كانت تشف من خلال التعليق الغريب للراوي: 


29 


" ليس هناك الكثير ثمن يحصلون على هذا اللقب" 

و" كان نحته شأنا كبيرا أيضاً. " 

هذا التعليق جاء بشكل ساخرء مبطن, غريب أو يمكن القول إنه خطأ؛ بأن الشاب 
قد نحت ووضع للفرجة. ثئمة مسحة من الاحتقار في هذه الكلمات لوجود الوحش 
المقفى :ازنك التععب يطل عترنا بكستب الرء هونة ترفل لاع جمتوض] عندها 
نقرأ في الكثير من الحكايات, الروايات والرسائل الخاصة بالكاتب ويومياته ما يدل 
على خوف أندرسن في الجانب الجنسي. ولكن هنا قد تم المسك بالشهواني من قرونه. 
اعترافه بوجود هذا الشهواني المفروغ منه كان شرط تكون الحكاية- والفحوى الحقيقي 
للمقطع التالي: 

" على كل حال كان هو هناك". 

أصله لم يتم توضيحه, ولكن الخزانة: 

* كانت موروثة من الجدةه 

والتي بالنسبة إلى مخيلة الأطفال يرونها قد وجدت منذ بدء الخليقة. حيث الجد 
والجدة هما الأكبر سنا من بين الذين نعرفهم. 

نتابع خلال الشهواني الموصوف بدقة نظرته إلى هناك والتي ترى دوماً: 

" راعية صغيرة حسناء من الخزف الصيني". 

لا يذكر غير المظهر الخارجي للبطلة: ثياب راعية لحاشية الملك التقليدية؛ ثم وصف 
تقليدي تاماً: 

" كانت حلوة". 

البطل يوصف بالطريقة ذاتها. بدايةً فهما أناس من الخزف الصيني, مقدرتهما 
كراعية ومنظف مداخن كانت: 

ا ري 

يمثلانه, بينئما هما في الحقيقة أمير وأميرة. معرفة الراوي المزدوجة تنكشف هنا 
بشكل مبطنء فهو يقول عن وجه منظف المداخن البتّوتي, بأن نظافته كانت بالحقيقة: 

" خطأ بالذات. كان جميلا لو أضاف قليلاً من الأسوه” 

يبدو على السطح أنه نقد جمالي للخزاف. ولكن بمهارة بارعة خفية يبدو الوصف 


30 


إشارة إلى نقص وجود: البطل, كما البطلة أيضاء ليس هناك - لحد الان- غير دورهما 
الخارجي السطحي. بالحقيقة فوقفتهما تحت المرآة لم تكن للاشيء. الوقفة تثل النقطة 
التي يعودان فيها إلى المرآة من جديد بشكل تراجيدي.- عندما اشتاقت الراعية لبيتها 
كان ذلك ل " الطاولة الصغيرة تحت المرآة". المرآة تُظهر خارجنا. - وبالنسبة لخارج 
الزوجين الطبيعي التقليدي فهو إجابة لعلاقتهما ببعضهما بعضاً: 

' وقد وضع كل منهما حيث وضع؛ وبما أنهما وضعا بهذه الصورة فقد خُطبا 

إنها قوى خارجية أكثر منها غرائز داخلية, التي تقودهما تجاه بعضهما. بقول 
منسوب إليهما من قبل الكاتب: " كانا ملائمين لبعضهما بعضاً. شابين. كلاهما من 
الخزف ذاته. وكلاهما قابلٌ للكسر" . الإثبات للقول المنسوب هو: 

" وما لاشك فيه". 

يمكن للمرء أن يعتقد أن القول هو بمثابة تقدم لطلب الزواج من قبل منظف المداخن 
.- إنها مجموعة كليشات! زوج عاشق, خاصء غير عاطفي (" من الشباب")؛- 
أقوى حوار عاطفي كان هو الذي جاء فيه: 

والذي يحمل في غالبه عتبا؛- ويتبع هذا الحوار بالمداعبة الوحيدة في الحكاية 
والتي هي قبلة والتي كانت على الأكثر من أجل الإقناع. 

كان الصيني قد قُدّم في الأخير وهو الشخصية الأكثر قتامة. المخفي يبراعة يصير 
هنا واضحا جداء بحيث يشعر المرء بالريبة إن لم يكن قد شعر بها مسبقاً. علاقته 
بالحبيبين الخزفيين قاتمة وليس لها توضيح إطلاقا في النص. ما يريطهم هو المادة التي 
صنعوا منها.- ولكن الصيني أكبر حجما منهما ثلاث مرات. وقد قال بنفسه إنه جد 
الراعية الصغيرة: 

" ولكن لم يكن أكيداً أن باستطاعته إثبات ذلك." 

أجل هكذا كتب بالفعل. أن نقرأ ذلك على أساس أنها غمزة سوقية رخيصة 
بخصوص الأبوة سيكون ذلك مخالفا تماما لأسلوب أندرسن. ولكن ما و مَنْ هو الصيني 
إذاً؟ ذلك ما يجب أن يحدده الحدث في النص ومكانة الصيني فيه: 


31 


* لقد زعم أنه وصي عليها" 

ألا وهي الراعية؛ ولكن إذا كان لديه بالفعل وصاية عليها يجب أن يظهره الحدث, 
لأن في " َعم" ذات التحفظ الخاص الموجود في " ولكن لم يكن أكيداً أن باستطاعته 
إثبات ذلك."؛ ذلك مبعث شك. لقد وعد الصيني الرجل الماعز إلخ... بصلاحيته 
للحصول على الراعية. وهو الآن يود أن يقنعها بعظمة هذا الشهواني العربيد. 

يوضح الحوار بين الراعية والصيني شخصية الصيني. حجته الأولى كانت 
برجوازية: الرجل الماعز كان غنياًء ابتداء وفق ما نرى في شجر الماهوغاني. وهذا يبينه 
تاريخ التقليد الثقافي آنذاك: الماهوغاني هو نوع من الخشب ثمين جداً وقد كان في 
زمن الحكاية هذه المفضل في أواخر أيام هذا الطراز الدفاركي, حيث يطلق اليوم على 
الأثاث المصنوع من هذا االطراز " كريستيان الثامن", الذي يمتاز بالزخرفة المنحوتة. 
وهذا يؤكد بالمناسبة أن المقولة " الجدة" ليست تاريخ الأثاث إنما هي وظيفة بحد ذاتها 
في البناء الداخلي للنص. رجل الماهوغاني له لقب راق والخزانة ملأى بالفضيات تذكّر 
بالحديث الواعظ لفأرة ا حقول إلى إنجليسا في الموقف نفسه في حكاية " إنجليسا". 
ولكن الراعية لم تكن بحاجة كي تصير مدام رجل الماعز ... إلخ, لذا يضيف الصيني 
حينها " عدا عما يملكه في المخابئ السرية!" وهو يفكر بذلك بالقيمة المادية للأشياء 
المخبأة في المخابئ السرية للخزانة, فتفكر هي أن ذلك يعني بأن الماعز لديه حريم في 
الداخل. حينها يفقد العجوز صبره (مثل فأرة الحقول) عندما تقول له الراعية: 

- " يقال إن لديه إحدى عشرة زوجة من الخزف الصيني في الداخل!" 

- " وستصيرين الثانية عشرة !" قال الصيني, " هذه الليلة, وحالما تُسمَعٌ طقطقةٌ 
في الخزانة القديمة. عليكما الزواج. لن أكون صينياً إن لم يحدث ذلك!" وأومأ برأسه 
ونام. 

ومثل فأرة الحقول التي هددت بسنها الأبيض, فالصيني هو بطرياركي متجبر 
لاسلطة لديه على الراعية أن لم تخضع لتهديداته. حينها سيكون بالفعل مثل جدها. 
إثباته لسلطته تتلخص بالإجبار فقط. إن قاومته ستفقد أبوته صلاحيتها. هل نجح في 


ذلك؟ هذا ما تبينه بقية الحكاية. 


32 


يمكن أن يكون في رغبة الصيني بأن يقام الزفاف في الليل دلالة تقنية ورمزية. 
الجانب التقني يكمن في تعليل التوقيت هو إن عالم لعب الأطفال يتفتح عندما ينام 
البشر. شأن كل العوالم السحرية, في حكايات إي. تي.أي. هوفمان مثلا وفي 
الحكايات الأولى التي كتبها أندرسن (" زهور إيدا الصغيرة"” 80 .)١181‏ ولكن زمن 
الحدث في حكاية " الراعية ومنظف المداخن" لم يكن محددا ب منتصف الليلء إنه يبدأ 
في المساء؛ لهذا هناك معنى رمزي في أن يتم الزفاف في الليل وبعد إشارة محددة: 
حالما تسمع طقطقة وذلك بالحقيقة له وقع مرعب!- نفس السياق الذي نجده في التعبير 
التقليدي للحكاية الخرافية: "عندما تدق ساعة البرج الثانية عشرة...". الطقس له 
طابع شيطاني؛ إنه زفاف أسود, وكأنه قداس أسود - بالقّسّم بشخصه يشير الصيني 
إلى إن خارجه هو إشارة إلى الكائن داخله: لنعلم بأن " كل ماهو صيني" في عالم 
أندرسن هو الإصطناعي. المعقد الصنع والأنيق (انظر " العندليب"). وينتهي الحوار ب: 
" وأوماً براسه ونام". ليس عند الصيني غير فعالية جسدية واحدة وهي أن يومئ 
برأسه. الإقتصاد بالكلمات هو علامة جودة للفن الراقي: الأشياء التي تستعرض رمز 
يمكن أن تستغل تقنياً من قبل الكاتب لتعطي أكثر من رمز. استخدم أندرسن إيماءة 
الصيني قبلاً بانسجام مع توافق تعبيري بحركة الجسد كتصديق على الزواج ( هو أومأ 
برأسه أن نعم للماعز), والآن تستغل إيماءة أخرى: إيماءة التعبير عن النعاس. هذا 
الإقتصاد بالتعبير يتناسب مع أن الخارجي في الحكاية هو الداخلي. عندما يكون هناك 
تحديداً إحدى عشرة زوجة خزفية عند زير النساءء إذ ستكون الراعية هي الإثنتي 
عشرة» والأرقام لن تكون بالضرورة إشارة أو مقياساً للحريم- من الممكن أن تكون /ا- 
فتيات!- ولكن تم اختيار الإثنتي عشرة من قبل الكاتب لأنها تتناسب مع رمزية 
الأشياء. وهي هنا خزانة شراشف الطاولة ومفارش التقديم والمحارم التي توجد في بيوت 
الأغنياء من الطبقة الراقية التي مُلئت بدزينات من المفارش المشتراة. الراعية تقنياً هي 
الرقم الإثنا عشر في دزينة من فتيات الدمى الخزفية المستخدمة عادة للزينة, ولكنها 
الوحيدة التي تقف على الطاولة الصغيرة خارج الخزانة. في الطبقة الوسطى من النص 
يكون الرقم الإثنا عشر مجرد عدد. ولكن في الطبقة الأعمق يصير هذا العدد مشحونا 
بالرمزي ( وهو ما له علاقة بالتقليد البرجوازي الذي يتطلب من المؤهلات للزواج على 


33 


سبيل المثال أن يجمعوا من الفضيات والأطباق ما عدده ؟١‏ . المترجم). - كذلك فهي 
حالة معينة أن يكون زير النساء منحوتا على الخزانة والصيني يبدو ككتلة ضخمة من 
الأسفل. تقييدهما في الحركة هو رمز لتقيدهما بالعالم الداخلي. فالرجل الماعز 
والصيني هما وجهان للعالم الداخلي: الراعية ومنظف المداخن لديهما أرجل! ( لاحظ 
أيضاً بأن الناس في ورق اللعب بلا أرجل: لديهم رؤوس في كلا النهايتين: الأمر الذي 
تتم ملاحظته تعبيرياً من قبل الكاتب. وأخيرا هناك سندانة الزهر المجفف والتي لا 
يمكنها التحرك كذلك). 

الهروب هو الفعل الأساسي في النص. الراعية تترجى حبيبها الذي في لحظة خوف 
يدعى ب حبيب القلب, بالهروب معها في: 

" لا يمكتنا البقاء هنا". 

كانت تود الهروب ليس بسبب الشوق للعالم الفسيح ولكن يسبب الهلع من العالم 
الذي هي فيه. هو يحبهاء وهذا يعني أنهما يهربان. وسرعان ما يعتريها القلق: " " آه, 
لو كنا تحت على الأرض ". يساعدهاء " وقد أخذ سلّمه أيضا للمساعدة"- استغلال 
تقني ثانية لوظيفة السلم. كان خلفهما عجيج وضجيج. غابة الخزانة في ترد: " كل 
الغزلان المنحوتة مدّت رؤوسها مسافة إلى الأمام, رفعت شعاب قرونها وأدارت رقابها 
يمينا ويسارا", وزير النساء يصرخ منذرا:" سيهربان. سيهريان؛". يلجأ الهاربان إلى 
الجارور في الدكة. الدكة هي كما نتذكر أرضية مرتفعة عند النافذة حيث طاولة عمل 
ربة البيت لتحصل على ضوء مجاني و ترويح قدر المستطاع عن طريق التفرج عبر 
النافذة على الناس؛ يستغل المكان بوضع جارور فيه بارتفاع الأطفال وهو لذلك جارور 
لحفظ لعب الأطفال. لعب الأطفال كانت حية في الجارور ولديها عرض مسرحي: كان 
العرض حول قصة حب فاشلة,- ولم يكن باستطاعة الراعية تحمل ذلك. يتابعان 
الهروب, والان عبر انتباه الصيني المهدد. ولكنه مجرد كتلة, حاله كحال زير النساء بلا 
حول ولا قوة إزاء الهاربين: لا يمكن لأعراف المجتمع والغريزة الجنسية أن تقف في طريق 
الحب. حتى في المؤامرة. 

تفسير الأدوات في الحكايات الخرافية كرموز يشترط دخول هذه الأدوات بعلاقات 
مع بعضها بعضاً كي تصير جزءا من البناء الرمزي. 


34 


لهذا فمن الصعب إيجاد موقع في النص لكل أناس ورق اللعب وسندانة الزهر 
المجفف. ولكن مع ذلك يمكن أن يقال القليل . وهو ما يخص التعابير التي خصتهم 
والتي يكون لها معنى في العلاقة مع الممثلين الأساسيين. انتماء أناس ورق اللعب في 
العالم التقليدي المحافظ موضح بالكلمة " مسرح الدمى". والذي يعود إلى طبقة الخيال 
السطحية أو المستوى السطحي ١‏ الدمى لا تعرف أنها دمى)؛ النساء يتهوين بأزهار 
التيوليب- وأزهار التيوليب هذه كانت موجودة أساساً في خزانة الشهواني. والذي 
يشير إلى علاقتهم بعالم الصيني والشهواني- علاقة الملوك والأولاد في ورق اللعب 
عن طريق كونهم برأس في كلا النهايتين. في هذا العالم يظهر الحب كتراجيديا بشكل 
صادق ولكنه مشوه في الوقت نفسه بشكل ملهاة. المسرح يُظهر لنا بومضة ظرف 
العاشقين في هذا العالم الذي كانا يهربان منه. والذي تنتمي إليه السّدة أيضاً. 

سندانة الزهر المجفف هي المحطة التالية. تقول الراعية: 

"... هناك يمكننا أن نستلقي على الورد الجوري واللافندرء وإذا جاء ندر ملحا 
في عينيه"( يظتان أن الصيني سيأتي). ْ 

وثائية الجانب التقني الإقتصادي: وظيفة السندانة العملية هي كما نعلم احتواء 
الزهر المجفف المملح من أجل الرائحة الزكية. وهو طريقة متبعة في البيوت مثل كل ما 
هو صينيء الذي كان تقليعة في ال ١6٠١‏ وهي كقطعة أنتيك تعود إلى العصر نفسه 
الذي كان الصيني فيه. وكما تربط زنايق التيوليب ورق اللعب بخزانة الشهواني, تربط 
الزهور الجورية السندانة بالخزانة. لذلك اختيرت تحديدا وردات جوربة وزنابق تيوليب 
عندما وصفت الخزانة في أول سطر. تستخدم السندانة لوظيفة الإختباء وعشأً دافئا 
للعشى: " نستلقي على الورد الجوري واللافندر". ويمكن أن قدهما بإطلاقات للرمي: 
الملح. وفق تفسير مضغوط ومتشكك يكن أن يعني ذلك الإنعزال في حياة جمالية؛ يتم 
الحفاظ عليها بشكل ساخر إلى الأمور في العالم المحيط عن طريق النظر. - ولكن 
السندانة بحد ذاتها كائن. وكما قيل انها بعمر واحد مع الصيني الذي كانت مخطوية 
إليه. لذالم تكن مصدراً للثقة. تقنياً فقد تفضحهما السندانة؛ ورمزيا لأنها مثل السدة 
تنتمي إلى العالم الذي هربا منه.- والتسامح وتقبل هذا العالم المحافظ للحب الحر هو 
متأرجح. الصيني كرمز المحافظة كان له بالطبع علاقة سابقة بالسندانة الجمالية 


355 


كمغامرة عاطفية في أيام الصبا ولكنه الآن قد عقل وخبر الحياة وتحالف مع الشهواني 
وحريمه! 

وهذا يعني بأن الهروب هذا سيفضي إلى العالم الفسيح. خط الرحلة لم يكن 
معلوما. كان منظف المداخن متروياً؛ ينظر " نظرة باحثة", بمعنى مختبرة إلى صديقته- 
ولكنها تدعي أن لديها الشجاعة للرحلة الإستكشافية. ولكنها لم تلبث مع ذلك أن 
شعرت بالخوف في طربق صعودهما الماخنة: " يبدو كل شيء أسود". ولكنها تتبعه مع 
ذلك. 

الصعود عبر الماخنة " كان طريقاً مخيفاً. مرتفعا جدأ". ولكن نجمة سماوية 
تقودهما. لأنهما كانا الآن في الطريق الصحيح.؛ طريق رحلة الحب الصعب بحق إلى 
أعلى. 

الصعود هنا له علاقة نسب بالرحلات المخيفة العديدة التي رسمت في حكايات 
أندرسن: رحلة حورية البحر إلى ساحرة البحر التي تفرض شروطا مقابل صعود ال حورية 
إلى عالم الناس العلوي. رحلة أنجليسا الخرافية الخطرة قبل عثورها على الرجل الذي 
يلائم جنسها. الرحلة الجماعية الكبرى في " الناقوس". عندما يتحول الأطفال إلى 
أناس حقيقيين ( ليس إلى " كبار")؛ في وصفه للطريق الأخير الذي سلكه ابن الملك 
كان هناك صدى لدور ساحرة البحر مع حورية البحر: ثعابين الماء وضفادع الطين تحاول 
إخافته. المشترك التجريدي في هذه الرحلات المرعبة هو التحول؛ الموجع جدا والذي هدفه 
هو صيرورة الإنسان, - وهي من نظرة عاطفية العثور على الحبيب الأوحد الحقيقي ومن 
ناحية الإدراك (فهو بلوغ الكلي في وحدة واحدة). تجربة الحياة كشيء شامل, كشيء 
ذي معنى إيجابي؛ ك " كنيسة مقدسة". التي غالبا ما تقترن بمرأى قرص شمس مضيء 
كبير. هذا الترميز معروف قدبما. ( انظر سي.جي.يونغ في "الإنسان ورمزه"). عندما 
وصل كل من الراعية ومنظف المداخن الى أعلى كانا على وشك تحقيق التجرية 
الشاملة, الموقف يقابل النهاية في "الناقوس". لو كانا قد فعلاها كانت الحكاية انتهت 


السماء بكل نجومها كانت في الأعلى فوقهما وكل سقوف المدينة تحتهما؛ نظرا 
لكل ما حولهماء في المدى البعيد لهذا العالم. 


36 


أندرسن في كتابه " كتاب مصور من دون صور" الطبعة الثائية ه«يسمبر عام 
أي قبل خمس سنوات من حكاية " الراعية ومنظف المداخن" قام بوصف تجربة 
الصبي منظف المداخن في المدختة. 

" كان ذلك بالأمسء. في ساعة السّحر!". إنها على لسان القمر نفسه؛ " لم تكن 
هناك مدخنة قد نفثت دخانها بعد في المدينة الكبيرة. وكل الذي كنت أنظر إليه هو 
فقط المداخن؛ من واحد منها برز هناك باللحظة رأس صغير إلى الأعلى وبالتالي نصف 
جسمه واستراحت الذراعان على حجر فتحة المدخنة. 

" يا سلام" كان ذاك هو الصبي منظف المداخن الصغير الذي صعد في المدخنة حتى 
أعلاها لأول مرة في حياته طلع رأسه من فتحتها. " يا سلام", أجل فقد كان ذلك شيئاً 
آخر غير الزحف في الأنابيب والمواقد الضيقة! كان الهواء يهب منعشاً وكان بإمكانه أن 
يرى ما فوق المدينة بأكملها وحتى الغابة الخضراء؛كانت الشمس قد بزغت لتوها؛ 
سطعت مدورة كبيرة بوجهه الذي كان يشع بالسعادة, برغم السخام الذي صبغه بلا 
رحمة. "" والآن بإمكان المدينة بأكملها رؤيتي!" قالء "" والقمر يمكنه رؤيتي والشمس 
معه! يا سلام!”" وأَخذ يلوح بمكنسته. 

تبلغ أهمية معنى الغابة الخضراء أقصاها في " العندليب؛ وتبلغ أهمية معنى 
الشمس أقصاها في " الناقوس" ونجدها كذلك في " إنجليسا" علامة إيجابية للحياة 
حيث تودع إنجليسا الشمس فقد كان عليها أن تتزوج من الخلد؛ إنها شكوى موت 
أنتيجونا في التراجيديا الإغريقية تُروى للأطفال- ولكن يصعب في الحقيقة قراءتها 
بصوت عال لهم دون تأثر. 

مثل هذه العلامات كالشمس., القمرء الغابة تصير في بعض الأحيان رموزاً للبناء 
أو العمارة الروحية الأساسية للنص بشكل عام, ولكن لا يصح الإعتقاد بوجود جداول 
وقوائم ثابتة لمثل هذا الإستعراض على أنه النموذج الأصلي. وحدها الدراسة العميقة 
في داخل كل عمل من أعمال الفنانين على حدة التي يمكنها تفسير وظيفة الرمز إن 
وجدت في العمل؛ الرمزية تختلف من عمل إلى آخر. ولكن معنى الشمس عند أندرسن 
واضح إلى حد ما. الصبي منظف المداخن في المقطع الصغير أعلاه لا يقول بنفسه إن 
بإمكانه رؤية الشمس والقمر ولكن الشمس والقمر يمكنهما رؤيته.- هو تعبير بسيط 


37 


عن النشوة والإعجاب. أن يكون القمر والشمس معه يكون لذلك وقع فاعل على القراء 
الذين على معرفة وإلمام بالرمزية النفسية الشرقية أو الخيميائية. 

ولكن هذه التجربة أي تجربة الشمولي أو الكلي لم تعط إلى الراعية ومنظف 
المداخن رغم طريق رحلتهما الصعب تجاه النجمة:" لم تتصور الراعية المسكينة أن الأمر 
هكذا أبداً..." الخ - الراعية لا يمكنها استيعاب تلك التجربة وهي الشرط الذي يجب 
أن يستوفى لتحقيق سعادتهما والذي سبق لمنظف المداخن أن أخبرها عنه في مرحلة 
الهروب الأخيرة. 

ولكن لم لم ترغب الراعية بالخروج إلى العالم الفسيح؟ 

أجل لم يكن بالإمكان قص الحكاية من دون نسفها. ولكن ذلك كان واضحا مقدما 
وفق تحديد ماهية الراعية؛ والخارجي منها: مجرد أن تكون راعية من الخزف هو تحديد 
لدورها من قبل عالم حاشية الركوكو " الجمالي" الذي كان من ضمنه آنذاك فن الخزف 
الصيني؛ وهو ما اكتشفته بنفسها عندما وضعت أمام متطلبات الواقع الكبرى كشرط 
للتحولء المسخ من دمية خزفية إلى إنسان. هذه المشاعر التي ولّدت عليها ضغطا 
مقدما كانت تنذر أو تهدد بنسف كائنها. كانت تبكي " حتى سقط الذهب من على 
حزام خصرها". ولذلك فقد استسلمت. 

... العالم كبير جداء ليتني كنت على الطاولة الصغيرة تحت المرآة. لن أكون 
سعيدة أبداً إن لم أعد إلى هناك ثانية! 


الأمنية تقرر القدر. وحتى قدر منظف المداخن, رغم خارجه الذي وصف بأن له 
القدرة بلا شك على التحول. وهو قد مثّل كما نرى منظف مداخن, أظهر معرفته بما 
يمكنه أن يستخدم نفسه. أن يكون ما تم تصويره من قبل كينونته. كان الراوي يرى من 
قبل أن لمنظف المداخن وجه صبية؛ القمر الذي روى عن الصبي منظف المداخن لاحظ أن 
الوجه الصغير كان مصبوغا تماما بالسخام ولكن يشع بالسعادة. الكاتب المشترك 
للنصين يعطينا هنا تأكيداً لصورة فهمنا لمنظف المداخن. ولكن يظهر أن إمكانيات 
الراعية ولا شك كانت أقل. والحبيب ينزل عند رغبتها عندما بررت موقفها بشكل غير 
معقول إطلاقا: 


38 


" وأنا قد تَبِعشُكَ خارجا إلى العالم الفسيح. وعليك الآن أن تعود بي إلى البيت 
مرة أخرى. إن كنت تحبني ولو قليلا!" 

كانت كما نعرف هي التي ترجته لأن يرافقها خارجا إلى العالم. هي تكذب. - 
فهو وحده الذي خُلق بإمكانية تؤهله لأن يكبر ويترعرع في العالم الفسيح. هكذا 
صنعهما الخراف ولذا تصير الحكاية الخرافية بعد ذلك مأساة: 

" لم يمكنه غير أن يستسلم لرغبتها رغم أن ذلك كان حماقة." 

معرفة الكاتب لقصته تعطيه القدرة على أن يعين الخطأ في موقف الراعية " رغم 
أن ذلك كان حماقة” وفي الوقت نفسه يتعاطف معها في كونها لم تقدر على غير ذلك: 

"لم تتتصور الراعية المسكينة أن الأمر هكذا أبداً. وضعت رأسّها الصغير على 
كتف منظف المداخن وبكت ...أخذت تنشّج بشكل مخيف" 

كانت الكلمات الأخيرة قوية مؤثرة جدا حتى إنها استخدمت في وصف طريق 
الرحلة أيضا من قبل: "طريق مخيف." 

رحلة العودة من جديد " لم يكن ذلك بالأمر السهل" وحينها نظرا إلى داخل 
الصالة, كان الصيني ملقى على الأرض وقد تكسر إلى ثلاث قطع: بينما الرجل الماعز 
" كان واقفاً حيث اعتاد أن يقف. مفكرا بما حدث" 

البناء الرمزي ا مقتصد بشكل عبقري عندما يمكنه أن يضم الضروري والوافي؛ لا 
يمكن حينها لحجم الرمز أن يتغير من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في الأحجام الأخرى 
إن كان على هذا النظام الذي يكونه الرمزي أن يحافظ على نفسه. هروب الحبيبين يمكن 
وصفه بشكل تجريدي كمحاولة لتغيير رمزيتهماء فلقد كان يجب أن يتحولا كما نعرف 
إلى أناس ويكون لديهما وجود. إن نجحا في ذلك كان على العالم الذي غادراه أن 
ينخسف؛ لذلك سقط الصيني على الأرض وتكسر. إنه قوة إجبار المجتمع المتداعية. 
ولكن لا يمكننا اعتبار هذه القوة مجرد عامل سلطة خارجي على الراعية. إنه أيضا قوة 
في داخلها. في الشخصية يتوضح المجتمع كفرض لتقبل موذج معين من السلوك مع 
الناس الآخرين. من الجانب النفسي يظهر فوذج السلوك مع الناس كالرمز الذي أطلق 
عليه يونغ " بيرسونا" (> قناع). بيرسونا التي تعود إلى الراعية هي زيها الذي 
يجعلها الرقم ؟١‏ من بنات الحريم في خزانة الشهواني المظلمة. تنسجم مع المواعيد 


39 


الغرامية العابرة في البساتين والمرتبطة بزي الراعية. تحقق الهروب كان سيحررها من 
هذا القشر (" حتى سقط الذهب من على حزام خصرها"). الصيني بعينه هو أيضا من 
الخزف. بل إنه بحجمها ثلاث مرات. درجته كجد هي تعبير عن سلطته على الراعية: 
طالما بقيت من الخزف بقي متسلطا عليها. - الشهواني وبالعكس لم يحصل له شيء 
ولم يتوجب كذلك حصول شيء له لأن الغريزة الجنسية لا يمكن أن تلغى - قبول 
الرغبة الجنسية ضمن الكلي كان بلا شك أحد الواجبات التي تنتظر الراعية ومنظف 
المداخن كأناس في العالم الفسيح, الكلي الذي يجعلهما مواطنين ناضجين مقبولين في 
المجتمع. ولأنهما لم يقطعا شوطا طويلا في ذلك. لذلك يقف رجل الماعز منتظرا كما 
كان- مكانك قف, " يفكر بما حدث”". 

قلق الراعية الوحيد الآن هو ان تكون على علاقة حسنة مع هذه السلطة التي 
قبلتها إلى الأبد. 

" إن هذا لرهيب " قالت الراعية الصغيرة, " الجد العجوز تكسر و نحن السبب في 
ذلك. لا أستطيع تحمل هذا" 

وهي الحقيقة بعينها فمجالها الوحيد في الحياة الآن هو أن تعيد تصليح الوضع 
الحالي وهو ما توقعه منظف المداخن عندما قال لها قبل الهروب إنهما لم يتمكنا من 
العودة أبداً. ولكنهما عادا والمخيف كان في المأساة التي تكمن في أن العودة كانت 
تمكنة. وبالإمكان أيضا عودة الصيني إلى ما كان عليه لذلك كان ممكنا لمنظف المداخن 
أن يقول: 

" بالإمكان لحَمّه" و " بالطبع يمكن لحمه. اهدئي, عندما يلصقون ظهره ويلحمون 
رقبته جيدا سيكون كما لو خُلقَ من جديد. وسيقول لنا الكثير مما يزعج". 

" هل تظن ذلك؟" قالت الراعية. 

كانت هذه نغمة جديدة بين الحبيبين- المشاحنة الأولى بينهما. تحدثا لأول مرة من 
دون ثقة ببعضهما بعضاً بل بغضب ومن دون فهم لبعضهما بعضاً: 

(هو): " ها نحن هنا مرةً أخرى" قال منظف المداخن, " كان يمكننا تلافي كل هذا 
العناء". 

(هي): " آه لو يتم لصق الجد العجوز فقط " قالت الراعية, "أ يُكَلّفْ ذلك 
الكثير؟". 


كانت تتحدث بنغمة ربة بيت. ولكن الحقيقة أنهما قد دفعا مقدما حياتيهما كلها 
ثمنا لذلك. 

رمزيا فالأحداث هنا تكون قد انتهت. ولكن القصة يجب أن تنتهي وهذا يحدث 
عن طريق غمزة تقنية: يعود الجد إلى عرشه ثانية بعد أن تم لحم رقبته- وهو بالتحديد 
ما حال دون هر رقبته موافقة للشهواني. لذا فخارجيا تكون سلطته محدودة بهذا 
الشكل. ولكن التحول الذي كانت الرحلة بأكملها من أجل الوصول إليه لم يحدث: 

وبالتالي ارتبط الخزفيان ببعضهما بعضاً وقد باركتهما كسر الجد الملحومة 

راكنا للعضهما بعضا محية حتن كدر 1 

أناس الخزف بقيا من الخزف. الصيني صار جدا بالفعل. ولكن الناس البشر هم 
فقط من يستطيع أن يحب. إن لم يكن بمقدور المرء أن يحب فلن يكون سعيدا أبداً. 
الناس الخزفيون لا يمكنهم ذلك" أن يعيشوا عيشة سعيدة"- يجب عليهما أن يكتفيا 
بأن يكنا لبعضهما بعضا محبة حتى يتكسرا. 


الجزء الثاني 

علينا أن نكون ممتنين قليلا جد لنبارك بنهاية قصة حياة كهذه. ولكن علينا أن 
نبارك الكاتب لشجاعته وقوته على كتابة هذه القصة. 

لقد قرأناها نحن أيضا بالشجاعة والقوة التي نقدر عليها. ولكن يمكن قول ال مزيد 
عنهاء (أيضا بعد قليل عندما نسكت أنا والكاتب)., لأنها رغم كونها قصة عن 
الراعية ومنظف المداخنء فهي أيضا قصة كتبها هانس كريستيان أندرسن, حينئذ تكون 
أيضا عنه بالطبع. ولكن من الحمق أن نحاول ربط الحكاية مباشرة بما هو معروف عن 
حياة أندرسن الخاصة؛ فلا يعرف حول ذلك شيء مهم. لهذا فليس هناك معنى لخيالات 
ه. بركس حول صيرورة الحكاية في كتاب " ه.ك. اندرسن وحكاياته الخرافية" عام 
7 دار نشر البوم .)١141١١‏ معرفة بركس ببعض تلك التناظرات مع الحبيبات في 
محيط أندرسن قنعه من قراءة الحكاية ذاتها.- وبالمناسبة فإن بركس لاحظ بتصيد أن 
أندرسن قد عمل مسرحية من الحكاية: " سيد غاسموسن"؛ وهي مطبوعة ١911(‏ 
كوبنهاجن) ولكن على ما أرى فهي لا تحوي شيئاً مهماً. ويوضح بركس متابعا أن 


41 


مسودات الكاتب تضم الكثير مما يستحق الإهتمام. وهذا صحيح. من ضمن ذلك نرى 
أن رجل الماعز هناك يدعى أساساً الشهواني ( الساطير). وبعد ذلك تعزز فرضيتنا 
الإقتصادية ب أن أندرسن قد ألغى جزءاً كبيرا من الديكور الرومانسي الذي حصل عليه 
من قصة ل إي تي. هوفمان التي يعتقد أنها كانت بمثابة بوصلة قد خدمته أثناء عمله 
في قصته. (مسودة ومخطوطة أندرسن الأصلية للقصة التي كتبت محفوظة في المكتبة 
الملكية). 

ولكن من خلال تلك الحقيقة بأن الحكاية كانت وليدة شعاع حدسي: " النار في 
انبوب مدخنتيء الراعية ومنظف المداخن" ( يوميات أندرسن ,.)١1848 /7/١7‏ من 
المحتمل والمعقول ان نفهم رموزها كبناء لنفسية واحدة ما: ألا وهي الكاتب.لم يكن 
أندرسن فقط رجل الماعز كما عنى بركسء رغم أن ذلك سيكون من المؤسف حقا إن 
صح.- ولكن الحكاية بكل ما فيها هي جزء من حياته الروحية. لذا نؤكد نحن على 
تفسير دور كل من الصيني والشهواني الذي ذكر أعلاه. بل بإمكاننا أن نضيف 
ملاحظة من على بعد فالصيني له تشابه مع الطغاة والحرس الآخرين الذين يعيقون 
الدخول إلى الوجود. وفي هذه ال حالة فله نسب مع البواب في فرانز كافكا "المحاكمة " 
في المجموعة " طبيب الأرياف" 14184. وبعدها استخدمت في رواية " إجراءات 
القضية". ونجدها فوق ذلك على المستوى السطحي: حتى هو كان يبدو منغوليا 
أيضا. هذا الكائن يمنح مأوى أيضا في الأنثروبوصوفيا باسم " حارس العتبات"؛ اقتبس 
شكله من المعبد التبتي ويبدو أيضا قبيحاً. - ما عليئا تقليبه الآن من جديد هو مؤقتا 
معنى الأبطال الرئيسيين, لأننا ولحد الآن فسرنا عالم الحكاية على أنه العالم حيث 
الإسقاط كان على نفسياتهم. الآن علينا تفسير كل الحكاية على أساس إسقاطها على 
الكاتب. لما كان أندرسن قد أدرك وغطى عالم الحكاية من خلال الأبطال الرئيسيين فإن 
علاقاتهم مع الشخوص الآخرين تشمله هو أيضاً. هولم يفصل نفسه مسافة عنهم؛ على 
سبيل المثال من الجانب الساخر. على الرغم من أنه قادر على نقدهم بشكل كوميدي 
متعاطف "كان هذا خطأ". وهنا غالبا ما نحصل على مساعدة من قبل الصبي من 
"الكتاب المصور من دون صور". فهو يحقق ما كان الصديق الخزفي يجاهد من أجل 
الوصول إليه. ولكن بلا طائل لأنه كان مربوطا ب -عشقه- بالراعية. هذا الهدف هو ما 


42 


يمكننا أن نطلق عليه تحقق الذات. وهو " الوصول إلى الذات" الذي يقابله في الحكاية 
"الخروج إلى العالم الفسيح" وهي ما يعني الوحدة الفسيحة الواحدة. لم يكن من 
المصادفة ان يشبه طريقا الصعود والنزول إلى ومن المدخنة الولادة. هذه التعابير هي 
من الطبيعي لغة صورية فقط ( لايوجد غيرها) ولكن من نوع أخر يختلف عن لغة 
الحكايات الخرافية ولهذا جاءت تفسيراً للحكاية الخرافية وذلك يعني فهما أوسع وفهما 
أوعى لها . - لإدراك الذات أي التحقق. ولتطورها بتوازن مع أو رغم متطلبات 
العالم المحيط. مع - وليس رغم!- الغرائز الطبيعية التي يمكن أن تشبع جزئياً 
الغريزة الجنسية على سبيل المثشال... الإنسجام بين الجانب الرجولي والأنشوي من 
النفسية ينتمي أيضا لهذا التحقق. كلنا بجنسين, فلم نوضع في مكان ما بينهما. في 
هذه الحكاية, فالجانب الأنثوي مرتبط بشكل أقوى بالعالم التقليدي المفترض وبهذا فهو 
بذلك تطور الذات وازدهارها. لذلك فالجائب الجنسي يهدد كونه قوة معزولة. - على 
المرء أن يحذر هنا لأن من الصعب الفصل بين الأدوار الجنسية؛ فهي نتاج المجتمع 
والقوى النفسية الممكنة المرتبطة بالجنس. عندما تكون المرأة في الحكاية الخرافية هي 
الأكثر ارتباطأ بالتقاليد والأعراف فذلك يفسر من جائب على أن الحكاية مقدمة في 
مادة لها تاريخ معين : في زمن أندرسن ومحيطه كانت المرأة المسيرة اجتماعيا عبدة 
بشكل أكبر للتقاليد من الرجل. من الجانب الآخر فهذه المادة. وبدون أي شك حول ذلك, 
كانت مستخدمة من أجل إسقاط حالات الكاتب النفسية الحقيقية. غالبا ما كان 
يلاحظ. بدءاً من جورج براندس. بأن الجانب " الانثوي" عند أندرسن بنسبة أكبر من 
معدل النسبة بشكل عام عند الرجال ١‏ وهنا لا يفترض بذلك ان تكون نسبة الرجولي 
عنده أقل). ربما كانت هذه الخاصية بالتحديد إحدى مصادر الإبداع الإساسية لعبقرية 
اندرسن. ولكن قد تم أيضا ملاحظة, على سبيل المثال من قبل هينريش هاينه الذي 
كانت له عينان حادتي النظر أن أندرسن بالمظهر الخارجي قد اتسم بالغرور ذي الطابع 
الأئشوي ( ملبسه. حليه. نظامه: الطير الإصطناعي في " العندليب"! الظل في 
"الظل”),- تأنق الغندور هذا قد قوي بسبب حاجته الكبيرة إلى اعتراف وقد تضاعف 
أكثر وأكثر بسبب عقده الإجتماعية ( على سبيل المثال الذي عبر عنها في قلقه المادي 
حتى عندما كان غنيا جدا). يخيل لي بأن كل ذلك قد تم إسقاطه في الحكاية- (في 
كل الأحوال عندما يقرأ هذا مع الحكايات الأخرى في الذاكرة) 


043 


لقد اشتغل أندرسن على هذه الإشكالية النفسية في سلسلة من الحكايات على مر 
الأربعينيات في ال .16٠١‏ يمكن لهذا قراءتها وتفسيرها بشكل أفضل إن قت قراءة 
الحكايات ذات العلاقة ببعضها بعضاً. لايتبادر الشك إلى الذهن بأن هذا التطور 
النفسي عبر سلسلة الحكايات الخرافية فيه تشابه مع ما يطلق عليه اليونغيون ب 
التشخّص. العملية التي تتكون للفرد من خلالها شخصيته. 

لماذا كان بإمكان " الراعية ومنظف المداخن" ان تلامسنا نحن الذين قد لا نكون 
عزاباً او عباقرة؟ لابد وان يكون توضيح ذلك هو العادي الذي يحدث في الحياة لكل 
منا: فالإنشطار في الحياة الروحية يملأ حياة الجميع. و ما يظهر هنا يحدث عند أغلب 
الناس. تحقق الذات نواجهه في فترة المراهقة كشرط داخلي وكشرط خارجي في التربية, 
(للأسف ليس دائما في التعليم)؛ وفي الدين والفلسفة. هذا الشرط هو النواة في 
فلسفة كيركه كورد والدافع عند ماركس. إن ذلك يتبع الفرد أي جزء في النفسية هو 
الذي يعيق التطور ويقطع الطريق على ترحالنا تجاه ذواتنا. للكثير من الرجال يكون 
الجانب " الانثوي" الذي غالبا ما يتجسد في المرأة التي يتم اختيارها.- يمكن ملاحظته 
واضحا: لأن الجانب الأنثوي هذا مقموع في الرجل وبنفس الطريقة " الجانب الرجولي " 
بالنسبة للمرأة. 

ولكن ليس هناك عيب كذلك في الجنس المضاد في النفسية لأنه بالذات يمكن أن 
يكون إيجابيا: قوى الروح تفهم بطريقتين إيجابية أو سلبية» قيمتها تعتمد على الوحدة 
الواحدة في الروح التي تعمل فيها بذاك الوقت. ولا يمكن كذلك للداخل أن ينظر إليه 
بمبعدة عن الظروف الخارجية أو بمعزل عن الظروف المحيطة: عندما يلعن الرجل النساء. 
يمكنه أن يشكر جنسه للدور المشوه الذي أجبر المرأة على وضعها فيه. 

إن أراد المرء أن يرى صوراآً للأنثوي في الرجل المفهومة بصورة لعنة تعيق صعوده 
إلى القمة, يمكن قراءة سترندبيرغ مثلاً. ما يعيق في اللحظة يحكم عليه سلباً ويتم 
اسقاطه على المحيط إخلاء للمسؤولية. 


حكايات أندرسن الخرافية لا تحل الأزمات ولكنها تعرضها بأوجه عدة. حتى في 
أوجه إيجابية كما في "العندليب", حتى غوته والذي برغم إدراكه الملتبس للمرأة كان 


44 


ذكيا جدا بما يخص التطور النفسي للإانسان على اختلافه. كان له الحق عندما أنهى 
فاوست ب" الإنثوي الأبدي هو الذي يجذينا إلى فوق" والراعية المسكينة لم تقو على 
الصعود إلى القمة, فلا ينفع أن نهرب تجاه النجمات عندما نكون من الخزف! 

وذئب من كان هذا ؟ لتسألوا الخزاف. 


من كتاب تحليلات لنصوص نثرية دنماركية - الجزء الأول 
تحرير يورن دينس يوهانسن 


05 


حول فن التشكيل بالقص وأندرسن 


لم يقتصر إبداع هانس كريستيان اندرسن على الأدب الذي كانت الحكاية الخرافية 
تحتل المقدمة فيه. حمل أندرسن مقصاً في جيبه طيلة حياته وأبدع في تشكيل الرسوم 
التي لم تكن تخلو من مسحة أناقة ودعابة وشيطنة. كان يعمل بمقصه لكل المناسبات, 
غالبا ما يرتجل شيئا للمضيف أو المضيفة عندما يقيم كضيف عند أحد من الذين له 
علاقة بهم وهم لا يحصون. نرى في جزء من التشكيلات بالورق اندرسن وقد استمد 
مادتها بوضوح من عالم الحكايات الخرافية, بينما في جزئها الاخر فقد استلهمها من 
مكان ما من مخيلته الغنية. 


47 











51 


صورة ظلية مع بجعة وأزهار 














55 





المهرج الراقص 


56 





قصر خرافي 


5-7 








كائن خرافي براس 





راقصات باليه 


60 














عه ٠‏ اقبي 
رسوم 


"حكايات خرافية تروى للآاطفال" 
“م ) - لأخرل] 


65 


القداحة 


سار الجندي باتجاه الطريق الزراعي بمشية عسكرية: واحدء اثنان؛ واحدء اثنان, 
حاملا حتيية على ظهره وسينا على جيم لأنه كان عاتنا للنو من الجبهة في طريقة إلى 
بيته. وقابل حينها ساحرة عجوزاً على الطريق الزراعي. كانت قبيحة جدا. تدلت شفتها 
السفلى حتى صدرها. " مساء الخير ايها الجندي! " الت المجون. 

“ل معي 0 انر أو كبير قي حقيبة الظهر التي تحملها ‏ إنك جندي 

بحق! ستحصل على ما شئت من نقود!" 

" شكرا لك يا ساحرة يا عجوز!" قال الجندي. 

"هل ترى الشجرة الكبيرة؟” قالت الساحرة وأشارت إلى شجرة كانت يجانبهما. 
"انها جوفاء تماما عليك أن تتسلق إلى أعلاهاء سترى فتحةٌ عليكَ التزحلق من خلالها 
عميقا إلى داخل الشجرة! سأربط حبلا حول خصرك لكي أسحبك عندما تنادي علي. 

" وماالذي سأفعله داخل الشجرة؟" سأل الجندي. 

" أن تجلب النقود!" قالت الساحرة؛ عليك أن تعلم أنك. وعندما تصل إلى قاع 
الشجرة سترى مرا عريضا مضاءً. فقد أوقدٌ هناك مئة مصباح.؛ بعدها سترى ثلاثة 
أبواب بإمكانك فتحها فالمفاتيح موجودة في أقفالها. ستدخل الغرفة الأولى: عندها 
سترى وسط الغرفة على الأرض صندوقاً خشبيا كبيراً يربضٌ عليه كلب. له عينان 
كبيرتان؛ كل عين بكير صحن كوب شايء وعليك ألا تخشى ذلك! سأعطيك صدريتي 
ذات المربععات الزرق, افرشّها على الأرض. ومن ثم اسرع وخذ الكلب وضعه على 
الصدرية؛ افتح الصندوق الخشبي وخذ ما شئت من الفلوس, التي جميعها من النحاس, 
ولكن إن كنت تر. غب بقطع نقودٍ من الفضة فعليك بدخول الغرفة الثانية. فهناك يربض 
كلب عيناه بكبر ناعورء لا تخش ذلك. ضعه على صدريتي وخذ من النقود ما شئت 


67 


واما إذا أردت الحصول على قطع نقود ذهبية فبإمكائكَ ذلك أيضاء وهي كثيرة, أكثر 
ما تستطيع حمله, عليك دخول الغرفة الثالثة. ولكن الكلب الذي يربض على صندوق 
النقود في هذه الغرقة له عينان كل منها بكبر برج دائري. اعلم بأنه كلب حقيقي, ولكن 
لا عليك منه. خذه وضعه على صدريتي وخذ ما شئت من النقود في الصندوق. 

" يبدو ذلك معقولا!” قال الجندي. " ولكن ماالذي سأعطيك إياه بالمقابل, ايتها 
الساحرة العجوز؟ لابد وإنك تطمعين بيشيء ما كما أعتقد " 

" لا" أجابت الساحرة؛ " ولا حتى بفلس! كل ما عليك هو أن تجلب لي قداحة 
قديمة,. كانت جدتي نسيتها في اخر مرة كانت فيها تحت داخل الشجرة!" 

" حسناء إذن اربطي الحبل حول خصري!" قال الجندي. 

" ها هو!" قالت الساحرة؛ " وها هي صدريتي ذات المربعات الزرق." 

وتسلق الجندي صاعدا أعلى الشجرة. وتزحلق في الجوف وانتهى إلى مر عريض 
مضاء بمئة مصباح, كما قالت الساحرة. 

وفتح الباب الأول. يا إلهي. بحلق الكلب ذو العيئين بالجندي, كل عين بكبر 
صحن كوب شاي . 

" إنكَ لولدٌ شاطر؛" قال الجندي وأجلسه على صدرية الساحرة وأخذ ما وَسَّعٌ جيبه 
من قطع النقود النحاسية. أغلق بعدها الصندوق وأعاد الكلبّ إلى مكانه. ذهب إلى 
الغرفة الثانية. يا للروعة, فهنا يربض كلب ذو عينين بحجم ناعور. 

" لا تنظر هكذا كثيرا إلي! قال الجندي. " سيؤذي ذلك بصرك!" وأجلس الكلب 
على صدرية الساحرة؛ ولكنه عندما رأى قطع النقود المصنوعة من الفضة رمى كل ما 
في جيبه من النقود النحاسية وملا الجيب وحقيبة الظهر بالنقود الفضية فقط. ودخل 
بعدها الغرفةً الثالئة! كان ذلك مخيفا. كان لهذا الكلب بالفعل عيئان كبيرتان مثل 
برج دائري يدوران أعلى رأسه مثل عجلتين. 

" مساء الخير!" قال الجندي وأدى التحية إذ إنه لم ير كلبا كهذا من قبل. ولكن 
عندما أخذ ينظر إليه فكر بأن عليه الان أن يجلسه على الأرض ويفتح الصندوقء ويا 
إلهي. كم كان هناك من ذهب مكدس. بإمكانه أن يشتري كل كوبنهاجن. وكل قطع 
الحلوى. كل لعب جنود الصفيح. السياط. ولعب الحصان الهزاز الموجودة في العالم. 
أجل كان هناك وفر من النقود. 


68 


وقام الجندي برمي كل قطع النقود الفضية التي ملأ بها جيبيه وحقيبة الظهر 
واستبدلها بالذهب. اعلموا بأنه قد ملأ كل جيوبه. وحقيبة الظهرء جزمتيه حتى صعب 
عليه المئسي! قد حصل الآن على النقود! أعاد الكلب على الصندوق, أغلق الباب وصاح 
عبر الشجرة: 

" اسحبي الآن أيتها العجوز!" 

" هل جلبت القداحةً معك؟" سألت العجوز. 

" لديك الحق. لقد نسيت ذلك قاماء" وعاد وجلب القداحة. وقامت الساحرةٌ 
بسحبه. وقف مرة أخرى في الطريق الزراعي بجيوب وجزمة وحقيبة ظهر وقبعة ملأى 
بالنقود . 

" ولكن ما الذي ستفعلينه بهذه القداحة." سأل الجندي. 

" لا شأن لك بهذا!" قالت الساحرة, " والآن وبعد أن حصلت على النقود. اعطني 
إذاً القداحة!” 

" لا لاء اخبريني حالا عن غرضك منها وإلا سللت سيفي وقطعت رأسك" 

" لاء لن أُخبرك” قالت الساحرة. ْ 

وقطع الجندي رأس الساحرة فسقطت على الأرض. أخذ صدريتها ليضع كل نقوده 
فيها ويحملها مثل الصرة على ظهره. ووضع القداحة في جيبه وتوجه مباشرة إلى المدينة. 

كانت مدينة جميلة؛ وقد توجه إلى أرقى فندق فيهاء ليحجز أفضل غرفة فيه 

يطلب أرقى طعام يحبّه لأنه الآن غني لما يملك من نقود. 

لكن الخادم الذي كان عليه أن يمسم حذاءه رأى من الغرابة في أن يملك هكذا رجل 
غني جزمةٌ قديمةً كهذه و لم يشتر حذاءً جديداً بعد. في اليوم التالي حصل على جزمة 
يكجابينا وملايي كانت كسيلة لبر نوبي ناو الجندي الآن سيدا نبيلا وقد حدثوه عن 
كل ما هو جميلٌ في مدينتهم وعن ملكهم وعن ابنته الاميرة الحسناء. 

" كيف وأين يمكن للمرء رؤيتها؟ سأل الجندي. 

" من غير الممكن أبداً رؤيتها!" قالوا جميعا. " انها تعيش في قصر كبير من 
النحاس ذي جدران وأبراج كثيرة ليس هناك من يجرؤ على الدخول إليها غير الملك, 
فقد تنبأ بأنها ستتزوج من مجرد جندي عادي وهذا ما لا يستسيغه الملك!" 


69 


وفكر الجندي بأنه يود بالفعل مقابلة مثل هذه الفتاة ولكن لن يسمح له على 
الإطلاق بذلك. 

عاش الجندي عيشة مرفهة بالفعل» شاهد عروضا مسرحية كوميدية, قصد متنزه 
حديقة الملك وتصدق للفقراء بالكثير من النقود وقد كان ذلك حقا جميلاً منه. فلقد 
تعلم من ماضيه ماذا يعني له الحصول على فلس. ما علينا. فهو الآن غني. حسن 
المظهر. بل وكسب الكثير من الأصدقاء الذين رأوا فيه رجلا طيبا متحدرا من عائلة 
نبيلة. وهذا ما أحبه الجندي كثيراً. ولكنه ولما كان ينفق النقود يوميا ولا يحصل على 
مدخول بالمقابل نهائياء لم يتبق لديه أخيرا غير فلسين. وكان عليه أن ينتقل من الغرف 
الانيقة حيث يسكن إلى حجرة صغيرة في السقف. وعليه أن ينظف حذاءه ويرقعه. لم 
يزره أي من اصدقائه فقد كان يتوجب عليهم ارتقاء درجات السلم الكثيرة ليصلوا 
إليه. 

حل مساء حالك جدا ولم يكن باستطاعة الجندي شراء مصباحء فتذكر الشمعة 
الصغيرة والقداحة التي أخذها من جوف الشجرة عندما ساعدته الساحرة العجوز 
بالنزول. تناول القداحة و الشمعة الصغيرة ولكنه عندما قدحها وتطاير الشرر من الحجر 
اندفع الباب مفتوحا والكلب الذي كانت له عينان كبيرتان بكبر صحن كوب شاي 
والذي راه داخل الشجرة يقف أمامه قائلا: ما الذي يامر به سيدي!" 

" ماذا؟ قال الجندي. " انها لقداحة مثيرة. أ بإمكاني في هذا الحال أن أطلب ما 
أريد! إحصل لي على بعض من النقود! فررر. غاب عن البصر! فررر عاد ثائية حاملا 

عَلمَ الآن أيةٌ قداحة رائعة لديه. فحين يقدحّ مره واحدة يأتي الكلب الذي يربض 
على الصندوق ذي النقود النحاسية, وحين يقدح مرتين يأتي الكلب الذي يريض على 
الصندوق ذي النقود الفضية, وإن قدح ثلاث مرات يأتي الذي لديه الذهب. وبهذا انتقل 
الجندي مجددا إلى غرفه الأنيقة وعاد بغياب راقية وعرفه كل اصدقائه في الحال وأغيوة 
كثيرا. 0 

فكر ذات يوم بأنه لمن الغريب ألا يسمح لأحد برؤية الأميرة! لابد وأنها على غاية 
من الجمال كما يقول الجميع! ولكن ما الفائدة من ذلك وهي حبيسةٌ في القصر النحاسي 


0 


ذي الأبراج الكثيرة. ألا يمكنني حقا رؤيتها بأية طريقة بالفعل؟ أين قداحتي! وقدح 
فيها مرة فجاء الكلب ذو العينين الكبيرتين كل عين بكبر صحن كوب شاي. 

" أعلم أن الوقت متأخر ولكني أرغب بشدة برؤية الأميرة ولو للحظة قصيرة!" 

واختفى الكلب بالحال خلف الباب وقبل أن يفكر الجندي بذلك رآه يعود بالأميرة 
التي نامتْ على ظهر الكلب وقد بدت في غاية الجمال لا يغيب عن أحد بأنها أميرةٌ 
حقا. ولم يستطع الجندي أن يمنع نفسه من تقبيلها فقد كان جنديا حقيقيا. 

وركض الكلب عائدا بالأميرة. وعند ما جاء الصباح وصب الملك والملكة الشاي 
قالت الأميرة إنها رأت حلما غريبا في منامها ليلا عن كلب وجندي, وقد امتطت كلياء 
وقبلها الجندي. 

" أي خيال قلكين", قالت الملكة. 

وكان على إحدى الوصيفات العجوزات أن تحرس سرير الأميرة في الليلة التالية 
ليروا إن كان ذلك بالفعل حلما أم ماذا عساه أن يكون. 

بعد فترة اشتاق الجندي بشكل جارف لرؤية الأميرة الحسناء ولهذا جاء الكلب ليلا 
وأخذها وركض ما باستطاعته الركضء لكن العجوز ارتدت جزمتها المطرية وركضت 
خلفه بالسرعة ذاتها. وعندما رأت بأنهما اختفيا داخل بيت كبير قالت بسرها الآن 
عرفت المكان؛ و رسمت بقطعة طباشير علامة صليب كبيرة على البوابة وعادت إلى 
البيت واستلقت في سريرها. وما عاد الكلب يعد ان أوصل الأميرة إلى بيتهاء رأى 
علامة صليب على البوابة. حيث يسكن الجندي, فتناول قطعة طباشير أيضا وخط 
علامة صليب على كل البوابات في المدينة. كان ذلك ذكاء منه. إذ لم يعد بإمكان 
العجوز الآن إيجاد البوابة الصحيحة لما كان هناك من صلبان على كل البوايات. 

وفي الصباح الباكر حضر املك والملكة؛ والوصيفة العجوز وكل الضباط ليروا أين 
كانت الأميرة تلك الليلة. 

" هذا هو المكان!" قال الملك عندما رأى البوابة الأولى وعليها علامة صليب. 

" لا ياعزيزي, بل هنا!" قالت الملكة التي رأت البوابة الثانية وعليها صليب أيضا. 

" ولكن هذا صليب وذاك صليب!" قالوا جميعا. كان هناك صلبان في كل مكان 
نظروا فيه. وفهموا بأن البحث بهذه الطريقة لن يجدي شيئا. 


71 


لكن الملكة كانت إمرأة ذكية بإمكانها فعل الكثير غير أن تستقل العربة. تناولت 
مقصها الذهبي الكبير وقصت قطعة قماش حرير كبيرة إلى قطع صغيرة واخاطت منها 
كيسا لطيفا ملأته بعد ذلك بحبات الحنطة السوداء وربطته بظهر الأميرة وعملت بمقصها 
بعد ذلك ثقبا صغيرا بالكيس لكي تتساقط الحبات طيلة الطريق الذي ستمر به الأميرة. 

وفي الليل جاء الكلب مرة ثانية, أخذ الأميرة على ظهره وركض بها إلى الجندي 
الذي أحبها كثيرا وقنى بحرارة أن يكون أميرا ليتخذها زوجة له. 

ولم يشعر الكلب كيف رش الطريق بالحبوب من القصر إلى شباك الجندي حيث 


تسلق الجدار بالأميرة. 
وفي الصباح رأى الملك والملكة هذه المرة أين كانت ابنتهما فألقي القبض على 
الجندي ورمي في الحبس. 


جلس الجندي خلف القصبان وكم كان السجن مظلما كئيبا. ومن ثم جاؤوا له 
بالخبر: سيتم شنقك غدا. لم يكن ذلك هينا على الجندي وقد نسي قداحته في الفندق. 

وفي الصباح كن من رؤية الناس من خلف القضبان لذلك الشباك الصغير وهم 
يسرعون خارج المديئة ليتمكنوا من رؤيته ساعة شنقه. سمع الطبول ورأى طوابير 
يركض وكأنه على فرس. فطارت إحدى نعليه على الجدار حيث يجلس الجندي ينظر من 
خلال قضبان الشباك. 

" انت يا ابن الإسكافي, لا تتعجل هكذا" قال الجندي للصبي " لن تكون هناك 
فرجة إن لم أخرج من هناء ولكن اركض واحضر لي قداحتي حيث أسكن وستحصل على 
أربعة فلوس! ولكن عليك أن تسابق الريح!" ولما كان الصبي راغبا بشدة بالأربعة فلوس 
هذه فقد انطلق مسرعا ليأتي بالقداحة ويسلمها للجندي. وسنسمع باقي ما حصل. 

خارج المدينة تم بناء أعواد المشئقة وقد أحاطها الجنود ومئات الألوف من الناس. 

وكان الجندي جالسا على السلّم. وعندما هموا بربط الحبل حول عنقه قال: عادة ما 
يسمح للمحكوم عليه بالإعدام أن تُحقّقَ له أمنيةٌ بسيطة يتمناها. وهو يتمنى أن يدخن 
غليونا لتكون هذه هي المرةً الأخيرةً له في هذا العالم. 


72 


لم يشأ الملك أن يرفض طلبه وتناول الجندي قداحته وقدحها مرة. مرتين, ثلاث. 
حينها انتصبت الكلاب ثلائشها أمامه. الكلب ذو العينين الكبيرتين بكبر صحن كوب 
شايء والثاني ذو العينين بكبر ناعور والثالث الذي كانت له عينان بكبر برج دائري. 

" ساعدوني الآن كي لا أشئّق!". صاح الجندي؛ فانقض الكلاب على الحاكم 
والمستشارين. عضّوا أحدهم برجله والآخر بأنفه وألقوهم عاليا بالهواء فسقطوا 
وتكتسروا قاما. 

" لا؛" قال الملك. ولكن أكبر الكلاب أمسك به وبالملكة ورمى بهما خلف الآخرين. 

ملك الجنود الهلع وصاح الناس " أيها الجندي العزيزء نريدك ملكا لنا وأن تتسزوج 
الأميرة الحسناء!" 

ثم أجلسوه في عربة املك وقد رقص الكلاب الثلاثة في المقدمة وصاحوا " يعيش, 
يعيش", وصفر الأولاد وقدم الجنود عرضاً بالمناسبة. 

خرجت الأميرة من قصرها النحاسي وصارت ملكةً, وهذا ما أحبته. ودام حفل 
الزواج ثمانية أيام وجلست الكلاب حول المائدة تلمع عيونها من الفرح . 


كتبت في عام ١416‏ 


13 


كلاوس الصغير وكلاوس الكبير 


كان هناك رَجلان يعيشان في مدينة واحدة, لهما الاسم ذاته. فكلاهما يدعى 
كلاوس ولكن أحدهما يملك أربعةً أحصنة والآخر لا يملك إلا واحداً. ولكي مير المرء 
بينهما. أطلق على الذي يملك أربعة أحصنئة ب كلاوس الكبير وعلى الذي يملك واحداً 
فقط ب كلاوس الصغير. ودعونا نسمع قصة هذين الرجلين لأنها قصهٌ مشوقةٌ بالفعل! 

كان كلاوس الصغير يحرث الأرض لكلاوس الكبير ويعيره حصانّه الوحيد؛ أما 
كلاوس الكبير فقد ساعد كلاوس الصغير بالمقابل بإعارته أحصنته الأربعة ولكن لهرة 
واحدة فقط في الأسبوع, وكان ذلك في أيام الآحاد. 

وراح كلاوس الصغير مستمتعا يسوطٌ الخمسة بسوطه. فالأربعةٌ كما لو كانت 
تقريبا ملكَهُ وإن كان يمتلكها ليوم واحد فقط. 

أشرقت الشمس إشراقة جميلة ودقّت كل الأجراس في أبراج الكنائس. كان الناس 
بكامل زينتهم. حاملين كتب التراتيل الدينية تحت أذرعهم متوجهين لسماع خطبة 
القس. وفي طريقهم رأوا كلاوس الصغير يحرث الأرضّ مع أحصنته الخمسة وقد بدا 
مسرورا وهو يسوطها بالسوط ويصيح : " هيع ياأحصنتي!" 

" لا يحق لك قول ذلكء." قال كلاوس الكبيرء " لا تنس بأنك قلكَ واحدا منها 
فقط!" 

ولكن وعندما يعود أحدهم وير بالمكان. ينسى كلاوس الصغير ويصيح حينها مرةٌ 
أخرى: " هيع يا حصني!" 

قد نفد صبري يا هذاء عليك الكف عن ذلك في الحال!" قال كلاوس الكبيرء 

"وإلا إن كررتها ثانية سيتلقى حصائك ضربة مني في جبهته وسيموت في مكانه 
و 


15 


" لالاء أعدك, لن أقول ذلك بعد الآن؛” 

وعندما مر أناس في طريقهم به وأحنوا رؤوسهم محييّن, سر ذلك كلاوس الصغير 
كُتيرا ورأى نفس مختالا بأحضبعه القسة: فساط بسوطه وضاح:” بغ يا أخصتي|". 

" هيع. سترى الآن ماذا ينتظرك!" وأمسك كلاوس الكبير بالمطرقة الخشبية 
الكبيرة وضرب الحصان الوحيد على جبهته فسقط ميت على الأرض. 

'أزاقالم يدل عاذ بالمره الآن1" قال كلاو الصفين زاح ررين. 

وقام كلاوس الصغير بسلخ جلد الحصان. تركه يجفٌ في الهواء, ثم وضعه في 
جراب وحمله على ظهره متوجها إلى المدينة لبيعه. 

كان طريقّه طويلا إذ يتوجب عليه المرور بغابة كبيرة مظلمة, والجو صار عاصفا 
رهيبا. وقد ضل طريقه وقبل أن يجده حل المساء وكان من الصعب عليه العودة إلى 
البيت أو الوصول إلى المدينة ليلاً. 

بمحاذاة الطريق كانت هناك مزرعةٌ كبيرة. يتوسطها بيت أغلقت درقات شبابيكه, 
ولكن ضوءاً لَمَّعَ رغم هذا من الداخل. 

لابد أن يُسممّ لي المبيت في هذا المكان. فكرٌ كلاوس الصغير وذهب ليطرق الباب. 

فتحت زوجة الفلاح الباب ولكنها عندما عرفت ما يريد طلبت منه أن يعوه 
أدراجه. فزوجها غير موجود وهي لا تستقبل غريبا في بيتها. 

" إذن ٠‏ ليس أمامي إلا أن أنام في العراء." 

وأقفلت الزوجة الباب بوجهه. 

وعلى مقربة منه كانت هناك كومةٌ قش كبيرة, يني بينها وبين البيت كوخ صغير 
بسقف مستو من التبن. 

" يمكنني النوم فوق!" قال كلاوس الصغير عندما رأى سطح الكوخ. " إنه لسرير 
وثير واللقلق لن يحط ويعضّني في ساقي". إذ كان هناك لقلق يقفّ عاليا في عشّه. 

وتسلقَ كلاوس الصغير أعلى الكوخ, حيث استلقى وهو يتقلب على جنبيه كي 
يام 

لم تكن دَرفات الشبابيك مطبقة تماما لذا قكن كلاوس الصغير من رؤية ما في 
داخل غرفة المعيشة في البيت. 


16 


كانت هناك مائدةٌ كبيرة قد أعدّت مع نبيذ ولحم شواء, بالإضافة إلى سمكة كبيرة, 
ولم يجلس إلى المائدة سوى زوجة الفلاح ومعاون القس الذي كان يعلّم أطفال القرية 
الكتابة والقراءة. 

وقد كنت له القيزات والتقطظ هو السمكة بالشوكة كانه كنيهي الشيك كثيرا: 

"عن الذي كانه الحصيول ال شن درن هنا" قال كلاوسس العهين يمد رأئنة 
تجاه النافذة. " يا إلهي. وأية كعكة شهية موضوعة رآها في الداخل!, لا شك بأنها 
وليمة كبيرة". 

وفجأة سمع أحدهم يأتي تمتطيا حصانا متوجها إلى البيت؛ كان هو الزوج الفلاح 
الذي عاد إلى بيته. 

كان هذا الرجل طيبا إلى حد بعيد ولكنه مصاب بمرض غريب؛ هو إنه لا يطيق 
رؤيةً معاون القس. إن حصل ومرٌ معاون القس أمام عينيه يتملكّه غضب شديد. لهذا 
السبب أيضا زار معاون القس زوجة الفلاح عندما عَلم بأن الزوج لم يكن في البيت. 
وتلك الزوجة الطيبة قد أحضرت له كل ذلك الطعام الشهي الذي لديها؛ أصابهما الهلع 
بقدوم الزوج الفلاح. طلبت الزوجةٌ من معاون القس أن يختبئ داخل الصندوق الخشبي 
الكبير الفارغ في الزاوية, وهذا ما فعله لأنه يعلم بأن زوجها المسكين لا يطيق رؤيته. 

وخفّت إلى إخفاء كل الطعام الشهي والنبيذ في الفرنء فلو رأى الزوج الطعام 
سيسألها ولا شك عن المناسبة التي أعدّ من أجلها. 

" وا حسرتاه!" تنهد كلاوس الصغير فوق سطح الكوخ عندما رأى الطعام كله وهو 


يغيب عن نظره. 
' مَنَ هناك على السطح؟ سأل الفلاح وهو ينظر عاليا إلى كلاوس الصغير. " لم لا 
تأتي إلى الداخل!" 


فأخيَره كلاوس الصغير كيف ضل طريقه و استسمّحَ الزوجة كي يبيت ليلته هنا. 

" هكذا إذاً؟" قال الفلاح, " علينا أولاً أن نجدَ ما يَسّدٌ رمقنا!" 

استقبلت الزوجةٌ كلا منهما استقبالا حسناء وأعدت مائدةٌ طويلةٌ وقدّمت لهما 
صحن ثريد كبير. الزوج كان جائعا فأكل بشهية كبيرة. لكن كلاوس الصغير لم يستطع 
الكف عن التفكير بقطعة اللحم والسمك والكعكة التي عرف أنها في الفرن. 


77 


كان كلاوس الصغير قد وضع عند قدميه تحت الطاولة الجراب الذي يحتوي جلد 
حصائه, لأنه وكما نعرف انطلق من البيت به ليبيعه في المدينة.لم يستطع تذوق صحن 
الثريد إطلاقاً. داس بقدمه على الكيس فطقصطق الجلد اليابس فيه بصوت عال جدا. 

" ما هذا ؟" قال الفلاح ونظر تحت الطاولة. 

" إش!" قال كلاوس الصغير لجرابه ولكنه داس عليه في الوقت نفسه مرةً ثانية 
فطقطق طقطقة أعلى من قبل. 

" عجيب, ما عندك في هذا الجراب؟" سأل الفلاح مرة ثانية. 

"لا عليك. إنه ساحر؛" قال كلاوس الصغير. " يقول أن علينا ألا نأكل صحن 
الثريد لأنه قد سحر كل الفرن وملأه بلحم شواء وسمك وكعك." 

أحقا ذلك!" سأل الفلاح وهرعَ ليفتم الفرن حيث رأى كل ما لذ وطاب مما خبأته 

الزوجة واعتقد هو بأن الساحر في الجراب قد سحره لهم. 

لم تجرؤ الزوجة على قول شيء ووضعت الطعام بالحال على المائدة وراحا يأكلان من 
اللحم والسمك والكعك. 

وداس كلاوس الصغير مرة ثانية على الجراب فطقطق. 

" ماذا يقول الآن؟" سأل الفلاح. ١‏ 

" يقول إنه قد سحَرّ لنا أيضا ثلاث زجاجات نبيذء موجودة أيضا في الزاوية قرب 
الفرن؛" وكان على الزوجة أن تأتي بالنبيذ الذي خبأته وقد شرب زوجها وراق مزاجه؛ كم 
يتمنى لو كان عنده ساحر كهذا الذي في جراب كلاوس الصغير. 
ء بإمكانه سحر شيطان أيضا؟" سأل الفلاح." أتمنى رؤية شيطان مادمت بمزاج 
رائق!" 

” أجل.* قال كلاوس الصغير, * ساحري يمكن أن يأتي بكل ما آمرْه به. أ ليس 
هذا صحيحا ؟ " سأل كلاوس الصغير وداس على الجراب فطقطق. 

" أ تسمع, إنه يقول بالطبع ؟" ولكن شكل الشيطان بشع؛ لا يستحق أن تراه!" 

" لا لاء لست خائفا نهائياء كيف سيبدو باعتقادك؟” 

" سيظهر لك حيا بهيئة معاون قس!” 

" أعوذ بالله!" قال الفلاح. " القبح بعينه! اعلم بأني لا أطيق رؤية معاون قس! 


18 


ولكن لا يهم, الأمر سيان, أنا أعلم بأنه الشيطان لذا سأتحمله بعض الشيء! لدي 
الشجاعة الآن! ولكن عليه ألا يقترب مني." 
سأسأل ساحري الآن." قال كلاوس الصغير وداس على الجراب وهو يمسك بإذنه 
“ناذا يقول؟* 
يقول إن بإمكانكم الذهاب وفتح الصندوق الخشبي في الزاوية وستجدون 
الشيطان جالسا بلا شغل أو عمل؛ ولكن احرصا على مسك غطاء الصندوق كي لا 
" هل تساعدني بمسك الغطاء!" قال الفلاح وتوجه إلى الصندوق الخشبي حيث 
أَحْفَتَْ الزوجة معاون القس الحقيقي الذي قبع داخله مرتعبا. 
رفع الفلاح الغطاء قليلا ونظر إلى الداخل: " أعوذ بالله؛" صرخ وقفز إلى الخلف. 
"انت على حقء, رأيته, يبدو بالضبط مثل معاوننا ذاك! كم يبدو مفزعا!” 
أمرٌ يتطلب الشرب لتجرعه. وشربا المزيد من النبيذ إلى وقت متأخر من الليل. 
" عليك أن تبيعني هذا الساحر.” قال الفلاح. " اطلب ما شئت! أجلء سأعطيك 


بالحال كيس نقود!" 
" لاء لا يمكنئي هذا!" قال كلاوس الصغيرء " فكرٌ بمقدار ما يمكن أن يعود هذا 
الساحر علي بالفائدة." 


" ولكنني أرغب كثيرا بالحصول عليه.” قال الفلاح وبقي يلح بطلبه ويترجى؛ حتى 
قال كلاوس الصغير أخيرا: " حسناء بما أنك كنت كريما معي ودعوتني للمبيت الليلة, 
فلا فرق عندي. ستحصل على الساحر مقابل كيس نقود ولكن يجب أن يكون كيس 
النقود مملوء بالإضافة إلى زيادة فوقه. 

" ستحصل على ذلك" ولكن عليك بأخذ هذا الصندوق الخشبي معك. لا أريده أن 
يبقى ساعة في البيت؛ الله أُعلم إن كان لايزال بداخله. 

وأعطى كلاوس الصغير الفلاح الجراب بجلد الحصان اليابس و حصل على كيس 
نقود بأكمله مع الزيادة. ومنحه الفلاح عربة خشبية ذات ذراعين قصيرتين وقدمين 
وعجلة أمامية في الوسط ليحمل الصندوق الخشبي والنقود فيها. 


79 


" مع السلامة؛" قال كلاوس الصغيرء وقاد العربة بنقوده والصندوق الخشبي مع 
معاون القس الذي كان لايزال بداخله. 

على الجانب الآخر من الغابة كان هناك نهر عريض عميق؛ يجرى الماء فيه باندفاع 
قوي يصعب على المرء فيه السباحة عكس التيار؛ وقد بني جسرٌ جديد كبير عليه. 
وقف كلاوس الصغير منتصف الجسر وقال بضوت عال جداً كي يُسمعٌ معاون القس 
بداخل الصندوق. 

" إيه. ثُرى ما عساي أن أفعل بهذا الصندوق العديم النفع؟ إنه ثقيل وكأنه تملوءً 
بالصخر! سأتعب إن بقيت أجره طويلا هكذا. لذا سألقيه في النهر. فإن جرفه الماء 
ووصل إلى بيتي كان بهاء وإن لم يصل فالأمر سيان أيضا. 

ومسك بالصندوق الخشبي بإحدى يديه ورفعه وكأنه يود أن يسقطه في الماء. 

" لاء لا تفعل ذلك!" صاح معاون القس في الصندوق, " دعني أخرج بالله عليك!" 

" ياه!" قال كلاوس الصغير متصنعا الخوف. " إنه ما يزال يجلس في الداخل! علي 
الإسراع برميه في الماء حتى يغرق!" 

' لاء لا أرجوك؛" صاح معاون القس, " سأعطيك كيس نقود كاملاء لا تلقني 
أرجوك!" 

" ههء إن كان الأمر هكذا سيختلف الوضع!" قال كلاوس الصغير وفتح الصندوق. 
زحف معاون القس خارج الصندوق بالحال ورماه فارغا في الماء وذهب إلى بيته. وحصل 
كلاوس الصغير على كيس نقود كامل. بالإضافة إلى كيس حصل عليه كما نعلم 
مسبقا من الفلاح. فعربته الآن ملأى بالنقود! 

" ها قد دفع لي سعر جيداً مقابل هذا الحصان!" قال لنفسه عندما دخل بيتّه وقلب 
التفزه ذففة واحدة علن الأرش: “نيعضت ذلك كلارسن الكبير عندنا بعلم اندي 'قد 
َرَت غننا من حضاتى الوعيد: ولكتني لا آريذا أن أيه بلك مباغرة: 

وأرسل صبيا إلى كلاوس الكبير يطلب مئه استعارة القبّان. 

" وما عساه أن يفعل به!" فكر كلاوس الكبيرء ولوّثُ قفا القبان بالقار ليعلق 
شيء مما يورَنَ به. وهو ما حصل بالفعل عندما أعيد القبّانَ إليه. فقد عَلقَتْ ثلاث قطي 
فضية ذات الثمانية فلوس. 


50 


" ماذا أرى؟" قال كلاوس الكبير و ركض بالحال إلى كلاوس الصغير: " من أين 
حصلت على كل هذه النقود ؟" 

" كما ترى فهذا لقاء جلد حصاني. لقد بعته بالأمس!" قال كلاوس الصغير. 

" إنه لسعر جيد!" قال كلاوس الكبير وخّفّ راكضا إلى بيته. وتناول فَأسا وفج به 
رؤوس أحصنته الأربعة جميعهم. سح جلدهم وتّوّجه إلى المدينة. 

" جلود, جلود. من يشتري جلودا!" صاح في الأزقة. 

وجاء الإسكافيون و الدباغون راكضين يسألون عن السعر الذي يطلبُه. 

" كيين نقود لكل واحد."قال كلاوس الكبير. 

" أجِنئْت" قالوا جميعاء " أ تظن بأننا فلك أكياسا من النقود ؟" 

" جلود . جلود . من يشتري جلوداً؛" راح يصيح ثانية. فكل الذين يسألونه عن 
كلفة الجلود يجيبهم: 

كيس نقود.” 

" إنه يضحك علينا". قالوا جميعاء و أخذ الإسكافيون الأعنة وتناول الدباغون 
صدرياتهم الجلد وراحوا يضربون كلاوس الكبير. 

جارد جار سكزوا متم “الآ دسترى: ستنطياة علنا بيقن خازيز خم 
ارموه خارج المدينة؛" صاح الكل. وكان على كلاوس الكبير أن يسرع قدر استطاعته 
فهو لم يذ في حياته ضربا مبَرحا كهذا. 

" صبرا علي؟” قال كلاوس الكبير عندما وصل البيت, " على كلاوس الصغير أن 
يدفع الثمن. سأقتله لهذا!" 

كانت جدة كلاوس الصغير قد وفيت في البيت؛ ورغم انها كانت فَظَهء تعامله 
معاملةً سَيئةٌ فقد تَأَئْر كثيرا لموتهاء فحَمّلها ووضعها في فراشه الدافئ: أملا بأن تعود 
لها الحياة من جديد؛ ستستلقي في فراشه الليل بطوله؛ ما عن نفسه فسينام في 
الزاوية على كرسي, وهي لجست اول فرق 

وبينما هو جالس في الليل هناك انفتح الباب ودخل كلاوس الكبير والفأس بيده؛ 
وهو يعرف مكان سرير كلاوس الصغيرء لذا ركض مباشرةً إليه وضرب الأم العجوز 
الميتة على جبهتها. حيث اعتقد بأنها كلاوس الصغير. 


51 


" هكذا! لن تخدعني مرة أخرى بعد الآن!" قال كلاوس الكبير و عاد إلى بيته مرة 

أخرى. 
" يا له من رجل شرير سيء!" قال كلاوس الصغيرء " أراد قتلي. حمدا لله إن 
العجوز كانت ميتة أصلا وإلا كان قد قتلها الآن!” 

و ألبسن الجدة العجو: فلانسن الأحدء وانتعار خضالنا من عيرانة: ريطه بالعربة 
وأجلس الجدةً العجوز على المقعد الخلفي بشكل لا يمكن فيه أن تقع. و راحت العربة 
تسير ببطء عبر الغابة؛ وعندما أشرقت الشمس كانا بالقرب من فندق. تَرَجُلَ كلاوس 
الفغير من القرية .هناك يمل على :ما يسسد رمقه. 

كان صاحب الفتدق يملك المال الكثير الكثيرء وهو أيضا رجلٌ طيب ولكنه ذو مزاج 
فوار وكأن فلفلا وتبغا في داخله. 
" صباح الخير!" قال لكلاوس الصغيرء " أراك مبكرا اليوم وفي أفضل حَلَّة!" 

" أجل." قال كلاوس الصغيرء " سآخذ جدتي العجوز إلى المدينة: إنها تجلس في 
العربة خارج الفندق, لا يمكنني حملّها إلى هناء ألا يمكنكم تقديم كوب حليب بالعسل 
لهاء ولكن عليكم مخاطبتها بصوت عال جدا فسّمعها ضعيف." 

" بالطبع. سأقوم بذلك بنفسي!" قال صاحب الفندق و صب ا حليب في كو بٍ كبير 
أَحْذَه إلى الخارج للجدة العجوز الميتة التي كانت في العربة. 
" ها هو كوب حليب من ابنك!" قال صاحب الفندق؛ ولكن الأمَ الميتة لم تنطق 
بكلمة وهي جالسةٌ ساكتة في مكانها. 

" ألا تسمعينني!" صاح صاحب الفندق بأعلى صوته, " تفضلي كوب حليب من 
ابنك!" 

صاح مرةً أخرى. ورددها ثانية, ولكنها لما لم تتحرك, تَمَلْكَهُ الغضب فرمى بكوب 
الحليب بوجهها فسالّ الحليب على أنفها و سّقطت إلى الخلف في العربة لأنها لم تكن 
مربوطة في مكانها. 

" يا إلهي!" صاح كلاوس الصغيرء قفر من الباب و أمسكَ صاحب الفندق من 
صدره! " لقد قتلتَ جدتي! ألا ترى هذا الفج الكبير في جبهتها!" 

" وبحي, كان هذا حادثا غير مقصود مني!" أجابه صاحب الفندق وضرب كقًا 


582 


بكف! " إنه مزاجي الفوار يا عزيزي كلاوس الصغيرء سأعطيك كيس نقود كاملاً 
وسأقوم بمراسم دفن جدتكَ العجوز كما لو كانت جدتيء أترجاك أن تلرّمٌ الصمت. وإلا 
فسيقطعون رأسي, وذلك غايةٌ في البشاعة؛" 

وعضل كلاوين الصقير عن كين قز كامل بينما دَكَنَ صاحب الفندق الجدةً 
العجوز كما لو كانت جدبّه. ْ 

وعندما وصل كلاوس الصغير بيبّه أرسل الصبي إلى كلاوس الكبير ليسأله إن 
كان بالإمكان استعارة القبان. 

" ماذا تقول؟" قال كلاوس الكبيرء " ألم أَكَدَلَه! يجب علي التأكد بنفسي, " وأخذ 
القبان وخرج ليرى كلاوس الصغير. 

' أي قسمة هذه من أينَ حَصَلتَ على كل هذه النقود بالله عليك؟” سَأَلَ كلاوس 
الكبير وانفتحت عيناهٌ على وسعهما دهشةٌ لرؤية كل تلك النقود التي حصل عليها 
كلاوس الصغير علاوة على ما حصله سابقا. 

" انها جدتي وليس أناء من قتلت!" قال كلاوس الصغيرء " وقد بعثها الآن 
وحصلت على كيس نقود بالمقابل!" 

' إنها حقا لصفقةً!" قال كلاوس الكبير وأسرعٌ إلى البيت تناول فأسا وقتلّ جدنّه 
العجوز بالحالء وضعها في العربة وتوجه إلى المدينة حيث يسكن الصيدلاني وسأله إن 
كان بو شراء أنا سٍميتين. 

"ومن هم غزّلا+المبتون: ون أين عقت بالحقة !أل المليدلاتي. 

" انها جدتي!" قال كلاوس الكبير " لقد قتَلتها لأحصل على كيس نقود!" 

أستغفر الله!" قال الصيدلاني. " أنتَ تورطٌ نفسك! لا تقل هذا يالله عليك 

وإلا قط رأسّك!" وأخبره بأنها جريةٌ بَشْعةٌ تلك التي أقسَرَقَها وبأنه ليس بشراً إطلاقا 
مَن يقوم بهذا وهو يستَحُقّ العقاب. ارتعب كلاوس الكبير إلى درجة أنه قفر قفزة واحدةٌ 
من الصيدلية إلى العربة. ساط الأحصنة قاصدا بِيبّه. ترك الصيدلاني والناس من حوله 
كلاوس الكبير ينطلق أيئما يشاء بعربته فقد ظنوه مخبولا. 

" ستدفع ثمن هذا!" قال كلاوس الكبير عندما كان على الطريق الزراعي, " ثق 
بأنكَ ستدفع ثمن هذا يا كلاوس الصغير!" ْ 


53 


ووصل البيت, أخدٌ أكبر جراب لديه و راح إلى كلاوس الصغير وقالء" لقد 
خدعتني مرةٌ انية, جعلتني أقتل أحصنتي أولا و من ثُهُ جدتي! إنه ذتبّك ولكنك لز 
تستطيع فعلها ثانيةً بعد الآن, نكال مامه عدف ووضّعه في الجراب الذي حَمَلَه 
على ظهره وصاح به: " سأذهبُ لألقيكَ في النهر كي تغرق)” 

وكان على كلاوس الكبير أن يقطع مسافةٌ طويلةٌ قبل أن يَصل إلى النهرء كما لم 
يكن من السهل عليه حَمل كلاوس الصغير. وطريقه إلى النهر كان بمحاذاة الكنيسة 
قاماء حيث سُمع صوت الأورغل وترتيل الأناشيد العذب داخل الكئيسة؛ وَضّعٌ كلاوس 
الكبير كلاوس الصغير بصف البابء إذ أَحَبْ أن يَدْخُلَ الكنيسة ليسمع ترتيلة دينية 
قبل أن يُكمل طريقّه: فلا يمكن لكلاوس الصغير أن يَهربّ من الجراب؛ والناس جميعهم 
كانوا في الداخل. 

'" آخ!" تنهّدَ كلاوس الصغير داخلَ الجراب. ظل يدور داخل الجراب ولكنه لم 
يتمكن من حل عقدته؛ في الوقت ذاته مر راعي بقر هَرِم. بشّعر بلون الطباشير و في 
يده عصا كبيرة؛ يسوق قطيعا كبيرا من الثيران والأبقار أمامّه. فداست على الجراب 
الذي كان كلاوس الصغير بداخله فانقلب. 

" يا ويلي!" تنهد كلاوس الصغيرء " مازلت صغيرا كي أصعد إلى السماء!" 

" وأنا تعيس؛" قال راعي البقر, " أنا كبيرٌ جدا قلا يمكنني الصعود إلى هناك!" 

" افنّمٌ الجراب!” صاحّ كلاوس الصغير. " ادخل مكاني وستصعد بالحال إلى السماء!" 

" إنني أتمنى ذلك كثيرا!" قال راعي البقر وحَلَّ ربطةً الجراب فَقََرَ كلاوس الصغير 
بال حال خارجا منه. 

" هل بإمكانك إذاً أن ترعى البقرء" قال الرجل العجوز ودخل الجراب فربطه 
كلاوس الصغير وسار في طريقه مع الأبقار والثيران. 

خَرْجّ كلاوس الكبير 8 فترة قصيرة من الكنيسة وحمل الجراب مرة ثانية على 
ظهره, فشّعر بأن الجراب صار أخفٌ حملا فراعي البقر لم يَزِن أكثر من نصف وزن 
كلاوس الصغير. " كم صار من السَهل حَمّلّه. لابد أن يكون السبب هو سماعي الترتيلة 
الدينية!" وتوجّه إلى النهر الذي كان عميقا وكبيراء رمى الجراب مع الرجل العجوز 
الذي بداخله في الماء وصاح عليه, إذ اعتقد بأنه كلاوس الصغير: ٠‏ 


84 


" ها أنت ترى. لا يمكنك خداعي بعد الآن!"” 

وعاد أدراجه إلى البيت, ولما وصلّ عند تقاطع الطرق قابلَ كلاوس الصغير الذي 
انطلقَ مع كل أبقاره. 

" ماذا أرى!" قال كلاوس الكبيرء " أ لم أغرقُكٌ؟" 

نعم!" قال كلاوس الصغيرء " لقد ألقيتّني في النهر منذ أقلّ من نصف ساعة!" 

" ومن أينَ حَصلت على تلك الأبقار الجميلة؟" سأل كلاوس الكبير." 

" إنها أبقار بحرية!" قال كلاوس الصغير." سأقصُ عليكَ الحكايةٌ من البداية إلى 
النهايةء وجازاك الله خيرا لأنك أغرقتني في النهرء كما ترى فإن معنوياتي عالية جدا 
الآن و ثق أيضا بأنني غني جدا. كنت خائفا عندما كنت داخل الجراب والريح تَصَفَّرُ في 
أذني. عندما ألقيت بي من الجسر إلى الماء البارد. هبّطت مباشرةً؛ غَرِقتْ ولكني لم 
أرتطمْ بالقاع. لأن حشائش لينةٌ تنمو في الأسفل تلقمني وحُل الجراب وإذا بعذراء 
حسنا ء بحلّة بيضاء و بإكليل أخضر يطوق شعرها البليل تأخذّ بيدي وتقول: أهو أنت 
يا كلارس الصغير؟ أولاً هاكَ بعضا من الأبقار! فوق ذلك سأمئحك قطيعا بأكمله 
وسيكون في انتظارك على الطريق الذي يقع على بعد ميل من هنا!" أدركت حينها أن 
النهر الذي ينتهي إلى البحر هو طريقٌ زراعي لبني البحرء تجول الماشية في قاعه. كم 
كان ذاك القاع جميلا بالأزهار والحشائش الريانة والأسماك التي تسبح في مائه, 
تخطف قرب أذني كالطيور عندنا في الهواء. كم كان هناك من بشر أسوياء. وكم كان 
هناك من أبقار ترعى في المنحدرات وعند أسيجة المزارع!" 

" ولكن لماذا صعدت لنا إلى هنا بالحال ." سأل كلاوس الكبيرء “لم أكن لأفعلها 
إن كنت مكاتك. طالما الأسفل بهذا الجمال!" 

" مهلا!” قال كلاوس الصغيرء " كان هذا ذكاء مني! اصبر وستسمع: بنت البحر 
قالت بأن على بعد ميل فوق على الطريق يوجد هناك قطيع أبقار بأكمله في انتظاري, 
وهي تعني بالطريق النهر فلا يوجد لديها طريق آخر. وأنا أعرف مواقع خلجان هذا 
النهر. واحدٌ هنا وآخر هناك, إنه على أية حال طريقٌ مطول. وإن كان بإمكان المرء 
تقصيره فليفعل. لذا فضلت أن أصعد إلى الأرض وأقود الأبقار عبر اليابسة للنهر 
ثانية, وبهذا أُوقُرٌ تقريبا نصفّ ميل وأصل مسرعا لأبقاري البحرية. 


55 


" ياه. كم أنت محظوظ !" قال كلاوس الكبيرء " أتعتقد بأني سأحصل على أبقار 
بحرية إن نزلت إلى قاع النهر؟” 

" أظن ذلك!" قال كلاوس الصغير. " ولكن لا يمكنني حملك في الجراب حتى 
النهرء إنك ثقيلٌ علي, إن رغبت فعليك أن تذهب بنفسك إلى هناك وتدخل الجراب, 
حينها سيكون من دواعي سروري أن ألقيك في النهر!" 

" ألف شكر لك" قال كلاوس الكبيرء " ولكن إن لم أحصل على أبقار بحرية 
عندما أنزل إلى القاع. تأكد بأني سأقتلك!" 

" لا لاء لا تكن سيئا هكذا)" 

وذهبا إلى النهر. ولما كانت الأبقارٌ عطشى جدا ركضت ما بوسعها عندما رأت 
الماء لتشرب منه. 

" أ ترى كم هي في عجلة!" قال كلاوس الصغير. " انها متشوقة للنزول إلى القاع 
مجددا!" 

" هيا إذاً. ساعدني أنا أولاً؛" قال كلاوس الكبير, " وإلا ضربتك!" و دخل الجراب 
الكبير الذي كان ملقى على ظهر أحد الثيران. " ضَّعٌ صخرةً في الجراب, أنا أخشى ألا 
أغرق!" قال كلاوس الكبير. 

" لا تقلق؛" قال كلاوس الصغير ووضعٌ صخرةً كبيرة في الجراب وربّطه بإحكام 
وركله. سقط كلاوس الكبير في النهر في الحال. 

" أخشى ألا يجد الأبقار؛" قال كلاوس الصغير وهو يسوق ما عنده عائدا إلى 
البيت. 


كتبت في عام 1١416‏ 


56 


الأميرة وحبة البازلاء 


كان يا ماكان في قديم الزمان كان هناك أميرٌ يريد الزواج من أميرة, ولكنها يجب 
أن تكون أميرةً حقيقيةً. لذا راح يجوب العالم بحثا عن أميرة كهذه. ولكن الأمرّ لم 
يكن يسيراء إذ كان هناك الكثير من الأميرات ولكن هل كن أميرات حقيقيات! هذا ما 
لم يمكنه التحقق منه. كان هناك دوما أمرٌ ما يدعوه للشك أخيراً. وعاد إلى بلده حزينا 
جدا لأن أمنيته في الزواج من أميرة حقيقيةٍ كانت كبيرةً جدا . 1 

وذات ليلة كان الجو فيها مخيفا؛ أرعدت السماء وأبرقت والمطر همى بغزارة, 
كانت ليلةٌ مرعبةٌ بحق! وإذا بأحدهم يطرق بوابةٌ المدينة وقام املك العجوز ليفتحّ الباب. 

كانت هناك أميرةٌ تقفْ عند البوابة. ولكنها بدت بحال سيئة بسبب المطر والجو 
الحاطة تيفط الماسسن سمرها رثيابها :ود عل هذا نهاوخر كن كعيفه وقد أخرتيع 
بأنها أمير 1 

" لئرّء لنتحقق من الأمر!" فكرت الملكةٌ العجوز ولكنها لم تقل شيئا. دخلت غرفة 
النوم: رفعت كل أغطية الفراش والْحَسْية وقامت بوضع حبّة بازلاء في قاع السرير ومن 
ثم جاءت بعشرين حشيةً ووضعتها فوق حبة بازلاء وعشرين لحافاً من ريش النعام 
فوقّها. وكان على الأميرة أن تنام عليها. 

و في الصباح سألوها إن كانت قد ارتاحت في نومها! 

" أوه. لم أَنَمِ بالمرة!" قالت الأميرة. "لم يغمض لي جف تقريبا طوال الليل! الله 
أعلم ماذا كان في الفراش؟ أعتقد بأني قد فت على شيء قاس. فجسمي مملوءً 
بالكدمات الزرق والصفر! أمر فظيع؛" 

وبهذا تأكدوا من أنها أميرةٌ حقيقية لما شعرت بحبة بازلاء عبر عشرين حشيةٌ 
وعشرين لحافاً. لا يمكن لأحداهن أنْ تكون حساسة الجلد هكذا إن لم تكن أميرةٌ حقيقية. 


>١6 


قيقية. 


57 


واتخدٌ الأميرٌ منها زوجةٌ له عندما عَلمْ بأنها أميرةٌ حقيقية وقد وُضعت حبّة بازلاء 
في متحف الملك في القصر والتي لاتزال رؤيتها ممكنة إن لم يأخذها أحد. 
وها أنا قد روبت لكم قصة على أصولها. 


كتبت في عام ماما 


58 


زهورإيدا الصغيرة 


" مسكينةٌ زهوري؛ قد مانت ت ماما!" قالت إيدا الصغيرة. " كم بدت جميلة 
بالأمسء ذبّلت كل أوراقها! ترى ما السبب؟" سألت إيدا الطالب الذي كان جالسا على 
الأريكة فهي تعرّه كثيرا. كان يروي لها أجمل القصص و يَقْص لها بالمقصّ أشكالا 
زُخرفية ظريفة مثل قلوبٍ ترقص في داخلها سيدات. زهور وقصور كبيرة يمكن فتح 
أيوابها. كان طالبا مسلياً! 

" لم تبدو زهوري بحال سيئة اليوم؟ سألت إيدا الصغيرة مرة ثانية وهي تريه باقةً 


بأكملها كانت ذايلة. 
" اسمعي" قال الطالب. " لقد ذهبت الزهور إلى حفلة رقص البارحة لذا تدلت 
رؤوسها هكذا! 


" ولكن الزهور لا ترقص!" قالت إيدا الصغيرة. 
* يان" قال الظالكق: حدقا 00 ونخلد نحن إلى النوم تتقافز هي هنا 
وهناك فرحة. لديها حفلةٌ رقص كل ليلة تقريبا 
' ألا يُسمّحَ للأطفال ا ل هذه؟" سألت إيدا. 
" بلى" قال الطالب. " صغار زهور عين البقرة وزنبق الوادي !" 
" وأين ترقص أكثر الزهور جمالا." سألت إيدا الصغيرة. 
" لقد مررت عند البوابة هناك؛ حيث حدائق قصر الملك الذي ينزل فيه صيفاء تلك 
الحدائق الملأى بالزهور. ورأيت بنفسك بالتأكيد البجعات يسبحن إليك وأنت تهمين 
بإطعامها قُّتات الخبز. هناك تجدين حفلات رقص بحق)* ا 
" كنت أتنزه مع أمي في الحديقة بالأمس! كل الأوراق قد تساقطت من الأشجار 
ولم تعد هناك زهور! أين هي؟ قد رأيت في الصيف الكثير منها!" ' قالت إيدا. 


589 


" إنها في داخل القصر!" قال الطالب, " حالما ينتقل املك والحاشية من القصر إلى 
المدينة تركض الزهور حالاً إلى داخل القصر وهي في غاية الفرح, منظرٌ يستحق أن 
0 أجمل وردتين جوريتين حمراوين تجلسان على العرش كملك وملكة ٠‏ كل أزهار 
عرف الديك الحمر تصطف وتحيّي منحنية على الجانبين في الصالة وهي بمثابة النبلاء 
الشبان الذين يخدمون في القصر. بعدها تأتي باقي الزهور الملونة ويقامُ الحفل الراقص 
الكبير» أزهار البنفسج التي تَثّل ضباط البحرية الفتيان ترقص مع الهايسنث والزعفران 
اللاتي يدعونهن بالآنسات! أما أزهار التيوليب والسوسن الصفر الكبيرة فهن الآنسات 
المتقدمات بالسن اللواتي يشرفن على الرقص ويحرصن على أن يتم بشكل مضبوط. 
" ولكن أ لن يؤذي أحدٌ الزهور لأنها رقصت داخل قصر الملك؟” 
" لاء لا أحدَ على يقين تام بالأمر!" قال الطالب. " أحيانا يأتي حارس القصر 
العجوز المسؤول عما هو حول القصرء لديه حلقة ست كبيرة, وحالما تسمع الزهور 
خح الناتيع تمن فى كانه بد جر 10 تخفي نفسها خلف الستائر ماعدا رأسها. 
" أشم رائحة زهور هنا في الداخل." يقول الحارس العجوز ولكنه لا يراها. " إئه لأمر 
شيّق! " قالت إيدا الصغيرة وصفّقت بيديها. " ألا يمكنني أنا أيضا رؤيتها؟" " بلى, لا 
عليك إلا أن تتذكري عندما تذهبين هناك مرة ثانية أن تطلّي من النافذة وسترينها 
بالتأكيد. لقد رأيتها اليوم, وقد تَدّدت نرجسة صفراء هناك على الأريكة. كانت هي 
الوصيفة!" 
" أ يمكن لزهور الحديقة التباتية أيضا أن تأتي إلى القصر؟ أ يمكنها قطع كل ذلك 
الطريق؟" 
" بكل تأكيد؛" قال الطالب, " لأن بإمكانها الطيران إن رغبت, ألم تري الفراشات 
الجميلات. الحمرء. الصفر والبيض. تبدو تقريبا كزهور وقد كانت في الحقيقة زهوراء 
تفتحت وقفزت من الأغصان عاليا في الهواء ورفرفت بأوراقها وكأنها أجنحة وطارت؛ 
وبما أنها أجادت الطيران هنا وهناك سمح لها بالطيران في النهار أيضاء فلا عليها 
العودة إلى البيت والجلوس بسكون على الأغصان ثانية, إذ تحولت أوراقّها إلى أجنحة 
حقيقية كما رأيت بنفسك. من الجائز أن الأزهار في الحديقة النباتية لم تكن داخل 
القصر يوما ولم تعرف بأن المكان فيه مرح وانطلاق في الليل. سأخبرك شيئاء من المؤكد 


5090 


أن الخيبة ستصيب بروفيسور الحديقة النباتية الذي يسكن في الجوار لذلك. أنت 
تعرفينه بلا شك! عندما تدخلين حديقتّه عليك أن تخبري إحدى الزهور بأن هناك حفلا 
زافضاكييرا ف القشر وتشخير الرهرة بذلك الباقين وعينها قطي جبهماء رحتنا 
يأتي البروفيسور إلى الحديقة لن يجد زهرةً واحدةٌ ولن يتمكن من فهم السبب وراء 
ذلك." 
" ولكن كيف يمكن للزهرة أن تخير الآخرين؟ ليس بمقدور الزهور التكلم!" 
أنت على حق فالزهور لا تتكلم!" أجابها الطالب؛ " ولكن يمكنها الإيماء! أ لم 
تلاحظي عندما تهب الريح تهرٌ الزهورٌ رؤوسها وتتحرك كل تلك الأوراق الخضر. مفهوم 
ماتريد قوله وكانها تتحدث!" 
" أ يمكن للبروفيسور أن يفهم الإيماء؟" سألت إيداء " بالطبع" أجاب الطالب " لقد 
جاء ذات صباح إلى حديقته فرأى الحراق يومئ بأوراقه لزهرة قرنفل حمراء جميلة ؛ قال 
لها: إنك لطيفةٌ جدا وأنا أحبك كثيرا ولكن البروفيسور لا يحب أشياءً كهذه فضرب 
الحراق بالحال على أوراقه لأن الأوراق هي يد الحراق, ولكنه احترق ومتذ ذلك اليوم وهو 
لا يجرؤ على لمس الحراق" 
" ذلك ممتع!" قالت إيدا الصغيرة وضحكت. 
" أ هذا كلام أن تجعل الأطفال يصدقون لغوا كهذا؛" قال الأفندي الثقيل الدم 
والذي جاء في زيارة وجلس على الأريكة؛ لا يعجبه الطالب إطلاقاء ويتذمر طوال 
الوقت وهو يراه يقص أشكالا غريبة مضحكة, مثل رجل معلق في حبال مشنقة يُمسك 
ذه قلا لأناكان سارى علوت: أ ساعر عبطاء بطلل مكسسد ريصا بحل زوعها 
على أنفها؛ والأفندي لا يعجبه كل هذا فيقولء " أهذا كلام, أن تجعل الأطفال 
يصدقون لغوا كهذا! إنها مخيلة سخيفة!" 
ولكن إيدا الصغيرة رأت فيما قاله الطالب عن الزهور متعة كبيرة وقد فكرت فيه 
كثيرا بعد ذلك. تدلّت رؤوس الزهور لأنها كانت متعبة بسبب الرقص طوال الليل. 
كانت بالتأكيد مريضة فحملتها إلى جانب لعبها الأخرى التي وضعت بعناية على 
الطاولة الصغيرة؛ وكان الجارور ممتلثا بالحلي والزينة. نامت دميتها “سوفيا" في سريرها 
ولكن إيدا الصغيرة قالت لها: " عليك أن تصحي يا سوفيا وتكتفي بالنوم في الجارور 


91 


هذه الليلة, فالزهور المسكينة مريضة لذا ستستلقي في سريركء, لعلها تشفى!" وحملتها 
من السرير وقد بدا وجهها مقطبا لأنها كانت غاضبة فلم يُسمَّح لها أن تحتفظ بسريرها. 

وضعت إيدا الزهور في سرير الدمية ودثّرتها جيدا وقالت الآن ستستريح تاماء 
ستعمل إيدا لها الشاي كي تشفى وتنهض نشيطة صباحاء واغلقت الستارة حول 
السرير كي لا تدخل الشمس إليها. 

لم تستطع إيدا الف عن التفكير طوال الليل بما قاله الطالب وكان عليها أن 
تذهب إلى سريرها هي أيضاء ولكن قبل ذلك ستطل على زهور أمهاء الهايسنث 
والتيوليب التي وضعت خلف ستارة الشباك. همست لها : أنا أعلم بأنكن ستذهين 
للرقص في الليل! ولكن الزهور تصنّعت عدم الفهم لما قالته ولم تُحرك ورقةً فيهاء 
ولكن إيدا الصغيرة كانت تعلم ما تعلم. 

عندما استلقت في سريرها فكرت طويلا بروعة منظر الأزهار الجميلة وهي ترقص 
في قصر الملك. " أ يمكن أن تكون زهوري قد رقصت معها؟ وغطْت في النوم. 
استيقظت في الليل مرة أخرى بعد أن حَلّمَت بالأزهار والطالب الذي وبخَّه الأفندي وقال 
له إنه يريد إيهامها بشيء. كان الهدوء يعم غرفة النوم حيثُ استلقت إيدا؛ مصباح 
الطاولة متقدٌ. وقد نام كل من أمها وأبيها. 

" ثُرى مازالت زهوري مستلقية في سرير سوفيا؟ قالت لنفسها. " كم أود معرفة 
ذلك!" جلست في سريرها ونظرت إلى الياب الذي كان مواربا. كانت كل زهورها 
وألعابها هناك في الصالة. أنصتت قليلا فتهياً لها سماع عزف بيانو داخل الصالة 
ولكنه صوتٌ خافت جدا ولطيف كما لو أنها لم تسمعه من قبل. " لابد أن الزهور 
أخذت ترقص الآن." كم أمنى رؤية ذلك ياربي!" ولكنها لا تجرؤ على النهسوض إذ 
تخشى إيقاظ أبيها وأمها. " لو ترقص هناء" قالت إيدا؛ ولكن الزهور لم تأت وترقص 
واستمرت الموسيقى تُعرَّق بنغم جميل جداء حينها لم تستطع الصبر أكثرء كانت 
الموسيقى في غاية الروعة؛ نزلت من سريرها الصغير ومشت بهدوء حذر إلى الباب 
ونظرت إلى داخل الصالة. يا لمتعة ما رأت! لم يكن هناك مصباح في الداخل ولكن 
بالرغم من ذلك كانت الصالة مضاءة. القمر يسطع من خلال النافذة على أرض الغرفة, 
وكأنه نهار. اصطّف كل من التيوليب والهايسنث صفين طويلين على الأرض ولم يتبق 


02 


في الشباك غير أُصّص فارغة. على الأرض رقصت كل الزهور ودارت حول بعضها 
بعضاً. شكلت حلقة؛ وأمسك بعضها بعضاً من أوراقها الخضر الطويلة عندما دارت. 
عند البيانو جلست زنبقة صفراء كبيرة تأكدت إيدا من إنها رأتها في الصيف, وحينها 
تذكرت جيدا ما قاله الطالب: " إنها تشبه إلى حد كبير الآنسة لينا!" ولكن الجميع 
ضحك عليه؛ إيدا تظن الآن أيضا بأن تلك الزهرة الطويلة الصفراء تشبه بالفعل الآنسة 
لينا. انها تتحرك بالضبط مثلها وهي تعزف, تدير وجهها المتطاول الأصفر إلى جهة 
ومن ثم أخرى, تُحرَكَ رأسّها مع إيقاع الموسيقى الجميلة! لم يشعرٌ أحد ب إيدا التي رأت 
زعفرانةٌ زرقاء كبيرة تئط إلى منتصف الطاولة حيث الألعاب ثم تتجه مباشرة إلى سرير 
الدمية وتسحب الستارة جانباء حيث الزهور المريضة ترقد في السرير. نهضت الزهور 
حالاً وهرّت رؤوسها للآخرينء أي إنها تود الرقص كذلك معهم. وانحنت الدمية المدخن 
العجوز الذي انشقت شفته السفلى محييا الزهور الجميلة؛ التي لم يبد عليها امرض 
فقد قفزت إلى الأسفل وانضمت إلى الآخرين مستمتعة معهم. 

وفجأة وكأن شيئًا قد سقط من أعلى الطاولة. رأت إيدا باقة الأغصان المجففة 
المزينة بالحلوى والورق الملون والتي يحصل عليها الأطفال في عيد ضرب القط. قد 
قفزت هي الأخرى إلى الأرض فقد ظنّت بأنها تنتمي إلى الزهور أيضا. كان منظرها 
رائعاء وفوق هذا فقد حَوتْ باقة الأغصان أيضا دمية بشكل رجل من الشمع على رأسه 
قبعةٌ عريضة تشبه القبعة التي يرتديها الأفندي. نطت باقة الأغصان المجففة هذه وسط 
الزهور و دبكت بقوة على الأرض بسيقانها الخشبية الثلاث الحمر على أنغام موسيقى 
رقصة المازوركا. لم يكن ممكنا للزهور الأخرى أداء هذه الرقصة لأنها كانت خفيفة الوزن 
فلا يمكنها الدبك. مط دمية الشمع جسده طولا وعرضا والتفّ فوق وحول الزهور 
الورقية في باقة الأغصان المجففة وصاح بصوت عال: " أ هذا كلام؛ أن تجعل الأطفال 
يصدقون لغوا كهذا! إنها مخيلة سخيفة!" وقد أشبهت دمية الشمع الأفندي ذا القبعة 
العريضة تماماء فبدت صفراء متجهمة جدا؛ لكن الزهور الورقية ضربته على ساقيه 
الضعيفتين فانكمش مرة ثانية وعاد دمية صغيرة. كانت مشاهدة مسلية! لم يكن بوسع 
إيدا الكفً عن الضحك. واستمرت باقة الأغصان المجففة بالرقص, وتوجّب على 
الأفندي مرافقتها. ولم يكن هناك بد من ذلك سواء كان عليه أن يتمطى فيصير كبيرا 


53 


وطويلا أو أن يكون دمية شمع صفراء صغيرة جداء حينها ترجّت الزهور الأخرى وعلى 
الأخص تلك التي رقدت في سرير الدمية ياقة الأغصان أن تتركه وشأنه. في اللحظة 
نفسها سمعٌ طرق قوي في الجارور حيث تستلقي سوفيا دمية إيدا مع لعب أخرى 
كثيرة؛ ركض المدخن العجوز إلى حافة الطاولة» انبطح على بطنه وتمكن من فتح الجارور 
قليلا. نهضت سوفيا ووقفت تنظر بعجب لما حولها وقالت " إنها حفلة رقص, لم لم 
يخبرني احد بذلك!" 

" أ ترغبين بالرقص معي؛" قال المدخن. " وهل تعتقد بأني أرغب في ذلك!” قالت 
وأدارت له ظهرها. وجلست في الجارور تفكر. لابد لواحد من الزهور أن يأتي ويطلب 
منها الرقص معه. ولكن لم يأت أحدء فسعلت إحم, إحمء إحم! رغم ذلك لم يأت أحد. 
رقص المدخن وحده ولم يكن رقصه سيئا!. 

ولا لم يلتفت أحد إلى سوفيا عمدت إلى إسقاط نفسها من الجارور إلى الأرض 
فأحدث ذلك ضجة كبيرة؛ خفّت كل الزهور راكضة وتحلقت حولها وسألتها إن كانت قد 
أصيبت بأذى! كان الجميع لطيفا معها وعلى الأخص زهور إيدا التي شكرتها على 
سماحها بالنوم في سريرها وأحبتها كثيرا. أخذوها إلى وسط الحلبة حيث يسطع القمر 
ورقصوا معهاء ورقصت كل الزهور الأخرى حولها في حلقة. سوفيا كانت سعيدة للغاية 
فأخبرتهم أن بإمكانهم الإحتفاظ بالسرير فهي لم تكن حزينة لنومها في الجارور. فردت 
الزهور قائلة:" ألفّ شكر لك. نحن لا يمكننا العيش طويلا. ففي الغد سنموت؛ قولي 
ل إيدا بأن تدفننا في الحديقة حيث يرقد طير الحب. وسننمو ثانية في الصيف ونصير 
أحلى بكثير!". 

' لا. لا تَمَئْنَ؟" قالت سوفيا وقبّلت الزهور. في اللحظة نفسها انفتح باب الصالة 
ودخل جمعٌ كبير من الزهور الجميلة راقصا؛ لم تفهم إيدا من أين دخلت الزهور. من 
المؤكد أننها زهور حديقة القصر كلها. تتقدمها في الأمام وردتان جوريتان جميلتان, 
تحملان تاجين ذهبيين صغيرينء كانا هما الملك والملكة؛ بعدها جاءت زهور المنثور 
اللطيفة والزنبق وحيت الجميع بكل الجهات. ومعهم جاءت فرقة موسيقية, الخحشخاش 
الكبيرة والفاوانيا تنفخ في قُرنة البزاليا حتى احمرً وجهها تماما. ورنّت أزهار عشبة 
الجريس الزرق وقطرات الثلج البيض. وكأن لها أجراس صغيرة ترن. كانت موسيقى 


94 


مطربة. وبعدها جاءت زهور أخرى عديدة ورقصت جميعاء البنفسج ومرغريتا الحمر, 
البابونج وزنيق الوادي: كل الزهور قبّلت بعضها بعضاً, كم كان المنظر جميلا!. 

وأخيرا قالت الزهور لبعضها تصبحون على خير؛ وتسللت إيدا الصغيرة إلى 
فراشها وحلمت بكل ما رأت. 

وعنئدما استيقظت في الصباح توجهت مسرعة إلى الطاولة الصغيرة لترى إن كانت 
الزهور لاتزال هناك سحبت الستارة جانبا من على السرير الصغيرء كانت كل الأزهار 
هناك ولكنها ذابلة, أكثر ما كانت عليه بالأمس. اما سوفيا فكانت مستلقية في 
الجارور كما وضعتها وبدت نعسى. " ألا تتذكرين ما عليك أن تخبريني." قالت إيدا 
الصغيرة ولكن سوفيا تصبّعت الغباء ولم تقل كلمة واحدة. " إنك شقية!" قالت إيداء 
"لقد رقصن جميعا معك!" وتناولت علبة صغيرة من الورق مرسوم عليها طير جميل, 
ففتحتها ووضعت الزهور الميتة فيها. " هذا هو تابوتها الحلو." قالت إيداء " وعندما 
يصل أبناء عمي النرويجيان إلى هنا سيشاركان في الدفن في الحديقة لكي تكبر 
الزهور في الصيف وتصير أكثر جمالا. 

أبناء عمها النرويجيان كانا ولدين نشيطين, اسمهما يوناس و أدولف؛ وقد 
أهداهما والدهما قوسين جديدين لرمي السهام وقد جلباهما معهما ليرياهما ل إيدا. 
حدثتهما إيدا عن الزهور المسكينة التي ماتت وسُّمعّ لها بدفنها. تقدم الولدان 
والقوسان على كتفيهما بينما مشت إيذا خلنهما بالزهورالبعة الموضوعة فى العلبة 
اللطيفة؛ وحفر في الحديقة قبر صغير؛ قبّلت إيدا الزهور وأنزلتها في القبر مع العلبة, 
أما أدولف ويوناس فقد أطلقا السهام فوق القبر فلم يكن عندهما بندقية أو مدفع. 


كتبت في عام ١8170‏ 


95 


إنجليسا 

كانت هناك إمرأةٌ عجوز تَنّت لنفسها طفلةً صغيرة جدا ولكنها لم تعلم إطلاقا أين 
يمكن الحصول عليها, لذا فقد قصدت ساحرةٌ عجوزاً وقالت لها: ' أنا أتمنى من أعماقي 
الحصول على طفلء ألا يُمكنك بالله عليك أن تقولي لي من أين أحصل عليه؟ " 

" بالطيع, سنجد حلاً بالتأكيد !" قالت الساحرة. " هاك حبة الشعير هذه؛ إنها 
ليست من النوع الذي ينمو في حقل فلاح أو التي تحصل عليها الدجاجات للأكل؛ 
ايها فى أصيض غير اوستريو با ان عل 

" ألف شكر" قالت المرأة العجوز وتّقدت الساحرة اثني عشر قرشاء ثم ذهبت إلى 
البيت. وزرعت الحبّة وبا حال فت زهرةٌ كبيرة جميلةٌ. بدت مثل زهرة تيوليب اما ولكن 
الأوراق كانت مغلقةً على بعضها بعضاً وكأنها ما زالت برعما. 

" انها زهرةٌ لطيفة!" قالت المرأة وقبّلتها على أوراقها الحض والمفر الحسيلةوعا 
قبلتها أطلقت الزهرة صوتاً وتفتحت. يمكن للمرء أن يرى الآن زهرة تيوليب حقيقية, 
ولكن في داخل الزهرة جلست فتاةٌ صغيرة جدا على الكرسي الأخضرء ناعمةٌ رقيقةٌ, لم 
يتعد طولها الإنج لذا فقد أطلق عليها " إِنْجليسا" 

حصلت إنجليسا على قشرة جوزة مصبوغة لطيفة كمهد لها وفيها زهرةٌ بنفسج 
كفرا شٍوورقةٌ ورد جورية كلحاف لتلتحف به ليلاً. في النهار تلعبْ إنجليسا على 
الطاولة, حيث وضعت المرأة صحنا حوطته بإكليل من الزهور عُِسّتْ سيقانها في الماء, 
وطفت في الصحن ورقةٌ تيوليب كبيرة. تجلس عليها إنجليسا وتبحرٌ من جهة إلى 
أخرى, ولديها شعرتا حصان لتجدّف بهما. بدا المنظر بالفعل جميلاً. وكان بإمكائها 
الغناء أيضاً, فغئّت, والله ما كان أحلى غنائهاء كان رقيقاً حالماً لم يسمعه أحدٌ هنا من 


597 


ذات ليلة وعندما كانت نائمةٌ في فراشها الجميل. قفزت ضفدعة قبيحة من 
الشياك حيث كانت زجاجةٌ النافذة مكسورةًٌ. كانت الضفدعة بشعةً جدا. كبيرةٌ ولزجةً: 
قفزت إلى الطاولة حيث إنجليسا النائمة تحت ورقة الوردة الجورية. 

" إنها زوجةٌ جميلة لابني!" قالت الضفدعة, وأمسكت بقشرة الجوز حيث تنام 
إنجليسا وقفزت بها من خلال النافذة إلى الحديقة. كان هناك نهر كبير عريض, وعند 
جد سس ل بي ري الك 2 00 . وياله من منظر! كان ابنها أيضا 

بشعاً قبيحاً. يشبه أمّه. وعندما رأى تلك الفتاة الرقيقة ذ في قشرة الجوزء وهو لا ينطق 
قر لغيه " نق نق, قيق قيق". فقالت له الضفدعة العجوز: " لا تتكلم بصوتٍ 
عال وإلا استيقظت, ولاتزال تستطيع الهرب منا لأنها خفيفةٌ مثل ريشة بجعة, 
سنضعها في النهر على إحدى زنابق الماء العريضة لتكون بمثابة جزيرة لها عقر أنها 
مناسبة لهاء فهي الخفيفة الصغيرة؛ لن يمكنها الهرب منهاء بينما نزين الغرفةٌ تحت 
الطين حيث ستعيشان". في ذلك النهر نما الكثير من زنابق الماء بأوراقها العريضة 
الخضر التي تبدو وكأنها تنساب على سطح الماء, والورقةٌ التي كانت الأبعد كانت أيضا 
الأكبر فسبحت الضفدعة العجوز إليها حيث وضعت قشرةً الجوز مع إنجليسا عليها. 

وفي اليوم التالي استيقظت تلك الصغيرةٌ المسكينةٌ مبكرةًٌ جدا في الصباح, 
وعندما رأت أين هي الآن بدأت بالبكاء بمرارة لأن الماء كان يحوطها من جميع جهات 
الورقة الخضراء الكبيرة» فلا يمكنها الوصول إلى اليابسة إطلاقاً. 

أما الضفدعة العجوز فجلست في الطين تزيّن الغرفة بالبردي وفصوص الزنبق 
الصفر, يجب أن يكون كل شي ء لائقأ لروجة الابن. وبعد ذلك سبحت هي والابن البشع 
إلى الورقة حيث إنجليسا ليجلبا فراشّها الجسيل الذي يجب أن يوضع في غرفة العروس 
قبل اتجيتها 'واتحتت السفدعة العجوة عسيقا في الماء مُحيِيةٌ إنجليسا وقالت لها: 
"انظري الى إبني؛ سيكون زوجك وستسكنان يسعادة تحت في الطين!" 

" نق نقء قيق قيق" هذا كل ما يتمكّن الابن من قوله. 

وأخذا الفراش الجميل وسبحا بعيدا به. وبدت إنجليسا وحيدةٌ تمقاماء فبكت على 
الورقة الخضراء لأنها لا ترغب بالعيش مع الضفدعة القبيحة ولا ترغب في الابن البشع 
زوجا لها. 


58 


رأت الأسماك الصغيرة التي تسبح في النهر الضفدعةً وسمعت ما قالته. لهذا فقد 
أطلت برؤوسها فوق الماء لعرى البنتَ الصغيرة. وحالما رأتها وجدثها لطيفة للغاية 
وحزنت من أجلهاء لأنها ستذهب إلى الضفدعة البشعة. 

لا. لا يجب أن يحصل هذا إطلاقاً. تجمعت الأسماك في الماء حول عود الورقة 
لسرا ء انق مل اليه فتفيعه: بعدها اتسانة الزرقة قن التر يعينا م 
إنجليسا. بعيدا جدا بحيث لا يكن للضفدعة أن تصلها. 

زأبعرت اغليسا ع الطديد من الأمكنة: عبت تمشعش الحضافير وتكتن بين 
الشجيرات,؛ والتي عندما رأتها قالت:" أيةُ عذراء صغيرة رقيقة هذه". وكانت الورقةٌ 
حينها تبتعد بإنجليسا أكثر وأكثر. وهكذا سارت بها إلى خارج البلاد. 

ما انفكّت فراشةٌ بيضاء رقيقةٌ تطيرٌ حول إنجليساء حتى حطت أخيراً فوق الورقة 
لأنها أحبّت إنجليسا التي كانت مستمتعة جداً لأن الضفدعة لن يمكنها الوصول إليها 
وكلّ ما حولها حيث أبحرت كان جميلاً جداً. فالشمس أشرقت على الماء مُرسلةٌ خيوطها 
الذهبية الجميلة. 

أمسكت إنجليسا بإحدى طرفي حزامها وربطته حول الفراشة وثيتت الطرف الثاني 
بالورقة فانسابت الورقةٌ بسرعة أكبر وبإنجليسا التي كانت تجلس عليها أيضا. 

في الوقت نفسه مر ذكر خنفساء طائراً ورأى البنت وعلى الفور حملها بمخلبه من 
خصرها الدقيق وطارٌ بها عالياً إلى الشجرة. أما الورقة الخضراء فسبحت في ماء النهر 
مع الفراشة لأنها كانت مربوطة بالورقة, ولم يمكنها الإفلات منها. 1 

يا إلهي. كم بدت إنجليسا فزعة عندما طار بها الختفساء إلى الشجرة. ولكنها 
تأثْرت أكثر من أجل الفراشة البيضاء الجميلة التي رطت بالورقة, ستموت جوعا لأنها 
لن تتمكن من حل الحزام. ولكن ذكر الخنفساء لم يكن يأبه لذلك. فجلس إلى جانبها 
على أكبر ورقة في الشجرة وأكثرها اخضراراً. وأخذٌ يعطيها الحلوّ من الأثمار لتأكله 
وقال لها إنها جميلةٌ للغاية, رغم أنها لا تشبه الخنافس. ومنذ أن وصلت إنجليسا 
جاءت كل الخنافس الأخريات التي تسكن الشجرة لزيارتها. أخذت تنظر إليهاء أما 
الخنافس الآنسات فقد علت السخرية ملامحهن وتعكّرت وجوههن وقالت: 

" ولكن ليس لها غير قدمين إثنين. كم تبدو قبيحة ". ثم قالت أخرى:" ليس 


99 


لديها مجسات!" وقال الجميع:" ويحهاء كم هي نحيلةٌ الخصر! تبدو مثل البشر! كم هي 
بشعه . 

كانت إنجليسا رقيقة جدا وهو ما ظنّه أيضا الخنفساء الذي أخذها. ولكن عندما 
قال الجميع بأنها قبيحةٌ فقد اقتنع بذلك أيضا ولم يرغب بالإحتفاظ بها فقال؛ " يمكنها 
الذهاب الآن أينما تشاء". طاروا بها من أعلى الشجرة ووضعوها على نبات البابوتّج. 
بكت إنجليسا هناك لأنها قبيحة جدا مما جعل الخنفساء ينبذّهاء لكنها في الحقيقة كانت 
أحلى ما يمكن أن يخطر على بال» رقيقة وصافيةٌ مثل أجمل ورقة وردة جورية. 

عاشت المسكينةٌ إنجليسا طيلة الصيف وحيدةً في الغابة الكبيرة. فظفرت لها 
فراشا من القش علقته تحت ورقة حمّاض كبيرة كي لا ينزل المطر عليها وأخذت تقطف 
أكقر الأزهار حلاوة لتأكلهاء وتشرب الندى الذي يتجمع على الورق كل صباح. وهكذا 
مر الصيف والخريف. ولكن الشتاء قد حل الآن. هذا الشتاء البارد الطويل. فالطيور 
التي غنّت بعذوبة لها قد طارت في سبيلهاء والأشجارٌ والأزهارٌَ قد ذبآت؛ أما ورقة 
الحماض الكبيرة التي سكنت تحتها فقد القت على بعضها بعضاً وتحولت إلى عود 
أصفر. تجمدّت إنجليسا من البرد لأن ثيابها كانت قد ترّقت ولأنها رقيقةٌ وصغيرة جدا 
هذه إنجليسا المسكينة ستموت من البرد. 

بدأ الثلج يتساقط وكلٌ حبّة ثلج تسقط كأنما يسقط جارورٌ مملوء بالثلج عليها, 
لأننا كبار وهي لم تتعد الإنج طولً. لذا فقد تلحفت بورقة ذابلة ولكن ذلك لم يدفئها 
فأخذت ترتجف من البرد. 

كان هناك حقل قمح قريب من الغابة التي وصلت إليهاء ولكن حبّات القمح كانت 
قد تساقطت منذ مدة ولم يتبق غير أعقابها التي برزت فوق سطح الأرض فكانت بمثابة 
غابة بالنسبة لها وهي تمشي بينها. كانت إنجليسا ترتجف جدا من البردء حتى وصلت 
بعدها إلى باب فأرة الحقل. كان جُحراً صغيراً تحت أعقاب القمح. وهناك عاشت الفأرة 
بدفء وهناء. كانت غرفتها مملوءة بالقمح. ولديها مطبخ جميل ومخزن للطعام. وقفت 
إنجليسا المسكينة عند الباب مثل فتاة فقيرة متسولة تستجدي قطعة صغيرة من حبة 
قمح لأنها لم تحصل على لقمة صغيرة لتأكلها حتى الآن. 

" أيتها المسكينة!" قالت الفأرةٌ التي كانت في الحقيقة فأرةٌ عجوزا طيبة: " ادخلي 
حيث الدفء وكلي معي!" 


100 


ولأن إنجليسا أعجبتها. قالت الفأرة العجوز: " بإمكانك البقاء عندي هذا الشتاء 
ولكن عليك أن تحافظي على نظافة البيت وترتيبه. وأن تقصي لي قصصا لأني أحب 
القصص كثيراً جدا”. وقد فعلت إنجليسا ما أمرتها به الفأرة العجوز الطيبة وعاشا معاً 
بسلام. 

" سيزورنا ضيف" قالت فأرة الحقل. " فلقد اعتاد جاري زيارتي مره في الأسبوع, 
هو لديه بيت أفضل من بيتي. وصالته كبيرة ولديه فرو مخملي أسود. ليتك تحصلين 
عليه زوجاً لك فتضمنين عيشّك, ولكنه لايرى, وعليك بقصّ أحلى القصص له. 

لم يعجب ذلك إتجليسا فهي لا ترغب باجا ر الذي كان خُلدا. وقد جاء في زيارة. 
بفروه المخملي الأسود. كان الخلدٌ غنياً جداً و متعلّماً. كما أخبرتها فأرةٌ الحقول بأن ببته 
أكبر عشرين مرة من بيتهاء ولديه الكثير من العلم والمعرفة ولكنه لا يحب الشمس 
والأزهار. يتحدث عنها بشيء من الكره لأنه لم يرها في حياته. 

وكان على إنجليسا أن تغئّي فغنّت " طيري طيري يا عصفورة" و " البلبل الفثان" 
فهام بها الخُلد عند سماعه صوتها العذب. ولكنه لم يقل شيئا لأنه كان رجلا متروياً. 

حَفَرٌ الخلد مجددا مرا له تحت الأرض من بيته إلى بيت الفأرة وسمح لها ولإنجليسا 
التنزه فيه. ولكنه ترجاهما ألا يخافا الطير الميت في الممر. كان طيرا كاملا بريشه 
ومنقاره. وكان من المؤكد أنه قد مات حديثاً في بداية الشتاء و دفنَ هنا حيث حَفَرَ 
الخلد الممر. 

تناول الخلد قطعةٌ من فطر الصوفان بفمه لأنها تشع مثل نار في الظلام وتقدمهما 
مُضيئًا لهما الممرّ الطويل المظلم؛ وعندما وصلا مكان الطير الميت وضمٌ الخلد أتفه 
حكني لحنت رولك إلى حار اباتع 3 قب كبيرٌ تسل الضوء من خلاله. كان 
هناك على الأرض طيّر سنونو ميتاً بجناحين رشيقين ضمّهما بقوة إلى جانبيه. وانسحب 
رأسه وساقاه تحت الريش, " لابد نه قد مات من البره. هذا الطير المسكين. ". هذا ما 
آلم إنجليسا كثيراً. فقد كانت تُحبْ تلك الطيور الصغيرة جداء لقد غنتْ وسقسقت لها 
طيلة الصيف بعذوبة. ولكن الخُلد ركل الطير بساقيه القصيرتين وقال: " لن يئنَ بعد 
الآن) إنه أمرٌ فظيع أن ولد كطير. حمدا لله لم يكن أحدٌ من أولادي طيراً؛ فطير كهذا 
ليس له غير سقسقته. سيموت جوعاً ". 


101 


" في كلامك حكمة!" قالت فأرة الحقل. 

" كل هذا الغناء العذب والشكل الجميل لن يحميه من الجوع والبرد في الشتاء, 
سيجوع ويجمد من البرد". 

لم تقل إنجليسا شيئاً. وعندما استدارَ كل من الخلد وفأرة الحقل انحنت على 
الطير. وأزاحت الريش الذي غطى وجهه وقبّلته على عينيه المغلقتين. 

" رما كان هو الذي غنّى لي في الصيف, وجلب إلى قلبي فرحا كبيراء هذا الطير 
الجميل العزيز " فكرت إنجليسا في سرها. 

ردم الخلد الحفرة التي شع النهار من خلالها ورافق السيدتين إلى بيتهما. لم 
تستطع إنجليسا النوم أثناء الليل, فنزلت من سريرها وأخذت تضفر من القش سجادةٌ 
جميلةً. حملئها وغطت بها الطير الميت جيدا بعد أن وضعت قطعاً من القطن الناعم 
الذي وجدته في غرفة فأرة الحقل حوله ليلقّه الدفء على هذه الأرض الباردة. 

" وداعا أيها الطير الجميل!" قالت. " وداعا وشكرا لغنائك الجميل في الصيف 
عندما كانت كل الأشجار خضراء والشمس مشرقة دافئة ". ووضعت رأسّها على صدر 
الطير ولكن الفزع أصابها في الحال فقد كان هناك شيء ما يد في الداخل. كان ذلك 
هو قلب الطير. لم يكن الطير ميتاً؛ فقد غطٌ في سبات عميق, وقد عادت له الحياة 
مرةً أخرى بعد أن تهياً له الدفء. 

في فصل الخريف تطيرٌ كل السئونوات بعيدا إلى البلاد الحارة وإن تأخَّرَ أحدهم 
فسيتجمد من البرد هكذا ويسقط ميتاً في مكانه ويتجمع فوقه الثلج الكثيف. 

ارتعدت إنجليسا بشدة فقد كانت خائفةً جدا. لأن الطير كان حجمه كبيرا بالنسبة لها 
هي التي لم يتعد طولها الإنج. ولكنها تشجعت ووضعت القطن لصق هذا السئونو المسكين. 
ثم جاءت بورقة النعناع التي لديها والتي تستخدمها كلحاف لها لتغطي بها رأسه. 

في الليلة التالية تسللت مرة ثانية إليه. وقد كان الطيرٌ عندها حياً ولكنه متعب 
جدا لا يمكنه فتح عينيه إلا للحظة ليرى إنجليسا التي وقفت حاملةً فطر الصوفان لأنها 
لا قلك مصباحا آخر. 

" شكرا لك أيتها الطفلة الصغيرة الرقيقة!" قال لها السنونو المريض, " لقد تنعمت 
بالدفء؛ سأجمع قواي قريبا وأتمكن من الطيران تحت الشمس الدافئة!" 


102 


فقالت له إنجليسا:" لا أعتقد بأن هذه فكرة حسنة فالبرد قارس جدا في الخارج, 
ابقَ في فراشكَ وسأعتني بك". 

جلبت إنجليسا الماء للسئونو في ورقة زهرة فشريّه. ثم أخبرها كيف علق أحد 
جناحيه بشجيرة شوكية ولهذا لم يتمكن من الطيران بسرعة مثل الآخرين الذين طاروا 
حينها بعيداء بعيدا جدا إلى البلاد الحارة. وكان قد سقط على الأرض ولا يتذكر أكثر 
من هذا. هو لا يعلم نهائيا كيف انتهى به الأمر هنا. 

بقي الطير طيلة الشتاء تحت الأرضء وقد اعتنت إنجليسا به وأحبته كثيراً. لم 
يعلم لا الخلد ولا فأرة الحقل بشيء عنه إطلاقا لأنهما لم يكونا يحبّان هذا السنونو 
الفقير المسكين. 

وحالما حل الربيع وتدفأت الأرض بئور الشمس ودع السنونو إنجليسا التي فتحت 
له الحفرة التي عملها الخلد فوقهما. فأشرقت لهما الشمس حلوةًء عندها سأل السنونو 
إنجليسا إن كانت ترغب في مرافقته. إذ يمكنها الجلوس على ظهره ليطير بها بعيداً في 
الغابة الخضراء. ولكن إنجليسا فكرت بأن ذلك من شأنه أن يُحزْنَ الفأرة العجوز إن هي 
فارقتها. 

" لاء لا يمكنني ذلك" قالت إنجليسا. 

" وداعاً, وداعاً إذا أيتها البنت الرقيقة الطيبة" قال السنونو وطار تحت أشعة 
الشمس المضيئة, وتابعته إنجليسا بنظرها فدمعت عيناها لأنها كانت تحب السنونو 
الفقير المسكين كثيراء ذاك الذي طار في الغابة الخضراء وهو يغني : " ويص؛ ويص". 

كانت إنجليسا حزينةٌ جدا.لم يُسمّحَ لها بالخروج تحت أشعة الشمس الحارة. أما 
الحَبْ التي يدْرَ فقد.نما عاليا جدا في الحقل فوق بيت فأرة الحقل, وكان بالنسبة للفتاة 
الصغيرة المسكينة مثل غابة كثيفة بأكملها هي التي لم يتعد طولها الإنج. 

' عليك أن تُخيطي جهارٌ عرسك هذا الصيف” قالت فأرة الحقل لإنجليسا. لأن 
الجار الخلد المملٌ ذا الفرو المخملي الأسود قد تقدم لخطبتها. " ستحتاجين صوفاً وقطناء 
شيئاً للجلوس والنوم عندما تصبحين زوجة الخلد!" 

كان على إنجليسا أن تغزِل بيدهاء وقد أجّرت فأرة الحقل أيضاً أربعة عناكب 
ليقوموا بالنسج ليل نهار. وكان الخُلد يأتي لزيارتهم كل مساء ويتحدث دوما عن هذا 


103 


الصيف الذي عندما سينتهي وتصير الشمس أقل حرارة؛ هذه الشمس التي أحرقت 
الأرض الآن بحرارتها فصارت صلبة مثل صخرة. عندها سيكون حفل زواج إنجليسا في 
نهايته. 

ولكن إنجليسا لم تكن فرحة نهائيا لأنها لم تكن شيئا من الحب لهذا الخلد الممّل. 
فكانت تنسلٌ خارج البيت عبر الباب كل صباح عندما تشرق الشمس وكل مساء عند 
تغرب. وكلما تهب الريح وتتفرق سيقان القمح تتمكن إنجليسا من رؤية السماء الزرقاء 
فتفكر بالضوء والجمال في العالم الخارجي, وتتمنى لو تتمكن من رؤية السنونو العزيز 
مرة أخرى, ولكنه لن يأتي إطلاقاً. فهو قد طار بعيدا إلى الغابة الخضراء الجميلة. 

وعندما حل الخريف كان جهازٌ عرس إنجليسا جاهزا. 

" سيقام عرسك بعد أربعة أسابيع؛" قالت لها فأرة الحقل. 

ولكن إنجليسا أخذت تبكي وقالت إنها لا ترغب في الزواج من هذا الخلد الممل. 

" هراء!" قالت فأرة الحقل " لا تكوني عاصية؛ وإلا عضضتك بأسناني البيضء قد 
حصلت على زوج محترم. فحتى الملكةٌ ليس لها مثل فروه المخملي الأسود, ولديه 
مؤونةٌ في المطبخ والمخزن. عليك أن تحمدي ربك عليه وتشكريه. 

وجاء يوم الزفاف. حَضَرَ الخلد ليأخذ إنجليسا التي ستسكن معه عميقاً تحت 
الأرض. وسوف لن تخرج أبدا إلى الشمس الدافئة على الأرض فالخلد لا يحب ذلك. 
كانت الطفلة المسكينة حزينةٌ جداء وعليها الآن أن تودعَ الشمس التي كانت فأرة الحقل 
تسمح لها برؤيتها عند الباب. 

" وداعا أيتها الشمس الصاحية" قالت ومدّت يدها عالياً في الهواء. خرجت بضع 
خطوات خارج بيت فأرة الحقل حيث تم حصاد القمح في الحقل ولم يتبقَ غير الأعقاب, 
وحضنت زهرة حمراء بذراعيها الصغيرتين وقالت: " وداعاً, وداعاً, أرجوك أن تسلمي 
لي على السنونو الصغير إن رأيته". 

سمع صوت فوق رأسها في اللحظة ذاتها: " ويص. وبص" فنظرت إلى الأعلى. 
كان ذلك هو السنونو الصغير الذي مر للتو بالمكان. وحالما رأى إنجليسا تملكه فرح 

وأخبرته إنجليسا بعدم رغبتها في الزواج من ذلك الخلد القبيح؛ فقد توجب عليها 


104 


السكن معه تحت الأرض حيث لا شمس إطلاقاً. ولم تتمكّن من ضبط نفسها فأخذت 
تبكي . ع 

فقال السنونو: " سيحل الشتاء قريباء سأطير بعيدا إلى البلاد ال حارة. هل ترغبين 
بمرافئقتي؟ يمكنك الجلوس على ظهري! اربطي حزامك جيداً حولك وسنطير بعيدا عن 
الخلد القبيح وبيته المظلم. بعيدا فوق الجبال إلى البلدان الحارة حيث الشمس تشرق 
أجمل بكثير من هناء حيث الصيف الدائم والأزهار الجميلة. أرجوك أن تطيري معي 
أيتها الصغيرة الحلوة إنجليساء أنت التي أنقذت حياتي عندما كنت ملقى متجمدا في 
ذلك الجحر المظلم تحت الأرض". ١‏ 

" أجلء أريد أن أطير معك! قالت إنجليسا وجلست على ظهر الطير واضعة 
قدميها على جناحيه المفردين, وقد شدت حزامها بإحدى أقوى الريشات, وطار السنونو 
بها عاليا في الجو فوق الغابات والبحرء وعاليا فوق الجبال الكبيرة حيث لا يذوب الثلج 
هناك. تجمدت إنجليسا من الهواء البارد فتكورت كلها تحت ريش الطير الدافئ ولم تُبق 
غير رأسها خارجاً لكي ترى كل هذا الجمال في الطبيعة تحتها. 

روصلا البلاد الحارة حيث الشمس هنا أكثرٌ صفاء. والسماء أعلى مرتين. وفي 
المنحدرات وعلى الأسيجة تنمو أحلى كروم العنب الأخضر والأسود. ويتعلق الليمون 
والبرتقال في الغابات؛ وينتشرٌ شذا الآس والنعناع, ويركض أجمل الأطفال على الطريق 
الزراعي ويلعبون مع الفراشات الملونة الكبيرة. ولكن السنونو طار أبعدٌ بكثير فبدت 
الطبيعة أجمل وأجمل. كان هناك عند الأشجار الخضر حيث البحيرة الزرقاء قصرٌ 
مرمري أبيض من العصور القديمة, التقَّتَ أغصان العنب حول أعمدته العالية؛ وفي 
الأعالي هناك أعشاش سنونوات كثيرة, كان السنوئو الذي حمل إنجليسا يعيش في 
احدها. 

قال السنونو: " هذا هو بيتيء انتقي أجمل الزهرات لأضعك فيهاء وستشعرين 
بعدها بالسعادة التي تتمنينها ". 

" إن ذلك لجميل!" قالت إنجليسا وصفّقت بيديها الصغيرتين. 

حط السنونو عند عمود مرمري أبيض كان قد سقط وتكسر إلى ثلاث قطع فت 
بيئها أجمل الزهور البيض. فوصع إنجليسا على إحدى الأوراق العريضة, وكم لكها 


105 


العجب حينها فقد كان هناك رجلٌ صغير يسكن وسط الزهرة أبيض شفاف وكأنه من 
زجاج, على رأسه تاج ذهبي مُدهشٌ وعلى كتفيه أجنحةٌ بيضّ صافيةٌ جميلة جدا ولم 
يكن أكبر من إنجليسا. كان هو ملاك الزهرة. في كل زهرة عاش رجل صغير مثله أو 
إمرأة ولكنه كان ملكا عليهم جميعا. 

" يا إلهي. كم هو جميل" همست إنجليسا للسنونو. فزع الأمير الصغير لرؤية 
السنونو فقد كان طيراً عملاقاً أمامه. وهو الذي كان صغيراً رقيقاً. ولكنه فرح فرحا 
كبيراً عندما رأى إنجليساء كانت أكثر البنات جمالا بين اللواتي رآهن. لذا فقد ركُعٌ 
تاجه الذهبي من على رأسه ووضعه على رأسها كي تصير ملكةً على كل الأزهار. 

بلى, كان رجلاً بحق, مختلفاً عن ابن الضفدعة والخُلد بفروه المخملي الأسود. لذا 
فقد قبلت إنجليسا بالزواج من الأمير الوسيم. وبعد ذلك جاء من كل زهرة إمرأةٌ أو 
رجلّ بمنتهى الرّقة وهم مبتهجون وقد جلب كل منهم هدية إلى إنجليسا. كان أفضلها 
جناحان جميلان يعودان لحشرة كبيرة بيضاء. ثُبَّا على ظهر إنجليسا كي تتمكن أيضا 
من الطيران من زهرة إلى أخرى؛ ويا لفرحتهاء كم كانت كبيرة. جلس السنونو الصغير 
عالياً في عشه وأخدٌ يغني لهم بأجمل ما يمكنه الغناء. ولكنه كان متأثرا جدا إذ إنه 
يحب إنجليسا كثيرا ولم يرغب في فراقها نهائياً. 

" لا يجب أن يكون اسمّك إنجليسا" قال ملاك الزهرة. " إنه اسم قبيح وأنت 
جميلة جدا. سنسميك مايا". 

" وداعاً وداعا" قال السنونو الصغير. وطار من البلاد الحارة. بعيدا جدا إلى 
الدفارك؛ إلى عشّه الصغير فوق النافذة. حيث يعيش الرجلٌ الذي كان يحكي حكايات 
خرافية. وأخذَ السئونو يغني له: " ويص. ويص" 

ومنه حصلنا على كل القصة. 


106 


الولد الشقي 


كان هناك شاعرٌ عجورٌ, يعد من الشعراء الكبار جالساً في بيته ذات ليلة وإذا 
بالجوّ يَعصف والمطر يهطل مدراراً. ولكن الشاعر العجوز كان مُتنعّماً بالدفء عند 
الموقد حيث النارٌ مشتعلةٌ والتفاح يُشُوى على الجمر. 

" لن يبسقى خيطٌ جاف في ثياب المساكين الذين يمشون في الخارج الآن". قال 
الشاعر, إذ كان ممن يسموتهم بالشعراء الرقيقين . 

" آهء افتحوا الباب لي, إني أُتجمّد من البرد. مبتلّ جداً؟” صاح حينها طفلٌ صغير 
خارج البيت. كان يبكي ويدق على الباب عندما كان المطر يهطل والريح تعسصف 
بالنوافذ. 

" ياللصغير المسكين!" قال الشاعر العجوز وقام ليفتح الباب. عند الباب وقف ولد 
صغيرٌ عار تماماً» يقطْرٌ الماء من شعره الأصفر الطويل. وهو يرتعدٌ من البرد. كان من 
المؤكد أنه سيموت لو بقي في الخارج. 

"يا للصغير المسكين؛" قال الشاعر العجوز ثانية وأمسكَ بيد الطفل. " تعال إلي. 
سأدفئك! سأعطيك القليل من النبيذ وتفاحةً لأنك ولدٌ لطيف". 

وكان الطفل لطيفاً حقاً. بدت عيناه مثل نجمتين صافيتين وبالرغم من أن شعره 
كان يقطْرٌ ماءً فقد ججعدت خصلاته وأخذت شكلاً جميلاً. كان يمسك في يده قوسا 
ونشاباً جميلين, وقد تلف القوس من المطر؛ كل الألوان على ذلك القوس الجميل 
اختلطت ببعضها بعضاً بسيب المطر. 

جلس الشاعر العجوز عند الموقد وأجلّس الولد الصغير في حضنه. جففَ شعره من 
الماء. أدقَأ يديه بأن وضعهما بين راحتيه وسقاه نبيذاً مَغْلياً حلواً فاستعاد الطفل صحبّه 
وتوردت وجنتاه» فأخذ يقفزٌ على الأرض ويرقص حول الشاعر العجوز. 


107 


" إنك لولد مرح! ما اسمك؟” قال العجوز. 

" اسمي كيوبيد": أجاب الطفل, " ألا تعرفني؟ هاهو قوسي ونشابي! به أرمي! 
انظر بدأ الجو يتحسن في الخارج وها هو القمر يسطع بنوره". 

" ولكن قوسّك تالف", قال الشاعر العجوز. 

" هذا أمر سيء", قال الولد الصغير. ورقمَ القوس والنشّاب ينظر إليهما. 
"باللمفاجأة, إنه جافٌ جداء ولم يتلف نهائياً! فالوتر في مكانه مشدود! سأجربّه الآن!". ثم 
شد الوتر وسدّهٌ النشّابّ ورمى به الشاعر العجوز في قلبه: " ألا ترى الآن أن قوسي 
ونشابي لم يصبهما شيء!" قال الولد وضحك بصوت عال جدا وانطلق راكضا في سبيله. 

يا له من ولد شقي! أهكذا يرمي الشاعر العجوز الذي أدخَّله بيه الدافئ: والذي 
عطف عليه وأعطاه النبيذ الطيب وأحسن تفاحة عنده؟ 

استلقى الشاعر الطيب على الأرض يبكي, فقد رماه الطفل في قلبه بالفعل وهو 
يقول: " اللعنة عليه. يا لهذا الكيوبيد من ولد شقي! علي أن أخبرَ كل الأطفال الحلوين 
عن ذلكء عليهم أن يحذروا منه ولا يلعبوا معه لأنه سيؤذيهم". 

وقد أخدٌ كل الأطفال الحلوين أولاد وبنات الحذر من الذي أخبرَهم عنه الشاعر 
العجوز ولكنه خدعهم على الرغم من ذلك لأنه محتالٌ. عندما كان الطلاب يغادرون 
الصف يشي بجانبهم يتأبط كتاباً ويرتدي ثوب أسود فلا يمكنهم التعرف عليه إطلاقا 
لذا يرافقونه معتقدين بأنه طالب أيضاً. ولكنه حينها يرميهم بسهمه في صدورهم. 
وحتى عندما تقوم الفتيات بزيارة للقس في الكنيسة يتبعهن أيضاً. الناس هدفه دوماً! 
فهو يجلس في الثريا الكبيرة المعلقة في سقف المسرح ويشعل نفسه فيعتقد الناس بأنه 
مصباح. ولكنهم بعدها يشعرون بشيء مغاير. وكذلك تجده يركض في متنزه حديقة 
الملك و في المتاريس أيضاً! بل إنه رمى أباك وأمك ذات مرة في قلبيهما! لا عليك إلا 
أن تسألهما وتسمع ما سيقولانه. أجل إنه ولد شقي, هذا الكيوبيد, عليك أن تتجتّبّ 
التقرب منه! هدمُّه الناس جميعهم. تصور بأنه وذلك أفظع ما في الأمر. رمى بسهم 
الجدةً العجوز لكنها تعافت منه منذ زمن بعيد ؛ شيء كهذا لا تنساه الجدةٌ أبداً. اللعنة 
عليه هذا الكيوبيد اللعين! ولكنك تعرفه الآن! تعرف أي ولد شقي هو. 


كتبت في عام ١41/6‏ 


108 


رفيق السفضر 


المسكين يوحنا كان حزيناً جدا لأن والده كان مريضا وليس بمقدوره أن يعيش. لم 
يكن هناك أحد غيرهما داخل الغرفة الصغيرة؛ كان فتيل المصباح على الطاولة على 
وشك أن يحترق اما وقد كان ذلك في وقت متأخر من المساء. 

" كنت ابنا باراً» يا يوحنا" قال الأب المريض, " ربنا لن يتوانى عن مساعدتك 
لتمضي قدما في هذا العالم' ونظر إليه بعينين جديتين حنونتين» أخذ نفسا عميقا 
ومات؛ وكان كأنه نائماً. وبكى يوحناء لم يعد له الآن احد في هذا العالم, لا أب ولا أم 
أو أخت وأخ. يا للمسكين يوحناء جثا على ركبتيه أمام السرير وقبّل يد أبيه الميت, 
بكى وهو يذرف دمعا مالحا ولكنه أخيرا أغلق عينيه ونام ورأسه على حافة السرير 
القاسية. 

حينها حلم حلما غريبا؛ رأى الشمس والقمر ينحنيان له ورأى والده نشيطا 
معافى ثانية وسمعه يضحك كما كان يضحك دائما عندما يكون منبسطاء فتاة جميلة 
بتاج ذهبي على شعرها الطويل الجميل قد يدها إلى يوحناء وقال أبوه له:" هل رأيت 
أية عروس قد حصلت عليها ؟ إنها الأجمل في العالم كله". صحا يوحنا وكل الأشياء 
الجميلة اختفتء أبوه كان متمددا على السرير ميتا باردا ولم يكن أحد معهما؛ يا 
للمسكين يوحنا! 

ودفن الميت بعد أسبوع؛ مشى يوحنا خلف النعش تاماء لن يمكنه بعد الآن رؤية 
أبيه الذي أحبه كثيراً؛ كان يسمع أي جزء كانوا يهيلون التراب عليهء رأى الزاوية 
الأخيرة منه ولكن في جرفة المسحاة الأخيرة التي أهيلت كانت زاوية التابوت تلك قد 
اختفت ايضاً؛ كان قلبه وكأنه سيتمزق إلى قطع. أجل كان حزينا إلى هذه الدرجة. رثّل 
من حوله نشيد ديني رن بعذوبة فتجمعت الدموع في عيني يوحناء أخذ يبكي وهذا ما 


109 


خفف قليلا من حزنه. الشمس أشرقت بجمال على الأشجار الخضر وكأنها تود أن 
تقول: أبوك هناك في الأعلى يدعو ربه لأن تحظى بالخير دائما!" 

سأكون دائما بارا" قال يوحناء " كي أصعد إلى جانب أبي في السماء ويا لها من 
فرحة عندما نرى بعضنا بعضاً ثانية ! كم سيكون هناك الكثير الذي أحدثه عنه وهو 
سيريني أيضا الكثير من الأشياء, يعلمني الكثير عن كل ماهو جميل في السماء. كما 
علمني في الأرض. الله. ستكون فرحة كبيرة." 

كان يوحنا يتخيل كل شيء حتى إنه ابتسم لذلك بينما كانت دموعه لاتزال تنثال 
على خديه. العصافير كانت تسقسق عاليا على أشجار الكستناء " سق سق" كانت 
طربة جدا رغم انها كانت مع الباقين الذين حضروا للقيام بمراسيم الدفن. لكنها كانت 
من المؤكد تعلم أن الرجل الميت قد صعد إلى السماءء له جناحان أجمل بكثير وأكبر من 
أجنحتهاء وهو الان سعيد لأنه كان انسانا خيرا على الأرض ولهذا كانت طربة. رأى 
يوحنا كيف طارت من على أغصان الأشجار الخضر بعيدا في العالم وقد تملكته هو 
أيضا رغبة ممائلة للطيران معها. ولكنه قبل ذلك كان قد صنع صليبا خشبيا كبيرا 
لكي يضعه على قبر أبيه وعندما جاء به إلى القبر عند المساء كان القبر مزينا بالرمل 
والأزهار؛ لقد قام بذلك أناس آخرون لأنهم كانوا جميعا يحبون هذا الأب الحبيب الذي 
مات. 

في الصباح الباكر حزم يوحنا زوادة صغيرة وأخفى كل حصته من الإرث في حزامه 
وكان ذلك حوالي خمسين ديناراً وبضعة قروش فضية ونوى الرحيل ولكنه توجه أولا 
إلى المقبرة حيث قبر أبيه. قرأ دعاءً وقال: " الوداع أيها الأب الحبيب! سأكون دائما 
انسانا طيباء يمكنك أن تدعو ربنا لأن يثيبني خيرا]" 

كانت كل الزهور في الحقل نضرة وجميلة حيث كان يوحنا يسير تحت أشعة 
الشمس الدافئة. وقد حيته تحت الريح وكأنها تود القول: " أهلا بك في هذه الخضرة! 
أليس المكان هنا رائعا؟" ولكن يوحنا استدار ثانية لينظر إلى الكنيسة القديمة حيث تم 
تعميده عندما كان طفلا صغيراً. وحيث كان يحضر الكنيسة كل أحد مع والده العجوز 
ويرتلان أناشيده: حينها رأى جني الكنائس في الأعلى في أحد ثقوب برجها وهو يقف 
بطاقيته الحمراء الصغيرة المدببة النهاية؛ كان يظلل عينيه بذراعه المثني وإلا لغشيت 


110 


الشمس عينيه. حياه يوحنا مودعا فلوح الجني الصغير بطاقيته الحمراء. وضع يده على 
قلبه وقبل أصابعه عدة مرات ليريه ما يتمناه له من خير ورحلة سعيدة. 

فكر يوحنا بكل الجمال الذي سيراه أثناء رحلته في هذا العالم الكبير البهي. 
وغاب بعيدا وبعيدا في أمكنة لم يكن قد حضرها أبدا من قبل: لم يعرف هذه المدن 
التي عبرها ابداً أو أولئك الناس الذين قابلهم. هو الآن وسط غرباء بحق وحقيق. 

في الليلة الأولى كان عليه أن ينام على كومة تبن في الحقل. لم يكن عنده سرير 
آخر. ولكنه شعر بأن ذلك كان لطيفاًء حتى الملك لم يكن ليحصل على شيء ألطف من 
ذلك. الحقل بأكمله بالنهر وكومة التبن ومن ثم السماء الزرقاء فوق ذلك, كل ذلك كان 
غرفة نوم جميلة. العشب الأخضر بالزهور الصغيرة الحمر والبيض كان سجادة أرضية, 
شجيرات التوت ومتسلق الورد الجوري كان باقات وردء كان له النهر بمائه الصافي 
العذب مثل إناء ماء حيث البردي تثنى له وقال مساء الخير وأيضا صباح الخير. القمر 
كان مصباحا ليليا كبيرا جدا في الأعالي تحت السقف الأزرق ولكن هذا المصباح لم 
يشعل النار في الستائر؛ كان بإمكان يوحنا ان ينام بهناء وذلك ما فعله ولم يصح إلا 
وقد صعدت الشمس عاليا وكل العصافير من حوله تغني:" صباح الخير! صباح الخير! 
ألم تصح بعد؟" ش 

الأجراس دقت للكنائس. كان اليوم أحداً والناس ذهبت لتستمع إلى القس وقد 
تبعهم يوحناء رتل نشيدا واستمع إلى كلمات الله. كان بالنسبة إليه وكأنه كان في 
كنيسته القديمة التي عمّد فيها ورتل الأناشيد مع والده. 

في المقبرة كان هناك الكثير جدا من القبور وعلى بعضها نما العشب عاليا. حينها 
فكر يوحنا بقبر أبيه الذي لابد وأنه يبدو كتلك القبور الان, لا يمكنه الان ان يقلع 
الأعشاب عنه ويزينه. جلس على الأرض وقلع العشب, عدّل من وضع الصلبان الخشبية 
التي سقطت على الأرض وأعاد الأكاليل التي جرفتها الريح بعيدا عن القبور إلى 
أمكنتهاء كان خلالها يفكر. لعل أحدا ما يقوم بنفس الشيء مع قبر أبي مما لا أستطيع 
أنا الآن القيام به. 

خارج بوابة المقبرة وقف متسول عجوز متكئا على عصاه. أعطى يوحنا القروش 
الفضية التي معه ومشى قدما سعيدا ومسرورا بهذا العالم الفسيح. 


111 


أثناء حلول المساء صار الجو عاصفا بشكل مخيفء يوحنا أسرع ليصل إلى مكان 
يقف تحت سقفه ولكن سرعان ما أظلمت السماء؛ وقد استطاع أخيراً أن يصل إلى 
كنيسة صغيرة كانت تقع عاليا فوق تل. الباب كان لحسن الحظ مواربا فتسلل إلى 
الداخل؛ وقد قرر ان يبقى هنا حتى يهدأ الجو العاصف. 

" سأنزوي في ركن هنا " قالء " أنا منهك اما وبحاجة إلى أن أستريح قليلا” 
وجلس على الأرض وضم يديه وقرأ صلاة المساء وقبل أن يشعر بشيء نام واستغرق 
بالحلم بينما كانت الدنيا تبرق وترعد في الخارج. 

عندما استيقظ ثانية كان الوقت منتصف الليل والجو العاصف قد انتهىء والقمر 
يسطع عليه عبر النوافذ. كان على أرضية الكنيسة تابوت مفتوح فيه رجل ميت لم 
يدفن بعد. لم يكن يوحنا خائفا إطلاقا فلقد كان ضميره مرتاحا وقد عرف بالتأكيد أن 
الميتين لا يوّذون؛ فقط الناس الأحياء الأشرار هم من يؤذون. وهكذا كان رجلان من 
الأحياء سيئان يقفان عند رأس الرجل الميت الذي وضع داخل الكنيسة حتى يتم دفنه. 
انهما يريدان به سوءاًء لا يريدان أن يدعاه مستلق في تابوته, بل يئويان رميه من باب 
الكنيسة, هذا الرجل الميت المسكين. 

" لم تودان فعل ذلك؟" سأل يوحنا", " إن ذلك شر وسوءء دعوه يئم باسم عيسى!" 

" يوه أي كلام!" قال الإثنان البشعان, " لقد خدعناء إنه مدين لنا بنقود! لم 
يتمكن من دفعها لناء وهو الان فوق ذلك ميت. فلن نحصل على قرش, لذلك نود 
حقيقة ان ننتقم منه. عليه ان يستلقي مثل كلب خارج الكنيسة!" 

" ليس عندي غير خمسين ديناراً!" قال يوحناء " انها كل حصتي من الإرث» 
ولكنني مستعد لأن أعطيها لكما عندما تعدانني بصدق بأن تتركا هذا الرجل المسكين 
بسلام. أنا سأحاول ان أتدبر أمري من دون تلك النقود؛ لدي بنية قوية والله سبحانه 
سيعينني دوما" 

" أجل" قال البشعان. " طالما انك تريد تسديد دينه فسوف لن نؤذيه, يمكنك 
التأكد من ذلك" واخذا النقود التي اعطاهما إياها يوحنا وضحكا ضحكا عاليا لطيبته 
وانصرفا في طريقهما؛ عدل يوحنا الجئة في مكانها في التابوت ثانية؛ ضم اليدين 
فوقهاء قال مع السلامة وراح راضيا جدا ماشيا عبر الغابة الكبيرة. 


112 


وحيثما تمكن القمر من السطوع داخل الغابة بين الأشجار رأى يوحنا من حوله 
الجنيات والجن من ذوي الأجنحة بحجمها الصغير تلعب بمرح كبير؛ لم تنزعج لوجوده. 
كانت تعلم أنه انسان بريء وأن الناس الشريرة فقط هي التي لا يجب أن ترى الجنيات 
والجن. بعضها لم يكن اكبر من إصبع. لها شعر طويل أصفر مثبت بمشط ذهبيء كانا 
كل أثنين يتأرجحان مع بعضهما ا ا 
الأوراق والعشب المرتفع؛ احيانا تتدحرج القطرة فتسقط الجنيات بين أعواد القش 
الطويلة فتتعالى ضحكات وهرج من قبل العفاريت الصغيرة. كان في ذلك تسلية 
كبيرة! وقد غنوا ويوحنا يعرف جيدا كل الأغاني الحلوة التي كان قد تعلمها عندما كان 
صغيراً. عناكب ملونة كبيرة بتاج فضي على رؤوسها كانت تنسج من سياج إلى آخر 
جسورا معلقة وقصورا إن سقطت قطرة ندى رقيقة عليها بدت مثل زجاج لامع تحت 
ضوء القمر الساطع. وهكذا استمر الحال حتى الصباح. زحفت الجنيات والجن حينها إلى 
داخل أزرار الأزهار والريح تأخذ بجسورهم وقصورهم بعيدا والتي تطير حينها مثل 
شباك عنكبوت كبيرة في الهواء. 

و كان يوحنا قد غادر الغابة عندما صاح من خلفه رجل بصوت غليظ: " مرحباء 
أيها الرفيق: أين ستكون وجهتك؟" 

" بعيدا في أرض الله الواسعة!" قال يوحنا. " ليس لي أب ولا أم, ولد فقير 
ولكن الله سيعينني بالتأكيد" 

" أنا أود الخروج أيضا إلى العالم الفسيح" قال الرجل الغريب. " هل نرافق بعضنا 
بعضاً؟" 

" بكل سرور" قال يوحناء ومشيا سوية. وسرعان ما أحبا بعضهما بعضاً كثيرا لأن 
كلاهما كان طيبا. ولكن يوحنا لاحظ إن الغريب كان أكثر ذكاءً منه. كان قد دار العالم 
بأكمله تقريبا دك البعدت قو اقل نج ونش نكن 

كانت الشمس قد ارتفعت في السماء عندما جلسا تحت شجرة كبيرة ليتناولا 
غداءهما؛ حينها وصلت إمرأة عجوز. أوه؛ كانت المسكينة عجوزاء قشي محنية الظهر 
تتعكز على عصاهاء على ظهرها حزمة حطب كانت قد جمعتها من الغابة. قد ثبتت 
صدريتها إلى الأعلى وقد رأى يوحنا بأن ثلاث حزم من العيدان قد برزت من تحتها. 


113 


وعندما كانت على وشك ان تقترب كثيرا منهما زلقت قدمها وسقطت. أطلقت صرخة 
عالية لأن ساقها كانت قد انكسرت, هذه المرأة العجوز المسكينة. 

أراد يوحنا أن يحملها بالحال إلى البيت حيث تسكن ولكن الغريب فتح حقيبة 
الظهر وأخرج منها قنينة خزفية وقال بأن لديه مرهما سرعان ما سيشفي ساقها تماما 
وسيكون بإمكانها المشي وحدها إلى البيت وكأن ساقها لم تنكسر ابدا. ولكنه يريد 
مقابل هذا أيضا أن تمنحه رزم العيدان الثلاث التي في صدريتها. 

" ثمن غال بعض الشيء" قالت العجوز وأومأت برأسها بشكل غريب جدا؛ لم 
تكن ترغب حقيقة بأن تتخلى عن حزمها ولكن أمر بقائها ممددة بساق مكسورة كان 
أيضا مزعجا جداً؛ لذا فقد منحتها إياه. وحالما دهن ساقها بالمرهم نهضت الام العجوز 
ومشت بحال أفضل من قبل. ذلك كان فعل المرهم. وهذا لم يكن بالإمكان الحصول 
عليه من الصيدلية. 

" ما الذي ستفعله بهذه الحزم؟ " سأل يوحنا رفيق رحلته. 

" انها ثلاث باقات جميلة" قالء " وهو بالضبط ما أحبه لأنني ولد غريب الأطوار" 

وقطعا ثانية مسافة طويلة. 

' ياه, الجو سينقلب": قال يوحنا وأشار إلى الأمام مباشرة؛ " إنها غيوم كثيفة 

" لا" قال رفيق السفرء " انها ليست غيوم, انها جبال. الجبال الشاهقة الجميلة 
التي يصعد المرء فيها إلى الأقصى فوق الغيوم في الهواء النقي. ذلك رائع لو 
تصدقني, في الغد سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا في هذا العالم" 

ولم تكن قريبة جدا كما بدت؛ انقضى يوم كامل في سيرهما قبل أن يصلا إلى 
الجبال حيث الغابات السود. انتصبت شامخة تجاه السماء وحيث كانت هناك صخور 
كبيرة بحجم مدينة بأكملها؛ ستكون رحلة شاقة حقا في اجتياز هذا الطريق الوعر, 
لذلك فقد ذهب يوحنا ورفيقه إلى الفندق ليستريحا جيدا ويوفرا طاقة لمسيرة الغد. 

كان العديد من الناس قد تجمع في حانة الفندق إذ كان هناك الرجل محرك الدمى 
يعرض مسرحية كوميدية: كان العرض قد بدأ للتو في مسرحه الصغير وقد جلس الناس 
من حوله ليروا الكوميديا وقد جلس في مقدمتهم جزار عجوز سمين وذلك كان أفضل 


114 


ما في الموضوح؛ كلبه الضخم. ياويلي كان نهما! جلس إلى جانبه يحملق بعينيه مثل 
الباقين. 

وبدأت الكوميديا وقد كانت لطيفة حول ملك وملكة جلسا على أحلى عرش وعلى 
رأسيهما تاجان من الذهب وذيل ثياب طويل إلى الخلف إذ كانت لديهما نقود لذلك. 
كانت الدمى الخشبية رقيقة جداء لها عيون من الزجاج وسوالف كبيرة» وضعت عند كل 
أبواب المسرح التي كانوا يفتحونها ويغلقونها ليدخل الهواء النقي إلى الصالة! كانت 
بحق كوميديا لطيفة, لم تكن حزينة إطلاقا ولكن ما إن نهضت الملكة وأخذت قشي 
على الأرض حتى... - الله أعلم بما فكر به الكلب لحظتها ولما لم يمسكه الجزار السمين 
فقد قفز قفزة واحدة إلى المسرح وقبض على الملكة من خصرها الدقيق حتى صاحت: 

" طق طاق" كان ذلك مفزعا جدا! 

والرجل المسكين الذي عمل كل هذه الكوميديا تملكه الفزع والحزن من اجل الملكة 
لأنها كانت أرق دمية عنده وهاهو الكلب البشع قد عض رأسها وقطعه؛ ولكن عندما 
انصرف الناس قال الغريب الذي جاء مع يوحنا أنه سيصلحهاء ولذا فقد تناول قنينته 
الخزفية ودهن الدمية بمرهمه الذي ساعد به المرأة المسكينة عندما كسرت ساقهاء وحالما 
دهنت الدمية عادت بالحال دمية كاملة ثانية. بل كان بإمكانها فوق ذلك تحريك كل 
أطرافهاء من دون حاجة لتحريك خيوطها؛ الدمية كانت مثل انسان حي. عدا كونها لم 
تستطع التحدث. الرجل الذي كان يملك مسرح الدمى تملكه السرور فلن يحتاج إلى أن 
يمسك بهذه الدمية بعد الان إذ كان بإمكانها أن ترقص وحدهاء أما الاخرون فلا يمكنهم 
ذلك. 

عندما حل الليل وخلد الناس الذين في الفندق جميعا إلى النوم؛ كان هناك أحد 
ما حينها يتنهد بعمق بشكل مخيف وبقي هكذا طويلا حتى استيقظ الجميع ليروا من 
عساه يكون. الرجل صاحب الكوميديا ذهب إلى مسرحه الصغير لأن هذا الذي كان 
يتنهد كان في داخله.كل الدمى الخشبية كانت مستلقية على بعضها بعضاً, الملك وكل 
حرسه, وقد كانوا هم الذين يتنهدون بشكل يثير الشفقة محدقين بعيونهم الزجاجية 
الكبيرة وذلك لأنهم كانوا يتمنون أيضا لو دهنوا قليلا مثل الملكة ليتمكنوا من الحركة 


115 


بأنفسهم. جثت الملكة على ركبتيها ومدت تاجها الذهبي في الهواء بيئما أخذت 
تدعو؛" خذ هذا وادهن زوجي الملك والحاشية" وعندها لم يستطع الرجل صاحب المسرح 
ومالك كل الدمى ان يمسك نفسه عن اليكاء لأن ذلك المه بشكل كبير؛ وعد رفيق السفر 
بأن يعطيه كل ما سيكسبه من الكوميديا في الليلة القادمة إن دهن له أربعا او خمسا 
من بين أجمل الدمى التي يملكها؛ ولكن رفيق السفر قال له إنه لايريد شيمًا أبداً إلا 
السيف الكبير الذي على جانبه وعندما حصل عليه دهن له ست دمى والتي رقصت 
بالحال وقد بدت لطيفة جدا حتى ان كل البنات. البنات من الناس الأحياء التي كانت 
تتأملها قدمت أنفسها للرقص معها. 

الحوذي والطباخة رقصاء الخادم والخادمة, كل الغرباء ومجرفة الجمر وكماشة 
الفحم؛ ولكن هذين الإثنين قد سقطا من القفزات الأولى مباشرة؛ - أجل كانت ليلة 
ممتعة. في اليوم التالي ذهب يوحنا مع رفيقه في السفر بعيدا عن الجميع وصعدا أعلى 
الجبل العالي عبر الغابات الصنويرية الواسعة. وصلا عاليا جدا حتى ان أبراج الكنائس 
بدت في الأعماق مثل حبات عنب أحمر في الأسفل بين الخضرة وكان بإمكانهما ان 
يريا البعيد جداء على مبعدة الكثير الكثير من الأميال في أمكنة لم يكونا فيها من 
قبل! جمال كبير في هذا العالم الجميل لم يره يوحنا أبدا من قبل هكذا دفعة واحدة 
وسطعت الشمس دافئة في الهواء المنعش الصافي, لقد سمع الصيادين أيضا ينفخون 
في الأبواق من بين الجبال! منظر بغاية الجمال مبارك حتى أن الدموع تجمعت في عينيه 
فرحا ولم يملك إلا أن يقول: * سبحانك اللهم ! لو بإمكاني تقبيلك لأنك كريم جدا معنا 
جميعاء وقد أعطيتنا كل هذا الجمال الموجود في العالم" 

وقف رفيق السفر بيدين مضمومتين إلى بعضهما بعضاً ينظر عبر الغاية والمدن 
تحت الشمس الدافئة. تردد باللحظة صوت في غاية الروعة على رأسيهماء نظرا عاليا 
في الهواء؛ بجعة بيضاء كبيرة كانت تحلق في الجو. كانت جميلة جدا وغنت كما لو لم 
يسمعا من قبل طيرأ يغني؛ ولكن الصوت ضعف وضعف وحنت البجعة رأسها ونزلت 
ببطء حتى استلقت ميتة عند أقدامهما. قال رفيق السفر: " وا أسفا لهذا الطير الجميل 
الميت, جناحان بغاية الجمال. كم هما أبيضان وكبيران. مثلهما كالتي عند هذا الطير 
قيمتهما عالية, أود أن آخذهما معي! ألا ترى كيف كان من الحكمة انني حصلت على 
سيف". وقطع بضربة واحدة الجناحين من البجعة الميتة فقد كان ينوي الإحتفاظ بهما. 


116 


وقطعا العديد العديد من الأميال عبر الجيال حتى تبدت أمامهما أخيرا مدينة 
كبيرة بما يفوق المئة برج تقريبا لمعت مثل الفضة تحت الشمس المشرقة؛ في منتصف 
المدينة كان هناك قصر فخم من الرخام مطلي بالذهب الأحمر وهناك عاش الملك. لم 
يشأ يوحنا ورفيق سفره الدخول بالحال إلى المدينة فيقيا في الفندق خارج المدينة حتى 
يتزينا إذ كانا يودان أن يبدوا أنيقين عندما ينزلان إلى الشارع. صاحب الفندق أخبرهما 
بأن الملك كان انسانا طيبا جدا لم يؤذ يوما أحدا بشيء أبدا ولكنها ابنته. أجل 
ليحفظنا الله. كانت أميرة سيئة. كان عندها من الجمال ما يكفيء, لا يمكن لأحد أن 
يكون جميلا ورقيقا مثلها ولكن ما الفائدة فقد كانت ساحرة سيئة شريرة وهي السبب 
في أن الكثير من الأمراء قد فقدوا حياتهم. - سمحت للجميع بأن يتقدم لخطبتها؛ كان 
بإمكان أي واحد أن يأتي, سواء كان أميراً أم متسولاً؛ لا فرق ولا يهم؛ لا عليه إلا أن 
يحزر ثلاثة أشياء تسأله عنهاء إن أجاب فستتزوجه وسيكون ملكا للبلاد كلها عندما 
يتوفى والدهاء ولكن إن لم يتمكن من الإجابة على الثلاثة أشياء تأمر هي بشنقه أو 
قطع رأسه لذلك كان الملك العجوز كثيبا جدا بسبب ذلك ولكن لم يكن بمقدوره منعها 
من ان تكون شريرة لأنه قال مرة أن لاعلاقة له البتة بعد الان بمحبيها. ذلك شأنها. كل 
مرة يتقدم أمير وعليه ان يحزر اللغز لكي يحصل على الأميرة وعندما يفشل في 
الخروج من المأزق يشنق أو يقطع رأسه؛ لقد حذروا الأمير في وقتها ولكنه لم يستطع ان 
يمنع نفسه رغم ذلك من التقدم لخطبتها. كان الملك العجوز كثيبا جدا لكل هذا ال حزن 
والتعاسة حتى إنه كان يركع مع جنوده مرة في السنئة وليوم كامل يصلي من اجل أن 
تصير الأميرة طيبة ولكنها لم تكن ترغب في ذلك أبداً. النسوة العجائز اللواتي يشرين 
النبيذ صبغن الشراب باللون الأسود تماما كتعبير عن حزنهن, أكثر من ذلك لم يمكنهن 
فعل شيء. 

"يا لشناعة هذه الأميرة" قال يوحناء " انها تحتاج إلى ضرب موجع.؛ لن يفيدها 
غير ذلك. آه لو كنت ذلك الملك العجوز. لجعلتها تنزف!” 

في ذات اللحظة سمعا الناس تصيح " تعيش". كانت الأميرة قد مرت وقد كانت 
في غاية الجمال حقا حتى إن الناس نسوا كم هي شريرة؛ لذا صاحت " تعيش". إثنتا 
عشرة بنتا جميلة» ارتدت جميعها فساتين حريرية بيض وفي أيديها زهرات توليب من 


117 


الذهب. قتطي أحصنة سودا فاحمة اللون. قشي إلى جانب الأميرة. أما الأميرة فقد 
كانت قتطي حصانا أبيض بلون الطباشيرء مزيناً با ماس والياقوت, اما بدلة الفارسة 
التي كانت ترتديها فقد كانت من الذهب الخالص والسوط الذي كان في يدها بدا مثل 
شعاع شمس. التاج الذهبي على رأسها كان مثل النجمات الصغر من المساء والوشاح 
الطويل قد طرز بأكثر من ألف جناح فراشة جميلة؛ ورغم ذلك فقد كانت هي أجمل 
بكثير من كل ملابسها. 

عندما وقع نظر يوحنا عليها تورد خداه مثل دم يقطر ولم يستطع أن ينطق بكلمة 
واحدة؛ فالأميرة كانت تبدو صراحة مثل تلك الفتاة الجميلة وتاجها الذهبي التي حلم 
بها في الليلة التي توفي فيها والده. وجدها بغاية الجمال ولم يملك غير أن يقع في 
هواها. وقد قال ليس صحيحا إطلاقا بأنها يمكن ان تكون ساحرة شريرة تأمر بشنق 
الناس أو قطع اعناقهم إن لم يحزروا ما أمرتهم ان يحزروه. " الكل بإمكائه كما قيل 
التقدم إليهاء بل حتى أفقر المتسولين. أريد ان أذهب إلى القصر بالفعل؛ لا أستطيع 
العدول عن ذلك" 

قال الجميع أن عليه أن يعدل عن ذلك فسيصيبه بالتأكيد ما أصاب الآخرين 
جميعهم. رفيق السفر نصحه ايضا بذلك ولكن يوحنا كان يرى أن الأمور ستسير معه 
بخير. مسح حذاءه وفرش ملابسه. غسل وجهه ويديه. سرح شعره الأصفر الجميل 
ومشى وحيدا تماما إلى المدينة وصعد إلى القصر. 

" تفضل" قال الملك العجوز عندما طرق يوحنا الباب. - وفتح الباب ليوحنا 
واستقبله الملك العجوز بقفطانه ونعاله المطرزين؛ والتاج الذهبي على رأسه. في يد 
صوبجان وفي الأخرى تفاحة ذهبية. " انتظر قليلا" قال ليوحنا ووضع التفاحة تحت زنده 
ليمد يده له مصافحا. ولكنه وحالما سمع بأن يوحنا متقدم لخطبة الأميرة انخرط بالبكاء 
حتى سقط كل من التفاحة والصو لجان وكان عليه ان يجفف دموعه بقفطائه ذلك الملك: 
العجوز المسكين: 

" لا تفعل ذلك , لن ينتهي بك الأمر على خير. مثل كل الآخرين. عليك أن ترى 
شيئا" ومن ثم قاد يوحنا إلى الحديقة الترفيهية للأميرة التي بدت مرعبة في أعلى كل 
شجرة علّق ثلاثة أو أربعة من اولاد الملوك من الذين تقدموا لخطبتها ولم يستطيعوا ان 


115 


يحزروا ما قالته لهم. وكلما هبت الريح صلصلت العظام وأفزعت العصافير فتطير 
ولاتجرؤ على العودة إلى هذه الحديقة؛ كل الزهور كانت مربوطة بعظام بشر وفي 
الأصص وضعت جماجم كانت تضحك. كانت حديقة تليق ولاشك بأميرة. 

" أ رأيت؟" قال الملك العجوز " سيصيبك ما أصاب الآخرين الذين تراهم هناء 
الأفضل لك الا تفعلها؛ ستحزنني جدا لأنني أتأثر بذلك كثيرا" 

قبل يوحنا يد الملك العجوز وقال له إن الأمور ستسير على خير بإذن الله لأنه 
يحب الأميرة الجميلة كثيرا. 

ووصلت في اللحظة ذاتها الأميرة إلى باحة القصر مع كل وصيفاتها ممتطيات 
خيولهن. لهذا فقد ذهبا لإلقاء التحية عليها في الخارج. كانت رقيقة جداء مدّت يدها 
ليوحنا وقد أحبها الآن أكثر بكثير من قبل, لايمكن ان تكون ساحرة شريرة خبيئة كما 
قال كل الناس عنها. - صعدا إلى البهوء وقدم الغلمان لهما مربى وقطعا من 
البسكويت, ولكن الملك العجوز كان كثيبا فلم يمكنه ان يأكل شيئا إطلاقا وكانت قطع 
البسكويت أيضا قاسية على أسنانه. 

وقد تم الإتفاق على أن يأتي يوحنا إلى القصر في الصباح التالي؛ حيئها سيجتمع 
الحكام والهيئة بأكملهاللاستماع إلى ما سيأتي من يوحنا بشأن ما سيحزره. إن تمكن 
من ذلك عليه في هذه الحالة أن يأتي مرتين أخريتين؛ ولكن لم يحدث لحد الآن أن مكن 
أحد من المتقدمين الحزر في المرة الأولى ولذلك كان عليهم أن يفقدوا حياتهم. 

لم يكن يوحنا مكتئبا أبدا بشأن ما سيحدث له. لم يكن إلا مسرورا لايفكر إلا 
بالأميرة الجميلة مؤمنا متيقنا بأن الله الطيب سيساعده من دون شك في ذلك؛ ولكن 
كيف؟ لم يعرف ولم يشأ أيضا أن يفكر في هذا. كان يرقص طوال الطريق الزراعي في 
عودته إلى الفندق حيث كان رفيق سفره بانتظاره. 

لم يكد يوحنا ينتهي من حديثه عن لطف الأميرة معه وعن جمالها؛ حتى شعر 
باشتياقه الكبير لمجيء اليوم التالي. سيدخل القصر ويجرب حظه في الحزر. 

ولكن رفيق سفره هز رأسه يائسا وقد اكتأب. " أنا أحبك كثيرا" قالء " مازال 
يمكننا قضاء وقت أطول معا ولكن ها أنا سأفقدك! أيها المسكين عزيزي يوحناء أرغب 
بالبكاء ولكني لا أود ان أفسد عليك فرحتك في الليلة الأخيرة ربما التي سنكون فيها 


119 


معا. علينا ان نستمتع؛ أن نستمتع بحق؛ وفي الغد. عندما ستختفي. سيسمح لي 
بالبكاء!" 

وعلم جميع الناس في المدينة بالحال أن هناك متقدماً جديداً للاميرة. وقد كان 
لذلك حزن كبير. أغلق مسرح الكوميدياء كل الخبازات وضعن شريط حزن على قطع 
الحلوى التي صنعنهاء وجثا الملك والقساوسة معه على ركبهم في الكنيسة. عم حزن 
كبير جدا فلن يصيب يوحنا حظ أفضل مما أصاب من سبقوه من المتقدمين. 

عندما تقدم المساء مزج رفيق السفر شراباً وقال ليوحنا إنهما يجب أن يسهرا سهرة 
بمتعة وأن يشريا نخب الأميرة. ولكن بعد أن شرب يوحنا كأسين غالبه نعاس شديد ولم 
يتمكن من ابقاء عينيه مفتوحتين فنام. حمله رفيق السفر بحذر من على الكرسي 
ووضعه في فراشه. وعندما حل الظلام تناول الجناحين الكبيرين اللذين قطعهما من 
البجعة, ربطهما بثبات إلى كتفيه. وفي جيبه دس أكبر الحزم التي أخذها من المرأة 
العجوز التي سقطت وانكسرت ساقها. فتح الشباك وطار إلى المدينة قاصدا القصر 
تحديداء وهناك قعد في زاوية تحت النافذة التي تطل على غرفة نوم الأميرة. 

كان الهدوء يعم المدينة تماما؛ دقت الساعة الواحدة إلا ربعاء انفتح الشباك وطارت 
الأميرة فوق المدينة بجلباب طويل أبيض بجناحين أسودين طويلين قاصدة جبلاً كبيراً 
ولكن رفيق السفر جعل نفسه غير مرئي كي لا تتمكن الأميرة من رؤيته وطار خلفها. 
اخذ يجلدها بعصاه بقوة حتى طفر الدم من مكان الضرب. ياه, كان سباقا عبر الهواء, 
الربح مسكت بجلبابها الذي انتشر في كل الجهات وكأنه شراع سفينة كبيرة مبحرة 
سطع القمر عبرها. 

" يا له من بَرَ! يا له من يرد " قالت الأميرة في كل ضربة عصا كانت تتلقاها 
وهو ما كانت تستحقه. واخيراً وصلت إلى الجبل وطرقت الباب. وكأن السماء قعقعت 
بالرعد عندما انفتح الجبل ودخلت الأميرة وقد رافقها رفيق السفر لأنها لا يمكن ان تراه 
فقد كان غير مرئي. سارا عبر مر طويل كبير كانت الجدران فيه تومض بشكل غريب 
جدا. كان هناك أكثر من ألف عنكبوت متوهج تركض صعودا ونزولا على الجدار 
وتضيء مثل النار. ودخلت الأميرة ورفيق السفر بهوا كبيراً مبنياً من الفضة والذهب, 
الأزهار كبيرة مثل عباد الشمس تسطع من الجدران؛ لا أحد يمكنه ان يقطف هذه الأزهار 


120 


لأن سيقانها كانت ثعابين سامة بشعة والزهرات كان يطلع من فمها نار. السقف كان 
مغطى بدود سراج الليل وخفافيش زرق, كانت تخفق بأجنحتها الخفيفة: لقد بدت غريبة 
حقا. كان على الأرض عرش حمله أربعة من هياكل عظمية لأحصنة عليها أحزمة من 
عناكب حمر نارية؛ التاج نفسه كان من الزجاج الحليبي ووسادات الجلوس. كانت فئران 
صغيرة سود تعض أذيال بعضها بعضاً. فوقها كان سقف من نسيج عنكبوت وردي 
مرصع بذبابات خضر صغيرة رقيقة التي كانت تلمع مثل أحجار كريمة. في منتصف 
العرش جلس عفريت عجوز بتاج فوق رأسه القبيح وصولجان في يده. قبل الأميرة على 
جبهتها. دعاها لتجلس إلى جانبه على ذلك العرش النفيس. وبدأت الموسيقى. جراد 
أسوده ضخم كان يعزف على القيثارة والبومة كانت تضرب على بطنها فلم يكن لديها 
طبل. كان حفلاً غريباً. كان هناك جن سود يدورون راقصين في البهو وذوو المصابيح 
على طاقياتهم. لم يكن بإمكان أحد رؤية رفيق السفرء لقد جلس في مكان خلف 
العرش متنصتا لكل شيء. 

الحاشية التي جاءت هي الأخرى كانت بغاية الأناقة والذوق ولكن من كان بإمكانه 
تدقيق النظر بحق سيرى أنها لم تكن اكثر من عصي مكانس برؤوس ملفوفة والتي 
سحرها العفريت إلى أحياء وألبسها ثياباً مطرزة. ولكن من الممكن أن يكون الأمر كله 
سيان فقد استخدمت للزيئة لا أكثر. 

وبعد فاصل من الرقص اخبرت الأميرة العفريت بأن متقدما جديدا جاء لخطبتها 
وسألته عما يمكن أن تسأله إياه عندما يأتي إلى القصر في الصباح. 

" اسمعي" قال العفريت. سأخبرك شيئاء عليك ان تفكري بشيء سهل جدا فذلك 
سيفوته بالتأكيد. فكري بفردة حذائك. لايمكن ان يحزر ذلك, واقطعي رأسه من ثم 
ولاتنسي أن تأتي لي بعينيه غدا عندما تأتين في الليل إلي ثانية, فأنا أريد أكلهما." 

انحنت الأميرة له كثيرا وقالت له إنها لن تنسى عينيه. فتح العفريت الجبل 
وطارت الأميرة إلى بيتها ثانية وتبعها رفيق السفر وساطها بقوة بالعصا حتى إنها 
كانت تتنهد بعمق بسبب الجو المثلج وأسرعت قدر إمكانها لكي تدخل عبر الشباك إلى 
غرفتها؛ عاد رفيق السفر إلى الفندق حيث كان يوحنا لازال نائماء فك جناحيه وتمدد 
على السرير لأنه كان متعبا جدا. 


121 


عندما استيقظ يوحنا كان ذلك في الصباح الباكر جدا ونهض رفيق السفر أيضا 
وحدثه بأنه قد حلم حلما غريبا جدا في الليلة الماضية بالأميرة وحذائها وترجاه بشدة أن 
يسأل إن كانت الأميرة تفكر بحذائها! لأن ذلك كان هو ما سمعه من العفريت كما نعلم 
في داخل الجبل؛ ولكنه لم يشأ ان يخبر يوحنا عن ذلك شيئا. طلب منه أن يسأل الأميرة 
ما إذا كانت تفكر في حذائها. 

" بإمكاني أن أسألها في طريقي عن هذا وذاك" قال يوحناء " ربما كان حلمك 
صحيحا لأني أؤمن دائما بأن الله لابد أن يساعدني. ولكني الان اود أن أودعك فإن 
حزرت خطأ لن امكن من رؤيتك ثانية" 

قبلا بعضهما وتوجه يوحنا إلى المديئة قاصدا القصر. امتلاً البهو بالناس بأكمله, 
جلس الحكام في أرائكهم بينما رؤوسهم تتوسد لحافات من ريش البط الناعم فقد كان 
لديهم الكثير الذي عليهم ان يفكروا به. وقف الملك العجوز يجفف عينيه بمنديل أبيض. 
وخطت الأميرة إلى داخل البهو وقد بدت أكثر جمالا بكثير من الأمس. حيّت الناس 
جميعا بلطف شديد ولكنها مدت يدها ليوحنا وقالت: " صباح الخير يا أنت" 

وكان على يوحنا الآن ان يحزر ما كانت تفكر به. ويا لله كم كانت ناعمة معه 
ولكنها حالما سمعته ينطق بالكلمة "حذاء" شحب وجهها واهتز كل جسدها؛ ولكن ذلك 
وليوحنا الذي قد حزر المرة الأولى بشكل صحيح. 


فرح رفيق السفر أيضا عندما علم بسير الأمور بشكل حسن؛ ضم يوحنا يديه إلى 
بعضهما بعضاً وشكر ربه الطيب الذي يريد بلا شك مساعدته ثانية في المرتين 
التاليتين. 

عليه أن يحزر في اليوم التالي ثانية. 

ومر المساء مثل الأمس. عندما نام يوحنا طار رفيق سفره خلف الأميرة إلى الجبل 
وساطها بشكل أعنف من المرة الماضية فقد جلب معه هذه المرة حزمتين؛ لم يلمح أحد 
شيئا منه وقد سمع هو كل شيء. الأميرة تريد ان تفكر بقفازاتها وقد أخبر يوحنا بذلك 


122 


وكأنه كان حلما. وتمكن يوحنا من حزر ما فكرت به الأميرة وعمّت بذلك القصر فرحة 
كبرى. وكل الحاشية عملت شقلبة كما فعلها الملك في المرة الأولى. ولكن الأميرة قددت 
على الأريكة ولم ترغب بقول كلمة. الأمر يتوقف الآن على تمكن يوحنا في حزره الصح 
للمرة الثالثة. إن حالفه الحظ سيحصل على الأميرة الجميلة ويرث كل المملكة بعد أن 
يموت الملك العجوز؛ إن لم يحالفه الحظ سيفقد حياته وسيأكل العفريت عيئيه الزرقاوين 
الجميلتين. 

ذهب يوحنا مبكرا في الليلة قبل ذلك إلى فراشه, تلا صلاة المساء ونام مطمئنا 
جدا. اما رفيق السفر فشد جناحيه إلى كتفيه وربط السيف إلى جانبه أخذ معه الحزم 
الثلاث وطار إلى القصر. 

كانت ليلة ذات ظلام حالك؛ والدنيا تعصف حتى طار الحجر من على سقوف 
البيوت. والأشجار في الحديقة التي كانت تتدلى فيها الهياكل العظمية. كانت تتمايل 
مثل البردي عندما تهب الريح؛ السماء تبرق كل لحظة وترعد وكأن قصف الرعد كان 
مستمرا لليلة بطولها. وانفتح الشباك وطارت الأميرة؛ كانت شاحبة كالموت ولكنها 
ضحكت هزءا بالجو العاصف, فهي لم تره شديد العصف كثيراء ورفرف جليابها الأبيض 
في الهواء مثل شراع سفينة وأخذ رفيق السفر يجلدها برزمه الثلاث بقوة حتى قطر الدم 
أسفل على الأرض وأخيرا كانت بالكاد تطير. 

" الدنيا تثلج وتعصف". قالتء" لم أصادف مثل هذا الجو في حياتي" 

" إن هذا لكثير". قال العفريت. وقد اخبرته بأن يوحنا قد حزر اللغز للمرة الثانية 
الآن؛ إن فعل الشيء ذاته في الغد فسيفوز حينها ولن يكون بمقدورها أبدا أن تأتي إلى 
الجبل, ولن يمكنها القيام بفنون السحر أبدا مثل السابق؛ لذلك فقد كانت حزيئة جداً. 

" لن يمكنه ان يحزر" قال العفريت, " سأجد بالتأكيد ما لا يمكن أن يفكر به أبداً) 
وإلا فلابد أن يكون عفريتا اكبر مني, ولكن لنلهو وفرح الان" وأخذ الأميرة من يديها 
ودارا راقصين مع الجن الصغار وذوي المصابيح الذين كانوا في البهو جميعا؛ العناكب 
الحمر كانت تقفز بمرح أعلى وأسفل من على الجدارء كانت تبدو مثل زهور نارية تقدح. 
ضربت البومة على الطبل والصراصير صوتت والجراد الأسود نفخ بالهارمونيكا. كان 
حفلا راقصا صاخبا! 


123 


وبعد ان رقصوا طويلا كان على الأميرة أن تعود إلى البيت وإلا سيشيعرون 
بغيابها في القصر؛ قال العفريت إنه يود مرافقتها ليكونا بذلك معا لوقت أطول. 

طارا في الجو العاصف ورفيق السفر شحذ عيدان رزمه الثلاث على ظهريهما؛ في 
حياته لم يكن العفريت قد صادف مثل هذا الجو. ودع الأميرة خارج القصر وهمس 
باللحظة في أذتها: " فكري في رأسي".: ولكن رفيق السفر سمع ذلك. وفي اللحظة 
التي انسلت فيها الأميرة عبر الشباك إلى غرفتها استدار العفريت ليعود. فمسكه 
رفيق السفر من لحيته السوداء الطويلة وقطع بسيفه رأسه القبيح من كتفيه حتى أن 
العفريت لم يكد يرى شيئا؛ رمى جسمه في البحيرة للسمك ولكنه غطس الرأس بالماء 
ولفه بمنديله الحريري وأخذه معه إلى الفندق وتدد لينام. 

في الصباح التالي أعطى ليوحنا المنديل بما فيه وطلب من يوحنا ألا يفتحه إلا بعد 
أن تسأله الأميرة عما تفكر به. 

في البهو الكبير للقصر تجمع حشد غفير من الناسء حتى إنهم وقفوا فوق بعضهم 
بعضاً مثل شدة الفجل. جلست هيئة ال حكام في مقاعدها ذات وسائد الرأس الوثيرة والملك 
كان يرتدي ثيابا جديدة, التاج الذهبي والصوججان كانا قد لمعا فبديا بغاية الجمال؛ لكن 
الأميرة كانت شاحبة جدا ترتدي فستانا اسودا فاحما وكأنها ذاهبة إلى عزاء. 

" ما الذي أفكر به؟" قالت ليوحناء وبال حال فتح يوحنا المنديل وقلكه فزع شديد 
عندما رأى رأس العفريت القبيح. سرت قشعريرة في أجسام الناس فقد كان المنظر 
بشعاء أما الأميرة فقد جلست مثل تمثال حجري ولم تقدر ان تنطق بكلمة؛ واخيرأً 
نهضت وسلمت يدها ليوحنا لأنه استطاع أن يحزر ما فكرت به؛ لم تنظر لا إلى هذا 
ولاذاك: تنهدت بعمق وقالت: " انت سيدي الآن. وفي المساء سيقام حفل الزفاف" 

" هذا ما أحبه " قال الملك العجوزء "نريدها هكذا دوما". صاح الناس جميعا 
يعيش. وعزف الحرس الملكي في الشوارع. دقت الأجراس ورفعت الخبازات شرائط الحزن 
عن الحلوى فقد حل الفرح. ثلاثة ثيران مشوية حشيت بالبط والدجاج ووضعت في 
منتصف الساحة؛ من يشاء يقطع له شريحة. ومن النافورات كان يصب أحلى نبيذ. وإن 
اشتريت من الخباز قطعة معجنات فستحصل على ست قطع من الصمون المدور كهدية, 
والصمون بالكشمش. 


124 


زينت المدينة بأكملها في المساء وأطلق الجنود المدافع والأولاد لعبوا بالمفرقعات, 
والناس تأكل وتشربء, دقت الكؤوس ورقص الناس في القنصر وكل السادة النبلاء 
والآنسات الجميلات رقصوا معهم. من البعيد كان بالإمكان سماع ما كانوا يغنونه: 

هنا الكثير من البنات ا حلوات 

اللاتي يردن الرقص 

على ايقاع الف 

يا حلوة 

دوري وادبكي 

حتى يهتريء حذاؤك 

ولكن الأميرة كانت لاتزال ساحرة ولم تكن تحب يوحنا إطلاقاً؛ ذلك ما لم ينسه 
رفيق السفر لذلك فقد أعطى يوحنا ثلاث ريشات من جناحي البجعة وقنينة صغيرة 
ببضعة قطرات. قال له إن عليه ان يضع حوض استحمام كبير بجانب سرير العروس 
ملوء بالماء وعندما تهم الأميرة بالصعود إلى سريرها عليه ان يدفعها قليلا لكي 
تسقط بالماء وعليه حينها أن يغطسها ثلاث مرات بالماء بعد ان يكون قد ألقى فيه 
الريشات والقطرات؛ ذلك سيحررها من السحر وستحبه كثيرا. 

قام يوحنا بكل ما نصحه به رفيق السفر؛ صرخت الأميرة عالياً جداً عندما 
غطسها تحت الماء واخذت ترفس وتضرب تحت يديه مثل بجعة سوداء فاحمة بعينين 
متقدتين؛ وعندما غطت وطلعت في المرة الثانية كانت البجعة بيضاء عدا حلقة سوداء 
طوقت عنقها. دعا يوحنا بخشوع ربه وجعل الما » يغطي الطير للمرة الشالشة وفي 
اللحظة حولت إلى أميرة جميلة. كانت أكثر جمالا من ة قبل وشكرته والدموع في 
عينيها الجميلتين لأنه كان مخلّصها. 

جاء الملك العجوز في الصباح التالي مع كل الحاشية وقد توافد المهنئون إلى القصر 
حتى وقت متأخر من اليوم؛ واخيرا جاء رفيق السفر وعصاه في يده وحقيبته على 
ظهره. 3 قبله يوحنا مرات عديدة وقال إن عليه ألا يسافر ويبقى عنده فهو السبب وراء 
كن بعادي لكن رفيق السفر هرّ رأسه وقال برقة ولطف شديدين: " لا. لقد انتهت 
مهمتي. لم أدفع إلا ديني. هل تذكر الرجل الميت الذي أراد اناس اشرار إيذاءه؟ لقد 
اعطيت كل ما كنت تملك من اجل ان يحصل على هناء في قبره. الميت هو أنا!" 


125 


وباللحظة ذاتها اختفى. 

دام الزفاف شهرا كاملاء وأحب الأميرة ويوحنا بعضهما بعضاً كثيرا وعاش الملك 
العجوز أياما عديدة ممتعة, يركب أحفاده الصغار على ركبتيه ويلعبون بصوجانه؛ وتوج 
يوحنا ملكا على المملكة بأكملها. 


كتبت في عام ١410‏ 


126 


حورية البحر الصغيرة 


بعيداً في عمق البحر يكون لون الماء بزرقة أزهار القنطريون الجميلة نقيا كأصفى 
زجاج, ولكنه عميق جداء أعمقّ من أن يصلّ أي حبل مرساة إلى قاعه. يلزم العديد 
والعديد من أبراج الكنائس, الواحد فوق الآخر كي تنوش القاع إلى ما فوق سطح 
البحر. هناك يعيش بنو البحر. 

من الخطأ أن نعتقد بأن ما هناك هو مجرد قاع رملي أبيض عار. لاء فهناك في 
الأسفل تنمو أعجب الأشجار والنباتات ذات السيقان والأوراق الطيّعة التي تجعلها 
تهتز لأقل حركة للماء وكأنها حيةٌ. تنسل بين أغصانها كل الأسماك الصغيرة منها 
والكبيرة كما الطيور عندنا في الأعلى. 

أما قصرٌ ملك البحار فيقع في أكثر الأمكنة عمقا. جدرائه من المرجان و نوافذه 
المدببة النهايات مصنوعةٌ من أصفى كهربء أما السقف فهو من صدف المحار الذي 
ينفتح وينغلق حسب وجهة جريان الماء. وتلك المحارات الجميلة جدا احتوت كل منها 
لآلئ رائعة. واحدةٌ منها ستزين متلألئةٌ تاج الملكة. 

ملك البحار عازبٌ منذ سئين عديدة و قد اعتنت أمه العجوز ببيته. هي إمرأة 
عدر عكية! فخورةٌ بأصلها أيضاء لذا تراها تسير باثنتي عشرةً صَّدَقَة في ذيلها. 
أما النبيلات الأخريات فلهن الحق في أن يضعنَ ست صدفات فقط. غير ذلك فالأم 
تستحق الكثير من الثناء بالأخص لحبها الكبير لأميرات البحر الصغيرات؛ بنات 
أولادها. كن ست بنات جميلات؛ أصغرهن هي الأجمل من بينهن, بشرتها صافية 
رقيقة كورق الوردء عيناها زرقاوان كأعمق بحر ولكنها كالأخريات كانت بلا قدمين, 
فجسدها ينتهي بذيل سمكة. 

الأميرات كن يلعبن طوال اليوم في القصر عند قاع البحرءبين باحاته الكبيرة التي 


127 


فت الزهور الحية في جدرانها. وحالما تنفتح نوافذ الكهرب الشفاف الواسعة.تدخل 
الأسماك إليهنء اما كما اعتادت السنونوات عندنا أن تطير إلى الداخل عندما نفتح 
النوافذ لها. الأسماك كانت تسبح مباشرة إلى الأميرات الصغيرات لتأكل من أيديهن 
ويطبطين عليها. 

تحيط بالقصر حديقةٌ كبيرةٌ فيها أشجار بلون أحمر جَمَري وأزرق غامق, الفاكهة 
فيها تشع كالذهب, والزهور تبدو كنار مشتعلة بسيقانها وأوراقها ذات الحركة الدائمة. 
أما الأرض فمن أنعمٍ الرمال» ذات لون أزرق كشعلة كبريت. أعلى كل ذلك كانت هناك 
ظلال زرق تجعل المرء يظن أنه متأرجمٌ في الهواء. لا يرى غير السماء فوقه وتحته 
وليس في قاع البحر. وعندما يسكُن البحر تماما تبدو الشمس وكأنها زهرةٌ قرمزيةٌ يشع 
كل الضوء من كأسها. 

لكل أميرة من الأميرات الصغيرات مساحةٌ من الحديقة, تقلبها وتزرعها كما 
تشاءء؛ واحدة منهن أعطت لحوض الزهور شكل الحوت. وثانيةٌ كانت تفضّل بأن تشبه 
حديقتها حورية بحر صغيرةً؛ وأصغرهن جعلتها دائريةٌ ماما كقرص الشمسء لم يكن 
فيها غير أزهار شعت كإحمرار الشمس. كانت هذه طفلةً عجيبة؛ هادئةً متأملة» فبينما 
تريّنتَ الأخريات بما حصلن عليه من أشياء مبهرة من السفن الغارقة, لم تشأ الحورية أن 
تأخد إلا الزهور الوردية التي تشبه الشمس هناك أعلى سطح البحر ونحتاً مرمرياً 
لشاب جميل من الصخر الأبيض الصقيل استقر في قاع البحر بعد غرق السفيئة. 
زرعت عنده صفصافةٌ ورديةً» نمت بانتعاش و تسلقت أغصائها الحيوية أعلى الشاب 
المرمري ومن ثم نزلت تجاه القاع الرملي الأزرق. حيث يظهر الظل بنفسجيا متحركا كما 
الأغصان. بدا المنظر وكأن أطراف الأغصان والجذور لعبا لعبةٌ تقبيل بعضهما بعضاً. 

لم تكن هناك فرحةٌ أكبر لدى الحورية الصغيرة من أن تسمعٌ عن عالم الإنسان فوق 
في الأعلى هنا. كان على جدتها العجورٌ أن تقص لها كل ما تعرفه عن السفن, المدن, 
الناس والحيوانات. والذي كان يعجبها على الأخص هو أن الأزهار هنا فوق على الأرض 
لها عطر, وهذا ما لم يكن للأزهار في قاع البحر, وبأن الغابات كانت خضراءً وبأن 
الأسماك التي ثرى بين الأغصان كانت تغني عاليا بعذوبة تطرب السمع. كانت تلك 
هي العصافير التي أطلقت الجدة عليها أسماكا وإلا فسيكون من الصعب عليهن 
فهمهاء حيث ا حوريات لم يرينَ طيرا من قبل. 


128 


" عندما تُكملن السنة الخمس عشرة". قالت الجدة." سيسمح لكنّ بأن تطفينَ فوق 
البحر. تجلسن على الصخور تحت ضوء القمر وتتأملن السفن الكبيرةٌ التي تر مبحرة, 
سترين الغابات والمدن!" 

في العام الذي هل أكملت فيه إحدى الأخوات الخمس عشرة من عمرهاء أما 
الأخريات ويا للأسف فقد كانت الواحدة منهن تصغرٌ الأخرى بعام, وسازال أمام 
أصغرهن خمس سنوات كي تتجرأ وتصعد من قاع البحر لترى كيف يبدو كل شيء من 
هنا حيث نحن. ولكن إحداهن وعدت الأخرى بأن تقصّ ما تراه في اليوم الأول وما تظنه 
جميلاء فجدتهن لم تخبرهن بما يكفي, كان هناك الكثير الذي يجب أن يعرفن عنه. 

لم يكن أحدٌ بذلك الشوق الكبير كما كانت أصغرهن, هي بالتحديد من ستنتظر 
زمنا طويلا. كانت هادئة جدا و حالمة. في العديد من الليالي وقفت عند النافذة المفتوحة 
تنظر عاليا عبر الماء النيلي, عد اسك كر وعاندها وأذيالها. وقد تمكنت من 
رؤية القمر والنجوم, رغم أن لمعاتهما كان خفيفا واهياء و لكن عبر الماء بدت أكبرٌ 
بكثير مما نراه بأعيننا. وإن انزلقت ما نش الشحابة السودا. مهيا أدركت حينها بأن 
حوتا يسبح فوقهاء أو لعلها سفينةٌ بأناس كثر. لا أعتقد أنهم فكروا بأن حوريةًٌ صغيرة 
جميلة عامت أسفل السفينة ومدّت يديها البيضاوين تجاه صالب القاعدة. 


وأكملت كبرى الأميرات الخمسة عشر عاما فتجرأت وصعدت فوق سطح البحر. 

وعندما رجعت كان عندها الكثيرٌ الذي تخبرهن عنه؛ ولكن أجمل ما كان كما 
قالت لهن هو الإستلقاءً فوق تلة رملية تحت ضوء القمر حين يكون البحرّ هادئا وتأمل 
البلدة الكبيرة عند الشاطيء بأضوائها المتلألئة كمئات النجوم, وسماع الموسيقى 
والصخب والضجيج من العربات و البشرء ورؤيةٌ أبراج الكنائس وقممهاء وسماع نغ 
أجراسها عندما تدق. و لأن الحوريةً الصغيرة لا تتمكن من الوصول تحديدا إلى هناك 
شعرت بشوق إلى كل تلك الأشياء قبل كل شيء. 

ولَكّمٍ كانت الأخت الصغرى منصتةًٌ حينها. وأخذت إثرها تقفّ كل مساء عند 
النافذة المفتوحة تنظر عاليا عبر الماء النيلي وتفكر في البلدة الكبيرة بصخبها 
وضجيجهاء بل ظنت حينئذ بأنها كانت تسمع أجراس الكنيسة وهي تدق لها. 


129 


في العام الذي تلاه سمح للأخت الثانية بأن تصعد للأعلى وتسبحَ حيث تشاء. 
عامت إلى فوق حيث الشمس تغرب وقد وجدت في ذلك أبدعَ منظر. السماء يأكملها 
بدت وكأنها قطعةٌ من ذهبء كما قالت, أما جمال الغيوم فلم يكن من السهل عليها 
وصفّهء الأحمرٌ والبنفسجي أبحرا فوقها. ولكن الأسرع منهما كان سرب من البجع 
البري طار كوشاح أبيض طويل فوق الماء حيث الشمس. عامت ال حوريةٌ تجاه الشمس 
التي غرقت فانطفأ الانعكاس الأحمر المشوب بالوردي على سطح البحر والغيوم. 

في السنة الثانية صعدت الأخت الثالثة إلى أعلى. كانت الأكثرّ جسارةٌ وجرأةٌ 
بينهن لذلك فقد عامت في نهر عريض كان يصب في البحر. عندها رأت هضابا خضراء 
جميلةٌ بكروم عنب, وقد لاحت قصورٌ ومزارع بين الغابات الخلابة. وسمعت الطيور كيف 
تغني وأحست بحرارة الشمس الساطعة فكان عليها الغط في الماء مراراً لتبّرد وجهّها 
المحروق بحرارة الشمس. 

في خليج صغير التقت بمجموعة كبيرة من البشر الصغار. عراة تماماء تراكضوا 
في ماء البحر الضحل وطرطشوا فيه. ودت أن تلعبّ معهم ولكنهم فروا هلعا منها. 
وهناك جاء حيوان صغير أسود وقد كان كلباء ولكنها لم تر كلبا في حياتها من قبل, 
نبحع عليها بشراسة فخافت منه ولجأت إلى البحر المفتوح. لم تنس إطلاقا الغابة 
الخلابة الهضاب الخضراء والأطفال الحلوين الذين كانوا يعومون فوق الماء رغم انهم لم 
يملكوا ذيل سمكة. 

أما الأخت الرابعة فلم تكن جريئة جدا. لم تتعد في عومها المنطقة منتصف البحر 
الواسع العميق. أخبرتهُن بأن ذلك هو ما كان الأجمل بالنسبة إليها؛ يرى المرء كل شيء 
ولمسافة عدة أميال من حوله, والسماء فوقه تبدو وكأنها جرس زجاجي كبير. وقد رأت 
سفنا أيضا وكأنها نوارس الشواطئ, وقد “تشقلبت” على مبعدة منها الدلافين الخفيفة 
الظل في الماء, أما الحيتان فنفحّت الماء عاليا من مناخيرها فكان المنظر وكأن مئات من 
النافورات انتشرت من حولها. 

وجاء دور الأخت الخامسة التي تصادف عيد ميلادها في الشتاء ولذلك فقد رأت 
ما لم تره الأخريات لأول مرة. البحيرة اكتست باللون الأخضرء و عامت جبال الفلج 
الكبيرة هنا وهناك وقد بدا كل جب ل كلؤلؤة, أكبر بكثير من أبراج الكنيسة التي بناها 


1130 


البشر, و برزت كماسات بأشكال عجيبة تسلب العقل. كما قالت لهن. واستلقت بعدها 
على واحد من أكبر تلك الجبال وقد تركت للريح أن تلاعب شعرها الطويل. كل البحارة 
الذين مرواء تجنبوا المكان الذي جلست فيه خائفين. وفي آخر المساء تليدت السماء 
بالغيوم. أبرقت وأرعدت بينما رفع البحرٌ الأسود الكتلّ الثلجية الضخمة عاليا مما 
جعلها تسطع تحت البرق الأحمر. كل السفن أنزلت أشرعتّها. عم خوفٌ ورعب. ولكن 
الحورية جلست هادئةٌ على جبلها الثلجي العائم تنظر إلى الشعاع الأزرق البراق يتعرج 
على سطح البحر اللامع. 

الأخوات كن يسررن دوما لما تشاهده إحداهن من أشياء جديدة وجميلة في المرة 
الأولى التي تصعد فيها إلى فوق سطح البحر. ولكن وبما إنهن قد نضجن كفتيات 
وسمح لهن بأن يصعدن إلى فوق متى شئن صار الأمر بالنسبة إليهن غير ذي شأن, كان 
يتملكهن الحنين مرة ثانية إلى البيت. وبعد مرور شهر يقلنَ بأن القاعَ هناك هو الأجمل, 
حيث يشعر المرء بأمان في بيته. 

غالبا وفي فترات المساء تمسك الأخوات الخمس بأذرع بعضهن ويصعدن فوق إلى 
السطح. الواحدةٌ تلو الأخرى. كانت لديهن أصوات أجمل من أي بشر. وعندما تهب 
العاصفةٌ ويشعرن بأن سفينةٌ ما ستغرق يسبحن أمامّهاء يتغنين بجمال البحر عند 
القاعء ويرجينَ البحارة ألا يخشوا الوصول إلى الأسفل, ولكن البحارةً لا يفهمون 
الكلمات. يعتقدون أنها أصوات العاصفة. كما أنهم لن يرًوا الجمال في الأسفل إذ 
عندما تغرق السفينة يغرقّ معها الناس ولا يصلون إلا ميتين إلى قصر ملك البحار. 

وعندما تصعدٌ الأخوات يدا بيد إلى السطح عبر البحرء تبقى الصغرى وحدها تنظر 
إليهن وهن يصعدنَ, وكأنها على وشك البكاء. والحورية ليس لها دمعٌ لذا فمعانائها أكبر. 

قالت الصغرى " آه لو أبلغٌ الخمسة عشر عاما! أعلم أنني سأهيم لا محالة بالعالم 
فوق هناك وبالناس الذين يعيشونَ في الأعلى". 

وأخيرا بَلغت الحوريةٌ تلك الخمس عشرةً سنة. وقالت الملكة الثكلى العجوز " هاقد 
خلصنا منك الآن! تعالي. دعيني أزيّنك كما زينت أخواتك الأخريات!" ووضعت على 
شعرها إكليلا من السوسن الأبيضء كل ورقة في الزهرة كانت نصف لؤلؤة. وقد أمرت 
العجوز بتثبيت ثمان محارات كبيرة في ذيل الحورية الصغيرة لتبيّن منزلتها العالية. 


131 


قالت الحورية الصغيرة " إن هذه الزينةة تخز رأسي!" 

فأجابت العجوز" من أراد حلوا صبر على مره!" 

أووف! رددت الحورية وقنت لو تنفض عنها كل تلك الزيئة وتنزع هذا الإكليل 
الشقيل. إن ورودها الحَمرَ في الحديقة تناسبّها أفضل بكثيرء ولكنها الآن لم تجرؤ أن 
تغير الأمور. 

" مع السلامة!" لوحت بيدها وهي تصعد إلى الأعلى بخفة وتأهب كفقاعة خلال 
الماء. كانت الشمس قد غابت للتو عندما رفعت الحورية رأسّها عاليا فوق سطع الماء. 
ولكن الغيوم كانت لاتزال تسطع بألوان الورد الجوري والذهب, وقد شعت في منتصف هذا 
الفضاء الأحمر الشاحب نجمةٌ المساء بصفاء وألق, حيث الهواء رقيق نقي والبحرٌ ساكن. 
وهناك وقفت سفينة كبيرة بثلاثة صوار. لم يرقع فيها سوى شراع واحد فلم تكن هناك 
حركةٌ للريح؛ وقد تسلقّ الملاحون الصواري. وجلسوا هنا وهناك بين الحبال والعوارض أعلى 
الصواري. كان هناك عزف موسيقى وغناء. عند حلول المساء أوقدّت مئات الفوانئيس 
لملونة. بدا وكأن أعلامً البلدان جميعا خفقت في الهواء. سبحت الحوريةٌ الصغيرة بالقرب 
من ثافذة إحدئ كانينات السفيثة, وكلما رفعّها الماء في الهواء قكنت من رؤية ما في 
الداخل عبرٌ زجاج الثوافذ الصافية كمرآة. كان هناك الكثير من الناس بكامل زينتهم, 
ولكن الأجمل كان ولا شك هو الأمير الشاب ذو العينين السوداوين: لم يكن عمره يتجاوز 
ال ١5‏ عاما. والمناسبة هي عيدٌ ميلاده, لذا وضعّت كل هذه الزينة. رقص الملاحون على 
ظهر السفينة وحالما بررٌ الأمير على ظهر السفينة انطلق أكثر من مئة صاروخ من الألعاب 
النارية عاليا في الهواء. أضاءت الصواريعٌ السماء وكأنه يوم صحو. ذلك ما أفزعَ 
الحورية الصغيرة فغطت إلى الأسفل تحت الماء. ولكنها عاودت ومدت رأسّها فوق السطح 
انية. حينها وكأن نجوم السماء بأجمعها قد تساقطت عندها. لم تر في حياتها فئون نار 
كهذه؛ شموس كبيرة دارت حول نفسهاء سمكُ من نار يبر النظر حلّقَّ تحت السماء الزرقاء 
الصافية, كل شيء تلألا منعكسا فوق سطح البحر الساكن. على سطح السفيئة نفسها 
كان كل شيء مضاءً ٠‏ فيمكن للمرء أن يرى حتى الحبال الصغيرة, ومن السهل رؤية 
البشر. يا إلهي كم هو جميل هذا الأمير الشاب وهو يصافح أيادي الناس؛ يضحك 
ويبتسمء مع تهادي أنغام الموسيقى في ذلك المساء الجميل. 


132 


تأخرّ الوقت ولكن ا حورية الصغيرةً لم تستطع أن تحركَ عينيها بعيدا عن السفيئة 
وعن الأمير الوسيم. أَطفئَتَ الفوانيس الملونةٌ ولم يُطْلَق المزيد من الصواريخ عاليا في 
الهنواف ولع عمد" تتم هناك ضريات مدق ولكن عميقا فى غور البجر كان هتاك 
أصوات دوي وأزيز. وهي جالسة خلال ذلك على سطح الماء تتأرجح صعودا وهبوطا كي 
تتمكن من رؤية ما في داخل الكابينة. ولكن السفينة أبحرت بسرعة أكبر. وقد نُشرّ 
الشراع بعد الآخر. الأمواج تتلاطمٌ بقوة. وتتكائف غيومُ كبيرةٌ والسماء تبرق في 
البعيد. رباه. سيكون جوا عاصفا مخيفا! لذا فقد أنزلَ الملاحون الأشرعة. وتأرجحت 
السفينة الضخمة بسرعة طيارة في البحر الهائج؛ وعلا الماء كجبال سود عالية انهارت 
على الصاري, ولكن السفينة غطت في الأسفل كبجعة بين الأمواج العالية وطفت ثانية 
فوق المياه المتلاطمة. رأت حورية البحر في ذلك مرحا ولهواء بيئما رأى الملاحون 
العكس, فالسفينة تصرٌ وتُدوي والألواح السميكة تتقوسُ جراء ارتطام موج البحر 
القوي بها. انكسر الصاري في منتصفه وكأنه قصبةٌء وقد مالت السفيئة إلى الجانب 
بينما تسرب الماء إلى الداخل. وقد رأت ا حورية الآن بأنهم في خطر وعليها الحذر من 
الطوافات وكتل السفينة التي انجرفت في الماء. وللحظة عم ظلامٌ حالك فلم تستطع 
رؤية شيء إطلاقا ولكن عندما أبرقت السماء صار كل شيء شديدٌ الوضوح مرةً أخرى, 
حتى انها تعرفت على الملاحين جميعا. كل واحد منهم حاول التشبث قدر المستطاع. 
وراحت هي تبحث بالذات عن الأمير الشاب وقد رأئه عندما انفصلت السفيئة وغرقت 
في قاع البحر العميق. تلكها الفرح, لأنه الآن سينزلٌ إليها في الأسفل, ولكنها تذكرت 
بأن البشر لا يمكنهم العيش في الماء وبأنه لن يأتي إلى قصر والدها إلا ميتا. لاء 
لايجب أن يموتء لذا سبحت بين الألواح و الطوافات التي انسابت في البحر ونسيت 
ماما بأن ذلك كان من الممكن أن يسحقّها. غطست عميقا تحت الماء وصعدت ثانية بين 
الأمواج ووصلت حيث الأميرٌ الشاب الذي لم يعد بمقدوره العوم في البحر العاصف. لقد 
وهنت ذراعاه وساقاه والعينان الجميلتان انطفأتا. لو لم تصل حوريةٌ البحر إليه لكان قد 
مات. أمسكت برأسه فوق الماء وتركت للموج يجرقها معه أينما شاء. في الصباح لم 
يعد الجو عاتيا عاصفاء لكن لم يتبق من السفينة حتى نشارة خشب, بينما ارتفعت 
الشمس شديذة الحمرة وأشرقت فوق سطع الماء. وكأن الحياءً إثرها عادت إلى حَدَي 


133 


الأمير. ولكن عينيه ظلتا مطبقتين. قبِلَتَ الحورية جبهمّه العالية البهية وسرحت 
خصلات شعره المبللة إلى الوراء. كان يشبه التمثال المرمري في حديقتها الصغيرة في 
القاع. بلتوهزة أخرئ وقنت يحركة أن تيفل 

رأت الحورية اليابسة أمامّها. جبالا زرقا عالية وقد لَمّعّ الثلجج على قممها وكأن 
سريا من البجع قد جثم فوقها. عند الشاطيء قتدٌ غابةٌ خضراءً خلابةٌ؛ تقع في مقدمتها 
كنيسةٌ أو ديرٌء فهي لم تكن متأكدةً من ذلك ولكنها كانت بنايةً على أية حال؛ فت 
أشجار الليمون والبرتقال في حديقتهاء أما أمام البوابة فقد كانت هناك أشجارٌ نخيلٍ 
عالية. والبحر كان قد حفر خليجا صغيرا في هذه البقعة من اليابسة التي أطبق 
السكون عليها. وقد امتد الخليج عميقا جدا حتى الصخور حيث الرمل الأبيض الناعم 
المغسول. لقد عامت بالأمير الوسيم إلى هناك. وتركته مستلقياً على الرمل؛ وحرصت 
على أن يكونَ رأسه بالأخص مرتفعا تحت أشعة الشمس الحارة. 

دقت الأجراس في البناية البيضاء الكبيرة وقد وصل العديد من البنات الشابات 
إلى الحديقة. حينها عامت الحوريةٌ الصغيرة بعيدا قليلا خلف بضع صخور عالية برزت 
من الماء. غطت شعرًها وصدرها برغوة البحر كي لا يرى أحدٌّ وجهّها الصغير وأخذت 
ترصد من مكانها من سيأتي للأمير المسكين. 

لم يمض الكثير من الوقت حتى مرت فتاةٌ شابةٌ من هناك أصابها فزع شديد لمرأى 
الأمير ولكن للوهلة الأولى فقط, إذ راحت لتعود ثانية مع مجموعة من البشر. تأكدت 
الحورية بأن الحياة قد عادت إلى الأمير وكان يبتسم لمن حولهء ولكن ليس لها. إنه لم 
يعلم كذلك بأنها هي التي أنقذته. تأثرت كثيرا لذلك. وعندما أخذوه إلى داخل البناية 
غطست ملأى بالحزن تحت الماء لاجئةٌ إلى قصر أبيها. 

كانت الحورية دائما هادئةً وحالمةً. ولكنها صارت الآن أكثر هدوءً وروية. وقد 
سألتها أخواتها عما رأئه لأول مرة فوق على سطح الماء ولكنها لم تتحدث عن شيء. 

في الكثير من الليالي و النهارات تصعد إلى فوق حيث تركت الأمير. ترى فاكهة 
الحديقة وقد نضجت وقُطْفّت, ترى الجبال العالية وقد ذاب الثلج على قممها أما الأمير 
فلم ترهء لذلك كانت تعود دائما إلى البيت أكثر كدرا. فعزاؤها الأكبر هو أن تجلس في 
حديقتها الصغيرة؛ تحضن بذراعيها التمثالَ المرمري الذي يشبه الأمير. لم تكن تعتني 


134 


بزهورها التي قد فت خارجا فوق الممرات وكأنها في غابة. اشتبكت سيقائها الطويلة 
وأوراقها بأغصان الأشجار بحيث صار المكان حالك الظلمة. 

وأخيرا لم يكن بمقدورها تحمّل الأمر فأخبرت إحدى أخواتها بذلك. ولكن الباقيات 
سرعان ما علمّن بالأمر. بالإضافة إلى بعض الحوريات الأخريات اللواتي لم يخبرن أحدا 
غير صديقاتهن الحميمات فقط. فإحداهن كانت تعلم من يكون هذا الأميرء وقد رأت 
الزينة التي علقت فوق السفينة وتعلم من أين جاء وأين تقع مملكته. 

" تعالي يا عزيزتي!" قالت الأميرات الأخريات لها وهنْ صاعدات في صف طويل 
إلى أعلى واضعات أذرعَهن على أكتاف بعضهن بعضاً وقد ظهرن فوق سطح الماء أمام 
مكان قصر الأمير. 

القصر قد بني من حجر بلون أصفر فاتح ذي بريق بارد, بسلالم من المرمرء ينزل 
إحداها مباشرةً إلى البحر. وقد ارتفعت قبب مذهبة فخمةٌ فوق السقف وعلّقَت لوحات 
من المرمر بين الأعمدة التي كانت تحيط بالمبنى كلّه والتي بدت وكأنها حيةٌ. ويرى المرء 
من خلال الزجاج الصافي للنوافذ العالية ما في داخل تلك الصالات الفخمة, الستائرٌ 
الحرير الشمينة والسجاه المعلق والجدرانَ التي زينت بلوحات ضخمة تسر الناظر. وفي 
منتصف أكبر الصالات كانت هناك نافورةٌ كبيرة يطرطش الماء فيهاء تصعد أشعتها 
عاليا حيث القبة الزجاجية في السقف والتي شعت الشمس من خلالها على الماء وعلى 
النباتات النضرة التي مت في حوض الماء الكبير. 

بعد أن تعرقت ا حوريةٌ الصغيرة على مكان سكنه أخدّت تصعدٌ في العديد من 
المساءات والليالي فوق سطع الماء. أخذت تعوم قريبا جدا من البر أكثر مما تمجرأت 
إحداهن في يوم على ذلك. ودخلت بالفعل في ذلك الممر الضيق تحت الشرفة المرمرية 
التي ألقت بظلال طويلة فوق الماء. هناك جلست تنظر إلى الأمير الذي ظن بأنه وحيد 
هناك تحت ضوء القمر اللامع 

لقد رأئّه مرارا وهو يُبحرٌ مساءً مع فرقة موسيقية في قاربه الفخم وأعلامه 
المرفرفة؛ وهي إن برزت من بين القصب الأخضر و أخذت الريح بين زعانفها البيض 
الفضية الطويلة لظئّها المرء بَجَعةً قد شَرعْت جناحيها. 

في العديد من الليالي كانت تنصت إلى الصيادين في طلعات الصيد ليلا مع 


135 


فوانيسهم عندما يأتون على ذكره. كانوا يذكرون كل ما هو حسَنُ عن ذلك الأمير 
الشاب. أسعدها بأنها هي التي أنقذت حياته عندما جرقّه ا موج نصف ميت. تذكرت 
كيف استراح رأسه ملتصقا بصدرها. وكم كان عميقا ذلك الإحساس عندما قبّلته. لكنه 
لم يعرف شيئا عن ذلك إطلاقا ولا حتى أن يحلّمَ بها. 

هامت بالبشر أكثر فأكثرء نت لو تصعدٌ للأعلى وتكون بينهم. بدا لها أن عالهم 
أكبر من عالمهاء بإمكانهم الطيران في السفينة فوق البحر. وركوب الجبال العالية فوق 
الغيوم, والأراضي التي يملكون تمتد غابات وحقولا أبعد من رؤية عينيها. 

كان هناك الكثير الذي ودت أن تتعرف عليه ولكن اخواتها لم يكن بمقدورهن 
الإجابةٌ على كل شيء. لذا فقد سألت الجدة العجوز التي خبرت جيدا هذا العالم 
العلوي. والذي كانت على حق عندما أطلقت عليه بلاد ما فوق البحار. 

سألت حوريةٌ البحر الصغيرة " عندما لا يغرق البشر هل بإمكانهم العيش أبدا, ألا 
يموتون كما نموت نحن هنا في الأسفل؟ 

أجابت العجوزء " أجل أجل. هم يموتون أيضاء بل إن فترةً حياتهم أقصرٌ من 
فترتنا. يمكتنا أن نعمّر لثلاثمائة عام ولكننا عندما نوت هنا نتحول إلى رَبّدِ فقط 
فوق سطح الماء. بل لا فلك حتى قبرا بين أحبائنا في القاع. ولا خلود لأرواحنا. ولا 
حِياءً لنا بفد ذلك تحن كالقعني الأخطرء عتدها بقض مء لا فكته أل يخعد ثانيةا 
بينما الناسٌ لهم روح خالدةٌ. تيقى حتى بعد أن يتحول الجسد إلى تراب. الروح تصعدٌ 
عبر الهواء الصافي فوق إلى كل التجوم اللامعة! وكما نغطس نحن إلى فوق سطح 
البحر ونرى البشرء يغطسون هم إلى أعلى. إلى أماكن ساحرة مجهولة, أماكن لا يمكننا 
أبدا رؤيتها. 

سألت الحورية حزيئة " لم لا فلك روحا خالدةٌ؟ أنا مستعدة لأن أهبّ كل الثلاثمائة 
سنة التي لدي لأحيا من أجل يوم واحد فقط أعيشّه مثل البشر ولكي أحصل بعدها 
على جزء من العالم السماوي!" 

فقالت لها الجدة العجوزء " لا يجب عليك أن تفكري هكذا, نحن أسعدٌ من البشر 
في الأعلى كثيرا!" 

"لم لاء فأنا سأموت وأطفو كالزيّد فوق سطح البحرء هنا لا أسمع موسيقى 


136 


الأمواج ولا أرى الزهور الجميلة والشمس الحمراء! ألا يمكنني فعل أي شيء من أجل 
الفوز بروح خالدة!" سألت الحورية الصغيرة. 

أجابتها الجدة, " لاء إلا إذا أحبك بشرّ وكنت بالنسبة إليه أكثرَ من أبيه وأمه. 
عندما يكون بكل عقله وقلبه متعلقاً بك و عند الزواج يَدَعٌ القس أن يضع بِدَهُ اليمنى 
في يدك ويقسم بأن يكون مخلصا لك مدى الدهر. حينها تنتقل روحه إلى جسدك 
فتحصلين أنت أيضا على جزء من سعادة البشر. سيعطيك روحا كما ستبقى روحه له. 
ولكن هذا لا يمكن أن يحصل و ذيل السمكة الذي قلكين, و إذا كان الذيل بنظرنا في 
غاية الجمال هنا في البحرء ففي نظر من هم على الأرض في غاية القبح والبشاعة. هم 
ليس لديهم فَهُمٌ في ذلك. على المرء هناك أن يملك دعامتين مرتبكتين يطلقون عليها 
ساقين لتبديا جميلتين. 

حينها تنهدت الحورية الصغيرة ونظرت بحزن إلى ذيلها. 

" هيا لنرفه عن أنفسنا في الثلاثمائة عام التي لدينا لنعيشء إنها كما يقال وقتْ 
لا بأس به. فبعدها يشبع المرء نوما في قبره. سنقيم هذا المساء حفلا ملكيا. 

وكان الإحتفال بالفعل روعة لا يمكن للمرء تخيلُها على الأرض. الجدران والسقوف 
كانت من الزجاج السميك النقي في بهو الرقص. مئات من المحار العملاق, الأحمر 
الجوري والأخضر ا حشيشي انتظمت في صفين على الجانبين وسط نار مشتعلة زرقاء 
أضاءت البهو بأجمعه, وشعّت من خلال الجدران فشع البحر في الخارج بأكمله كذلك. 
يمكن للمرء أن يرى كل تلك الأسماك التي لا تُعَدٌّء الصغيرة منها والكبيرة وقد سبحت 
تجاه الجدار الزجاجي, لمعت أصداف كثيرة؛ بعض منها بلون إرجواني محمرء وبعضها 
الآخر كان فضيا و ذهبيا. وقد انساب الماء منتصف البهو بمجرى عريض. رقص فوق 
سطحه رجال البحر وال حوريات على أنغام أغانيهم الرائعة. لا يمكن للبشر فوق سطع 
البحر أن يملكَ حناجرَ جميلةً كهذه. أما غناءً حورية البحر الصغيرة فكان الأكثر عذوبة 
بينهم جميعا وقد صفقوا بأيديهم لهاء وللحظة شعرت بالفرح يغمر قلبها إذ إنها كانت 
على علم بأن صوتها هو الأجمل بين من هُم على الأرض ومن في البحر. ولكنها سرعان 
ما عادت إلى التفكير بالعالم في الأعلى فوقها. كل هذا لم يمكّنها من نسيان الأمير 
الوسيم وحزنها لكونها لا يمكن أن ملك روحا خالدة مثله. لذا تسللت خارجةٌ من قصر 


137 


أبيهاء وبينما كان الجميع يغني مبتهجاء جلست هي حزينة في حديقتها الصغيرة. أثناء 
ذلك تناهى إلى سمعها صوت بوق يترده من خلال الماء ففكرت: " لابد وأنه سيبحر 
بعيداء هو الذي أحبّه أكثر من أب وأمء هو الذي تعلقت به روحا وجسدا والذي أقنى أن 
أضع حياتي بين يديه. سأتجراً على فعل كل شيء من أجل أن أفورَ به وبروحه الخالدة. 
وبينما أخواتي يرقصن في الداخل عند قصر أبي سأذهبٌ إلى ساحرة البحر. وهي التي 
كنت دوما أخشاها ولكنها لربما تتمكن من إعانتي ومساعدتي. 


وخرجت الحوريةٌ الصغيرة من حديقتها متوجهة إلى السورات العظيمة الفوارة, 
حيث تسكن الساحرة خلفها. لم تسلك هذا الطريق من قبل أبداً. وهناك لم تنم أزهار 
ولا أعشاب بحرء لا شيء غير القاع الرملي الرمادي العاري امتد حول الدوامات تلك 
حيث الماء وكأنه عجلة طاحونة فوارة, الَف دائريا جارفاً معه كل ما تمكن منه إلى 
الأعماق. كان عليها أن تمر عبر تلك الدوامات الساحقة كي تدخلّ منطقة ساحرة البحر. 
وبعدها يتوجب عليها أن تقطع مسافة طويلة فوق الطمي الفوار الحار الذي أطلقت عليه 
الساحرة اسم مستنقع الخث الخاص بهاء هناك في عمق الغابة السحرية العجيبة يقع 
بيت الساحرة. كانت كل الأشجار والشجيرات من البولوب. بشكل نصف حيوان نصف 
نبات. بدت وكأنها مئات من رؤوس ثعابين فت من الأرض. كل الأغصان كانت لزجة 
الأذرع طويلة؛ وأصابعها تشبه ديدانا لينة متحركة من الجذر حتى أقصى طرف لها, 
مفصّلاً بعد مفصل. التقّت تلك النباتات وقبضت على كل ما يمكن القبض عليه في 
البحر بقوة ولم تفلئه. وقفت حوريةٌ البحر الصغيرة هناك وقد تملكها الفزع تماما. دق 
قلبّها رعباً وأوشكت أن تعود لولا إنها فكرت في الأمير وروح البشر فاستعادت 
شجاعتها. عقدت شعرها الطويل المرفرف حول رأسها كي لا سك به البوالب هناك: 
وضعت كلتا يديها على صدرها و طارت منطلقة ولأنها سمكةٌ كان يمكنها الطيران بين 
تلك البوالب القبيحة التي مدت أذرعها اللينةَ وأصابعها تود الإمساك بها. كانت ترى 
كيف تقبض تلك النباتات على الأشياء. مئات من الأذرع الصغيرة أمسكت بالأشياء 
وكأنها أربطةٌ حديدية قوية. كان الناس الذين قضوا نحبهم في البحر وغرقوا عميقا في 
الأسفل, برزوا كهياكل عظمية بيض بين أذرع البوالب. كانت هناك مراوح سفن 


138 


صناديق خشبيةٌ عَلَقَتَْ قاما. هياكل لحيوانات برية وحورية بحر قبضت عليها وخنقتها, 
كانت بالنسبة إليها من أشدٌ المناظر رعبا. 1 

دخلت مكانا واسعا لزجا في الغابة حيث ثعابِينٌ ماء سمينة ضخمة كانت تصحَّبُ 
وقد بانت بطونها بشعةً صفراً مائلة إلى البياض. هناك شيّدَ بيت وسط المكان من عظامر 
بيض تعود لبشر غرقى. جلست ساحرةٌ البحر تُطعم ضفدع الطين الضخم كما يطعم 
البشر طيرٌ الكناري الصغيرٌ السكرٌ من فمهم. وتلك الثعايين السمينة البشعة التي 
أطلقت عليها بدجاجاتها الصغار, تركتها تتقلبُ على صدرها الفطري الضخم. 

" أعرف ما تريدين!" قالت لها الساحرة " وإئها لحماقةٌ منك! لكن ستحصلين على 
أمنيتك بالرغم من ذلك, وهذا سيجلب لك التعاسة يا أميرتي الجميلة. وتابعت " أنت 
تودين التخلص من ذيلك وعوضا عنه تريدين قَصَبتين تسيرين بهما كالبشر, كي يِتَيْمْ 
الأمير الشاب بك فتحصلين عليه وعلى روح خالدة!" وفجأةٌ قهقهت الساحرة بصوت 
عال قبيح جعل الضفدع والثعابين تسقط وتنقلب على الأرض. " لقد جئت في الوقت 
المناسب بالضبط, فغداً وعندما تشرق الشمس لن أتمكن من مساعدتك إلا بعد عام من 
هذا البوء!” قنالك الساعرة وواضلت. * يتوجب علي أن أصنع لك شرابا ولكن عليك 
وقبل شروق الشمس أن تعومي إلى اليابسة وتجلسي على الساحل وتشربيه, حينها 
سينشق ذيلّك ويضيق ليأخذ شكلا يطلق عليه البشر شكل ساقين جميلين. ولكن ذلك 
سيكون مؤلما وكأن سيفا بنصل حاد سيشطرك. كل الذين سيرونك سيقولون إنك 
الأجملّ من بين أطفال البشر الذين رأوهم في حياتهم. ستبقين محتفظة بتمايلك ولن 
تفوقك راقصة في هذا ولكن كل خطوة ستخطينها ستكون وكأنك تدوسين على سكين 
مشحوذة وسيسيل دمك. إن أعجبك كل ذلك فسأساعدك؟" 

اعلا" اجايت القورية المغيرة بصرت بعشل نينا مفكرة بالامس والقوة 
بروح خالدة 

فردت الساحرة؛ " ولكن تذكري, حالما تحصلين على قوام بشري سيكون من المحال 
أن تعودي حورية مرة ثانية! لن يمكنك النزول إلى الأسفل في الماء حيث أخوائك وقصر 
ايك » رإذالم تقوو بحب الأسيد إلى الحد الذي ينسى فيه الأب والأم من أجلك, 
ويتعلق بك بكل فكره ويدع القسَ يشبك أيديكما كي يعلنكما زوجا و زوجة: إن لم 


139 


يحدث كل ذلك لن تكون لك روح خالدةٌ! ففي صباح اليوم الذي سيتزوج به من غيرك 
سيتفطرٌ قليّك كمدا و تتحولين إلى زيد فوق سطح الما. 
" أريد ذلك؛" قالت الحورية وكانت شاحبةً وكأنها ميتةٌ. " ولكن عليك أيضا أن 

تدفعي لي!" ردت الساحرة عليهاء " ولن يكون ما أطالب به بالأمر الهين, عندك أجمل 
حنجرة من بين الكل هنا في قاع البحر, ؛ يمكنك سحر الأمير بها ٠‏ لكن يتوجب عليك أن 
تعطيني هذا الصوت. أنا أريد أخذ أفضل ما قلكين ثمنا لشرابي الثمين. سأقطرٌ من 
دمي في هذا الشراب ليكون قويا كسيف بحدين. 

قالت الحورية الصغيرة, " ولكن إن أخذت صوتي ما الذي سيتبقى لي إذ1؟" 

ردك علبها الساحرة " فزامك الحبيل قابلة ى عترتك التي بحالها ملك لغةً بهما 
ستتمكنين بلا شك من سلب لُبْ قلبه؛ أم ماذاء هل فقدت الشجاعة؟ مدي لي لسانك 
الصغير لأقطعه كثمن فأعطيك الشراب الفعال". 

" ليحصل ذلك!" أجابت الحورية الصغيرة ووضعت الساحرة القدر على النار لتقوم 
بغلي شراب العفاريت. فركت القدر بالثعابين التي ربطتها في عقدة, مرددة " النظافة 
أمرٌ ضروري!". قامت بخدش صدرها ليِقَطْرَ دمها الأسود في القدر. كون البخار أشكالا 
غريبة تجعل المرء خائفا فزعا. أخذت السا خرة تلفي في كل الحظة شينا جديدا في القدرء 
وعندما بدأ القدر بالغليان بشدة كان مثل قساح يبكي. في النهاية تم صنع صنعٌ الشراب 
وقد بدا وكأنه ماء زلالٌ بصفائه. 

" ها هو الشراب!" قالت الساحرة و قامت بقطع لسان حورية البحر الصغيرة التي 
صارت بكماء لا يمكنها الغناء ولا النطق. 

" إن حاولت البوالب القبض عليك في طريقك للعودة عبر غابتي؛ لا عليك سوى 
القاء قطرة وانعدة م هذا الدراب عله عينها ستعيرق أذ رعها و أضانعيا إلى الات 
القطع!" قالت لها الساحرة. لكن الحورية لم تحتج لذلك فحالما رأت النباتات ذلك 
الشراب الرائق الذي لمع بيدها وكأنه نجمةٌ لامعةٌ انسحبت فزعة. وبهذا تمكنت من عبور 
الغابة والخث والسورة الفوارة بسرعة. 

اقتربت ا حوريةٌ من قصر والدها. المصابيح قد أطفئت في بهو الرقص. ونام الجميع 
في الداخل ولكنها لم تجرؤ على البحث عنهم فهي الآن خرساء وهي ترغب بأن تبتعد 


140 


عنهم إلى الأبد. وقد تقطع قلبّها من الحزن. تسللت إلى الحديقة وأخذت زهرة من كل 
عون من أخوافن زهور أخواتهاء ألقت ألف قبلة بإصبعها تجاه القصر وصعدت عاليا 
عبر البحر النيلي. 

لم تكن الشمس قد طلعت بعد عندما رأت قصر الأمير وتسلقت درجات السلم 
المرمري. القمر يلمع بصفاء رائع. شربت ا حورية الصغيرة الشراب الحارق اللاذع وكأن 
سيفا قد شرط جسدها الناعم. أغمي عليها في ا حال واستلقت كميتة. عندما أشرقت 
الشمس فوق البحر استيقظت وشعرت بآلام حارقة, ولكن الأمير الوسيم كان واقفا 
أمامها تماما وقد ثبّت عينيه الفاحمتين الجميلتين في عينيها. خفضت عينيها فاكتشفت 
بأن ذيلها قد اختفى, وقد صار لديها أرشق ساقين بيضاوين يمكن لبنت أن ملكهماء 
ولكنها كانت عاريةً لذا لحفت جسدها بشعرها الأسود الطويل. سألها الأمير عمن 
تكون, وكيف وصلت إلى هناء نظرت إليه برقة وهيام بعينيها الزرقاوين الغامقتين؛ فلم 
يكن بإمكانها النطق كما نعلم. لذا فقد أحذ الأمير بيدها وأدخلها القصر. وكما قالت 
الساحرة لها مسبقا فكل خطوة ستخطوها وكأنها تدوس على حافة مخارز وسكاكين 
حادة. ولكن لم يكن كل ذلك غير مقدور عليه. صعدت بخفة متكئة على يد الأمير 
وكأنها فقاعة وقد أعجب بها الأمير والكل لخطواتها المتمايلة الرشيقة. 

حصلت الحورية على ثياب ثمينة من الحرير وا موسلين؛ وفي القصر كانت هي الأجمل 
بين الجميع, ولكنها كانت خرساءءلم تستطع لا الغناء ولا النطق. وجاءت الجواري 
الحسناوات كي تغني للأمير ووالده الملك وأمه الملكة, الأغنية تلو الأخرى؛ وإحدى الجواري 
كانت الأفضل بينهن في صوتها الرخيم و أدائها المتقّن فصفق الأمير لها وابتسم. شعرت 
الحورية بحزن عميق فهي تعلم أنها كانت تغني أجمل بكثير! فكرت مع نفسها: " آه لو 
يعلم أني قد منحت صوتي إلى الأبد ثمنا من أجل أن أكون عنده!" 

بعد ذلك قامت الجواري الحسناوات بالرقص رقصات بديعة على أنغام موسيقى 
فائقة الروعة. فما كان على الحورية الصغيرة إلا أن رفعت ذراعيها الجميلتين 
البيضاوين ونهضت على أطراف أصابعها وقايلت على الأرضية راقصةً كما لم يرقص 
أحدٌ من قبل؛ وقد تجلى حسئها في كل حركة أكثر وأكثر وحاكت عيناها القلوب أعمق 
بكثير من غناء الجواري. 


141 


كان الكل سعيدا هناك. على الأخص الأمير الذي دعاها ب طفلته اللقيطة, وقد 
رقصت ورقصت بالرغم من أنها كلما لامست قدمّها الأرض كانت وكأنها تدوسُ على 
سكاكين حادة. أخبرها الأمير بأنها ستبقى عنده إلى الأبد وقد سمح لها أن تنام عند 
عتبة داره على مخدة مخملية. 

أمر الأمير بخياطة بدلة رجالبة لها لكي ترافقّه في ركوبه الخيل. و جالا معا في 
الغابات الفواحة حيث الأغصان الخضر تضرب كتفيها والعصافير تغني خلف الأوراق 
النضرة. تسلقت مع الأمير أعالي الجبال. ورغم أن قدميها كانتا تنزفان, وبإمكان 
الآخرين رؤية ذلك, لكنها كانت تضحك وتتبع الأمير عاليا حتى يُبحر الغيم تحتهما 
كسرب طيور إلى بلد غريب. 

وعندما ينام الآخرون بحلول المساء في قصر الأميرء تتسلل خارجا لتسير على 
السلم المرمري العريض إذ إن الوقوف في ماء البحر كان يبرد قدميها المحترقتين. هناك 
عند البحر كانت تفكر بمن هم في الأسفل. 

وفي ليلة جاءت أخواتها وهنَ يمسكن يدا بيد وعَنَيّن أغنيةٌ حزينة جدا عندما عمن 
فوق سطح الماء. وقد لوحت لهن بيدها فتعرفون عليها وأخيرنها عن بالغ الحزن الذي 

ومن يومها وأخواتها يزرنها كل ليلة؛ وذات ليلة رأت من بعيد الجدة العجوز التي 
لم تصعد إلى فوق منذ سنين, ورأت ملك البحار وتاجه فوق رأسهء لقد مدا أيديهما 
تجاهها ولكنهما لم يجسرا كأخواتها على التقرب إلى اليابسة أكثر. 

تقربت ال حورية أكثر وأكثر إلى قلب الأمير الذي أحبها كما يحب المرء طفلا عزيزا 
عليه. أما فكرة أن يتوجها ملكةٌ له. فهذا ما لم يكن يفكر به إطلاقا. ولكن لابد من 
أن تكون زوجته وإلا فلن تحصل على روح خالدة. بل ستتحول إلى زيّد فوق سطح البحر 
صباح زواجه. 

" ألا تحبني أكثر من الكل!" قالت عيئا الحورية الصغيرة عندما أخذها بين ذراعيه 
وقبل جبهتها البهية. 

أجابها الأمير, " بالطبع, أنت الأحب إلى قلبي؛ فلك أطيب قلب من بينهنء وأنت 
تكادين أن تكوني الأكثر إخلاصاء وأنت تشبهين أيضا فتاةً شاب قابلتها مرة ولكني 


142 


أشك في أن أراها ثانية, كنت في سفيئة غارقة والأمواج جرفتني إلى سطح يابسة قرب 
معبد مقدس كان فيه العديد من الفتيات اللواتي يخدمن فيهء أصغرهن عثرت علي 
عند الساحل وأنقذت حياتي, لقد رأيتها مرتين فقطء كانت الوحيدة التي أحببتها في 
هذا العالم, ولكنك تشبهينها وكأنك تخفين صورتها عن روحي, إنها تنتمي إلى ذلك 
المعبد المقدس, لهذا السبب أرسلّك حظي الجميل إليء لن نفترق أبدا!" 

وفكرت الحورية الصغيرة: أوه. هو لا يعلم أنني أنا التي أنقذتُ حيائه. لقد حملته 
عبر الماء إلى الغابة حيث المعبد. وكنت جالسةً خلف الزيد أراقب مرور بشر هناك من 
أجل إنقاذه. ورأيت تلك الفتاة الحسناء التي يعشقها أكثر مني!" تنهدت الحورية بعمق 
ولم تتمكن من البكاء. " الفتاة تنتمي إلى المعبد المقدس, لن تخرج إلى العالم أبدا كما 
قال, لن يلتقيا أبدا بعد الآنء وأنا عنده, أراه كل يوم؛ أعتني بهء أحبّه, أضحي 
بحياتي من أجله!" 

ولكن يقال بأن الأمير سيتزوج من الابنة الجميلة للملك المجاور لهم ولهذا الغرض 
سيقوم بتجهيز سفيئة تجهيزا ضخما. الأمير سيسافر ليرى بلد املك المجاور كما أعلن, 
والحقيقة هي إنه سيسافر ليقابلَ ابنة الملك. وسيتوجب عليه أن يأخذ معه وفدا كبيرا 
من المرافقين. ولكن الحورية الصغيرة هزت رأسّها وضحكت, فقد كانت تقرأ أفكار 
الأمير أفضل من الآخرين. قال لها " لابد لي من السفرء يجب أن أرى تلك الأميرة 
الحسناء كما أمرني والداي. ولكنهما لا يرغبان في إجباري على المجيء بها هنا 
كعروس ليء لا يمكنني أن أحبّهاء هي لن تشبه تلك الفتاة الفاتئة في المعبد والتي 
تشبهينهاء إن كان لي أن اختار يوما فستكونين بلا شك أنت. يا طفلتي اللقيطة 
الخرساء ذات العيئين الناطقتين!", قز فنها الأعير ويك برها الطويل ووضع 
رأسه عند قلبها فحلمت هي بسعادة البشر والروح الخالدة. 

وعندما صعدا إلى السفينة الفخمة التي كانت ستقودهما إلى بلد الملك المجاور, 
قالالأمير" يبدو لي أنك لا تخشينَ البحرء يا طفلتي الخرساء!" وحدثها عن 
العواصفء عن سكون البحرء عن الأسماك الغريبة في الأعماق وما رآه الغطاسون 
هناك, وقد ابتسمت لكل حكاياه فلا أحد يعلم شيئاً أفضل منها عن قاع البحر. 

في تلك الليلة المقمرة الصافية وقد نام الجميع. عدا القبطان الذي وقف عند الدقة, 


143 


جلست الحورية الصغيرة عند حافة سياج السفينة تحملق في الأسفل عبر الماء الصافي 
وقد رأتْ قصر والدهاء و في أعلى القصر وقفت الجدة العجوز يتاجها الفضي على 
رأسها ترنو إلى الأعلى عبر تيارات الماء القوية عند أسفل السفينة. لحظتها طلعت 
الأعرات افون الماذ» نظرة إليها بخزق ديد وفركن أيديهن البيطن» لوعت الهن يدها 
وهي تبتسم, كانت تود أن تخبرهن بأن كل شيء يسير معها بشكل جيد وهي سعيدة, 
لكن الملاح تقرب منها كثيرا فغطست الأخوات تحت الماء. واعتقد الملاح حينها أن الذي 
رآه كان مجرد زيد أبيض على سطح البحر. 

في صباح اليوم التالي رست السفينة في ميناء مقاطعة املك المجاور الراقية. دقت 
أجراس جميع الكنائس وقد تُفحَ بالبوق بينما وقف الجنود بأعلامهم المرفرفة والحربات 
اللامعة. وقد أقيمت الإحتفالات يومياء حفلات ورقص يتوالى: ولكن الأميرةً لم تظهر 
بعد. وقد قيل إنها تربت بعيدا في معبد مقدس لكي تتلقى الدروس في حسن التصرف 
والآداب. ولكنها أخيرا حضرت. 

وقفت الحورية الصغيرة متلهفة لرؤية جمال الأميرة وكان عليها أن تعترف بذلك, 
فلم تر في حياتها قواما أجمل من الذي رأته. جلدها كان ناعما صافيا وخلف الرموش 
الغامقة اللون ضحكت عينان سوداوان صادقتان. 

قال الأميرء " إنها أنت. أنت التي خلصتني عندما كنت ملقى جثةً عند الساحل!" 
عضن العروس العورد: خجلا ينا راع قال للجورية العفيرة:* |نا ان اده 
السعادة. لقد تحقق ما لم أجرؤ على تني تحققه. ستسعدين لسعادتي فأنت التي تُحبني 
اكثر من المسيع1* قيلت الورية الضغيرة يده وشتعرتا حينها أنافلتها سينقطر عزنا : 
فصباحه الأول بعد زواجه سيعني موتها وتحولها إلى زبد فوق سطح البحر. 

ودقت كل أجراس الكنائس ودار المنادون في الأزقة فوق خيولهم معلنين الخطوبة. 
وحرقّت زيوت العطر الثمينة في كل مذابح الكنائس في مصابيح ثمينة من الفضة. 
ودار القساوسة بأوعية البخور. وشبك العروس والعريس أيديهما وقد باركهما الأسقف. 
ارتدت حورية البحر الصغيرة الحرير والذهب ووقفت ممسكة بإكليل العروس, لكن أذنها 
لم تسمع الموسيقى الإحتفالية وعينها لم تر الطقوس والشعائر الديئية فقد كانت تفكر 
بليلة موتهاء وبكل ما خسرته في هذا العالم. 


144 


ذات المساء صعد كل من العروس والعريس فوق السفينة, فأطلقت المدافع, 
ورفرفت الأعلام وشيدت وسط السفيئة خيمةٌ كبيرة من الذهب والمخمل الأرجواني مزودة 
بأحلى الوسائد. حيث سيقضي فيها العروسان ليلة هادئة باردة. 

انتفخت الأشرعة في الريح وانزلقت السفينة يخفة إلى البحر الصافي. 

وعندما حل الظلام أوقدت القناديل الملونة ورقص البحارة بمرح على سطح 
السفيئة. كانت ال حورية الصغيرة تفكرٌ بأول مرة صعدت فوق سطح البحر ورأت ذات 
الجمال والفرح. ودارت معهم في الرقص. تتخاطف كالسنونوة عندما تطاردء وقد حياها 
الجميع إعجابا فهي لم ترقص مثل هكذا رقص رائع كهذا من قبل لقد أحست وكأن 
سكينا حادة قطعت قدميها الناعمتين ولكنها لم تهتم لذلك فجرح قلبها كان أكثر ألما 
هي تدرك جيدا أنها الليلةٌ الأخيرةٌ التي تراه فيها. هي التي تركت أهلها ووطنها و 
منحت حنجرتهًا الذهبية من أجله. لقد قاست آلاما ليس لها نهاية دون أن يفكر بها 
إطلاقا. إنها الليلة الأخيرة التي ستتنفس فيها الهواء الذي يتنفسه. نظرت إلى البحر 
العميق والسماء الزرقاء المرصعة بالنجوم, تنتظرها ليلة أبدية بلا أفكار أو أحلام؛ لم 
تملك روحا ولم تفز بها. ولم يكن غير الفرح والمرح فوق السفينة الذي استمر حتى بعد 
منتصف الليل وهي تضحك وترقص مع فكرة ال موت في قلبها. قبل الأمير عروسّه و 
لعبت الأميرة بشعره الأسود. وسارا كتفا لكتف ليستريحا في خيمتهما الفخمة. 

عم الهدوء السفيئة. لم يكن هناك غير القبطان واقفا 55 السفينة. وضعت 
حورية البحر الصغيرة ذراعيها البيضاوين على حافة سياج السفينة تنظر تجاه الشرق 
إلى احمرار الصباح وهي تعلم أن أول شعاع شمس سيقتلها. فجأةً رأت أخواتها 
يصعدن فوق سطح البحر. كن شاحبات مثلها ولم يعد شعرهن الطويل يتطاير مع الريح 
فقد كان مقصوصا؛ " لقد منحناه للساحرة لتقدم النجدة لك. كي لا تموتي هذه الليلة! 
وأعطتنا سكيناء هذه هي! هل ترين كم هي حادة؟ قبل شروق الشمس عليك غرزها 
بقلب الأمير, وحين يطفر الدم على قدميك, سيئموان إلى ذيل سمكة وستصيرين حورية 
بحر من جديدء سيكون بإمكانك النزول إلينا في الماء وستعيشين أعوامك الثلاثمائة 
قبل أن تتحولي إلى الرغوة الميتة المالحة. هيا اسرعي! يجب أن يوت واحد منكما قبل 


145 


أن تشرق الشمس! إن جدئنا العجوز نادبةٌ. تساقط شعرها الأبيض بسببك. كما تساقط 
شعرنا تكن تخت مقص المتاعرة: اقتلي الأفين وعوؤي! السرعي: ألا رين اخلط الحم 
في السماء؟ بعد دقائق ستشرق الشمس وستموتين!" وأطلقن تنهيدة عميقة غريبة وغبن 
في الموج. 

رفعت الحورية الصغيرة طرف السجادة الأرجوانية على الخيمة فرأت العروس 
الحسناء نائمةً على صدر الأمير. انحنت ال حورية عليه لتقبله على جبهته البهية. نظرت 
إلى السماء حيث احمرار الصباح أضاء أكثر وأكثرء نظرت إلى السكين الحادة ومن ثم 
ثبتت عينيها على الأمير الذي كان يذكر اسم عروسه في أحلامه. لم يكن غيرها في 
فكره وخياله. عندها ارتجت السكين في يدهاء فألقتها بعيدا في الموج الذي شع احمرارا 
في المكان الذي وقعت فيه السكين. بدا وكأن قطرات دم تصعد من الماء. نظرت ثانية 
نظرةً نصفّ متحجرة إلى الأمير قبل أن تُلقي بنفسها من على ظهر السفيئة إلى البحر 


وقد شعرت بجسدها وهو يذوب ويصير رغوة. 


صعدت الشمس من البحر وسقطت أشعتها رقيقة دافئة على زبد البحر الميت 
البارد وا حورية الصغيرة؛ ولكنها لم تشعر با موت. رأت الشمس المشرقة. ومن فوقها 
حَلقَتْ مئات من المخلوقات الشفافة الجميلة, كان يمكنها رؤية شراع السفينة الأبيض 
وغيوم السماء الحمراء عبرها. كانت أصواتها ألحانا ولكنها أنفاس روحيةٌ لا تسمعها 
آذان البشرء كذلك لا تراها عين بشر. حلقت بلا أجنحة بخفتها في الهواء. رأت حورية 
البخر المتعيزة أن ليااعسناً كاحسمهم زقد ارنف فلئلا ليلا من الريد 

" لمن أنا آتية؟" سألت الحورية الصغيرة وقد رن صوتها مثل المخلوقات الأخرى, 
صوت روحي لا يمكن لأي موسيقى أن تأتي بثله. 

أجاب الآخرون: " إلى بئات الريح: الحورية ليس لها روح خالدةٌ و لا يمكن أن 
تحصل عليها مطلقا إن لم تفز بحب إنسان من البشرء حيائها الخالدة رهن الآخر 
الغريب. بنات الريح لا يملكن روحا خالدة كذلك ولكنهن بالأعمال الحسنة يمكن أن 
يخلقن ذلك. نحن نطير إلى البلاد الحارة حيث هواء الطاعون الرطب يقتل الناس, هناك 
ننفحٌ الهواء البارد كالنسيم لينعش البشر. نحن ننشر عطر الزهور في الهواء ونروح عن 


146 


الناس ونطبيّهم. عندما نسعى من أجل فعل الخير طيلة الثلاثمائة عام قدر استطاعتنا 
سنفوز بروح خالدة ونحصل على سعادة البشر. وأنت أيتها الحورية الصغيرة التعيسة 
قد سعيت من كل قلبك من أجل الهدف ذاته مثكناء لقد عانيت وصبرت لذا فقد 
ارتفعت إلى عالم الأرواح الأثيرية والآن بإمكانك بفعل الأعمال ا حسنة خلق روح خالدة 
لك بعد ثلاثمائة عام!" 

ورفعت الحورية الصغيرة ذراعيها الشفافين تجاه شمس الرب ولأول مرة شعرت 
بدموعها. 

كان هناك صخب وحياة مر أخرى على سطح السفينة وقد رأت الأمير مع عروسه 
الحسناء يبحثان عنها. نظرا بأسى في الزبد الفوار وكأنهما علما بأنها سقطت في موج 
البحر. قبلت جبهة العروس قبلة غير مرئية وابعسمت له وصعدت مع أطفال الهواء 
الآخرين عاليا فوق الغيمة الوردية التي أبحرت في الهواء. 

" بعد ثلاثمائة عام سنحلّق هكذا في ملكوت الرب!" 

همست أحداهن " بإمكاننا أيضا الوصول إلى ملكوت الرب بوقت أبكر! نحن نحلق 
في بيوت البشر دون أن يرانا أحد. في الأمكنة حيث يتواجد الأطفال. وكل مرة نجد فيها 
طفلا مؤدبا يُسعد والديه ويستحق حبهما يقصّر الله وقت اختبارناء فالطفل لا يشعر بنا 
ونحن نطير عبر غرفته. وعندما نبتسم لهء سعؤخذ سنة من الثلائمائة, ولكننا عندما نرى 
طفلا مشاكسا وشريرا نبكي حزنا وكل دمعة تضيف يوما إلى وقت اختبارنا" 


كتبت في عام/41١‏ 


107 


ثوب القيصر الجديد 


منذ زمن بعيد كان هناك قيصر يعشق الثياب الجديدة الأنيقة عشقا كبيرا حتى إنه 
أنفق كل ماله على زينته. لم يكن يعجبه جنوده ولا المسرح الكوميدي أو استقلال 
العربة للنزهة في الغابة إلا من أجل أن يستعرض ثيابه الجديدة. فهو يرتدي بدلة لكل 
ساعة خلال اليوم الواحد وبدل أن يقال عن الملك بأنه جالس بين مستشاريه ووزرائه 
كالعادة يقول الناس عنه هنا: " القيصر في خزانة الثياب!” 

وقد كان الكثير من الغرباء يزورون المدينة الكبيرة التي يسكن فيها القيصر كل 
يوم ئما يخلق حيوية ويجلب متعة. ذات يوم جاء محتالان ادعيا بأنهما حائكان يفهمان 
في الصنعة وينسجان أجمل الثياب التي لم ترها عين. ولم تكن الألوان وحدها أو 
النقوش فريدة من نوعهاء بل الثياب التي تُخاط من ذلك القماش لها ميزة عجيبة هي 
انها تصير غير مرئية للناس الذين لا يصلحون لوظائفهم أو كانت على درجة كبيرة جدا 
من الغباء. 

إنها لملابس جميلة تلك التي ينسجونها!" فكّر القيصر؛ " بارتدائها يمكنني 

معرفة أي من الرجال الذي لا يَصلُّح لوظيفته في مملكتي, يمكنني فرز الأذكياء عن 
الأغبياء! أجل, هذه الثياب يجب أن تُنْسّج لي بالحال!" ومنح القيصر عربونا للمحتالين 
ليبدآ العمل. 

نصب المحتالان نوليهما وتصنعا العمل.لم يكن هناك خيط واحد على النول, كانا 
يطلبان باستمرار أرقى أتواع الحرير وأنقى الذهب؛ يضعانه في كيسهما ويعودان 
ليشتغلا على الأنوال الفارغة حتى وقت متأخر من الليل. 

" آن الأوان لأرى مقدار ما أنجزاه من نسج الشياب!” فكر القيصر. ولكنه كان 
منقبض الصدر لفكرة أن الأغبياء أو غير الأكفاء لوظيفتهم لا يمكنهم رؤية الثوب؛ وقد 


149 


فكر هو بأن الأمر لا يستوجب قلقه بشأن نفسه. ولكنه على الرغم من هذا سيرسل أحدا 
أولاً ليرى كيف تسير الأمور. وعلم الناس جميعا في المدينة أيةٌ قدرة عجيبة تملك هذه 
الثياب؛ وكان الكل يطمع في معرفة ما إذا كان جاره سيئا أو غبيا. 

"' سأرسل وزيري الناصح العجوز إلى الحائكين!" فكر القيصرء " إنه أفضل من 
سيخبرني كيف ستبدو تلك الثياب لأنه متبصّرٌ في كل الأمور وليس هناك أكثر منه 
جدارة لوظيفته!" 

ذهب الوزير المخلص الناصح العجوز إلى البهو حيث جلس المحتالان يعملان على 
نوليهما الفارغين. " لا حول ولا قوة إلا باللهء" قال الوزير في سره وقد فتح عينيه على 
وسعهما تاما! " ولكئني لا أرى شيئا!". هل يفتح فمّه ليقولٌ ذلك؟ بالطبع لا. 

دعا المحتالان الوزير أن يتفضلّ ويقترب من النول. سألاه رأيه في تلك النقشة 
الرائعة والألوان الجميلة. وأشارا بيديهما إلى النوكيّن الفارغين, والوزير المسكين يحاول أن 
يفتحّ عينيه على وسعهما أكثر وأكثر ولكنه لم يتمكن من رؤية شيء لأنه لم يكن هناك 
شيء " يا إلهي!" قال بسّره. " أ أنا غبي! لم أعتقد ذلك أبدا ولا يجب أن يعلم أحد 
بذلك! أ لست كفئاً لوظيفتي؟ لا. لا من الصعب علي أن أقول لا يمكنني رؤية الثوب!" 

" أرى حضرتك لا تقول شيئا عن الثوب!" قال الأول الذي كان بدا وكأنه ينسع! 

قال الوزير العجوز وهو ينظر عبر عويناته: " يا له من ثوب لطيف. رقيق جدا! 
ما أحلى كل هذه النقوش وكل هذه الألوان! سأخبر القيصر بأنني مقتنع جد بالثوب!" 

" هكذا إذاً. إن هذا ليسعدنا كثيرا!" قال الحائكان وذكرا أسماء الألوان والنقوش 
الغريبة. والوزير ينصت جيدا ليتمكن من قول الشيء ذاته عندما يعود للقيصرء وذلك 
ما فعله. 

طلب المحتالان المزيد من النقود. الحرير والذهب ليستعملائه من أجل النسج 
والذي أتخما كل جيوبهما به ولم تظهر ولو شعرةٌ على النول. وبقيا على هذا ا حال 
كالسايق يعملان على الأنوال الفارغة. 

ثم أرسل القيصر وزيرا ناصحا آخر ليرى كيف تسير الأمورء وإن كان نسج الثوب 
ند قارب على الإنسهاء آم لا: و حصل الشيء ذاتهمعه .يقي الوزير ينظر وينظرء 
وغير الأنوال الفارغة لم يتمكن من رؤبة شيء. 


130 


قال المحتالان, بعد أن عرضا له الثوب وشرحا له الكثير عن النقوش الجميلة والتي 

لم تكن بالأصل موجودة نهائيا: " ألا تظن أنها قطعةٌ جميلة!". 
لست غبيا!" فكّر الرجل, " لا بد أنها الوظيفة التي أنا لست جديراً بها؟ إنه 

أمر عجيب بحق! ولكن لا أحد يجب أن يشعر بذلك!" لذا عبّر عن إعجابه بالثوب 
الذي لم يره وأكّد لهما فرحه بالألوان الرائعة والنقوش الجميلة. 

" إنه رقيق جدا!" قال للقيصر. 

وتحدث كل الناس في المدينة عن الثوب فائق الروعة. ود القيصر رؤيته الآن وهو 
ما يزال على النول. 

رافق القيصر جمع من الرجال المنتخبين ومن بينهم الموظفان الإثنان المخلصان 
العجوزان اللذان كانا قبلاً هناك لرؤية المحتالين الغشاشين اللذين كانا يعملان بكل جهد 
ولكن من دون شعرة أو خيط. " أ لا تظنه باهرا في جماله!" قال كل من الوزيرين 
المخلصين الناصحين. " أ يود جلالتكم رؤية نقوش الشوب وألوانه!" وأشارا إلى النول 
الفارغ إذ اعتقدا بأن الآخرين يرون الثوب بلا شك. 

" ماذا!" فكر القيصر. " لا أرى شيئًا! ذلك فظيع؛ هل أنا غبي! ألا أصلح أن 
أكون قيصراً؟ هذا أفظع ما يمكن أن يحدث؛., " يا له من ثوب رائع؛" قال القيصر." 
يستحق أن ينال كل إعجابي!": وهر رأسه دلالة على الرضى متأملا النول الفارغ؛ لم 
يشأ أن يقول بأنه لم ير شيئا. وحتى الجمع المرافق له أخذ ينظرٌ وينظر ولكنه لم يحصل 
على نتيجة غير التي حصل عليها الآخرون, وقالوا ما قاله القيصرء " يا له من ثوب 
رائع!" ونصحوا القيصر بأن يرتدي هذه الثياب الفخمة بمناسبة الإستعراض الكبير المقرر 


إقامته قريبا. 

" إنه رائع! رقيق! مدهش!" انتقلت من فم إلى فم وكان الجميع مبتهجا من 
الأعماق هناك في البهو. 

منح القيصر كلا من المحتالين نوطأ يُعلق في ثقب الأزرار ومنحهما لقب 
"النساجون النبلاء". 


وسهر المحتالان الليل كله قبل بدء النهار الذي سيقام فيه الإستعراض وكان هناك 
أكثر من ستة عشر مصباحا موقدا. رأى الناس كيف كان المحتالان مشغولين من أجل 


1531 


انهاء نسج ثوب القيصر الجديد. وكأنهما يرفعان الثوب من على النول. ويقصان في 
الهواء بمقصين كبيرين ويخيطان بإبر خياطة بلا خيوط وفي النهاية قالا: " ها هو الثوب 
جاهز الآن!" 

حينها حَضَرَ القيصر بنفسه مع مرافقيه رفيعي المستوى ورفع المحتالان الكُمٍ بعد 
الآخر في الهواء وكأنهما قد حملا شيئا وقالا: " ها هو السروال! وها هي البدلة! وها 
هو المعطف! إنه خفيف كنسيج عنكبوت! حتى ليظن المرء بأنه لا يرتدي شيئا على 
جسده وهذه هي ميزته!" 

" أجل!" قال المرافقون جميعاء ولكنهم لم يستطيعوا رؤية شيء لأنه لم يكن هناك 
شي ء. 

" أ يتفضل جلالة القيصر ويسمح بأن يخلع ثوبه!" قال المحتالان, " كي تُلبسك 
الثوب الجديد. هنا أمام المرأة!". 

خلعٌ القيصر كل ثيابه وتصنّع المحتالان حملهما لقطع الشياب الجديدة التي من 
المفترض أنهما أخاطاها وناولاها القيصر القطعة تلو الأخرى, واستدار القيصر جهة المرأة. 

" يا إلهي كم هو لائقّ هذا الثوب عليك. مقاس مضبوط بشكل جميل!" قال 
الجميع." أية نقوش, أية ألوان رائعة, إنه لثوب ثمين!". 

بعدها قال رئيس إدارة الإستعراض: " المظلة تنتظر جلالتك في الخارج لمرافقتك 
إلى الإستعراض!" 

وأنا جاهز أيضا!" قال القيصرء " هل أبدو جميلا به!" واستدار مرة أخرى أمام 

المرآة كما لو أنه يتأمل زيئتّه بالفعل. 

توجب على الخدم حمل ذيل الثوب فتلمسوا بأيديهم الأرض وكأنهم يرفعونه, 
ومشوا رافعين أيديهم في الهواء ولم يجرؤوا على ترك انطباع بأنهم لم يروا شيئا. 

وسار القيصر في الإستعراض تحت المظلة وردد الناس الذين كانوا في الشارع 
والشبابيك: يا إلهي. ثوب القيصر الجديد فريد من نوعه! وأي ذيل جميل لهذا الثوب! 
كم يبدو القيصر مباركاً به! " لم يكن أحد يرغب بأن يدع الآخرين يشعرون بأنه لم ير 
شيئاء إذ بهذا يعد أما غير كفء لوظيفته أو على درجة كبيرة من الغباء.لم يكن لأي 
ثوب من ثياب القيصر أن يحصل على مثل هذا الثناء. 


132 


" ولكنه لا يرتدي شيئا على جسده!" قال طفل صغير. " أستغفر الله؛ اسمعوا ما 
يقوله هذا الجاهل!" قال الأب؛ وأخدّ الواحد يهمس للآخر ما قاله الطفل. 
ولكنه لا يرتدي شيئا على جسده!" صاح الناس. 
اقشعر جسد القيصر إذ علم بأن الناس كانوا على حق ولكنه فكّر بالتالي:" علي 
الصبر حتى انتهاء هذا الاستعراض". مشى مزهوا بظهر أكثر استقامة وسار الخدم خلفه 
حاملين الذيل الذي لا وجود له. 


كتبت في عام ١41/‏ 


1533 


الحكايات الخرافية للفتوة من 
81“8 | - 455 


155 


زهرة البابونج البرية 


سأقصّ عليك هذه الحكاية 

كان هناك في الريف وقتريبا من الطريق الزراعي مرج للنزهة, لابد وأنك ققد 
شاهدته يوماً. وعند المنحدر وأمام حديقة صغيرة ملأى بالزهور ذات سياج خشبي 
مطلي. فت في منتصف العشب الأخضر زهرة بابونّج صغيرةٌ. وكما تشرق الشمس على 
الأزهار الكبيرة البالغة الجمال في الحديقة تشرق حارةٌ جميلةً على تلك النبتة؛ لذا فقد 
كانت تنمو وتكبر ساعة بعد ساعة. بدت الزهرة ذات صباح متفتحةً بهيةٌ بأوراقها 
الصغيرة البيضاء اللامعة مثل أشعة حول تلك الشمس الصفراء الصغيرة.لم تفكرٌ تلك 
الزهرة بأن لا أحد يلتفت إليها هناك في العشب ولم تفكر بأنها كانت زهرةٌ فقيرةٌ 
مُحتقّرةً. كلاء بل كانت مستمتعةً تستديرٌ باتجاه الشمس الدافئة وتنظر عالياً إليها 
وهي تنصت إلى طير القبرة وهو يغني. 

وذات يوم كانت نبتةٌ البابونج فيه سعيدةً جداً وكأنه يوم عيدء كان هو يوم الإثنين 
بينما كان الأطفال يجلسون على مصاطبهم الدراسية ليتعلموا شيئاً في المدرسة. في 
ذلك اليوم جلست نبتةٌ البابونج على ساقها الأخضر الصغير تتعلّم من الشمس الدافئة 
ومن كل ما حولها عن عظمة الخالق. أحبّت كثيراً غناء القَبّرّة الذي سمعته بوضوح. كل 
ما شعرت به في ذاك الهدوء كان جميلاً. وكانت النبعة تنظر بنوع من الإحترام إلى 
الطير ا موهوب الذي بإمكانه الطيران والغناء ولكنها لم تكن متأثرةً لكونها لا تتمكن 
من ذلك. بل كانت تفكّر هكذا:" أنا بإمكاني أن أرى وأسمع. الشمس تشرق علي 
والريح تقبلني. يا لسعادتي, كم أنا محظوظة". 

كان هناك الكثير من الزهور المنتتصبة الراقية داخل السياج الخشبي للحديقة. 
كلما قل عبيرها زادت تعالياً. ونفحّت زهور الفوانيا نفسها لكي تصير أكبر من الوردة 


1537 


الجورية ولكنه ليس الحجم الذي يجعلها كبيرة إطلاقاً. كان لزهرات التيوليب أبدعٌ 
الألوان وقد كانت تدرك ذلك لذا أبقت سيقانها منتصبةً لكي تُبررَ جمالها. لم ينتبهوا 
أبدا إلى نبعة البابونج الصغيرة هناك خارج الحديقة, والتي كانت تنظر إليهم وتفكر: 
"كم هم أغنياء وجميلون, هؤلاء الذين يحلّقٌ الطير المدهش ويحطٌ عندهم بزيارة. حمدا 
لله أني أسكن قريب منهم فيمكنني رؤية كل هذا الجمال". وبينما كانت تفكر شدا طير 
القبْرة الذي حلّق طائرا ولم يحطّ عند الفوانيا ولا التيوليبء لقد نزلٌ إلى عشبة البابونج 
الفقيرة التي تَلكّها الفزع من شدة فرحها بحيث انها لم تعرف عندها ما الذي تفكر به. 

رقص الطيرٌ حولها وغتى:" يا له من عشب ناعم, وانظر أي زهرة صغيرة حلوة 
بقلب من ذهب وثوب من فضة ". بدت الدائرة الصفراء حقاً مثل الذهب والأوراق 
الصغيرة حولها بلون أبيض مفصّض. 

ليس هناك أحدٌ سيكون سعيداً بمثل سعادتهاء فمن الصعب فهم ذلك. قبّلها 
الطير بمنقاره وغنّى لها وطار مرةً ثانية محلقاً في السماء الزرقاء. مر من الوقت ربع 
ساعة قبل أن تعود النبتة إلى وضعها الطبيعي. بابتسامة شبه خجولة وبفرحة في 
أعماقها نظرت نبتة البابونج إلى الأزهار في الحديقة التي رأت كيف تشرفت بزيارة 
الطير والسعادة التي أحسّت بهاء إنها تفهم ولا شك أي سعادة كانت عليها نبتةٌ 
البابونج. بقيت زهور التيوليب منتصبةٌ في مكانها كما كانت قبلاً ولكن وجومها كانت 
مدببةٌ جداً و حمراً من الحسرة. كانت زهور الفوانيا برؤوس سمينة ممتلئة؛ ولحسن الحظ 
لم يكن بإمكانها التحدث وإلا لكانت نبتةٌ البابونج قد حصلت على كلمات لا تسر لها 
أدْن. وقد رأت النبعة المسكيئة أن الزهورَ لم تكن بمزاج رائق. في اللحظة ذاتها لمحت 
النبعة فعا تديغل الحديقة وبيدهاً سكين كبيرة غادء لامعة: وتوخهت مباغرة إلى زهور 
التيوليب وأخذت تقطع الواحدة بعد الأخرى بالسكين. " آخ" تنهدت نبتة البابونج 
الصغيرة وقالت:" إن هذا لفظيع: ها قد انتهت دون رجعة". وذهبت الفتاة بعيدا بزهور 
التيوليب. كانت نبتة البابونج سعيدةً لأنها كانت ما تزال وسط العشب وانها زهرةٌ 
صغيرة فقيرة. كانت ممتنّةٌ جدا وعندما غابت الشمس أطبقت أوراقها ونامت, وحلّمت 
طيلة الليل بالشمس والطير الصغير. 

في صباح اليوم التالي تفتحت مره ثانيدٌ ومددت كل أوراقها البيض مثل أذرع 


158 


صغيرة تجاه الهواء والضوء. تعرقت على صوت الطير ولكن غناءه كان حزيناً جدا. 
كان للطير أسبابه القوية فلقد اصطادوه ووضعمه في قفص عند النافذة. غنّى عن 
طيرانه بحرية وسعادة في الفضاء. غنّى عن حقول القمح ا خضر وعن سفره الجميل قدياً 
بجناحيه عالياً في الهواء. لم يكن الطير المسكين سعيداً فقد قُبِضّ عليه وها هو حبيس 
في القفص. 

منت النبتة الصغيرة أن تساعده من أعماقها ولكن كيف ستتمكن من ذلك؟ نعم, 
كاوق السعن مباهدتة تبنت فاه كل ما هو صميل ابن رليا سيت ذه 
الشمس المشرقة, نسيت جمال بياض أوراقها. يا للوعة, لم تفكّر إلا بالطير السجين 
والذي لم يكن بوسعه عمل شيء. 

حينها خرجّ ولدان من الحديقة. كان بيد أحدهما سكين حادة لامعة مثل التي كانت 
عند الفتاة لقطع زهور اليوليب. مشى الولدان تجاه نبتة البابونج الصغيرة التي لم 
تعرف ما كان يئويان فعله. 

قال الأول:" هنا يمكننا اقتطاع كتلة من الطين بها عشب للقبرة". وبدآ بقطع مربع 
عميق حول نبتة البابونج التي كانت في منتصفه. و قال الثاني:" اقلع هذه النبتة". 
ارتجفت نبتة البابونج من الخوف إذ ستموت إن اقتلعوها. وهي الآن ترغب بأن تعيش, 
فهما سيحملائها مع الطين إلى قفص الطير. 

فقال الأول:" لاء دعها في مكانهاء إنها تزين قطعة الطين". وأبقيا النبتة في 
مكانها وحملاها مع الطين إلى داخل القفص للطير. 

ولكن الطير شكا حبسه بصوت عالٍ وبكى حريته وأخذ يضرب بجناحيه قضبان 
قفص الحديد. لا يمكن لنبتة البابونج الصغيرة النطق,لم تتمكن من قول كلمة تُصَبْرٌ فيها 
الطيرء رغم أنها كانت تود ذلك. وهكذا مر وقت ما قبل الظهر. 

قال الطير السجين: " لا يوجد ماءً هناء جميعهم خرجوا ونسوا أن يعطوني قطرةً 
ماء للشرب, حنجرتي ناشفة تحرقني, في جوفي نار وثلج والهواء ثقيلٌ جداأً. يا ويلي, 
سأموت بعيدا عن أشعة الشمس الحارة, بعيداً عن العشب الطريء وعن كل الجمال 
الذي خلقه الله". ونبّتَ منقاره في قطعة الطين الباردة لينتعش قليلاً. حينها سقطت 
عيناه على نبتة البابونج فحياها وقبّلها بمنقاره وقال: " ستذبلين أنت أيضا أيتها الزهرةٌ 


1539 


الصغيرة المسكينة. أنت وهذه القطعةٌ الصغيرةٌ من الطين بالعشب ستعوضاني العالم 
كله كل ورقة من أوراقك البيض هي زهرة عطرة؛ واحسرتاه, إنكما تذكرانني بكل 
الذي خشرنه. ْ 

فكرّت النبتعة: ‏ ليتني أستطيع التخفيف عنه". ولكنها لم تكن تقدر على مس 
ورقةء والعطر الذي انثال من الأوراق الرقيقة كان أقوى بكثير من الزهرة نفسها. هذا 
ما شعر به الطير أيضاً وبالرغم من معاناته من العطش ولألمه قلع العشب الأخضر من 
قطعة الطين لكنه لم يتقرب من الزهرة نهائياً. 

وحل المساء ولم يأت أحد رغم ذلك ليأتي للطير المسكين بقطرة ماءء أفرد جناحيه 
وانتابته تقلصات وأخد ينفضُ ريشه. أغنيته كانت حزينةٌ جدا. والرأس الصغير انحنى 
على الوردة وانفجرٌ قلب الطير اشتياقاً وافتقاداً. حينها لم تتمكن الزهرةٌ في نهاية 
المساء أن تطبق أوراقها على بعضها بعضاً وتخلد إلى النوم لأنه كان معلقاً مريضاً في 
القفص, يبكي الأرض التي حرم منها. 


لم يأت الولدان قبل حلول الصباح وعندما رأيا الطير ميتاً بكيا بدموع غزيرة 
وحفرا له قبرا لائقأ رين بأوراق الأزهار. وْضعَتْ جئة الطير بعلبة حمراء جميلة براسم 
دفن ملكية, هذا الطيرٌ المسكين الذي نسوه في القفص يعاني من الوحشة, يحصل الآن 
على كل هذه الزينة ويُذرق الدمع عليه. 

ولكن كتلة الطين بنبتة البابونج ألقيتَ على جانب من الطريق الزراعي. لم يفكر 
أحدٌ بالنبتة, وهي التي أحسّت بشكل خاص بالطير الصغير وأرادت التخفيف عنه. 


كتبت في عام ١8174‏ 


160 


جندي الصفيح الصامد 


كان هناك خمسةٌ وعشرون جندياً من الصفيح, ‏ جميعهم أخوةٌ أشقا لأنهم صنعوا 
من ايع ملعقة واعد. حملوا بنادقّهم في أذرعهم, ٠‏ ووجوههم مصوبةٌ 4 إلى الأمام, أما 
زيهم الجميل فكان باللون الأحمر والأزرق. الكلمةٌ الأولى التي سمعوها في هذا العالم 
عندما قح غطاء +العاده عبت انو هي: " ياه؛ إنهم جنود من الصفيح" والتي قالها 
الولد الصغير صائحاً وصفَقَ بيديه. كانت هي هديهٌ عيد ميلاده. وضّعٌ الولد الجنود 
على الطاولة وقد شابَهَ كل جندي منهم الآخر عدا واحداً فقط الذي كان مختلفاً بعض 
الشيء. كانت له ساق واحدةٌ لأنه كان آخر مَنْ صّنعء ولم يكن هناك من الصفيح ما 
يكفي له. ولكنه وقَفْ ثابتاً في مكانه على ساق واحدة تماما مثل الآخرين الذين وقفوا 
على ساقين اثنتين, ولكنه وحده الذي سيثيرٌ العجب. 

كان على الطاولة التي اصطف عليها الجنود الكثير من الألعاب ولكن الذي وقعت 
عليه العبن كانت قلعةٌ رائعةٌ من الورق, يُمكن للمرء » أن يرى ما في داخلها من خلال 
نوافذها الصغيرة. وكان خارجّها أشجار تمبط برآ صغيرة كانت مثابة بحيرة تَسبَح 
فيها بجعات من الشمع انعكست صورها على سطح المرآة. كل شيء بدا رائعاً ولكن 
الأكثرٌ روعةً كان شابةٌ صغيرةً وقفت عند باب القلعة. كانت هي الأخرى قد قُصّتْ من 
الورق ترتدي تنورةً من الكتّان الصافي وحزاماً رفيعاً أزرق على كتفيها كوشاح في 
منتصفه حلية صغيرة لامعةٌ كبيرءٌ بحجم وجهها بأكمّله. وكانت الشابة الصغيرة قَدُ 
يديها لأنها كانت راقصة باليه, كما وترفعٌ إحدى ساقيها عالياً جدا في الهواء. لذا لم 
يكن بمقدور جندي الصفيح رؤيتها وظنّ أنها بساق واحدة مثله. 

كر جندي الصفيح : " إنها تصلحٌ زوجةٌ لي. ولكنها تبدو ذات مقام رفيع 


01 


تسكن في قلعة . أما أنا فليس لدي غير علبة أتقاسمها مع أخوتي الجنودء وهو 


161 


مكانٌ لا يليق بهاء ومع هذا فيجب أن أتعرق عليها " واستلقى على طوله خلف علبة 
التبغ التي كانت ملقاةً على الطاولة. كان يمكنه من هناك رؤية تلك الفتاة الرقيقة 
بشكل أفضل والتي كانت لاتزال واقفةً على ساق واحدة دون أن تفقد توازتها. 

عندما حل المساء دخلّ الجنود في علبتهم وهب الناس في البيت إلى النوم» 
بدأت ألعاب الأطفال باللعبء" لعبة الغريب". "لعبة الحرب”, وأقامت حفلاً راقصاً. وقد 
صلصل جنودٌ الصفيح في علبتهم لأنهم كانوا يرغبون بمشاركة الألعاب في لعبهم 
ولكنهم لم يتمكنوا من رقع غطاء العلبة. كَسّارة البندق أخذت تتشقلب في الهواء. 
والطبشور بدأ يلعب ويهرج على اللوحة. لقد أحدثوا ضجَةٌ جعلت طير الكناري 
يستيقظ من نومه ويبدأ الحديث معهم ولكن بكلام مقفى, الوحيدان اللذان لم يتحركا 
من مكانيهما كانا جندي الصفيح وراقصة الباليه التي بقيت منتصبةٌ على طرف إبهام 
قدمها بيئما يداها ممدودتان, والجندي كان ثابتاً في مكانه على ساق واحدة ولم تفارق 
عيئّه الفتاةً لحظة. 

دقتَ الساعة الثانية عشرة فقَفَرَ غطاء علبة التبغ. لم يكن هناك تبعٌ في العلبة, 
بل كان هناك عفريت أسودٌ صغيرء ويا للعلبة من قطعة فنية جميلة. 

" أنتَ يا جندي الصفيح., ألا تغضُ الطرفٌ عنها؟". ولكن جندي الصفيح تصتّعٌ 
عدم السمع لما قاله العفريت. 

فقال له العفريت: " حسناً إذنء سترى في الغد ". 

وعندما حل الصباح واستيقظ الأطفال؛ وضع جندي الصفيح عند النافذة. أ كان 
العفريت أم تيار الهواء هو الذي فتمّ النافذة فجأةٌ فاندفع جندي الصفيح مرةً واحدة 
وسقط على رأسه من الطابق الثالث. حدث ذلك بسرعة مخيفة, فوقف على قلنسوته 
علقت سافه في الهواءء'ييتها استقرت تكيئه وات الحدين. بين عبر الرصيفية» - 

نزلت الخادمة والولد الصغير في الحال للبحث عنه وبالرغم من أنهما قد أوشكا 
أن يدوسا عليه فلم يتمكنا مع هذا من رؤيته. لو كان صاح: " أنا هنا" لوجداه 
بالتأكيد. ولكنه لم يجد في الصراخ العالي أمراً يليق به وهو يرتدي الزي العسكري. 

بدأت قطرات المطر تتوالى الواحدة بعد الأخرى. كان المطر غزيراً جداً. وعندما 
توقف المطر مر ولدان مُتَشردان فقال الأول: " أنظر. هناك جندي صفيح, لنجعله يُبحر". 


162 


وصنّع المتشردان قارباً من ورق جريدة ووضعا جندي الصفيح فيه وراح القارب مبحراً به 
في مجرى تصريف المياه في الشارع. والولدان المتشردان يركضان معه ويصفّقان 
بأيديهما. ويا إلهي. أيه أمواج عاتية كانت وأي تيار قويء فقد كان المطر غزيراً جدا. 
وصعد القارب الورقي ونزل؛ و استدار فجأة بسرعة كبيرة اهترز لها جندي الصفيح 
ولكنه بُقي ثابتاًءلم يرف له جفن, ينظر إلى الأمام ويحمل بندقيته في ذراعه. 

وبلحظة انرق القارب في فتحة تصريف المياه تحت الأرض إلى النفق وصار الجو 
مظلماً كما لو أنه قد دخل العلبة. فكّر جندي الصفيح: " يا ترى أين سأصل؟: إنه فعل 
العفريت ولا شكء يا لحسرتيء لو كانت الشابة الصغيرة هنا في القارب معي لما كنت 
سأهتم 0 لو كانت الظّلمة مضاعفة ". وجاء بالحال جرة ماء كبير وسأله:" هل لديك 
جواز سفر؟ هيا أرني جوازٌ سفرك". 

1 الْتَرّم الصمت ومُسك بندقيته بقوة. انطلق القارب وجرةٌ الماء 

تعيفة رهض علن أسنانه الحادة, وصاح على العيدان و القّش: " أوقفوه, لم يدفع 

ضريبةً» ولم د : 

ولكن التيار صار أقوى وأقوى, وصار بإمكان جندي الصفيح الآن لمح ضوءِ 
النهار من خلال فتحة المجاري إلى الشارع ولكنه سمّعٌ حينها أيضاً صوت خَريرٍ ماءٍ 
مندفع بقوة يجعل أشجع الجنود يرتعد إذ كان الماءً يندفع في نهاية فتحة المجاري بقوة 
عارمة خارجاً إلى قناة كبيرة. وقد كان الإبحارٌ خطيراً جدا بالنسبة إليه كما لو كنا نحن 
قد أبحَرنا في شلال كبير. 

وقد اقترب الجندي كثيراً من القناة حتى لم يعد بإمكانه إيقاف القارب الذي اندفع 
به وبقيّ جندي الصفيح المسكين جامداً قدر استطاعته فلا يجب أن يَرمُش له جَفْن. 
استدار القارب ثلاث أربعَ مرات وكان مملوءا بالماء حتى الحافة. يوشكُ على الغرق, 
والجندي واقف وسط الماء الذي وصل حتى رقبته. عُرَقَ القارب أعمق وأعمق وأخذٌ ورق 
الجريدة يذوب ويذوب؛ حتى وَصّلَ الماء إلى رأس جندي الصفيح, حينها فكرٌ براقصة 
الباليه الرقيقة التي لن يراها بعد الآن فوَصّل رنينُ أغنية لعبة يلعبها الأطفال إلى أذنه: 

" هيا إنطلق أيها المحارب: ستواجه ا موت يوم" ْ 

قَرّقَ ورقّ القارب وسقط الجندي في الماء, وعلى الفور ابتلعَنّه سمكةٌ كبيرة, ويا 


163 


لها من ظلمة حالكة في الداخل. كانت أشدّ ظلمةً من المكان داخل المجاري تحت 
الأرضء كما أن المكان هنا ضيقء ولكن رغم هذا بقي الجندي ممدداً على طوله وبندقيته 
في ذراعه. 

اندفعت السمكةٌ سابحةٌ في الماء بحركات مضطربة شتى حتى سكنت أخيرا. 
حينها اخترقها ضوء مثل شعاع برق لمم بصفاء وصاح حينها شخص ما: " ما هذاء 
جندي صفيح؟ ". كان ذلك بعد أن تم صيدٌ السمكة وبيعّها في السوق ومن ثم وصولها 
إلى المطبخ حيث قطَعَئْها الطباخة بسكين كبيرة, وأَخْرجَتْ جندي الصفيح بإصبعيها من 
خَصره وحملته إلى غرفة المعيشة حيث كان الكل بانتظار رؤية هذا الجندي العجيب 
الذي قطع الرحلةٌ هذه في بطن سمكة. ولكن جندي الصفيح لم يكن فخورا إطلاقا. 
وضع على الطاولة, وبا لغرابة هذا العالم فقد عاد جندي الصفيح إلى غرفة المعيشة 
نفسها التي كان فيها من قبل. ورأى نفس الأطفال والألعاب على الطاولة, القلعة 
الرائعة التي صنَعَتَْ من الورق وراقصة الباليه الرقيقة قيقة التي ما زالت تقفْ على ساق 
واحدة وترفع الأخرى في الهواء. كانت هي أيضا صامدةً في مكانها . بدا جندي الصفيح 
متأثراً جدا وكادت دمعدٌ من الصفيح أن تنزلٌ على خده ولكن هذا لا يُعّدُ ملائمآ . نظرٌ 
إلبها ونظرت إليه ولكنهما لم يقولا ليعضهما شيئاً. 

أمْسَكَ ولد من الأولاد الصغار باللحظة بجندي الصفيح ورماه في الموقد. ولم 
يذكر السبب لفعله هذاء وبالتأكيد إن العفريت كان وراء هذا العمل. 

وقف الجندي متوهجاً شاعراً بحرارة ساخنة لم يكن يَعرِفٌ إن كانت بسبب النار أم 
الحبّ. كما إن ألوائه اختفت هي الأخرى قاماً و لا يمكن القولٌ أن ذلك قد حدث أثناء 
السفر أو بسبب حزنه. أَخدّ الجندي ينظر إلى العذراء الصغيرة وهي تنظر إليه. فشّعرٌ بأنه 
يذوبُ ولكنه كان لا يزالٌ واقفاً ثابتا في مكانه وبندقيتّه في ذراعه. حينها انفتحَ الباب 
فجأةٌ وعصفَت الريح براقصة الباليه فطارت مثل فتاة رشيقة هيفاء إلى ا موقد عند جندي 
الصفيح, اشتعلت ثم انطفأت واختفت, وذابّ جندي الصفيح وصار بقعةٌ صغيرة. 

جاءت الخادمة في اليوم التالي لتجمع رماد الموقد فوجدت الجنديّ وقد صار قلباً صغيراً 
من الصفيح. أما راقصة الباليه فلم ب يتبق منها إلا الحلية الصغيرة : التي كانت قد تفحمت. 


كتبت في عام ١87‏ 


1604 


البجع البري 


بعيداً جدا من هنا. هناك إلى حيث تطير السنونوات حين يحل الشعاء عندناء 
عاش ملك كان له أحد عشر ابناً وابنة واحدة تدعى " إليسا". الأخوة الأحد عشر كانوا 
أمراء, يذهبون إلى المدرسة بنجمة على الصدر وسيف يتدلى على الجانب. يكتبون على 
لوحة من الذهب بطبشور من الماس. يحفظون الكثير عن ظهر قلب وبطنه؛ وبإمكان 
المرء أن يدرك بالحال أنهم أمراء. والأخت " إليسا” كانت تجلس على كرسي صغير من 
الزجاج العاكس وفي يدها كتاب مصور ثمنه يساوي نصف المملكة. 

يا للروعة. كان هؤلاء الأطفال سعداء جداً ولكن الحال لن يطول بهم هكذا. 

لقد تزوج أبوهم الذي كان ملك البلاد بأكملها من ملكة شريرة لم تعامل الأطفال 
المساكين معاملة حسنة. وقد شعروا بذلك تماما منذ اليوم الأول. 

كان القصر قد زيّن بأكمله. ولعب الأطفالَ لعبة " جاء الضيف". لكن وبدلاً من أن 
يحصلوا على الكعك والتفاح المشوي كما اعتادوا وأن يأكلوا كما يحلو لهم أعطتهم 
الملكة رملا في كوب الشاي وقالت لهم تخيلوه طعاماً وشراباً. 

بعد مرور أسبوع أرسلت هذه الملكة الأخت الصغيرة " إليسا" إلى الريف لتقيم في 
بيت أحد الفلاحين. ولم يمر وقت طويل حتى جعلت الملك يصدّق الكثير من الأكاذيب 
حول الأمراء المساكين حتى إنه لم يعد يطيق رؤيتهم بعد ذلك. 

" طيروا بعيدا إلى العالم وتدبروا أمركم" قالت الملكة الشريرة؛ " طيروا مثل طيور 
كبيرة بكماء "؛ ولكنها لم تتمكن من أن تجعل سحرها سيئاً شريراً بالكامل مثلما 
ارادت؛ صاروا إحدى عشرة بجعة برية جميلة. وقد طاروا جميعا بصرخة غريبة عبر 
شبابيك القصر فوق المتنزه والغابة. 

كان ذلك في الصباح الباكر عندما مروا بالأخت الصغيرة التي نامت في بيت 


165 


الفلاح؛ حلقوا فوق سقف البيتء داروا بأعناقهم الطويلة وخفقوا بأجنحتهم. ولكن لم 
يسمع أحدٌ شيئا أو يرى؛ لذا كان عليهم مغادرة المكان من جديد عاليا تجاه الغيوم, 
وطاروا بعيدا في العالم الفسيح حيث الغابة الكبيرة الموحشة التي امتدت أطرافها إلى 
شاطئ البحر. 

كانت الأخت الصغيرة المسكينة " إليسا" تلهو في البيت بورقة نبات خضراء فلم 
يكن لديها لُعَبٍ أطفال. ثقبت الورقة وأخذت تنظر من خلالها إلى الشمس. حينها خيّل 
إليها وكأنها قد رأت أعين أخوتها الصافية. وكلما أشرقت الشمس دافئة على خدها 
تفكر بقيّلهِم جميعا لها. 

ومر اليوم يشبه الذي سبقه. عصفت الريح عبر متسلق الورد الجوري لبيت الفلاح 
وهمست للورد: " من يمكن أن يكون أجمل منكم؟". هرت الورود رؤوسها وقالت: 

" إنها إليسا". 

وعندما جلست زوجة الفلاح يوم أحد عند الباب تقرأ في كتاب الأناشيد الدينية 
قَلَبَتَ الريح أوراقَ الكتاب وسألته: " من يمكن أن يكون أكثر ورعاً منك؟" " إنها 
إليسا". قال كتاب الأناشيد الدينية, وما قالته الورود وكتاب الأناشيد الدينية كان هو 

عندما أكملت " إليسا" الخامسة عشرة كان عليها العودة إلى بيتها. وعندما رأت 
الملكة ما صارت عليه " إليسا" من جمال تَلّكها الغضب والكره؛ ودّت لو كانت قد 
حولتها إلى بجعة برية مثل أخوتهاء ولكنها لم تجرؤ على فعل ذلك, على الأقل ليس 
في الحال فقد تمنى الملك أن يرى ابنته. 

في الصباح الباكر راحت الملكة إلى ا حمّام الذي كان مبنياً من رخام ومزيّناً 
بالوسائد الناعمة ومفروشاً بأجمل السجاد. أخذت معها ثلاث ضفادع., قبّلتهم وقالت 
لإحداهن: 

" اجلسي فوق رأس إليسا عندما تأتي إلى الحمام حتى تصير بليدة بطيئة مثلك", 

ثم قالت للثائية: " اجلسي على جبهتها حتى تصير بشعة مثلك وحتى لا يعود والدها 
يتعرف عليها ". وهمست للثالثة:" استريحي عند قلبها, اجعليها تملك قلباً أسود حتى 
تتألم من جراء ذلك", ووضعت الملكة الضفادع الثلاث في الماء الصافي الذي صار في 


166 


الحال أخضر. نادت على " إليسا" ونضّت عنها ثيابها وجعلتها تدخل الماء. وحالما 
دخلت إليسا جلست إحدى الضفادع على شعرهاء والثانية على جبهتها والثالثة على 
صدرها ولكن " إليسا" لم تشعر إطلاقا بذلك, وحالما نهضت من الماء سقطت ثلاث 
زهرات خشخاش حمر في الماء. لو لم تكن الحيوانات سامة ولو لم تقبّلها الساحرة, 
لتحولت إلى جوريات حمرء ولكنها تحولت على أية حال إلى زهور باستراحتها على 
رأسها وعند قلبهاء فقد كانت ورعة وبريئة إلى درجة أن السحر لم يتمكن منها. 

ما رأتها الملكة الشريرة فركتها بعصير الجوز كي تصير بنية قاماء دَهنت وجهها 
الجميل برهم كريه الرائحة وجعلت شعرها الجميل يتشعث. حتى صار من المستحيل 
التعرف على " إليسا" الجميلة. 

لذا عندما رآها والدها أصابه الذعر قال إنها ليست ابنته؛ تنكر الجميع لها. عدا 
الكلب المربوط و السئونوات ولكنها كانت حيوانات فقيرة ليس لديها ما تقوله. 

عندها بكت المسكينة " إليسا" وفكّرت بأخوتها الذين كانوا جميعا بعيدين عنها. 
وتسللت بقلب كسير إلى خارج القصر ومشت طوال اليوم في الحقول والمستنقعات إلى 
الغابة الكبيرة. لم تعرف وجَهُتَها ولكنها كانت حزينة جداًء وبشوق كبير إلى أخوتها 
الذين كانوا بالتأكيد مُطاردين في هذا العالم. كانت تريد البحث عنهم والعثور عليهم. 

لم يمر إلا وقت قصير حتى حل الظلام وقد صَلْتَْ طريقّهاء لذا استلقت أرضا على 
الحشيش الناعم تتلو صلاة المساء متكثة برأسها إلى جذع شجرة. كان الهدوء ممطبقا 
والهواء رقيقاً وقد شع المكان بالعشب واليراعات مثل نار خضراء. وعندما مرّرت يدها 
بحذر على أحد الأغصان سقطت تلك الحشرات الضوئية مثل شهاب عندها. 

حلمت كل الليل بأخوتها. كانوا يلعبون ثانية, كتبوا عندما كانوا أطفالا بطباشير 
من الماس على اللوحة الذهب وتصفحوا الكتاب المصوّر الذي كان ثمنه نصف المملكة. 
ولكنهم لم يكتبوا على اللوحة كالسابق أصفارا وخطوطاء لاء كتبوا عن بطولاتهم التي 
حققوها وكل ما عاشوه ورأوه؛ وكل ما في الكتاب المصوّر كان حيّاً, الطيور غنّتء 
والبشر طلعت من الكتاب وتحدثت مع "إليسا" وأخوتها ولكنها عندما قلبتَ الصفحة 
قفزوا في الحال إلى داخلها كي لا تختلط الصور. 

عندما استفاقت كانت الشمس قد صعدت عاليا. لم تتمكن "إليسا" من رؤيتها 


167 


ماما فقد نشرت الأشجار أغصانئها متشابكة متداخلة ببعضها بعضاً,. ولكن أشعة 
الشمس تحركت عبرها مثل قماش شفاف من الذهب يهّف. كان للخضرة عطرٌ والطيور 
تكاد تحط على كتفيها. سمعت خرير الماء فقد كان هناك العديد من العيون التي تصب 
جميعها في بركة لها أحلى قاع رملي؛ لقد فت الأشجار حول البركة متلاصقة ببعضها 
بعضاً ما عدا مكان كانت الظباء قد عملت فيه فتحة كبيرة دخلت إليسا عبرها إلى 
الماء الذي كان رقراقاً ولو لم تكن الريح قد مسّت الأغصان والشجيرات, لظنّت إليسا 
بأنها قد رسمت بقاع البركة فقد انعكست كل ورقة بوضوح وصفاء. سواءً الورقة التي 
شعت الشمس من خلالها أم الورقة التي كانت في الظل. 

وحالما رأت وجهها معكوساً في الماء تَلَكّها الفزع. كان بنيا غامقا وبشعاً ولكنها 
عندما رطبت يدها الصغيرة وفركت عينيها وجبهتها بِررَ الجلد الأبيض مشعاً ثانية. ثم 
نضت عنها كل ثيابها ودخلت تستحم في الماء؛ الله. لم يكن هناك أجمل من ابئة املك 
في هذا العالم. 

وعندما لبست ثيابها وضفرت شعرها الطويل قصدت عن الماء الْمتَدفّقة الفوارة 
وشريت الماء بيدها وتوغلت عميقا في الغابة دون أن تعرف وجهتها. فكرت بأخوتها 
وبالرب الرحيم الذي لن يتركها فلقد جعل تفاح الغابة ينمو ليسد جوعها. وأراها 
الأشجار التي تثقل أغصانها الفاكهة. فتناولت عندها وجبة الغداء ووضعت دعامة 
تحت أغصان الشجرة لتسند أغصانها. وراحت متوغلة في أكثر أمكنة الغابة ظلمة. 
كان المكان هادئاً جدا بحيث أنها كانت تسمع خطوات قدميها وتسمع خشخشة كل 
ورقة صغيرة وهي تتكسر تحت قدمهاء ولم تر طيراً واحداً. ولم يتمكن شعاع شمس من 
أن يتخلل أغصان الأشجار الكبيرة المتشابكة؛ والجذوع العالية كانت قريبة جدا من 
بعضها بعضاً بحيث أنها وعندما نظرت أمامها رأت سياجاً من الجذوع الواحد بصف 
الآخر يحوطها؛ آه. هنا وحشة لم تعرفها من قبل. 

الليل صار مظلما جدا؛ ولم تشع يراعة واحدة بين الأشنات. استلقت " إليسا” 
بقلب حزين كي تنام. حينها تراءى لها أن أغصان الأشجار فوقها انسحبت على 
الجانبين ونظر ربنا بعينيه الحنونتين إليها وبرزت الملائكة حول وجهه ومن تحت ذراعيه. 

عندما استفاقت صباحاً لم تكن تعلم إن كان حلماً أم حقيقةً ذلك الذي رأته. 


168 


تقدمت بضع خطوات فالتقت بإمراة عجوز تحمل سلة توت بري» أعطتها المرأة 
بعضاً منه. سألت "إليسا "المرأة العجوز إن كانت قد رأت أحد عشر أميراً يمتطون 
أحصنتهم عبر الغابة. 
"لا ”. قالت العجوز, * ولكني ريت إحدى عشرة بجعة بتيجان ذهبية يسبحن 
في النهر قريباً من هنا". 
وقادت العجوز إليسا إلى منحنى في أسفله كان النهر يشكل خلجانا بمساره 
المتلوي. وقد مدت الأشجار على ضفتي الخليج تحت "إليسا" أغصانها المكتظة بالأوراق 
إلى بعضهاء ولأن الأغصان لم تستطع أن تلتقي قلعت جذورها من الأرض محاولة 
منها لتلامس بعضها بعضاً. 
ودعت "إليسا" العجوز ومشت بمحاذاة النهر إلى حيث يتدفق ماؤه إلى الشاطئ 
العريض. 
تبدى للبنت البحر الجميل بكل اتساعه ولكن لم يكن هناك مُبحرٌ واحدٌّ في الماء, 
وم ثر قارب راعدء كيف سيعسين لها الإبتعاد إذا؟ 1 
تأملت الصخور الصغيرة التي لا تَعّد على الضفة, لقد ير الماء حواقّها فتدورت. 
زجاج. حديد. صخرء كل ما هناك انغسل وقد اعطاه الماء الذي كان أنعم بكثشير من 
يدها الرقيقة شكله الجديد. 
" في تعاقب الأمواج يُصقلٌ كل ما هو صلب. أنا أودٌ أن أكون جَلدَةٌ هكذا مثل 
هذه الأمواج, شكراً لما تعلمتّه منك أيتها الأمواج المتعاقبة الصافية. قلبي يُحدثني 
بأنك ستحملينني يوماً إلى أخوتي". 
كانت فد سقطك على الطعانب البطزية إعدق عشرة ريعنة تقر للوون لكيه 
جمعتها "إليسا" في باقة و كان عليها قطرات ماء لا يعلم أحد إن كانت قطرات ندى أم 
دموع. كان الشاطئ موحشاً ولكنها لم تشعر بذلك. إذ إن البحر كان بتغير مستمرء بل 
ما يُظهره في غضون ساعات قليلة أكثر بكثير مما تُظهره البحيرات الداخلية العذية في 
غضون عام. فلو جاءت غيمة سوداء يموج البحر وكأنه يريد أن يقول: بإمكاني أيضاً أن 
أبدو حالك اللون وحينها تهب الريح وتنقلب الأمواج ويظهر الزبد الأبيض؛ وعندما تشع 
الغيوم بالأحمر وتنام الريح يصير البحر مثل ورقة وردة؛ مرةٌ بلون أخضر ومرة بلون 


169 


أبيض. ومهما بدا البحر مستريحا عند الضفة فقد كان الماء يرتفع ببطء مثل صدر طفل 
ائم. 

عندما كانت الشمس على وشك المغيب رأت إليسا الإحدى عشرة بجعة بتيجانها 
الذهبية تطير باتجاه البر. لقد حلّقن الواحدة بعد الأخرى وقد بدون وكأنهن شريط أبيض 
طويل. حينها صعدت إليسا أعلى المنحدر واختفت خلف شجرة صغيرة. حط البجع 
قريباً منها وخفق بأجنحته البيض الكبيرة. 

وحالما نزلت الشمس تحت الماء سقط جلد البجع فجأة وبرز هناك أحد عشر أميراً 
هم أخوة إليسا. أطلقت إليسا صرخة عالية إذ بغض النظر عن مقدار ما طرأ عليهم من 
تغيير شعرت بأنهم هم, لابد وأن يكوئوا هم. قفزت بين أذرعهم ونادتهم بأسمائهم. 
وعندما رأوا أختهم وتعرقوا عليها تَلكهم الفرح, لقد صارت الآن كبيرة وجميلة. 
وأخذوا يضحكون ويبكون, وبالحال أدركوا كم كانت زوجة أبيهم شريرة في معاملتها 
لهم. 
قال الأخ الأكبر : " نحن الأخوة نطير كبجع بري طالما الشمس في السماءء وعندما 
تغيب نسترجع أجسامنا كبشرء لذا يتوجب علينا أن نجد أرضاً تحت أقدامنا عند مغيب 
الشمس فإن كنا طائرين حينها بين الغيوم سنسقط إلى الأعماق. نحن لا نقيم هناء 
هناك بلاد جميلة عند الجائب الآخر من البحر بجمال هذه الأرض ولكن الطريق إليها 
طويل؛ علينا أن نعبر البحر الواسع, وليس هناك من جزيرة في طريقنا بإمكاتنا أن 
نَبيت فيهاء لاشيء غير صخرة صغيرة تبرز في المنتتصف هناكء ليست كبيرة, إذ 
لاتسعنا إلا إذا جلسنا متراصين بعضنا بيبعض. وعندما يموج البحر هائجاً يرش ماءه 
عاليا علينا. ولكننا رغم ذلك نشكر الله ونحمده على ذلك. هناك على تلك الصخرة 
ننام كبشرء لولاها لا نتمكن من زيارة وطننا الحبيبء إذ لرحلتنا نحتاج إلى يومين من 
أطول أيام العام. لقد تسنى لنا ذلك مرة واحدة زرنا فيها الوطن؛ بقينا أحد عشر يوما 
هناك. مكنا من الطيران فوق الغابة الواسعة. ومن هناك تمكنا من رؤية القصر حيث 
ولدنا وحيث يعيش أبونا. مكنا من رؤية برج الكنيسة العالي حيث دفنت أُما. هناك 
رأينا الأشجار والشجيرات التي قت لنا بصلة قرابة, هناك حيثُ تركض الأحصنة عبر 
السهول التي رأيناها في طفولتناء والفحام الذي غنى الأغاني القديمة التي رقصنا على 


100 


أنغامها عندما كنا اطفالاً. هناك بلد أجدادناء هناك نجول وهنا وجدناك أيتها الأخت 
الصفير: العزيرة: لأيزال لديا يومان آقران سكن من أن تبقى فيهما هنا بعدها علينا 
الإبتعاد من هناء عبر البحر إلى بلاد جميلة ولكنها ليست أرض أجدادناء كيف 
سنأخذك معنا ؟ ليس لديئا لا قارب ولا سفينة. 

" كيف أتمكن من أن أحرركم من السحر". قالت الأخت. 

وظلوا يتحدثون الليل بطوله ولم يغفوا إلا بضع ساعات. 

استيقظت إليسا على صوت خفق أجنحة البجع من حولها. تحول الأخوة مرة ثانية 
إلى طيور بجع وحلقوا طائرين في دوائر كبيرة بعيدا جدا؛ ولكن أحدهم وهو الأصغر قد 
تخلف. وضع رأسه في حضنها وقد أخذت تسد جناحيه البيضاوين. كانا معا طيلة 
النهار وعند المساء عاد الآخرون وعندما غابت الشمس عادوا لهيئتهم الطبيعية كبشر. 

" غدا سنطير من هناء لا يمكننا العودة إلى هنا إلا بعد مرور عام بأكمله. ولهذا 
لايمكننا تركك, هل تقوين على مرافقتنا؟ ألا يمكتنا ولدينا أجنحة قوية أن نطير بك 
عير الور 

' أجل. خذوني معكم” 

وقضوا الليل بأكمله وهم يضفرون شبكة من لحاء الصفصاف المرن و البردي 
الصلد. حنى صارت كبيرة ومتينة تَدّدت عليها "إليسا". وعندما علت الشمس وتحول 
الأخوة مرة ثانية إلى بجع بري أمسكوا بالشبكة بمناقيرهم وطاروا عاليا تجاه الغيوم مع 
أختهم الحبيبة التي كانت لم تزل نائمة. سقطت أشعة الشمس على وجهها تحديدا لذا 
ظار أحد أخوتها قوق رأسها وَقَردَ جتاحيه ليظلل وجهها: 

كانوا على ارتفاع كبير فوق الأرض عندما استيقظت "إليسا". اعتقدت أنها 
مازالت تحلمء كان غريبا أن ترى نفسها محمولة فوق البحر في الهواء. كان على جانبها 
غصن توت ناضج شهي وحزمة من الجذور الطيبة المذاق والتي كان أصغر أخوتها قد 
جمعها ووضعها لها على جنبء وقد ابتسمت له شاكرة. كانت تعرف أنه هو الذي طار 
فوق رأسها ليظلل لها بجناحيه. 

كانوا محلقين عاليا جدا حتى أن السفيئة الأولى بدت تحتهم وكأنها نورس أبيض 
على الماء. كانت هناك غيمة كبيرة خلفهم. مثل جبل كبير وفيه رأت "إليسا" ظلها 


1/1 


وظلال الإحدى عشرة بجعة الضخمة تطير هناك. كانت كلوحة جميلة؛ أبهى بكثير مما 
رأته من قبل في حياتها. لكن وحالما ارتفعت الشمس أكثر و ابتعدت الغيمة كثيراً 
عنهم, اختفت اللوحة الظل المحلّقة. 

طاروا طوال اليوم مثل سهم يئر عبر الهواء ولكنهم كانوا يطيرون أبطأ مما اعتادوا 
فقد كانوا يحملون أختهم. 

عندها حل جو عاصف والمساء بدأ يقعرب؛ أخذت "إليسا" تَرقْبُ الشمس وهي 
تغرق ولاتزال تلك الصخرة في منتصف البحر لم تبّن للعين وتخيلت بأن البجع قد أخذ 
يخفق أجنحته أقوى وأقوى. يا ويلهاء هي السبب في عدم انطلاقهم بالسرعة المطلوية 
من المكان. فعندما تغيب الشمس تاما سيتحولون إلى بشر ويسقطون في البحر 
وبغرقون. ترجت الرٌبّ من أعماق قلبهاء ولكنها لم تر بعد الصخرة. والغيمة الكبيرة قد 
اقتربت؛ وهبات الريح القوية تنذرٌ بالعاصفة. اصطف الغيم بموجة واحدة كبيرة منذرة 
بالرعد والتي أخذت ترسل برقاً متواصلاً مثل الرصاص أمامها. 

أوشكت الشمس أن تغيب تماما. إهتزّ قلب إليسا. عندها هبط البجع بسرعة فائقة 
حتى ظنت إليسا أنها ستقع ولكنهم حلقوا ثانية. الشمس كانت نصف غارقة في البحر 
عندما لمحت إليسا الصخرة الصغيرة تحتها. لم تبدٌّ الصخرة أكبر من كلب البحر وهو يمد 
رأسه فوق الماء. غرقت الشمس سريعا وصارت مجرد نجمة؛ حينها مسّت قدم "إليسا" 
الأرض اليابسة. الشمس بدت وكأنها أطفأت آخر شرارة في ورقة محترقة. ورأت إليسا 
إخوتها يقفون يدا بيد حولها ولم يكن المكان ليتسع لأحد غيرها هي وأخوتها. لطم 
البحر الصخر وغسلهم مثل المطر الشديد المتواصل الهطول. توهجت السماء بنار ملتهبة 
أبدية وأرعدت السماء الرعدة تلو الاخرى. ولكن الأخوة أمسكوا بأيدي بعضهم بعضاً 
وغنوا نشيدا دينيا أمدهم بالشجاعة والسلوى. 

عند الفجر كان الهواء نقيا ساكناً؛ وحالما ارتفعت الشمس طار البجع مع إليسا 
بعيدا عن الجزيرة. ماج البحر عالياً وقد بدا عندما كانوا في أعالي الجو بالرغوة 
البيضاء التي تغطي سطحه الأخضر المسوّد مثل بجعات تنساب على الماء. 

عندما ارتفعت الشمس أكثر رأت إليسا أمامها أرضاً جبلية تسطع قمم ثلجية في 
حقولها. وفي منتصفها امتدٌ على طول ميل قصر بأعمدة ضخمة الواحد بعد الآخر. 


172 


وتأرجحت في الأسفل غابة نخيل وورود رائعة كبيرة مثل عجلات طاحونة. سألت 
إليسا إن كانت هذه هي البلد التي يقصدونهاء ولكن البجعات هززن رؤوسهن نفياً؛ فقد 
كان هذا هو السراب الجميل لقصر من الغيم متغيراً دوما.لم يكن البجع ليجرأ على 
إدخال بشر فيها. عندما حدقت "إليسا" به انهارت كل من الجبال والغابات والقصر معاً 
وقد انتصبت محلها عشرون كنيسة شامخة الواحدة تشبه الأخرى بأبراج عالية وشبابيك 
مدببة. تخيل لها بأنها قد سمعت صوت الأورغن وهو يصدح ولكنه كان صوت البحر 
ما سمعت. وقد اقتربت جدا من الكتائس عندما حولت جميعها إلى حشد من السفن 
أبحرت تحتها. وعندما نظرت إلى الأسفل لم تر غير ضباب البحر يركض فوق سطح 
الماء. كان ما حدث أمام عينيها بالفعل تحولا مستمرا. رأت بعدها الأرض الحقيقية 
التي ستذهب إليهاء والتي انتصبت الجبال الزرق البهية فيها وامتدت غابات الأرز 
وا مدن والقصور. 

وقبل أن تغيب الشمس بفترة جلست "إليسا" في الحقل أمام كهف كبير فت حوله 
نباتات متسلقة خضراء رقيقة فبدت الأرض مثل سجاد مطرز. 

وأراها أخوها الأصغر غرفةً نومها وهو يقول لها: ' لنر ما ستحلمين به هذه 
الليلة؟” 

" أوهء ليت بوسعي أن أحلم بطريقة أخَلْصٌّكُم فيها من السحر"؛ قالت الأخت 
الصغيرة التي كان هذا هو شاغلها الوحيد. كانت تصلي وتدعو الله من أعماقها أن 
يساعدها. كانت تتلو تلك الصلاة حتى في منامهاء فتراءى لها بأنها طارت عالياً في 
الهواء إلى سراب قصر الغيوم وقابلتها الجنية الطيبة جميلة متألقة. بل كانت تشبه إلى 
حد بعيد تلك المرأة العجوز التي أعطتها بعضاً من التوت البري وحدئتها عن الإحدى 
عشرة بجعة التي تحمل تيجاناً من الذهب على رأسها. 

وقالت لها المرأة: " يمكنك أن تخلّصي أخوتك من السحر ولكن هل لكين 
الشجاعة والصبر؟ صحيحٌ بأن ماء البحر أنعم من يديك وبإمكانه أن يشكّل الحصى 
الصلب كما يشاءء لكنه لا يشعر بالألم خلالهاء أصابعك ستشعر بذلك؛, فالبحر ليس 
لديه قلب, ولا يعرف الخوف ولا يشعر بالوجع الذي سيتوجب عليك أن تتجرعيه. هل 
ترين نبات الحراق هذا الذي في يديء ينمو الكثير منه حول الكهف حيث تنامين. وحده 


1/3 


نبات الحراق فقط. وكذلك الذي ينمو في المقبرة يمكنك استخدامه, تذكري ذلك عليك 
بقطفه حتى وإن حرق جلد يدك وقرّحه, ادعكيه بقدميك لتحصلي على الكتّان للغزل. 
ومنه يجب أن تحوكي أحد عشر قميصاً بأكمام طويلة, فإن ألقيت هذه القمصان على 
الإحدى عشرة بجعة سيتحررن من السحرء ولكن تذكري من اللحظة التي تشرعين بها 
بالغزل وحتى إقامه عليك ألا تفتحي فمك ولو يكلمة واحدة وإن دام ذلك سنوات, فأول 
كلمة تنطقين بها ستكون طعنة سكين قاتلة بقلوب أخوتك. فحياتهم متوقفة على ضبط 
لسانك. تذكري كل هذا". 

وجعلت الجنية يدي إليسا تلمس نبات الحراق الذي كان مثل نار مشتعلة, 
فاستفاقت إليسا إثرها. 

كان نهاراً مُشرقاً وبالقرب من مكان نومها كان هناك البنات ذاته الذي رأَنّه في 
منامها. حينها ركعت إليسا على ركبتيها تشكر الله وتحمده. وخرجت من الكهف 
لتشرع بعملها. 

وبأناملها الرقيقة شرعت تقلع نبات الحراق القبيح الذي كان مثل النار. امتلأت 
يداها وذراعاها بالقروح ولكن إن كان ذلك سيخلّص أخوتها الأحبة من السحر ستتحَمُلّه 
راضية. دعكت كل بذرة بقدميها الحافيتين و أخذت تفتل خيط الكتّان الأخضر. 
وعندما غابت الشمس عاد أخوتها وقد أصابهم الفزع لصمت إليسا فقد فكروا بأن ذلك 
بفعل سحر جديد من زوجة الأب الشريرة. ولكنهم عندما رأوا يديها أدركوا با حال ما 
كانت تفعله الأخت من أجلهم. فأخذ الأخ الأصغر يبكي وعندما تساقط دمعه على 
يديها لم تشعر حينها إليسا بالألم واختفت عندها القروح الحارقة أيضاً. 

قضت الليل وهي تعمل فلن يهدأ لها بال إن لم تخلّصُْ أخوتها الأحبّة من السحر. 
وجلست تعمل طوال اليوم الذي تلاه وحيدة عندما طار أخوتها بعيداً, لكن الوقت كان 
يمر سريعاً جدا وها هي تنتهي من غزل القميص الأول وتشرع بعمل الثاني. 

حينها تردد صوت بوق صيد بين الجبال فأصابها الفزع. اقترب الصوت أكثر 
فسمعت كلاباً تنبح فدخلت الكهف مذعورةً؛ وربطت خيوط الحراق التي جمعتها 
وقتكت في حزمة وجلست عليها. 

وفي تلك اللحظة قفز كلب ضخم في الحال من بين الأحراش وتبعه بالحال آخر ثم 


1/4 


آخر. نبحت بصوت عال, وراحت راكضة ثم عادت ثانية. لم مر سوى دقائق حتى وقف 
الصيادون أمام الكهف وقد تقدم الأجمل من بينهم والذي كان ملك البلاد وخطا باتجاه 
إليسا التي لم ير في حياته بمثل جمالهاء ثم قال لها: 

" كيف جئت إلى هنا أيتها الطفلة الجميلة؟". هرّت إليسا رأسها إذ لم تجرؤ على 
النطق فذلك سيِّكَلْمُها حياة أخوتها. وقد أخفت يديها تحت صدريتها كي لا يرى املك 
ما تعاني منه. 

قال لها الملك:" تعالي معيء لا يجب أن تبقي هناء إن كانت أخلاقك بمثل جمالك 
فسألبسك الحرير والمخمل وأضع التاج الذهبي على رأسك, وستسكنين وتعيشين في 
قصري الكبير". ورفعها ووضعها على حصانه فأخذت تبكي وتفرك بيديهاء فقال لها 
الملك حينها:" لا أبغي غير سعادتك, ستشكرينني يوماً على ذلك" وانطلق بها بين 
الجبال وهو بحضئها على ظهر حصانه. يتبعه الصيادون في الخلف. 

وعندما غابت الشمس مَثْلت مديئة الملك بكنائسها وقببها أمام أعينهم وقادها 
الملك إلى داخل القصر. حيث يطرطش الماء من نافورة كبيرة منتصف القاعة الرخامية 
العالية وحيث الجدران والسقوف ترّهو باللوحات. ولكن إليسا لم تر كل ذلك. كانت 
تبكي حزينة جداً. طاوعت النساء اللواتي ألبسنها ثياباً ملكية وزينَ شعرها باللؤلؤ 
وسحين القفازات الحرير أعلى يديها المحترقتين. كان جمالها يبهر البصر وهي تقف 
بكامل زينتها وانحنى لها من في الحاشية أكثر وأكثر. اختارها الملك زوجة له رغم ان 
رئيس الأساقفة هر رأسه وهمس بأن إبنة الغابة الجميلة هذه لابدٌ أن تكون ساحرة أعمت 
أعينهم وفتنت قلب الملك. ولكن الملك لم يستمع لذلك؛ بل جعل ال موسيقى تصدح, 
وحمآت أشهى الأطباق وأثمنها ورقصت احلى الفتيات من حولها وقادتها عبر حدائق 
تتضوع بالعطر إلى بهو فخم. لم ترتسم حتى ابتسامة على شفتيها أو في عينيها. 
ليس غير الحزن مكتوب عليها. وفتح الملك حجرة صغيرة ملاصقة للمكان الذي ستئام 
فيه إلبساء كان مزيُنا ومفروشاً بسجاجيد خضر يشبه بذلك الكهف الذي كانت فيه. 
على الأرض كانت هناك حزمة خيوط الكتان التي فتلتها من بذور الحراق وفي السقف 
عَلَقَ القميص الذي انتهت من حياكته. كل هذا كان قد جمعه أحد الصيادين الذي 
اعتقد أن ذلك لابد أن يكون شيئاً ما نادراً. " هنا يمكنك أن تحلمي ببيتك القديم" قال 


1/5 


الملك. " وهذا هو عملك الذي كنت تعملينه. يمكنك الان وسط هذا الرخاء أن تستمتعي 
بالتفكير في ذلك الوقت". وحالما رأت إليسا إلى كل ما هو قريب على قلبها دارت 
ابتسامة على شفتيها وعاد الدم إلى وجنتيها. فكرت بأخوتها وتخليصهم من السحر. 
قبّلت يد الملك الذي ضمّها إلى صدره وجعل كل أجراس الكتائس تعلن عن حفل 
الزفاف. البنت الجميلة الخرساء قد صارت ملكة البلاد. وهمس حينها رئيس الأساقفة 
بكلمات خبيئة في أذن الملك لكنها كلمات لم تلامس قلبه وإن حفل الزفاف يجب أن 
يتم وعلى رئيس الأساقفة أن يتوج الملكة بنفسه. ولحقده فقد ضغط حلقة التاج بقوةٍ 
على جبهة إليسا وهو يضعه على رأسها حتى آلمها. ولكن الضيق الذي في قلبها كان 
أكبر. هو حزنها على أخوتهاء لذا لم تشعر بألم جسدها. فمها كان أخرس, فمجرد أن 
تنطلق كلمة منه ستكون كافية للقضاء على حياة أخوتها. لكن عينيها باحتا بحبها 
العميق لهذا الملك الوسيم الطيب الذي فعل ما بوسعه من أجل إسعادها. وتعلق قلبها 
به يوم بعد يوم؛ آه لو كان بوسعها أن تحدئه عن مكنون صدرها وما تقاسيه. ولكن 
كان عليها أن تخرس حتى تنتهي من عملها. لذا فقد تسللت من الفراش يجانبه في 
الليل وراحت إلى الحجرة السرية التي رينت مثل الكهف وأخذت تحوك القميص بعد 
الآخر. ولكن عندما بدأت بحياكة القميص السابع كان الكتان قد نفد لديها. كانت 
تعرف أن النبات الذي تستخدمه ينمو في المقبرة ولكن عليها أن تقطفه بنفسها. كيف 
سيمكنها الوصول إلى هناك؟. 

قالت إليسا في سرها: " آه. ألم أصابعي هذا لا يعني شيئاً أمام ما يعانيه قلبي 
من حزن, علي المجازفة. لن يتخلى ربنا عني". وتسللت بقلب خائف وكأنها مقبلة على 
عمل جرم ما في ليلة مقمرة إلى الحديقة. مشت عبر الأزقة المشجرة الطويلة والطرق 
الخالية وصولا إلى المقبرة. وهناك وعند شاهد قبر عريض رأت جمعاً من الغولات 
البشعات وقد نضين عنهن ملابسهن الرنّة وكأنهن يعتزمن السباحة؛ ومن ثم شرعن 
بحفر القبور الجديدة بأصابعهن النحيلة؛ أخرجن الجثث من تحت التراب وأخذن يلتهمن 
لحمها. كانت إليسا مضطرة إلى المرور قريبا جداً منهن. وقد حدجنها بنظرات شزرة من 
أعينهن الشريرة وهي رء ولكنها تلت الصلاة في سرهاء وجمعت نبات الحراق وحملته 
عائدة إلى القصر. 


116 


لم يلحظها إلا شخص واحد فقط. هو رئيس الأساقفة الذي كان يسهر عندما ينام 
الآخرون؛ وها هو يدرك أنه كان مصيباً برأيه فيهاء وأن في الأمر سراً فيما يخص هذه 
الملكة. لقد كانت ساحرة وقد أسرت قلب الملك والناس أجمعين. وعند كرسي الاعتراف 
في الكنيسة أبلغ رئيس الأساقفة الملك بما رآه وما يخشاه وعندما انطلقت الكلمات 
النابية من فمه هرّت تمائيل القديسين المنحوتة رؤوسها وكأنها تود أن تقول: ليس الأمر 
هكذاء إليسا بريئة. ولكن رئيس الأساقفة قَلَبّ الأمر وقال أن القديسين يشهدون على 
ذلك وقد هروا رؤوسهم إثباتاً لخطيئتها.حينها انحدرت دمعتان ثقيلتان على خدي 
الملك وعاد إلى بيته والشك في قلبه. كان يتظاهر بالنوم أثناء الليل لكنه لم يغمض له 
جفن. رأى كيف كانت إليسا تنهض كل ليلة من فراشها مرة ثانية. فيتبعها بحذر 
ليراها تختفي داخل غرفتها. كان وجهه يزداد اكتثئاباً يوما بعد يوم وقد لاحظت إليسا 
ذلك ولم تدرك السبب ولكنه أرهبهاء وكانت إلى جانب ذلك تعاني كثيراً بسيب 
أخوتهاء فسال دمعها على المخمل الملكي والأرجواني واستقر مثل ماسات متلألئة, 
وكل اللواتي رأين هذه العظمة الملكية التي تحظى بها تنين لو كن هن الملكة بدلا منها. 
أوشكت " إليسا” أن تنتهي من عملهاء لم يتبق غير قميص واحد فقط ولكن الكتان 
قد نفذ فلم يبق لديها خيوط للغزل إطلاقاً. مرة ثانية وستكون هي الأخيرة التي 
سيتوجب عليها أن تقصد المقبرة فيها لتجمع بعضا من نبات الحراق. شعرت بالخوف 
عندما فكرت بالرحلة تلك و بالساحرات المرعبات. لكن عزيمتها كانت قوية مثل ثقتها 
بالله تعالى. وعندما مشت إليسا تبعها الملك ورئيس الأساقفة, رأوها كيف تختفي 
من خلف قضبان البوابة إلى داخل المقبرة وعندما اقتربوا من المقبرة رأوا الساحرات عند 
شواهد القبور والتي رأتهم إليسا أيضاً. استدار الملك مبتعداً عن المكان إذ تصور بأنها 
منهن, وهي التي كان رأسها يستريح على صدره. 

" ليحكم الناس عليها". قال الملك وقد حكم الناس عليها بالحرق: واقتادوها من 
البهو الملكي الفخم إلى جحر رطب مظلم تصفر الريح عبر قضبان نافذته. وبدلا من 
المخمل والحرير أعطوها كومة نبات الكتان الذي جمعته لتضع رأسها عليه والقمصان 
الخشنة الحارقة التي حاكتها ستكون لحافها والفراش من تحتها. ولم يكن بالنسبة إليها 
هدية أغلى من هذه يمكن أن يعطوها إياها. شرعت بعملها مرة ثائية وهي تصلي لربها. 


177 


كان الأولاد المتشردون يرددون أغاني يقصدون بها إهانتها في الشارع. ولم تواسها روح 

قبيل المساء حف جنح بجعة عند قضبان شباك الجحر. كان هو أصغر الأخوة الذي 
وجدها وقد أخذت تنشج بصوت عال من الفرح بالرغم من انها كانت تعلم بأنها ليلتها 
الأخيرة ريما من حياتهاء ولكن ذلك ليس مهما فها هي توشك على الإنتهاء من عملها 
وها هم أخوتها هنا. وجاء رئيس الأساقفة ليمكث عندها الساعة الأخيرة. كان ذلك ما 
وعد الملكَ به. لكنها هزت رأسها وترجته بنظرتها ومعاني وجهها كي يتركها وشأنها. 
في هذه الليلة يجب أن تتم عملها وإلا ضاع كل الجهد الذي بذلته. وكل الآلام التي 
تكبدتها والدموع وسهر الليالي. غادرها رئيس الأساقفة وهو يسمعها كلمات مهينة 
ولكن المسكينة إليسا كانت تعرف أنها بريئة وبقيت تواصل عملها. ولما كانت الفئران 
تدور على الأرض أخذت تجلب لها خيوط الغزل قريباً من قدميها لمساعدتها. وشدا 
لها طائر الدج طوال الليل بعذوبة قدر ما استطاع كي يشد من عزيمتها. لم يتبق إلا 
ساعة حتى يحل الفجر, ما هي إلا ساعة حتى تشرق الشمس. عندها اصطف الأخوة 
الأحد عشر عند بوابة القصر وطلبوا المثول بين يدي الملك. ولكن كان من غير الممكن 
كنا أجَيبرا فمازال الصبح لم يطلع بعد والملك نائم ولا يجرؤ أحد على إيقاظه. أخذوا 
يترجون مرة و يهددون أخرى وجاء الحارس وحتى الملك جاء بنفسه وسأل عن سبب ما 
يحدث. لحظتها أشرقت الشمس ولم يعد يمكن رؤية الأخوة بل إحدى عشرة بجعة بيضاء 
طارت فوق القلعة. واندفع الناس جميعا من بوابة المديئة لرؤية الساحرة التي سيتم 
حرقها. جر العربة التي جلست فيها حصان هزيل وقد ألبسوها صدرية من قماش افيش 
الخشنء شعرها الطويل الجميل كان منفلتا حول وجهها الجميل وكان خداها شاحبين جداء 
شفتاها يتلوان بصمتء بينما أصابعها تفتل الكتان الأخضر, ولم تتوقف عن النسج 
الذي بدأته حتى في الطريق إلى موتها. كانت القمصان العشرة عند قدميها وكانت 
تحوك في القميص الحادي عشر. الرعاع بدأوا بسبّها وشتمها. 

" انظروا لهذه الساحرة. كيف تدمدم, ليس بين يديها حتى كتاب التراتيل الدينية, 
انظروا إلى السحر الذي بين يديهاء خذوه منها ومزقوه إلى آلاف القطع". واحتشد 
الجميع حولها يريد تمزيق الذي في يدهاء عندها وصلت الإحدى عشرة بجعة البيض 


1/78 


طائرة واصطفت حولها على العربة وخفقت بأجنحتها الكبيرة فتراجع الجمع مذعورا 
جانباً. 

" إنها نذير من السماء, انها بالتأكيد بريئة". همس الكثيرون فلم يجرؤوا على 
قول ذلك بصوت عال. 

أمسك الجلاد بيدها فأسرعت لتلقي بالحال القمصان الأحد عشر إلى البجع الذين 
تحولوا إثر ذلك إلى أحد عشر أميراً وسيماً ولكن أصغرهم كان له جناح بدلا من أحد 
ذراعيه فقد كان يعوز القميص كم آخر لم تستطع إتامه. 

" أجرؤ الآن على التتحدث", قالت إليسا " أنا بريئة" والناس الذين رأوا الذي 
حدث أمامهم انحنوا لها كما لو انها قديسة ولكنها خرّت مغشية عليها بين أذرع 
أخوتهاء كان التوتر والخوف والألم قد أَثَّر بها إلى حد بعيد. " اجل إنها بريئة". قال 
الأخ الأكبر واخبرهم بكل ما حدث وبينما كان يتحدث انتشر عطر ملايين الورود 
الجورية فكل قطعة فحم في النار التي هُيئت لحرقها ضربت جذوراً وأطلقت أغصانا 
وانتصب سياج معطر عال جدا و كبير من الورود الحمر وفي الأعلى كانت هناك وردة 
بيضاء ساطعة مثل نجمة قطفها الملك ووضعها على صدر إليساء حينها استفاقت 
إليسا وأحست بسلام وسعادة في قلبها. 

ودقت كل أجراس الكنائس من ذاتها وجاءت الطيور في أسراب كبيرة , وامتد 
موكب العرس حتى القصر والذي لم يشهد مثله ملك بعد. 


كتبت في عام8 ١87‏ 


1/9 


الحقيبة الطائرة 


كان يا ما كان في قديم الزمان تاجرٌ غني جداء بمقدوره رَصّف شارع بأكمله. بل 
وفرع صغير تقريبا بقطع نقوده الفضية. ولكنه لم يفعل ذلك. كان يعلم كيف يتصرف 
ماله بشكل آخرء فالفلس الذي يتاجرٌ به يأتي له بدينار بالمقابل. كان تاجراً من هذا 
النوع. ومات هذا التاجر. 

وَوَرثُ الإبن بعده كل تلك النقود وعاش بإسراف وترف. يزور الملاهي الليلية كل 
ليلة. يصنع من الدنانير صواريخ ورقية. ويقذف قطع النقود الذهبية لهو ولعباً على 
سطح ماء البحيرة بدل الحجارة. هكذا تذهب النقود وذهبت. أخيرا لم يَمُلّك غير أربعة 
فلوس ولم يكن عنده من الملبس سوى نعال ومعطف صباحي قديم. ولم يعد أي من 
أصدقائه يطيقه, وبلا شك لأنهم لم يستطيعوا السير معه في الشارع علانية؛ ولكن 
أحدهم وكان خيّرا. أرسل له بحقيبة قديمة وقال له: “احزم حقيبتك وسافر!" وكان ذلك 
جميلا منه. ولكنه لم يملك ما يحزمه فيها فوضع نفسه داخلها. 

كانت حقيبة عجيبة. حالما يُضْغَّط على القفل تطير. وذلك ما حدث: هوب. ها هي 
تطير به إلى الأعلى عبر المدخنة, عاليا فوق الغيوم, بعيدا وبعيدا إلى فوق. طقطق 
قاعها وقد تملكه الهلع مخافة أن تنكسر به. كان سينقلب رأسا على عقب لكن الله 
سترء ووصل إلى بلاد الأتراك. 

أخفى الحقيبة في الغابة تحت الأوراق المتساقطة وسار إلى مركز المدينة. ولم تكن 
لديه صعوبة في ذلك لان الأتراك كما نعرف جميعا كانوا يرتدون مثله النعال والقفطان. 
وهناك قابل مرضعة تحمل طفلا. " أنت أيتها المرضعة التركية! قال ابن التاجرء "ماذاك 
القصر الكبير الملاصق للمدينة: ذو النوافذ العالية!" 

" هناك تسكن ابنة الملك!" قالت المرضعة: " تكهن العرافون بأنها ستصبح تعيسة 
جدا بسبب حبيبء لذا لم يمح لأحد الدخول عليها دون مرافقة املك والملكة!" 


151 


" شكرا!" قال إبن التاجر ومشى إلى الغابة. دخل الحقيبة وطار إلى سطح القصر 
ومن ثم زحف إلى الداخل عبر النافذة إلى الأميرة. 

كانت غاية في الجمال نائمة على الأريكة وم يستطع أن يُمْسكَ نفسّه عن تقبيلها. 
صَّحَتْ الأميرة وتَمّلكها الذعر أول وهلة, ولكنه قال لها إنه إله الأتراك الذي نزل من 
السماء إليهاء فأعجبها ذلك. 

بعد ذلك جلسا جنبا إلى جنب وقصُْ لها قصصا عن عينيها اللتين كانتا أجمل 
بحيرتين داكنتين, حيث الأفكار تسبح فيهما كحوريات البحر. وحَدَنّها عن جبينها, إنه 
جَبَلُ ثلجي بأبهى الفضاءات والصورء وحدثها عن اللقلق الذي يأتي بالأطفال إلى 
الدئيا. 

كانت قصصا جميلة حقا! بعدها تقدم لطلب يدها ووافقت بالحال. 

" ولكن عليك أن تأتي يوم السبتء" قالت له الأميرة, " فهو موعد احتساء الشاي 
مع الملك والملكة عندي! سيكونان فخورين جدا بزواجي من إله الأتراك. ولكن هييء 
حضرتك لأن تحكي لنا حكاية ممتعة جدا فوالديّ مغرمان بشكل خاص بذلك. أمي تهوى 
الأخلاقي والراقي وأبي يهوى الطرافة وما يحمل على الضحك. 

" حسنا إذنء لن آتي بهدية عرس سوى الحكاية! " قال لها وافترقا بعدها. ولكن 
الأميرة منحته سيفا مرصعا بالنقود الذهبية التي كان بحاجة ماسة إليها. 

طار بعيدا واشترى له قفطانا جديدا. بعدها جلس في الغابة ليؤلف حكاية يجب 
أن تكون جاهزة ليوم السبت, ولم يكن هذا بالأمر السهل. 

وانتهى من مهمته وجاء يوم السبت. 

كان الملك والملكة وكل الحاشية مع الشاي بانتظاره عند الأميرة وقد تم استقباله 
بحفاوة! 

" هل لحضرتك إذاً أن تحكي لنا حكاية!" قالت الملكة." حكاية يكون فيها عمق 
وحكمة!" 

" ولكن حكاية تضحكنا أيضا!" قال الملك. 

" بكل سرور" قال لهما وحكى: وعلى المرء الآن الإنصات جيدا: 

" كان يا ما كان في قديم الزمان ضبّة عيدان ثقاب فخورة بنفسها للغاية لأنها 


152 


تنحدر من أصل راق. كل عود صغير من شجرة العائلة, أي شجرة الصنوبر الكبيرة كان 
بالأصل شجرة كبيرة معمرة في الغاية. العيدان استقرت أخيرا على الرف بين قداحةٍ 
وقدر» ولهما حكت العيدان قصة شيايها. 

" عندما كنا على الغصن الأخضر!" قالت العيدان, " كنا بالفعل على غصن 
أخضر؛ نشرب كل صباح ومساء شاياً ماسياًء كان هو الندى. وعندما تشرق الشمس 
تكون أشعتها لنا طوال اليوم. وعلى العصافير أن تحكي لنا بعض الحكايا. كنا نشعر 
أيضاً بأننا كنا أغنياء فوق ذلك, فالأشجار النفضية كانت عارية في غير الصيف, 
بينما عائلتنا كانت مقتدرة على إلباسنا الأخضر صيفا وشتاء. لكن جاء الحطابون. 
وكانت الثورة الكبرى, فقد تفرق شمل عائلتنا. السيد الجذع حصل على وظيفة صارٍ 
كبير في باخرة فخمة تدور العالم وخر العباب إن شاءت, الأغصان الأخرى ذهيت إلى 
أمكنة أخرى. أما نحن فلدينا الآن مهمة الإضاءة للعامة من الناس, لهذا آل بنا الحال 
نحن الطبقة الراقية إلى المطبخ. 

" هكذا إذن, أما أنا فوضعي آخر!" قال القدر الذي كانت العيدان مستقرة بجانبه. 
" منذ أن جئت إلى الدنيا وهم يفركون ويغلون بي! على عاتقي تقع المهمات الثقيلة, 
في حقيقة الأمر أنا الأول في هذا البيت. سعادتي الوحيدة هي. بعد انتهاء وجبة 
الطعام. أن أجلس نظيفا لامعا فوق الرف. أتجاذب دردشة عقلانية مع الأصدقاء. 
ونحن, أستئني الجردل الذي ينزل بين الحين والآخر إلى الحوش. فنحن نعيش بهدوء 
داخل المطبخ. وساعي الأخبار الوحيد لدينا هي سلة التسوقء تنفعل كثيرا أثناء حديثها 
عن الحكومة والشعب. لا أدري. مشلا قبل أيام وقعت سندانة زرع قديمة من الهلع 
وتكسرت! بودي إخباركم بأنها تنفعل مع الأحداث . تلك حقيقة! ". " لقد قلت ما 
يكفي!" قالت القداحة التي ضرب حديدها حجر القدح فاتقدت. 

" ألم يكن القصد أن نحيي مساء أنس!" 

" أجل لنتحدث عمن هو أكثر رقياً بيئنا!" قالت عيدان الكبريت. 

" لا. أنا أفضل ألا أتحدث عن نفسي!" قالت سندانة الزرع " دعونا نحيي سهرة 
ترفيهية! أنا سأبدأ. سأحدئكم عن شيء لابد وأن عاشه كل واحد مناء بإمكان الجميع 
الإحساس به. حديثاً يَشْرَحٌ الصّدر كثيراً : " في حوض البلطيق حيث غابات أشجار 
الزان الدافاركية!". 


1563 


" يا لها من بداية جميلة!" عَلْقَتَْ كل الصحون, "ستكون بالتأكيد قصة تروق لنا" 

" هناك قضيت شبابي عند عائلة هادئة مطمئنة, الأثاث يتم تلميعه. والأرضية 
تُغسل, والستائر يؤتى بها نظيقة كل أربعة عشر يوما!" 

" كم هو حديث حضرتك مشوق!" قال المقش'. ' يتناهى إلى سمع المرء بالحال أن 
المتحدث سيدة. هناك شيء من الصفاء والبريق يتخلل الحديث!" 

" لك الحق. هكذا يشعر المرء!" قال الجردل ولإستمتاعه قفز قفزة صغيرة فطرطش 
ماؤه على الأرضية. 

والسندانة استمرت يحديثها ونهايته كانت لا تقل روعة عن بدايته. كل الصحون 
طقطقت ابتهاجاء والمقش قطع عود بقدونس أخضر من حوض الزرع وكلل به السئدانة. 
تقصّد المقش ذلك لإغاظة الجميع, " أكللها اليوم". فكر هوء" تكللني غدا!" 

" سأقوم لأرقص!" قالت كماشة الفحم وقامت ورقصت. ويكاد المرء لايصدق كيف 
مكنت كماشة الفحم من رفع إحدى قدميها عاليا في الهواء. تفتق قماش مقعد 
الكرسي القديم في الزاوية من النظر إليها. " هل لي إذاً من أن أكللَ أنا أيضا!" قالت 
كماشة الفحم! و قد تم ذلك. 

" إنهم رعاع!" فكرت عيدان الكبريت. 

وجاء دور السماور ليغني, ولكنه كان مزكوما. كما ادعى هوء لا يمكنه الغناء إن 
لم يغل. وللحق فلم يكن هذا إلا ترفعا منه لأنه لا يغني إلا عندما يكون على الطاولة 
في البهو وفي حضرة السادة. 

عند النائية علس ريض خا تبية اعنادت اجحاوية الكتاية يننا . لم يكن في تلك 
الريشة ما يثير لولا أنها عُمِسَت عْمِسَت عميقا في المحبرة. ما جعلها مغرورة بنفسها ' الا 
برعت السماون بالغناء* قالت ريشنة الخطاء لا لزوم لذلك على أية حال! هناك في الخارج 
عندليب داخل قفص معأق. بإمكانه أن يشدو. بالتأكيد لم يتعلم شيئاء ولكننا على أية 
حال لا نود الليلة أن نتحدث بسوء عن هذا الأمر. 

" أجد الأمر غير لائق تماما!" قالت غلاية الشاي التي كانت مطربة المطبخ وأختاً 
غير شقيقة للسماور. " كيف يمكن أن نستمع لطائر غريب! هل هذه هي الوطنية؟ أنا 
أترك الحكم لسلة التسوق!" 
١‏ استخدمت كلمة المقش بدلا من المقشة لأنها جاءت بصيغة المذ كر 


154 


" يؤسفني ذلك" قالت سلة التسوق " لا يمكن لأحد أن يتصور مقدار أسفي " أبهذه 
الطريقة نقضي ليلتنا! أ ليس من الأصح لنا أن ندير البيت على الوجه الأصحء ليعد كل 
منكم إلى مكانه. وأنا سأدير اللعبة. سيكون أمرا آخر. 

" لنجعلها هرجا ومرجآً " قال الجميع. في هذه اللحظة انفتح الباب. ودخلت 
الخادمة. صمت الكل.لم تنبس إحداها ببنت شفة. كل سندانة من تلك السنادين كانت 
بالتأكيد تعلم وبشكل قاطع ما يمكن فعله في موقف كهذا. وكم كانت شاطرات في 
ذلك. 

وفكرت مع نفسها:" لو شئنا لكانت ليلةٌ بهيجة ". 

تناولت الخادمة عيدان الكبريت. أشعلتها. ويا إلهي كيف تطاير شررها قبل أن 
تحمترق كليا. 

وفكرت عيدان الكبريت أثناء ذلك مع نفسها: " يمكن للجميع. أن يرواء بأننا 
الأوائل! أي بريق لدينا! أي ضوء!" ومن ثم تلاشت. 

" كانت حكاية عظيمة!" قالت الملكة. " شعرت وكأنني كنت فعلا في المطبخ عند 
عيدان الكبريت؛ بإمكانك إذن أن تتزوج ابنتنا." 

" بالتأكيد؛" قال الملك, " ستتزوج ابنتنا يوم الإثنين!" وقد خاطبوه مباشرة ب أنت 
طالما إنه سيصير فردا من أفراد العائلة. 

وقد تحدد موعد العرس وفي الليلة قبلها أضيئت المدينة بأكملها. وألقي الكعك 
والحلوى للناس احتفالاء ووقف الأولاد على أطراف أصابعهم وهتفوا وصفروا ابتهاجا. 
كان المشهد رائعا للغاية. 

" سأرى ما ينبغي علي فعله أنا أيضا !" فكر ابن التاجر. وهكذا اشترى 
صواريخ, مفرقعات أرضية وكل الألعاب النارية التي تخطر على البال. وضعها في 
حقيبته وطار بها عاليا ليطلقها في الهواء. 

يا لسرعتها وهي تلتف. تنطلق عاليا مشتعلة في السماء. 

حينها تقافز كل الأتراك في الهواء بحيث إن نعالهم طارت لآذانهم. لم يروا هكذا 
سرابآ من قبل في السماء. وتبيّن لهم جلي أن إله الأتراك بعينه هو الذي سيشزوج 
الأميرة. 


155 


وحالما هبط ابن التاجر مجددا بحقيبته إلى الغابة فكر مع نفسه:" تتملكني الآن 
الرغبة بالذهاب إلى المدينة لأرى كيف بدا الأمر لهم هناك !" وقد كان من البديهي أن 
يرغب بذلك. 

"يا للدهشة؛ أي قصص غريبة روى عنه الناس! كل واحد من الذين سألهم قد 
رأى المنظر بطريقته! ولكن الذي كان مشتركا بينهم هو تمتعهم بها جميعا. 

" لقد رأيت إله الأتراك بأم عيني." قال أحدهم, " لديه عيئان كنجمتين لامعتين 


ولحية كالريّد. 
" طار بمعطف من نار " قال آخر. " أجمل الملائكة الصغار أَطَلْتَ من بين ثنيات 
07 


كانت أشياء مُسرة للقلب تلك التي سمعها. في اليوم التالي سيكون يوم زفافه. 

وعاد إلى الغابة ليطير بحقيبته. ولكن أين هي! الحقيبة كانت قد احترقت. فقد 
تبّقت شرارةٌ من الألعاب النارية وأشعلت النار فيهاء فصارت الحقيبة رماداً. لم يعد 
الآن بمقدوره الطيران. ولا الوصول لعروسه بعد الآن. 

وقفت الأميرة طوال اليوم في السطح وانتظرت. وهي مازالت تنتظرء أما هو 
فيجوب العالم. يروي الحكايات. ولكنها لم تعد حكايات مثيرة كالتي كانت حول 
عيدان الكبريت. 


كتبت في عام ١416‏ 


156 


0 


مربي الخنازير 


كان يا ما كان في قديم الزمان, كان هناك أميرٌ فقيرٌ رّء أمير مملكة ولكنها يفير 
جداً. ومع ذلك فقد كانت كافية ليتمكُن من الزواج, افذا ها تان مرق تيد 

وقد كانت وقاحةً منه نوعا ما أن يتجرأً فيسأل ابنة القيصر: " هل تقبلين بي 
زوجا؟" لا شك بأنه قد تجرأ على طلب يدها لأنه كان معروفا و ذائع الصيت. وهناك 
المثات من الأميرات اللواتي سيسعدن بطلبه. ولكن العجيب بالأمر إن ابنةً القيصر لم 


وعلينا أن نُصغي الآن: 

نمت على قبر والد الأمير شجرة ورد جوريء ويا لها من شجرة ورد جميلة؛ لم 
تكن تزهر إلا كلّ خمسة + أغوار. وردةً جوريةً واحدةً فقط و لكنها كانت وردةً ذات عطر 
شذي حتى إن المرءً عندما يشمينا ينسى كل أحزانه و همومه. و كان عند الأمير أيضا 
عندليبٌ يغني غناء عذبا و كأن كل الألحان الجميلة قد سكنت في حنجرته الصغيرة. 
وقد تقررٌ أن تحصل الأميرة على كل من الوردة الجورية والعندليب؛ لذا وضع كل منهما 
في علبة فضية كبيرة و تم إرسالهُما إليها. 

أمر القيصر بحمل العلبتين أمامه إلى القاعة الكبيرة حيث كانت الأميرةً تَلعب 
لعبةٌ “جاء الغريب" مع وصيفاتها وعندما أت العلبتين الكبيرتين الفضيتين و فيهما 
الهديتان: صَفَقّت بيديها فرحا. 

" أتمنى أن تكون الهدية قطوطة " قالت الأميرة, ولكن الذي كان في العلبة هو 
شجرةٌ الجوري ذات الوردة الجورية الجميلة. 

" ياه. كم هي مصنوعةٌ بشكل دقيق " قالت كل الوصيفات. " ليس ذلك فحسب " 
قال القيصرء " بل إنها جميلة أيضا! " 


1537 


ولكن عندما تلمستها الأميرة همّت بالبكاء وقالت: " أوف باباء إنها ليست 
صناعية إنها حقيقية! " 

" أوف. إنهنا حقيقية! " رددت الحاشية أيضا. 

" دعونا قبل كل شيء نر ما في العلبة الأخرى قبل أن نَغضب هكذا " قال 
القيصرء و هنا ظهر العندليب من العلبة؛ وغنّى بشكل جميل للغاية» لا يمكن للمرء 
إثره إلا أن يسعد به. 1 

!أمدسحفنان إءطرومن5, ساحرء رائع, قالت الوصيفات, لأنهن كن يتحدئن 
الفرنسية. ولكن الواحدة منهن كانت أسوأ من الأخرى. 

" كم يذكّرني هذا الطير بصندوق موسيقى المرحومة ملكتناء بالضبط؛ هو بعينه 
النغم ذانه والأداء!”, قال المرافق العجوز. 00 ْ 

" نعم! ". قال القيصر و بكى مثل طفل صغير. 

" لا أصدق بأنه حقيقي " قالت الاميرة. 

" نعم إنه طير حقيقي! " أجاب الذين جلبوه. 

فقالت الأميرة " حسناء إذن دعوه يطير!". و لم ترغب و لا بأي حال من الأحوال 
في السماح للأمير با حضور. 

إلا أن الأمير لم ييئس, لَطْعَ وجهّهُ بالأسود و الني: طعَج القبعةً على رأسه وطرق 
باب القيصر. 

: كان موك نينا القيصر, ألا يمكن أن أجد لي عملا هنا في القصر؛" قال 
الأمير. 

" لم لاء أنا بحاجة لمن يرعى الخنازيرء فلدينا منها الكثير!" أجابه القيصر. 

و هكذا عيّنَ الأمير مُريّا لخنازير القيصر. حصل على حجرة صغيرة حقيرة في 
حظيرة الخنازير, و كان عليه أن يعيش فيها! كان يعمل طيلة النهارء وفي المساء صنع 
بنفسه قدرا صغيرا لطيفاً؛ عُلّقت حوله أجراس صغيرة, و عندما يغلي ماء القدر تروح 
الأجراس الصغيرة ترّنْ بشكل جميل و يُعرَقُ اللحن القديم. 

آه يا عزيزي أوجوستين, 

كل شي ء ضاعء ضاعء ضاع! 5 


158 


و لكن أمهر ما تفننَ به كان القدر الذي عندما يضع المرء إصبعه في الأبخرة 
المتصاعدة منه يكون باستطاعته أن يَسْمّ مباشرةً كل طبخة حَصَرتَْ في كل مدخنة من 
تذا كن الدب افا ىناعي يختلف عن غلك الوردةالخؤزرية: 

وهنا جاءت الاميرةٌ تَتَمَشَى مع جميع وصيفاتها. وعندما سمعت اللحن بقيت 
واقفهٌ في مكانها وقد بدت مستمتعة جدا؛ إذ كان بمقدورها هي أيضا عرف " آه 
ياعزيزي أوجوستين " ؛ كان هذا هو اللحن الوحيد الذي باستطاعتها عزقّه و لكنها 
كانت تعزفه بإصبع واحدة. 

" هذا هو ما يمكنني عزقّه !" قالت واستدركت»" لابد وأنه مربي خنازير متعلم, 
اسمعي! اذهبي إليه و اسأليه كم كلفةٌ هذه الآلة. و كان على إحدى الوصيفات أن تهرعّ 
إليه. لكن بعد ان تلبس جزمة. 

" كم تريد مقابل هذا القدر؟ " قالت الوصيفة. 

"أزيد عشر قبلات من الأميرة " قال مربي الخنازير. 

" أعودٌ بالله " قالت الوصيفةٌ. 

" نعم, لا يمكن أن يكون السعر أقلّ من ذلك ؛ " قال مربي الخنازير. 

" هاء ماذا قال؟ " سألت الأميرة. 

" هذا ما لا أجرؤ على قوله! أمرٌ فظيع!” قالت الوصيفة 

, إذاً فيمكنك أن تهمسي لي !" وهَمَّسّت لها بما قال. 

' كم هو وقحٌ ! " قالت الأميرةٌ و انطلقت بالحال؛ و لكنها عندما مشت مسافة 
رنّت أجراس القدر باللحن العذب: 

" آهء يا عزيزي أوجوستين 

كل شيء ضاعء ضاعء ضاع! 


" اسمعي. اسأليه فيما إذا كان يريد عشرً قبلات من وصيفاتي !" قالت الأميرة. 

' لاء شكرا ! " قال مربي الخنازير وأكمل, " عشرّ قبلات من الأميرة أو أحتفظ بالقدر." 

فقالت الأميرة, "أوف. ياله من أمر مزعج! إذن عليكُن الوقوف حوالي كي 
لايتمكن أحد من رؤية شيء". 


159 


ووقفت الوصيفات حواليها ونشرنَ تنوراتهن؛ و حصل مربي الخنازير على القبلات 
العشر بينما أخذت الأميرة القدر. 


و يالها من متعة ! كان على القدر أن يغلى طوال اليوم؛ لم تكن هناك مدخنةٌ في 
المدينة إلا وعرفوا ما يُطبخ في البيت الذي يعود إليها. سواء كان بيت رجل نبيل أو 
إسكافي. وأخذت الوصيفات ترقصن و تصفقن. 

" نحن نعلم من سيحصل على الشوربة الحلوة و عجّة الدقيق اليوم! تَعلمُ من 
سيحصل على العصيدة و الكفتة! إنه لأمر مسُوَق!” 

" مشوَقٌ للغاية ! " قالت مسؤولة مخزن المطبخ. 

" نعم, ولكن اطبقنَ أفواهكن ولا تتفوهن بشيء, ابنة القيصر التي تقرر!. 

" ومن يجرؤ على ذلك؟ ", قال ال جميع. 

أما مربي الخنازير أي الأمير فلم يعلم أحدٌ عنه شيئا آخر غير كونه بالفعل مربي 
خنازير, لم يرك يوما ير دون أن يأتي بحركة ماء فقد صنعٌ خرخاشة؛ وعندما يُدوَرها 
تعزف ألحانَ رقصات الفالس و البولكا وغيرها من التي يعرقها المرء منذ بدء الخليقة. 


" ءطتعمتاة و لكن هذا مدهش! “قالت الأميرة حيتما مرت في طريقها به." لم 
أسمع في حياتي أبدا موسيقى أروع من هذه! اسمعي ! اذهبي إليه و اسأليه عن سعر 
هذه الآلة. ولكني لن أقبّلَ هذه المرة ! ” 

" يريد مائة قبلة من الأميرة ! " قالت الوصيفة التي سألته. 

" أعتقد أنه مجنون ! " قالت الأميرةً و مشت؛ لكنها توقفت بعد مسافة قصيرة 
وقالت: 

" لكن على المرء أن يشجِمٌ الفنَ والإبداع ! ". 

" أنا ابنة القيصرء قولي له! سيحصل على عشر قبلات مثلّ الأمس, ما تبقى 
يحصل عليه من وصيفاتي. 

فأجابت الوصيفات, " كما ترين, إذا كان لا بد من ذلك!". 

" هذا هراء " قالت الأميرة " و إذا كنت أنا قد كنت من تقبيله فيمكنكن أنتن 


150 


أيضا ذلك! تذكّرنَ بأني أنا التي أدفع لكّن أجوركن! ". و هكذا كان على الوصيفة أن 
تذهب إليه مره أخرى. 

" مائة قبلة من الأميرة؛ وإلا فليحتفظ كل واحدٍ منًا بما عنده " قال مربي الخنازير. 

" قفنَ حوالي !!! " قالت ابنة القيصر, و وَقفت جَمِيعٌ الوصيفات حواليها وراح 
مربي الخنازير يقبلها. 
' ما هذا الحشد المتجمع عند حظيرة الخنازير! " قال القيصرء الذي طلع إلى 

الشرفة؛ فرك عينيه ولبس عويناته. " إنهن الوصيفات اللاتي وراء ذلك. علي أن أنزل 
لأرى ما أمرّهنٌ !" و قد رفع مؤخرتي نعليه المدعوستين لأنه كان بالأصل حذاءه الذي 
استخدمه كتعال. 

ويالها من انطلاقة! 

لكنه حالما نزل إلى الباحة تمَشى بهدوء شديد حيث الوصيفات منشغلات بِعَدٌ 
القبلات. وكل شيء يجب أن يتم بأمانة وصد ق كي لا يحصل مربي الخنازير على 
قبلا تٍ أكثر أو أقل. لم تلحظ الوصيفات القيصر على الإطلاق. وقفّ القيصر على 
أطراف قدميه. 

" ما هذا ! " قال القيصر عندما رآهما تيقبّلان بعضّهما بعضاً. وراح يضريُهما 
على رأسيهما بنعليه في اللحظة التي حصل فيها مربي الخنازير على قبلته السادسة 
والفمانين * اخرجا فت هناء يالكال: ”كال العيصر لشدة ضيه رم طر كل فن 
الأميرة ومربي الخنازير خارج مملكة القيصر. 

وقفت الأميرةٌ خارج المملكة باكية, بينما راح مربي الخنازير يهينها, والمطرٌ ينزل 
مدرارا. 

يا لحظي التعس! ٠‏ ما لي لم أوافق على ذلك الأمير الوسيم! آه, كم أنا حزينة) " 

و انزوى مربي الخنازير خلفٌ شجرة ليمسح عن وجهه اللطخات السود و البئية, 
وف أستماله الرئةَ وعاد لها بياب الأمير الجميل الوسيم للغاية لدرجة أن الأميرةً 
انعد انام فحني لقال لها : " قد بدأت أحتقركء يا هذه!ء لم تقبلي بأمير صادق» 
ولم تفهمي معنى الوردة الجورية والعندليب, لكنك قبّلت مربي الخنازير مقابل لعبة, 
فلتنعمي بالسعادة الآن". 


1591 


و ذهب إلى مملكته وأغلق البوابة خلقّه بإحكام لتبقى هي خارج مملكته تغني: 
' آه يا عزيزي أوجوستين, 
كل شيء ضاعء ضاعء ضاع 5 


كتبت في عام1 ١84‏ 


1682 


الحجنطة السوداء 


مراراً وعندما يمر المرء بحقول حبوب الحنطة السوداء بعد جو عاص ف يرى أنها 
صارت سوداء يابسة وكأن لهب النار قد مشى فوقهاء حينها يقول الفلاح: " هذا كان 
بسبب نار البرق", ولكن لماذا صارت الحبوب هكذا ؟ - سأخبركم بما أخبرني العصفور 
به والذي سمعه من شجرة صفصاف هرمة كانت في حقل الحنطة السوداء وما تزال. 
إنها شجرة صفصاف كبيرة موقرة ولكن التجاعيد تَلؤؤها وهي عجوز. وقد انشق جذعها 
في منتصفه قاماء ونما في الشق العشب والعليق. كانت أغصانها تتفرع من الأعلى 
وتتدلى إلى الأرض وكأن للشجرة شعراً طويلاً أخضر اللون. 

في كل الحقول المجاورة فت الحبوب كالزوان والشعير والشوفان. الشوفان كان 
جميلاً. بل يبدو عندما ينضج قاما مثل جمع من طيور كناري صَفرٍ على غصن. كانت 
الحبوب مباركة وكلما ثقلت حبتها ازدادت ائحناءً وتواضعا. 

كان هناك أيضا حقل حنطة سوداء. وهذا الحقل كان قريبا من شجرة الصفصاف. 
الحنطة السوداء لم تنحن إطلاقاً كما انحنت الحبوب الأخرى. بل اشرأبت رؤوسها 
مغرورة منتصبة. 

* أو لست غنية مكل سئيلة؟”: قالت الختطة السوداء: "بل وفوق'ذلك قأنا أجمل 
بكثير؛ أزهاري جميلة مثل زهور شجرة تفاح, إنها لمتعةٌ النظر إلي وإليهاء هل رأيت 
مَن هم أجمل منا يا شجرة الصفصاف؟" 

وهرّت شجرة الصفصاف رأسها تريد بذلك قول: ' أجل؛ رأيت في الحقيقة من هم 
أجمل". ولكن الحنطة نفخت رأسها تعاليا ليس إلا وقالت: " أيتها الشجرة الحمقاء. 
أنت عجوز خرفة تنمو الحشائش في بطنك" 

وانقلب الجو فجأة عاصفا فأطبقت كل زهور الحقول أوراقها و أحنت رؤوسها 
الرقيقة عندما هبّت العاصفة, بينما بقيت الحئطة السوداء مشرئبة العنق زهواً. 


1053 


" احن رأسك مثلنا", قالت لها الزهور. 

"الت بحاجة إلى ذلك" 

" احن رأسك مثلنا". صاحت الحبوب, " سيأتي ملاك الربح طائراً لديه أجنحة 
معد من أعلى الغيم حتى الأرضء, سيقطع رأسك قبل أن تعمكني من ترجّيه طالبة 
الرحمة". 

" ولكني لا أريد أن أنحني" قالت الحنطة. 

" اغلقي أزهارك واحن أوراقك". قالت شجرة الصفصاف, " لا تنظري عاليا تجاه 
البرق عندما تتفجر الغيوم؛ حتى البشر لا يجرؤ على ذلك, إذ في البرق يمكن للمرء أن 
يرى سماء اللهء ولكن هذا النظر يمكن أن يعمي البشر. يمكن أن يحدث لنا كل شيء, 
نحن ننبت من الأرضء هل نتجرأ على ذلك ونحن أكثر قماءة من البشر بكثير؟" 

" أكثر قماءة بكثير؟", قالت الحنطة السوداء. " سأنظر إلى سماء الله مباشرة". 
وقد فعلت ذلك بتعال وغرور. حينها كأن العالم بأجمعه شب لهباً. هكذا أبرقت 
السماء. 

وعندما مرت العاصفة كانت الزهور والحبوب منتعشة بالمطر وسط الهواء الهادئ 
النقي, أما الحنطة السوداء فقد تفحّمت من البرق. كانت ميتة؛ عشبة لا تنفع في 
الحقل. 

وحركت شجرة الصفصاف أغصانها في الريح؛ حينها سقطت قطرة ماء كبيرة من 
أوراقها الخضر وكأن الشجرة أخذت تبكي فسألها العصفور: لم تبكين؟ كل شيء 
مبارك هناء انظري إلى هذه الشمس المشرقة. والغيوم الراخلة, ألا تعنسمين عطر 
الأزهار والشجيرات, لماذا تبكين أيتها الشجرة العجوز؟". 

وحكت شجرة الصفصاف له قصة غرور الحنطة السوداء وتعاليهاء والعقاب الذي 
يأتي دوما نتيجة لذلك. وأنا الذي أحكي هذه القصة قد سمعتها من العصفور. لقد 
حكاها لي ذات مساء عندما رجوته أن يحكي لي حكاية خرافية. 


كتبت في عام1 ١864‏ 


1044 


من مجموعة الحكايات الخرافية الجديدة 


مما 


في الفترة ديت 11:5 - 1851 


105 


العند ليب 


في الصين. وكما تعلم, القيصر صينيء وكل من لديه صينيون. و قد مر الآن 
العديد من السئين على ذلك, ولكن لهذا السبب وحده يستحق الأمر أن تسمع الحكاية, 
قبل أن 0 

قصر القيصر كان الأفخم في العالم. كان كله من الخزف الصيني الراقي, الثمين جدا 
ولكن الهش للغاية؛ من الصعب لمسّه. فيتوجب على المرء الحذر الشديد. في الجنائن يرى 
المرء أعجبّ الزهور. و في الأكثرها استثناء ربط جرس من الفضة, كان يرن كي لا يعر 
لمرء دون أن يلحَظ الزهرة. أجل. كل شيء كان محسوبا في جنائن القيصر التي كانت 
مترامية الأطراف, حد أنْ الجنائني لم يعرف حدود نهاياتها؛ فإذا استمر المرء بالسير 
سيدخل في أروع غابة, بأشجار عالية وبحيرات عميقة. الغابة تنفتح على البحر, الذي 
كان ازرق وعميقا؛ سفن كبيرة كانت تبحر وترسو تمَاما تحت الأغصان. وفي هذه الأغصان 
سكن هناك عندليبٌُ كان يغني بعذوبة. فحتى صياد السمك الفقير الذي كان لديه الكثير 
الذي يجب أن يتمّه. جلس هناك وأنصت, وذات ليلة وعندما كان خارجا ليله ليبسحب 
الشَبّكَ سمعٌ العندليب. " سبحائك, كم هو عذب!" قال الصياد. ولا كان عليه أن يهتم 
بأموره نسي الطير. لكن في الليلة التي تلتها وعندما غنى العندليب مرة أخرى وسمعه 
صياد السمك قال الشيء نفسه:" سبحانك: كم هو عذب!" 

وعندما يأتي المسافرون من كل بلدان العالم لضياع القيصر يعجبون بهاء القصرء 
الجنائن: ولكنهم عندما كانوا يسمعون العندليب يغني, يقولون جميعا: " إنه الأفضل 
دون منازع!” 

والمسافرون كانوا يتحدثون عن ذلك عندما يصلون بلدانهم. وكتب طالبو العلم 
العديد من الكتب عن المدينة؛ القصرء والجنائن, أمًا العندليب فلم ينسّه أحد. فقد وضع 


157 


على رأسهم جميعا. والذين كانوا ينظمون الشعرء كتبوا أجمل الأشعار, وجميعها عن 
العندليب في الغابة عند البحر العميق. 

تلك الكتب دارت العالم بل قد وصل بععسضّها إلى يد القيصر الذي جلس في 
كرسيه الذهب يقرأ ويقرأ ويقرأ. وفي كل لحظة كان يهرٌ رأسّه . إذ أسّعدَهُ سساع 
الأوصاف العظيمة للمدينة, القصر. والجنائن. " ولكن العندليب كان الأفضل دون 
منازع" في كل ما كُتب. 

" ماذا!" قال القيصرء " العندليب! ولكنني لم أسمع عنه إطلاقا! أ هناك طير 
كهذا في مملكتي, بل فوق ذلك في جنائني! أ يجب أن أقرأ عن أمر كهذا!" 

نادى على مرافقه, الذي كان مترفعا جداء إذ عندما يتجرأ أحد تمن هُم أقلّ مقاما 
ويتحدث إليه أو يسأله عن شيء لم يكن المرافق يجيب إلا ب " ب"! و التي لم تكن 

" لابد أن يكون هنا طيرٌ عجيب للغاية يُدعى عندليب!" قال القيصر " يقال إنه 
الأفضل في مملكتي ! لم لم يخبرني أحدٌ شيئا عنه إطلاقا!" 

" لم أسمع ما ذكر عنه من قبل إطلاقا!" قال المرافق " لم يَقَدم يوما للحاشية!". 

* آمرّ أن يأتي الليلة هنا ويغني لي هذا المساء!" قال القيصر. " العالم بأجمعه 
هناك يعلم ما أملك. و لا أعلم أنا!" 

' لم أسمع ماذكرٌ عنه من قبل!" قال المرافق, " سأبحث عنه؛ يجب أن أجده!" 

ولكن أين يمكن العثور عليه؟ ركض صاعدا نازلا كل السلالم, عبر الصالات 
والممرات. لم يكن أي من الذين قابلهم قد سمع عن العندليب. وركض المرافق ثانية إلى 
القيصر وقال له ذلك لابد أن يكون قصةً خرافيةًٌ من قبل هؤلاء الذين كتبوا الكتب. 
"جلالة القيصر لا يجب أن يصدقّ ما يُكتب! تلك ابتداعات وشيء ما يُطلق عليه 
بالشعوذة!” 

" ولكن الكتاب الذي قرأت فيه عن ذلك" قال القيصر, " قد أرسل إلي من قبل 
قيصر اليابان الأعظم, ولهذا لا يمكن ألا يكون الأمر صحيحا. أريدٌ سماع العندليب) 
يجب أن يكون هنا في المساء! سيكون في حمايتي وسينال عطفي! إن لم يأت, 
ستضرب كل الحاشية على بطنها بعدما تأكل طعام العشاء". 


1658 


" تسنك- بى! بى!" قال المرافق وركض مرة أخرى صاعدا ا عبر كل 
900 ونصف الحاشية تركض معه, فلم يكن أحد منهم ب يتمنى الضرب 


على البطن. 
كان هناك سؤالٌ عن العندليب العجيب.ء الذي عرقّهُ العالم كله ولم يعرفه أحد من 
الحاشية. 


أخيرا قابلوا فتاةٌ صغيرةٌ فقيرة من الذين يعملون في مطبخ القيصرء قالت: " أوه 
يا إلهي. العندليب! أعرفه جيدا! كم عذب غناؤه! كل مساء يُسمَّحٌ لي أن أجلبٌ القليل 
من فضلات الطعام معي إلى البيت لأمي المسكينة ا مريضة. فهي تسكن عند الشاطى؛ 
وعندما أعود أكون تعبة. أستريح في الغابة فأسمع العندليب يغني! تدمع عيناي 
عندهاء وكأن أمي قد قبلتني!" 

" عزيزتي الطباخة الصغيرة!"قال المرافق, " سأحصل لها على وظيفة ثابتة بالمطبخ 
وامنحها شرف رؤية القيصر وهو يأكل؛ إن هي دلتنا على العندليب؛ إنه أمر مطلوب 
هذا المساء!” 

واتطلقوا جميعا في الغابة. حيث اعتاد العندليب أن يغني ؛ ؛ نصف الحاشية كان 
هناك. وعندما بدأت الأمور تسير على وجهها الأحسن. بدأت بقرةٌ بالخوار . 

" أوه!" ' قال السادة في الحاشية, ة, " أمسكناه! إنها لقوةٌ عجيبةٌ لطير صغير كهذا!" 
ربما أنا متأكدٌ من ل 

" لاء إنه خوار البقرات!" قالت الفتاة الطباخة الصغيرة؛ " مازلنا بعد بعيدين عن 
المكان!" 

نقَّتَْ الضفادع بعد ذلك في المستنقع. 

" جميل؛" قال كاهن القصر الصينيء " إني أسمعها.ء وكأنها أجراس كنيسة صغيرة!" 

" لاء إنها الضفادع؛" قالت الفتاة الطباخة الصغيرة. " ولكنني أعتقد الآن بأننا 
نقترب منه!" 

وبدأ العندليب بالغناء. 

" إنه هوء " قالت البنت الصغيرةٌ؛ " اسمعواء اسمعوا! ها هو هناك! " وأشارت 
بيدها إلى طير صغير رمادي فوق الأغصان. 


149 


" حقاً!" قال المرافق, " لم أتوقعّه بهذا الشكل أبداً!" كم يبدو عاديا!" لقد فَقَدَ لونه 
بالتأكيد بسبب رؤيته العديد من الناس الرفيعي المستوى من حوله!" 

" أيها العندليب الصغير!" صاحت الفتاة الطباخة الصغيرة بصوت عال» " قيصرًا 
الرحيم يود بشدة أن تغني له!" 

" من دواعي سروري الكبير!" قال العندليب وغنى بشكل كان فيه متعة. 

" كأنها نواقيس زجاجية!" قال المرافق, " انظر لتلك الحنجرة. كيف تصدح! ذلك 
مثيرٌ للعجب. لم نسمعه من قبل إطلاقا. سيحورٌ على إعجاب كبير من الحاشية!" 

هل أغني مرة أخرى للقيصر؟ سأل العندليب, الذي اعتقد بأن القيصر كان معهم. 

" ياعندليبي الرائع!" قال المرافق؛ " من دواعي سروري ان أدعوك لحفل الحاشية 
حيث ستفتن فخامته بغنائك الساحر)” 

غنائي أبدحٌ في الهواء الطلق؛" قال العندليب؛ ولكنه يود مرافقتهم مادام قد 

سمع بأن القيصر قد قمنى ذلك. 

في القصر كان قد لمع كلّ شيء على أحسن وجه! الجدران والأرضيات التي كانت 
من الخزف الصيني لْمَعْتَ بآلاف المصابيح الذهبية! أجملّ الزهور التي كانت ترن رنينا 
جميلاء قد وضعت في الممرات؛ كانت هناك حركة رواح ومجيء سيبت تيار هوا جعل 
الأجراس كلها ترن فجأة, لذا لم يكن بوسع المرء حتى سماع صوته. 

في منتصف البهو الكبير حيث جلس القيصر. وُضعت عصا ذهبيةٌ ليقف عليها 
العندليب. كل الحاشية كانت هناك وسمح للفتاة الطباخة الصغيرة أن تقفّ خلف الباب 
حيث قد حصلت على منصب طباخة بالفعل. الكل كان بكامل أناقته. والجميع بنظرٌ 
إلى الطير الرمادي الصغير الذي أومأ القيصر برأسه له. 

وعْنّى العندليب بعذوبة شديدة حتى دمعت عينا القيصر, وانثالت الدموع على 
خديه, وعلى اثرها غنى العندليب بعذوبة أشّد. دخلت القلب مباشرة. كان القيصر 
سعيدا جداء قال إن العندليب سيحصل على خُفَّه الذهبي محمولا حول عنقه. ولكن 
العندليبَ تشكّر. لأنه قد حصل على مكافأته مقدما. 

" لقد رأيت دمعا في عيني القيصرء بالنسبة إلي هو أغنى كنزا" دمعةٌ القيصر لديها 
قوةٌ عجيبة! يعلم الله بأني قد كوفئت بشكل مجز!" وغنى ثانية بصوته المبارك الجميل. 


200 


" إنه لأحلى دلال عرفته!" قالت النساء من حوله. وأَخذنَ جرعةً من الماء في فمهن 
وتغرغرن: كلما تحدث أحدٌ إليهن؛ يظان بأنهن أيضا عنادل؛ أما الخدم والخادمات فبَّدَو 
أيضا قانعين, وهذا يعني الكثيرء إذ إنهم الأصعب إرضاءً. هكذا ترون أن العندليب 
جلب السعادة حقا. 

عليه الآن أن يكون مع الحاشية, لديه قفصّه وفي نفس الوقت له الحريةٌ في أن 
يتمشى خارجا مرتين في النهار ومرة ليلاً. حصل على اثني عشر خادما. مسك كل 
منهم بإحكام شريطا من الحرير مربوطاً بساق العندليب. لم تكن هناك إطلاقا متعةٌ في 
تلك النزهة. 

كل المدينة تحدئت عن الطير العجيبء فإذا قابل اثنان بعضهما بعضاء لم يقل 
الأول إلا: " عند" حتى قال الثاني: " ليب " وتنهّد كلاهما وفهم الآخر. أجل وأطفال 
صاحب المتجر الأحَدَ عشر سُموا جميعا باسمه. ولكن لم يكن واحد منهم يملك أذنا 
مرهفة. 

في يوم ما جاءً طرد كبير للقيصر؛ كُتبّ عليه: عندليب. 

ها هو كتاب جديد لدينا عن طيرنا المشهور!" 

قال القيصر؛ ولكن لم يكن هناك كتاب. كانت قطعةٌ فنيةٌ صغيرةٌ في علبة؛ هي 
عندليب اصطناعي؛ يشبه الحي. ولكنه مَرصّعٌ بالماسء الياقوت والسفير؛ وحالما يسحَب 
الطير الاصطناعي من العلبة يبدأ الغناءً بإحدى المقطوعات التي يغنيها الحقيقي, 
ويروح ذيله صاعدا نازلا لامعا بالفضة والذهب. حول العنق عَلْقَ شريطٌ صغير مكتوب 
عليه:” عندليب قيصر اليابان فقير أمام عندليب القيصر الصيني." 

"ب أجلمله:!* عالرا عسييها: عضيل الذي جدب الطبر الامكظناعن باتال عل 
منصب راعي عندليب القيصر الأعلى". 

" عليهما الغناء سويةٌ الآن! كم سيكوا ثنائيا رائعا!" 

وغنيا معاء لكن الأمر لم ينجح تماماء إذ إن العندليب الحقيقي غنى بأسلوبه 
والطير الإصطناعي غنى وفق الأسطوانة. 

" ليس ذنبه, " قال الموسيقي, " تم ضبط إيقاعه بشكل خاص. نحن من المادرسة 
سه" وكان على الطير الاضطناض أن يعض وعدة "وقد جلت السعادة مقدار نا 


201 


جلبّ الحقيقي. كما إن النظر إليه كان فيه متعدٌ أكبر بكثير» فلمعائّه كان كلمعان سوار 
ودبوس صدر. 

غنى المقطوعة ذاتها ثلاثاً وثلاثين مرة. رغم ذلك لم يكن تعبا؛ الناس تمنت لو 
تسمعها مرارا ومرارا؛ ولكن القيصر رأى أن العندليب الحي يجب أيضا أن يغني قليلا 
الآن. ولكن أين هو؟ لم يلاحظ أحدهم بأنه قد طار عبر النافذة المفتوحة بعيدا إلى 


الغابات الخضراء. 
" ولكن ما معنى هذا !" قال القيصر؛ شتمت الحاشيةٌ جميعها العندليبء ورأوا أنه 
كان حيوانا ناكرا للجميل جدا. 


" نحن لديئا الطير الأفضل على أية حال!" قالت الحاشية, ومن ثم كان على الطير 
الإصطناعي أن يغني ثانية. وكانت هذه المرةٌ الرابعةً والثلاثين, التي سمعوا فيها 
المقطوعة نفسها؛ رغم ذلك لم يتمكنوا منها بشكل تام, لأنها كانت صعبةٌ جداء 
والموسيقي مَدَحَ الطيرَ بشكل غير اعتياديء أجلء أَكّْدَ لهم بأنه كان أفضل من 
العندليب الحقيقي. ليس فقط بما يخص اللباس و كل تلك الماسات الجميلة, لا بل ما 
في الداخل أيضا. 

" ها أنتم ترون سيادتكّم, حضرات السادة والقيصر قبل الجميع! لا يمكن أبدا توقع 
ما سيأتي مع العندليب الحقيقي. ولكن مع الطير الإصطناعي فكل شيء محدد! وهكذا 
سيبقى ولن يختلف! يمكن تفكيكه وإظهار حركة الإسطوانات داخله للفكر البشري 
وفكرة عملها!" 

" كان هذا رأينا !" قالوا جميعاء وسّمحَ للموسيقي بأن يخرج بالطير إلى الشرفة 
ليراه الناس يوم الأحد القادم؛ هم أيضا يجب أن يسمعوهء قال القيصر. وقد سمعوه 
وقتعوا للغاية وانتشوا وكأنهم شربوا الشاي, وتلك كانت الطريقة الصينية التقليدية 
للاحتفال. الكل قال " الله!" ورفعوا ابهام يدهم في الهواء وانحنوا محيين بعدها؛ أما 
صيادو السمك الفقراء الذين كانوا قد سمعوا العندليب الحقيقي فقالوا: " هناك رنّة 
جميلة, شبيهة نوعا ماء ولكن شيئا ما ناقص؛ لا نعرف ما هوا" 

العندليبُ الحقيقي كان قد أبعدَ من البلد والمملكة. 

حصل الطير الاصطناعي على مكان فوق الوسادة الحرير عند سرير القيصر؛ وقد 


202 


م 
. 


وضع من حوله كل ما حصل عليه من هدايا. الذهب والأحجار, أما المنصب فقد ركّمَ 
إلى " مغني طاولة سرير القيصر الأعظم ". من الدرجة الأولى إلى الجانب الأيسر. لأن 
القيصر قد أَعَدٌ هذا الجانب الأكثر رقيا ورفعة. حيث يكون القلب, والقلب يقع أيضا 
في الجانب الأيسر لدى القيصر. وقد كَنَبَّ الموسيقي خمسةٌ وعشرين جزءاً عن الطير 
الإصطناعي. كانت علميةً جدا وطويلة» وبكلمات صينية صعبة جدا بحيث أن الناس 
جميعا قالوا إنهم قد قرؤوها وفهموهاء وإلا سيكونون أغبياء وحينها ستضرب بطونهم. 

وهكذا مر عام كامل؛ القيصرء ال حاشية وكل الصينيين الآخرين حفظوا عن ظهر 
قلب كل زقزقة في أغاني الطير الإصطناعي؛ ولكن لهذا السبب تحديدا أحبوه كثيرا. 
كان بإمكانهم مرافقته في أداء أغانيه. وقد أدوها فعلا. الأولاد المتسوكون غنوا 
"زيزيزي! وقوقوق!!" وكذلك غناها القيصر! كل ذلك كان جميلا! 

ولكن ذات ليلة عندما غنى الطير الإصطناعي بأفضل صورة, والقيصر مستلق في 
سريره يستمع إليه سمعت طفَّهٌ داخل الطير؛ قد قلت شيء ما؛ " زرررررر!" كل 
العجلات دارت ومن ثم توقفت الموسيقى. 

قفز القيصر بال حال من على السرير واستدعى طبيبه الخاص. ولكن ماذا كان 
بإمكانه أن يفعل! ومن ثم تم إحضار الساعاتي. وبعد جهد جهيد تمكن من تصليح 
الطير نوعا ما؛ ولكنه قال يستوجب الترشيد به. إذ إن النتوءات في داخله قد 
استهلكت ولم يكن من الممكن تعويضّها بأخرى جديدة إذ لم يكن من المؤكد توافقّها مع 
الموسيقى. أثار ذلك حزنا عميقا! كان المرء يتجرأ على استخدام الطير الاصطناعي مرة 
واحدة في السنة . كما كان في الغناء نشازٌء بعدها ألقى ال موسيقي خطبةً قصيرة 
بالكلمات الصعبة تلك وقال أن ذلك كان جيدا قاما كما كان قيلا. 

م عل للك عه سترات وأصاب البلدَ بأكمله حزن شديدء إذ انهم كانوا 
جميعا يحبون قيصرهم من الأعماق؛ وهو الآن مريض ويقال إنه لم يكن بمقدوره العيش؛ 
لذا تم اخسيار قيصر جديد وقد وقفت الناس في الشارع تسأل المرافق عن صحة 
القيصر. 

" ب!" قال المرافق وهز رأسه. 

استلقى القيصر باردا وشاحبا في سريره الضخم؛ كل الحاشية اعتقدت بأنه ميت, 


203 


وكل فرد ركض إلى القيصر الجديد لتحيته. خرج الخدم ليتحدثوا عن ذلكء وينات 
القصر كانت لديهن حفلة كبيرة لتناول القهوة. وقد وضعت أغطيةٌ في كل مكان من 
القاعات والممرات على الأرضية والأثاث كي لا يُسمَعْ وفع أقدام أحدهم قر مسر 
ولهذا كان هناك هدوءً شديد جدا يعم المكان. ولكن القيصر لم يكن قد مات بعدء فهو 
هامد وشاحب مستلق في سريره الفخم ذي الستائر المخملية الطويلة والدندشات 
الذهبية. في الأعلى كانت هناك نافذة مفتوحة وقد لمع القمر في الداخل على القيصر 
والطير الإصطناعي. 

القيصر المسكين كان يتنفس بصعوبة وكأن شيئا قد جثا على صدره؛ فتح عينيه 
ورأى أن الموت كان جالسا على صدره وقد أخذ منه تاجه الذهبي ومسك في يد سيف 
القيصر الذهبي وفي اليد الأخرى علَمّهُ العظيم؛ ومن بين الثنيات في ستائر السرير 
المخملية برزت هناك رؤوس عجيبة: قسم منها رهيب جدا وآخر مبارك عطوف: كانت 
هذه أفعال القيصر الخيّرة والسيئة التي أخذت تنظر إليه الآن وقد جئت على صدره: 

" هل تتذكر ذلك؟ " همس الواحد بعد الآخر." هل تتذكر ذلك!" وأخيروه الكثير 
حتى تفصّد العرق في جبينه. 

" لم أكن أعلم بذلك مطلقا؛" قال القيصر. " موسيقى, موسيقى! الطبل الصيني 
الكبير!" صاح, " كي لا أسمع كل ما يقولون!" 

ولكنهم استمروا, والموت يومئُ كالصيني برأسه لكل ما قيل. 

" موسيقى, موسيقى!" صرخ القيصر." أيها الطير الذهبي الصغير المبارك! هيا 
غن. غن! لقد أعطيتك ذهبا وكل ما غلاء قد علقت بنفسي حُفيُ الذهبي حول عنقك. 
هيا غن, غنً!" 

ولكن الطير وقف صامتاء لم يكن هناك من يُديره؛ وبالتالي فلن يستطيع أن 
بغني. ظل ا موت ينظر إلى القيصر بجحري عينيه الفارغتين. يحيطه هدوء تام هدوء 
مفزع. 

هناك سمعٌ باللحظة عند النافذة أحلى غناء. كان العندليب الحي الصغير الذي 
وقف على الغصن في الخارج؛ قد سمع بأزمة القيصر ولهذا جاء ليغني له مواساةً 
واملا؛ وكلما غنى,. شحبت تلك القامات ورؤسها اكثر واكثرء ودار الدم في جثئة 


204 


القيصر الواهنة وصار أصح وأصح. حتى الموت أنصت وقال : " استمر أيها العندليب 
الصغيرء استمر!" 
أجل سأغني ولكن هل ستعطيني هذا السيف الذهبي الثمين! حسنا! هل 

ستعطيني هذا العلم الغالي! هل تعطيني تاج القيصر!" 

وأعطى الموت لكل اغنية كنرا. والعندليب استمر بالمزيد من الغناء. غنى عن 
المقبرة الهادئة حيث تنمو الورود البيض. حيث عطر شجر البيلسان و حيث دمع الأقرباء 
الأحياء يسقي العشب الطري؛ حينها شد الحنين اموت إلى حديقته وحلّقَّ مثل ضباب 
أبيض بارد خارجا عبر النافذة. : 

" شكراء شكرا!" قال القيصر. " أيها الطير السماوي الصغير. أعرفُك جيدا! لقد 
طردتك من البلد ومملكتي! وبالمقابل فقد طردت عن سريري الأرواح الشريرة بغنائك 
أَرَحتَ الموت عن قلبي! كيف أكافئك؟" 

" لقد كافأتني!" قال العندليب, " لقد فزت بدمع عينيك المرة الأولى: لن أنسى لك 
ذلك مطلقاء إنها المجوهرات التي تجعل قلب المغني طيباء! نَم الآن. عساك معافى 
نشيطاء اعلم بأني سأظل أغني لك!" 

وغنى العندليب فغط القيصر في نوم عميق جميل. كان نوما مريحا وشافيا. 


الشمس أشرقت له داخل الغرفة من خلال النافذة عندما استيقظ قويا ومعافى. لم 
يكن أحد من الخدم قد جاء بعد. إذ اعتقدوا أنه ميت. ولكن العندليب كان جالساً 
هناك يغني. 

" أريدك أن تبقى دوما عندي!" قال القيصر, " لا عليك أن تغني إلا عندما ترغب 
بذلك: أما الطير الإصطناعي فسأكسره إلى ألف قطعة!" 

" لا تفعل ذلك!" قال العندليب؛ " لقد فعل أفضل ما يمكنه! احتفظ به للأبد! أنا 
لا يمكنني العيش في القصرء دعني آت كل ما رغبت بذلك؛ حينها وفي كل مساء 
سأقف على الغصن هناك عند النافذة وأغني لك حتى ينشرح صدرك, وتكون مطلعا 
على جميع الأمور من جديد. سأغني عن السعداء وعن الذين يعانون! سأغني عن الخير 
والشر الخفي من حولك! العصفور الشادي الصغير سيطير بعيدا إلى الصياد الفقير, 


205 


وعاليا فوق سقف الفلاح, إلى كل الذين هم بعيدون عنك وعن حاشيتك! أنا أحب قلبك 
أكثر من تاجك. رغم إن للتاج رائحة شيء ما مقدس ! سآتي وسأغني لك ولكن عليك 
أن تعدني بشيء!" 

" أنت تأمر!" قال القيصر الذي وقف بثوبه القيصري الذي ارتداه بنفسه وقد 
أمسَّكَ السيف المثقل بالذهب قريبا من قلبه. 

" أطلب منك طلبا واحدا! ألا تخبر أحدا بأن لديكَ طيراً صغيراً يخبرك عن كل 
شيء وسترى أن كل شيء سيسير أفضل بكثير". 

وحينها طار العندليب بعيدا. 

دخل الخدم لرؤية القيصر المحتضر فاكَتَفَهُم الذهول عندما قال القيصر لهم : 
"صباح انيرا" 


كتبت في عام ١844‏ 


206 


ملكة الثلج 


قصة أولى 

تدور حول المرآة والشظايا 

انصت, سنبدأ الآن. وعندما نصل نهاية القصة سنعرف أكثر مما نعرفه الآن. لأن 
هناك عفريتاً شريراً. واحد من أسوأ العفاريت. الشيطان بعينه! كان ذات يوم بمزاج 
رائق؛ عندما صنع مرآةٌ ذات قدرة على اختزال كل ما هو طيب وجميل مما ينعكس فيها 
إلى لا شيء. أما ما هو غير صالح وقبيح فيبدو في المرآة واضحاً يزداد سوءاً. بدت 
أجمل مناظر الطبيعة مثل سبانخ مطبوخ. أفضل الناس صاروا بشعين أو وقفوا على 
رؤوسهم بدون بطونء الوجوه بدت مشوهة لا يمكن تمييزهاء وإن كان لأحدهم فش 
فليتأكد بأنه سينتشر على الأنف والفم. كان ذلك مضحكا للغاية قال الشيطان. إن 
مرت نية صالحة تقية ببال إنسان انطلقت ضحكة من المرآة تدع الشيطان العفربت 
يضحك لإختراعه الخارق. كل الذين دخلوا مدرسة العفريت التي أنشأها ذكروا بأن 
معجزة قد حصلت؛ يمكن للمرء الآن ولأول مرة أن يرى حقيقة العالم والبشرء قال هؤلاء. 
لقد داروا بالمرآة هنا وهناك وأخيرا لم يبق بلد أو بشر إلا وقد شو بداخلها. وهم الآن 
يريدون الطيران عاليا نحو السماء ليسخروا من ربنا والملائكة. وبالفعل فقد طاروا 
عاليا بالمرآة» وكلما زادت ضحكتها قوة صار من الصعب الإمساك بها؛ طاروا عاليا 
وعالياء قريبا من الله والملائكة؛ حينها ارتعدت المرآة السحرية بشكل مرعب من 
الضحك فسقطت من بين أيديهم إلى الأسفل وارتطمت بسطح الأرض حيث تكسرت إلى 
مئات الملايين والبلايين وأكثر من الشظاياء عندها تسببت في أضرار جسيمة أكثر من 
ذي قبل؛ بعض الشظايا كانت بحجم حبات الرمل التي طارت هنا وهناك في العالم 
الفسيح ودخلت في عيون الناس الذين بقوا جالسين في مكانهم. حينها رأى هؤلاء 
الناس كل شيء بشكله الخطأ. و لم تقع أعينهم إلا على ماهو قبيح في الشيء. فكل 


207 


شظية من المرآة كان لها القوة ذاتها التي كانت لدى المرآة بأكملها؛ اخترقت شظايا المرآة 
الصغيرة قلوب بعض الناس فصاروا قاسين جدا فالقلب قد تحول إلى ما يشبه قطعة 
ثلج. بعض كسر المرآة كانت كبيرة فاستخدمت كزجاج نوافذ ولكن عبر تلك النوافذ لم 
يكن الأمر يستحق أن ترى أصدقاءك؛ كسّرٌ أخرى دخلت في النظارات؛ الأنكى من 
ذلك عندما وضع هؤلاء الناس نظاراتهم فك قاصدين أن يكونوا عادلين؛ الشرير كان 
يضحك حتى تفطرت بطنه. ذلك كان يدغدغه دغدغة يلعدّ لها. وما زالت كسرٌ زجاج 
تطير في الجو. 


سنسمع الآتي. 
قصة أخرى 
ولد صغير وبنت صغيرة 


داخل المدينة الكبيرة» ببيوتها الكثيرة وناسها لم يكن هناك مكان كاف كي تكون 
لكل واحد من هؤلاء حديقة صغيرة, لذا فقد اضطر الأغلبية إلى الإكتفاء بأزهار الأصص. 
وقد كان هناك طفلان صغيران لديهما حديقة أكبر قليلا من أصيص زهر. لم يكونا 
أخوين. لكنهما أحبًا بعضهما بعضاً كثيراً وكأنهما أخوان. لقد سكن أهلهما في غرفتين 
صغيرتين متقابلتين في سقف بيتين متتجاورين التصق سقفاهما ببعضهما بعضاً. امتد 
مزراب على عرض السقفين المائلين اللذين برز من كل منهما شباك صغير إلى الخارج؛ لا 
يحتاج المرء إلا إلى أن يتشبث بالمزراب ليعبر بقدميه من أحد الشباكين للآخر. 

كان لكل من العائلتين صندوق خشبي كبير في الخارج؛ فت فيه أعشاب 
يستخدمونها للطبخ وشجيرة وره جوري صغيرة؛ في كل صندوق واحدة منها كبرت 
ريانة يائعة. وقد فكر الأهل بوضع الصناديق متعامدة مع المزراب بحيث يكوان خطا 
واحداً من الشباك الأول إلى الثاني. بدا المنظر حياً وكأنه سد ترابي من الزهور. تعريشة 
البازلاء معلقة على الصناديق وشجيرات الورد الجوري أطلقت فروعا طويلة التقّت حول 
الشبابيك وانحنت تجاه بعضها بعضا: وكأنها الإكليل الإحتفالي المعرش بالخضرة 
والزهور. لما كانت الصناديق عالية جدا وقد عرف الطفلان بأن عليهما ألا يتسلقا 


208 


عالياً. لذا فقد حصلا على إذن بالصعود إلى بعضهما بعضاً. يجلسان على كرسييهما 
الصغيرين تحت الجوري وهناك يستمتعان كثيرا بلعبهما معاً. 

في الشتاء كما تعرف تكون المتعة قد انتهت. الشبابيك كانت في الغالب متجمدة 
كليًا, ولكنهم حينها يسخَّنون قطع النقود النحاسية على الموقد ويضعونها على النافذة 
المتجمدة فيصبح عندهم ثقب للنظر. صغير جميل مدورٌ مثل القمر؛ عيون حلوة بريئة 
خلف الثقبين تختلس النظرء كلّ من نافذة: الطفلان كانا هما الولد الصغير والبنت 
الصغيرة, هو اسمه كاي وهي اسمها جيردا. 

أثناء الصيف كائا يكونان عند بعضهما بقفزة واحدة. في الشتاء كان عليهما 
أولا نزول درجات السلم الكثيرة وصعودها بعد ذلك؛ الثلج تذروه الريح. 

" إنه حشد زنابير بيض ذلك الذي يطير ." قالت الجدة العجوز. 

" هل لديهم ملكة نحل أيضا؟" سأل الولد الصغير لأنه عرف بأن بين النحل هناك 
واحدة كهذه. 

' أجل لديهم؛" قالت الجدة. " إنها تطير هناك في المكان الذي يطيرون 
ويحتشدون فيه كثيراً! إنها الأكبر بينهم. تكاد لا تطأ الأرضء تطير بعدها مرة أخرى 
من السماء السوداء. في العديد من الليالي الشتوية تطير عبر أزقة المدينة وتطل في 
النوافذ. فتتجمد النوافذ بشكل غريب, وحينها وكأن أزهاراً تتشكل. " 

" نعم. لقد رأيت ذلك!" قال الطفلان وعلما بأن ذلك كان حقيقياً. 

" هل يمكن لملكة الثلج أن تدخل هنا؟" قال الولد. " سأضعها على الموقد الحار 
فتذوب. " 

لكن الجدة العجوز مسّدت شعره وقصّت عليه قصصاً أخرى. 

وفي المساء عندما كان كاي الصغير في البيت نصف عار. صعد فوف الكرسي 
عند النافذة ونظر عبر الثقب الصغير إلى الخارج؛ بضع ندفات ثلج سقطتء, وواحدة 
منهاء كانت الأكبر بينها بقيت على حافة أحد صندوقي الزهر؛ ندفة الثلج هذه كبرت 
وكبرت وأخيرا صارت تشبه إمرأةً مرتدية الأبيض المرّهر الشفاف الذي تشّكل من 
ملايين النجمات من ندف الثلج. بدت في غاية الجمال والرقّة ولكنها من الثلج الثلج 
الساحر اللامع, ليتها كانت حية؛ العينان تحدقان مثل نجمتين صافيتين, لكن لم يكن 


209 


فيهما سلام ولا راحة. انحنت تجاه الشباك ولوحت بيدها. تلك الولد الصغير الهلع فقفز 
من على الكرسي. حينها وكأن طيراً كبيراً قد حلق عبر النافذة. 

في اليوم التالي كان الجو متجمدا صافيا. ذاب الثلج وأتى الربيع بعدها فأشرقت 
الشمس.ء اندفعت براعم الأشجارء بْنَتَْ السنونوات أعشاشها وانفتحت الشبابيك على 
مصاريعها. وجلس الطفلان الصغيران مرة ثانية في حديقتهما الصغيرة فوق المزراب, 
عاليا فوق كل طوابق البناية. 

وفي هذا الصيف كانت الأزهار التي تفتحت لا مشيل لها؛ وقد حفظت البنت 
الصغيرة نشيدا كان يُذَكّر فيه شيء عن الورود الجورية» التي تجعلها تفكّر بزهورها 
هي. وقد غنى الولد معها: 

الورد ا جوري يكبر في الوادي 

هناك على الابن عيسى ننادي 


ومسك الطفلان بيدي بعضهما بعضاً, قبلا الزهور ونظرا إلى شمس الله المشرقة 
وتحدثا إلى الابن عيسى وكأنه موجود هناك. يا لروعة تلك الأيام الصيفية, كم كانا 
مباركين بهذا الجو عند شجيرة الورد الجوري التي يتخيل للناس أن الأزهار فيها لن 
تتوقف عن التفتح الواحدة تلو الأخرى. 

جلس كاي وجيردا يتصفحان كتاباً مصوراً عن الحيوانات والطيور. كانت الساعة 
تدق الخامسة ماما في برج الكنيسة العالي حين قال كاي: آي! شيء ما وخزني: وخزني 
في قلبي! قد دخل في عيني شيء ما. 

تشبقت البنت برقبته؛ رمش عينيه؛ لم يكن فيهما ما يرى. 

فقال " لم يعد فيهما شيء, راح على ما أظَن)" ؛ في الحقيقة لم يكن ظنه في مكانه. 
فقد كان ذلك هو إحدى حبّات الزجاج التي قفزت من المرآة, المرآة السحرية, نتذكرها جيداً 
ولا شك المرأة البشعة التي جعلت كل ماهو كبير وجميل ينعكس فيها فيبدو صغيرا 
وقبيحاً؛ بيئما الشر والسوء يظهران بشكل حسن فيها, ويمكن حالاً ملاحظة كل العيب 
وقد كَمَن في كل شيء. المسكين كاي أصيبّ أيضا بحبة من زجاج المرة في قلبه. وتلك 
الحبة سرعان ما ستتحول إلى كتلة ثلج. لم تعد تؤله ولكنها نابتة في قلبه. 


210 


سألها:" لم تبكين؟ إنك تبدين قبيحة هكذا! ليس بي شيء قلت لك! يا للقبح! " 
صاح مرة واحدة:" تلك الوردة الجورية هناك قد قضمتها دودة! انظري, وهذه مشوهة 
تماما! انها تبدو في الحقيقة زهورا مشوهة! كذلك الصناديق التي زرعت فيها!" وركل 
بعدها الصندوق ركلة عنيفة واقتلع الزهرتين. صاحت البنت الصغيرة: 

" كاي. ماذا فعلت؟". عندما رأى هلعها اقتلعٌ زهرة أخرى وركض عبر شباكه 
بعيداً عن جيردا الصغيرة الطيبة. 

وعندما جاءت مرة بكتاب مصور قال لها إنه كتاب للأطفال الرْضّع. وكلما حكت 
الجدة حكايات كان يقول دوما: " ولكن”. أجل وإن تمكن من مغافلتها يقف خلف ظهرها 
واضعا النظارة متحدثئاً مثلها؛ تقليده كان دقيقاً مما يضحك الناس. بل سرعان ما تمكن 
من تقليد الناس في الزقاق كلهم. كان يقلّد كل ماهو شاذ وليس بجميل في الناس. 
والناس كانت تقول: " فظيع رأس هذا الولد !". كان وراء ذلك قطعة الزجاج التي 
دخلت عينه, قطعة الزجاج التي نبتت في قلبه كانت السبب في مناكفته حتى لجيردا 
الصغيرة التي أحبته بكل قلبها. 

صار لعبّه مختلفا عما قبل, على قدر من الذكاء والمعرفة: ذات يوم شتوي كانت 
فيه الريح تذر الثلج. جاء كاي بعدسة زجاجية مكبرة كبيرة, أمسك بزاوية من معطفه 
الأزرق وجعل ندف الثلج تتساقط فوقه. 

وقال " انظري بالعدسة يا جيردا!" كل ندفة ثلج صارت أكبر وبدت مثل زهرة رائعة 
الجمال أو نجمة بعشرة رؤوس: كان النظر إليها ممتعا. 

" هل رأيت كم هي اصطناعية!" قال كاي, " انها ممتعة أكثر من الأزهار الطبيعية, 
ليس هناك فيها ولو عيب واحد. أشكال دقيقة جدا إن لم يذب الثلج. 

بعد فترة جاء كاي مرتدياً قفازات كبيرة وزلاقته على ظهره. صرخ في أذن 
جيردا:" حصلت على إذن بالتزحلق في الساحة الكبيرة؛ حيث يلعب الآخرون!" وانطلق. 

ربط الأولاد المغامرون زلأقاتهم هناك في الساحة بعربة الفلاح التي جرتهم مسافةٌ 
لا بأس بها. كانت متعة كبيرة لهم. وبينما هم مستمتعون بلعبهم جاءت زلأقة كبيرة؛ 
زلاقة مطلية بطلاء أبيض جلس فيها شخص ملتحفاً بفرو أبيض أشعث وطاقية بيضاء 
من الفرو؛ الزلأقة دارت الساحة مرتين, أسرع كاي بربط زلاقته الصغيرة بها فتزحلق 


211 


معها. مشت الزلاقة أسرع وأسرع حتى دخلت شارعاً آخر؛ والتفت الذي يقود الزلاقة 
إلى كاي وحياه بلطف وكأنهما كانا يعرفان بعضهما؛ وفي كل مرة كان كاي ينوي فك 
ربطة زلاقته الصغيرة يلتفت الشخص إليه فيبقى جالساً في مكانه؛ مشت الزلاقة بهما 
خارج بوابة المديئة. حينها بدأ الثلج يتساقط بكثافة حتى إن الولد الصغير لم يستطع 
أن يرى ما أمامه. ولكنه انطلق مسرعا وأفلت الحبل سريعاً ليتحرر من الزلاقة الكبيرة, 
ولكن ذلك لم ينفع فعجلته الصغيرة بقيت عالقة وراحت منجرفة مع سرعة الريح. 
عندها أخذ ينادي بصوت عال جدا ولكن لم يسمعه أحدء كان الثلج يذر والزلاقة تطير 
فوق المنحدرات والأسيجة. كان كاي مرعويا جداً, كان يريد تلاوة صلاة.... لكنه لم 
يتذكر غير جدول الضرب. 

ندفات الثلج صارت أكبر وأكبر وأخيراً بدت مثل دجاجات بيض كبيرات؛ بلحظة 
قفزن جانباً؛ توقفت الزلاقة الكبيرة ونهض الشخص الذي كان يقودها.ء الفرو والطاقية 
كانت مغطاة بالثلج تماما؛ كان الشخص سيدة. طويلة جداء مستقيمة الظهر, تلمع لشدة 
بياضها. كانت هي ملكة الثلج. 

" ها نحن قد وصلنا سالمين". قالت الملكة, " ليس هذا ببرد. هياء تعال احتم تحت 
فرو الدب لمعطفي". ووضعته عندها في الزلاقة, ولحفته بالفرو فبدا وكأنه قد اختفى 
داخل كثبان ثلجية. 

" أ ما تزال متجمداً من البرد ؟" سألته وقبّلته على جبينه. إشاه. كان ذلك أبرد من 
الجليد. تسرب ذلك مباشرة إلى قلبه الذي كان على أية حال نصف متجمد؛ شعر وكأنه 
على وشك أن يموت؛ ولكن ذلك كان فقط للحظة, بعدها شعر بالراحة تماما؛ لم يعد 
يشعر بالبرد من حوله. 

" زلاقتي. لا تنسي زلاقتي" هذا أول ما تذكّره. وقد ربطت على إحدى الدجاجات 
البيض. وطارت خلفه. طار والزلاقة على ظهر الدجاجات. قبّلت ملكة الثلج كاي ثانية 
فنسي حينها جيردا والجدة وجميع من في البيت. 

" لن تحصل على قبل أكثر وإلا قتلتك بالتقبيل", قالت الملكة له. 

نظر كاي إليهاء كانت جميلة جداء لم ير إمرأة أكثر ذكاء؛ ووجهاً أكثر جمالاً 
منها. لا تبدو له الآن من الثلج كما بدت له تلك المرة خارج الشباك وهي تلوح له؛ بدت 


212 


بعينيه كاملة؛ لم يشعر بالخوف نهائياً, أخبرها بأنه جيد في الحساب دون الكتابة على 
الورق. الكسور والأميال المربعة في المساحة وعدد السكان. كانت تبتسم دوماء ومع 
ذلك فقد شعر حينها بأن ما يعرفه لم يكن كافياً؛ ونظر عالياً إلى الفضاء الكبير 
وطارت هي معه, طارا عالياً في الغيمة السوداء. صفرت العاصفة وهدرت وكأنها 
تغني أناشيد قديمة. طارا فوق الغابات والبحيرات. فوق البحار والأراضي؛ في الأسفل 
كانت الريح الباردة تئز والذئاب تعوي والثلج يلمع. فوقه طارت الغسريان السود 
المتصارخة ولكن في الأعلى سطع القمر كبيراً صافياً. رأى كاي فوقه الليل الشتوي 
الطويل الطويل؛ كان ينام أثناء النهار عند قدمي ملكة الثلج. 


قصة ثالثة 

حديقة زهور المرأة التي كان بإمكائها فعل السحر 

كيف حال جيردا يا ترى عندما لم يعد كاي إليها؛ أين عساه يكون؟ لا أحد 
يعرف, لم يأت أحد بخبر عنه. لم يقل الأولاد سوى أنهم رأوه يشدٌ زلاقته الصغيرة 
بأخرى فخمة كبيرة انطلقت في الشارع ومن ثم إلى خارج بوابة المدينة. لم يعرف أحد 
مكانه وقد انثالت الكثير من الدموع. وبكت جيردا الصغيرة طويلا وبحرقة؛- وجاء 
من قال بأنه قد مات. قد غرق في النهر الذي كان يجري بمحاذاة المدينة؛ ويا لها من 


أيام شتائية معتمة طويلة. 
وحل الربيع بشمسه الدافئة. 


" كاي قد مات وراح". قالت جيردا الصغيرة. 

" لا أعتقد ذلك". قالت أشعة الشمس. 

" لقد مات وراح", قالت جيردا للسنونوات. 

" لا أعتقد ذلك ". أجابت أشعة الشمس حتى صدّقت جيردا في النهاية بذلك. 
"سألبس حذائي الأحمر الجديد", قالت ذات صباح باكرء " لم ير كاي حذائي هذا من قبل 
أبداً. وسأذهب إلى النهر وأسأله". ولكن الوقت مبكرٌ جداً؛ قبّلت جيردا جدتها العجوز 
التي كانت نائمة: ارتدت حذاءها الأحمر وذهبت وحدها خارج بوابة المديئة إلى النهر. 
"هل صحيح أنك أخذت رفيق لعبي؟ سأعطيك حذائي الأحمر لتعيد لي كاي ثانية", 
وظنت بأن الموج يهترّ بطريقة غريبة جدا؛ لذا أمسكت جيردا حذاءها الأحمر. وهو أعرٌ 


213 


ما قلك إلى قلبها ورمت كلتا الفردتين في النهر ولكنهما سقطتا قريباً من الضفة 
فحملتهما الأمواج الصغيرة بالحال إليها. وكأن النهر لم يشأ أن يأخذ منها أعز ما تملك 
لأنه لم يكن يحتفظ بكاي. لكنها اعتقدت بأنها لم تلق الحذاء بعيدا بما يكفي فزحفت 
وتسلقت قارباً كان بين البردي وراحت حتى نهايته تماماً وألقت الحذاء من هناك, ولكن 
القارب لم يكن مربوطاً جيداً وبهذه الحركة التي قامت بها انزلق من على اليابسة إلى 
الماء؛ شعرت جيردا بذلك واسرعت لكي تترك القارب ولكن قبل أن تتمكن من العودة 
كان القارب قد ابتعد أكثر من نصف متر عن اليابسة وانساب سريعا في الماء. 

ملك جيردا عندها الفزع وانخرطت بالبكاء ولكن لم يسمعها أحد غير العصافير 
التي لم تستطع حملها إلى اليابسة ولكنها طارت على امتداد الضفة وهي تغني وكأنها 
كانت ترغب في مواساتها: " ها نحن هناء ها نحن هنا"؛ وا نجرف القارب مع تيار الماء؛ 
وجلست جيردا ساكنة ترتدي الجوارب دون الحذاء الأحمر الذي طفا بعدها ولكنه لم 
يصل القارب الذي أبحر بسرعة كبيرة. 

كانت ضفتا النهر رائعتين, الزهور جميلة, وهناك أشجار هرمة وسفوح فيها خراف 
وأبقار ولكن لم يلمح هناك بشر. 

" رما يحملني النهر إلى كاي. فكرت جيردا في سرها وبذلك فقد تحسن مزاجها. 
لذا نهضت وأخذت تنظر ساعات عديدة إلى الضفاف الخنضر؛ ووصلت إلى حديقة 
أشجار كرز حيث كان هناك بيت صغير بشبابيك حمر وزرق غريبة:, وبالمناسبة فقد كان 
سقف البيت من القش أيضاً, و جنديان من الخشب خارج البيت يؤديان التتحية 
للمبحرين الذين يمرون من هنا. 

نادت جيردا عليهما إذ اعتقدت بأنهما من الأحياء. لذا كان من الطبيعي ألا 
يجيبان عليها؛ لقد اقتربت جدا منهما عندما جرف النهر القارب اتجاه الضفة. صاحت 
جيردا عليهما بصوت أعلى فخرجت من البيت إمرأة عجوز تتعكز بعصا معقوفة؛ 
كانت ترتدي قبعة شمسية كبيرة رسمت عليها أحلى الزهور. 

" أيتها الصغيرة المسكينة". قالت المرأة العجوز, " كيف وصلت في هذا التيار 
القوي. كيف انجرفت في هذا العالم الفسيح". ونزلت العجوز إلى الماء وأمسكت 
بعصاها القارب وسحبته على الأرض وحملت جيردا الصغيرة. 


214 


كانت جيردا سعيدة لوصولها اليابسة لكنها كانت على الرغم من ذلك خائفة بعض 
الشيء من المرأة العجوز الغريبة. 

" هيا تعالي واخبريني, من أنت وكيف جئت إلى هنا". قالت المرأة. 

واخبرتها جيردا بكل شيء؛ وكانت المرأة العجوز تهرّ رأسها وتقول ' همم. همم", 
وبعد أن أخبرت جيردا العجوز بكل شيء سألتها عما إذا كانت قد رأت كاي الصغير. 
قالت لها العجوز أنه لم يمر من هنا ولكنه من المؤكد سيمر. على جيردا ألا تحزن. 
تذوقت جيردا كرز أشجار المرأة العجوز وقتعت برؤية أزهارها فقد كانت أجمل من أي 
كتاب مصورء إذ كل واحدة منها كانت تحكي وحدها قصة. وأخذت المرأة العجوز جيردا 
بيدها ودخلتا البيت الصغير وأغلقت المرأة العجوز الباب. 

كانت الشبابيك عالية جدا وزجاجها أحمر. أزرق وأصفر؛ وتفذ ضوء النهار لامعا 
بشكل غريب بكل الألوان. وعلى المائدة كان هناك أحلى الكرزء وجيردا أكلت ما تريده 
منه لأنها لم تعد خائفة. راحت المرأة العجوز شط شعر جيردا بمشط من الذهب بينما 
كانت تأكل. وشعرها المجعد والأصفر اللامع غاية في الجمال حول وجهها الجميل 
الصغير الذي كان مدوراً وبدا مثل وردة جورية. 

" لطالما اشتقت لبنت حلوة صغيرة مثلك", قالت المرأة العجوز. " سترين كيف 
سنكون منسجمتين نحن الإثنتان معا وكلما مشطتها العجوز نسيت جيردا رفيق لعبها 
كاي أكثر وأكثر؛ لأن هذه المرأة العجوز كانت ساحرة ولكنها لم تكن ساحرة شريرة, 
كانت تقوم بذلك لتمئع نفسهاء وقد فكرت الآن بأن تحتفظ بجيردا الصغيرة. لذا فقد 
خرجت إلى الحديقة مدّت عصاها على كل أشجار الورد الجوري وبالرغم مما كانت عليه 
الزهور المتفتحة من جمال غرقت في الأرض السوداء ولم يعد بإمكان المرء أن يجد أثراً 
لمكانها. العجوز كانت تخشى أن تتذكر جيردا ورودها الجورية حالما ترى الورود فتعود 
بذلك لعتذكر كاي الصغير وتفرً من هنا. وأخذت العجوز جيردا إلى حديقة الزهور. 
وياللعطر والجمال الذي كان! كل تلك الزهور التي يمكن أن تخطر على بال لكل الفصول 
انتصبت بذلك الإزهار الرائع؛ لا يمكن لكتاب مصور أن يفوقها ألوانا وجمالاً. قفزت 
جيردا من الفرح وأخذت تلعب حتى غابت الشمس خلف أشجار الكرز العالية, وعندها 
سان سرير وثير بلحافات حريرية حمرء حشيّت برهور البنفسج الزرق فنامت 
وحلمت أحلاما سعيدة مثل ملكة في يوم زفافها. 


215 


في اليوم التالي لعبت ثانية مع الأزهار تحت الشمس الحارة. وهكذا مر العديد من 
الأيام. 

عرفت جيردا كل زهرة, لكن رغم كل تلك الأزهار العديدة كانت تشعر بأن هناك 
واحدة ناقصة, ما هي , هذا ما لا تعرفه. وذات يوم عندما كانت جالسة تنظر إلى قبعة 
العجوز الشمسية وإلى الزهور الملونة عليهاء وبالتحديد في أجملها التي كانت وردة 
جورية نسيت العجوز أن ترفعها من على القبعة عندما سحرت الورود الجورية الأخرى 
في الأرض. ولكن هذا يحصل عندما لا يفكر المرء جيدا. 

ماذا؟. صاحت جيردا. " أ ليس هناك ورود جورية؟"؛ وقفزت بين أحواض الزهور 
تفتش وتفتش لكن لم يكن هناك ما تود العثور عليه. حينها جلست على الأرض 
وبكت وسقطت دموعها الحارة في المكان الذي كانت فيه شجيرة الورد الجوري قد غرقت 
تحت الأرض قاماء وعندما رويت الأرض بالدموع الحارة اندفعت الشجرة مرة واحدة من 
الأرض مزهرةً كما كانت قبل أن تغرق فحضنتها جيردا وقبّلت الورود وفكرت بورودها 
الجميلة في البيت وبأهلها وبكاي الصغير. 

" ياه. كم تأخرت ". قالت جيردا الصغيرة, " علي أن أجد كاي كما تعلمنء ألا 
تعرفن مكانه؟", سألت جيردا الورود الجورية. " هل تعتقدن بأنه مات وراح؟" 

" هو ليس بميت", قالت الورود. " وقد كنا تحت الأرض حيث يوجد كل الموتى, 
كاي لم يكن هناك", 

" شكرا ولكن". قالت جيردا الصغيرة وراحت إلى الزهور الأخرى, ونظرت في 
أصصهن وسألت:" ألا تعرفن أين يمكن أن يكون كاي؟" 

ولكن كل زهرة انتصبت تحت الشمس تحلم بحلمها أو قصتها هي وحصلت جيردا 
على الكثير الكثير منهاء لا أحد كان يعلم بمكان كاي. 


وماذا قالت زهرة النرجس الناري؟ 
اا : بم بم بجا انهنا و و 0 اسمعي أغاني 
عند ئار الحطب المشتعلة: ل ا وحول 5-5 الميت؛ ولكن زوجة 


216 


الهندوسي تفكر بالحي في هذه الدائرة, الذي عيناه تشتعل أحرٌ من اللهب, الذي تصل 
نار عينيه إلى قلبها قبل النار. من اللهب الذي سرعان ما سيحرق جسدها إلى رماد. 
هل يمكن للهيب القلب أن يموت في لهيب الحطب؟" 

" لم أفهم شيئا إطلاقا", قالت جيردا الصغيرة. 

" إنها حكايتي الخرافية". قالت زهرة النرجس الناري 


ماذا قال اللبلاب؟ 

" فوق على طريق الجبل هناك قلعة قديمة؛ تنمو النباتات الدائمة الخضرة الكثة 
على الجدار الأحمر العتيق. ورقة بصف ورقة, وعلى الشرفة هناك تقف بنت جميلة؛ 
تنحني على سياج الشرفة لتنظر إلى الطريق في الأسفل. ليس هناك من وردة جورية 
على الأغصان أكثر نضارة منهاء وليس هناك من زهر تفاح أكثر تمايلاً منها عندما 
تحمله الريح من الشجرة؛ ويا لخشخشة القفطان الحريري الرائع. ولكن هل سيأتي؟" 

" هل تقصدين كاي", سألت جيردا الصغيرة. 

" أنا أتحدث عن حكايتي الخرافية فقط. عن حلمي": أجابها اللبلاب. 


وماذا تقول زهرة قطرات الثلج؟ 

" علّق تخت خشبي بين الأشجار كأرجوحة؛ صبيتان رقيقتان, ثوبان أبيضان مثل 
الثلج. وشرائط حريرية طويلة تنسدل من القبعتين - تتأرجح؛ الأخ الذي كان أكبر منهما 
يقف في الأرجوحة؛ وهو ممسكٌ بذراعه حبلها. إذ كانت طاسّ صغير في يد وفي الثانية 
غليون أطفال سكري ينفخ فقاعات الصابون؛ الأرجوحة تروح وتجي ء والفقاعات تطير 
بألوان متغيرة جميلة؛ الفقاعة الأخيرة مازالت معلقة بانبوب الغليون. تنحني للريح؛ 
الأرجوحة تروح وتجيء. الكلب الأسودء خفيف مثل الفقاعات, يقف على قدميه الخلفيتين 
يود القفز في الأرجوحة معهم. الأرجوحة تطير؛ الكلب يسقط. يعوي وهو غاضب 
لاستغفاله, الفقاعات تنفجر- وأغنيتي تخت متأرجح, صورةٌ رغوة فوارة تتقافز. 

" من المكن أن يكون ما تقولينه جميلا ولكنك تقولينه بطريقة حزينة جداء كما انك 
لم تذكري كاي بالمرة. ما تقوله زهور الهايسنث؟ 


217 


" كان هناك ثلاث أخوات جميلات. شفافات جدا وراقيات؛ فستان إحداهن كان 
أحمر الثائية كان أزرق, الثالثة كان أبيض؛ رقصن يداً بيد عند البحيرة الساكنة في 
ليلة مقمرة. لم يكن جنيات بل كن أطفالاً لبشر. كان المكان يفوح شذا والبنات اختفين 
بالغابة؛ صار العطر أقوى؛ - ثلاثة اكفان ترقد بداخلها الفتيات الثلاث الجميلات, 
انزلقت من الأحراش في الغابة عبر البحيرة؛ طارت حشرات السانت هانس لماعةٌ حول 
المكان مثل شموع صغيرة متأرجحة. هل نامت الفتيات الراقصات أم إنهن ميتات؟ 
عطر الوردة يقول إنهن ميتات؛ ناقوس المساء يدق على الأموات. 

" أنت تجعلينني شديدة الحزن حقأ", قالت جيردا الصغيرة. " تفوحين بعطر نفاذ؛ 
يجعلني أفكر بالفتيات الميتات! يا للحزن. هل مات كاي العزيز حقا؟ الورود الجورية 
كانت تحت الأرض وقد قالت إنه لم يمت. 

" رنء ران"؛ دقت أجراس الهايسنث. " نحن لا ندق أجراسنا ل كاي فنحن 
لانعرفه. نحن لا نغني غير نشيدناء هو كل ما نعرفه” 

وراحت جيردا إلى زهرة زر الذهب التي برزت لماعة بين الأوراق الخضر الدهينة. 

1 إلى شين سر سناع : قالت جيردا. " هل يمكنك أن تخبريني أين أجد 
شقيقي في اللعب؟" 

ولعت زهرة زر الذهب بجمال كبير ونظرت إلى جيردا ثانية. أي نشيد كانت زهرة 
زر الذهب تغني؟ فلم تكن تلك الأغنية أيضا عن كاي. 

" في فناء صغير سطعت فيه شمس الرب دافئة جداً في أول يوم للربيع. انسابت 
الأشعة على جدار الجيران الأبيض. وفت بالقرب أول الأزهار الصفر ولمعت كالذهب تحت 
أشعة الشمس الدافئة؛ الجدة العجوز جلست على كرسيها عند الباب. الخادمة الجميلة, 
ابنة الإبنة الفقيرة جاءت في زيارة قصيرة؛ قبلت الجدة. ذهب يملا المكان, ذهب القلب 
في القبلة الطيبة, ذهب على الفم. وذهب في المعدن من الداخل. ذهب في الصباح 
الباكر فوق في الأعالي, هاهي قصتي القصيرة". قالت زهرة زر الذهب. 

" جدتي العجوز عزيزتي". تنهدت جيردا. " إنها بالتأكيد في شوق إلي. حزينة 
القلب من أجلي. مثلما حزنت من أجل كاي. ولكني سأعود إلى البيت سريعاً وسأجلب 
كاي معي. سؤالي للزهور لن يساعدني, فالزهور لا تعرف غير نشيدهاء ولا تخبرني 


218 


بشيء". وجمعت بدلتها الصغيرة ورفعتها إلى أعلى لكي تركض أسرع. ولكن زهور 
النرجس ضربتها على ساقيها عندما حاولت أن تقفز فوقها؛ حينها بقيت جيردا واقفة 
في مكانها تنظر إلى الزهرة الطويلة الصفراء ثم سألتها:" ربما أنت تعلمين شيئاً عنه؟ 
وانحنت على النرجسة. ماذا قالت النرجسة؟ 

" بإمكاني أن أرى نفسي. بإمكاني أن أرى نفسي", قالت النرجسة. " الله 
يالعطري. فوق في العلية تقف راقصة نصف عارية, تقف مرة على قدم واحدة, ومرة 
على اثنتين. تركل ما في طريقها. انها خيال ليس إلا. تريق الماء من إبريق الشاي على 
قطعة قماش تحملها. إنه مشد البطن؛- النقاء شيء جيد! البدلة البيضاء معلقة فوق 
المقبض. لقد عُسلت بإبريق الشاي أيضا وئُشرت على السطح؛ ولبستها, الإيشارب ذو 
اللون الأصفر الزعفرائي حول عنقهاء وسطعت البدلة ببياض أكبر. الساق في الهواء. 
انظر كيف يشرئب عنقها فوق ساق واحدة, بإمكاني أن أرى نفسي". 

" انا لا أحب ذلك نهائيا" قالت جيردا. " ما تحكينه لي لا يفيدني". وركضت إلى 
أقصى الحديقة. 

كان الباب مقفلا ولكنها هرت القفل الصدئ حتى انفتح الباب على مصراعيه 
وخرجت جيردا الصغيرة راكضة بقدمين حافيتين إلى العالم الفسيح. نظرت إلى الخلف 
ثلاث مرات, لم يكن أحد يتبعها؛ أخيرا لم يعد باستطاعتها الركض أكثر فجلست على 
صخرة كبيرة وعندما نظرت حولها كان الصيف قد ولّى. كان ذلك في أواخر الخريف, لم 
يكن بإمكان المرء الشعور بذلك داخل الحديقة الجميلة حيث الشمس مشرقة دوما وهناك 
زهور الفصول كلها. 

"يا إلهي؛ قد أَخَرتَ نفسي". قالت جيردا الصغيرة:" ها هو الخريف قد حل, 
لايمكنني أن أستريح ". ونهضت لتمشي. 

آخ. كم كانت قدماها الصغيرتان متعبتين تؤلمانهاء وقد بدا ما حولها باردأ 
وحشياً؛ كانت أوراق الصفصاف الطويلة صفراء ماما والضباب يقطر ماءً منهاء 
وسقطت الورقة بعد الأخرى؛ ليس غير برقوق السياج الذي ظلت ثماره قوية تجعل المرء 
يزم شفتيه. أوه, كانت الدنيا رمادية ثقيلة في هذا العالم الفسيح. 


219 


قصة رابعة 

أمير وأميرة 

كان على جيردا أن تستريح ثانية؛ وعندها قفز هناك غراب كبير على الثلج حيث 
تجلس. وقد كان جالسا ينظر إليها منذ مدة ويهر رأسه؛ قال: " غاق. غاق. يوم سعيد" 
لم يكن بإمكانه قول شيء أفضل من ذلك. لكنه كان يعني ما قاله للبنت الصغيرة: ثم 
سألها إلى أين هي ذاهية وحيدة في هذا العالم الفسيح. فهمت جيردا ما تعنيه الكلمة 
"وحيدة" جيدا جدا وأحست كثيراً بمقدار ما تحمله من معنى. حدئت الغراب عن قصة 
حياتها بأكملها وسألته إن كان قد رأى كاي. 

هر الغراب رأسه مفكراً وقال: " من الجائزء من الجائز". 

" ما الذي تقوله؟". صاحت البئنت الصفيرة التي أوشكت أن تخنق الغراب 
بالطريقة التي قبلته بها. 

" بالعقل بالعقل". قال الغراب. " اعتقد بأني أعرف. أعتقد. من الجائز أن يكون 
هو كاي الصغير. ولكنه قد نسيك الآن بسبب الأميرة". 

" هل يقيم عند أميرة؟”, سألت جيردا. 

" أجل. اسمعي". قال الغراب " ولكن من الصعب علي النطق بلغتك. لو تفهمين 
لغة الغراب. لسهل علي إخبارك بذلك " 

" لاء لم أتعلمها". قالت جيرداء " ولكن جدتي تعرفها. وتعرف أيضا لغة 
مصطنعة: ليتني تعلمتها". 

" لا مشكلة". قال الغراب. سأحاول أن أخبرك بالأمر قدر استطاعتي, ولكنها 
ستكون على أية حال لغة رديئة", وأخبرها بما يعلم. 

" في هذه المملكة, حيث نقيم. تسكن أميرة على درجة مخيفة من الذكاء. وهي قد 
قرأت كل الصحف الموجودة في العالم ونسيتها ثانية. إلى هذه الدرجة كان ذكاؤها. في أحد 
المرات جلست على العرش. ليس في هذا الامر متعة على الإطلاق كما نقول وعندها بدأت 
بالترنم بنشيد يقول بالضبط: " لم لا أتزوج": " إنها والله لفكرة". وأرادت الزواج بعدها 
ولكنها كانت تريد زوجاً يعرف كيف يجيب عندما يتحدث المرء معه. ليس مجرد مظهر لائق 
لأن ذلك سيكون مضجراً جداً. ودق الطبل منادياً على نساء الحاشية للمثول عندهاء وعندما 
سمعن ما أرادته تملكهن الفرح: " هذا ما نحبه". قلن, " لقد فكرنا بمثل هذا قبل أيام". 


220 


" ثقي بأن كل كلمة أقولها صادقة". قال الغراب. " لدي حبيبة داجنة تطير بحرية 
حول القصر وهي التي أخبرتني بكل شيء". 

كانت حبيبته من الطبيعي غراباً أيضاًء لأن الطيور على أشكالها تقع؛ وهي 
بالطبع غراب. ونزل حالاً في الصحف خيرٌ بإطار من القلوب مع شعار الأميرة؛ بإمكان 
المرء قراءة ما يلي فيه: " بإمكان أي شاب ذي مظهر جيد أن يحضر إلى القصر 
ويتحدث مع الأميرة, والذي سيجيب ويشعر بأنه يرتاح إلى ذلك البيت. ومن يكون 
أفضلهم حديئاً وإجابة ستتخذ منه الأميرة زوجا". - أجل, أجل!؛ قال الغراب, 
"صدقيني, هي الحقيقة مثلما أجلس أنا هنا الان. انهمر الناس مثل تيارء كان زحاما 
وركضاً؛ ولكن الملكة لم توفق بالأمر, لا في اليوم الأول ولا الثاني. كان بإمكانهم 
جميعا التحدث بطلاقة في الشارع وما ان يدخلوا عبر بوابة القصر ويروا ال حرس من 
فضة والخدم من ذهب على طول السلم والبهو الكبير المضاء حتى تصيبهم الدهشة؛ وما 
ان يقفوا أمام العرش الذي تجلس فيه الأميرة حتى يفقدوا القدرة على قول كلمة غير 
الكلمة الأخيرة التي قالتها الأميرة وهذا ما لم تكن تطيق سماعه ثانية. وكأن الناس 
في الداخل قد وضعت سعوطً على بطنها وراحت في سبات حتى خروجها الى الشارع 
ثانية كي تتمكن من التحدث ثانية, أجل. وقد وقف الناس في طابور من بوابة المديئة 
وحتى القصر. كنت هناك ورأيت ذلك بنفسي". قال الغراب. " جاعوا وعطشوا ولكنهم 
لم يحصلوا من القصر حتى على قدح ماء دافئ. صحيح أن بعض الأذكياء قد جلبوا 
معهم خبزة مدهونة ولكنهم لم يتقاسموها مع جيرانهم, لقد فكر كل واحد منهم في 
داخله ليبدو الآخر جائعا فلا تختاره الأميرة". 

" ولكن كاي, عزيزي كاي", سألت جيرداء " متى جاء؟ هل كان بين الحشد ؟" 

" قهلي. قهليء اقتربنا منه. كان اليوم الثالث, عندما جاء شخص صغير دون 
حصان أو عربة. مشى دون خجل مباشرة ودخل القصر؛ لمعت عيناه مثل عينيك, كان له 
شعر طويل جميل ولكنه كان يرتدي ملابس رئة " 

" إنه كاي", هللت جيردا. " يا للفرحة, وجدته". وصفقت بيديها. 

" كان على ظهره حقيبة صغيرة" قال الغراب. 

" إنها من المؤكد زلاقته" قالت جيرداء " لأنه اختفى مع زلاقته" 


221 


" محتمل ". قال الغراب " لم أستوضح ذلك, ولكني أعرف ذلك من خلال حبيبتي 
الداجئة؛ لم يكن خجولاً جبانا عندما دخل عبر بوابة القصر ورأى الحرس من فضة 
والخدم على طول السلم من ذهبء لقد حياهم وقال: 

" إنه لمن المضجر الوقوف على السلم, من الأفضل أن أدخل!". حينها سطعت 
الأروقة بالضوء؛ حافظو أسرار املك وجلالاتهم كانوا يمشون حفاة ويحملون أطباقاً من 
ذهب؛ يمكن أن يشعر المرء بالتهيب! حذاؤه كان يطقطق بصوت عال جدا ومع هذا لم 
يأبه للأمر" 

" إنه من المؤكد كاي". قالت جيردا. " أعلم بأنه كان يرتدي جزمة جديدة. سمعت 
طقطقتها في بيت الجدة"." أجل كانت تصدر صريرا", قال الغراب, " ودخل بلا ترده 
مباشرة إلى الأميرة التي جلست فوق لؤُلوؤة بكبر عجلة مغزل؛ وكل نساء الحاشية 
وخادماتهن وخادمات خادماتهن والمرافقين وخدمهم وخدم خدمهم. وصبيانهم, كلهم 
وقفوا مصطفين؛ وكلما اقتربوا بوقوفهم من الباب, بدوا أكثر زهوا بأنفسهم. وكان 
بالكاد رؤية صبي خادم الخدم الذي كان يحتذي نعالا دوماء كان ينظر بفخر عند 
الباب." 

" لابد أن الأمر كان فظيعاً". قالت جيردا. " ومع ذلك حصل كاي على الأميرة؟". 

" لو لم أكن غراب لأخذتها. بالرغم من كوني مخطوباً. لابد أنه قد تحدث بطلاقة 
مثلي عندما أتحدث بلغة الغريان, لقد اكتسبت ذلك من حبيبتي الداجنة. كان شجاعاً 
ولطيفاً؛ لم يكن قد أتى ليتقدم لخطبتها إطلاقاً. جاء من أجل أن يشهد ذكاءها فقط. 
وقد وجد ذكاءها جيداً. وقد وجدته هي جيدا بالمقابل". 

" إنه كاي, بالتأكيد". قالت جيرداء " كان ذكياً جداء كان يمكنه الحساب والكسور 
دون ورقء أوهء هلا أخذتني إلى داخل القصر" 

" الكلام أسهل من الفعل", قال الغراب. " ولكن كيف سنتمكن من الدخول؟ علي 
التتحدث مع حبيبتي الداجنة؛ هي من بإمكانه نصحنا؛ إذ لابد من أخبرك أن فتاةً 
صغيرة مثلك لا يسمح لها بالدخول رسميا أبدا” 
" بلى, يمكنني ذلك": قالت جيرداء " فحالما يسمع كاي بأني هنا سيأتي بالحال 


222 


" انتظريني عند مدخل السياج الحجري هناك". قال الغراب. ونفض رأسه وطار 
بعيدا. 

لم يعد الغراب إلا بعد أن حل الظلام: " غاق غاق. سلاما سلاما", قال" لقد 
بعثت لك حبيبتي الداجنة بتحية حارة. وهاك قطعة خبز صغيرة, أخذتها من المطبخ. 
هناك وقر من الخبز وأنت لابد أن تكوني جائعة! دخولك إلى القصر غير ممكنء أنت 
حافية القدمين؛ الحرس من فضة والخدم من ذهب, لن بحرا بذلك؛ ولكن لا تبكي 
ستدخلين إلى هناك بالرغم من ذلك. حبيبتي الداجنة تضع سلما خلفيا يؤدي إلى غرفة 
النوم؛ وهي تعرف من أين ستأخذ المفتاح" 

وذهبا إلى الحديقة. في الشارع المشجر الكبير حيث الورق يتساقط الورقة تلو 
الأخرى. عندما بدأت المصابيح بالإنطفاء. الواحد يلي الآخر, رافق الغراب جيردا إلى 
الباب الخلفي الذي كان موارباً. 

ياه. كم كان قلب جيردا يدق من الخوف والشوق! كان وكأنها سترتكب جرية, 
بيئما كل الذي كانت تبتغيه هو معرفة ما إذا كان هو كاي الصغير؛ أجلء لابد أن 
يكون هو؛ فكرت في خيالها بعينيه الذكيتين وشعره الطويل؛ كان يمكنها أن ترى 
بوضوح كيف ابتسم عندما كانا يجلسان في البيت تحت الورود الجورية. سيفرح ولاشك 
لرؤيتها وسيعلم أي طريق طويل قطعت لأجله. سيعرف كم هم متأثرون جميعهم في 
البيت هناك لعدم عودته. ياه. كان مزيجاً من الخوف والفرح. 

وصعدا السلم. كان هناك مصباح صغير موقدٌ على خزانة؛ وكانت تقف على 
الأرض في المنتصف الغراب الداجنة وهي تدوّر رأسها في كل الجهات وتنظر الى جيردا 
وهي تثني ركبتيها محيية كما علّمتها جدتها. 

" لقد سمعت من خطيبي كل ما هو طيب عنك آنستي الصغيرة, قالت الغراب 
الداجنة, " وقصة حياتك كما يقال مؤثرة جدا؛ هلا حملت المصباح وسأتقدمك أنا. 
سنأخذ هذا الطريق المستقيم. لن نلتقي فيه أحدا”؛ " أظن بأن أحدا يتبعنا هنا" قالت 
جيردا وقد خطف شيء ما بالقرب منهاء وكأن ظلاً كان على صفحة الجدار. أحصنة 
بشعر عنق متطاير وسيقان نحيفة, الصبية؛ الصيادون, سادة وسيدات يمتطون الأحصنة. 

" انها الأحلام": قالت الغراب, " يأتون ليحملوا أفكار السادة الموقرين التي 


223 


ستذهب للصيد. وهو أمر جيدء بهذه الطريقة يمكن لك أن تتأمليها في فراشهما. ولكن 
دعيني أسمع, إن حصلت على الشرف والإعتبار هل ستظهرين لي قلبا متنا للجميل؟* 

" ولكن ما الداعي لهذا الكلام”. قال الغراب من الغابة. 

ودخلوا الى الطابق الأول وقد كان من الساتان الوردي بزهور اصطناعية على 
صفحة الجدار؛ وهنا خطفت الأحلام مارة بهم حالما دخلواء ولكنهم هبوا سريعا جدا 
لدرجة أن جيردا لم تلحق أن ترى السادة الموقرين. وكان كل طابق أفخم وأبهى من 
الثاني؛ لابد أن تصيب المرء دهشة لذلك. ووصلوا إلى غرفة النوم. السقف كان يشبه 
نخلة كبيرة بأوراق من البلورء من اليلور النفيس, وعلى الأرض علّقَ عمود متين من 
الذهب بالسريرين الذي بدا كل منهما مثل نرجسة: الأول كان أبيض وقد استلقت فيه 
الأميرة؛ الثاني كان عضر كان على جيردا أن تبحث عن كاي الصغير في السرير 
الشاني؛ طوت إحدى الأوراق الحمر جانباً وعندها رأت جيردا عنقا أسمر. آه. إنه كاي! 
صاحت باسمه بصوت عال جداء دئت بالمصباح منه. خطفت الأحلام منطية الأحصنة 
داخل البهو ثانية, صحا وأدار وجهه و.... لم يكن هو الكاي الصغير. 

كان الأمير يشبهه في العنق فقط. ولكنه كان أيضا جميلا فتياً. ومن السرير 
النرجسي الأبيض أطلت الأميرة برأسها وسألت عما يجري. حينها بكت جيردا الصغيرة 
وأخبرتها بكل قصتها وعن كل ما فعله الغرابان من أجلها. 

"يا للصغيرة المسكينة": قال الأمير والأميرة وأثنيا على الغرابين. وقالا إنهما 
ليسا غاضبين منهما نهائيا ولكن عليهما ألا يفعلاها مراراً. بالمقابل فسيحصلان على 
مكافأة. 

" هل تريدان الحصول على حريتكما فتطيران أينما تشاءان؟". سألت الأميرة: " أم 
تريدان تعيينكما كغربان الحاشية مع كل ما يُرمى به من المطبخ؟" 

ثنى كل من الغرابين ركبته تحية وترجى أن يكون تعييناً ثابتاً؛ لأنهما فكرا 
بشيخوختهما وقالاء "من المستحسن أن يضمن المرء شيئا لأيامه الأخيرة". 

ونهض الأمير من فراشه ودعا جيردا لتنام مكانه؛ أكثر من ذلك لم يكن بإمكانه 
أن يفعل. ضمت جيردا يديها الصغيرتين وفكرت: " كم هي طيبة تلك الحيوانات 
والناس", ثم أغمضت عينيها ونامت بدعة. كل الأحلام جاءت طائرة ثانية وقد بدت 


224 


حينها مثل ملائكة الله وسحبت زلاقة صغيرة جلس عليها كاي وهو يهز رأسه محيياً؛ 
ولكن كل ذلك كان مجرد حلم, لذلك فقد اختفت كلها ثانية حالما استيقظت. 

في اليوم التالي ألبسوها الحربر والمخمل من الرأس إلى أخمص القدم؛ لقد عرض 
عليها بأن تبقى في القصر وتعيش أياماً هنيئةٌ ولكنها منت الحصول على عربة صغيرة 
فقط مع حصان وجزمة صغيرة لتستطيع أن تنطلق ثانية إلى العالم الفسيح وتجد كاي. 

حصلت على جزمة وموفة لتدفئة يديها؛ بدت لطيفة جدا بملابسها. وعندما أرادت 
المغادرة كانت بانتظارها عند الباب عربة من الذهب الخالص؛ أضاء منها سلاح الأميرة 
والأمير مثل نجمة؛ وجلس الحوذي والخدم والخدم المرافقون في العرية مرتدين الزي 
الملكي بتيجان الذهب. وساعد كل من الأمير والأميرة بيديهما جيردا في الصعود إلى 
العربة وقنيا لها كل السعادة. ورافقها غراب الغابة, الذي كان قد تزوج. في الثلاثة 
أميال الأولى؛ قد جلس بجانبها فهو لم يكن يطيق أن يسير وظهره إلى الأمام؛ الغراب 
الداجنة جلست عند البوابة تخفى بجناحيها, لم تتبعهما فقد كانت تعاني من صداع في 
رأسها منذ أن حصلت على تعيين ثابت في القصر وعلى الكثير من الطعام. كانت 
العربة مبطنة من الداخل بالسكاكر, وفي المقعد كان هناك فاكهة وحبات كعك مفلفلة. 

" مع السلامة, مع السلامة". صاح الأميرة والأمير. بكت جيردا الصغيرة وبكى 
الغراب؛ هكذا مرت الأميال الأولى؛ حينها قال الغراب أيضا وداعاً, وقد كان أثقل 
وداع على القلب؛ طار عاليا إلى شجرة وبقي يضرب بجناحيه السوداويين طيلة رؤيته 
للعربة التي كانت تشع مثل شمس سنية. 


قصة خامسة 

الحرامية الصغيرة 

ساروا بالعربة خلال الغابة المظلمة, وأشرقت مثل شعلة غشت أعين اللصوص 
الذين لم يطيقوا ذلك. 

' ذهب, ذهب"., صاحوا وهجموا على العربة, أمسكوا بالأحصنة, قتلوا الخدم 
المرافقين الصغارء الحوذي والخدم ثم جروا جيردا الصغيرة إلى خارج العربة. 

"انها زبدة, انها لطيفة, مدهنة بحبات البندق " قالت الحرامية الشمطاء العجوز 
ذات اللحية النافرة الطويلة والحاجبين اللذين تهدلا على عينيها. 


225 


" إنها طلي جاهز للتسمين, آه. سيكون مذاقه شهياً ". وسحبت سكينها الصقيلة 
وقد لمعت بشكل مخيف. 

" آي" قالت الشمطاء حالاًء فقد تلقّت عضّة في أذنها من ابنتها الصغيرة التي 
كانت متعلقة بظهرها والتي كانت وحشية جدا وسيئة الأخلاق حد المتعة. 

أنت, يا حقيرة”. قالت الأم ولم يكن عندها الوقت لتذبح جيردا. 

' أريدها ان تلعب معي". قالت الحرامية الصغيرة. " عليها أن تعطيني الموفة التي 
عندها وبدلتها الجميلة؛ عليها ان تنام معي في سريري". وعضت الأم مرة أخرى حتى 
قفزت الحرامية الشمطاء عاليا في الهواء والتفّت حول نفسها فضحك اللصوص وقالوا: 
" انظرواء كيف ترقص مع صغيرتها". 

" أريد الدخول في العربة". قالت الحرامية الصغيرة. كان يجب قطعاً أن تحصل 
على ما تريده فقد كانت مدللة وصعبة المراس جداً. جلست هي وجيردا داخل العربة 
وسارت العربة فوق الجذوع والأشواك عميقاً في الغابة. كانت الحرامية الصغيرة بحجم 
جيردا ولكنها أقوى, بكتفين أعرض وبشرة أغمق؛ العينان كانتا سوداوين جداء بدتا 
حزينتين تقريبا. أخذت جيردا الصغيرة من خصرها وقالت: " لن يذبحوك , طالما بقيت 
راضية عنك! هل أنت حقا أميرة؟" ش 

" لا", قالت جيردا الصغيرة وأخبرتها بكل ما مر بها وعن مقدار حبها لكاي الصغير. 

نظرت الحرامية الصغيرة بجد إليهاء هرت رأسها قليلاً وقالت: " لن يذبحوكء وإن 
غضبت منك؛ عندها سأذبحك بنفسي": وجففت عيون جيردا من الدموع ووضعت يديها 
داخل الموفة الجميلة التي كانت تاعمة جدا ودافئة. 

وتوقفت العربة؛ كانوا داخل الفناء في قصر لصوص؛ كانت شقوق الجدران مَلوؤه من 
أعلى إلى أسفلء وطار الغدفان والغريان من الجحور المفتوحة, والكلاب الضخمة التي 
تعض والذي بدا كل منهم وكأن بإمكانه بلع إنسان بأكمله. قفزوا عاليا في الهواء 
ولكنهم لم ينبحوا لأن ذلك كان ممنوعا. 

كان هناك حطب مشتعل على الأرضية الحجر منتصف البهو الكبير العتيق 
المسخم؛ وقد تجمع الدخان تحت السقف, كان عليه أن يجد لنفسه سبيلا. وهناك كان 
قدر كبير يغلي بحساء, وأرانب أليفة وبرية كانت تدور على السيخ. 


226 


" ستنامين عندي الليلة مع كل حيواناتي الصغيرة" قالت الحرامية الصغيرة. أكلوا 
وشريوا وراحوا بعد ذلك إلى زاوية كان فيها تبن وسجاد. وجلس فوق الشيلمان 
والعيدان ما يقارب المائة حمامة وقد بدت كأنها تغط بالنوم, ولكنها استدارت قليلا 
عندما دخلت الفتاتان الصغيرتان. 

" جميعهن لي". قالت الحرامية الصغيرة وقبضت بال حال على أقربهن, أمسكت بها 
من قدميها وهزتها حتى أخذت تخفق يجناحيها. " قبليها". صاحت وصفعت وجه 
جيردا بالحمامة. تابعت " هنا يجلس أنذال الغابة", وقفت وأشارت إلى خلف مجموعة 
قضبان كانت موضوعة على ثقب في أعلى الجدار. " إنهما نذلا الغابة, هذان الإثنان, 
سرعان ما يطيران بعيدا إن لم يتم حبسهما جيداء وهذا هو حبيبي العجوز "باع", 
وسحبت الأيل المقيد من قرنه الذي كان له طوق من النحاس اللامع حول عنقه. " علينا 
حبسه هو الآخر وإلا فسيفلت مناء أنا أداعب عنقه كل ليلة بسكيني الحادة, هذا 
مايرعبه جدا ". وسحبت البنت الحرامية الصغيرة سكينا صغيرة من شق في الجدار 
وتركتها تنزلق على عنق الأيل؛ أخذ الحيوان المسكين يضرب بقدميه. ضحكت الحرامية 
الصغيرة وسحبت جيردا معها إلى الفراش. 

" هل ستحتفظين بالسكين معك في الفراش عندما تنامين؟". سألت جيردا ونظرت 

" أنا انام والسكين معي دوما" قالت الحرامية الصغيرة. " لا أحد يعلم بما يمكن أن 
يحصل. ولكن اخبريني ثانية ما قلته قبلا عن كاي الصغيرء وعن السبب في خروجك 
إلى العالم الفسيح". وتحدثت جيردا مجددا فهدل حمام الغابة في القفص عالياء أما 
الحمامات الأخريات فكن نائمات. وضعت الحرامية الصغيرة ذراعها حول عنق جيردا 
ومسكت السكين بيدها الأخرى ونامت وكان بالإمكان سماع انفاسها. ولكن جيردا لم 
تتمكن من إغماض عينيها فلم تعرف إن كانت ستعيش أم تموت. جلس اللصوص حول 
النار يغنون ويشربون والحرامية الشمطاء "تتشقلب". أوه. كانت رؤية المنظر مريعة 
بالنسبة إلى الصغيرة جيردا. 

عندها قال حمام الغابة: " كوكوكتي. نحن رأينا كاي الصغيرء كانت زلاقته 
دجاجة بيضاء وقد جلس في عربة ملكة الثلج التي طارت فوق الغابة عندما كنا 


227 


مستلقين في عشنا؛ لقد هبت ريحها على أطفالنا فمات الجميع ماعدانا نحن الإثنان, 
كوكوكتي ' 

" ماذا تقولان انتما الإثنان هناك عاليا؛"؛ صاحت جيرداء " إلى أين سافرت ملكة 
الثلج؟ هل تعرفان شيئا حول ذلك؟" 

" لقد سافرت في الحقيقة إلى لابلائد هناك دوما ثلج وجليد. لك أن تسألي الأيل 
ا مربوط بالحبل" 

" هناك ثلج وجليد, هناك بركة وخير". قال الأيل؛ " هناك يقفز المرء بحرية في 
الوادي المشرق الكبيرء هناك الخيمة الصيفية لملكة الثلج, أما قصرها الذي تسكن فيه 
فهو في أعالي القطب الشمالي في الجزيرة التي يطلق عليها الجبل المدبب " 

" يا عزيزي كاي, كاي الصغير", تنهدت جيردا. 

" لا تتحركي": قالت الحرامية الصغيرة, " وإلا غرزت السكين في بطنك" 

في الصباح أخبرتها جيردا بكل ما قاله حمام الغابة وقد بدت الحرامية الصغيرة 
جادة,. هزت رأسها وقالت: 

" نفس الشيء. نفس الشيء؛ هل تعرف أين تقع لابلاند؟" سألت الأيل. 

" ومن الذي يعرف ذلك أفضل مني". قال ال حيوان الذي أشرقت عيناه. " هناك 
ولدت وحمأت, هناك قفزت في الأراضي الجليدية". 

1 " اسمعي" قالت الحرامية الصغيرة لجيرداء " ها أنت ترين بأن كل رجالنا بعيدون, 
ولكن الأم لا تزال هنا وستبقى. ولكن عند الفجر ستشرب من القنينة الكبيرة وبعدها 
ستأخذ غفوة صغيرة ؛ عندها سأعمل شيئاً من أجلك". وقفزت من السرير إلى الأم 
مطوقة عنقهاء وقد سحبتها من لحيتها وقالت لها: " يا ماعزي الحلوء صباح الخير". 
فقرصتها الأم تحت أنفها حتى صار المكان أحمر وأزرق: ولكن كل ذلك كان مجرد 
محبة. 

بعد أن شربت الأم من القنينة الكبيرة وأخذت غفوة صغيرة راحت الحرامية 
الصغيرة إلى الأيل وقالت له: 

"لا تزال عندي رغبة غريبة لمداعبتك كثيرا بالسكين الحادة لأنك ظريف جدا ولكن 
لايهم. سأحل رباطك وأساعدك لتخرج وتركض إلى لابلاند ولكن عليك أن تسابق 


228 


الريح كي توصل تلك البنت الصغيرة إلى قصر ملكة الثلج حيث شقيقها باللعب هناك. 
أنت قد سمعت بالتأكيد ما قالته لأنها تحدثت بصوت عال وانت تسترق السمع" 

قفز الأيل عاليا بالهواء من شدة الفرح. الحرامية الصغيرة رفعت جيردا الصغيرة 
إلى ظهر الأيل و بحذر ربطتهاء وفوق ذلك أعطتها وسادة صغيرة لتجلس عليها. 
"ولكن ذلك لا يهم". قالت, " هاك جزمتك الصوفية سيكون الجو بارداً ولكنني 
سأحتفظ بالموفة لأنها لطيفة, وأنت في كل الأحوال لن تتجمدي من البرد. هاك قفازات 
أمي المحاكة, انها ستتصل حد المرفق من ذراعيك؛ دسي يديك فيهاء تبدو يداك الآن 
مثل يدي أمي القبيحة". وبكت جيردا من الفرح. 

" كفي عن البكاء". قالت الحرامية الصغيرة. " لا عليك إلا أن تفرحي, وهاك 
قطعتي خبز ولحمة كي لا تجوعي." وربطت كلاً من القطعتين على ظهر الأيل من 
خلفها؛ وفتحت البئت الحرامية الصغيرة الباب وأدخلت كل الكلاب الكبيرة ثم قطعت 
بسكينها الحاد الحبل وقالت للأيل:" هيا اركض, اعتن جيدا بالبنت الصغيرة" 

مدت جيردا يديها مع القفازين المحاكين الكبيرين إلى الحرامية الصغيرة وقالت 

وداعا وانطلق الأيل طائرا فوق الشجيرات والجذوع عبر الغابة الكبيرة فوق المستنقعات 
والبراري. قدر استطاعتهما. الذئاب كانت تعويء والغدفان تنعب. " وش, وشش", 
سُمع صوت من السماء. وكأن السماء تعطس شيئًاً أحمر. 

" إنه شفقي الشمالي القديم". قال الأيل " انظري إلى الضوء. ما أسطعه" وانطلق 
بسرعة أكبرء ليل نهار. أكلت جيردا والأيل كل الخبز واللحمة أيضا واخيرا وصلا إلى لابلائد. 


قصة سادسة 

المرأة اللأبية والمرأة الفنلندية 

توقفا بهدوء عند بيت صغير؛ كان قبيحا جدا؛ نزل السقف إلى الأرض وكان 
الباب منخفضاً جدا فكان على العائلة أن تزحف على بطنها عندما تريد الدخول أو 
الخروج. ولم يكن أحد في الداخل عدا إمرأة لابية عجوز وقفت تقلي السمك على 
مصباح شحم السمك؛ وقص الأيل قصة جيردا بأكملها ولكن بعد أن قص قصته أولاً 
لأنه اعتقد بأنها أهم بكثيرء ثم إن البرد كان قد أخذ من جيردا مأخذاً ولم يكن 
باستطاعتها قول شيء. 


229 


"يا للحسرة أيها المسكينان الفقيران". قالت المرأة اللابية, " ما زال عليكما 
الركض كثيرا لتصلاء عليكما قطع مئات الأميال عبر الأراضي الفنلندية لأن ملكة 
الثلج تسكن هناك في الريف وتفرقع ألعاباً نارية كل ليلة. سأكتب بضع كلمات إلى 
المرأة الفنلتدية على سمك مجفف, فلا ورق عنديء بإمكائها ان تعطيكما معلومات 
أفضل مني حول ذلك". 

وبعد أن تدفأت جيردا وحصلت على طعام وشراب كتبت المرأة اللابية على سمكة 
مجففة بضع كلمات وطلبت من جيردا أن تعتني بها ثم ربطتها ثانية على ظهر الأيل 
وانطلقا ثانية. " وش. وشش"؛ سمع صوت في الأعلى. واشتعل أجمل الأضواء زرقة 
من الشفق الشمالي؛ ووصلا إلى الحقول الفنلندية وطرقا على مدخنة المرأة الفنلندية 
لأنها لم قلك بابآ بالأصل. 

كانت الحرارة مرتفعة في الداخل حتى إن المرأة الفتلندية كانت عارية تقريبا؛ كانت 
قميئة وقذرة؛ فكت الرباط حالاً من على جيردا الصغيرة. أخذت القفازات المحاكة 
والجزمة وإلا فستشعر جيردا بحرارة شديدة. وضعت قطعة ثلج على رأس الأيل وقرأت 
المكتوب على السمكة المجففة؛ قرأت المكتوب ثلاث مرات حتى حفظته ووضعت 
السمكة في قدر الطهي. كان بالإمكان أكلها رغم ذلك. وقد قص الأيل قصته أولا 
ومن ثم قصة جيرداء أخذت عينا العجوز الذكيتان ترق ولم تقل شيئاً. 

" أنت ذكية جدا". قال الأيل. " أعرف أن بإمكانك نظم كل الرياح في خيط إبرة. 
عندما يحل القبطان العقدة الوحيدة ستهب الريح كما يشتهي. إن حل الأخرى هبت ريح 
عاصفة شديدة, وإن حل الثالثة والرابعة ستعصف الريح حتى تتداعى الغابة. هلا أعطيت 
هذه البنت الصغيرة شراباً يعطيها قوة اثني عشر رجلا لكي تغلب ملكة الثلج". 

" قوة اثني عشر رجلا؟" قالت المرأة الفنلندية؛ " لا أعتقد بأن هذا اقتراح جيد". 
وتوجهت إلى الرف, تناولت جلداً ملفوفاً وفتحته؛ كُتبت عليه حروف غريبة. قرأت المرأة 
حتى تصبب الماء من جبينها. 1 

ولكن الأيل توسل إليها ثانية لخاطر البنت الصغيرة وجيردا كانت تنظر إلى المرأة 
الفنلندية بعينين متضرعتين ممتلئتين بالدموع فعادت عيناها ترق ثانية ثم سحبت الأيل 
إلى زاوية حيث همست له بينما كانت تضع ثلجا على راسه من جديد. 


230 


" الصغير كاي بالفعل عند ملكة الثلج يجد كل شيء متوافقاً مع رغباته وأفكاره, 
ويعتقد بأنه هو المكان الأفضل في العالم. ولكن ذلك هو بسبب شظية من الزجاج 
أصابته في قليه وحبة زجاج صغيرة في عينه؛ إن لم يخرجا لن يكون كاي إنسانا خيّراً 
أبداء وستبقى ملكة الثلج مسيطرة عليه" 

" ولكن ألا يمكنك أن تعطي جيردا الصغيرة شيئاً كي تكون لها سلطة على كل 


. 
1 


6 " ليس بإمكاني أن أعطيها سلطة أكبر من التي لديهاء ألا ترى حجم السلطة التي 
لديها؟ ألا ترى كيف تخدمها الناس والحيوانات حتى وصلت هذا المقام في العالم, 
بقدميين حافيتين, لا يجب أن نخبرها عن سلطتها شيئاء إنها تكمن في قلبهاء إنها في 
قلبهاء إنها طفلة بريئة حلوة. إن لم تتمكن هي بنفسها من الدخول على ملكة الثلج 
وتخرج الزجاج من كاي الصغير فلن نتمكن نحن من مساعدتها. حديقة ملكة الثلج تبدأ 
بعد ميلين من هناء بإمكانك حملها إلى هناك؛ انزلها عند الشجيرة الكبيرة التي تحمل 
حبات عنب حمر في الثلج, لا تضع الوقت بلغو الأيائل الفارغ. إسرع بالعودة إلى هنا", 
ورفعت المرأة الفنلندية جيردا الصغيرة على ظهر الأيل الذي ركض قدر استطاعته. 

" انتظرء لم آخذ جزمتي. لم آخذ قفازي". صاحت جيردا؛ فقد شعرت لذلك بالبرد 
القارس, ولكن الأيل لم يجرؤ على التوقف؛ لقد ركض حتى وصلا إلى الشجيرة 
الكبيرة ذات حبات العنب الحمر؛ انزل جيردا هناك قبلها على فمها فجرت دموع كبيرة 
لامعة على خدي الحيوان الذي ركض عائدا قدر ما استطاع. ووقفت جيردا المسكينة 
حافية القدمين دون قفازات منتصف الحقول الفنلندية المتجمدة من البرد. 

ركضت إلى الأمام بسرعة شديدة فهب لواءً من ندف الثلج؛ ولكن ندف الثلج لم 
ينزل من السماء, كان صافيا جدا ولامعا بالشفق الشمالي. تراكض ندف الثلج على 
امتداد الأرضء وكلما اقترب من جيردا أكثر صار أكبر؛ تذكرت جيردا كم كان ندف 
الثلج كبيراً من خلال زجاج المكبرة. ولكنه كان مختلفاً جدا هنا بكبره. كان مخيفاً, 
وحياً, كان هو قوات ملكة الثلج الأمامية؛ كان له أغرب قوام؛ بدا بعض منه مثل 
قنافذ كبيرة قبيحة؛ البعض الآخر مثل عقّد من ثعابين مدّت رؤوسها وأخريات مثل دببة 
صغيرة سمينة وقف شعرهاء الكل كان أبيض ساطعا. الكل كان ندف ثلج حياً. 


231 


عندها صلت جيردا لربها الأعلى. كان البرد شديدا جدا حتى انها كانت ترى أنفاسها 
مثل دخان تجمع خارج فمها؛ الأنفاس صارت أكثف واكثف وتشكلت منها ملائكة 
واضحة صغيرة, كبرت أكبر وأكبر عندما مسّت الأرض؛ كان على رأس كل منها خوذة 
و رمح ودرع في يديه؛ صاروا أكثر وأكثر وعندما انتهت جيردا من صلاتها كان هناك 
جيش بأكمله من حولها؛ قطعوا برماحهم ندف الثلج المريع فتناثر إلى مئات من القطع. 
ومشت جيردا واثقة تماما دون خوف إلى الأمام. طبطبت الملائكة على قدميها ويديها 
فشعرت ببرد أقل مما كان؛ فمشت مسرعة إلى قصر ملكة الثلج. 

علينا أولا أن نرى الآن كيف حال كاي. هو لم يفكر حقا بجيردا كما لم يمكنه أن 
يفكر بأنها تقف خارج القصر. 


قصة سابعة 

ما حصل في قصر ملكة الثلج, وما حصل بعد ذلك 

كانت جدران القصر من الثلج المذرور والشبابيك والأبواب من الريح الحادة؛ كان 
هناك أكثر من مائة بهو. إذ يعتمد ذلك على الثلج المأرور. أكبرها امتد إلى عديد من 
الأميالء جميعها كانت مضاءة من الشفق الشمالي الساطع؛ كانت الأبهاء كبيرة جدا, 
خالية جداء متجمدة من البرد جدا ولامعة. لم يكن هناك مرح إطلاقا. ولا حتى حفل 
دببة صغير حيث تهب العاصفة فتعزف وتقوم دببة الثلج بامشي على أرجلها الخلفية 
وتتصرف بأناقة؛ لم يكن ابدا جمع صغير للعب بالضرب على الفم ولا التصفيق على 
الأرجل الخلفية للدببة؛ لم تكن هناك في يوم زيارة من قبل الآنسات الثعالب البيض 
لشرب القهوة؛ كان خواءً واتساعاً وبردا في أبهاء ملكة الثلج. كانت أضواء الشفق 
الشمالي تتقد بانتظام حتى يمكن للمرء أن يعد حتى اشتعالها ثانية عندما تكون في 
أقصى علو أو عندما تكون في أقصى انخفاض. وفي الداخل منتصف البهو الجليدي 
الذي لا ينتهي كانت هناك بحيرة متجمدة. قد تفطرت إلى الاف القطع وكل قطعة 
كانت مساوية بالضبط للقطعة الئانية حتى بدت مثل قطعة فنية كاملة؛ كانت ملكة 
الثلج تجلس في منتصفها عندما تكون في البيت فتقول حينها إنها تجلس في مرآة 
العقل وإنها الوحيدة والأفضل في هذا العالم. 

كان كاي الصغير قد ازرق تماما من البرد. بل اسود تقريبا ولكنه مع هذا لم يشعر 


232 


بذلك لأنها قد أبعدت قشعريرة البرد عنه بعد أن قبلته, ويكاد قلبه أن يكون كتلة ثلج. 
كان يسحل قطع ثلج حادة مسطحة يشكلها بمختلف الطرق لأنه كان يريد شيئا ما 
معينا منها؛ مثلنا نحن الآخرون عندما يكون عندنا مكعبات خشبية نضعها في أشكال 
تسمى باللعبة الصينية. كاي كان يضع أيضا أشكالاً, أكثرها فنية كانت "لعبة العقل 
الجليدية" لأن تلك الأشكال كانت رائعة في عينيه. وأكثرها أهمية؛ هذا بسبب حبة 
الزجاج التي كانت في عينه؛ جرب كل الأشكالء كانت هناك كلمة مكتوية ولكنه لم 
يتمكن ابدا من تشكيل هذه الكلمة كما كان يريد تاماء الكلمة هي " الخلود", والملكة 
كانت قد قالت له: إن تمكنت من إيجاد هذا الشكل لي ستكون سيد نفسك وسأمنحك 
العالم بأكمله و زوج حذاء تزلج جديدا", ولكنه لم يتمكن من ذلك. 

" سأهب الآن إلى البلاد الحارة" قالت ملكة الثلج, " أود الذهاب إلى هناك لأنظر 
في القدور السود". كان ذلك هو الجبال نافثة النارء إيتنا وفيزوف كما يطلق عليهما. 
"علي أن أبيضهما قليلا كما يجب؛ ذلك مناسب جدا لليمون والعنب". وطارت ملكة 
الثلج. وبقي كاي وحيدا تماما في البهو الجليدي الكبير الخاوي ذي الأميال العديدة, 
بنظر إلى قطع الثلج ويفكر ويفكر. حتى صرت أوصاله. جلس جامدا في مكانه هادئا 
حتى ليظن المرء بأنه مات متجمدا. 

في اللحظة نفسها خطت جيردا إلى داخل القصر عبر البوابة الكبيرة التي كانت 
من الريح الحادة؛ ولكنها قرأت صلاة المساء وعندها سكنت الرياح وكأنها ترغب في 
النوم. خطت جيردا إلى داخل البهو البارد الخاوي الكبير. فرأت عندها كاي. لقد 
عرفته, هرعت لاحتضانه. ضمته بقوة وصاحت:" كاي, عزيزي كاي الحلو, ها أنا قد 
وجدتك" 

ولكنه كان يجلس هادا جداء جامدا في مكانه وباردا؛ بكت جيردا بدموع حارة, 
وقعت على صدره.ء تغلغلت إلى داخل قلبه فأذابت كتلة الثلج والتهمت كسرة المرآة 
الصغيرة في الداخل؛ نظر إليها فغنت: 

الورد ا جوري يكبر في الوادي 

هناك على الإبن عيسى ننادي 


223 


عندها انفجر كاي بالبكاء حتى تدحرجت حبة المرآة خارج عينه. عرفها وهلل: 
"جيردا. جيردا الصغيرة الحلوة. ولكن أين كنت طيلة هذه الفترة؟ وأين كنت أنا؟". 
وضم جيردا إليه بقوة فضحكت وبكت من الفرح؛ كان ذلك مباركا جدا حتى إن قطع 
الثلج رقصت في المكان من الفرح وعندما تعبت وجلست استلقت بالضبط في حروف 
قالت ملكة الثلج بأن عليه أن يجدها ليصير سيد نفسه وستمنحه العالم بأجمعه مع 
زوج حذاء تزلج جديد. 

قبلت جيردا خديه فأزهراء قبلت عينيه فأضاءتا مثل عينيها. قبلت يديه وقدميه 
فصار معافى. لا يهم إن وصلت ملكة الثلج البيت: كتاب حريته كان مكتوبا بقطع 
الثلج اللامعة على الأرض. 

أخذا بيد بعضهما بعضاً ورحلا خارج القصر الكبير؛ تحدثا عن الجدة والورود 
الجورية في السطح؛ وحيثما مشيا كانت الريح تهدأ و الشمس تبزغ. وعندما وصلا 
حيث الشجيرة الصغيرة ذات حبات العنب الحمر كان الأيل بانتظارهما؛ كانت معه أنثى 
أيل شابة بضرعين ممتلئين. أعطت الصغيرين حليبا دافئاً وقبلتهما على فمهما. وحملا 
كاي وجيردا أولا إلى المرأة الفنلندية حيث تدفاا في بيتها الساخن وعرفا منها طريق 
العودة ومن ثم إلى المرأة اللابية التي خاطت لهما ثياباً جديدة وهيأت زلاقتها. 

قفز الأيل مع أنثى الأيل الشابة إلى جانبهما ورافقاهما حتى حدود البلد حيث 
بانت أولى المساحات الخضراء. هناك ودعا الأيل والمرأة اللابية. " وداعاً. وداعا". قال 
الجميع. العصافير سقسقت والغابة كانت ملأى ببراعم خضرء ومنها جاءت فتاة ممتطية 
حصاناً جميلاً والذي تعرفت عليه جيردا. كان مربوطا إلى العربة الذهبية. كانت الفتاة 
شابة بطاقية حمراء لامعة على رأسها ومسدسات على جائبيها؛ كانت هي الحرامية 
الصغيرة التي كانت حزينة لبقائها في البيت وأرادت التوجه إلى الشمال أولا وبعدها 
إلى جهة أخرىء, إن لم تستمتع. عرفت جيردا حالاً وجيردا عرفتها أيضاء كانت فرحة. 

" إنك لولد طيب يستأهل الشقاء من أجله" قالت لكاي؛ " بودي لو أعرف إن كنت 
تستحق أن يركَض من أجلك حتى آخر الدنيا." 

طبطبت جيردا على خدها وسألت عن الأمير والأميرة. 

" إنهما سافرا إلى بلاد غريبة" قالت الحرامية الصغيرة. 


234 


" والغراب؟" سألت جيردا الصغيرة. 

" قد توفي" أجابتها. " والغراب الداجنة صارت ثكلى, تحمل كمشة صوف أسود 
في قدمها؛ انها تتذمر بشكل مزعج.؛ وكل ذلك هراء- ولكن حدثيني كيف سارت 
الأمور معك وكيف عثرت عليه؟" 

وتحدث كل من جيردا وكاي. " ونعيد الحكاية من جديد" قالت البنت الحرامية. 
وأخذتهما من أيديهما ووعدتهما بأن تزورهما إن مرت يوما بمدينتهما. وامتطت 
حصانها قاصدة العالم الفسيح. أما جيردا وكاي فراحا يمشيان يدا بيد واينما حلا كان 
هناك ربيع جميل بزهور وخضرة؛ دقت نواقيس الكنائس وقد تعرفا على أبراج 
الكنائس, المدينة الكبيرة التي سكنا فيهاء دخلاها وتوجها إلى باب الجدة, صعدا السلم 
ودخلا البيت حيث كل شيء كان كما كان من قبل. وصوتت الساعة: دقء دق ودارت 
العقارب. ولكن في اللحظة التي دخلا فيها عبر الباب شعرا بأنهما قد صارا انسانين 
ناضجين. الورود الجوربة في مزراب السقف أزهرت عبر النوافذ المفتوحة وهناك كان 
كرسيا الطفلين الصغيرين. جلست جيردا وكاي كل على كرسيه, يشبكان يدي بعضهما 
بعضاً. لقد نسيا مثل حلم ثقيل تلك العظمة الخاوية الباردة عند ملكة الثلج. جلست 
الجدة تحت شمس الله تقرأ في الإنجيل: " إن لم تصيروا أطفالا لن تدخلوا ملكوت 
السماء أبدا". نظر كل من جيردا وكاي في عيني بعضهما بعضاً وفهما حالاً ذلك 
النشيد القديم: 

الورد الجوري يكبر في الوادي 

هناك على الابن عيسى ننادي 

هناك جلس شخصان كبيران طفلان في قلبيهما وكان حينها الصيف, الصيف الحار 
الطيب. 


كتبت في عام ١840‏ 


235 


المحبون 


كانت الكرة و الدوامة('2 في الجارور مع لعب أطفال أخرى فقال الدوامة للكرة: 
"لم لا نكون حبيبين طالما أننا في جارور واحد؟". ولكن الكرةً التي كانت مُخاطةً من 
جلد الماعز المراكشي والتي توهمت بأنها الآنسة ذات المقام الرفيع لم يعجبها أن تجيب 
على هكذا عرض. 

وفي اليوم التالي جاء الولد الصغير الذي يملك تلك الألعاب وطلى الدوامةٌ باللونين 
الأحمر والأصفر ودقّ في منتصفه مسماراً من النحاس.ء كان " الدوامة " يبدو في غاية 
البهاء عندما يدور. 

" انظري لي" قال للكرة, " ما قولك الآن. ها؟ هل سنكون حبيبين؟ نحن نبدو 
منسجمين, أنت تقفزين وأنا أرقص, فلن يكون في العالم إثنان أسعد منا" 

فقالت الكرة :" أراك تعني ما تقول؟ هل تعلم أن والدي ووالدتي كانا حُفَاً من 
الجلد المراكشي الفاخر وعندي سدادة في خصري. 

قال الدوامة: " ولكني أنحدر أيضاً من شجرة ماهوجني و قاضي البلد بعينه قد 
صنعني بوساطة مخراط وكان ذلك من دواعي سروره". 

فقالت الكرة: " وهل أئقّ بكلامك؟". 

أجاب الدوامة: " ليحرمني الله من الخيط الذي يُدورني إن كنت أكذب". 

قالت الكرة:" يا للسانك هذاء وعلى العموم فلا يمكنني ذلك؛ أنا نصف مخطوبة 
لطائر سنونوء كل مرة أسير فيها في الطريق يطل برأسه من العش ويقول: هل تقبلين 
لن أنساك أبدا". 

. جاءت الدوامة بصيغة المذكر فى النسخة الأصلية للكاتب‎ ١ 


237 


" بماذا سينفعني قولك هذا" قال الدوامة ولم يتحدثا مع بعضهما بعد ذلك. 

في اليوم التالي أخذّت الكرة وقد رآها الدوامة وهي تصعد في الهواء عالياً جدا 
مثل الطير حتى لا يمكن للمرء لمحها ولكنها تعود إلى الأرض كل مرة وتقفرٌ ثانية حالما 
َس الأرض وذلك قد يعود إمّا إلى الشوق أو للسدادة في خصرها. في المرة التاسعة 
قفرت الكرة عالياً ولكنها لم تعد ثانية. وراح الولد يبحث ويبحث عنها لكنه لم 
يجدها. 

تنهّد الدوامة: " أعلم أين هي الآن, إنها في عش السنونو الذي تزوجت منه". 

وكلما فكْرٌ الدوامة بزواجها من السنونو ازداد حباً وتعلّقاً بها. ما كان يزيده 
هيامآ هو أته لم يستطع الحصول عليها وهي التي قد قبلت بواحد غيره, هذا ما كان 
يجعل الأمر خاصاً. ورقص الدوامة والتّفّ حول نفسه ولكنه بقي يفكرٌ بالكرة دوما 
والتي ضارت أجسل واجمل في فكزه وخياله: وهكنا مرت الستوخ وضار ذلك ينا 
قدياً. 

لم يعد الدوامة شاباًء ولكنه قد طَلي بالذهب ولم يكن على مر حياته بمثل هذا 
الجمال الذي بدا عليه. كان قد صار دوامة من الذهبء قفر ققزات عديدة والتّف حول 
نفسه التفافاً سريعاً جداً, وفجأة وفي إحدى القفزات العالية اختفى مرةً واحدة. 

أخذوا يبحثون عنه. بحثوا حتى في القبو ولكن دون أثر يذكرء فلم يمكنهم العثور 
عليه. 

أين يا ترى يمكن أن يكون؟ 

لقد قفز في محل قمامة ألقيّت فيه مختلف الفضلات. منها عصا لهانة وما تم 
كله وحضى تناع قد شفظ من مرراب اليققن: 

“دي له من مكان انتهيت إليه. سيختفي طلائي الذهبي ولا شك سريعاً . أي رعاع 
نزلت بينهم؟". وانتبه الدوامة بعدها إلى عصا لهانة طويلة كانت قد قُشَّرتَ أكثر من 
اللازم. وإلى شيء مدور غريب يشبه تفاحة ذابلة, ولكنه لم يكن تفاحة بل كرةٌ قديمة 
بقيت لسنين عديدة في مزراب السقف يرشح الماء عبرها. 

" حمدا لله الذي بعث إلي بأحد يشبهني ويمكنني التحدث معه". قالت الكرة وهي 
تتأمل الدوامة المطلي بالذهبء " أنا بالأصل من جلد الماعز المراكشي وقد أخاطتني يدا 


238 


عذراء رقيقتان ولدي سدادة في خصري. ولكن لا أحد يمكنه رؤية كل ذلك كنت على 
وشك الزواج من طائر سنونو ولكنني سقطت في مزراب السقف وبقيت هناك خمس 
سنوات أرشح الماء. صدقني إنه لعمر طويل بالنسبة لعذراء". 

لم يقل الدوامة كلمةٌ واحدةً. كان يفكّر بحبيبته القديمة وكلما سمع المزيد منها تأكدٌ 
له بانها هي. 

حينها جاءت الخادمة لتقلب القمامةً فقالت: " ما هذاء الدوامة المطلي بالذهب؟” 

وعاد الدوامة إلى البيت مع كل الإهتمام والشرف, أما الكرة فلم يسمع أحدٌ عنها 
شيئا. أما الدوامة فلم يعد يتحدّث عن حبه القديم بعدها. لقد شفي من عشقه بعد أن 
عاشت حبيبته في مزراب ماء لخمس سنين ترشّح الماء. 

ولن يتعرف المرء عليها إن قابلها في القمامة. 


كتبت في عام 4 ١844‏ 


229 


فرخ البط القبيح 


كم بدا الريف جميلاء كان الفصل صيفاً والقمح صار ذهبياً والشوفان أخضر. وقد 
جَمِعٌ التبن في كومات على امتداد المروج الخضر. وراح اللقلق يمشي هناك بساقيه 
الحمراوين الطويلتين ويتحدث المصريةً لأنه قد تعلّمها من أمّه. حول الحقول والمروج 
كانت هناك غابات كبيرةٌ في منتصفها بحيرات عميقة: كل شيء كان في غاية الجمال 
في الريف. 

وحيث الشمس تشرق على مزرعة قديمة هناك تحيط بها ترح عميقة وقد نما نبات 
الحمّاض من سياج المزرعة حتى ضفاف الماء. كان هذا النبات عالياً جدا حتى إن الأطفال 
يقفون بطولهم تحتهء وكان هذا المكان يشبه الغابة في وحشته. بين تلك النباتات عاشت 
بِطّهٌ في عشهاء تحضن بيضها وتنتظره أن يفقس ليخرج صغارها. كانت ضجرةٌ بعض 
الشيء فقد طال انتظارها كثيراً, ولم يأت أحد لزيارتها؛ فالبطات الأخريات يفضّلن 
السباحةً في الترعة على التسابق من أجل الجلوس تحت أوراق الحماض للدردشة معها. 

وَأَغيزا فقسَت البيضات: الراعدة ثلر الأشرى: ريض ويضن: كل حقارات البيضن 
صارت الآن بطات صغيرةٌ حيةٌ مدت رؤوسها خارج قشرة البيض. 

" كاك, كاك" قالت الأم فحاولت الفراخ تقليدها قدر الإمكان, تلفتوا يمينا 
ويسارا تحت أوراق الحمّاض ال حُضر, وقد تركتهم الأم ينظرون كما يشاؤون فاللون 
الأخضرٌ مفيدٌ للبصر. 

" كم هو كبيرٌ هذا العالم". قالت فراخ البط فالمكان الآن مختلف عما كان عليه 
عندما كانوا داخل البيضة. " وهل تظنون أن هذا هو كل العالم!” قالت الأم. " إنه على 
امتداد الجهة الأخرى من الحديقة وحتى داخل مزرعة القس. أنا لم أصل إلى هناك أبداً) 
لقد اكتمل عددكم الآن , أ ليس كذلك!" ونهضت من مكانها. 


241 


" أوه. العدد ليس كاملاً بعد, فأكبرٌ البيضات لم تفقس بعد؛ يا إلهي كم ستأخذ 
من الوقت لتفقس؟ لم أعد أطيقٌ الإنتظار أكثر؛" وجلست تحضن البيضةٌ الأخيرةً مرةً 
أخرى. 

سألت البطة العجوز التي جاءت لزيارة البطة الأمُ : " وكيف تسير الأمور معك!" 
فقالت البطة الحاضنة:" أظن إن إحدى البيضات ستأخذ وقتا طويلا قبل أن تفقس, إنه 
لا ينوي الخروجء ولكن عليك أن ثري فراخي الآخرينلم أرَ في حياتي أجملّ منهما 
جميعهم يشبهون أباهم, هذا الشقي لم يفكر حتى بزيارتي." 

" دعيني أرى هذه البيضة التي لا تريد أن تنفطر!" قالت العجوز. " لابد أنها 
بيضة ديك رومي! لقد حُدعتُ أنا أيضا مرةٌ بذلك وقرمرتٌ مع أولئك الصغار لأنهم 
يخشّون الماء ولم أستطع أن أدفعهم إلى النهرء لم ينفع معهم شي > لقد بطبطت ونَقَرتَ 
دون فائدة, دعيني أرى البيضة! ها هي. إنها بيضة ديك رومي بعينها! إتركيها وشأنّها 
واذهبي لتعلّمي الصغار الآخرين العوم!" 

" لا لاء سأنتظر!" قالت البطة الأم؛ " وبما أنني انتظرت طويلا لا ضير من الصبر 
قليلا!" 

" افعلي ما يحلو لك!" قالت العجوز وذهبت. 

وأخيراً تفطرٌ قشر البيضة, " ويص. وبص!" صوت الفرخ وانقلب جانباً خارج 
البيضة؛ كان كبيرا وبشعا. نظرت البطةٌ إليه وقالت: " يا له من فرخ بط كبيرء لا يشبه 
الآخرين إطلاقا! أيمكن أن تكون بيضة ديك رومي؟ سنرى ما سيكون عليه! سيدخل 
الماء رغماً عنه, وسأقوم برفسه إذا اقتضى الأمر. 

في اليوم التالي كان الج طيبا رائعاً والشمس قد أشرقت على نباتات الحمّاض 
الخضر. وقد وصلت أم الصغار مع جميع أفراد عائلتها إلى الترعة: طش طش طش! 
وقفرّت الفراخ في الماء, ثم طلبت الأم منهم أن يغطسوا في الماء وقالت :"كاك, كاك" 
فغطس الواحد بعد الآخر؛ غَطَى الماء رؤوسّهم ولكنهم صعدوا فوق سطح الماء في الحال 
وطفّوا بسهولة؛ سيقانهم تتحرك بخفّة, وكانوا كلهم في الماء وحتى الفرخ الرمادي 
الصغير البشع عام معهم. 

لا أظنه ديكاً رومياً؟" قالت الأم؛ " انظروا خفّته وهو يحرك قدميهء وكيف 


2012 


يحافظ على جسمه منتصباً! إنه ابني من لحمي ودمي. وفي الحقيقة فهو يبدو جميلا لو 
َع المرء فيه! كاك كاك! هيا اتبعوني. سآخذكم إلى العالم وأُعرَقّكُم على بيت البط. 
ابقوا لصقي دائما واحذروا أن تداسوا, وتجنبوا الحذر من القط!" 

ووصلوا بيت البط. كان هناك ضجيجٌ مفزع فقد تشاجرت عائلتان بسبب رأس 
سمكة الثعبان والذي حصل عليه القط أخيراً. 

" هكذا تجري الأمور في العالم!" قالت أم الصغار ولعقت منقارها فقد اشتهت هي 
الأخرى رأس السمكة. * هيا خفًوا السير)" قالت الأم. * تذكروا أن تسرعوا وتحنوا 
أعناقكم محيين البطة العجوز هناك! إنها الأكثر رقيا بين الكل هنا! أَصلّها إسباني 
لهذا فهي سمينئة, أ ترون الخرقةً الحمراء المعقودة حول ساقها؟ إنه أمرٌ عظيم للغاية, 
وهذا أرقى وسام يمكن أن تحصل عليه بطة عندما يراد الإحتفاظ بها هناء هذا يعني 
الكثير ويعني أيضا أن تُمَيّرَ بين الناس والحيوانات! هيا اسرعوا! لا تضمّوا سيقانكم 
هكذا! البط ذو التربية الجيدة يفره الساقين عن بعضهما بعضاً عند السير مثل الأب 
والأم! انتبهوا! الآن احنوا أعناقكم وقولوا: كاك, كاك. 

وفعلت الفراخٌ ذلك, لكن البطات الأخريات من حولهم نظرن إليهم وقالوا بصوتٍ 
عال جدا: انظرواء ها قد جاءتنا جوقة أخرى, هذا ما ينقصناء يا للقبح» ويا لبشاعة هذا 
الفرخ! لن نحتمله!" وطار إليه في الحال واحدٌ من البط وعضّه في عنقه. 

" اتركوه وشأنه؟" قالت الأمء " إنه غير مؤذ)" 

" ولكنه ضخم و شاذً!" قال البط الذي عضه. " وسنضايقّه حتى يهرب". 

قالت البطة العجوز ذات الخرقة المعقودة حول ساقها: " أطفال هذه الأم جميلون, 
عدا واحداً منهم, لم تكن موفقة به, كنت أقنى لو كان بمقدروها تصنيعه مرة أخرى. 

ولكن لا يمكن هذاء حضرتك!" قالت أم الصغار, " هو ليس جميلا هذا صحيح, 

ولكن طبيعته حلوة وهو يعوم بمهارة كالآخرين تماماء بل أتجرأ وأقول إنه أفضل قليلاًء 
أفكّر بأنه سيكبر ويصبح جميلا أو إنه سيصعْرٌ مع الوقت! لقد مكثُ طويلا في 
البيضة؛ لهذا السبب لم يحصل على قوام صحيح". و نكشت الأم الفرخ في رقبته 
ومسّدت ريشه وأكملت: " وهو فوق هذا ذكرء ولهذا فليس الأمر بذي أهمية, أظن أنه 
سيكون قوياً و سيتدبر أمره!" 


213 


قالت البطة العجوز: " الصغار الآخرون لطفاء أيضاً, والبيت بِيتكُم؛ إن وجدتم 
رأسَّ سمكة الثعبان اجلبوه لي!" 

وكان البيت بيتهم. لكن الفرخ المسكين الذي كان آخرّ من طلع من البيضة ويدا 
قبيحاً جداء عض و دفش وضّحك عليه من قبل كل من البط والدجاج. " إنه ضخم!" 
قال الجميع. والديك الذي كان رومياً. والذي ولد بإصبع كبير في ساقه واعتقد لهذا أنه 
القيصر نَفْشَ ريشّه كسفينة شراعية نفخت أشرعتّها الريح توجه إليه مباشرة ويريرَ 
حتى احمر رأسّه. لم يعرف الفرخ المسكين إن كان عليه البقاء أم الإنصراف. كان كسيرأً 
جدا لأنه كان بشعا وكان مثارٌ سخرية للجميع في بيت البط. 

هكذا مر اليوم الأول وهكذا سارت الأمور منذ ذلك اليوم من سيء إلى أسوأ. فقد 
طورد الفرحٌ المسكين من قبل الجميع؛ حتى إخوتّه كانوا قاسين معه. ويقولون له: " ليت 
القط يأخذّك أيها الأبله القبيح!" وأمّه تقول له: " لِيتَكَ كنت في مكان بعيد!", والبط 
يعضّه والدجاجات ينتفن ريشه والبنت التي تضع العلف للحيوانات كانت ترفسه 
بقدمها. 

حينها ركض الفرخ وطار فوق سياج المزرعة. فرت العصافير عاليا فزعة من بين 
الشجيرات؛ 

ذلك لأنني بشع جدا!" فكرَ الفرخ بداخله وأقفلَ عينيه وانطلق بالرغم من ذلك 

يننا ووضل إلى مستنقع كبير حيث يعيش البطً البري. استلقى هناك الليل بطوله 
فقد كان متعبا جداً وحزيئاً. 

عند الصباح طار البط البري عاليا ونظر إلى الصديق الجديد: " ما نوعك؟ " سأله 
الجميع بيئما هو يلتفت إليهم محييا بحرارة قدر استطاعته. " إنك لبشع بالفعل!" قال 
البط البسري, " ولكن الأمر سواءً بالنسبة لنا إن لم تعسزوج واحدة من عائلتنا!". 
باللمسكين! هو لم يفكر في الحقيقة بالزواج؛ لم يكن يتمنى غير السماح له بالبقاء بين 
البردي و شرب القليل من ماء المستنقع. 

وبقي هناك لمدة يومين وحينها وصلت أوزتان بريتان بل الأصح زوج من ذكر الاوزء 
اللذان لم يمض الكثير على خروجهما من البيضة لذا فقد كانا نشيطين جدا. 

" اسمع أيها الصديق!" قالا للفرخ, " إنك تبلغ حدا من البشاعة إلى درجة إننا 


244 


نحبك؛ أترغب برافقتنا وتكون طيرا مهاجراً ؟ فبالقرب من هنا في مستنقع ثان توجد 
أوزات على قدر من الجاذبية, وجميعهن آنسات, يمكنهن القول:" كاك". ستجد حظك 
هناك لأنك قبيح جدا!". في نفس اللحظة سمعٌ صوت: " طاخ. طاخ". فسقط ذكرا البط 
ميتين في البردي وصار الماء أحمر قانياً؛ وثانية سمع الصوت:" طاخ. طاخ". فطار 
سرب الاوز البري عاليا من بين البردي وأطلقّت النار مرة أخرى. كانت حملةً صيدٍ 
كبيرةٌ؛ وقد انتشر الصيادون حول المستنقع, و قد جلس بعض منهم عاليا على أغصان 
الأشجار التي امتدت فوق البردي. مشى الدخان الأزرق كالغيوم بين الأشجار الغامقة 
اللون وبقي معلقاً فوق الماء. وخوّض كلاب الصيد في الطين وقايل البردي والقصب في 
كل الجهات. كان ذلك مرعبا للفرخ المسكين. الذي أدار رأسه ليضعه تحت جناحه. وفي 
اللحظة نفسها وقف كلب صيد مخيف قريباً جدا منه. وقد تدلى لسائه الطويل ولعت 
عيناه ضراوةً؛ وتدلى فكّه تجاه فرخ البط كاشفاً عن أسنانه الحادة, ولكنه خوض في 
لما د واتضرف ذوق أن ينقضر غلية. ْ 

" الحمد لله!" تنهد فرخ البط قائلا: " حتى الكلب لا يشتهي أن يعضني لقبحي!" 

وبقي ساكنا في مكانه بين البردي بينما توالى أزيرٌ الرصاص في البردي وتوالت 
الطلقات الواحدة بعد الأخرى. 

لم يعم الهدوء إلا بعد مرور ساعات ولكن الصغير المسكين لم يجرؤ على 
النهوض. انتظر ساعات أخرى قبل أن يتجرأ وبنظر حوله, ثم سرح تاركاً ا مستنقع بقدر 
ما يستطيع من اندفاع. ركض عبر الحقول والمروج حيث الريح تعصف لدرجة أنْهُ يصعب 
عليه ترك المكان. 

عند المساء وصلّ إلى بيت فلاح فقير؛ كان البيت متهالكا جدا إلى درجة أنه 
احتار بوجهة سقوطه, ولذا بقي معلقا واقفاً في مكانه. وهبت الريح قويةٌ حتى اضطر 
فرخ البط أن يتشبث بذيله ليقاومها وساء الجو أكثر وأكثر؛ حينها تنبّه إلى أن باب 
البيت قد فَلْتَ أحد مفصليه وبقي مُعلّقا مائلا مما يكن فرح البط أن ينسل من شق 
الباب إلى الصالة وهذا ما فعله. 

في هذا البيت تعيش إمرأةٌ عجوز مع قطها ودجاجتهاء القط الذي أسمته 
"محبوب" كان يقوس ظهره ويهرء ويكهرِب شعرٌ جسمه, لكن على المرء أن يمسد شعره 


215 


باتجاهه المعاكس, أما الدجاجة فكان لها ساقان قصيرتان جداً ولهذا قد أسمتها 'كوكة 
القصيرة الساقين" كانت دجاجة بيّاضة وقد أحيتها العجوز مثل ابنتها. 

في الصباح تنه الجميع إلى فرخ البط حين راح القط يهر والدجاجة تقوقئ. 

" ماذا أرى!" قالت العجوز وهي تتلفت من حولها ولأن بصرها ضعيفٌ فقد ظنّت 
أن فرخ البط هو بطدٌّ سمينة قد ضْلَتْ طريقها. " إنه لصيدٌ سهل؛" قالت العجوز, ' 
سأحصل الآن على بيض بطء أقنى ألا يكون ذكرا! لكن لننتظر ونر" 

ووضع فرخ البط تحت الإختبار ثلاثة أسابيع ولكنه لم يأت ببيضة. كان القط هو 
السيد في البيت والدجاجة هي المدام. وهما يقولان دوما: " نحن والعالم!" لأنهما 
يحسبان نفسيهما نصف العالم وهو النصف الأفضل برأيهما. فرح البط اعتقد أن المرءً 
يمكن أن يكون له رأي آخْرٌ ولكن الدجاجة لم تطق سماع شيء من هذا القبيل. 

' أ يمكنك وضع البيض؟ " سألت الدجاجة فرخ البط. 

أجاب: " لا!” 

" إذن اخرّس!" 

ثم سأله القط : " أ يمكتك أن تقوس ظهركء وتهر وكهرب جسدك؟" 

أجاب: " له!” 

" إذا لا يجب أن يكون لك رأي عندما يتحدث الناس الفاهمون". 

وقبع فرخ البط في ركن من البيت بمزاج سيء. لكته فكّر فجأة بالهواء الطلق 
وأشعة الشمس. قلكثه رغبةٌ عجيبة بالعوم والإنسياب على سطح الماء. وأخيراً لم 
يستطع أن يكتم الأمر فأخبر الدجاجة بذلك. 

" ماذا جرى لكَ؟ سألته الدجاجة. " أ ليس لديك عمل آخر فتأتي لنا بهذه 
الأفكار! ضع بيضا أو هر كي تشفى من ذلك!" 

قال فرخ البط: " ولكن في العوم و الإنسياب على الماء متعة كبيرة» أ تعلمين كم 
هو ممتع أن يغطي الماء رأسّك وتغطسين إلى القاع؟” ْ 

" أجل أجل؛ تريدني أن أصدق إنها متعة, هه!" قالت الدجاجة:, " اذهب واسأل 
القط. إنه أذكى من عرفت, اسأله إن كان يحب أن يطفو فوق سطح الماء أو يغطس 
تحته! أنا لا أريد أن أدلي برأيي. اسأل بنفسك سيدةٌ البيت هناء لا يوجد أذكى وأعقل 


216 


من هذه العجوز في العالم, أوَ تظن بأنها تحب الطفوٌ فوق سطع الماء أو يغطي الماء 
رأسّها!" 

قال فرخ البط: " إنكم لا تفهمونني!". 

" إن لم نكن نحن نفهمّك فمن تظن بأنه يفهمك؟" قالت الدجاجةٌ؛ "دعكَ مني, 
هل تظن أنكَ أذكى من القطٌ والسيدة العجوز! لا تكن مغرورا أيها الصغير! واشكر 
القدر على هذه النعمة التي قُدَّمِتَْ لك! أ لم تحصل على بيت دافئ ورفقة يمكنك أن 
تتعلمٌ منها شيئا؟ ولكنك هراء! لست حلو المعشر. ثق بي, أقولٌ لك ما لا يريحك ولا 
أقصد بهذا إلا مصلحتك, وهكذا تعرف الأصدقاء الحقيقيين! هيا احرص على أن تضع 
بيضاً و أن تتعلم كيف تهر أو تكهرب جسدك. 

قال فرخ البط:" أظن أن علي الخروج إلى العالم الفسيح". " الباب يسع جملاً!" 
قالت الدجاجة. 

ومشى فرخ البط وعام على سطح الماء وغطس ولكن قبحه كان يجعله غير ذي 
قيمة من قبل كل الحيوانات. 

وحل ال خريف وصارت الأوراق في الغابة صفراً وبُنِيّةٌ. لاعبثها الريح فراحت 
تتراقص. و بدا الجو في الأعالي باردا والغيوم مثقلة بالبره والوفّرء وقد وقفَ على 
السياج غراب ينعق "آي, آي!" من البرد ليس إلا, إذ من الممكن أن يتجمد المرء من 
البرد لمجرد التفكير بذلك. وفي الحقيقة لم يكن فرخ البط المسكين على ما يرام, فذات 
مساء وتحت مغيب الشمس الآسر طلع سرب طيور كبيرة جميلة من بين الحشائش 
والأعشاب.لم ير فرخ البط بمثل جماله أبداً. كانت الطيور ببياض لاع وأعناق مر نة 
طويلة؛ إنها بجعات تُصدرٌ صوتا مدهشا وقد فردت أجنحتّها الرائعة وطارت بعيدا عن 
الحقول الباردة إلى البلاد الحارة, وقد ارتفعت عاليا جداً في السماء إلى حيث البحيرات 
المفتوحة. انتاب فرح البطً إحساسُ غريب, دار حول نفسه في الماء مثل عجلة؛ وم 
عنقه طويلا في الهواء تجاه السرب, وأطلقَ صرخةٌ عالية عجيبة أخافته هو نفسه. أوه, 
لم ينس الطيور الجميلة, الطيور السعيدة الحظ وحالما اختفت عن ناظره تاما عطس 
مباشرةً إلى القاع, وعندما صعد إلى سطح الماء مرة أخرى قلكه شعورٌ غريب جدا.لم 
يعرف اسم هذه الطيور ولا الجهةً التي تقصدها ولكنه أحبّها بشكل كبير كما لم يحب 


27 


أحداً من قبل؛ لم يحسدها نهائياء إنه لا يجرز على أن يتمنى مثل هذا الجمال. كان 
يكفيه أن يقبّل البط به لكي يكون سعيدا! يا له من مسكين هذا الفرخ التتعيس 
القبيح!. 

وحلّ شتاءً قارس جدا فكان على فرخ البط أن يعومٌ في الماء مرارا كي لا يتجمدء 
ولكن فتحةٌ الماء كانت تضيق وتضيق كل ليلة. تجمّد كل شي ء حتى راحت طبقةٌ الثلج 
تتكسر؛ وكان على فرخ البط أن يحرك ساقيه دائما كي لا يتجمد الماء تماما من حوله 
وأخيراً فقّدَ القدرة على الحراك قاما. حيث سقط ساكنا والتصق متجمداً بالفلج. 7 

في الصياح الباكر رأى فلاح فرح البط. فتوجه إليه و خّبط بقبقابه الثلج ليكسره 
وحمل فرح البط إلى البيت لزوجته. وهناك عادت له الحياة من جديد. رغب الأطفال 
باللعب معه ولكن فرح البط ظن أنهم يودون إيذاءه فطار من الفزع وحط في وعاء 
الحليب. فاندلقَ الحليب في الغرفة؛ أخذت الزوجةٌ تصرخ وتلوّح بيديها في الهواء. 
وإثرّها حط فرح البط في دلو الزيدة وبعدها غطً في برميل الطحين وطار منه؛ يا له من 
شكل هذا الذي بدا عليه! أخذت الزوجة تصرخ وتركض وراءه وتضريبه بملقط الفحم, 
وركض الأطفال متدافعين من أجل أن يُمسكوا به؛ ومن حسن الحظ أن الباب ترك 
مفتوحاً فطار فرح البط خارجاً وحط بين الشجيرات تحت الثلج الذي بدأ لسو 
بالتساقط. جلس هناك وراح يغط في سبات. 

سيكون الحديث مؤثرا جدا عن كلّ ذلك الضيق والتعاسة التي كان عليه تحمّلها 
في هذا الشتاء. 

قَبّمَ فرح البط في المستنقع بين القصب وبدأت الشمس ترسل حرارتها مرة ثانية! 
كان ربيعاً جميلا. حينها رفع جناحيه مرة واحدة فخفقا بشكل أقوى من قبل وحملاء 
بقوة من على الأرضء وقبل أن يعرف موقعه نرّلٌ في حديقة كبيرة حيث أزهرت أشجار 
التفاح وفاحت رائحةٌ أزهار الليلك التي تعلقت بالأغصان الطويلة الخضر فوق الشرع 
الملتوية. ياه. كم كان المكان رائعا! ربيعياً بنضارته ! وبررّت من عمق الغابة أمامّه 
ثلاث بجعات جميلات؛ نفشت ريشّها وطافت بانسياب على سطع الماء . تَعرقَ فرح 
البط على البجعات الرائعات. فشعَر بحزن غريب وأخذ يفكُرٌ مع نفسه: " أريد أن أطير 
إليها. هذه الطيور الملكية! أريد التقرب منها وستنهشني حتى اموت لأنني قبيح جداً. 


248 


الأمر سيان عندي! أفضّل قتلي على يدها بدلا من ملاحقة البطً لي ونهش الدجاج: 
ورقس ]لجيت الى ضعنى ببيث الدجاع ومعاناي من البره في الشبعاء!': وطار فرع 
البط وحط في الترعة وعام تجاه البجعات الرائعات؛ وحين رأئّه البجعات أسرعت عائمة 
تجاهه. " هيا إقتلوني! " قال الحيوان المسكين وأحنى رأسّه تجاه سطح الماء منتظرأً 
الموت, ولكن ما الذي رآه على سطح الماء الصافي؟ رأى صورتّه هو نفسسّه في الماء, 
ولكنه لم يعد" طيرا ضعيفاً؛ ولا قبيحاً وبشعاً بلون رمادي مسود, كان هو ذكر بجعةٍ 
ب أن تكونَّ قد ولدت في بيت بط ما دمت قد طلعت من بيضة بجعة". 

شعر فرخ البط حينها بفرح وسعادة غامرة بعد كل هذا الضيق والصعاب التي 
جابهها؛ فلا يفكر الآن إلا باستمتاعه بكل هذا الجمال الذي من حوله, والذي ألقى عليه 
التهية شافت التجعات الكيرات من حوله ومستدكة فنا قكرها. واه أطفال مخار 
كاتا في الحديقة: + ألقوا:بالفين والحَب فى الماء وضاع أمشرهم: ““لقد جا واحد ديد" 
وهلل الآخرون فرحاً معه: " أجل لقد جاء جديد!" وصفقوا بأيديهم و رقصوا؛ أسرعوا 
راكضين لينادوا الأم والأب, وألقي الخبز والكعك مرة ثانية في الماء والكل يقول: 
"الجديد أحلاهم!" إنه شاب وجميل!" و أحنى البجع العجوز رأسه مَرحباً به. فشعر فرخ 
البط بالخجل وأخفى رأسه بين جناحيه. ولم يعرف ماذا يفعل! كان طائرا من الفرح 
ولكنه لم يكن مزهواً لأن الذي له قلبٌ صادق طيب لا يمكنه أن يغترٌ ويتعالى. أخذ 
يفكّر بما تعرض له من مطاردة و إهانة وبما يسمعه الآن من قبل الجميع وعلى إنه 
الأجمل بين الطيور الجميلة؛ وقد انحنت أزهار الليلك حستى ناشت أغصائها الماء 
والشمس أشرقت دافئةً حلوة. حينها نفشَ ريشه و انتفّعٌ العئق النحيل و ابتهج القلب 
من الفرح: " لم أحلم بحظ كهذا عندما كنت فرح بط قبيح!" 


كتبت في عام ١8414‏ 


249 


شجرة عيد الميلاد 


كان هناك بعيداً في الغابة شجرة صنوير جميلة للغاية؛ كان لها متسع من المكان, 
فيض من الشمس والكثير من الهواء. أما حولها فقد نا الكثير من الأصدقاء الأكبر 
منها حجماً, من الأبريئات أيضاً. لكن شجرة الصنوبر الصغيرة كان تتوق لأن تكبر لم 
تفكر بالشمس الدافئة والهواء النقي ولم يعجبها أطفال الفلاحين الذين كانوا يتبادلون 
أحاديث صغيرة عندما كانوا يجمعون الفراولة والتوت البري. ولطالما أتوا بجرة تملوءة 
أو افترشوا الأرض تحت الشجرة ينظمون الفراولة في عيدان القش وهم يقولون: " يا له 
من منظر جميلء كم هي رقيقة هذه الصغيرة". لم تكن الشجرة تريد سماع ذلك إطلاقاً. 

في العام الذي تلاه كانت أطول بمقدار شبرين, والعام الذي تلاه صارت أطول 
بمقدار شبر مرة أخرى. يمكن للمرء أن يرى من خلال مفاصل شجرة الصنوبر مقدار ما 
فت. " يا لحسرتيء. ليتني كنت شجرة كبيرة مثل باقي الأشجار" تنهدت الشجرة 
الصغيرة؛ " لصار بإمكاني أن أنشر أغصاني عرضا من حولي ولتمكنت قمة رأسي من 
رؤية العالم الفسيحء ولرغبت الطيور ببناء عش لهم بين أغصاني؛ ولكنت تمكنت من 
إحناء رأسي بشكل رفيع كلما هبّت الريح كما الأخريات". لم تكن تستمتع بالشمس 
الدافئة, ولا الطيور والغيوم الحمر التي تبحر صباح مساء عليها. جاء الشتاء وتساقط 
الثلج أبيض لامعاً. وكان هناك أرنب يأتي مراراً قافزاً فوق الشجرة الصغيرة. 

ويا للأسف, ها قد مر فصلا شتاء وعند الثالث كانت الشجرة قد كبرت كثيراً 
حتى توجب على الأرنب المرور حولها. ياه. هيا اكبري. اكبري. صيري كبيرة وعجوزاً 
إن هذا هو أحلى ما في الوجود. 

في ا خريف كان الحطابون يأتون مراراً لقطع بعض الأشجار الكبيرة, كان هذا 
يحدث كل عام, أما الشجرة الفتية التي كانت قد فت جيدا الآن فقد ارتعشت خوفا من 


231 


ذلك, فالأشجار الضخمة البهيجة كانت تَصر ومن ثم ترتطم على الأرض بصوت عال» 
وتقطع أغصانها بعد ذلك, فتبدو عارية تماماً. طويلة نحيلة. بل كان يصعب التعرق 
عليها. ومن ثم توضع في عربات تجرها الخيول إلى خارج الغابة. 

أين ستذهب؟ ماذا ينتظرها؟ 

عندما جاء السنونو واللقلق في الربيع سألتهما الشجرة الصغيرة: " هل تعرفان 
أين أخذوا الأشجار؟ أ لم تقابلوها؟" 

السنونو لم يعرف شيئاً عن ذلك, أما اللقلق فقد بدا قلقاً. هز رأسه وقال: " أجل, 
أعتقد ذلك؛ لقد قابلت في طريقي العديد من السفن عندما طرت من مصر؛ كان هناك 
على السفن صوار ضخمة بهية من الشجرء أجرؤ أن أقول أنها هي, رائحتها تفوح 
بالصنوبر؛ إنها تسلم عليكم, أعناقها مشرئبة؛ أعناقها مشرئبة" 

" ياه. ليتني كنت كبيرة بما يكفي لأطير عبر البحر. ما عساه أن يكون هذا البحر 
حقاً. كيف يبدو؟ 

" الأمر أوسع من أن يشرح هكذا". قال اللقلق وانصرف. 

قتعي بشبابك" قالت أشعة الشمس؛ " تمتعي بنموك النضرء بالحياة الفتية 

بداخلك". وقبلت الريح الشجرة ونزل قطر الندى عليها وهي رغم ذلك لم تفهم. 

وفي موسم عيد الميلاد قُطع العديد من الأشجار الصغيرة جداء غالبا ما تكون 
أشجاراً لم تكبر بعد بل لم تكن حتى بعمر شجرة الصنوبر هذه التي لم يهدأ لها بال أو 
تهنأ. كل ما كانت تتمناه هو الخروج من هنا: تلك الأشجار الفتية, أكثر الأشجار جمالاً 
احتفظت بأغصانها دائما. كانت توضع على العربات فتجرها الأحصنة خارج الغابة. 

" أين ستذهب تلك الأشجار؟ سألت شجرة الصنوبر. " إنها ليست أكبر مني؛ بل 
كانت هناك واحدة أصغر مني بكثير. لم تحتفظ بأغصانها كلهاء أين يأخذونها ؟ 

" نحن نعرف؛, نحن نعرف" سقسقت العصافير. " كنا في المدينة ولقد نظرنا خلف 
النوافذء نعرف أين أخذوهاء يا إلهي لقد وصلت إلى أعظم وأبهى ما يمكن تخيله من 
مكان, لقد نظرنا من خلال النوافذ ورأيناها قد شتلت في منتصف الصالة الدافئة مزينة 
بأجمل الأشياء, تفاحات ذهبية و كعك العسل, ألعاب أطفال والعديد من مئات 
الشموع". 


2252 


" وماذا بعد ذلك؟" سألت شجرة الصنوبر مرتعشة الأغصان. " وبعدها؟ ماذا 
حصل بعد ذلك؟” 

" لم نر أكثر من ذلك ولكنه كان منظرا فريدا من نوعه" 

" ألا يمكن أن أكون قد حُلقت لذلك الطريق المشرق؟" هللت شجرة الصنوبر." إنه 
لأفضل من الذهاب إلى البحرء كم يعذبني الشوق هذاء ليت عيد المبلاد يأتي فأنا الآن 
عالية وظلي كبير مثل الأخريات اللاتي حملوها بعيدا عن المكان هذا في العام الماضي, 
يا لحسرتي, لو كنت بطولي الان على العربة, ليتني كنت وقتها في تلك الصالة الدافئة 
بكل زينتها وعظمتهاء وحيئها؟ أجل ما الذي سيأتي بعد ذلك غير الأفضل, والأكثر 
جمالاً: وإلا لم سيزينوني, لابد وأن يحدث شيء أكبر بعدهاء أكثر عظمة. ولكن ماهو؟ 
يا ويلي من معاناتي هذه واشتياقي, لا أعرف تماما لم أنا هكذا " 

" استمتعي بي" قال لها الهواء وضوء الشمس؛ " استمتعي بشبابك النضر في 
عالمك الحر” 

ولكنها لم تكن فرحةء لقد كبرت وكبرتء. ظلت خضراء صيفاً شتاء؛ الناس التي 
تراها تقول:" يا لها من شجرة جميلة". وعند عيد الميلاد تم قطعها أولَ الأشجار. ضرب 
الفأس في النخاع فسقطت الشجرة على الأرض وهي تطلق تنهيدة. شعرت بألم ووهن 
فلم يكن بإمكانها أن تفكر بسعادة ما. كان انفصالها عن البيت مؤلماً, الإفتراق عن 
تلك البقعة التي نبتت فيها؛ وكأنها أدركت الان بأنها لن ترى أصدقاءها القدامى 
الأحباء بعد الآنء وتلك الشجيرات الصغيرة والأزهار من حولها وربما حتى الطيور. 
الوداع لم يكن سهلاً إطلاقاً. 

لم تفق الشجرة تماما إلا بعد أن أنزلوها مع باقي الأشجار في الفناء. وعندها 
سمعت رجلاً يقول:" تلك شجرة جميلة, لن نختار غيرها". ثم جاء خادمان يرتديان 
زيهما الكامل وحملاها إلى داخل بهو رائع كبير. كانت هناك لوحات معلقة في كل 
أنحاء البهو وعند الموقد الخزفي كانت هناك مزهرية صينية منقوشة بالأسود في 
غطائها؛ و هناك كرسي هزازء وأرائك بقماش من ا حرير, وطاولة كبيرة تكدست فوقها 
الكتب المصورة وألعاب أطفال تساوي مئة مرة مئة دينار- هذا ما قاله الأطفال على أية 
حال. وتم وضع الشجرة في برميل مملوء بالرمل, ولكن لم يكن بوسع أحد أن يرى 
البرميل فقد لُفْ بقطعة ملابس خضراء ووضع وسط سجادة ملونة كبيرة. 


253 


ياهء كم ارتعدت الشجرة, ماذا تراه سيحدث؟ شرع كل من الخدم والفتيات في المنزل 
بتزيين الشجرة. وعلّقت فوق الأغصان سلال صغيرة مقصوصة من ورق ملون ملوءة 
بالحلوى؛ وقد علق التفاح والجوز المذهب المسكّر على الشجرة وكأنه قد نما بالفعل فيها. و 
هناك أكثر من مئة من الشموع الصغيرة الحمر والزرق والبيض المثبتة فوق الأغصان على 
الشجرة. وهناك دمى بدت وكأنها حية من البشر- لم تر الشجرة في حياتها مثل ذلك. 
كانت الدمى تتأرجح بين الأغصان الخضر. وفوق على رأس الشجرة وضعت نجمة من 
النحاس الأصفر الرقيق. كم بدت الشجرة رائعة, لا شبيه لها في روعتها. 

" في المساء" قال الجميع, " هذا المساء ستشع هذه الشجرة". فقالت الشجرة: "أوه: 
ليت المساء يأتي, ليت الشمع يوقد بالحال. وما تراه سيحصل بعد ذلك؟ هل ستأتي 
أشجار من الغابة لتراني؟ أ ترى ستطير العصافير إلى النافذة لتنظر إلي؟ أ تراني 
سأنبت وأكبر هنا وأبقى بزينتي هذه شتاءً وصيفاً؟ 

هذا ما كانت تظنه؛ ولكنها كانت تعاني من صداع لحاء شديد بسبب الشوق الذي 
يعتمل بداخلها وصداع اللحاء بالنسبة للأشجار هو مثل صداع الرأس عندنا نحن 
الآخرون. 

وتم إيقاد الشموع, أي لمعان كان! أي زينة وجمال! ارتعدت كل أغصان الشجرة 
بسبب ذلك حتى أن إحدى الشموع أشعلت النار في الأغصان الخضرء وشعرت الشجرة 
بالنار." يا إلهي" صرخت إحدى الآنسات وأطفأت النار في ال حال. لم تعد الشجرة تجرؤ 
على الحراك. يا للهلع. كانت شديدة الخوف من أن تفقد شيئًا من زينتها: شعرت 
بالدوار من كل هذا اللمعان. وفجأة انفتح الباب على مصراعيه وتدفق جمع من الأطفال 
إلى داخل البهو وكأنهم كانوا يرغبون بإسقاط الشجرة بأكملها؛ أما الكبار فقد دخلوا 
بحذر وهدوء بعدهم. وقف الأطفال صامتين تاماً ولكن فقط للحظة, هللوا بعدها فرحين 
بصوت طئانء رقصوا حول الشجرة وبدؤوا يلتقطون الهدايا الهدية بعد الأخرى. " ماهذا 
الذي يفعلونه؟", تساءلت الشجرة, " ما الذي سيحصل بعدها؟". الشموع ذابت احتراقاً 
حتى اقترب اللهب من الأغصان والتي أخذوا يطفئونها بالتدريج. ومن ثم سمح للأطفال 
بنهب ما على الشجرة. عندها تهاوى الأطفال على الشجرة حتى صرت كل أجزائها. لو 
لم تكن قمة الشجرة والنجمة الذهبية قد ربطتا إلى السقف لسقطتا. 

رقص الأطفال مع ألعابهم الجميلة في البهو. لم ينظر أحد إلى الشجرة عدا المربية 


254 


التي كانت تطل لتتفقد ما بين الأغصان. ولكن ذلك لم يكن سوى رغبتها بالتأكد من 
عدم نسيان تين أو تفاح داخلها. 

" نريد قصةء قصة" صاح الأطفال وسحبوا رجلا بديناً تجاه الشجرة فجلس تحتها 
قاما وقال" نحن الآن وسط الخنضرة تماماء والشجرة ستستفيد بشكل خاص أيضا 
لسماعها القصة معناء ولكنني سأروي قصة واحدة لا أكثر. هل تودون سماع قصة 
"حدرة بدرة " أم دعبول المدعبل الذي سقط متدحرجاً فوق السلم ولكنه وبالرغم من ذلك 
صار ذا شأن وتزوج من الأميرة". البعض صرخ " حدرة بدرة" وآخرون قالوا " دعبول 
المدعبل". كان صراخا وصياحا عاليين جدا لم يحتمله غير الشجرة التي كانت تخشى 
الحراك:" ماذا عنّي؟ أ لا علي أن أفعل شيئاً؟" كانت بالفعل معهم وفعلت ما يتوجب 
عليها فعله. وقصّ الرجل قصة " دعبول المدعبل الذي سقط متدحرجاً فوق السلم 
ولكنه وبالرغم من ذلك صار ذا شأن وتزوج من الأميرة" وصفق الأطفال وصاحوا: " هيا 
احك لنا المزيد" كانوا يريدون سماع قصة " حدرة بدرة" أيضاً ولكنهم لم يحصلوا على 
غير قصة " دعبول المدعبل". 

بقيت شجرة الصنوبر دون حراك؛ فلم يرو لها الطيور شيئا عن هذا أبداً: " دعبول 
المدعبل الذي سقط متدحرجاً فوق السلم ولكنه وبالرغم من ذلك صار ذا شأن وتزوج من 
الأميرة. هكذا إذاً يكون حظ البعض في هذا العالم. فكرت الشجرة التي اعتقدت أن 
القصة حقيقية لأن الراوي كان رجلا لطيفاء " ما أدراني, لريما سقطت من على السلم 
وحصلت على أمير أيضاً, من يدري". كانت متشوقة للغد والزينة التي ستزين بها, 
بالألعاب والشموع, بالذهب والفاكهة.فكرت: " غدا أود بالفعل التمتع بكل روعتي. 
غدا سأنصت ثانية إلى قصة" دعبول المدعبل" وربما سمعت القصة تلك حول "حدرة 
بدرة", لذا بقيت واقفة هادئة تفكر طوال الليل. 

عند الصباح دخل العامل مع الخادمة, " ها هما سيبدآن بتزييني الآن" فكرت 
الشجرة ولكنهما سحلاها إلى خارج البهو وإلى الأعلى عبر السلم ووضعاها فوق في 
المخزن عند السقف. في زاوية مظلمة لا يدخلها النهار. قالت الشجرة: " ماذا يعني 
هذاء ما الذي سأفعله أنا هنا؟ وما الذي يا ترى سأسمعه هنا؟ ".؛ ثم مالت إلى الجدار 
وراحت تفكر وتفكر. وقد كان لها متسع من الوقت لفعل ذلك فقد مرت أيام وليال ولم 


2255 


يأت أحد إلى فوق. وما مر أحدهم أخيرا فقد كان من أجل أن يضع صندوقا في الزاوية 
فقط. كانت الشجرة في ركن معزول حتى يخال المرء بأنها منسية بالتأكيد. 

فكرت في سرها: " ها قد حل الشتاء في الخارج الأرض صلبة مغطاة بالثلج ولا 
يمكن للناس غرسي الآن. وبات من المؤكد علي البقاء والإنتظار تحت سقف يقيني حتى 
حلول الربيع؛ كم هي مراعاة كبيرة منهم, تفكيرهم هذا بي, بهذه الطريقة, يا للبشر من 
جنس طيب. ولكن ليت المكان هذا لم يكن شديد الظلمة والوحشة هكذاء لو يمر أرنب 
صغير من هناء كم كان الأمر بمتعا في الغابة عندما يتساقط الثلج ويمر الأرنب بي» 
ويقفز فوقي, ولكني كنت حينها لا أحب ذلك هنا المكان موحش بشكل مخيف" 

" ويص ويص"؛ قال فأر صغير في اللحظة نفسها ومرق, ومن ثم جاء صغير آخر. 
وأخذا يتشممان شجرة الصنوبر ومن ثم انزلقا بين أغصائها. 

قال الفأران الصغيران: " إنه لبرد قارسء والبقاء هنا بركة ألا تعتقدين ذلك ايتها 
الشجرة العجوز ؟" 

فقالت الشجرة: " أنا لست عجوزاً بالمرة. هناك الكثيرون تمن هم أكبر مني سنا " 

فسألها الفأران:" من أين أتيت. وما الذي تعلمينه؟ هيا اخبرينا عن أجمل مكان 
في العالم. هل شاهدته بالفعل؟ هل كنت في مخزن مواد غذائية حيث الجبنة على الرف 
وفخذ الخنزير معلّق تحت السقف, حيث يرقص الفأر على شموع الشحم. يدخل نحيفا 
ويخرج سمينا", كان الفأران فضوليين جداً. أجابت الشجرة: " لا أعرف ذلك, ولكني 
أعرف الغابة حيث تشرق الشمس والطيور تغني": وراحت تحدثهما عن كل شيء عندما 
كانت شابة. لم يسمع الفأران شيئا كهذا من قبل إطلاقا فقالا: "ياه. لقد رأيت 
الكثير» واستمتعتي كثي رأ" 

" أجل". قالت شجرة الصنوبر وفكرت بما قالته؛" أجل لقد كان كذلك, كانت في الحقيقة 
أوقاتاً سعيدة", ومن ثم أخبرتهم عن ليلة عيد الميلاد عندما زينوها بالكعك والشموع. 

" ياه. يا لك من محظوظة أيتها الشجرة العجوز" 

" أنا لست عجوزاً, لقد جئت من الغابة هذا الشتاء إلى هناء أنا في عمر الزهور, 
إنما توقف نموي فقط" 

" يا لحلاوة حديئك": قال الفأران الصغيران وجاءا في الليلة التالية مع أربعة فئران 


226 


صغيرة والتي كانت ترغب في سماع حكايات الشجرة. كانت الشجرة كلما تحكي المزيد 
تتذكر أوضح وأوضح كل شي ء وقالت: " إنها لأوقات سعيدة. ولربما تأتي, لربما تأتي. 
دعبول المدعبل الذي سقط متدحرجاً فوق السلم ولكته وبالرغم من ذلك صار ذا شأن 
وتزوج من الأميرة؛ ربما حصلت أنا ايضا على أمير". وفكرت شجرة الصنوبر بشجرة 
بتولا رقيقة فت في الغابة كانت تليق كأمير لشجرة الصنوبر. 

سألت الفئران الصغيرة: " من هو دعبول المدعبل؟ " وحدثتهم شجرة الصنوير عن 
كل القصة فقد كانت تتذكر كل كلمة فيها وأوشكت الفئران أن تقفز على رأسها لشدة 
غبطتها. بل وجاء في الليلة التي تلتها المزيد من الفئران وجاء في يوم الأحد أيضاً 
جرذان ولكنهما قالا أن القصة لم تكن شائقة. وهو ما أحزن الفئران الصغيرة أيضاً فقد 
كانت متعتها بالقصة أقل هذه المرة. 

" ألا تعرفين قصة أخرى غير هذه؟" سأل الجرذان. " لا أعرف غيرهاء هو ما 
سمعت في ليلتي السعيدة تلك ولكنني حينها لم أكن أدرك مدى سعادتي” 

" إنها قصة سيئة جداً» ألا تعرفين قصصاً عن شموع الشحم. شموع شحم الخنزير؟" 

" كلا" قالت الشجرة. 

" إذاً شكراً لك" قال الجرذان وانصرفا. 

الفئران الصغيرة انصرفت أخيراً أيضاً. عندها تحسرت الشجرة: 

" كان ذلك بالفعل أمراً مسلياً لي. كان الأمر بحق ممتعاً عندما كانوا حولي. 
هؤّلاء الفئران الصغار المتخاطفة, لقد أنصتت لما رويت لها ها أنا أفقد شيئاً آخر, 
ولكن علي أن أتذكر بأن أتمتع المرة القادمة عندما يأتون لأخذي ثانية. 

ولكن متى حدث هذا؟ حصل ذلك ذات صباح باكر عندما أتى أناس ودبكوا في 
المخزن تحت السقف؛ حركوا الصناديق ومن ثم سحبوا الشجرة. لقد رموها بقساوة بعض 
الشيء على الأرض ولكن العامل سحلها بعد ذلك بالحال عبر السلم حيث يسطع النهار. 

" ها هي الحياة تعود من جديد" . فكرت الشجرة التي شعرت بالهواء النقي وبأول 
شعاع شمس. وخرجت إلى الفناء. مر كل شيء بسرعة كبيرة وفات الشجرة أن تنتبه 
لنفسها فقد كان هناك الكثير ما يستحق النظر حولها. الفناء كان يفضي إلى حديقة قد 
أزهر فيها كل شيء؛ الجوري كان عطرا نضرا معلقاً فوق أسيجة خشبية وأشجار 


2537 


الزيزفون المزهرة. ومن ثم طارت السئونوات وقالت:" سقسقسي جاء صديقي". ولم 
تقصد يطبيعة ال حال شجرة الصنوبر. 

" علي الآن أن أحيا" هللت الشجرة وأفردت أغصانها في الهواء؛ آخ. كانت 
جميعا صَفر اللون وذابلة. حيث كانت الشجرة ملقاة في الزاوية بين الأعشاب والحراق 
المرمي هناك. كانت النجمة من النحاس الذهبي لا تزال معلقة فوق في قمتها تلمع تحت 
ضوء الشمس الساطع. 

وكان في الفناء بضعة أطفال يلعبون مرحين, رقصوا في ليلة عيد الميلاد حول 
الشجرة وكانوا فرحين جدا بها. ركض أحدهم واختطف النجمة الذهبية. 

" انظر لما تبقى على شجرة عيد الميلاد العجوز القبيحة هذه" قال الطفل وخبط 
الأغصان بقدميه حتى تكسرت تحت حذائه. 

كانت الشجرة تنظر إلى جمال الزهور ونضارتها في الحديقة وتنظر إلى حالها ومنت 
حينها لو بقيت في ركنها المظلم في المخزن تحت السقف. فكرت بشبابها النضر في 
الغابة, بليلة عيد الميلاد البهيجة والفئران الصغيرة التي انصتت بشغف لحكايتها عن 
دعبول المدعبل. 

" كل شيء راح. راحت الأيام. راحت راحت"؛ قالت الشجرة. " ليتني قتعت عندما 
كان باستطاعتي, كل شيء راح, راح" 

بعدها جاء عامل وقطع الشجرة إلى قطع صغيرة وجمعها في حزمة حطب كبيرة؛ 
وتنهدت الشجرة تنهيدة عميقة حين اشتعلت بتوهج جميل تحت قدر تحضير الجعة. كل 
تنهيدة كانت مثل صوت طلقة صغيرة, لذا فقد تجمع الأطفال الذين كانوا يلعبون عند 
النار وجلسوا ينظرون إليها ويصيحون: " طاخ, طاخ". ولكن في كل طلقة والتي كانت 
تنهيدة عميقة كانت الشجرة تفكر بنهار صيفي في الغابة؛ أو ليلة شتائية هناك عندما 
تلمع النجوم؛ فكرت بليلة عيد الميلاد؛ دعبول المدعبل الحكاية الوحيدة التي سمعتها 
واستطاعت أن ترويها. واحترقت الشجرة تماما. 

الأطفال يلعبون في الفناء. كان على صدر أصغرهم نجمة حملتها الشجرة في 
ليلتها السعيدة تلك؛ راحت الليلة والشجرة راحت ومعها القصة؛ كل شيء راحء راح 
وهكذا ستروح كل القصص. 

كتبت في عامة ١84‏ 


2568 


تل الجن 


ركضت بضع زواحف من " أبو بريص" مرتبكة في شقوق شجرة هرمة؛ كان 
بإمكاتها أن تفهم بعضها بعضأً لأنها تتحدث بلغة أبو بريص. 

" ياه. أي صخب وأي ضجيج في تل الجن القديم" قالت احداهن من أبو بريص, 
"لليلتين وبسبب هذه القلاقل لم يغمض لي جفنء, وكأن عندي وجع أسئان, حيتها لا أنام 
أيضا" 

" شيء ما يحدث عندهم هناك" قالت أبو بريص الثانية." أوقّفوا التل على أربعة 
أعمدة حمر حتى صياح الديك, وقد تم تهوية المكان جيداً؛ الجنيات وتعلمت رقصة 
جديدة سيدبكن على إيقاعها. هناك ولا شك ما يحصل". 

" صحيح, لقد تحدثت مع دودة أرض من معارفي". قالت الثالثة من أبو بريص؛ 
"دودة الأرض قد وصلت للتو من التلء حيث كانت تنبش في الأرض ليل نهار؛ سمعت 
الكثيرء ليس بإمكانها النظر. الحيوانة المسكينة. ولكنها تشعر وتتنصت. بإمكانها 
ذلك. إنهم يتوقعون زيارة غريب في تل الجن. غريب ذي مقام رفيعء, ولكن من هو. لم 
تشأ دودة الأرض قول شيء, أو ربما لم تعرف شيئاً عن ذلك. كل ذوي المصابيح تم 
استدعاؤهم لعمل مسيرة مشاعل كما يقال, ولمعت الفضة والذهب الذي كان منها ما 
يكفي في التل ووضعت تحت ضوء القمر" 

" من عساه يكون هذا الغريب؟" سألت كل واحدة من "أبو بريص". 

" ماذا يحصل؟ اسمعواء يا له من طنين؛ اسمعواء يا له من زن " 

في اللحظة ذاتها انشق تل الجن وبرزت جنية عجوز من ذوات الظهر الأجوف. 
كانت بلا ظهرء عدا ذلك فقد كانت ترتدي ملابس وقورة وهي تخطر في مشيتها.كانت 
مدبرةً قصر الملك. هي من الأقرباء البعيدين في العائلة وعلى جبينها قلب من الكهرب, 


259 


التخطر. وخطرت مباشرة إلى المستنقع إلى حيث طائر الليل' . 

" حضرتك مدعو إلى تل الجن الليلة ". قالت الجنية العجوزء " ولكن ألا يمكنك 
أوله أن تقدم لنا خدمة كبيرة, في أن تتولى الدعوات, لابد لك من تقديم منفعة, طالما 
أنك لن تضيّف أحداً. سنستقبل غرياء عاليي الشأنء عفاريت لهم باع طويل, ملك 

الجن العجوز يرغب في أن يتباهى بهذه المناسبة" 

: من الذي يجب أن يدعى ؟" سأل طائر الليل. 
" للحفل الراقص الكبير بإمكان الجميع المجيء, حتى البشرء مجرد أن يكون 

باستطاعتهم الحديث اثناء النوم, او شيء من هذا القبيل ثما هو شبيه بما يفعله جنسنا. 

ولكن للحفلة الأولى يجب أن تكون هناك اختيارات مشددة فنحن لا نريد حضور إلا 

الأعلى شأناً. أنا على خلاف مع ملك الجن. إذ برأيي لا يمكئنا دعوة حتى الأشباح. 

يجب دعوة ملك البحر' وبناته أولاً. هم لا يحبذون الحضور كثيرا إلى اليابسة ولكن 

سيحصل كل واحد منهم على حجر رطب ليجلس عليه وربما شيء أفضل من هذاء 
أعتقد بأنهم لن يرفضوا دعوتنا هذه المرة. علينا أن ندعو كل العفاريت الشيوخ" من 
الدرجة الأولى ذوي الأذناب. ملك النهر و جنانوة عيد الميلاد', وأنا أفكر بأنه لا 
يمكتنا أن ننسى بالطبع خنزيرة القبور". حصان جهنم" جنانوة الكنائس"؛ هم ينتمون 

. طائر الليل ؛ في الأساس هو طائر السبّد ووفق المعتقدات الشعبية صارت أشباح الئاس غريان الليل‎ ١ 

؟ بو البحر ؛ يأتون وفق المعتقدات الشعبية من البحر لغواية الناس وجرهم إلى الفرق . 

؟ شيخ العفاريت ؛ العفريت العجوز ٠‏ رئيس عائلة العفاريت 

؛ جنانوة عيد الميلاد (2115565) ؛ جني عيد الميلاد هو إله البيت في المعتقدات الشعبية الإسكندنافية . بجذور 
تعود إلى لاريس الإله عند الرومان » ولهم مذبح في البيت وطقوس خاصة . يعتقد بأن الجني في العادة بحجم 
طفل صغير بارتفاع قدمين ٠‏ يرتدي طاقية حمراء وملابس بلون رمادي . الجنائوة يقترن ذكرهم على الأخص 
بالمزارع . و لهم تسب مع (الجن وي الأجنحة 18166) والأقزام . 

ه خنزيرة القبور :لا يتفاءل المرء برؤيتها- نذير موت . لها ظهر حاد مثل نصل سكين وشعر ئاتيء . الكثير من 
الملاحم تحكي عن خنزير شبحي يرابط في المقابر وينذر بالموت . 

+ حصان الجحيم : وهو نوع من الأشباح التي تئذر بالموت . ويمكن ان يطلق عليه حصان الكئيسة او حصان الجثة . يعتقد 
أن الحصان قد تم دفئه حيا عندما بنيت الكئيسة وبقي شبحه بعد ذلك في المكان وهو يظهر للناس الذين سيموتون . 
يسير الحصان على ثلاثة أرجل مثل بقية الحيوانات الغيبية ويمكن أن يكون أيضا بلا رأس . 

7 جني الكنائس : المقيم في الكنيسة والذي يحافظ على النظام ويعاقب الئاس على التصرفات غير اللائقة . 


200 


بالطبع أيضا إلى الأبرشية من غير جنسناء ولكنها وظيفتهم. إنهم أقرباؤناء عادة 
مايقومون بزيارات لنا" 

" خيرا" قال طائر الليل وطار من المكان ليوجه الدعوات. 

كانت الجنيات من ذوات الظهر الأجوف قد بدأت الرقص في تل الجن وقد رقصت 
بشال طويل منسوج من الضباب وضوء القمر. وقد بدا ذلك رائعا لمن يحب هذا النوع. 
كان البهو الكبير في منتصف تل الجن قد لْمُع؛ عُسلت الأرضية بضوء القمر, والجدران 
فُركت بشحم الساحرة حتى لَمّعت مثل أوراق توليب تحت الضوء. كان المطبخ مملوءاً 
بضفادع في أسياخ, جلد حية مسلوخ بأصابع أطفال صغيرة, سلطة يذور الفطر. خطم 
فأر رطب مع نبات الشوكران. جعة من تخمير عجوز المستنقعات"/ نبيذ النتريك من 
قبو القبر وكل شيء صلد: مسامير صدئة و زجاج نوافذ كنيسة كمكسرات. 

وأمر ملك الجن تلميع تاجه الذهبي بمسحوق الطباشير الذي يعود إلى طباشير 
مراقب الصف, ولم يكن من اليسير على ملك الجن الحصول على طباشير مراقب 
الصف. في غرفة النوم علّقت ستائر لصقت ببصاق حية. أجل, كان هناك طنين وزن. 
هرج ومرج. 


0 


" والآن يجب تبخير المكان بشعر مجعد وشعر خنزير» وبهذا أعتقد باني قد أديت 
الذي علي"؛ قالت الجنية العجوز. 

" أبي العزيز" قالت أصغر البنات؛ "هلا أخبرتني الآن من سيكون هذا الغريب 
صاحب الشأن؟" 

" هاهاء تودين معرفة ذلك إذاً " قال الأب. " إذاً علي الإجابة, على اثنتين من 
بناتي أن يجهزن للزواج؛ اثنان ستغادران إلى بيت الزوجية. شيخ العفاريت من 


عجوز المستنقعات وجعة عجوز المستنقعات :عندما يصعد البخار أو الضياب من المروج بعد مغيب الشمس 
يقول الناس بان عجوز المستنقعات تقوم بتخمير الجعة . 

جعة عجوز المستنقعات : ويقصد به الضياب المتبخر الذي يتد فوق اليحيرات والمتنقعات والمروج . 

ويحكى عن ذلك " في الصباح الباكر تجمعت طبقة ضباب كثيفة فوق وادي النهر الشرقي . أخفت منطقة المروج 
المنخفضة بشبكة عنكيوت سحرية من العتمة والغموض . لم يكن المرء ليجرؤ على الدخول في الضباب . تخيل 
إن لم يتمكن المرء من الخروج منها . . .يحكى أن عجوز المستنقعات ذات صلة قرابة مع الجنائوة من ذوي 
الأجنحة والئناس السفليين" . 


261 


النرويج, هذا الذي يسكن في حقل دوفره ولديه العديد من القصور الصخرية من 
الصخور الكبيرة. ومنجم من الذهب أجمل مما يتصور المرء. سيأتي إلينا مع ولديه. خرج 
كل منهما ليبحث عن زوجة له. الشيخ العفريت من الشيوخ الامناء النرويجيين 
ا حقيقيين. طرب وصريح, أعرفه منذ تلك الأيام؛ عندما كنا نتخاطب من دون رسميات 
بيننا؛ جاء إلى هنا ليأخذ زوجته. لقد ماتت, كانت ابئة ملك الصخور* في جزيرة مون. 
كان الدفع بالطباشيرء ياه. كم اشتقت لهذا الشيخ العفريت. الولدان: يقال عنهما إنهما 
ولدان غير مؤدبين. متعاليين, ولكن ربما لم ينصفا في ذلك. وبالإمكان جعلهما ولدين 
صالحين إن تم تعتيقهماء عدوني بأن تعدلا من سلوكهما." 

" متى يصلون؟" سألت إحدى البنات. 

" ذلك يعتمد على الريح والطقس" قال ملك الجن. " يسافرون في الدرجة الثانية, 
ينتظرون السفينة التي تبحر أردت مجيئهم عبر السويد. ولكن العجوز ما يزال غير 
ميال إلى تلك الجهة, إنه لا يماشي عصره وهذا ما لا أحبه". 

في الوقت ذاته جاء إثنان من ذوي المصابيح"'. الواحد أسرع من الآخر. ولذا وصل 
الواحد أولةً؛ " وصلواء وصلوا". صاحا. 

" ناوليني تاجي, دعيني أقف تحت ضوء القمر". قال ملك الجن. 

رفعت كل من الفتيات شالها الطويل وقد أثنت ركبتها حتى لامست الأرض تحية 
للملك. 

وقف الشيخ العفريت من دوفره'' بتاج من ذؤابات جليدية صلدة و كوز صنوبر 
ملمع؛ وبالمناسبة كان يرتدي فراء دب وجزمة تزلج؛ الولدان وعلى العكس مشيا بعنق 
عار ومن دون حمّالات بنطلون. لأنهما كانا فهلويين. 

" هل هذا هو تل؟" سأل أصغر الولدين وأشار إلى تل الجن. " نحن في النرويج 
نسميه جحرأ" 
ملك الصخور ؛ ملك الجنانوة من ذوي الأجنحة ٠‏ يعتقد بأن له هيئة إسطورية للك الصخور- وهو سيد كل من 

الجزر روكن » مون ؛ وشبه جزيرة ستيفنس 0 
٠‏ ذووالمصابيح : وفق المعتقدات الشعبية هم اشباح الناس غير العادلين والذين عن طريق ضوئهم يحاولون 
تضليل الماشين القاصدين مكان ما وجرهم إلى المستنقعات . فقاعات غاز الميئان الذي يعتقد بأنها مصابيح 

٠ غالبا ما تكون مغطاة بالثلج‎ ٠ حقل دوفره : سلسلة جيلية في الجنوب الغربي من النرويج‎ ١ 


262 


" أيها الصبيان" قال العجوزء " الجحر ينبعج إلى الداخل, التل ينبعج إلى الخارج, 
أ ليس لديكما عيون في رأسيكما" 

الشيء الوحيد ألذي أعجبهما هناك كما قالاء كان هو انهما فهما اللغة هكذا 
مباشرة ودون مقدمات. 

" لا تغترا" قال العجوزء " يكاد المرء يظن بأنكمالم تخبزا جيدا" 

ودخلوا إلى تل الجن. حيث كان هناك بالفعل حفل راقيء وقد حدث ذلك بسرعة؛ 
يخيل للمرء بأن الريح نفختهم مرة واحدة. كان كل شيء قد صّفْ بشكل لطيف وأنيق 
لكل واحد من المدعوين. جلس بئو البحر إلى مائدة الطعام في حوض الإستحمام, قالوا 
وكأن البيت بيتهم. والكل قد مسك بالشوكة والسكين ما عدا العفريتين الصغيرين 
النرويجيين, وضعا أرجلهما على المائدة. واعتقدا بأن كل شيء يليق بهما. 

" أنزلا أقدامكما من على الصحن" قال العفريت العجوز. وانصاعا للأمر 
ولكنهمالم يفعلا ذلك بالحال. السيدتان اللتان تشاركهما المائدة إلى اليمين تدغدغتا 
بكوز الصنوبر الذي كان في جيبي الصبيين. ونزعا جزمتيهما ليرتاحا في جلستهما 
وأعطيا السيدتين الجزمات ليحملنها؛ ولكن الأب. عفريت دوفره العجوز كان مختلفا 
قاما؛ تحدث بجمال عن حقول النرويج المتباهية وعن الشلالات التي تتدفق إلى الأسفل 
برغوة بيضاء ودوي مثل الرعد ورنين الأورغل؛ تحدث عن سمك السالمون الذي يتقافز 
عاليا تجاه المياه المتدفقة عندما يعزف جني الماء نوكن" على القيثارة الذهبية. 

ولقد تحدث عن الليالي الشتائية الساطعة, عندما ترن جلاجل الزلاقة والأولاد 
يركضون بشعلات متقدة فوق الجليد الصقيل العالي الشفافية. حتى إنهم كانوا يرون 
الأسماك تحت أقدامهم وهي تشعر بالخوف. أجلء إنه يتحدث بطريقة يرى فيها المرء 
ويسمع ما يقول؛ وكأنه المنشار الذي يشغله الناعور. كان الشباب والفتيات يغنون 
الأناشيد ويرقصون رقصة شعبية نرويجية. بقفزة واحدة طبع الشيخ العفريت خد الجنية 
العجوز بمطقة أخوية؛ كانت قبلة قوية والإثنان لم يكونا من عائلة واحدة. 

وجاء دور الجنيات من ذوات الظهر الأجوف ليرقصن, وكان رقصا عاديا ثم رقص 


١١‏ جتى الماء نوكن (8ل3]01) : وهو كائن غيبي يقيم في الأنهار والبحيرات وهو يفوي الناس بلعيته . يمكن أن 
تكون له هيئة بشر أو حصان . 


2063 


دبكة, الرقص يليق بهن. وجاء بعد ذلك فن رقص أرقى أو ما يطلق عليه ب: " الخروج 
من حلبة الرقص تباعا" . يا الله. كيف كن يرفعن سيقانهن, لا يعرف المرء نهايتهن من 
بدايتهن, لا يفرق المرء بين أذرعهن و سيقانهن, تداخلن مثل نشارة الخشب, والتففن 
حول المكان, حتى إن حصان جهنم أصابه ألم واضطر إلى ترك المائدة. 

"هيا"؛ قال الشيخ العفريت, " انها متعة بوساطة الأحذية, ولكن ماذا يمكنهن غير 
الرقص ورفع السيقان والدوران مثل الدوامة؟” 

" ستعرف" قال ملك الجنء ونادى على أصغر بناته؛ كانت رفيعة وصاحية مثل 
ضوء قمر كانت الأرقى بين أخواتها اجمعهن؛ تناولت عودا أبيض في فمها فاختفت 
تماماء كان ذلك فنها. 

ولكن الشيخ العفريت قال إنه لا يحب هذا الفن الذي كانت زوجته تجيده وهو لا 
يعتقد بأن اولاده يحبونه. 

الثانية كان يمكنها المشي بجانب نفسها وكأن لها ظلاً والعفاريت لا تملك ذلك 
بالطبع. 

الثالثة كانت من نوع آخر تماماء فلقد تعلمت في بيت تخمير إمرأة المستنقع وهي 
التي تعلمت حشو جذوع الأشجار بحشرات سراج الليل. 

" ستكون ربة بيت ممتازة” قال الشيخ العجوز ورفع نخباً بعينيه؛ لأنه لم يكن يريد 
أنإيشزت كثيرا. 

وجاءت الجنية الرابعة» لديها قيثارة كبيرة من الذهب تعزف عليهاء وعندما ضربت 
على الوتر الأول رفع الجميع الساق اليسرى لأن بني العفاريت عسرء وعندما ضربت 
على الوتر الثاني كان على الجميع ان يفعلوا ما أرادت. 

" هذه إمرأة خطيرة" قال الشيخ العفريت. ولكن كلا الولدين خرج من التل لأنهما 
كانا ضجرين. 

" وماذا بإمكان الابنة التالية فعله؟"سأل الشيخ العفريت. 

"لقد تعلمت أن أحب النرويجيين" قالت. "ولا أتزوج إطلاقا إن لم يكن 
باستطاعتي الوصول إلى النرويج". 

ولكن اصغرهن سناً همست في أذن الشيخ العفريت: " ذلك لمجرد أنها سمعت من 


264 


نشيد نرويجي بأن العالم عندما يزول ستبقى الصخور النرويجية مثل شاهدة قبر. لذا 
فهي تود الذهاب إلى هناك لأنها تخشى كثيرا أن تزول" 

" يا لطيف", قال الشيخ العفريت, " على مهلك, وماذا في استطاعة السابعة 
والأخيرة؟* 

السادسة تجيء قبل الأخيرة" قال ملك الجن. فقد كان بإمكانه العد ولكن 
السادسة لم تكن ترغب كثيرا بالمثول أمامهم. 

" أنا لا يمكنني إلا قول الحقيقة عن المخلوقات أجمع" قالت السادسة, " لا أحد 
يحبني, ولدي ما يكفيني من العمل؛ خياطتي لكفني” 

وجاءت السابعة والأخيرة وما الذي كان بإمكانها فعله؟ كان بإمكانها قص 
الحكايات الخرافية قدر ما تريد. 

" هذه هي كل أصابعي الخمسة" قال الشيخ العجوزء " قصي لي واحدة عن كل واحد" 

ومسكت الجنية معصمه وقد ضحك حتى غص من الضحك وعندما وصلت إلى 
السبابة التي كان لها محبس ذهني حول خصرها وكأنه متأكد بأنه ستكون هناك خطوبة, 
قال الشيخ العفريت: " حافظي جيدا على ما لديك, اليد لك» أنت من أريد زوجة لي" 

قالت الجنية إن مازال لديها المزيد عن السبابة و الخنصر. 

" سنسمع عن ذلك في فصل الشتاء" قال الشيخ العفريت, " وعن الصنوبر وعن 
شجر البتولا وهدايا عفريتة الغابة هولدغا"' والثلج الرنان, أنت من ستقصين لنا 
الحكايات بلا شك فلم يعد أحد يقوم بذلك هناك. - سنجلس في البهو الحجري حيثُ 
تشتعل نشارة خشب الأبريات ونشرب شراب الميوذ '' من القرن الذهبي لملوك النرويج 
العجائز؛ نوكن جني الماء أهدى لي بضع كؤوس وعندما نجلس سيزورنا وسيغني لك كل 
أغاني بنت المروج الجبلية. سيكون ذلك مفرحا. السا مون يتقافز في الشلال ويضرب 
الجدار الحجري ولكنه لن يدخل مع ذلك. - أجل. صدقيني, هناك الجميل في النرويج 
القديمة, ولكن أين الأولاد ؟” 

الترويجية لها قوى سحرية . 


؟١‏ ميوذ (901060) : نبيذ العمسل . شراب مسكر يحضر من العسل المخمر الذي يبهر من حين إلى حين 


265 


أجل صحيحء أين الولدان. لقد ركضا في الحقل وأطفاا ذوي المصابيح التي سارت 
في مسيرة مشاعل بسلام. 

" أ هناك ما تتسكعان من أجله؟" قال الشيخ العفريت, " ها أنا جئت لكما بأم: 
عليكما الآن أن تختارا خالة" 

ولكن الولدين قالا إنهما يفضلان إلقاء الخطبة والشرب؛ أما الزواج فلا أحد له 
رغبة فيه.- وألقيا خطبة وألغيا الرسميات, ثم وضعا حافة الكأس على الإظفر لكي 
يُظهرا أنهما قد شرباه حتى القعر؛ رفعا بدلتيهما وقددا على المائدة وغطا بالنوم فهما 
لم يكونا خجلين من ذلك. ولكن الشيخ العفريت دار راقصاً في المكان مع عروسه 
الشابة وبدل جزمته معها لأن ذلك كان أكثر رفعة من تبادل الخواتم. 

" صاح الديك" قالت الجنية التي تدير المنزل. " علينا إغلاق درفات النوافذ كي 
لافوت احتراقا في الداخل" وانغلق التل. 

في الخارج ركضت الزواحف من أبو بريص أعلى وأسفل الشجرة المتشققة, تقول 
الواحدة للأخرى 

" ياه. كم أحببت شيخ العفاريت هذا" 

" أنا أحب الأولاد أكثر" قالت دودة المطر. ولكن لم يكن باستطاعة الحيوانة 
المسكينة النظر*'. 


كتبت عام 161 


6 جني المزارع : المقيم في المزارع 

وعن انتقال الجني من البيت الذي يقيم فيه يقال : 

إن غضبّ الجئي على احد يتأتى منه كل شي» ابتداء من المناكفات البريئة إلى التحرشات الخشنة . عندما ينتقل 
الجني من مكاته الذي يقيم فيه فهو فأل سيء . مبعنى أن هناك ما هو خطأ! خطأ فادح الذي جعل الجني ينتقل 7 
وإن انتقل من البيت على المرء أن يفعل ما بوسعه من أجل إعادته وأن يتصالح معه بأسرع وقت ممكن لكي 
يتجنب مصائب أكثر قد تحدث جراء ذلك . في المعتقدات الإسكندنافية . الاعتقاد بوجود جني المزارع كان 
نتشرا عبر مئات السنين ومنها انتقل إلى عالم الحكايات الخرافية . جني المزارع سواء أكان رجلاً أو صبياً 
صغيرا يرتدي ملابس الفلاحين العادية في ذلك الوقت من قماش من الصوف الخشن الرمادي اللون والطاقية 
الحمراء . كان كائنا خرافياً , بمثابة إله البيت الذي يعود إلى العزبة . وقد يكون من الخطورة ذكر اسمه 
الحقيقي . لذا فقد كان اسم تدليله أو الكنية المعروف بها هو جني عيد الميلاد ' 


266 


القفازون 


ذات يوم أراد" كل من البرغوث, الجندبء الإوز القمّاز' معرفة من منهم الذي يقفرٌ 
أعلى: لذا قاموا بدعوة العالم بأجمعه ومن غيره من الذين يرغبون في مشاهدة هذا 
الحدث الرائع وقد كان هؤلاء الثلاثة من القفازين المتفوقين, والذين حصضروا الآن إلى 
الإستعراض. 

قال الملك: " أنا سأزوج ابنتي من الذي سيقفرٌ أعلى الكل؛ لا يكون الإستعراض 
مثيراً دون جائزة". 

البرغوث كان أول المتسابقين. كان ذوقّه رفيعاً جداً, وقد حيًا الجميع على الجانبين. 
كان ذلك لأن دم أنسة يسري في دمه وقد اعتاد على مخالطة البشر فقط. 

وجاء بعده الجُندبء كان سميناً. ولكنه نظامي؛ يسير بزي أخضر مذ خُلقَ. وقد 
قال الرجل فوق ذلك إنه يتحدر من عائلة عريقة في مصر وكان معززاً مكرما هناك في 
بلاده. بحيث تراهم يأخذونّه مباشرة من الحقل ويضعونه في بيت من ورق اللعب بثلاثئة 
طوابق: الثلاثة من ورق الرجال الملك والأمير والتي كُلبّ جانبها الملون إلى الداخل؛ 
فلن الساء قن :هذا البيث عفرت كابراب وقباريلن ” 

قال الجُندب:" كنت أغنّي بطريقة تجعل الستة عشر جُدْجُداً والتي كانت تغني منذ 
صغرها ومع ذلك لم تحصل على بيت من ورق اللعب. أجعلها تتحسرٌ بسماعها لي 
فتزداد نحولا". 

ولقد قدّم كل من البرغوث والجُندب نفسه خيرٌ تقديم وقد كان كل منهما يعتقد أن 
بإمكانه الزواج من الأميرة. 

ولم يقل الإوز القفّاز شيئاً عن نفسه. بل قال عنه الآخرون, بأنه كان يفكر طيلة 


. الإوزة القفازة ؛ لعبة شعبية للأطفال مصنوعة من عظم صدر الوز‎ . ١ 


267 


فترة صمته. وعندما تقرب منه كلب الحاشية وتشمّمه أَكُدَ لهم بأن الإوز القفاز يتحدرٌ 
من عائلة ذات حسب ونسب. وأما مستشار الملك الذي فارَ يئلائة أنواط لبقائه صامبًا 
أكُد لهم بأن الإوز القفاز لديه موهبةٌ العراف, إذ بإمكان المرء أن يعرف من خلال ظهر 
الإوز القفّاز إن كان شتاء هذا العام سيكون معتدلاً أم قارس البرودة, هذه المعلومة لا 
يمكن الحصول عليها من أصحاب التقاويم. 

قال الملك العجوز:" أنا لا أورُ قول شيء الآن. أريد أن أفكر أولاً كعادتي " 

وبدأ سباق القفز. قفز البرغوث عاليا جداً بحيث لم يتمكن أحدٌ من رؤيته فزعموا 
أنه لم يقفز إطلاقاً من مكانه. وإن ذلك كان احتيالاً منه. ْ 

قفز الجندب قفزةً بنصف ارتفاع البرغوث, وقد قفز إلى وجه الملك مباشرةً فقال 
الملك أن هذا مقررٌ. 

أما الإوز القفاز فبقي ساكناً في مكانه يفك حتى اعتقد الناس أخيراً أنه لا يمكنه 
القفز نهائياً. فقال كلب الحاشية وهو يتشممه: " أرجو ألا يكون قد أصابه مغص ". 
ولكنه قفز قفزة قصيرة معوجة إلى حضن الأميرة التي جلست على كرسي ذهبي واطئ. 

حينها قال الملك:" القفزة الأعلى هي التي تكون نحو ابنتي. هي أرقى القفزات, 
هذا النوع من القفزات ليس من السهل ابتداعه ويظهر أن الإوز القفاز لديه مخ يفكر, 
وهو قوي الإرادة أيضاً ". 

ولكن البرغوث احتج قائلاً: " ولكني قد قفزت أعلى منه. ولكن هذا لا يهم, 
دعها تأخذ هذا القميء الذي ليس هو سوى عود وبعض من عجينة من الإسفلت. لقد 
قفزت أعلى منه. ولكن هذا العالم يتطلب عضلات قويةً ليتمكن المرء من إبراز نفسه". 

وانضم البرغوث إلى الجيش بعدها وقيل بأنه قد قُتلّ هناك. أما الجندب فقد جلس 
عند الترعة يفكر في الذي حصل في هذا العالم وقال أبضناة: العضلات القوية مطلوبة, 
العضلات القوية مطلوبة. وعنّى أغنيته المؤثرة جدا التي استقيئا منها قصتنا والتي من 
المحتمل أن تكون كذياً بكذب وإن طبعت. 


كتبت في عام ١840‏ 


268 


الراعية ومنظف المداخن 


هل رأيتَ في حياتكَ خزانةً قدي أصليةً من الخشّب, سوداء تماما لقدّمهاء حفر على 
خشبها لوالبُ وورق نباتات. هذا هو ماكان في غرفة معيشة, خزانةٌ موروثة من جد الأم 
الأكبر. نُحَنَتْ بالورود والزنابق من الأعلى إلى الأسفل؛ كانت من أعجب اللوالب 
المحفورة في الخشب. بينها غزلانٌ صغيرة مدّت رؤوسها للأمام بشعاب قرون كثيرة ؛ 
وفي وسط الخزانة كان هناك رجلٌ كاملٌ منحوت, كان النظر إليه في الحقيقة مثيراً 
للضحك. والقهقهة التي كانت بلا شك من اختصاصه لا يمكن اعتبارها ضحكاً؛ كان 
لديه رجلٌ ماعز, وقرنٌ صغير في جبهته ولحية طويلة. فالأطفال في غرفة المعيشة 
مر دوما رجل الماعز اللواء العسكري الأعلى الأسفل الآمر الرقيب. كان اسماً من 
الصعب نطفّه. وليس هناك الكثير من يحصلون على هذا اللقب؛ و كان نحته شأنا 
كبيرا أيضاً. على كل حال كان هو هناك! ينظر تجاه الطاولة تحت المرآة دوماء حيثُ 
انتصبت راعيةٌ صغيرة حسناء من الخزف الصيني بحذاء مدهب ورداء قد رقع بأناقة 
وتيت بوردة حمراء, لديها أيضا قبعةٌ ذهبيةٌ وعصا راع. كانت حلوة. وقفّ بجانبها تماما 
منظف مداخن صغير, أسود كالفحم, ولكنه كان أيضا من الخزف الصينيء نظيفٌ 
ومرتب ماما كالآخرين. كوئه منظف مداخن. فهو شيء تخيلَهُ الخزاف. وإلا فقد كان 
بإمكانه أن يصنعٌ منه أميراء لأن الأمر واحد.كان يقفْ جميلا مع سلّمهء وبوجه أبيض 
وح كود فتاة صغيرة, وكان هذا خطأ بالذات, إذ لابد من القليل من الأسود. 
انتصب قرب الراعية تماماء وقد وضع كل منهما حيث وضع, وبما أنهما وضعا بهذه 
الصورة فقد خُطبا لبعض. كانا ملائمين لبعضهماء شابين. كلاهما من ذات الخزف, 
وكلاهما قابلٌ للكسر. 

بالقرب منهما كانت هناك تحفةٌ أخرى, وهي أكبر منهما ثلاث مرات. رجلٌ عجورٌ 


269 


صيني كبير السن, يمكنه الإماء برأسه؛ كان أيضا من الخزف الصيني. يدعي أنه جد 
الراعية لأبيهاء ولكن لم يكن من المؤكد أن باستطاعته إثبات ذلك. لقد زعم أنه وصيّ 
عليها ولهذا فقد أومأ بالإيجاب لرجل الماعز اللواء العسكري الأعلى الأسفل الآمر 
الرقيب عندما تقدم لخطبة الراعية الصغيرة. 

" ستحصلين على رجل بالفعل" قال العجوز الصيني للراعية, " رجلٌ من شجر 
الماهوغاني على ما أعتقد, يمكنه أن يجعل منك السيدة رجل الماعز اللواء العسكري 
الأعلى الأسفل الآمر الرقيبء هو يملك الخزانة الخشب كلها. والملأى بالفضيات,. عدا 
عما يملكه في المخابئ السرية!" 

"لا أود الدخول في هذه الخزانة المظلمة!" قالت الراعية الصغيرة, " يقال أن لديه 
إحدى عشرة زوجة من الخزف الصيني في الداخل!" 

" وستتصيرين الثانية عشرة !" قال الصيني, " هذه الليلة وحالما تُسمّعٌ طقطقةٌ في 
الخزانة القديمة, عليكما الزواج, لن أكون صينياً إن لم يحدث ذلك!" وأومأ برأسه ونام. 

ولكن الراعية الصغيرة أخذت تبكي وتنظر إلى حبيب قلبهاء منظف المداخن 
الخزفي. وقالت: ١‏ 1 

أو أن أطلب منك بأن تأتي معي خارجاً إلى العالم الفسيح؛ فلا يمكننا البقاء 


هنا". 
" وأنا أودٌ كلّ ما تودين!" قال منظف المداخن الصغير, " دعينا نغادر في الحال, 
يمكنني إعالتك من صنعتي!" 


' آهء لو كنا تحت على الأرض " قالت الراعية, " سوف لن يهنأ لي بالّ قبل أن 
نخرج إلى العالم الفسيح!" 

أخذ منظف المداخن بمواساتها و أراها أين يجب أن تضعٌ قدمها الصغيرة؛ على 
الحافات المنحوتة وورق النباتات المذهب المحفور في الأسفل حول قدم الطاولة. وقد 
استعانَ أيضا بسَلّمهء وأخيرا نزلا إلى الأرض. لكنهما عندما نظرا إلى الخزانة القديمة, 
كان هناك ما يشبه الفوضى؛ كل الغزلان المنحوتة مدت رؤوسها مسافة إلى الأمام. 
رفعت شعاب قرونها وأدارت رقابها يمينا ويسارا. أما رجل الماعز اللواء العسكري 
الأعلى الأسفل الآمر الرقيب فقد قفر عاليا في الهواء وأَخدٌ يصيحٌ على العجوز 
الصيني: " سيهربان؛ سيهربان!" 


200 


عندها تلكهما الرعب وقفزا بسرعة عاليآ إلى الجارور في الدكة. في الجارور كان 
هناك ثلاث أو أربع من ورق اللعب, لم تكن كاملةً. ومسرح عرائس صغير انتصب قدر 
الإمكان. أقيمّ عليه عرض مسرحي كوميدي. وكل النساء الماسة؛ القلب والإسباتي 
والبستوني جِلّست في الصف الأول وهي تروح بزنابقها. وخلفها وقف كل الأولاد 
برؤوس إلى الأعلى وإلى الأسفل كما في ورق اللعب. تدور الكوميديا حول اثنين حرم 
عليهما الإرتباط ببعضهما بعضاً. بكت الراعية حينها, لأن قصة المسرحية تشبه 
قصتها. وقالت: 

" لا يمكنني تحمل هذا علي الخروج من الجارور": ولكنهما عندما نزلا إلى الأرض 
ونظرا عاليا إلى الطاولة؛ كان العجوز الصيني قد استيقظ وتزحزح بكامل جسده الذي 
كان قطعة واحدة ضخمة! 

" جاء العجوز الصيني" صرخت الراعية الصغيرة وسقطت إلى الأسفل على ركبتها 
الخزفية. وكم كانت حزينة هذه الراعية. 

" وجدت فكرة", قال منظف المداخن, " لنزحف إلى الأسفل لسندائة الزهر المجفف 
الكبيرة في الركن, هناك يمكننا أن نستلقي على الورد واللافندرء وإذا جاء تر ملحا 

" لا يمكن هذا " قالت الراعية؛ " إضافةًٌ إلى ذلك فالعجوز الصيني وسندانة الزهر 
المجفف كانا مخطوبين لبعضهما بعضاً, ولهذا فعندما يدخل المرء في علاقة من هذا 
النوع يتبقى دائما القليل من المودة, لا ليس أمامنا سوى الخروج إلى العالم الفسيح!" 

" هل لديك الشجاعة الأكيدة للخروج معي إلى العالم الفسيح؟" سأل منظف 
المداخن. " هل فكرت , كم هو كبير هذا العالم, وقد لا يمكننا الرجوع مرة أخرى أبداً 
إلى هنا". 

" نعم, قد فكرت" قالت. 

نظر منظف المداخن في عينيها نظرة باحثة وقال بعدها: " طريقي يمر عبر المدخنة) 
هل لديك بالفعل الشجاعة لتزحفي معي عبر الموقد. من خلال كل من إسطوانة الموقد 
وأنبوبه حتى نصل إلى المدخئة. عندها يمكنني التصرفء ونصعد عالياً جدا بحيث 
لايمكنهم الوصول إليناء وهناك فوق في الأعلى فتحةٌ تؤدي إلى العالم الفسيع!” 


2/11 


و قادها إلى حيث ياب الموقد. 

" يبدو كل شيء أسود" قالت الراعية؛ ولكنها رغم ذلك تبعته عبر كل من 
الأسطوانة والأنبوب. إلى حيث الليل الأسود الفاحم. 0 

قال منظف المداخن: " نحن الآن في المدخنة انظريء انظري إلى فوق في الأعلى 
فالنجمة الأجمل تسطع هناك". 

و كانت بالفعل هناك نجمةٌ في السماء تسطع لهما في الأسفل؛ وكأنها كانت تود 
أن تريهما الطريق. وحَبا كل منهما وزْحّف؛ كان طريقاً مخيفاً. مرتفعا جداً. ولكن 
منظف المداخن ركع الراعية وأنزلهاء ثم حملها وأراها أفضل الأمكنة التي يجب أن 
تضعٌ فيها قدميها الخزفيتين حتى وصلا عاليا إلى الماخنة. وجلسا على حافتها لأنهما 
من المؤكد كانا منهكين, وقد كانا بالفعل. 

السماء بكل نجومها كانت فوقهماء وكلّ سقوف المديئة تحتهما؛ أخذا ينظران لكل 
ما حولهماء في المدى البعيد لهذا العالم. لم تتصور الراعية المسكينة أن الأمر هكذا 
أبداً. وضعت رأسّها الصغير على كتف منظف المداخن وبكت حتى سقط الذهب من 
على حزام خصرها. 

" إن هذا لكثير" قالت الراعية. " لا يمكنني تحمله؛ العالم كبير جداء ليتني كنت 
على الطاولة الصغيرة تحت المرآة. لن أكون سعيدة أبداً إن لم أعد إلى هناك؛ وأنا قد 
تَبعتكَ خارجا إلى العالم الفسيح, وعليك الآن أن تعود بي إلى البيت مرة أخرى. إن 

حاول منظف المداخن التحدثٌ معها بعقلانية. حدّثها عن العجوز الصيني وعن 
رِجّل الماعز اللواء العسكري الأعلى الأسفل الآمر الرقيبء ولكنها أخذت تنشّج بشكل 
مفزع. وتقبل منظف المداخن الصغير وبهذا لم يمكنه غير أن يستسامٌ لرغبتها رغم إن 
ذلك كان حماقة. 

وحبا كل منهما مجددا بصعوبة بالغة إلى الأسفل عبر المدخنة و زحفا عبر 
الأسطوانة والأنبوب. لم يكن ذلك بالأمر السهلء وبعدها توقفا عند الموقد وأخذا 
يسترقان النظر من خلف الباب ليعرفا كيف هي الحال في غرفة المعيشة. كان الهدوء 
يعمٌ المكان تماما. أطلّ كل منهما في الغرفة. يا للتعاسة؛ كان العجوز الصيني مُلقى 


212 


في منتصف الغرفة. لقد وقعٌ من الطاولة إلى الأسفل عندما هم بالركض خلفهما 
وتكسر إلى ثلاث قطع. ظهره كله في كسرة واحندة, رأسه تدحرج واستقر في الركن. 
رجل الماعز اللواء العسكري الأعلى الأسفل الآمر الرقيب كان واقفاً حيث اعتاد أن 
بقف: مُفكرا بما حدث. 

" إن هذا لرهيب " قالت الراعية الصغيرة, " الجد العجوز تكسر و نحن السبب في 
ذلكء لا أستطيع تحمل هذا" وقركت يديها الصغيرتين. 

" بالإمكان لحَمّه" قال منظف المداخن. " بالطبع يمكن لحمه. اهدئي. عندما يلصقون 
ظهره ويلحمون رقبته جيدا سيكون كما لو خُلقَ من جديدء وسيقول لنا الكثير مما 
يزعج". 

" هل تظن ذلك؟" قالت الراعية. و زحفا مرة أخرى عاليا إلى الطاولة حيث كانا 
من قبل. 

" ها نحن هنا مردٌ أخرى" قال منظف المداخن. " كان يمكننا تلافي كل هذا العناء". 

" آه لو يتم لصق الجد العجوز فقط " قالت الراعية, " أ يُكَلُْفْ ذلك الكثير؟". 

وأخيرا تم لصقّه؛ وتكمّلت العائلة بلصق ظهره. كما لُصفّت رقبئه بشكل دقيق, 
وعاد كما لو كان جديداًء ولكن أن يومئ برأسه. كان ذاك غير ممكن. 

" لابد أن حضرتك قد صرت شجاعا منذ أن تكسرت]" 

قال رجل الماعز اللواء العسكري الأعلى الأسفل الآمر الرقيبء " لا أظن أن ذلك 
أمر يستدعي ترقُمُك! أ يمكنني الحصول على الراعية أم لا ؟" 

نظر منظف المداخن والراعية الصغيرة بتأثر وانفعال كبيرين إلى العجوز الصيني, 
كانا ينتظران الجواب بخوف ورهبة. كان الرجل العجوز يود الإيماء إيجاباً ولكنه لم 
يستطع ذلك. فقد كان من الصعب عليه القول لغريب بأن رقبته ملحومةً, وبالتالي 
ارتبط الخزفيان ببعضهما بعضاً وقد باركتهما كسر الجد الملحومة وأحبا بعضهما بعضاً 
حتى تكسرا. 


كتبت في عام ١846‏ 


213 


المصباح العجوز 


هل سمعت قصة مصباح الشارع العجوز؟ لم تكن قصة شائقة جدا ولكن 
بالإمكان سماعها مرة واحدة. 

كان هناك مصباح شارع عجوز وقورء خدم لسنوات وسنوات وسيتم الآن رميه. 
كان ذلك المساء هو الأخير الذي سيكون فيه معلقا بعمود النور ليضيء الشارع, وقد 
كان يشعر بحاله مثل الدمية راقصة الباليه العجوز التي سترقص في ليلتها الأخيرة 
وهي تعرف أنها سترمى في الغد في مخزن السقيفة مع المهملات. تلك المصباح رعب 
كبير ليوم الغد هذاء إذ كان يعلم أنه سيوخذ إلى البلدية أولا ويتم فحصه من قبل 
"ستة وثلائين رجلا", ليروا إن كان يصلح للإستخدام أم لا. حينها سيقررون فيما إذا 
كان سيتم إرساله إلى أحد الأحياء خارج المركز ليضيء هناكء أو في الريف في معمل 
ماء وربما سينتهي بين يدي عامل صب الحديد فيقوم بصهرهء وكان يمكن حينها للمصباح 
أن يتحول إلى أي شيء ولكن الذي آلمه. أنه لم يكن يعلم فيما لو كان بإمكانه أن 
يحتفظ بذكريات تدل على أنه كان مصباح شارع. 

وهو في كل الأحوال سينفصل عن الحارس وزوجته اللذين كان يعتبرهما مثل 
عائلته. لقد صار مصباحا عندما صار الزوج حارسا. الزوجة كانت مترفعة. لم تكن 
تنظر إليه إلا في المساء عندما تمر من هناكء, لم تفعل ذلك إطلاقا في النهار. أما الان 
فعلى العكس, عندما تقدم ثلاثتهم في السن, الحارسء الزوجة والمصباح. أخذت الزوجة 
تعتني به أيضاء تلمعه وتصب الزيت فيه. كانا زوجين أمينين, لم يغشانه ولو بقطرة. 

هو المساء الأخير له في الشارع, ففي الغد سيرسل إلى البلدية. كانت هناك 
فكرتان قاتمتان في ذهنه. وعلى هذا بمقدورنا ولاشك أن نقدّر كيف كان يحترق. تمر في 
ذهنه أفكار أخرى أيضا؛ لقد رأى الكثير جداء وهناك الكثير الذي يودهء ربما بمقدار ما 


215 


يود ال " ستة والثلاثون رجلا”, ولكنه لم يقل شيمًا لأنه كان مصباحا عجوزا وقوراء 
لايود إهانة أحدء على الأخص الحكومة. تذكر الكثير والكثير والشعلة كانت تتقد بين 
الفترة والأخرى في داخله. كان وكأنه شعر ب " لابد أن يتذكروني أنا أيضا". ذلك 
الشاب الجميلء أجل ها قد مر العديد من السئين منذ ذلك الحين! شاب جاء برسالة, 
كان ورقها وردي اللون رقيقاً» رقيقاً جدا بحافة مذهبة, وقد كتبت بأناقة. كانت بخط 
يد سيدة؛ قرأها مرتين وقبّلها ثم نظر عاليا إلي بعينيه الاثنتين اللتين قالتا:" انا أسعد 
انسان في الدنيا". لم يكن غيري وهو يعلم بما كتب في الرسالة الأولى المرسلة من 
الحبيبة . أتذكر عينين أخريتين. عجيب كيف يقفز المرء بفكره من فكرة إلى اخرى! كان 
هناك في هذا الشارع مراسم تشييع فخم, والفتاة الشابة الجميلة كانت مستلقية في 
التابوت على عربة الموت المغلفة بالمخمل. زهور وأكاليل كثيرة جدا وقد اوقدت الكثير 
من المشاعل, ضعت تاما؛ امتلاً الرصيف بحشود كبيرة من الناس كانوا يسيرون خلف 
النعش ولكن عندما اختفت المشاعل ونظرت من حولي كان احدهم لايزال يقف عند 
العمود. يبكي. لن أنسى يوما العينين الحزينتين اللتين نظرتا إلي". وهكذا مرت العديد 
من الأفكار في رأس المصباح العجوز الذي سيضيء هذا المساء للمرة الأخيرة. الجندي 
في الحرس الملكي الذي سينصرف بانتهاء وقته يعرف من سيحل محله. يمكنه تبادل 
بضع كلمات معه. ولكن المصباح لا يعرف بديله. كان بإمكائه أن يفيده بمعلومة ماء 
حول المطر والصدأ. حول انتشار ضوء القمر على الرصيف والجهة التي تهب منها 
الريح. 

وقف ثلاثة على خشبة العبور فوق مجرى المياه الوسخة؛ استعرضوا انفسهم أمام 
المصباح فقد اعتقدوا بأنه هو الذي يقرر من سيأخذ الوظيفة من بعده؛ أحدهم كان رأس 
سمكة الرنكة لأنه كان يضيء في الظلمة وذلك يعني توفيراً في الزيت إن وضعوه على 
عمود النور. الثاني كان قطعة من جذع شجرة ممتلئ بالفطريات اللامعة أيضاء كان 
على أية حال بإمكانه ان يضيء اكثر من سمكة مجففة مقددة, هذا ما قاله بلسانه. 
عدا عن ذلك فقد كان آخر قطعة في شجرة كانت يوما زينة للغابة. الثالث كان حشرة 
سانت هانس المضيئة؛ كيف وصلت إلى هنا ذلك ما لم يتمكن المصباح من استيعابه 
ولكن الحشرة كانت هناك على أية حال وقد أضاءت أيضاء ولكن رأس الرنكة وجذع 


2106 


الفطريات أقسما بأنها كانت تضيء في أوقات معينة فقط ولذلك لم تكن تؤخذ بعين 
الإعتبار ابدا. 

قال مصباح الشارع العجوز ان لا أحد من بينهم يضيء بما يكفي كي يكون 
مصباح شارع؛ ولكن لا أحد منهم اعتقد بذلك. وعندما سمعوا أن المصباح لم يكن هو 
من يقرر الذي سيحل محله في هذه الوظيفة قالوا إن ذلك مفرح فهو الآخر هرم عاجز 
كي يقوم بمهمة الاختيار. 

في اللحظة ذاتها جاءت الريح من زاوية الشارع. صفرت عبر مدخنة المصباح العجوز 
وقالت له:" ما هذا الذي أسمعه؟ هل ستغادر غدا؟ هل هذه هي الليلة الأخيرة التي سأراك 
فيها؟ إذاً يجب أن تحصل على هدية! سأنفخ في صندوق مخك كي تتمكن من ان تتذكر 
بصفاء ووضوح ما سمعته ورأيته وليس هذا فقط. بل عندما يروى شيء ما أو يقرأ في 
حضورك ستصير صافي الذهن إلى درجة انك ترى ذلك أمام عينيك ايضا" 

" إن ذلك لكثير" قال المصباح العجوزء " الف شكر! هل سيصهرونني ويصنعون 
مني شيئا آخر؟" 

" لم يحدث هذا بعد" قالت الريح, " سأنفخ الان في ذاكرتك: إن كان هناك المزيد 
من الهدايا التي ستحصل عليها مثل هذه. حينها ستستمتع بشيخوختك" 

" علهم لا يأتون على صهري" قال المصباحء " أو هل بإمكانك أن تضمني لي بقاء 


ذاكرتي ؟" 
" كن عاقلا أيها المصباح العجوز" قالت الريح ونفخت. حينها طلع القمر. "ماالذي 
ستقدمه للمصباح؟" سألته الريح. 


" لن أقدم شيئاء فأنا داخل في المحاق والمصابيح لم تضىء لي يوما ولكني أنا 
الذي اضأت لهم وبدلا عنهم". واختفى القمر خلف الغيوم ثانية فلم يحب أن يزعجه 
أحد. سقطت في اللحظة ذاتها قطرة ماء على مدخنة المصباح. كأن السقف قطرهاء 
ولكن القطرة قالت انها جاءت من الغيوم الرمادية وكانت هدية ايضا وربما هي الهدية 
الأفضل " سأتغلغل فيك وبهذا ستملك القدرة, إن تمنيت ذلك . ان تصدأ حتى تتداعى 
وتسقط مثل غبار". رأى المصباح انها هدية سيئة والريح كان رأيها من رأيه. فقالت: 
"أليس هناك شيء أفضل من ذلك. أ ليس هناك شيء أفضل؟" ثم نفخت عاليا قدر ما 


1آ2 


استطاعت؛ حينها سقط نيزك لامع أضاء بخط طويل. " ما كان هذا ؟" صاحت رأس الرنكة, 
" ألم تسقط هناك نجمة إلى الأسفل؟ أظنها ذهبت إلى المصباح- هكذا إذآ الوظيفة مطلوبة 
ايضا من قبل عالي الشأن, لنتنح نحن جانبًا": وقاموا والاخرون بذلك أيضا. 

شع المصباح العجوز بلحظة بضياء قوي عجيب: " كانت هدية جميلة". " هذه 
النجوم المضيئة بصفاء والتي متعت كثيرا بها دوما والتي تشع بجمال كبير لا يمكنني 
في الحقيقة ومهما فعلت مضاهاته وإن جاهدت عمري كله, لقد انتبهوا لي أنا المصباح 
العجوز الفقير. فأرسلوا بواحد إلى الأرض مع هدية لي تنطوي على قدرتي في أن كل 
ما أراه أنا وأتذكره بوضوح وصفاء يجب أن يُرى من قبل الذين أحبهم, وائها لمتعة 
خالصة فعندما لا نستطيع أن نشرك الآخرين في فرحتنا ستكون ناقصة. " إنه لتفكير 
نبيل منك" قالت الريح, " ولكنك لا تعلم بالتأكيد ان ذلك يقتضي حصولك على شمع 
النحل. إن لم يشعل شمع النحل فيك لن يكون هناك من أحد بإمكانه أن يرى شيئا من 
ذاكرتك. هذا ما لم تفكر به النجمات. يظئون أن كل ما يلمع فيه على الأقل شمعة 
واحدة بداخله" قالت الريح: " أود الان ان أستلقي" واستلقت. 


في اليوم التالي, لتعبر النهار. كان المصباح في المساء التالي موضوعا على 
الأريكة. وأين؟ عند الحارس العجوز. لقد ترجى " الستة والثلائين رجلا" ومقابل خدمته 
الأمينة الطويلة أن يحتفظ بالمصباح القديم؛ لقد ضحكوا عليه عندما ترجاهم ثم 
أعطوه إياه. وها هو المصباح موضوع على الأريكة قريبا من الموقد. وكأما صار المصباح 
أكبر حجما بذلك. ملأ الأريكة بأكملها تقريبا. وجلس الزوجان العجوزان يتناولان 
العشاء على المائدة في الصالة وهما يرشقان المصباح القديم بنظرات حنونة؛ يودان أن 
يفرغا له مكانا على المائدة. كانا يعيشان في قبو بائس جداء بعمق ذراعين تحت 
الأرض؛ وعلى المرء ان يسير عبر مدخل حجري لكي يتمكن من دخول الصالة؛ ولكن 
المكان كان دافئا لأنهم أغلقوا كل منافذ الهواء في الباب؛ كل شيء يبدو نظيفا مرتباً؛ 
الستائر التي تفصل مكانا للنوم وتلك المسدلة على النوافذ الصغيرة. حيث كان على 
السدة اصيصا زرع غريبان؛ كان البحار كريستيان قد جلبهما معه من الهند الشرقية او 
الهند الغربية, كانا من الخزف. فيلان بلا ظهر. أزهر محل ذلك في التراب بصل اخضر 
زرع في الأصيص الأول. من أجمل ما يكون, كان ذلك هو حديقة المطيخ للعجوزين, 


218 


وفي الثاني أزهار جيرانيوم وكانت تلك هي حديقة البيت. علقت على الحائط لوحة 
ملونة كبيرة. صورة ل مؤقر فيّناء اجتمع فيها كل الملوك و القياصرة مرة واحدة؛ ثم 
ساعة بورنهولم الجدارية برقاصها الرصاصي الثقيل وهو يقول: " تك , تك " وبسرعة 
دوماء ولكن ذلك افضل من أن تسير الساعة ببطء؛ قال الزوجان العجوزان. تناولا 
عشاءهما وكما قلنا فالمصباح القديم كان على الأريكة قريبا من الموقد الدافئ. بالنسبة 
إلى المصباح كان وكأن كل شيء قد انقلب رأسا على عقب في كل العالم. ولكن 
عندما نظر الحارس العجوز إليه وتحدث عما مر بهما معاء تحت المطر والصدأ. في 
ليالي الصيف الصافية. عندما يسف الثلج, كان من حسن الحظ إنه جاء هنا إلى القبو 
القميء و صار كل شي ءحينها على ما يرام ثانية بالنسبة إلى المصباح العجوز, رأى 
ذلك وكأنه لايزال على حاله؛ لقد أنارت الريح بالفعل داخل رأسه. 

كانا نشيطين جدا ولطيفين جداء هذان العجوزان: لم يضيعا ساعة؛ كان الكتاب 
بين يديهما في أيام الآحادء أدب الرحلات هو المفضل والزوج العجوز كان يقرأ بصوت 
عال عن أفريقياء عن الغابات الضخمة والفيلة التي كانت تسير هناك بحرية, وكانت 
المرأة العجوز تستمع وتنظر جانبا إلى الفيلين الخزفيين وهما الأصيصان! - " أكاد أن 
اتصور ذلك" قالت العجوز. وتّنى المصباح من كل قليه لو كان هناك شمع ليشعله 
ويضعه في داخله لتتمكن العجوز من رؤية كل شيء كما هوء كما رأه المصباح: 
الأشجار العالية, الأغصان المتشابكة الملتفة على بعضها بعضاً البشر العراة ذوو 
البشرة السوداء الذين يمتطون الخيلء قطيع الفيلة التي سحقت بأقدامها العريضة 
القصب والشجيرات. 

" وما الفائدة من قدراتي كلها إن لم تكن هناك شمعة نحل" تنهد المصباح, " ليس 
لديهم غير شحم حيواني؛ وهذا لا يكفي". 

حصل العجوزان في يوم من الأيام على وجبة كبيرة من أعقاب الشموع. أوقدت 
الزوجة العجوز أكبر القطع أما أصغرها فقد كانت تستخدمها في تشميع الخيوط عند 
الخياطة؛ كان هناك شمع ولكنهم لم يفكروا في وضعه في المصباح. 

" ها أنا بقدراتي النادرة" قال المصباح., " لدي كل شيء في داخلي ولكن ليس 
بإمكاني مشاركتهما به. إنهما لا يعلمان أن بإمكاني تحويل تلك الحيطان البيض إلى 
أجمل ورق جدران؛ إلى أغنى الغابات؛ إلى كل شيء يحلمان به! لا يعلمان بذلك" 


219 


كان المصباح ملمّعا جميلا في زاوية تقع العين عليها دائما. صحيح أن الناس 
نت تقول عنه إنه ثقيل بطيء الحركة ولكن العجوزين لم يعجبهما ذلك القول فقد كانا 

يحبان المصباح. 

جاءت الزوجة العجوز يوم عيد ميلاد الحارس إلى المصباح وابتسمت قليلا ثم 
قالت:" أود إضاءة المكان له للزينة" . صرت مدخنة المصباح فقد فكر : "ها هما قد 
فهما اخيرأ" ولكن لم يكن هناك غير شمع الشحم, كان مشتعلا طيلة المساء؛ ولكنه 
أدرك الآن بأن الهدية التي قدمتها النجمات له والتي كانت الأفضل من بين الهدايا قد 
صارت كنزا متجمدا في هذه الحياة. حينها حلم المصباح, وعندما يكون للمرء مثل هذه 
القدرات يمكنه أيضا أن يحلم , - أن العجوزين كانا ميتين وبأنه قد انتهى عند عامل 
صب الحديد وسيتم صهرهء أصابه نفس الخوف الذي كان عليه عندما مثل في البلدية 
أمام الستة والثلاثين رجلا ليتم فحصه. ولكن ورغم أنه كان يملك القدرة على التداعي 
إلى صدأ وغبار إن شاءء لم يفعلها وبهذا فقد وضع في فرن الصهر وصار بعد ذلك إلى 
اجمل حامل شمعة حديدي حيث رغب بعضهم بوضع شمع نحل فيه. كان حامل الشمعة 
على شكل ملاك يحمل باقة زهور وقد وضعت الشمعة منتصف الباقة وحصل حامل 
الشمعة على مكان له في طاولة كتابة خضراءء, كانت الغرفة ذات حميمية؛ فيها الكثير 
من الكتب واللوحات الجميلة المعلقة على الجدران. كان ذلك في بيت شاعر امتلأت 
الغرفة تحت نور الشمعة تلك من حوله بكل ما فكر به وكتب فصارت الغرفة مثل غابة 
عميقة مظلمة. صارت مثل مروج مضاءة بالشمس يسير اللقلق فيها متبخترا. صارت 
الغرفة سفيئة تعلو البحر المائج. 

" أية قدرات عظيمة لدي" قال المصباح العجوز وعندها استفاق. 

" أكاد أحن إلى أن يتم صهري ولكن لا لا يجب أن يحصل هذا مادام العجوزان 
على قيد الحياة» انهما يحبانني لشخصي فأنا بمثابة طفلهم ولقد لمعوني وأعطوني شمع 
الشحم وإني بحال جيدة لا تختلف عن حال لوحة " مومّر فينا" التي تبدو بغاية الرفعة" 

ومنذ ذلك الوقت عم الهدوء دواخله أكثر وأكثر وهو ما يستحقه هذا المصباح 
العجوز الوقور. 


كتبت عام 1١4841‏ 


230 


إبرة الرفو 


كانت هناك إبرةٌ رفو رفيعة جداً. حتى خيل لها بأنها إبرة خياطة. 

" أرجوكم حاذروا مع ما تحملونه". قالت إبرة الرفو للأصابع التي تناولتها. " حذار 
أن أقع. إن سقطت على الأرض فلربا لن يُعثر علي ثانية» فأنا رفيعةٌ جدا" 

" لست رفيعة إلى هذا الحد". قالت الأصابع وهصرتها من الخصر. 

" هل ترون؟ معي أتباع"؛ قالت إبرة الرفو وسحبت بعد ذلك خيطأً طويلاً خلفها. 
ولكن يا للخيبة فلم تكن له عقدة. 

وجّهت الأصابع إبرةً الرفو مباشرة تجاه نعال الطبّاخة, كان وجهه قد اهترأ ويجب 
أن يُخاط. 

" إنه لعمل ناقص": قالت إبرة الرفو, " لن أستطيع المرور عبر القماش أبداً, 
سأنكسر"؛ وانكسرت. 

" ألم أقل ذلك بوضوح؟": قالت إبرة الرفوء " إني رفيعة جدا" 

ورأت الأصابع أن الإبرة لم تعد تصلح لشيء. ولكن كان لزاما عليها المحاولة. 
قطرت الطباخةٌ صمغاً عليها ودستها في الأمام من لقافها. 

" انظرء ها أنا الآن دبوس صدر". قالت إبرة الرفو؛ " كنت أعلم أني سأنال شرفاً؛ 
إن كان للمرء قيمة, فلابد وأن يكون له شأنٌ"؛ وضحكت في سرها فليس بإمكان المرء 
أن يرى ابرة الرفو وهي تضحك؛ وجلست هناك مزهوة وكأنها تركب عربة وتدير وجهها 
إلى كل الجهات. 

" هلا تشرفت بسؤالك. إن كنت حضرتك من ذهب؟" سألت إبرة الرفو الدبوس التي 
كانت جارة له. 

" تبدو حضرتك جميلا وقلك رأساً خاصا بك. ولكنه صغيرء حاول أن تكبره. لن 


231 


يمكنهم تصميغ الجميع": ونهضت إبرة الرفو بزهو كبير حتى وقعت من اللفاف إلى 
حوض الغسيل في اللحظة التي كانت الطباخة ترفع السدادة في حوض الغسيل. 

" سنسافر". قالت إبرة الرفوء " أتمنى ألا أضيع". ولكن كان ذلك ما حصل. 

" إنني أرفع بكثير من هذا العالم": قالت عندما استقرت في مجرى المياه القذرة. 
" أعرف قيمتي. وفي ذلك سلوى لي", واعتدلت في جلستها بظهر مستقيم ولم تُعكّر 
مزاجها. 

وحينها أبحرت فوقها مختلف الأشياء, عيدان, قش. قطع جرائد. " انهم لايعلمون 
بأني اختفي تحتهم, أنا أخز. أنا أجلس هناء ها هو عود يمر وهو يظن بأن لا شيء في 
العالم فوق غير" عود"؛ وهو بعينه. هناك قشة تطفوء انظروا كيف تتمايلء انظروا 
كيف تدورء لا تفكري كثيرا حجان < از سمت يخم اسن هناك تطفو 
جريدة! - كل ما كُتب فيها نُسي. ورغم ذلك فالأخبار تند تنتشر» أجلس صابرة هادئة, 
أعرف من أنا وسأبقى كذلك". 

ذات يوم كان هناك شيء بالقرب من إبرة الرفو قد لمع بشكل جميل جدا وقد 
اعتقدت الإبرة بأنه فص ألماس, ولكنها كانت كسرةٌ زجاج قنينة, ولا معت تحدثت ابر 
الرفو معها وقدّمت نفسها على أنها دبوس صدرء " لابد وأن حضرتك ماسة؟" -"أجل, 
بالإمكان قول ذلك" وهكذا صدقت كل منهما الأخرى, في كونهما شيئاً ثميناًء وتحدثتا 
عن حجم تعالي العالم عليهما. 

" صحيح. لقد سكنت في علبة عند آنسة, " قالت إبرة الرفو, " وتلك الآنسة 
كانت طباخة؛ كان لديها خمسة أصابع في كل يد. ولكني لم أر غروراً مثل غرور هذه 
الأصابع في حياتي أبداً. لم تكن وظيفتها 0 0 إليها". 

" هل كان لديهم بريق؟. ' سألت كسرة زجاج القنينة؛ " بريق؟": سألت إبرة الرفو, 
"لا أبداً. كانوا خمسة خمسة إخوان؛ قد ولدوا جميعهم أصابع؛ ا على ظهورهم 
مستقيمة وإن اختلفوا في أطوالهم؛ أقصرهم كان الابهام. كان قصيراً وسميناً. خرج من 
الصف, ولديه مفصل واحد فقط في الظهرء لم يكن بإمكانه الإنحناء إلا مرة واحدة 
ولكنه قال: إن قطعوه من يد إنسان فلن يصلح الإنسان بطوله وعرضه للخدمة 
العسكرية. السبابة إصبع المص» ينغمس في الحلو والحامضء يشير إلى الشمس والقمر. 


282 


المهصور عندما يكتبون؛ الوسطى. الرجل الطويل الذي يرى من فوق الأكتاف. البنصر 
هو إصبع الذهب الحارق, كان يرتدي خاتما ذهبياً على وسطه. والخنصر اللاعب الذي لم 
يكن يعمل شيئاً. وقد كان فخوراً بذلك. كل ذلك كان مجرد مباهاةء ومباهاة صار كل 
شيء وأنا التي تحطمت." 

" وها نحن نأتلق". قالت كسرة زجاج القنينة. وفي اللحظة نفسها وصلت كمية 
كبيرة من الماء في مجرى المياه القذرة. فاضت على كل الضفاف وجرفت كسرة زجاج 
القنينة. 

" ها هي قد حصلت على ترقية". قالت إبرة الرفو. " سأبقى في مكاني هناء أنا 
رفيعة جداء لكنه زهوي, وهو جدير بالإحترام", وجلست مستقيمة الظهر وفي رأسها 
الكثير من الأفكار. 

" أظن أنني ولدت من شعاع شمس. إلى هذا الحد أنا رفيعة, باعتقادي ان 
الشمس تبحث عني تحت الماء دوما. آخ. أنا رفيعة جدا حتى أن أمي لا تقدر أن 
تجدني, لو كانت عيني التي انكسرت لاتزال سليمة لتمكنت من البكاء!- جميلّ إني لم 
أفعل ذلكء البكاء ليس تصرفا راقياً." 

ذات يوم جلس بضعة أولاد متسولين يخوضون في مجرى المياه القذرة حيث وجدوا 
مسماراً قديما. قرشاً وما إلى غير ذلك. كانت قذارة ولكنها كانت على أية حال 
0 

" آي". قال أحدهم, الذي وخزته إبرة الرفو, " يا له من ولد” 

" لست ولدأً أنا آنسة". قالت إبرة الرفو ولكن لم يسمعها أحد؛ زال عنها الطلاء 
وصارت سوداء والأسود يجعل المرء رفيعاً لذا فقد اعتقدت بأنها صارت أكثر رفعة من قبل. 

" ها قد جاءت قشرة بيض مبحرة"؛ قال الأولاد وغرزوا إبرة الرفو بالقشرة. 

" جدران بيض وأنا سوداء" قالت إبرة الرفوء " منسجمان, لير الجميع؛ خوفي ألا 
يصيبني دورا البحر وإلا استفرغت". ولم يصبها الدورا على أية حال. ولم تستفرغ. 

" بطن من حديد تقاوم دوار البحرء بهذا يتذكر المرء دوما بأنه أرقى من الإنسان 
قليلاً! ها أنا تغلبت على الدوارء كلما كان المرء رفيعا زادت قوة تحمله". قالت إبرة 
الرفو. 


203 


" كرش كرش" قالت قشرة البيض, التي مشت فوقها عرية حمل. وقالت إبرة الرفو 
" مهلاء أنا مهصورة؛ مضغوطة جداء سيصيبني الدوار, إني أنكسر. استفرغ". ولكنها 
لم تستفرغء رغم أن عربة حمل قد دهستها. كانت متمددة على طولها - ولنتركها 
مستلقية هناك. 


كتبت في عام 1١4141‏ 


254 


الظل 


في البلاد الحارة. حيث الشمسُ حارقة بصطبغ الناس بلون بني تماماء و في البلدان 
الأشد حرارةً يحترقون حد السوادء ولكن هذا ولحسن الحظ كان يحدث فقط في البلاد 
ال حارة. طالب علم قد جاء من البلاد الباردة واعتقدٌ أن بإمكانه تدبر أمرَ ذلك, كما في 
بلده. لكنه سرعان ما أقلع عن الفكرة, فهو وكل الناس العاقلين كان عليهم البقاء 
داخل بيوتهم. 

مصاريع الشبابيك والأبواب مغلقةٌ طوال اليوم: يبدو وكأن البيوت بمن فيها نيام, 
أو كأن لا أحد فيها. الأزقة الضيقة بين البيوت العالية,. حيث يسكن, كانت هي 
الأخرى قد بنيت أيضا بحيث تظلّ أشعة الشمس من الصباح إلى المساء هناك.لم يكن 
الأمر يطاق بالفعل! 

طالب العلم القادم من البلاد الباردة كان رجلا شاباء رجلا ذكياء شعر بأنه قد 
جلس في فرن ساخن. لقد تمكن ال حر منه, هَزْلَ قاماء حتى ظله انكمشء. صار أصغر 
بكثير مما كان عليه في بلده. فالشمس قد أخذت منه مأخذاء لم يكوناء هو وظله, 
يعيشان إلا بعد مغيب الشمس عند المساء. 

كان مثيرا للدهشة رؤيةٌ الظل حال دخول الضوء إلى الصالة, وهو يتمدد عاليا 
على طول الجدارء بل وحتى السقف. لقد استطال كثيرا. كان عليه أن يتمطى ليستردً 
قواه. خرج طالب العلم إلى الشرفة ليتمدد هناك. 

مع ظهور النجمة تلو الأخرى في ذلك الجو الصافي اللطيف يشعر وكأنه يعود إلى 
الحياة مرة ثانية. 

أطل الناس من كل الشرفات في الشارعء ففي البلاد الحارة هناك لكل شباك 
شرفة, لأن المرء يحتاج إلى نسمة هواء. رغم أن المرء اعتاد أن يكون بلون بني! 


255 


دبت الحياة في كل مكان فنزل الأسكافيون, الخياطون وكل الناس إلى الشارع. 
ووضعت الطاولات والكراسي, وأوقدت الشموع. أجل. أكثر من ألف شمعة أوقدت. 
وهناك واحد يحكي وآخرٌ يغني, والناس تتمشى, العربات تروح وتجيء, والحمير تحمل 
أجراساً تُصدرٌ أصواتاً " دنك دنك دنك "؛ وهناك جثمانٌ يُدفّن ترافقه التواشيح, 
والأولاد يقذفونالحجر بنقافاتهم. وأجراس الكنائس تدق. أجل, كانت هناك حياة 
نشيطة في الشارع. 

ماعدا ذلك البيت المقابل, حيث يسكن طالب العلم الغريب؛ كان هناك هدوء 
مطبق. ومع ذلك فهناك يعيش أحدٌ ماء ففي الشرفة زهورٌ انتععشت نتعشت بحرارة الشمس, 
فهي لم تكن كذلك لو لم يتم سقيّها ؛ إذ لابد من أحد ما يسقيها. لابد من وجود أناس 
هناك. قُتحّ باب الشرفة أخيرا في وقت متقدم من ذاك المساء. وكان الداخل مظلماء 
على الأقل في الغرفة الأمامية. ومين العمق يتبعت كوك سيق : دهش الرجل طالب 
العلم الغريب فذلك لم يكن له مثيلٌ, ولكن ذلك يمكن أن يكونَ مجره خيال لأنه وجَد 
كل شيء استثنائيا في تلك البلاد الحارة؛ لو لم تكن هناك شمس. 

المؤجر قال إنه لم يعرف من استأجر البيت المقابل. لم ير المرء أناساء وأما ما يعخص 
الموسيقى فيعتقد هو بأنها مملة بشكل فظيع " وكأن أحدا ما قد جلس وقرن على معزوفة 
لم يتمكن الخروج منهاء دائما المعزوفة ذاتهاء "سأخرج منها حتما! ", ولكنه لن يخرج 
منهاء مهما طال عزفه ". 

ذات ليلة صحا الغريبء إذ كان نائما وباب الشرفة مفتوح, ارتفعت الستارة أمامه 
يفعل الريح؛ واعتقد هو أن لمعانا عجيبا جاء من شرفة الجار المقابل: كل الزهور التمعت 
كالشعلات بأجمل الألوان وفي وسط الزهور وقفت عذراء رشيقة مليحة, وكأنها هي 
أيضا أضاءت. غشى الضوء عينيه, ففتحهما على وسعهماء وبقفزة واحدة كان على 
الأرضء وبحذر خرج من خلف الستارة, ولكن العذراء كانت قد اختفت, واللمعان 
اختفى. والأزهار لم تعد تلمع, ولكنها كانت بحالة جيدة كما هي دوما . كان الباب 
موارباء ومن العمق تتردد الموسيقى, عذبةً وجميلةً. وكان يمكن للمرء أن يسو حينها 
كليا في أفكار حلوة. كان الأمر في الواقع كمشهد سحري. من يسكّن هناك؟ وأين هو 
المدخل الحقيقي؟ كل الطابق الأرضي كان مقسماآً إلى دكاكين متلاصقة, فلا يمكن 
للناس على أية حال دوما المرور من خلالها. 


256 


ذات مساء جلس الغريب في الشرفة, كان الشمع من خلفه داخل الصالة موقداء 
ولهذا كان من الطبيعي أن يكونَ ظِلَهُ على جدار جاره المقابل؛ نعم استقرً هناك بين 
الزهور تماما في الشرفة. وعندما يتحرك الغريبء, يتحرك الظلّ أيضا.ء و هذا هو 
الطبيعي. 

" أظن أن ظلي هو الوحيد الحي هناك"! قال الرجل طالب العلم" انظرء كم هو 
لطيف وهو يجلس وسط الزهور. الباب موارب, والآن على الظل أن يكون حاذقا وييشي 
إلى الداخل, ينظر لما حوله ثم يأتي ويحدثني عما رآهء نعم عليك أن تقوم بعمل مفيد" 
قال مازحا " ادخل هناك, ماذا! هل ستذهب؟" ومن ثم أحنى رأسّه إلى الظل. فأحنى 
الظل رأسّه موافقا. " أجل اذاً إذهبء ولكن لا تغب طويلا !". 

نهض الغريب من مكانه فنهض ظَلّْه في شرفة الجار المقابل أيضاء واستدارٌ 
الغريب فاستدارٌ الظلّ أيضاء أجلء لو انتبه أحد بشكل جيد لكان بإمكانه أن يرى 
بوضوح, أن الظلّ قد دخل من خلال باب الشرفة الموارب عند الجار المقابل؛ باللحظة 
التي دخل فيها الغريب صالته وترك الستارة الطويلة تنسدل خلقّه. 

في اليوم التالي ذهب الرجل طالب العلم ليشرب القهوةً ويقرأ بعض الصحف. 
"ولكن ما هذا! " قال عندما خرج تحت أشعة الشمس, " أين ظلي! إذا لقد راح البارحة 
فعلا ولم يعد ثانيةً؛ إن هذا لأمرٌ مؤسف)". 


أزعجه ذلك كثيراً. ليس لأن الظل اختفى, ولكن لأنه عَلم بأن هناك قصة ثانية 
لرجل بلا ظل, يعرقها الناس جميعا في البلاد الباردة, والآن لو جاء طالب العلم نفسه 
وحكى قصتّهء سيقول الناس أن هذه ليست قصبّه. وهو لم يكن بحاجة إلى ذلك. لهذا 
لم يشأ إطلاقا التحدث عن ذلك وهذا كان تفكيرا معقولا. 

عند المساء خرج إلى الشرفة مره أخرى, وضع الشمعة تماما خلفه. لأنه عرف بأن 
الظل يريد سيده غطاءً له دوماء ولكنه لم يستطع غوايته كي يظهر. جعلْ من نفسه 
صغيراء كبيراء ومع هذا لم يكن هناك ظلء لم يكن هناك أحد! تنحنح, إحم! إحم! 
ولكن بلا جدوى. 

كان الأمرّ محزناء ولكن في البلاد الحارة والتي ينمو بها كل شيء بسرعة فائقة, 


281 


لاحظ ويا لسروره الكبير وبعد مرور ثمانية أيام بأن ظلا جديدا قد فا له. يرز من قدميه 
عندما خرج إلى أشعة الشمس. لابد أن الجذر كان باقيا في مكانه. بعد ثلاثة أسابيع 
صار لديه ظلّ لا بأس به. وعندما قفل راجعا إلى البلدان الشمالية, نما أثناء الرحلة 
أكثر وأكثرء حتى إنه أصبح أخيراً طويلا وكبيرا جدا حيث إن نصفه يكون كافيا. 

وما وصل طالب العلم إلى بلده ألف كتبا حول ما هو حقيقي في العالم, وحول ما 
هو خير. وحول ما هو جميل. ومرت الأيام. والسنوات. سنوات عديدة. 

وذات مساء وعندما كان جالسا في صالته. ثُقرٌ على الباب نقرٌ خفيف. 

" ادخل! " قال طالب العلم, فلم يدخل أحد. قام وفتح الباب. فرأى انسانا نحيفا 
للغاية أمامّه, اعتراه إثر ذلك شعورٌ غريب. بالمناسبة كان هذا الإنسان حسن الثياب, 
ومظهره يدل على أنه ذو حسب ونسب. 

" من الذي تشرفني مخاطبته؟" قال طالب العلم. 

" نعم هذا ما فكرت به !" قال الرجل الأنيق " حضرتك لم تتعر ف علي ! لقد صار 
لي جسمء لدي الآن وفرٌ من اللحم والشياب. حضرتك لم تفكر أبداً بالتأكيد في يوم ما 
بأن تراني بجاه كهذا. ألم تتعرف حضرتك على ظلكَ القديم؟ نعم, بالتأكيد لم تعتقد 
حضرتك بأني سأعود ثانية. معي سارت الأمور بشكل جيد للغاية منذ آخر مرة كنت 
فيها عندك. لقد صرت صاحب ثروة ونفوذ ! لو كنت عبدا فبإمكاني شراء حريتي!". 
خرخشت المسكوكات الثميئة التي كانت معلقة بالساعة عندما أمسك بيده السلسلة 
الذهبية السميكة التي حملها حول رقبته. ياللروعة فالأصابع كلها تلمع بالخواتم 
الماسية! وكلها أصلية. 

" هل أنا في وعيي! " تساءل الرجل طالب العلم. " ما كل هذا ! " 

" معك حق, ليس الأمرّ عادياء قال الظل. ولكنك أيضا لست من العامة, وأناء 
تعرف تَاما حضرتك., مشيت منذ نعومة أظفاري على خُطاك. حالما تأكدت بأني قادر 
شقة شققت طريقي ا خاص بنفسي, أنا الآن في عز تألقي ولمعاني, 
لكا امي نوع من الحنين لرؤية حضرتك. قبل أن توت عدن أنت تعرف بأن 
عضرتك سعموت؛ أنا أوة لو أرى مجدهدا تلك البلذان. لأن المرء بحن بالتاكيد دوما إلى 
أرض أجداده! وعلمت بأن حضرتك قد حصلت على ظل جديد من جديدء أمَدِينَ أنا 
لحضرتك أو له بشيء لأدفعه؟ حضرتك تأمر ." 


258 


" أحقا هو أنت!" قال طالب العلم, " إن هذا لأمر غريب جدا! لم أعتقد يوما بأن 
ظلا قديما لإنسان ما يمكن أن يعود بهيئة إنسان!" 

" قل لي, كم علي أن أدفع؛ قال الظل, " فأنا لا أحب أن تكون علي ديون من أي 
و" 

" كيف لك أن تقول هذا! " قال طالب العلم. " ما علاقة هذا بالديون! لتتحررٌ 
كأي شخص آخر ! يسعدني جدا أن يوافيك الحظ! اجلس أيها الصديق القديم, حدثني 
ولو قليلاء كيف حدث ذلك, وماالذي رأيته عند الجار المقابل هناك في البلاد الحارة!" 

" نعم. سوف أخبرٌ حضرتك. " قال الظل و جلس." ولكن على حضرتك أن 
تعدني, بألا تخبر أحدا هنا في المديئة, وحيثما تلقاني, بأنني كنت ظلّ حضرتك! ففي 
نيتي أن أخطْبّ فتاةًء لأن بمقدوري الآن إعالة أكثر من عائلة! " ْ 

" إطمئن تماما!" قال طالب العلمء" لن أخبر أحدا عن حقيقة من تكون! هاك يديء 
أعدك والرجل كلمة)" 

" الكلمة ظل! " قال الظل, ولم يمكنه قولها بغير هذا الشكل. 

وغريب كم بدا ذلك الظل إنساناء بلباسه الأسود. والذي كان من أرقى الشياب. 
والجزمة اللامعة. و القبعة التي يمكن أن تُطْبّقَ فلا يظهر منها غير أعلاها وصيوانهاء عدا 
عن الذي عرفناه من قبل من مسكوكات, وسلسلة العنق الذهبية وخواتم الألماس. أجل, 
الظل كان أنيقا بشكل غير عادي, وهذا كان بالضبط ماجعله يبدو بالفعل إنسانا. 

" والآن دعني أخبرك!” قال الظل. وخبط بالجزمة اللماعة الأرض بكل ما أوتي من 
قوة على ذراع الظل الجديد لطالب العلم. والذي استقر ككلب البودل عند قدميه. وكان 
هذا إما لحماسته. أو لأنه أراد من الظل الجديد أن يواصل الإصغاء. وبقي الظل 
المستلقي ساكنا هادئا حريصا على الإنصات. هو بالتأكيد يود معرفة كيف يمكن للمرء 
أن يتحرر هكذا وبرتقي ليصير سيد نفسه. 

" هل عرفت حضرتك من الذي كان ساكنا في البيت المقابل؟" سأل الظل". كان 
أجمل الكل كانت روح الشعر! كنت هناك لثلاثة أسابيع, كان مفعولها كما لو كان 
المرء قد عاش لثلاثة آلاف سنة وقرأ كل ما نُظم وكُتب من شعرء ولأني أنا الذي أقول, 
فهو صحيح., لقد رأيت كل شيء وأعلم كل شيء!" 


2069 


" روح الشعر!" صاح الرجل طالب العلم!" نعم. نعم إنها متصومعة دوما في 
المدن الكبرى! روح الشعر! أجلء لقد رأيثها مرة خطفاء ولكن النعاس لحظتها قد أطبق 
على عيني! كانت تقف في الشرفة, أشرقت كما يُشرق الشفق الشمالي! احك؛ احك! 
كنت في الشرفة؛ دخلت عبر الباب. ثم..!" سأل طالب العلم. 

" ثم صرت في الممر الموزع! " قال الظل. " حضرتك كنت دائما تجلس وترنو إلى 
الممر. لم يكن هناك ضوء نهائياء فهناك ما يشبه الشفق. ولكن الأبواب كانت جميعا 
مفتوحة الواحد على الآخر على طول الصالات والقاعات؛. وهناك أضيء المكان , لو 
كنت دخلت حيث العذراء لكنت قد مُتْ؛ لكني كنت متأنياء أخذت بعض الوقت 
للتفكير. هذا عين الصواب!" 

" وما رأيت بعدها؟ " سأل الرجل طالب العلم. 

' رأيت كل شيء؛ ولسوف أحكي لحضرتك. ولكن, ليس اعتزازا بنفسيء ولكن, 
ككائن حر و بهذه القابليات التي لدي إضافة إلى وضعي الجيد وأحوالي الحسنة, أتمنى 
من حضرتك لو تخاطبني بشكل رسمي!" 

" المعذرة!" قال طالب العلم " إنها عادةٌ قديةٌ متأصلة! حضرتك على حق تّاما! 
ولسوف أتذكر ذلك, ولكن الآن ستخبرني حضرتك عن كل شيء رآه حضرتُك!" 

" كل شيء" قال الظلء " لأنني رأيت كل شيء. وأعلم كل شيء!" 

" كيف بدت الصالات في عمق البيت؟ " سأل طالب العلم. 

" هل كان مثل دخول في غابة نضرة أو كدخول إلى كئيسة مقدسة؟ وهل كانت 
الصالات كبيرةً مفتوحةٌ وكأنها السماء المرصعة بالنجوم عندما يقف المرء على الجبال 
العالية ؟" 

" كل شي ء كان هناك! " قال الظل. " حقيقة لم أدخل ماما إلى الداخلء بقيت في 
الغرفة الأمامية عند الشفق. ولكني كنت واقفا بمكان مناسب. رأيت كل شيء, وأعلم 
كل شيء!ء لقد كنت مع حاشية روح الشعر في الممر الموزع." 

" ولكن ما الذي رآه حضرتك؟ هل مر بالقاعات الكبيرة كل آلهة العصر القديم؟ 
هل حارب هناك الأبطال القدماء؟ هل لعب الأطفال الجميلون وحكوا عن أحلامهم؟" 

" أقول لحضرتك. كنت هناك؛ هل بإمكانك أن تدرك. رأيت كل ما يمكن أن يُرى! 


230 


لو جئت حضرثك هناك؛ لما صرت إنساناء ولكنني صرت]" و عرفت طبيعتي أيضاء 
وماخُلقت عليه, علاقتي العائلية بروح الشعر. أجل عندما كنت مع حضرتك في ذلك 
الزمن لم أفكر بذلك. ولكن بشروق الشمسء بغيابهاء كما تعرف حضرتك. صرت كبيرا 
بشكل غريب. على ضوء القمر كنت أوشك تقريبا أن أصير أوضح من حضرتك.لم أفهم 
وقتها طبيعتي, أدركت ذلك في الممر الموزع! صرت إنسانا! خرجت راشداً. كنت 
حضرّك حيئها قد تركت البلاد الحارة. خجلتُ من نفسي, كإنسان, بأن أخرج بالطريقة 
التي خرجت بها. احتجت إلى جزمة, لباس, إلى كل تلك الهيئة الإنسانية التي تجعل 
إنساناً ما معرقا. انطلقت؛ أجل أقولها لحضرتك وحدك, ولن تذكر حضرتك هذا في 
كتاب, تسللت داخل تنورة الخبّازة, اختفيت تحنّها. لا تعلم تلك المرأة بما حَفِيَّ تحت 
تنورتهاء لم أخرج إلا عند حلول المساء. تنقلت من مكان لآخر تحت ضوء القمر في 
الشارع. أطلت قامتي على طول الجدار, ذلك يدغدءٌ الظهر بشكل لذيذ! ركضت إلى 
الإعلى؛ و ركضت إلى الأسفل, نظرت عبر أعلى النوافذ, إلى الداخل في القاعة وعلى 
السقف. نظرت في أمكنة لا يمكن لأحد أن يصلهاء ورأيت ما لا يمكن لأحد أن يرى: 
ومالا يجب لأحد أن يرى! إنه عالم وضيعإلم أشأ أن أكون إنساناء لو لم يكن هذا 
الأمر ذا اعتبار ومقرور من الجميع! رأيت كل ما لا يخطر على بال بين النساء, عند 
الرجال, عند أولياء الأمور, والأطفال الذين لا يضاهيهم أحد. " علمت " قال الظلء "ما 
لا يجب لإنسان أن يعلم. ولكنه يتحرق لمعرفته؛ كمّصاب الجار. لو كتبت جريدةٌ» للاقت 
رواجا! ولكني كنت اكتبُ للشخص ال معني تحديداء فيحلٌ رعبّ في كل المدن التي أحل 
بها. صاروا يخافون مني كشيرا! ولهذا أحبوني كثيرا ! البروفيسورية جعلوا مني 
بروفيسوراً» الخياطون أعطوني لباسا جديدا لهذا أنا مجهّز بكل شيء, والذي يسك 
النقود سك لي نقوداً؛ والنساءً قالت لي إنني جميلٌ جدا! وهكذا صرت الرجل الذي أنا 
عليه اليوم! والآن أودعك؛ هاك بطاقتي, أسكن في جهة الشمس. وعلى الدوام في 
البيت في الجو الممطر!" و خرج الظل. 

" عجيب غريب!" قال طالب العلم. 

مرت السئون والأيام؛ وجاء الظل مره أخرى وسأل. " كيف تسير الأمور؟". 

' أوه" قال الرجل طالب العلم." أكتب عن الحقيقة والخير والجمال؛ ولكن لا أحدٌ 
يعجبه سماع شيء من هذا القبيل؛ أنا بالفعل يائس؛ لأن ذلك يعُمني. 


201 


" لكن أنا لا!" قال الظل." أنا أصير أسمن. وهذا ما يجب على المرء أن يحرص 
على أن يكونّه! نعم. حضرئك لا تفهم حقيقة هذا العالم!" ستمرضٌ حضرئك من جراء 
ذلك؛ وعلى حضرتك أن تسافر! سأقوم برحلة في الصيف؛ هل ترافقني حضربُك؟ أتمنى 
أن يكون لدي رفيقٌ سفر! هل ترغب حضرتك بالسفر معي. كظل؟ إنها لمتعة كبيرة أن 
تكون حضرتك معي, أنا أتكفل مصاريف الرحلة!" 

" إن هذا لكثير! " قال طالب العلم. 

" ذلك يعتمد على رؤية المرء للأمرا " قال الظل. " ستجني الكثير من السفر! إن 
قبلت أن تكون ظلي. ستحصل على كل شيء مجأنا في الرحلة!" 

" هذا جئون!” قال الرجل طالب العلم. 

" هكذا هو العالم اليوم! " قال الظل, " وهكذا سيبقى!" وراح الظل. 

لم يكن الرجل طالب العلم على ما يرامء الحزن والعذاب طارداه. وما قاله عن 
الحقيقة والخير والجمال. كان بالنسبة إلى الغالبية كإهداء وردة لبقرة! وأصبح أخيرا 
مريضأ بالفعل. 

” تبدو حضرتك بالفعل كظل؛" قال الناس لطالب العلم فاقشعر بدنه للقول, لأنه 
كان يفكر بذلك. 

" يجب على حضرتك أن تقصدّ حماما صحيا" قال الظل, الذي جاء لزيارته, 
"لاحل غيرَ ذلك! سآخذ حضرتك معي من أجل معرفتنا القديمة, أنا أدفع تكاليف 
الرحلة, أما حضرتُك فعليك الكتابة وشيء من قبيل الترفيه عني في الطريق! لأني أود 
الذهاب إلى حمام صحي, لحيتي لا تنمو كما يجب. إنه مرض. واللحية لا بد منها! كن 
حضرتّك عاقلا واقبل العرضء. سنسافر كأصدقاء!" 

وسافرا معا. الظل كان هو السيد. والسيد كان الظل. انطلقا سوية, ركبا العربة 
ومشيا معاء جنبا إلى جنب؛ أمام و خلف. حسب موقع الشمس. الظلّ حرص على 
الجلوس دائما بمكان السيد, أما طالب العلم فلم يفكر هكذا بالأمر. كان ذا قلب طيب» 
ورقيقاً ولطيفاً جدا. وذات يوم قال للظل: " بما أننا أصبحنا رفيقي سفرء كما نحن 
الآنء و نحن أيضا قد نشأنا منذ الطفولة معاء ألا نشرب نخب رفع الكلفة بينناء إنه 
أمر أكثر إلفة!" 


202 


فردٌ الظل الذي كان هو السيد الآن " سمعت حضرتك. فاسمعني الآنء قولك مباشر 
وصريح وبنية حستة. وأود أنا أن أكونَ حسنّ النية وصريحا أيضا. حضرئك كطالب 
علم. تعرف بالتأكيد كم هي غريبةٌ طبيعة الإنسان. بعض الناس لا تتحمل أن تمس 
الورق الأسمر. تتأذى من جراء ذلك. آخرون تقشعرٌ أبدائهم لمجرد سماعهم َه مسمار 
على زجاج نافذة, ينتابني شعور كهذا لمجرد أن أسمعكَ تناديني ب أنت؛ أشعرٌ وكأنني 
قد سّحقت على الأرض تماما كما في خدمتي الأولى عند حضرتك. كما ترى حضرئُك 
إنه شعورء وليس تعاليا. لا أستطيع أن أسمح لحضرتك أن تقول لي: أنت؛ هكذا, 
ولكني أودُ مناداتك ب أنتَ بدلٌ حضرتك, وبهذا نكون قد رفعنا نصفّ الكلفة. 

بدا الظل مخاطبة سيده السابق مباشترة: 

" إن هذا لجئون ولا شك, " فكر طالب العلم, " أن أناديه بحضرتك وهو يناديني 
باسمي! " وهو لا يملك إلا أن يتحمل هذا الأمر. 

وجاءا لمصح كان فيه الكثير من الغرباء ومن بينهم ابنةٌ ملك جميلةٌ؛ كانت تشكو 
من علة وهي أنها نافذةٌ البصيرة. وهذا ما كان يثيرٌ القلق. 

انتبهت ابنة الملك لهذا الذي دخل في الحال. كان شخصا يختلف ناما عن الباقين, 
قيل انه جاء ليجعل لحيته تنمو. ولكني أرى أن السببّ الحقيقي. إنه بلا ظل. 

قلكها الفضول. وراحت تتحدث بالحال مع السيد الغريب أثناء قشيهما. كإبنة 
ملك لم يكن الأمر يحتاج إلى الكثير من المقدمات, قالت , " مرضكُم هو أن حضرتك 
لا تستطيع أن ترمي ظلا". 

' لابد وأن جلالتكم بتتحسن!" قال الظل," أعلم أن مرضَ حضرتك هو نفاةً 
البصيرة. ولكنه صارَ أخف وطأةً. لقد شفيت حضرتك. فلدي الآن ظلّ غير اعتيادي! 
ألا ترين حضربّك ذلك الشخص الذي يسيرٌ دوما معي! فأناس آخرون لديهم ظلّ 
اعتيادي, ولكنني لا أحب ما هو اعتيادي. الناس في الغالب تُلبس خدمّها أفضل 
لباسء أنا هدْبَتَ ظلي وجعلتُ منه انسانا! أجلء وكما ترين حضرتك؛ فقد منحبّه ظلا 
أيضا. ذلك مُكلفٌ جداء ولكني أحب أن أملكَ ما هو متميز!" 

' ماذا؟" فكرت الأميرة, " هل شفيتُ فعلا!. هذا الحمام هو الأول من نوعه في 
فعاليته! يا للماء في وقتنا هذا من قوى عجيبة. ولكني لن أسافر, لأن الأمر أصبح 
الآن مُسليا؛ يعجبني هذا الغريب بالفعل. عل لحيته لا تنمو. كي لا يسافر!" 


003 


في المساء رقصت الأميرة والظل في قاعة الرقص الكبيرة. كانت خفيفة, ولكته 
كان أخف. لم تر راقصا مثله قط. أخبرنْه من أي بلد جاءت؛ وقد عرف البلد. حيث 
كان هناك, ولكنها في ذلك الوقت لم تكن في القصرء نظر عبر النوافذ العليا 
والسفلى. رأى كل شيء. ولذا فقد تمكن من إجابة إبنة الملك ملمحا لها بعض 
التلميحات مما جعلها تتعجب. لعله أكثرٌ الرجال حكمة في العالم كله! أكنّت تقديرا 
معرفته, وعندما رقصا معا مرة ة ثانية وقعت في حبّه, وقد شعرٌ الظلّ بذلك, لأنها كانت 
قادرةً على سبر غوره. ومن ثم رقصا مرةً أخرى. وكانت على وشك أنْ تقولها. ولكنها 
كانت متعقلة. فكرت ببلدها والمملكة والناس الذين ستحكمهم." هو رجل حكيم!" قالت 
للفسها:" هذا حيد]” وهو رافض عون هذا أرضا عيده رلكق يا ترى هل لديه اما 
عميق بمختلف العلوم والمعارف, هل له ذات الأهمية, يجب أن يتم اختباره." وهكذا 
بدأت قليلا قليلا بسؤاله عن أصعب الأشياء. حتى التي لا تعرف لها جوابا. تغيرت 
معالم وجه الظل. 

" لا يمكن لحضرتكَ أن تجيب!" قالت ابنة الملك؟ 

" إنه سؤال يوجَه للمبتدئين." قال الظل." حتى ظلي هناك عند الباب مكمه الإجابة 
م 

ظلّ حضرتك؟ قالت ابنة الملك. " إنه أمرٌ شديد الغرابة". 

" نعم, لا أقول بالتأكيد أنه يعرف؛" قال الظل, " ولكني اعتقد ذلك؛ لقد تبعني 
لسنينَ عديدة وأطاعني, أعتقد ذلك! ولكن لتسمح لي جلالتكم؛ أن ألفت انتباهكم إلى 
إنه مزهو جدا ب بسبب النظر إليه كإنسان. فيجب أولا ان يكون بمزاج حسن لكي يجيب 
جيدا على السؤال, ومن ثم عليك معاملته كإنسان بالضبط. 

" هذا ما أحبه!" قالت ابئة الملك. 

وتوجهت حيث طالب العلم عند الباب. تحدئت معه حول الشمس والقمرء وحول 
الناس, خارجهم وداخلهم, ٠‏ فأجابّها بذكاء ودقة. 

5 رجل عسهه أن يكون, هذا الذي لديه ظلّ حكيم بهذه الدرجة!" فكرت 
الأميرة." سيكون هذا بركةٌ لناسي والمملكة إن اخترتّه زوجا لي: سأفعلّها!" 

تفقت ابنة املك والظل. في ا حال على ذلك. ولكن لا أحد يجب أن يعلمّ عن 

ذلك قبل أن تعود إلى تملكتها. 


2904 


" لا أحد. ولا حتى ظلي!" قال الظل. وكان له قصدّ في ذلك! 

وجاءا بعد ذلك إلى البلد الذي تحكم فيه ابنةٌ الملك. 

" اسمع يا صديقي العزيز!" قال الظل لطالب العلم, " الآن صرت أكشر الناس 
سعادةٌ وسلطة, الآن و أيضا أن أفعلٌ شيئا خاصا لك! ستسكن عندي دوما في 
القصر. تركب معي في عربتي ال ملكية, وتحصل على مئة ألف درهم سنويا؛ ولكن عليك 
أن تسمح للناس بمختلف طبقاتهم بأن يخاطبوك كظل؛ عليك ألا تَُخبرَ أحدا بأنك كنت 
في يوم ما انساناء مرة في السنة عندما أظهرٌ نفسي لتحية الناس في الشرفة تحت 
سأتزوج ابنة الملك. وسيقام حفل الزفاف هذا المساء." 

" لاء إن هذا لقمّة الجنون!" قال طالب العلم." لا أقبل هذاء لن أفعل ذلك! أن 
تخدءَ البلد بأكمله وابنة الملك! سأقولٌ كل شيء! إني انسان, و إنك الظل. وأنت مجرده 
ثياب!" 

" لن يصدق أحد هذا" قال الظل, " تعقل وإلا ناديت عليك الحرس!” 

" سأذهب بال حال إلى ابنة الملك؟" قال طالب العلم. " سأذهب قبلك!" قال الظل, 
"سيقبض عليك". وهذا ما حصلء لأن الحرس أطاعوه. لأنهم يعرفون أن هذا ما تريده 
ابئة الملك. 

" أنت ترتعد!" قالت ابنة الملك عندما دخل عليها الظل. " هل حدث شيء ما؟ 
لايجب أن رض هذا المساء. فلدينا حفل زفاف." 

" شهدت أفظع ما يمكن لإمرئ أن يشهد؛" قال الظل, " تصوري. إن دماغ ظلي 
المسكين لا يستطيع أن يحتمل كثيرا! تصوري. ظلي صار مجنونا؛ يعتقد أنه إنسان, 
وأنا تصوري أنتء أنا ظله!" 

" هذا أمر 00 قالت الأميرة؛ " حبسته بالتأكيد ؟" 

" أجل! لا أعتقد أبدا بأنه سيشفى." 

" مسكين هذا الظل!" قالت الأمييرة, " إنه تعيس جداء من الأفضل تحريره من 
الحياة المتبقية له وفي الحقيقة عندما أفكر في ذلك , أجدٌ من الضروري التخلص منه 


سرا >" 


205 


" ذلك صعب جدا!" قال الظل, " لأنه كان خادما مخلصا؛" ومن ثم أطلق ما يشبه 
حسرة. 

" حضرتّك نبيل!" قالت ابنئة الملك. 

في المساء كانت المدينةٌ مضاءة بأكملها؛ والمدافع تطلق: بْم! والجنود يقدمون عرضا 
ببنادقهم. كان حفل زفاف حقيقياً! ظهر الظل وابنة الملك في الشرفة ليحييهما الناس 
ويهتفوا لهما ابتهاجا بالمناسبة؛ هوراه! 

ولم يسمع طالب العلم شيئا من كل هذاء لأنهم كانوا قد تخلصوا منه. 


كتبت في عام/ا ١814‏ 


206 


قطرة ا مطر 


أنتَ تعرف ولا شك المكَبّرةَ الزجاجية؛ زجاجة 0 مُدوّرة تججعل كل شيء أكبر من 
حجمه مئة مرة؟ عندما سك بها وتَضّعها أمامّ عينك وتنظر إلى قطرة ماء من بركة, 
سترى آلاف الحيوانات العجيبة, التي لا يمكن أن رن بعينكَ المجردة في الماء. ولكن 
تلك ا حيوانات ا موجودة فيه حقيقية: تكادٌ تُشَبِهُ صحناً مملوماً بالروبيان: يتحرك 
يتقافز, وهو نهم جدأ يَشْدُ أذرع. سيقان ومؤخرات وأطراف بعضه بعضاً؛ ولكن بالرغم 
من ذلك فهو سعيد ولكن بطريقته الخاصة. 

وكان هناك رجلٌ عجورٌ أطلقَ الناس عليه ب " خريبط مخربط" لأن ذلك كان هو 
اسمه بالفعل. كان دائما يطمع بالحصول على الأفضل من كل شيء. وإن لم يتمكن من 
ذلك يحصل عليه بالسحر. 

أَمسَّكَ ذات يوم بالمكبّرة الزجاجية وأخدّ ينظر من خلالها إلى قطرة ماء أَخذّتْ من ترعة. 
فما الذي رآه؟ رأى آلافاً من ال حيوانات الصغيرة تطفرٌ وتقفزٌ تسد وتلتهم بعضها بعضاً. 

' يا له من منظر مقرف". قال العجوز خربيط مخريط؛ " أ لا يمكنهم العيش بسلام 
وطمأنينة. ويهتم كل بشأنه". أخدٌ يفكر ويفكر ولكنه لم يتوصل إلى شيء فلجأ أخيرا 
إلى السحر. 

الايد لي من أن ألونهم لأقكن من رؤيتهم بوضوح". وأراق ما يشيه قطرةٌ نبيذٍ 
أحمر في قطرة الماء ولكن ذلك كان دم ساحرة, من النوع الراقي بكلفة قرشين للقطرة؛ 
واصطبعّت بعدها أجسام كل الحيوانات العجيبة بأكملها بلون أحمر جوري, وبدا المنظر 
مثل مدينة بأكملها برجال عراة متوحشين. 

" ماذا لديك هنا؟"” سأله عفريت عجوز آخر لم يكن له اسم وذلك من أفضل 
صفاته. 


2307 


" حاول أن تحزر؟ إن حزرت ما هو أعطيمْكَ إياه. ولكن ليس من السهل معرفته 
طالما لا علم لك به إطلاقاً " قال خربيط مخربط 

وراح العفريت العجوز الذي لا اسم له ينظر عبر المكبرة الزجاجية في قطرة الحاء. 
وقد بدت بالفعل مثل مدينة تتراكضُ فيها الناس عراةً. كان شيئاً يقشعرٌ له البدنُ 
والذي يزيد من هذا الإحساس هو رؤيئهم وهم يتدافعون, يركل واحدّهم الآخرء يقضم 
الآخرء يقرص الآخر. يتناهشون, ويسحلون بعضهم بعضاً؛ وما توجبّ أن يكون أسفل 
كان في الأعلى وما توجبّ أن يكون في الأعلى كان أسفل. 

" انظرء انظرء ساقه أطول من ساقي" فانقضُ عليها والتهمها. وكان لأحدهم 
ورمةٌ صغيرةٌ خلف أذنه. ورمةٌ ليست خبيثةً لكنها تؤلمه. وكأن ذلك لم يكن كافياً 
فيجب أن يتألم أكثر, لذا أخذوا يقضمونهاء ثم سحبوه والتهموه بسبب الورمة 
الصغيرة. وكانت هناك شابةٌ جلست ساكنةً مثل عذراء صغيرة لا تنشد غير السلام 
والهدوء. ولكنهم لم يتركوها وشأنهاء طلبوا منها التقدم نحوهم, فجذبوهاء سحلوها ثم 
التهموها. 

" منظر ممتع للغاية" قال العفريت. 

" بالفعل ولكن ماذا كان باعتقادك؟ هل بإمكانك أن تُحَمَسَ" سأل خريبط مخربط. 

" إنه واضح مثل عين الشمس. إنها كوبنهاجن أو أية مدينة أخرى من المادن 
الكبرى, فا مدن تتشابه. إنها مدينة كبيرة" قال الثاني. 

فأجاب خريبط مخريط: " إنها قطرة ماء من ترعة". 


كتبت في عام84/4١‏ 


208 


بائعة أعواد الكبريت الصغيرة 


كان هو المساء الأخير لهذا العام, ليلة رأ س السنة حيث كان الجو قارس البرودة 
وقد أثلجت الدنيا. وبدأ الظلام يهبط. راحت فتاةٌ صغيرةٌ فقيرة تسير في الشارع في 
هذا البرد وهذه الظلمة برأ س حاسر وقدمين حافيتين. ورم أنها كانت ترتدي خُفَّاً عندما 
غادرت البيت» ولكن هل سيقيها هذا الف المصنوع من القماش من البرد ؟ كان كبيراً 
جداً. ربما كانت أمّها هي آخر مَنْ استعمّله ولأنه كان كبيراً جدا فقد فقدَنّه حين أسرعت 
لتعبرَ الشارع, إذ مرت حينها عربتان منطلقتان بسرعة جنونية فضاعت الفردةٌ الأولى, 
أما الثانية فقد ركض بها ولد يقولٌ إنه سيستعملها كمهد عندما ينجب أطفالةً. 

مشت البنتٌ الصغيرة ذات القدمين العاريتين اللتين كانتا حمراوين زرقاوين من 
شدة البرد في طريقها حاملةٌ في صَدريّتها القديمة مجموعة عيدان كبريت وحزمة عيدان 
في يدها. لم يد يشتر أحد منها طوال هذا اليوم. لم يعطها أحد حتى قرشأ واحدا . ظلت 
قشي وهي جائعةٌ متجمدةٌ من البره وقد بدت منكمشةً على بعضها تلك الصغيرة 
المسكينة. سّقطت نُدف الثلج على شعرها الأصفر الطويل الذي تجعد بشكل جميل حول 
رقبتهاء ولكنها لم تكن تفكر بزينتها أبداً. كانت الشموع الموقدة تلمع من خلال التوافذ 
وقد فاحت رائحة شواء البط المحشي شهيةً في الشارع لأنها كانت ليلة رأس السنة. 

وفي زاوية بين بيتين أحدهما قد تقدّم قليلا على الآخر في الشارع قَبِعت البنت 
هاه يدكررة على نفسها إِذْ سحبت ساقيها الصغيرتين تحت جسدها ولكن اليرد زادها 
تجمّدا . لم تجرؤ على الذهاب إلى البيت إذ لم تحمكن اين بع عر كبزيف واعد ريده 
ولم تحصل حتى على قرش واحد, سيضربها والدها إن عادت فارغة اليدين, كما إن 
البيت باردُ أيضا فلم يكن لهم سوى سقف ينامون تحته. كانت الريح تصفرٌ في أرجائه 
بالرغم من أنْ الشقوق الكبيرة فيه قد حُشيت بالقّش والخرق. 


209 


لم تعد تشعرٌ بقدميها من شدة البرد. يا للحسرة؛ يمكن لعود كبريت صغير أن 
يساعدها. لو تتجرأ على سحب عود واحد فقط من الحزمة وتشحطه على ا حائط 
لتدفيء أصابعها. : 

سحبت عوداً واحداً. شحطةً واحدةٌ فاشتعل! يا للشرر الذي تطايرٌ من العود ويا له 
من اشتعال. كانت شعلة دافئةً صافيةٌ مثل شمعة صغيرة أحاطتها بيديها. كان ضوءاً 
عجيباً. ظنّت البنت الصغيرة أنها تجلس عند موقد حديدي كبير بكرات ومدخنة, 
نحاسية. توهّجت النار المشتعلة تنشرٌ الدفء. 

لكن ما الذي حصل؟ 

مدّدت الفتاة قدميها لتحصلا على الدفء أيضاً. ولكن الشعلةً سرعان ما انطفأت 
حينها واختفى الموقد, ولم يكن في يدها غير عقب صغير من العود المحترق. 

شحط عودٌ جديدٌ. اشتعل. أضاءً وألقى بلمعانه على الحائط فصارَ مثل قماش 
فتاتم :فاخت فط دو كاظة إلى غرف العنشة حيك اعدث تار مقطا ترسف 
أبيض لامع, وعلتهنا: ألبة فين الخرفةالضيتي الرافي: رميز شوب يجني 
بالإجاص والتفاح. المدهش في الأمر كان عندما قفزت البطة من الصحن متهادية في 
مشيتها على الأرض وقد عُررّت الشوكة والسكين في ظهرها حتى وصلت إلى الفتاة 
الفقيرة؛ وانطفاأ حينئذ عود الكبريت فلم تر غير حائط سميك بارد. 

أشعلت عوداً جديداًء وجلست البتت حيئها تحت أجمل شجرة غيد ميلاه: كانتت 
أكبر وأبهى بكثير من الشجرة التي رأتها عَبِرَ الباب الزجاجي لبيت البقال الغني في 
عيد الميلاد الذي مر للتو. نظرت إليها آلاف الشموع الموقدة على تلك الفروع الخضراء. 
والصور الملونة التي زينت زجاج واجهة المحل. وعندما مدت الصغيرة كلتا يديها في 
الهواء انطفأ عود الكبريت وصعدت شموع عيد المبلاد الكثيرة إلى الأعلى: فرأتها 
مثل نجوم صافية. سقطت إحداها مخَلَفةٌ شريطأً ناريا في السماء. 

قالت الطفلة ” سيموت شخص ما" لأن جدتها التي توفيت وهي الوحيدة التي 
تعطف عليها كانت تقول لها: " عندما تسقط نجمة تصعد روح إلى الله". 

شحطت البنت عود كبريت على الحائط فأضاءً المكان حولها وعبر البريق وقفت 
جديّها العجوز واضحة لامعة حنونة طيبةٌ. 1 


23200 


صاحت الصغيرة ” جدتيء آه خذيني معك. أعلم أنك ستختفين عندما ينطفئ 
عود الكبريت. ستختفين مثل الموقد الدافئ. مثل البطة الشهية و شجرة عيد الميلاد 
ا مباركة". ثم أسرعت بشحط عيدان الكبريت الباقية في الحزمة الواحد تلو الآخرء كانت 
تود يشدة أن تُبقي جدتهاء أضاءت عيدان الكبريت بيريق أصفى من ضوء النهار. لم 
تكن جدئُها في يوم أحلى وأكبرَ منها الآن. حملت الجدةٌ الفتاةً الصغيرة بين ذراعيها 
وطارا بألق وفرح عالياً, عالياً جداً. حيث لا برد ولا جوع ولا خوف, كانا عند الله. 

عند الصباح البارد وفي الزاوية تلك بين البيتين كانت الفتاة الصغيرة بوجنتين 
حمراوين وابتسامة مرسومة على الفم, كانت ميتةً. ماتت متجمدةً من البرد في الليلة 
الفائتة من العام الماضي. طلع صباح السنة الجديدة على الجئة الصغيرة التي حضنت 
عيدان الكبريت ومنها حزمة محترقة. قيل بأنها كانت ولا شك تريد أن تحصل على 
دفء. لم يعرف أحدٌّ كم كان جميلا ما رأته. أي ضوء مشعٌ دخلت عبره مع جدتها 
العجوز إلى فرح العام الجديد. ْ 


كتبت في عام4 ١84‏ 


301 


العائلة السعيدة 


أكبر ورقة خضراء في البلاد انها بالطبع ورقة الحماض؛ إن وضعها المرء على 
بطنه الصغيرة ستبدو كأنها صدرية تماماء وإن وضعها المرء على رأسه في جو تمطر 
ستكون تقريبا مثل مظلة لأنها حجمها كبير بشكل مخيف. لا ينمو نبات الحماض 
وحيدا أبداً. كلا. حيث ينمو واحد ينمو الكثيرء وإنه لمن البهجة النظر إليه وكل هذه 
البهجة هي طعام للحلزون. الحلزون الأبيض الكبير الذي كان الأغنياء يعملون منه في 
قديم الزمان طبق اليخني, يأكلونه ويقولون: " الله. يا له من مذاق" لأنهم كانوا يظنون 
أن طعمه لذيذ. ولأن الحلزون يعتاش على ورق الحماض لذلك كان بزرع. 

كانت هناك عزبة قديمة لم يعد الناس يأكلون فيها الحلزون لأنه انتقرضء أما 
الحماض فلم ينقرض. كبر وكبر في كل الممرات والأحواضء لم يعد بالإمكان مكافحته, 
كان غابة حماض بأكملها. لولا شجرة تفاح هنا وإجاص هناك لما خطر ببال أحد أنها 
حديقة. كل ما هناك كان حماضاً وتحته سكن آخر إثنين حلزونان عجوزان جداً من 
الداخل كما الخارج. 

لم يكونا يعلمان كم من العمر بلغاء ولكنهما يتذكران بأنه كان العديد غيرهما 
هناء وائهما ينحدران من عائلة من بلدان أجنبية وبأن من أجلهما وأطفالهما كانت كل 
الغابة قد زرعت. لم يكونا يوما خارج المكان, ولكنهما عرفا بأن مايزال هناك شيء آخر 
في العالم لم يرياه يسمى "عزية". وهناك يُطبّخ المرء فيصير أسود. ومن ثم يلقى في 
طبق من الفضةء ولكنهما لم يكونا يعرفان ما الذي يحصل بعد ذلك وكيف يتم طبخه 
ووضعه في طبق من الفضة.لم يكن بمقدورهما كذلك تصوره. لكن ذلك لابد ان يكون 
لذيذاء شيئاً راقياً. لم يكن بإمكان الخنفساء و ضفدع الطين ودودة المطر الأرضية أن 
يقولوا شيئاً فلم يكن أحد منهم قد طهي من قبل أو ألقي في طبق من الفضة. 


2303 


علم الحلزونان الأبيضان العجوزان بأنهما كانا من الراقين في العالم, الغابة كانت 
من أجلهما والعزبة أيضا من اجل أن يُطبخا ويستلمقيا على طبق من الفضة. 

عاشا وحيدين ولكنهما سعيدان ولما لم يكن لديهما أطفالٌ فقد تبنيا حلزونا عاديا 
صغيرا ربياه مثل ابن لهما ولكن الصغير لم يشأ أن يكبر لأنه كان عادياً؛ ولكن 
العجوزين. بالأخص الأم. ماما حلزون, كانت ترى ما وصل إليه؛ وقد ترجت الأب لأنه 
لم يكن يرى ذلكء أرادت من الأب أن يتلمس بيت الحلزون الصغير ويعد أن تلمسه 
وجد أن الأم على حق. 

ذات يوم كان المطر مدرارا. 

" اسمعي الدمدمة على الحماض". قال الأب. 

" نزلت أيضا قطرات" قالت الأم." إنها تسيل على الساقء سترى, سيصير المكان 
رطبا هناء أنا سعيدة من أجل بيتنا الحصين والصغير له أيضا بيته. ما عمل من أجلنا 
أكثر بكثير ما عمل للآخرين من الكائنات؛ يمكن للمرء أن يرى أننا السادة في العالم, 
لدينا بيت منذ ولادتنا وغابة الحماض زرعت من أجلناء أقنى لو أعرف إلى أين تمتدء 
وما الذي هناك خارجها." 

" لا شيء هناك في الخارج". قال الحلزون الأب. " أفضل من مكائنا لا يوجد 
وليس لي ما أتناه" 

" بل عندي" قالت الأم, " أتمنى ان أصل العزبة, أن يتم طبخي وأن استلقي على 
طبق من الفضة, هذا كان شأن كل أجدادناء صدق بأن هناك ما هو مميز في ذلك" 

" رما تداعت العزبة" قال الأب الحلزون, " أو ربما زحف الحماض ونا فوقها حتى 
صعب على الناس الخروج منها. لا شيء يستدعي العجلة, ولكنه شأنك دوما متعجلة 
بشكل فظيعء. وحتى الصغير معك؛ صار له الان ثلاثة أيام في زحفه أعلى الساق. 
فين دوار في رانين كلا نطرت عاليا اليه 

" لا تتعارك" قالت الأم الحلزون, " أنه يزحف بتروء دعنا نستمتع به فليس لدينا 
نحن العجوزان غيره لنعيش من أجله. ولكن هل فكرت بذلك: أين سنجد زوجة له. ألا 
تعتقد أن هناك على امتداد الطريق في غابة الحماض من هم من نوعنا؟" 

" هناك حلزونات سود على ما أعتقد" قال العجوز. " لكن الحلزونات السود بلا 


204 


بيوت. هم عاديون جداء انهم مغرورون, بإمكاننا تكليف النمل بهذه المهمة, إنهم 
يركضون رواحا ومجيئا وكأن لديهم ما يعملونه. بالتأكيد يعرفون زوجة لحلزوننا 
الصغير" 

" أنا حقيقة أعرف أجملهن" قالت إحدى النملات؛ " ولكني أخشى ألا يتحقق ذلك 
فهي ملكة" 

" لا يهم" قال العجوز. " هل لديها بيت؟" 

" لديها قصر" قالت التملة؛ " أحلى قصر فلة بسبعمائة مدخل" 

" شكرا" قالت الأم الحلزونة: " ابننا لا يعيش في بيت فلة." إن لم تعرفوا شيئا 
أفضل من هذاء سنوكل البق الأبيض بالمهمة؛ انهم يطيرون بعيدا حولنا في المطر وشروق 
الشمس.ء يعرفون داخل غابة الحماض وخارجها" 

" لدينا زوجة له" قال البق. " على مبعدة مائة خطوة انسان من هنا تجلس على 
شجيرة عنب الثعلب.حلزونة صغيرة مع بيتهاء انها وحيدة جدا وبعمر مناسب للزواج. 
مجرد سبعمائة خطوة إنسان من هنا" 

" حسناً, لتأت له" قال العجوزان, " لديه غابة حماضء لديها شجيرة فقط" 

وجاؤوا بالآنسة حلزونة. دام ذلك ثمانية أيام لتصلء ولكن ذلك بحد ذاته 
مطمئناء إذ يتأكد المرء انذاك أنها من النوع ذاته. 

وأقاما حفل الزواج. ست خنافس أضاءت قدر استطاعتها المكان؛ عدا ذلك فكل 
شيء سار بهدوء لأن العجوزين لا يطيقان المرح والمقعة؛ ألقت الأم الحلزون خطبة 
جميلة, لم يكن بمقدور الأب ذلك لأنه كان متأثرا جدا وقدما لهما غابة الحماض بأكملها 
كإرث وقالا ما قالاه دائما بأن غابة الحماض هي الأفضل في العالم, وبأنهما عندما 
سيعيشان باستقامة وتواضع وبتكاثران سيصلان يوما هما وأطفالهما إلى العزية, 
فيطبخون حتى يصيروا سوداً ويستلقوا على طبق من فضة. 

وبعد ان تم إلقاء الخطبة. زحف العجوزان إلى داخل بيتهما ولم يخرجا بعدها ابدا؛ 
لقد ناما. حكم الزوجان الحلزونان في الغابة وحصلا على الكثير من الصغار ولكنهم لم 
يطبخوا أبداء ولم يوضعوا أبدا على طبق من فضة فانتهوا إلى إن العزية تداعت وكل 


205 


الناس انقرضوا ولما لم يقف أحد بوجههما فقد كان صحيحا ما قيل: المطر يضرب أوراق 
الحماض ليطبّل من أجلهما. والشمس تشرق لتعطي أوراق الحماض اللون من أجلهما. 
وكانوا سعداء جداء وكل العائلة كانت سعيدة إذ كانوا بالفعل كذلك. 


كتبت في عام 444 


306 


قصةأم 

جلسَّت أم مع طفلها الصغير, حزينةٌ جدا خائفة جدا لئلا يموت. كان شديد 
الشحوب. والعينان الصغيرتان انطفأتا. كان بالكاد يتنفس, وأحيانا يأخدٌ نمسا عميقا 
وكأته يَتنَهّد. بَدَتْ الأم مُغْتْمّةٌ أكثر على تلك الروح الصغيرة. 

حينها طرق الباب. كان الطارق رجلا فُقيراً جاء ملتَحفا بما يشبه غطاء حصان كبير 
يقيه من البرد وهو ما احتاجه فقد كان شتاءً باردا. كل شيء علاه الثلج بالخارج, 
والريح تعصف حدّ تجريح الوجه. 

ولأن قرائ ئص الشيخ كانت تَرتَعدَ من البَّره والطفل الصغير قد نام للحظة, راحت 
الأم لمَصّب القليل من البيرة في إبريق وَصَعَمْهُ على الموقد لمُدفئهُ قليلا للشيخ. أخد 
الشيخ يرجح جَّسَّدَه على الكرسي الهزازء وجلست الأم على مَقْربَةٍ منه. ناظرة إلى 
طفلها المريض الذي سحب نفسا عميقاً ورفع يده الصغيرة. 

" ألا تعتقد حقا بأني سأحتفظ به؟" قالت الأم, " لن يأخذه الله مني!" 

هر الشيخ. الذي كان هو الموت بعينه, رَأشَهُ بشكل غريب, قد يعني الإيجاب كما 
النفي. نَظْرتَ الأم إلى حضنها والدموع تسيل على خديها. رأسّها صار ثقيلا جدا. لم 
يغمض لها جَمْنَ لثلائة أيام بلياليها فَغَفْتَْ للحظة فقطء فرت بعدها مرتعدةٌ من البرد: 
" ما هذاء قالت وهي تنظرٌ إلى ما حَولها . ولكن الشيخ كان قد اختفى و اختفى طفلها 
الصغير أيضا. لقد أَخَذَهُ الشيعٌ معه. الساعة القديمة عند الزاوية أزت وأزّتء و سقط 
الثقل الذي بطرق الرقاص على الأرض مباشرة: ب بم! ! تَوَقَفَتَْ الساعةٌ دون حراك. 

ولكن الأم المسكينة ركضت خارج البيت تُنادي على ابنها. 

في الخارج, وسط الثلج, جلّست عجوز بشياب طويلة سودء قالت: " الموت كان 
عندك في البيت, لقد رأيته وهو يَركُض هاربا بابنك الصغيرء إنه يهشي أسرعَ من 
الريح؛ وهو لا يعيد ما يأخذه أبدا. 


307 


" خبريني فقط , في أي طريق مَسى! " قالت الأم . " خّبريني عن الطريق؛ وأنا 
سأجده!" 

" أنا أعرفه” قالت العجوز ذات الغياب السود " ولكن قبل أنْ أخبرك عن ذلك, 
عليك أن تغني لي كل الأغاني التي غنيتها لطفلك! إني أحبها. لقد سَمَعبّها من قبل, 
أنا " الليل": رأيتَ دموعك عندما غنيتها!" 

" سأغنيها لك كُلّها ؛ كلها!” قَالت الأم؛' ' ولكن لا توقفيني, كي أَتَمكّن من 
اللّحاق به. رافك هن الفعور على أبني 1" 

لك "الليل" جَلَْستْ صامتة ساكنة. حينها فَركَتْ الأم يديها. عت ويَكَت. كان 
هناك الكثير من الأغاني, والأكثر من الدموع؛ بعدها قالت "الليل": " إذهبي إلى 
اليمين؛ داخل غابة البلوط المظلمة؛ هناك رأيت الموت يأخذٌ طريقا مع ابتك الصغير)” 

في عمق الغابة تَقَاطْعَتَ الطرق, ولمْ تَعّد تَعرف الأم أي طريق د تسلك؛ وكانت 
هناك شجيرةٌ شوكيةً.لم يكن لها أوراق أو رَهْرّء إذ كان ذلك أيضا في فترة الشتاء 
البارد » وقد عَلقَتَ طبَقةٌ ثلجر قيقة ملساء على الأغصان. 

" ألم تري الموت ير عابرا بابني الصغير؟" 
" بلى!" قالت الشجيرة: ولكني لَنْ أخبرك عن طريقه قبل أن تُدفئينني أولة بقلبك! 

فأنا سأموت من البرد؛ سأتحول إلى مجرد قطعة ثلج. ' 0 

وضغطت الأم الشجيرةً الشوكيةً إلى صدرها بقوة كي تدفتّها تماماء فاخترقت 
الأشواك لحمّهاء وسالّ دمها بقطرات كبيرة؛ ولكن الشجيرة أَطَلَقَتَ أوراقا خُضرا نضرة 
وورودا في عر ليل الشتاء القارس. وكم هو دافئ صدرٌ أم حزينة. ولهذا اخبرتها 
الشجيرة عن الطريق الذي يجب أن تسلكه. 

وصلت الأم عند بحيرة كبيرة لم يكن فيها سفينةٌ أو قارب. ولم تكن البحيرةٌ 
متجمدةً بما يكفي لتَحَملها, ولم تكن كذلك خاليةً من الثلج وضحلة كي تَخوض وتَعبرَ 
لتَجِدَ ولدَهاء لذا جثت على ركبتيها وانحنت على البحيرة لتشرب ماءها كلّه. وكان 
هذا بالطبع مُستحيلا لبش أن ية يفعله, ولكن الأم كسيرة القلب فَكَرت بأنّ معجزةٌ ما 
ستحدث بالرغم من ذلك. 

" لا لايصح هذا إطلاقا! " قالت البحيرة, " من الأفضل لنا نحن الاثنتين أن 


308 


نَتفق! عندي هوايةٌ جمع اللؤلؤء وعيناك أصفى عينين رأيتهما في حياتيء إن أبكيتهما 
لي حمَلتُك إلى المشتل الكبيرء حيث يعيش اموت ويعتني بأزهار وأشجار كل منها هي 
حياة انسان. 

' آه؛ أعطي كل شيء لأصل لطفلي!" قالت الأم الباكية, ويَكْتَْ وبكت,. حتى 
غرقت عيناها في قاع البحر وتحولتا إلى لؤلؤتين ثمينتين. وحملتها البحيرةٌ وكأنها 
جالسةٌ في أرجوحة. وبأرجحة واحدة طارت إلى شاطئ الضفة الأخرى. حيث يقعٌ بيت 
غريب واسع جداء لا يمكن للمرء أن يحدس إن كان جبلا بغابة وكهوفء أو إنه بني 
هكذا. لم تتمكن الأم المسكينة من رؤيته لأنها كانت قد منحت عينيها للبحيرة بكاء. 
" أين يمكنني أن أجد الموت الذي أخدّ ابني!" قالت. 

" لم يأت بعد إلى هنا! كيف تمكنت من الوصو إلى هناء ومن ذا الذي 
ساعدك!” 

قالت الدقانة العجوز, التي كان واجبها رعاية مشتل الموت الكبير. 

" ربي ساعدني!" قالت الأم؛ " هو الرحيم وأنت أيضا! أين يتوجب علي البحث 
لأجد إبني الصغير!" 

" أنا لا أعرفه!" قالت الدفانة, " وأنت لا تبصرين, فالكثير من الأزهار والأشجار 
ذبلت البارحة. سيصل الموت قريبا ويشئّلّها مرةً أخرى. كما تعرفين. كل شجرة أو زهرة 
هي حياة إنسان, إذ يختلف البشر من واحد لآخر, يبدون كالنباتات ولكن لديهم خَفْقَ 
قلب؛ قلبْ الطفل يمكن أن يخفق! انصتي إلى ذلك, علّك تتعرفين إلى طفلك؛ ولكن ما 
الذي تعطينني كي أخبرك ما عليك فعلّه!" 

' ليس لدي ما أعطيه, قالت الأم المهيضةٌ الجناح " ولكني سأمشي لنهاية العالم 
لو شئت!” 

' لا على ب هناك!" قالت الدفانة. " ولكن بإمكانك أن تعطيني شعرك الأسوة 
الطويل. تعرفين بأنه جميل, وهو يعجبني! ستحصلين على شعري الأبيض بالمقابل, 
شيء أفضل من لا شيء!" 

" أ تأمرين بشيء آخر!" قالت الأم. " سأعطيك ما تشائين بكل سرور" وناولتها 
شعرها الجميل وأخذت محله أبيض الدقّانة العجوز. 


209 


ودخلت الاثنتان مشتل الموت الكبيرء حيث الأزهار والأشجار تنمو بشكل متداخل 
غريب. كانت هناك زهورٌ هايسنث جميلة تحت أغطيتها الزجاجية: وهناك زهرات 
فاوانيا ضخمة جداء كما فت نباتات مائيةً. قسم منها نضرء والقسم الآخر نصف 
مريض. التفّت حولّه أفاعي الماء. وقبّضت السرطانات السود على سيقانه. وهناك 
أشجارٌ نخيل جميلةٌ. بلوط و بلانيرة. البقدنوس والزعتر المزهر؛ كان لكل زهرة وكل 
شجرة اسمّهاء كل واحد منها حياة انسان. في الصين. في غربنلائد. وفي كل أرجاء 
العالم. وهناك أشجارٌ كبيرةٌ في أصص صغيرة؛ محشورة يكاد ينفجر بها الأصيص, 
وفي أمكنة عديدة اخرى هناك أيضا زهراث فيغيرة عنية مدلل تستأئرٌ بتربة و سماد. 
ولكن الأمّ الحزيئة انحنت على كل النباتات التي هي الأصغر وأرهفت سمعها إلى حيثُ 
يخفق قلب الإنسان داخلهاء ومن بين الملايين تعرقت على ابنها. 

" إنه هو!" صاحت ومدت يدها إلى تق عابنا ويل لاوا نشي دكن لنت 
جانبا من ا مرض. 1 

"لا تنلمسي الزهرة؛" قالت الدفانة العجوزء" ولكن إبقَي هناء أنا انتظره؛ الموت 
مكن أن يظهر في أية لحظة, فلا تدعيه يقتلعها. وهدديه بأنك ستفعليئها بالأزهار 
الأخرى. سيخاف! إنه مسؤولٌ عنها أمام ربناء والذي لا يقلح شيء دون إذنه." 

فجأة هبتْ ريح قارسةٌ في المكان. وشّعرَت الأم العمياء بأنه الموت قد جاء. 

" كيف كنت من إيجاد طريقك إلى هنا؟ " سألّ ال موت. " كيف وصلت أسرعٌ مني ؟" 

" قلب الأمْ دليلُها !" قالت. 

ومدّ الموت يده الطويلة إلى الزهرة الرقيقة الصغيرة. ولكنها حوطتها بيديها تماماء 
وخشيت بالرغم من ذلك من أن تأتي على مس إحدى أوراقها. عصّفّ اموت بريحه على 
يديها فشعرت بأن ذلك أبرّه من الريح الزمهريرء فسقطت يداها واهنتين جائها. . ' 

" ألا ترّين أنْ ليس بوسعك فعل شيء ضدي!" قال الموت. 

" رّبنا يقدرا" قالت الأم.. 

" أنا أقوم بفعل ما يشاء فقط" قال الموت. " أنا بستاني الرب! أنا الذي آخد 
أزهارَه وأشجاره وأزرعها في حديقة الجنة الكبيرة في البلاد المجهولة, أما كيف تنموء 
وكيف الحال هناك فلا أجر و على إخبارك عنه!" 


310 


أعد لي طفلي!" و ا كت 
بالقرب من طفلها كل واحدة متها بيد وصاحت با موت: 1 سأقلعٌ أزهارك, لأني يائسة! 

" لا تمسيها!" قال الموت. " تقولين إنك حزينةٌ جدا . والآن ستحزئين أمّاً ا 

" أماً أخرى ؟" “نات الام لسكب «افلتنا الخال الرعرني كن لمطنها. 

" خذي عينيك. " قال الموت, " لقد اصطدثهما من البحيرة, لمعتا بشدة, لم أكن 
أعرف أنهما عيناك. خذيهماء أنهما الآن أصفى من قبلء انظري في عمق البشر 
بجانبك. سوف أذكرٌ أسما ء الزهرتين اللتين أمسكت بهماء سترينَ مستقبلهما وحياتهما 
كلياة محري كرا وددت إزعاجه وتدميره!" 

نظرت إلى الأسفل في البئر؛ وكان النعيم بعينه أن ترى بأن احداهما صارت برَكَةٌ 
للعالم. وترى مقدار السعادة والفرح الذي انتشر من حولها. وترى حياةً الأخرى, التي 
كانت حزنا وضيقا. رعبا وبؤسا. 

" كلاهما مشيئة الله!" قال الموت. 

أي منهًا زهرةٌ النحس, و أي منها زهرة البركة؟" 

سألت الأم. 

" لن أخبرك." قال الموت, " ولكن عليك أن تعلمي بأن أحدهما كان طفلك, فالذي 
رأيته كان قدرّ ابنك, مستقبل طفلك أنت” 

عندها صرحت الأم هلعا ' أيهما كان طفلي! إخبرني! خلّص البريء! خلّص طفلي 
من كل البؤس ب اب ب 
ما قلت وفعلت)" 

" لا أفهمك!" قال الموت" أ تريدين طفلك. أ تريدينني أن آخذه إلى هناك . حيث 
لا تعلمين)” 

عندها فركت الأم يديهاء وجثت على ركبتيها وصلّت: 

"لا تسمعني, حيثُ أسألكَ بخلاف مشيئتك؛ التي هي ا مثلى! لا تسمعني! لاتسمعني!" 

وَحَنَتَْ رأسّها إلى الأسفل إلى حضنها. 

ومشى الموت بابنها إلى البلاد المجهولة. 


كتبت في عام4 ١84‏ 


311 


القبة 

كان هناك ياور رفيع الذوق. كل ما يملكه كان خالعة الأحذية ومشطاً. ولكنه كان 
يملك أجمل ياقة في العالم. وهنا سنسمع قصة القبة. كان القبة هذا متقدماً بالسن 
كثيرا حتى إنه فكر بالزواج. وتصادف أن تم غسله سوية مع شريطة جورب نسائي. 

" ياه" قال القبة " لم أصادف يوماً في عمري أحداً بهذه الرشاقة, الذوق والنعومة 
والرقة. هل لي أن اسأل عن اسمكم؟" 

" لن أقول" قالت شريطة الجورب. 

" من أين جئت ؟" 

ولكن شريطة الجورب كانت خجولة ورأت بأن من الغريب الإجابة على ذلك. 

" إنك بلا شك حزام" قالت القبة, " هكذا يكون الحزام الداخلي, يظهر لي بأنك 
للمنفعة والزينة معاًء آنستي الصغيرة" 

" لا تتحدث معي" قالت شريطة الجورب, " لا أعتقد بأني أعطيتك إذناً بذلك" 

" بلى؛ عندما يكون المرء بجمال حضرتك", قال القبة, " إذناً معقولاً جدأ” 

" لا تقترب مني" قالت شريطة لوت تبدو رجلا زير نساء" 

" أنا أيضا ياور راق" قال القبة. لدي خالعة أحذية ومشط". ولم يكن ذلك حقيقيا 
فقد كان سيده من يملك ذلك ولكنه كان يتبجح. 

" لا تقترب مني", قالت شريطة الجوربء" لم أعتد على ذلك" 

" متحشمة " وتم لقطه من الغسيل؛ حصل على تنشية؛ علق على الكرسي تحت 
الشمس ووضع بعدها على مصطبة الكوي؛ حيث جاءت المكواة الساخنة. 

" سيدتي" قال القبة» " سيدتي الأرملة. صرت حارا جداً. صرت آخر تماماء فقدت 
صوابي, أنت تحر قينني , أوه. أنا أتقدم لطلب يد حضرتك" 


3213 


يا خرقة", قالت المكواة وسارت مزهوة فوق القبة؛ فقد ظنت نفسها القطار الذي 
سيسير على السكة الحديدية ويجر العربات. 
"يا خرقة ". قالت. 
تشرشبت القبة قليلا عند الحواف, فجاءت مقصة الورق لتقص الشراشيب. 
' آخ" ان القبة," أنك بالتأكيد راقصة من الدرجة الأولى. أن ترفعي ساقك هكذا. 
إنه لأروع ما رأيتء لا يستطيع أي بشر أن يقلدك" 
: 0 بذلك” قالت المقصة. 
" أنت تستحقين أن تكوني كونتيسة" قال القبة, " كل ما أملكه هو سيد مرافق 
رفيع الذوق خالعة أحذية ومشط. ليتني كنت أملك مقاطعة" 
" هل يتقدم لخطبتي؟" قالت المقصة وقد تملكها الغضب فأت تت عليه بقصة واحدة 
فألقي مع المهملات. 
إذأ سأتقدم لخطبة المشط", قال القية," إنه لمن العجيب كيف تحافظ على 
أسنانهاء آنستي الصغيرة. هل فكرت يوماً بالخطوبة؟" 
" بل تأكد من إنني فكرت" قالت المشطء " أنا مخطوبة لخالعة الأحذية" 
" مخطوية؟" قال القبة؛ لم تعد هناك من يتقدم لخطبتها. فاحتقر الأمر بكليته 
ومر زمن طويل, وصل بعده القبة إلى عجان ورق؛ كانت هناك بالات ورقء منها 
ما هو راق في جانب, وآخر خشن في جانب. كما يقخضي الحال. كان لديهم ما يقولونه 
جميعاً. ولكن القبة على الأخص فقد كان متبجحأ 
" كان لدي ما لا يُحصى من الحبيبات". قال القبة, " لم أرتح يوماء وقد كنت 
حينها أيضا مرافقا رفيع الذوق منشّى, كان لدي خالعة أحذية ومشط لم استعملها في 
حياتي, - ليتكم رأيتموني عهد ذاك؛ ليتكم رأيتموني عندما أستلقي جانباء لن أنسى 
ما حييت حبيبتيء, كانت حزام خصرء رفيعة جداء ناعمة جدا ورقيقة , لقد هوت في 
طشت من أجلي- كانت هناك أيضا سيدة أرملة اشتعل جمرها ولكنني تركتها في 
مكانها فصارت سوداء. كانت هناك راقصة من الدرجة الأولى, هي التي اعطتني هذا 
الجرح الذي أسير به. كانت شرهة. ومشطي كانت ولهةً بي. سقطت كل أسنائها بسبب 
الحب الفاشل. هذا صحيح لقد جربت الكثير من هذا القبيل. لكن أشْدٌ ما يحزنني كان 


314 


هو شريطة الجورب, أقصد حزام الخصرء التي راحت في الطشت. ضميري يؤنبني جداء 
أحتاج فعلا إلى ما يبِيّض وجهي " 

وقد صاروا جميعا كذلك, كل البالة صارت ورقا أبيض. ولكن القبة بالتحديد هي 
الورقة البيضاء التي نراها هنا والتي طبعت القصة عليها. وذلك لأنه تبجح بكل ما 
حصل بشكل كبير بأشياء لم يكن عليها؛ وعلينا أن نفكر بذلكء علينا ألا نتتصرف هذا 
التصرف فنحن لا تعلم إن كنا سننتهي النهاية ذاتها في البالة ويصنعون منا ورقا 
أبيض ويطبعون قصصنا عليها. حتى أكثر الأمور سرية وعلينا ان ندور بأنفسنا 
ونقصها كما فعل القبة. 


315 


عن الحكايات الخوافية هيا الفتوة 
60 


3217 


ملاك البيلسان 


كان هناك ولد صغير أصابه زكام؛ بردت قدماه ولم يفهم أحد كيف, فالجو كان 
جافا جدا. نضت الأم عنه ثيابه وأدخلته في سريره وغلت الماء في السماور لتعمل له 
شاي البيلسان لأن ذلك يدفئه. في الوقت نفسه دخل عليهم العجوز المرح الذي يسكن 
في أعلى البيت ويعيش وحيدا. لم يكن له لا زوجة ولا أطفالء لذا أحب كل الأطفال 
كثيرا جداء وقد كان يجيد رواية الحكايات الخرافية والقصص إلى حد بعيد. 

" هيا اشرب شايكء لربما حصلت على حكاية خرافية" قالت الأم. 

" على الرحب والسعة لو كنت استطيع رواية شيء جديد" قال العجوز وهز راسه 
بحنان وسأل: "ولكن كيف بردت قدما الطفل الصغير" سأل. 

" وأنا أسأل أيضاء لا أحد يمكن أن يفهم" قالت الأم 

" هل سأحصل على حكاية خرافية؟" سأل الولد. 

" هل بإمكانك ان تخبرني على وجه الدقة كم هو عمق مجرى الماء الوسخ هناك في 
الزقاق الضيق الذي تسلكه في الذهاب إلى المدرسة, علي أولا أن أعرف ذلك" سأل 
العجوز. 

" إلى حد منتتصف الجزمة بالضبط" قال الولد. " ولكني أخوض في الحفر العميقة 
فيه 

" هل رأيت. هكذا بردت قدماك" قال العجوز. " علي الان أن أحكي حكاية 
خرافية ولكن ليس عندي المزيد" 

" بإمكانك صنع واحدة بالحال" قال الولد. " أمي تقول أن كل ما تنظر إليه يمكن 
أن يتحول إلى حكاية وكل ما تلمسه تحصل منه على قصة" 

' ولكن هذه الحكايات الخرافية والقصص لا تنفع, الحقيقية منها هي التي تأتي 
وحدهاء تطرق على جبهتي وتقول: ها أنا ذا" قال العجوز. 


319 


ْظآ لن تطرق جبهتك الان؟" سأل الولد الصغير وضحكت الأم. وهي تضع ورق 
شاي البيلسان في الإبريق وتصب الماء المغلي فوقه. 

" احك؛ احك" 

, 9 تأتي , ولكنها مترفعة أنوفة, لا تأتي إلا عندما يحلو لها! توقف” قالها 
العجوز باللحظة. " ها هي! انتبه. انها في ابريق الشاي" 

أخذ الولد الصغير ينظر إلى ابريق الشاي, انتفخ الغطاء أكثر وأكثر وطلعت 
وردات البيلسان نضرة بيضاً. طلعت أغصان طويلة كبيرة حتى من مصبه وانتشرت إلى 
كل الجهات وكبرت وكبرت؛ كانت اجمل شجيرة بيلسان. شجرة بأكملها التي ناشت 
السرير وأزاحت الستائر إلى الجانب؛ آه كم أزهرت وفاحت بعطرهاء وفي وسط الشجرة 
جلست إمرأة عجوز طيبة ترتدي ثوبا غريباء كان أخضر مثل ورق شجر البيلسان 
مرصعا بأزهار بيلسان بيضء لم يكن بإمكان المرء أن يلحظ من أول وهلة فيما لو كان 
ثوبا أم أوراقاً خضراً حية وأزهاراً على جسدها. 

" ما اسم المرأة؟" سأل الولد الصغير 

" انهم الرومان واليونانيون, لقد اطلقوا عليها اسم درياد' ولكننا لا نفهم هذا؛ هناك 
في حي " نوبوذه"" لديهم اسم أفضل لهاء هناك تدعى " ملاك البيلسان" هو ما يجب أن 
تنتبه إليه ؛ لا عليك إلا أن تنصت وتنظر إلى شجرة البيلسان الجميلة. قال العجوز: 

هناك شجرة كبيرة مزهرة مثل هذه تماما في حي " نوبوذه"؛ لقد ولدت وترعرعت 
في زاوية من فناء خلفي صغير فقير؛ تحت تلك الشجرة وذات ظهيرة والشمس طالعة 
بجمال رائع جلس عجوزان, بحار عجوز جدا جدا وزوجته العجوز جدا جدا. كانا جد 
وجدة كبيرين سيحتفلان قريبا بعيد زواجهما الذهبي ولكنهما لم يتذكرا التاريخ. 
وجلست ملاك البيلسان في الشجرة وهي تبدو في غاية السرورء مثل ملاك البيلسان 
هنا. " أنا التي تعلم متى هو تاريخ الزفاف". قالت ولكنهما لم يسمعا. كانا يتحدثان 
١‏ دياف قن الأستاطين الاغزريقية هي اعذراء وحوري الخاية أو روح الشجرة بالأخص أشجار البلوط . كل شجرة 

لديها حورية غابة تعيش فيها أو بالقرب منها . درياد هي روح أنثى الطبيعة التي تتسيد البساتين والغابات . كل 
درياد تولد بشجرة معيئة تكون تحت حراستها .حياة الدرياد مرتبطة بحياة الشجرة ‏ إن هلكت تموت الدرياد معها . 


. نوبوذه : منطقة في كوبنهاجن . بدئ بإنشاء مساكن لرجال القوة البحرية فيها في عهد الملك كريستيان الرابع‎ ١ 
. ما يميز هذه الماكن هو حدائقها وأشجار البيلان شجرة البيلسان هى شجرة مقدسة فى ميثولوجيا دول الشمال‎ 


220 


عن أيامهما في الماضي. قال البحار العجوز" هل تذكرين عندما كنا شبابا صغارا 
نركض ونلعب, انه نفس الفناء الذي نجلس فيه الان. غرسنا أغصانا صارت حديقة" 
أجابت العجوز:" أعل: أذكر ذلك جيداء سقينا الأغصانء وكان أحدها غصن بيلسان 
وجذّر الغصن ودفع براعم خضراً وصار الآن شجرة كبيرة نجلس نحن العجوزان تحتها. " 

قال لها: " معلوم, وهناك في الزاوية كان يوجد طشت غسيل يطفو فيه قاربي 
الذي نحته بيديء كم كان منظره وهو يبحر جميلا! ولكنني سرعان ما صرت بحارا 
أجوب البحار وأركب الصعاب” 

" ولكننا دخلنا المدرسة أولا لنتعلم شيئا" قالت العجوزء " وبعدها تم تعميدنا؛ 
بكينا أنا وأنت حينها؛ وبعد الظهر مشينا يدا بيد إلى البرج الدائري وتأملنا كوبنهاجن 
والبحر؛ ثم ذهبنا إلى حدائق فريديريكسبيرك حيث الملك والملكة يبحران بقاربهما الفخم 
بين القنوات" 

" ولكنني سرعان ما صرت بحارا أجوب البحار وأركب الصعاب؛ لعدة سنوات, 
بعيدا جدا في رحلات طويلة" 

" نعم, لكم بكيت من أجلك" قالت العجوز, " ظننت أنك مت واختفيت: تلهو هناك 
تحت في أعماق البحر! لطا ما نهضت ليلا ورأيت ديك الرياح الأربع يدور بوجهعه. صحيح 
إنه استدار ولكنك لم تأت, أذكر بوضوح يوم هطلت السماء بمطر مدرار. كان الزبال يقف 
خارج البيت الذي كنت أخدم فيه. نزلت ببرميل القمامة. وبقيت واقفة عند الباب؛- يا له 
من جو عاصف وبينما انا واقفة هناك جاء ساعي البريد إلى جانبي وسلمني رسالة؛ كانت 
منكء لكم دارت هذه الرسالة العالم! أسرعت بقراءتها؛ ضحكت وبكيت؛ كنت سعيدة 
جداء لقد كتبت فيها بأنك في البلاد الحارة حيث تنمو حبات القهوة! لابد أنها بلدان 
مباركة! لقد تحدثت عن الكثير. رأيت كل شيء أمامي بينما كان المطر يهطل وقد كنت 
واقفة عند برميل القمامة وباللحظة ذاتها كان هناك من احتواني من خصري" 

" نعم ولكنك أعطيته صفعة على أذئه أخذت ترن طويلا بعدها" 

" ولكني لم أعرف أنه أنت. جئت مبكرا جدا مثل رسالتك وقد كنت جميلا جدا! 
ومازلت كذلك. كان لديك منديل طويل من الحرير أصفر اللون وقبعة لامعة.؛ كنت 
انيقا جدا. يا إلهي, أي جو كان, وكم بدا الشارع مطيئا قذرا" قالت العجوز. 


321 


" وتزوجنا بعدهاء هل تذكرين؟" قال البحار العجوز, " وصار عندنا ولد أولا ومن 
ثم ماريا ونيلس وبيتر وهانس كريستيان" 

" قد كبروا جميعهم وصاروا أناسا محترمين يحبهم الجميع" 

" وحصل صغارهم من ثم على صغار" قال البحار العجوز؛" انهم أطفال أحفادنا 
الشطار!- زفافنا كان على ما أظن في هذه الفترة من السئة-" 

" صحيح, هذا اليوم بالضبط هو يوم الزفاف الذهبي" قالت ملاك البيلسان 
وحشرت رأسها وسط العجوزين اللذين ظنا أنها جارتهما التي تحييهما؛ نظرا إلى 
بعضهما بعضاً وضما أيديهما إلى بعضها بعضاً. 

بعد فترة وجيزة جاء الأطفال والأحفاد. كانوا يعرفون جيدا أن هذا اليوم هو ذكرى 
زفاف الجد والجدة الذهبي. كانوا قد هنؤوهم صباحا ولكن العجوزين نسيا ذلك؛ بينما 
تذكرا جيدا كل ما مر بهما لسنوات عديدة مضت؛ وفاحت شجرة البيلسان بعطر نفاذ 
والشمس توشك على المغيب, شعت في وجهيهما فبدا كل منهما أحمر الوجه. رقص 
أصغر الأطفال حولهما وكان يصيح مسرورا إنه في المساء سيكون هناك حفل بهي 
وسيتناولون بطاطا ساخنة؛ و هزت ملاك البيلسان في الشجرة رأسها وهللت مع 
الجميع. 

" ولكنها ليست حكاية خرافية" قال الولد الصغير الذي استمع إلى ما روي. 

" هل ترى هذا ؟ دعنا نسأل ملاك البيلسان إذأ" أجاب الراوي. 

قالت ملاك البيلسان" لا لم تكن حكاية خرافية ولكنها ستأتي الان! من الحقيقة 
تنشأ الحكاية الخرافية العجيبة : وإلا لما قفزت شجيرتي من السماور" وأخذت بعد ذلك 
الولد الصغير من السرير ووضعته على صدرها والتفت أغصان البيلسان الملأى بالزهر 
ولهما وكأنهما جلسا في أصغر عش وقد طار بهما في الهواء. كان ذلك رائعا بلا 
نظير. تحولت ملاك البيلسان بلحظة إلى فتاة رقيقة, فستانها مازال أخضر مزهرا 
بالأبيض كما كانت ترتديه الملاك؛ كان على صدر الفتاة زهرة بيلسان حقيقية وحول 
شعرها الأصفر كان هناك إكليل من زهر البيلسان؛ كانت عيناها كبيرتين جداء شديدتي 
الزرقة. في النظر إليها بركةٌ كبيرةٌ. تبادلا هي والولد القبل فصارا في عمر واحد 


واهواء واحدة. 


322 


خرجا من العش الذي بين الأحراش يمشيان يدا بيد. وقفا في حديقة البيت المزهرة 
الجميلة؛ كانت عصا الوالد مربوطة بعود على العشب؛ كان الأطفال يرون في العصا 
حياة؛ ما إن يركبوها حتى يتحول الزر اللامع إلى رأس حصان يصهل. شعره يهنهف 
طويل أسود . وتبرز أرجل أربع رشيقة؛ كان حيوانا جامحا؛ انطلقا يخبان على حشيش 
الحديقة؛ طربق طربق - " سنقطع أميالا عديدة على ظهر الحصانء بعيدا من هنا" قال 
الولد؛ " سنذهب إلى العزية حيث كنا قبلا!" وداروا وداروا على ظهر الحصان في 
الحديقة؛ والبنت الصغيرة تصيح دوماء البنت التي نعلم أنها لم تكن غير ملاك 
البيلسان : " ها نحن في الحقل, انظر إلى بيت الفلاح هناك ذي فرن الخبز . يبدو مثل 
بيضة ضخمة في جهة الحائط على الطريق: تتدلى أغصان شجرة البيلسان عليه. 
والديك يتقدم الدجاجات ينبش بقدصيه الأرض. انظرء كم هو مزهو بنفسه. ينفش 
ريشه!- ها نحن وصلنا الكنيسة! انها تقع على التلة بين شجرتي بلوط. حيث احداهما 
نصف ميتة. - الآن وصلنا عند الحداد حيث النار متأججة. والرجال نصف عراة يضربون 
بمطارقهم الحديد فيتطاير الشرر من حولهم. هياء "هيا ننطلق إلى العزية" ومرا بكل ما 
قالته البنت الصغيرة التي امتطت العصا؛ رأى الولد كل ذلك رغم انهما كانا يدوران 
في الحديقة, على العشب فقط. ولعبا بعد ذلك في الممر الجانبي وحفرا في الأرض 
حديقة صغيرة تناولت فيها البنت زهرة بيلسان من شعرها وغرستها فيها, وكبرت 
الوردة ماما مثلما حدث مع العجوزين في حي نوبوذه تلك المرة عندما كانا طفلين, وكما 
تحدثا من قبل عن ذلك. مشيا يدا بيد كما فعل العجوزان عندما كانا طفلين. ولكنهما 
لم يصعدا البرج الدائري أو يذهبا إلى حديقة فريدريكسبيرك: كلا . أخذت البنت 
الصغيرة الولد من خصره وطارا في أرجاء الدنمارك, كان الجو ربيعا وجاء الصيف وحل 
الحصاد بعدها ومن ثم الشتاء. انعكست آلاف الصور في عيني الولد وقلبه وكانت 
البنت الصغيرة تغني له دوما: " لن تنسى ذلك أبدا" وقد فاح شذا زهر البيلسان زكيا 
رائعا طوال الرحلة؛ تنسم الورد الجوري والزان النضرء لكن شذا شجر البيلسان كان 
اكثر روعة. فقد كانت زهوره معلقة قريبا من قلب البنت الصغيرة, الذي طالما وضع 
رأسه عليه خلال الرحلة. 

" المكان هنا جميل في الربيع " قالت البنت الشابة وقد وقفا في غابة الزان التي 


223 


تفتحت اوراقها للتو. حيث الأسبرلة العطرية الخضراء فاحت بعطرها عند أقدامهم وبدت 
شقائق النعمان ذات اللون المحمر الشاحب وسط الخضرة جميلة للغاية. 

" ليتها تكون دوما ربيعا في غابات الزان الدفاركية الشذية" 

" المكان هنا جميل في الصيف" قالت البنت وانطلقت معا وقد مرا بالعزبة القديمة 
منذ عصر الفرسانء, حيث ال جدران الحمر والمسنئمة كانت تنعكس على سطح ماء 
القنوات. حيث تعوم البجعات وتتفرج على الشوارع المشجرة القديمة الباردة. وفي الحقل 
توج الحنطة. مسيجة بنياتات حشيشة الدينار البرية و اللبلاب المزهر؛ وفي المساء يصعد 
القمر عاليا في السماء مدورا كبيراء وتفوح كومات التبن في الحقول بحلاوة. " انها 
لاتنسى أبدا". 

" المكان هنا جميل في الخريف" قالت البنت الصفيرة وعلت السماء مرتين 
وازدادت زرقتها مرتين, اكتسبت الغابة أجمل ألوائها من الأحمر, الأصفرء والأخضرء 
وانطلق كلاب الصيد. طارت اسراب الطيور البرية صارخة فوق القبر الضخم. حيث 
تتدلى حبات العليق على الصخور القديمة؛ كان البحر أزرق مسودا بقوارب بيض. 
جلست نساء عجائزء فتيات وأطفال في مخزن درس الحبوب يخرطون حبوب حشيشة 
الدينار في وعاء كبير؛ كان الشباب يغنون الأغاني أما كبار السن فكائوا يروون 
الحكايات الخرافية عن الجن والعفاريت. لا يتخيل المرء حالا أفضل من هذا " المكان هنا 
جميل في الشتاء" قالت البنت الصغيرة؛ وقد تجمدت الأشجار فبدت مثل مرجان 
أبيض: كان الثلج يصر تحت الأقدام وكأن المرء يرتدي حذاءً جديدا ويتساقط في المساء 
النيزك بعد الاخر. أوقدت شجرة الميلاد في البيت. وكان هناك هدايا وأمزجة رائقة. 
وعلت أنغام الكمان في بيت الفلاح, وتم إلقاء حلوى التفاح إلى الناس؛ حتى أفقر 
الأطفال قال: " إن الشتاء جميل هنا رغم ذلك" 


أجل كان كل شيء جميلاء وجعلت البنت الصغيرة الولد يرى كل شيء. كان عطر 
شجر البيلسان يفوح دوما. والعلم الأحمر يرفرف بصليبه الأبيض. العلم الذي رفع على 
سفيئة البحار العجوز من نوبوذه عندما أبحر؛- وصار الولد رجلا فتيا وعليه ان يطلع 
إلى العالم الفسيح, بعيدا إلى البلاد الحارة حيث تنمو أشجار القهوة؛ وأخذت البنت 


2324 


الصغيرة عند الرحيل زهرة البيلسان من على صدرها واعطتها له ليحتفظ بها. وقد 
وضعت الزهرة في كتاب التراتيل: وعندما كان الكتاب يفتح في البلاد الغريبة كان 
ينفتح دوما على الصفحة التي استقرت فيها زهرة الذكريات التي كلما أجال النظر 
فيها كلما زادت نضارتها؛ وكانه كان يتنسم رائحة الغابات الدفاركية وتبرز البنت 
الصغيرة له من بين ورقات الزهرة بعينيها الزرقاوين وهي تهمس: " هنا المكان جميل 
في الربيع. في الصيف. في موسم الحصاد. في الشتاء" فتتداعى مئات الصور في 
فكره. 

ومرت العديد من السنوات على هذا الحال وقد صار رجلا عجوزا يجلس مع زوجته 
العجوز تحت شجرة البيلسان؛ يمسكان بيدي بعضهما بعضأ مثلما فعل الجد والجدة في 
نوبوذه وتحدثا مثلما كان الجد والجدة يتحدثان عن أيامهما الماضية وعن عيد زواجهما 
الذهبي؛ جلست البنت الصغيرة ذات العينين الزرقاوين وزهرة البيلسان عاليا في 
الشجرة, هزت رأسها لهما مؤيدة وقالت: " اليوم هو ذكرى يوم زواجكما الذهبي" 
وأخذت زهرتين من إكليلهاء قبلتهما فلمعتا أولا مثل الفضة ثم مثل الذهب وعندما 
وضعتهما على رأسي العجوزين تحولت كل زهرة إلى تاج ذهبي؛ وهناك جلسا مثل ملك 
وملكة تحت الشجرة العطرة. التي بدت مثل شجرة بيلسان بعينها. وقد روى لزوجته 
العجوز قصة ملاك البيلسان. مثلما حكيت له عندما كان ولدا صغيرا ورأى كل منهما 
في أن القصة تشبه قصتهما إلى حد بعيد وما كان يتشابه في القصتين كان هو الأفضل 
حسب رأيهما. 

" هذا صحيح" قالت البنت الصغيرة في الشجرة, " بعض الناس يطلقون علي اسم 
ملاك البيلسان وآخرون يسمونتني درياد, ولكنني في الحقيقة أدعى الذاكرة, إنها أنا 
التي تجلس في الشجرة التي تكبر وتكبر, أنا التي تتذكرء انا التي تروي! لأرى إن 
كنت مازلت تحتفظ بزهرتك حتى الآن" 

وفتح العجوز كتاب التراتيل وكانت هناك زهرة بيلسان نضرة جدا وكأنها جديدة 
وضعت حديثا داخل الكتاب, وأيدتهما الذاكرة. وجلس العجوزان بالتاجين الذهبيين 
على رأسيهما تحت أشعة المساء الحمراء؛ اغلقا عينيهما وو... ! وانتهت الحكاية. 


2325 


كان الولد الصغير مستلق في سريره, لم يكن يعلم عما إذا كان يحلم أم يسمع ما 
كان يروى له؛ كان ابريق الشاي على الطاولة ولكن لم تنبت فيه وتطلع شجرة بيلسان 
والرجل العجوز الذي روى الحكاية كان في طريقه خارجا عبر الباب. 


" كم كان ذلك جميلا” قال الولد الصغير" كنت في البلاد الحارة يا أمي ". 
" أجل؛ أتصور ذلك" قالت الأم؛ " عندما نحصل على كوبي شاي بيلسان نصل 
بلاشك إلى البلاد الحارة" ودثرت الولد جيدا كي لايصيبه الزكام. " لاشك انك غططت 
في النوم بينما كنت اتشاجر مع الرجل فيما لو كانت هذه حكاية خرافية أم قصة" 
" وأين ملاك البيلسان؟” سأل الولد 
فأجابت الأم " انها في ابريق الشاي وستبقى" 


كتيت عام ١4806٠‏ 


326 


الناقوس 


عند المساء في الأزقة الضيقة في المدينة الكبيرة وعندما تغيب الشمس وتلمع 
الغيوم كالذهب عاليا بين المداخن غالباً ما يُسمعْ أحدهم هنا وثان هناك و ثالث في 
مكان آخر صوتا غريبا يشبه رنينَ ناقوس كنيسة, ولكن كان ذلك يُسمّعٌ للحظات فقطء 
فقد كان بعضاً من هزهزة عربات وجلبة الناس ما يشوش على ذلك. 

" ستدق الآن ساعة المساء!" يقول أحدهم, " وستغيب الشمس الان!" 

أما الذين يمشون في أطراف المدينة. حيتُ البيوت تنفصل عن بعضها بعضآاً 
بالحدائق والمزارع الصغيرة؛ يرون سماء المساء أجمل بكثير ويسمعون صوت رنين 
الناقوس أقوى بكثير أيضاء وكأنه آت من كنيسة تقع في عمق الغابة الساكنة العطرة, 
وتروح الناس مستغرقة تتأمل المكان بخشوع وإجلال. 

ومرت العديد من السنوات والناس تسأل بعضها بعضاأً: " هل توجد بالفعل 
كنئيسة هناك في عمق الغابة؟ كم هو غريب وجميل رنينُ هذا الناقوس» دعونا نذهب 
ونتأمل ذلك عن قرب". 

واستقل الأغنياء من الناس عرياتهم بيئما الفقراء منهم ذهبوا مشياًء ولكن الطريق 
امتدٌ طويلا بشكل عجيب., وعندما اقتربوا من أشجار الصّفصاف التي فت على أطراف 
الغابة افترشوا الأرض هناك وأخذوا يتأملون الأغصانّ الطويلة وشعروا بأنهم في نزهة, 
في الهواء الطلق. وكان هناك صانعٌ حلويات جاء من المدينة وضرب أوتاد خيمته وجاء 
صانعٌ حلويات آخرٌ وعلّقَ جرساً أعلى خيمته وهو جرس قد لُوثَ بالقار ليحتمل المطر 
ولكنه يفتقد إلى البندول. وعندما عاد هؤلاء الناس من رحلتهم قالوا أن الرحلةٌ في 
الطبيعة كانت خاصة ورومانسية جدا. وأكّد ثلاثةٌ أشخاص أنهم توغلوا في الغابة حتى 
نهايتها وأنهم كانوا يسمعون دوماً رنينَ الناقوس وكأنه قادم من المدينة. وقد كتبّ 


327 


أحدهم قصيدةً كاملة حول ذلكء قال فيها إن الناقوس يرّن كصوت أم تخاطب ابنها 
الذكي العزيز, لم يكن هناك لحن أجملَ منه. 

انتبه قيصر البلاد أيضا إلى ذلك ووعّدَ الذي يكتشفْ مصدر الصوت أن يحصل 
على وظيفة " ضارب الناقوس الأكبر" وإن لم يكن الصوت نابعاً من ناقوس. ومن أجل 
لقمة العيش راح العديدٌ من الناس إلى الغابة. ولكن واحداً منهم فقط هو الذي عاد 
بعرضيع للك الحكاية فهو لم يتوغل في عمق الغابة بما فيه الكفاية ولا حتى غيره 
أيضا ؛ ولكنه كال مخ ذلك إن صوت الناقوس يأتي من بوم ة كبيرة جدا في شجرةٍ 
مجوفة, هي بومةٌ حكمة اعتادت على ضرب رأسها بالشجرة. ولكنه لم يتمكن 
بالتحديد من معرفة ما إذا كان الصوت من رأسها أو من ساق الشجرة الأجوف. ومع 
هذا فقد تم تعيينه " ضارب الناقوس الأكبر". وراح يكتب كل عام بحثأ صغيراً حول 
البومة, لكنه لم يأت بجديد. 

وفي يوم التعميد صادف أن ألقى القس خطبةً جميلة من الأعماق؛ قد تأثر 
المعمّدون بها كثيرا. كان يوما مهما في حياتهم. فقد تحولوا بلحظة من أطفال صغار 
إلى كبار- فبطريقة ما يجب أن تتحول روح الطفل فيهم إلى شخصية أكثر معقولية. 
كان يوما مشمساً وجميلا عندما قصد الْمعَمَدون الإحتفال خارج المدينة. ومن الغابة رن 
عاليا وبشكل غريب هذا الناقوس الكبير المجهولء فانتابتهم جميعا إثرها رغبةٌ 
بالذهاب إلى هناك, عدا ثلاثة منهم. فواحدة منهم كان عليها العودة إلى البيت لقياس 
بدلة الرقص لحفل التعميد., إذ لولا البدلةٌ والحفلٌ لما رغيت بأن تُعَمَّدَ هذه المرة. أما 
الثاني من الثلائة فكان ولدا فقيرا قد استعار بدلة التعميد والحذاءً من ابن صاحب 
البيت وكان عليه تسليمهما في ساعة محددق أما الثالث فقال إنه لم يذهب يوما إلى 
مكان غريب دون مرافقة والديه. وهو ولد عي أن يبقى كذلك دائما بالرغم من 
تعميده اليوم. ولا يجب الإستهزاء بالناس بسبب ذلك! ولكنهم ضحكوا عليه. 

إذاً لقد تخلف ثلاثة منهم وجالّ الباقون على أقدامهم. الشمس مشرقةٌ والطيور 
تغني فغنّى المعمدون معهاء وأمسكوا بأيدي بعضهم بعضاً فلم يكونوا قد حصلوا على 
وظائفهم بعد. وأمام الله لم يكونوا سوى معمدين. 

وسرعان ما شعرٌ اثنان منهم بالتعب فقررا العودةً إلى المدينة. وافترشت ائثنتان من 
البنات العشب وأخذتا تضفران أكاليل ورد ولم ترغبا با مواصلة معهم. 


328 


عندما وصلوا إلى حيث أشجار الصفصاف وحيث يقيم صانع الحلويات: " انظروا 
ها نحن قد وصلناء في الواقع لا وجود للناقوسء إنه شيء يتوهّمه المرء ليس إلا". قال 
أحدهم. 

حينها وفي اللحظة نفسها سمعٌ رنين الناقوس من عمق الغابة جميلاً فيه من 
الرهبة وا خنشوع ما جعل أربعةً منهم أو خمسة ينوون التوغل أكثر في الغابة. كانت 
الغابة مزدحمة بالأشجارء ومتشابكة الأغصان وكان من الصعب جدا المرورٌ داخلها. 
فلقد علت نباتات الأسبرلة وشقائق النعمان عاليا جداء وتعلّقت أذينات اللبلاب 
والعليق كسلاسل ورقية من شجرة إلى أخرى, حيث العندليب يشدو وخيوط الشمس 
تتوهج. كان مكانا مباركاً ولكنه لم يكن طريقا سهلاً للفتيات ليخترقتّه. فمن شأنه أن 
يرّقَ ثيابهن. كانت هناك قطعٌ صخريةٌ فت عليها أصنافٌ من مختلف الألوان من 
الطحالب. وكان غريياً أن يُصدر الماء العذب صوتاً : "كلوك كلوك". 

قال أحد المعمدين وقد استلقى على الأرض ليسترق السمع: " أ يمكن أن يكون هذا 
هو الناقوس؟". 

" يجب بالفعل بحث الأمر". وبقي في مكائه وترك الآخرين يتابعون سيرهم. 

بعد فترة وصلوا إلى بيت مبني من لحاء الأشجار والأغصان. وقد مالتْ عليه 
شجرةٌ تفاح بريةٌ كبيرة, كما لو انها تود أن تنفض كل بركتها على السقف الذي أزهرت 
فيه الورود . فقد تدلّت أغصائها الطويلة على الجدار الجاتبي للبيت الجمالون والذي علق 
فيه جرس صغير. أ يمكن أن يكون هذا هو الناقوس؟ أجلء كان الجميعٌ متفقين حول 
هذاء عدا واحدٍ منهم والذي قال إن هذا الناقوس من الصغر والرقة ما لا يمكن لصوته أن 
يُسمّعٌ من بعيد كما سمعوه, ومن المؤكد أنها نغمات أخرى تلك التي لها وقْعٌ مشيرٌ 
على قلب الإنسان. كان المتحدث هو ابن الملك, لذا قال الآخرون: " لابدٌ أن يكون 
شخص كهذا هو الأذكى". 

وتركوه يذهب وحده. فكلما مشى امتلاً صدره أكثر وأكثر بوحشة الغابة. ولكنه 
سمعٌ الناقوس الصغير مرة ثانية والذي كان الآخرون مستمتعين به كثيراً, وأثناء ذلك 
وعندما تهب الريح من جهة صانع الحلويات كان يمكنه أن يسمعٌ كيف كانوا يغنون مع 
شرب الشايء ولكن الصوت الأجش الغليظ يُسمّع أقوى وأقوى, وكأنه عزف أورغن. 
كان الصوت يأتي من جهة اليسار حيث القلب. 


229 


وفجأةٌ سُمعت خشخشةٌ في الشجيرة حيث وقَفّ ولد صغيرٌ أمام ابن الملك. ولد 
بلبس قبقابا وبلوزة ذات مقاس صغير عليه إلى الحد الذي بانَ فيه طول معصمه. وقد 
تعرقا على بعضهما بعضاً, الولد كان من المعمّدين الذين لم يستطيعوا مرافقة الباقين 
فقد توجبت عليه العودةٌ لتسليم البدلة والحذاء إلى ابن صاحب البيت. وقد قررَ المجيء 
وحده بعدها مرتديا القبقاب والملابس الرئة. شَعَرَ بأن عليه المجيء إلى هنا بعد أن رن 
الناقوس عاليا وعميقا جداً. 

" يمكننا الذهاب معا إذا!". قال ابن الملك. 

ولكن الْمعمّدَ الفقير ذا القبقاب كان خجلاء سحب كمي بلوزته وقال: إنه يخشى 
ألا يتمكنّ من مرافقته الآنء وعدا ذلك فهو يعتقد أن البحثٌ عن الناقوس يجب أن يتم 
في الجهة اليمنى طالما أن هذا الجانب هو الأصلي والحقيقي. 

" حسناء إذاً نحن لن نلتقي أبداً؟". قال ابن الملك وحيًا برأسه الولد الفقير الذي 
توغل في الجانب الأكثر ظلمةً وزحمة في الغابة حيث الأشواك مزقت ملابسَّه الرئة 
ووجههء ويديه ركم ل وتخدّش ابن الملك هو الآخرٌ أيضاً. كانت الشمس 
مشرقةٌ في الطريق الذي سلَكّهء وهو الذي سنتبعه الآن لأنه ولد فتي. 

قال ابن الملك:" الناقوس هو ما أريدٌ ويتوجب علي أن أجده, وإن كان علي أن 
أمشي حتى نهاية العالم". 

القردةٌ التي رأته أخذت تضحك بين الأشجار حتى برزت كل أسنانها وقالت: " هل 
ندفعه, هاء إنه ابن ملك"! 

ولكنه توغلَ غير متهيّب أعمق وأعمق في الغابة حيث نمت أعجب الأزهار, 
النرجس النجمي الأبيض بمتكه الأحمر القاني, التيوليب السماوي الذي أضاءً في 
الريح. وأشجار التفاح بثمارها التي بدت للعين حقا كفقاعات صابونٍ لامعة كبيرة. 
ولك أن تتصور كم كانت لامعة تلك الأشجارٌ تحت أشعة الشمس, وقد فت أشجار الزان 
والبلوط الضخمة حول المروج المخضر الجميلة حيث الظباء ترح على العشب. وفي الغابة 
يروحٌ العشب والفروع الطويلةٌ تنمو في شقوق لحاء الأشجار. وتمتد الغابةٌ مطوقة 
بحيرات داخليةٌ تسبح فيها البجعات البيضُ وتخفق بأجنحتها. 

توقف ابن املك مرارا ساكناً منصتاً. إذ اعتقد في مرات عديدة أن رنينَ الناقوس 


2330 


يأتي من إحدى البحيرات العميقة ولكنه سرعان ما يكتشف أن الرنينَ لم يكن يصدرٌ 
من هناك, بل من مكان أعمق يكثير من داخل الغابة. 

وأخذت الشمس تنزل في الأفق ويصطبعٌ الفضاء بالأحمر كالنار ويطبق سكونْ تام 
جدا على الغابة. وجا ابن الملك على ركبتيه وغنى نشيد المساء المعتاد وقال: 

" لن أجد أبدا ما أبحث عنه. فالشمس تغيبء, وسيقبل الليل, الليل الأظلم, ربما 
قكنت من رؤية الشمس الحمراء المدورة قبل أن تغطس كليةٌ خلف الأرض؛ سأصعد 
أعلى الصخورء إنها ترتفع بعلو أكبر الأشجار هناك. 

وتشبث بالفروع والجذورء تسأّق الحجر الزلق حيث التفّت عليه ثعابين الماء. ونقّت 
الضفادع الكبيرة هناك وكأنها تنبح عليه. وبالرغم من ذلك فقد تمكن من الصعود إلى 
أعلى قبل أن تنزلَ الشمس ورآها من ذلك العلو. 

ياه أية روعة لهذا الكون. وهذا البحر الكبير العظيم الذي ألقى بأمواجه العالية 
على الشاطيء الذي يتدٌ أمامه. والشمس حيث يلتقي البحرٌ بالأرض تبدو كمذبع 
مشع. كل شيء انصهرٌ ببعضه بألوان جمرية. عَدَّتْ الغابةٌ وغنّى البحر فغنى قلبّه 
معهم. كل الطبيعة وكأنها كنيسةٌ مقدّسة كانت الأشجار والغيوم المحلّقة أعمدةً لها, 
والأزهار والعشب كان ثوباً مخملياء والسماء قبتها الكبيرة. وعندما غابت الشمس 
انطفأت كل الألوان الحمر في الأفق. ولكن حينها اشتعلت ملايين النجمات. وشعت 
ملايين المصابيح الماسية, فمد ابن الملك ذراعيه تجاه السماء والبحر والغابة. في اللحظة 
ذاتها جاء الفقير المعمّد ذو الأكمام القصيرة والقبقاب مبكراً من الطريق الآخر من جهة 
اليمين ومثْلّه جاء ابن الملك من جهة اليسار وركضا كل باتجاه الآخر وأمسكا بيد 
بعضهما بعضاً بحضن كنيسة الطبيعة والشعر النورانية, ورن فوقهما الناقوس المقدس 
غير المرئي؛ وحلقت أرواح مباركةٌ راقصة حوله مسبحة مُهللة باسم الله. 


كتبت في عام ١4844‏ 


331 


من محموعة القصص في الفتوة 
64م - مه1اا 


3233 


حكاية فصول العام 


كان ذلك في أواخر شهر كانون الثاني؛ كانت عاصفة ثلجية فظيعة؛ طار الثلج 
بدوامة سافية عبر الشوارع والأزقة؛ النوافذ وكأنها ملصقة بغطاء من الثلج إلى الخارج, 
يتهاوى الثلج من أعلى السقوف في كتل» ولذا فقد فر الناس, ركضتء طارت؛ ضمت 
بعضها بعضاً ومسكت بأذرع بعضها بعضاً بقوة فثبتت أقدامها للحظة. كانت العربات 
والخيول وكأنها مذرورة بالبودرة. ووقف الخدم في مؤخرة العربة مولين ظهورهم لها 
وللربح: المشاة مازالت تحتمي بظل العربة التي انزلقت ببطء من مكانها في الثلج 
العميق. وعندما انتهت العاصفة أخيرا انفتح مر ضيق جدا في الثلج بين البيوت 
والشوارع؛ وقف الناس من دون حراك متقابلين فلم يرغب أي منهم بأخذ الخطوة الأولى 
جانبا في الممر كي يخطو أولاً وتغطس قدماه داخل كومات الثلج العميق ليفسح الطريق 
للآخر. بل بقوا في مكانهم وأخيراً وبعد اتفاقية شبه صامتة وضع كل منهم قدمه 
تضحية وتركها تغطس في ركام الثلج العميق. 

كان الصمت مطبقا عند قدوم المساء. بدت السماء وكأنها قد معت وصارت أكثر 
علواً وشفافية. النجوم كانت جديدة, للتو قد طلعت, البعض منها كان شديدَ الزرقة 
والصفاء. والجو كان متجمدا لدرجة أن الأقدام كانت تصرّ عند السير. وغالبا ما كانت 
الطبقة العليا من الثلج صقيلة قوية جدا حتى انها كانت تحمل العصافير عند طلوع 
الفجر؛ لقد تقافزت عاليا وسافلاً هنا وهناك في الأمكنة التي جرفتء ولكن العصافير 
لم تعثر على الكثير من الطعام وقد تجمدت من البرد تماما. 00 

" ويص" قال أحدهم للآخر. " ذلك يطلق عليه العام الجديد. ولكنه أسوأ من العام 
الماضي, كان بإمكاننا بدل ذلك الإحتفاظ بالقديم. لست سعيدا ولدي أسبابي " 

" اجل, ركض الناس هنا وهناك و أطلقوا الألعاب النارية لمجيء العام الجديد". 


3235 


قال عصفور متجمد, " كسروا الجرار على عتبات الأبواب وقد جِنّوا من الفرح فقد مر 
الان العام القديم! وقد كنت أنا ايضا سعيدا لأني توقعت اننا سنحصل على ايام دافئة 
حينئذ. ولكن لم يحدث شيئا من ذلك فالجو متجمدٌ أكثر بكثير من قبل لقد أخطأ 
الناس في حساباتهم للوقت" 

" لديهم ذلك" قال ثالث. الذي كان عجوزا وقمةٌ رأسه بيضاء؛ " لديهم ما يطلقون 
عليه تقويماء بإمكائنا أن نقول إنه اكتشائُهم وعليه فكل شيء يجب أن يسير وفق 
تقويمهم, العام هو دورة الطبيعة وحساباتي أنا تسير وفقّها " 

" ولكن متى يأتي الربيع؟" 

" يأتي عندما يأتي اللقلق, ولكن الأمرٌ ليس ثابتا دوما معه, هنا في هذه المدينة 
لا أحد يعلم شيئا حول ذلك. من هم في الريف يفهمون أفضل بتلك الأمور. هل نطير 
إلى هناك وننتظر؟ نحن أقرب إلى الربيع هناك" " ذلك سيكون مناسبا جدا" قالت 
واحدة من بينهم والتي راحت تتصوصو طويلا من دون أن تقول شيئاً " لدي هنا في 
المدينة وسائل راحة أخشى أن أفتقدها في الريف. بالقرب فناء في الركن تسكن فيه 
عائلة من البشر. وقد عملوا شيئا حكيما بتثبيتهم لثلاثة أو أربعة أصص زرع في 
الحخائط من فوهتها الكبيرة وصار القعر إلى الخارج والذي فيه فتحة كبيرة حتى إنني 
أطير خارجة داخلة. هناك عشي أنا وزوجي. ومن هناك طار كل صغارنا إلى الخارج. 
عائلة البشر هذه قد عملت كل ذلك بالطبع لكي تستمتع بمنظرنا وإلا لما كانوا قد فعلوا 
ذلك. هم يلقون فتات الخبز لناء وذلك أيضا في سبيل متعتهم ونحصل نحن بالمرة على 
الطعام. وكأنهم تكفلوا برعايتنا تقريبا؛ - لذا فأنا أعتقد بأننا أنا وزوجي سنيقى هنا 
بالرغم من أننا لسنا سعيدين. ولكننا سنبقى" 

" نحن سنطير إلى الريف هناك لنرى إن كان الربيع سيأتي" وطاروا بعدها. 

كان شتاءً قارسا في الريف والجمد أشد لبضع درجات عما هو في المدينة. حيث 
الريح القاسية تهب على المزارع التي كُسيت بطبقة من الجليد. جلس الفلاح, الذي 
ارتدى قفازات صوفية في عربته وهو يضرب ذراعيه ليبدد البرد عنها. كان السوط في 
حضنه والخيول الهزيلة تتراكض حتى تصاعد البخار منهاء الثلج صر والعصافير 
تقافزت على خطوط سير العربة متجمدة من البرد؛ " ويص, متى سيأتي الربيع؟ لقد 
طال ذلك كثيرا" 


236 


" طال ذلك كثيرا " تردد الصوت فوق الحقول من أعلى تلة مكسوة بالجليد؛ يمكن 
أن يكون ذلك هو الصدى الذي سّمع ولكن يمكننا أيضا الحديث عن الرجل العجوز 
الغريب الذي يجلس أعلى الركام الثلجي تحت هبوب الريح والعواصف؛ كان أبيض تاما 
مثل فلاح ارتدى معطف اللبّاد. شعره أبيض طويل ولحيته بيضاء بوجه شاحب جدا 
وعينين صافيتين. 

" من ذاك العجوز هناك؟" سألت العصافير. 

' أنا أعرف من يكون" قال غداف عجوز يجلس على عمود السياج وقد كان 
مترفعا ما يكفي لأن يعترف بأننا كلنا عصافير صغيرة أمام ربنا ولذلك فقد تنازل 
وأعطى تفسيره للعصافير " أعلم من يكون هذا العجوز. إنه الشتاء؛ الرجل العجوز من 
العام الماضيء لم يمت كما تذكر التقاويم, بل إنه في الحقيقة الوصي على الأمير 
الصغيرء الربيع الذي يأتي. أجل الشتاء هو الذي يدير الحكم. ما هذاء إن عظامكم 
تطقطق من البرد أيها الصغار" 

صحيح. ألم أقل أنا ذلك" قال أصغرهم, " هذا التقويم ما هو إلا اختراع من 

قبل البشرء إنه لا يناسب الطبيعة. عليهم أن يعفونا منه. نحن خلقٌ أرفع شأنا" 

ومر اسبوع, مر أسبوعان والغابة صارت سوداء والبحيرة المتجمدة وسط الغابة 
بدت ثقيلة مثل طبقة من الرصاص الراكد؛ الغيوم؛ أجل الغيوم لم تكن غيوماء كانت 
رطبة, والضباب الذي عَلّقَ فوق المدينة كان قارس البرد؛ وطارت الغربان السود الكبيرة 
في أسراب من دون نعيق وكأن كل شيء قد نام. انزلق شعاع شمس فوق البحيرة وقد 
شع مثل صفيح مصهور. لم تلمع طبقة الجليد فوق الحقل وأعلى التلة كما لمعت الآن, 
ولكن ذاك القوام الأبيضء الشتاء بعينه. كان لا يزال جالسا ونظره مصوب نحو 
الجنوب؛ لم يلحظ أن السجادة الجليدية وكأنها انخسفت في الأرضء وباللحظة بانت 
بقعة عشب أخضر وازدحم المكان بالعصافير. 

' ديص ويص. هل سيأتي الربيع إذأ؟* 

" الربيع" تردد ذلك فوق الحقل والمرج وعبر الغابة البنية المسودة. حيث لمعت 
الطحالب خضراء نضرة على جذوع الأشجار. عاد أول لقلقين طائرين عبر الهواء من 
الجنوب؛ يجلس على ظهر كل منهما طفل صغير جميلء ولد وبنت وقد قبلا الأرض 


337 


تحية وحبّاً وحيث وضعا أقدامهما برزت زهور بيض من تحت الثلج. ومشيا يدا بيد إلى 
الرجل الثلجي العجوز - الشتاء. التصقا بصدره محيين وفي اللحظة نفسها اختفى 
الثلائة كلهم وكل الطبيعة اختفت؛ أخفى الضباب الرطب الكثيف الثقيل كل شيء. 
بعدها بقليل تحرك الجو. انطلقت الريح بسرعة كبيرة وأزاحت الضباب بعيداء شعت 
الشمس حارة جدا؛ اختفى الشتاء وجلس طفلا الربيع الجميلان على عرش العام. 

" هذا ما أسميه العام الجديد" قالت العصافير. 

" سنحصل ثانية على حقوقنا من دون شك وعلى تعويض لهذا الشتاء القاسي" 

وحيثما اتجه الطفلان أطلقت الشجيرات والأشجار براعم خضراً وصار العشب أعلى 
والحقل الذي بذر ازداه اخضرارا وانتعاشا. ألقت البنت الزهور من حولها. كان لديها ما 
يزيد من الزهور في تنورتهاء التي تكائرت بين يديها وكأن تنورتها تبقى ملأى مهما رمت 
منهاء وفي عجلة نفضت تنورتها عاليا فرشت مثل الثلج الزهور كلها على أشجار التفاح 
وا خوخ فصارت الأشجار بأحلى زيئة وهي لم تحصل على أوراق خضر بعد. 

صفقت بيديها وصفق الولدء وحينها جاءت طيور أخرى أيضاء لم يعرف أحد من 
اين. كل الطيور كانت تسقسق وتغني: 1 عاد الربيع" 

كانت رؤية ذلك ممتعة. طلع عدد من الجدات العجائز من أبوابهن. قطت تحت اشعة 
الشمس ونظرن إلى الأزهار الصفر التي تزينت في طول المرج وعرضه. تماما كما كانت 
في أيام شبابها؛ العالم عاد له شبابه ثانية, " قد حلت علينا البركة اليوم " قالت 
الجدات. 

الغابة لاتزال بلون أخضر بني, برعما برعماء والأسبرلة العطرية برزت بنضارة 
وعطر نفاذ؛ التم البنفسج إلى بعضه بعضاً كوسادة وكان هناك زهر شقائق النعمان 
وورد الربيع أيضا. أجل, كان هناك نسعٌ وطاقة في كل قشة عشب, كانت حقا سجادةٌ 
بهيةًٌ للجلوس وجلس زوجا الربيع الشابان ممسكين يدي بعضهماء يغنيانء. يبتسمان 
وينموان أكثر وأكثر. 

سقط مطر خفيف عليهما من السماء. لم يشعرا به. امتزجت قطرة المطر بدمعة 
الفرح وصارت قطرة واحدة. قبل العريس والعروسة بعضهما بعضاً وفي اللحظة اندفعت 
الحياة في نباتات الغابة. وعندما صعدت الشمس عاليا كانت كل الغابات خضراء. 


338 


سار العروسان يدا بيد تحت سقف أشجار الغابة المعلآق حيث الأخضر يعم عدا ضوءٍ 
من الشمس وظلال أعطت لونا مختلفا للخضرة داخل الغابة. كان هناك نقاءً عذري 
وعطر منعش في الأوراق الرقيقة. خر ماء النهر والجدول صافيا حيّاً بين مخمل البردي 
الأخضر وفوق الصخور الملونة. 

" كل شيء أخضر حي في الطبيعة ولا مكانَ فارع من الحياة فيها. هكذا هي دائما 
وستبقى" قالت الطبيعة بأكملها. غنى الوقواق وخفقت القبرة بجناحيهاء كان ذلك هو 
الربيع الجميل؛ بالرغم من أن أزهار أشجار الصفصاف كانت ترتدي قفازات صوفية 
لحذرهاء لكن هيأتها كانت تبعث على الملل. 

وراحت أيام ومرت أسابيع والجو الحار كأنه قد هجم فجأةً. هيت موجات هواء حارة 
عبر حقل الحبوب التي ازدادت صفرة أكثر فأكثر. نشّرت زنابق الماء الشمالية البيض 
في بحيرات الغابة أوراقها الخضر على مرآة سطح الماء ولجأت الأسماك لتحتمي في 
ظلها وفي الجهة المحمية من الريح في الغابة وحيث أحرقت الشمس جدار بيت الفلاح 
وزادت من حماوة الورود الجورية المتفتحة للتو وأشجار التوت المعلقة الملأى بحباتها 
العصيرية السود الحارة بفعل الشمسء جلست إمرأة الصيف الحسناء. وهي التي رأيناها 
طفلةٌ وعروساً. نظرت إلى الغيوم الغامقة المرتفعة التي كانت لها أشكال الموجات. مثل 
الجبال. زرقاء سوداء ثقيلة, كانت ترتفع أعلى واعلى. جاءت من ثلاث جهات: تشبه 
بهيئتها المعلقة بحراً متحجرا مقلوباء ثم انخفضت تجاه الغابة حيث كل شيء وكأنه 
بفعل السحر لزم الصمت؛ كل نسمة استراحت. كل طير صمت,ء كان هناك حذرٌ في 
الطبيعة. شيء ما مرتقب سيحدث, أسرع الجميع على الطرقات والممرات بالإنطلاق» 
راكبو العربات أو متطو الخيل والراجلون كي يجدوا لهم سقفا يحتمون تحته. عندها 
أضاءت السماء بلحظة واحدة وكأن الشمس انفجرت, وامضةً غاشية. كل شيء اشتعل, 
ثم عادت الظلمة ثانية بدوي متموج؛ هطل المطر بشلالات إلى الأسفل. مرةً ظلاما 
وضوءاً ثانيةً. صمتاً مرة ورعدا أخرى. القصب اليافع للبردي ذي الريش البني في 
المستنقع كان يتحرك بموجات طويلة. اختفت أغصان الغابة خلف ضباب الماء, حلت 
ظلمة. حل الضوء. الصمت والرعد. استلقى العشب والذرة وكأما قد ضربا وجرفاء ولن 
ينهضا أبدا. فجأة تحول المطر إلى بضع قطرات. أشرقت الشمس وومضت قطرات الماء 
من على القش والأوراق مثل لآلئ, غنت الطيورء تقافزت الأسماك من ماء النهرء 


3239 


ورقص البق. وعلى صخرة في ماء البحر المالح الزبدي جلس الصيف بعيئه؛ الرجل خشن 
الجئة بأعضائه المتينة وشعره المبلول. جلس تحت أشعة الشمس الحارة وقد تجدد لأخذه 
حماما منعشا. كل الطبيعة قد تجددت فيما حولها. كان كل شيء وافر النماء والقوة 
والجمال؛ كان ذلك هو الصيف. الصيف الحار الجميل. 

كم كان ذلك الهواء الذي هب من حقول البرسيم الغزيرة منعشا حلواء طن النحل 
حول مبنى القضاء العتيق, والتفّت تعريشة التوت الأسود حول حجر المذبح القديم 
المغسول بالمطر اللامع تحت ضوء الشمس. طارت ملكة النحل مع سربها إلى هناك 
ووضعوا الشمع والعسل. 

لم يكن أحدٌ ليرى كل هذا لولا الصيف وزوجته القوية التي نُصبت لهما مائدة 
مجهزة مقدمة كقربان مهدى من الطبيعة. 

شعت سماء المساء مثل الذهب, لا تضاهيها قبة كنيسة على الأرض في ثرائها. 
وسطع القمر بين احمرار المساء والصباح. ذلك كان فصل الصيف. 

ومرت أسابيع, مرت أيام. لمعت مناجل أهل الحصاد الصقيلة في حقول الذرة, 
انحنت أغصان أشجار التفاح بثمارها ال حمر والصفر؛ فاح نبات حشيشة الدينار برائحته 
الزكية برؤوسها الكبيرة. وتحت شجيرات البندق التي تعلقت حباتها في عناقيد ثقيلة, 
استراح الزوج وزوجته, الصيف مع زوجته الوقور. 

" أي غنى هذا" قالت الزوجة, " البّركة تحوطنا. والألفة والخير ولكن مع هذاء لا 
أدري حقيقةً. هل أفتقد الراحة الهدوء؟ ماذا لا أدري! هاهم يحرثون كل شيء الآن 
في الحقول, الناس تريد المزيد والمزيد دوما! انظر اللقالق جاءت في أسراب وراحت قشي 
خلف المحراث بمساقة؛ اللقلق طيرٌ مصرّ الذي يحملنا عبر الهواء. هل تذكر عندما جئنا 
أنت وأنا إلى هنا صغارا في بلدان الشمال؟ جلبنا الزهور. الشمس الجميلة والغابة 
الخضراء. كل هؤلاء قد عصفت بهم الريح فغمق لونهم وأعتم مثل أشجار الجنوب 
ولكنها لا تحمل مثل أشجار الجنوب فاكهة ذهبية" 

" هل تودين رؤية هؤلاء؟" قال الصيف. " لتسعدي بذلك إذأ" ورفع ذراعه فتلونت 
الغابة بالأحمر والذهبي وطغى بهاء الألوان على الغابة كلها ولمعت حبات الورد النارية 
على متسلق الجوري وتعلقت اغصان البيلسان التي حملت العنبات البنية السود 
الثقيلة. سقطت الكستناء البرية الناضجة من قشرتها الخضراء المسودة؛ وأزهر البنفسج 


340 


داخل الغابة مرة ثانية. ولكن ملكة العام ازدات هدوءاً وشحوباً أكثر وأكثر. قالت 
"الهواء يهب بارداء وضباب الليل رطباًء أحن إلى مرتع الطفولة " 

رأت اللقالق تطير مغادرةً. واحدا بعد الآخر فرفعت يديها إليهم. نظرت إلى 
الأعشاش التي صارت خالية وقد فت في إحداها زهرة القنطريون الزرقاء وفي الثاني 
زهرة الفجل البري الصفراء وكأن العش لم تكن له غير وظيفة رعايتها وحراستها. 
وصعدت العصافير إلى هناك. 

" ويصء أين ذهب سادة العائلة, انهم لا يحتملون بالتأكيد أن تهب الريح عاصفة 
عليهم ولذلك فقد غادروا البلاد. رحلة سعيدة " 

ازداد اصفرار اللون في اوراق الغابة ونفضتها أشجارها شيئا فشيئاً. وصفّرت عواصف 
الخريف. ذلك كان في أواخر موسم الحصاد. جلست ملكة العام على كومات الورق الأصفر 
المتساقط تنظر بعينين حنونتين تجاه النجمة الوامضة ومعها كان زوجها. برمت عصفة ريح 
في الأوراق المتساقطة في دوامة سقطت بعدها ثانية» وحينها اختفت ملكة العام وطارت 
فراشة صغيرة, كانت هي آخر فراشة لهذا العام تطير عبر الهواء البارد. 

وجاء الضباب البارد والعصف المتجمد والليالي المعتمة الطويلة. كان ملك العام 
بشعر أبيض كالثلج ولكنه لم يعرف بذلك فقد اعتقد بأنه ندف الثلج المتساقط من 
الغيمة؛ وغطت طبقة رقيقة من الصقيع الحقل الأخضر. 

ودقت أجراس الكنيسة لأيام عيد الميلاد. 

" أجراس الميلاد تدق" قال ملك العام. " قريبا سيولد السيد والسيدة الجديدان, 
فأحصل على الراحة مثل زوجتي, الراحة في النجمة الوامضة" 

في وسط غابة الصنوبر النضرة حيث الثلج يتساقط اختار ملاك الميلاد مباركا 
أشجار الصنوبر اليافعة التي ستذهب إلى حفل الميلاد. 

" إن شاء الله تعم الفرحة البيت وما تحت أغصان شجرة الميلاد" قال الملك العجوزء 
الأسابيع قد كبّرته إلى شيخ أشيب مثل بياض الثلج؛ قرب وقت راحتي, الزوجان 
الشابان لهذا العام سرعان ما سيحصلان على التاج والصو لجان " 

" والسلطة رغم ذلك بيدك" قالت ملاك الميلاد, " السلطة وليس الراحة؛ دع الثلج 
يدفئ البذور, تعلّم أن تتقبل ذلك؛ أن يتم الإحتفاء بآخر بينما تبقى أنت السيد, تعلّم 
أن تكون منسياً وتبقى حياًء ساعة حريتك آتية عندما يأتي الربيع" 


341 


" متى يأتي الربيع؟" سأل الشتاء. 

وجلس الشتاء بخصلات شعر بيض ولحية ببياض الثلج جامدا عجوزا ولكن قويا 
مثل العاصفة وقوة الجليد, جلس أعلى تلة كومات الثلج ينظر تجاه الجنوب كما جلس 
الشتاء الماضي ونظر. طقطق الجليد. وصر الثلج وانطلق المتزجون يدورون على البحيرات 
الصقيلة؛ ومنظر الغدفان والغربان على الأرض البيضاء بدا منسجما جدا. لم تتحرك ريح. 
عقد الشتاء يديه في هذا الهواء الساكن فصار الجليد سميكا عاليا ما بين البلدان. 

وجاءت العصافير من المدينة ثانية وسألت: " من ذاك الرجل العجوز هناك؟" 
وكان الغداف جالسا مرة ثانية أو لعله ابن الغداف الذي يشبهه تماما قد قال لهم:" إنه 
الشتاء, الرجل العجوز من العام الماضي, إنه لم يمت كما يقول التقويم ولكنه الوصي 


على الربيع الآتي" ' ' 
" متى يأتي الربيع؟" سألت العصافير" كي نحصل على وقت أطول وحكم أفضل, 
القديم لم يكن صال حا " 


وهر الشكاء راسة يتما كان يقكر بهدو بهييا الغابة السرداء الغارية حيك 
أظهرت كل شجرة شكل وانحناءات أغصانئها الجميلة, ونزل تحت إغفاءة الشتاء ضباب 
الغيوم المتجمد- حلم السيد بشبابه ووقت رجولته. وعند الفجر بدت الغابة جميلة 
بطبقة الصقيع المغطاة بهاء كان ذلك الحلم الصيفي للشتاء؛ لكن سرعان ما أزاح شعاع 
الشمس الصقيع عن الأغصان. 

" متى يأتي الربيع؟" سألت العصافير. 

" الربيع" تردد مثل صدى من التلال المغطاة بالثلج وسطعت الشمس حارة أكثر 
وأكثر ذاب الثلج؛ غَرّدت الطيور: " عاد الربيع" 

عاليا عبر الهواء وصل اللقلق الأول وتبعه الثاني؛ وجلس طفل جميل على ظهر 
كل منهما وانحدرا إلى الحقل المنبسط وقبّلا الأرض وقبّلا الرجل العجوز الساكن من 
دون حراك واختفى مثل موسى على الجبل يحمله ضباب الغيمة. 

كان العام قد انتهى 

" ذلك صحيح جدا" قالت العصافيرء " وذلك أيضا جميل جداء ولكنه لم يكن وفق 
تقويم البشر وحسب رأيهم فذلك لا يصع" 


كتبت في عام 1١8067‏ 


342 


عند الحصن 


كان ذلك في فصل الخريف. عندما كنا نقف في مكان على متاريس الحصن ننظر 
عبر البحر إلى السفن العديدة والساحل السويدي الذي يرتفع عالياً في أول المساء من 
يوم مشرق؛ ينحدر الحصن من خلفنا بشكل فجائي. وفي الأسفل كانت هناك أشجار 
ضخمة, بدأت أوراقها الصفر تتساقط من على أغصانها. وفي الأسفل كانت هناك 
بيوت كثيبةٌ بنيت وسط السور الخشبي العالي ذي النهايات المدببة. المكان داخل السور 
وحيث يسير الحارس كان ضيقاً و مظلماً. أما الفتحة خلف القضبان المتصالبة فكانت 
أشدٌ ظلمة؛ هناك حيثُ يجلس السجناء المحكومون بالأشغال الشاقة. وهم أخطر 
المجرمين. شعاع من الشمس التي أوشكت على الغروب يسقط على الغرفة العارية» إذْ 
إن الشمس تشرق على الخير والشرير. أخذ السجين الغامق السحنة ينظر إلى الشعاع 
البارد بازدراء. حطً طيرٌ صغير عند القضبان المتصالبة. الطير أيضاً يغني للأشرار 
والخيرين, فغنّى أغنية قصيرة وبقي جالساً يخفق بجناحيه, قلع ريشةً ونفش الريش 
الباقي حول رقبته. بقي الرجل المقيد الشرير يتابع المشهد. أخذت معاني وجهه القبيح 
تتغير وترق. انبعئت في صدره فكرةٌ لم يفهمهاء فيها شيء من شعاع الشمس عبر 
القضبان. ومن عطر البنفسج الذي يملأ الحدائق في الربيع. وتناهت إلى سمعه موسيقى 
الصيادين الطرية المؤئّرة. 

يطير الطير من على القضبان وتغيب أشعة الشمسء والحجرة مظلمة مثل قلب 
الرجل الشرير. الذي أشرقت الشمس داخله والطير شدا. 

استمري يا نغمات بوق الصيادينء المساء رقيق والبحر ساكن وصقيل مثل مرأة. 


كتبت في عام ١8807‏ 


3243 


إنها الحقيقة صدقوني! 


" إنها قصةٌ فظيعة" قالت دجاجة, وكان هذا قد حصل في طرف من المدينة؛ لم 
تكن القصهٌ قد مرت به. " انها لقصةٌ فظيعةٌ تلك التي حدثت في القن ! لا أجرؤ على 
النوم وحدي هذه الليلة ! لحسن الحظ أننا كثرٌ وسوية على المجَتَم! وانطلقت في حديثها 
حتى وقف ريش الدجاجات الأخريات دهشة, أما الديك فتدلى عرفه. إنها الحقيقة, 
صدقوني. 

ولكئنا نود أن نبدأ من البداية والتي حدثت في قُنْ دجاج كان يقع في الطرف 
الآخر من المدينة. غابت الشمس وقفزت الدجاجات إلى أمّكتتها؛ إحداها وكانت بيضاء 
الريش. قصيرة الساقين, تضعٌ بيضّها بانتظام: وكانت هذه الدجاجة محترمةٌ من كل 
النواحي؛ وبعد أن استقرت في مكانها. أخذت تنكش ريشّها بمنقارهاء وإذ بريشةٍ 

" ها هيء انتهينا ! أرى أني كلما نكشت ريشي صرت أجمل ! " قالت الدجاجة 
وكان ذلك قد قيل عَرضا للمزاح لأنها كانت الوحيدةً الخفيفةً الظل بين الدجاجات. 
وبالمناسبة, وكما قلناء محترمةٌ جدا؛ وخلدت بعدها للنوم. 

حَلَّ الظلام ونامت دجاجةٌ بصف دجاجة, وأما التي كانت بصفها فلم تنّم؛ وكأنها 
لم تسمع؛ مثلما يتوجب على كل امرئ منا في هذا العالم كي يتجنب المشاكل؛ وأما 
جارتها الأخرى فاستوجب الأمر بالتأكيد أنْ تنقل لها الخبر: أو سمعت ما قيل للتوّ 
هنا؟ لا أو أن أقول من هي, لكن هناك دجاجةٌ تود أن تنتف ريشّها لكى عدو أجمل: 
لو كنت ديكا لاحتقرتها!" 

فوق القن جلست البومة مع البوم وأطفالهما وآذائهم ميرهفة السشبع في يفل 


ليا 


العائلة, سمفوا كل كلمة كما قالته الدجاجة الجارةٌ ودورت ؛ حدقات أعينها. انتئخضت 


345 


البوعة | وعركد جناحيها وقالت: " لا تتنصتواء ولكنكم اناك سم 9 قبل 
لقد سمعت ذلك ك بأذني هاتين. ستسمعون العجب» فإحدى الدجاجات نسيت إلى ع 
أن تتصرف كما يُلِيقَ بدجاجة, بحيث أنها أخذت تنتف كل ريشها تاركة للديك أنْ 
يرى ذلك"! 

فقال الأبء " لا يجب أن يُقال ذلك على مَسُمّع من الأطفال ". فأجابت البومة 
الأم: يجب علي على أية حال أن أخبر جارتنا المقابلة عن ذلك! إنها من الجارات 
الجديرات بالإحترام في مخريطنا . :رطارت اماما 

"' هوهو! أوهو!؛" نعقا بالحال للحمام في البرج الملاصق. " هل سمعتم! هل 
سمعتم! أوه! هناك دجاجةٌ نزعت كل ريشها من أجل ديكء أظنْها ميتةٌ من البرد, هذا 
إن لم قت بالفعل لحد الآنء أوه!" ' 

" أين؟ أين؟ " هَدَلَ الحمام! 

في الحوش المقابل! رأيت ذلك بنفسي بشكل أو بآخر! انها قصهٌ ليس من اللائق 

بي تقريبا قصّهاء ولكنها ا حقيقة صدقوني!" 

فقال الحمام " لا داعي للقّسَمْ يا عزيزتي, نصدق كل كلمة! وهَدَلَ مخبرا الباقين: 
"هناك دجاجةٌء وهناك البعض من يقول إنهما إثنتان نرّعسًا ريشّهما كله لكي يميزا 
نفسيهما عن الأخريات؛ وبهذا يثرن اهتمام الديك. إنها لعبة لا تخلو من المغامرة, 
ممكن أن يتعرض بسببها المرء للرشح ويموت من الحمى, وقد ماتت الإثنتان. 

" اصحواء اصحوا!" صاح الديك وقد طار فوق السياج الخشبي, والنوم مازال في 
عينيه, ولكنه صاح بالرغم من ذلك: " لقد ماتت 7 1د ناماس م ع بال 6 020 
نزعن عنهن كل ريشهن! انها قصة مفجعة,. لن أكتّمّها عن أحد. دعوها تئة ع 

"دعوها تتناقل! صّوَصّت الخفافيش. والدجاجات قَرقَت والديك صاح:" دعوها 
تتناقل! دعوها تتناقل!" وانطلقت القصة من بيت لبيت وأخيرا عادت مجددا إلى 
المكان الذي خرجت منه أولا. 1 

" هناك خمس دجاجات." قيل. " واللاتي نزعن كل ريشهن لكي رين الديك من 
منهن صارت الأنحف من لوعة الحبيبء و تناقرت فيما بينها حتى سال الدم وسقطن 
ميتات. إنه عار وفضيحة لعوائلهن وخسارة كبيرة للمالك. 


346 


الدجاجةٌ التي فقدت الريشةً الصغيرةً السائبة لم تتعرف بالطبع على قصتها مرة 
أخرى, ولما كانت هي دجاجة محترمة قالت:" إني أحتقرٌ تلك الدجاجات. وهناك 
العديد من هذا النوع لا يجب السكوت على أمر كهذاء وسأبذلٌ قصارى جهدي كي 
تتناولٌ هذه القصةً الصحف, لتصل البلدَ كلّه؛ تلك الدجاجات تستحق ذلك وعائلاثها 
أيضا!" 

ونُشرت القصةٌ في الصحف, إنها الحقيقة ولا شك: ريشةٌ صغيرة يمكن أنْ تصيّر 
بالفعل خمس دجاجات! 


كتبت في عام؟ ١486‏ 


23117 


ذوال مزاج الرائق 


قد ورئت عن أبي أفضل خصلة فيه. ورثت عنه المزاج الرائق. من كان أبي؟ هذا 
بالطبع لا علاقة له بالمزاج. كان حيويا وخشن البنية. سمينا ومدوراً. خارجه وداخله 
يتعارض ماما مع وظيفته. ماذا كانت وظيفته, مكانته في المجتمع؟ إن كُتب ذلك 
وطبع في أول الكتاب سيكون من العدل أن يقرر العديد وضع الكتاب على جنب, 
ويقال إن الكتاب مفزع ولا نريد كتبا من هذا النوع. على الرغم من أن أبي لم يكن لا 
مساعد جلاد ولا قاطع رؤوس, بل على العكس, وظيفته غالبا ما جعلته في مقدمة 
أكثر رجال المدينة احتراماً. وقد كان له الحق في ذلك. كان في مكانه تماما؛ كان عليه 
أن يكون في المقدمة, يتقدم الأسقف. يتقدم الأمراء أصلا ونسباً- وقد كان في المقدمة- 
كان حوذي عربة ا موتى. 

ها هي قد قيلت الآنء وبإمكاني القول إن أبي عندما يجلس عاليا في مقدمة عربة 
الموت للعامة. مرتديا القفطان الأسود الطويل الجانبين وبقبعته السوداء المثلئة المشرشبة 
ونرى من ثم وجهه المرسوم مثل الشمس, مدوراً وضاحكاً لا يمكننا أن نفكر با حزن 
والقبر؛ هذا الوجه يقول: " لا يهم. ستفرج". 

انظر. منه ورئت مزاجي الرائق والعادة تلك ألا وهي الذهاب باستمرار إلى المقبرة. 
وهي عادة بمقعة. عندما يذهب المرء إلى هناك وهو بمزاج رائق. - أحمل جريدة 
الإعلانات كما كان أبي يفعل. 

لست شاباء ليس لدي لا زوجة؛ لا أطفال ولا مكتبة,. كما قلت. لدي اشتراك في 
جريدة الإعلانات؛ وهذا يكفيني, بالنسبة إلي فهي أفضل المجلات. وقد كانت كذلك 
بالنسبة لأبي؛ فيها فائدة كبيرة وفيها كل ما يحتاج المرء إلى معرفته؛ من يعظ في 
الكنائس. من الذي يعظ بشأن الكتب الجديدة, أين يمكن للمرء أن يجد السكن, الخدم, 


349 


الملابس والطعام, من الذي يبيع بالتنزيلات: ومن الذي أغلق محله. ويرى المرء أيضا 
الكثير من الأعمال الخيرية ونصوص التعازي التي لا تضر ولا تنفع الزواج المطلوب, 
مواعيد الغرام التي نعقدها ولا نذهب إليها. كل ما هو بسيط وطبيعي. بالحقيقة 
بإمكان المرء العيش بسعادة وأن يُدفّن كريما باشتراكه بالجريدة - سيكون له في نهاية 
المطاف الكثير من الورق الجميل ما يمُكنه من الإستلقاء بنعومة عليه إن لم يحب 
الإستلقاء على النشارة. 

جريدة الإعلانات والمقبرة كانتا ومازالتا هما نزهة المشي الموقظة للروح, إذ انهما 
حماما سوق مباركان لمزاجي الرائق. 

الكل يمكنه كما تعرف تصفح الجريدة, ولكن الدخول إلى مقبرة! لا. دعنا نذهب 
هناك عندما تشرق الشمس وحيث الأشجار خضراء؛ دعنا نسر بين القبور. فكل واحد 
منها مثل كتاب مغلق ظهره إلى الأعلى؛ يمكن للمرء أن يقرأ العنوان الذي يخبر عن 
محتوى الكتاب ولا يخبر شيئًا في الوقت ذاته؛ ولكني أعلمء أعلم ذلك من خلال 
والدي ومن خلالي. لدي ذلك في كتابي " كتاب القبر". وهو كتاب هيأته بنفسي, 
للفائدة والمتعة؛ يرقدون فيه جميعاء وسيأتي المزيد. 

نحن الآن في المقبرة 

هناء خلف سياج العيدان المطلية بالأبيض حيث كانت شجيرة ورد جوري ذات يوم 
لم تعد موجودة الآنء - وحيث الأصابع المستديمة الخضرة التي تّتد إلى داخله من قبر 
الجار لتزيئه قليلاء يرقد رجل تعيس, ومع هذا عاش عندما كان على قيد الحياة عيشة 
حسنة, كما يقالء لديه ما يعتاش منه وأكثر قليلاء ولكنه كان متحسساً جدا من 
العالم, أي من الفن. فإن جلس ليلة في المسرح ليستمتع بكل روحه؛ يخرج عن طوره, 
بمجرد أن صاحب الماكنة قد سلّط ضوءاً شديدا على كل خد من القمر. أو إن الحمالات 
الخاصة بالديكور معلقة أمام الكواليس, بدل أن تكون معلقةٌ خلفهاء أو جاءت نخلة في 
جزيرة أمارء أو مطاط في تيرول أو شجرة الزان عاليا في النرويج: أ ليس الأمر سيان؟ 
من يفكر بمثل هذه الاشياء! انها مجرد كوميديا وهي وسيلة ترفيه. - وصفق الجمهور 
أكثر مما يجبء, ثم صفقوا أقل مما يجب. " حطب رطب " يقول, " لا هذا لا يشعل 
الليلة ". ويستدير من ثم إلى الناس فيرى أنهم يضحكون بجنون. يضحكون عندما لا 


230 


يجب أن يضحك المرء وقد أحزنه ذلك وعانى منه وصار بسبب ذلك رجلا حزينا وها هو 
الآن في القبر. 

هنا يرقد رجل سعيد جداً» لنقل إنه رجل محترم من أصل راق وقد كان ذلك مصدر 
سعادته إذ عدا ذلك فلم يفلح في عمل شيء. ولكن وراء كل شيء في الطبيعة 
حكمة, لدرجة ان مجرد التفكير بذلك هو متعة. كان أنيقا جدا من أسفل إلى أعلى. 
يوضع في غرفة الضيوف الكبيرة كما توضع قماشة الجرس الثمينة المشغولة باللآلئ, 
التي يتدلى من خلفها حبل متين هو الذي يقوم بالخدمة؛ وقد كان للحبل حبل متين خلفه 
أيضاء بمثابة بديل يقوم بالخدمة له. ومازال يخدم حتى يومنا هذا خلف قماشة جرس 
مطرزة جديدة. وراء كل شيء في الطبيعة حكمة وهو ما يمد المرء بمزاج رائق . 

وهنا يرقدء أجل هذه حكاية حزينة جداء هنا يرقد رجل ولمدة سبعة وستين عام 
كان يفكر ليبدع فكرة عظيمة؛ عاش حياته فقط من أجل أن يأتي بفكرة جيدة, وقد 
حصل بالفعل على واحدة؛ وفق قناعته. وقد بلغ من السعادة حداً ما أدى إلى موته من 
جراء ذلك. مات فرحا لأنه حصل عليها ولم يتمكن أحدٌ أن يستفيد منهاء لم يسمع 
أحد بالفكرة الجيدة. أعتقد أن لا هناء له وهو في قبره الآن بسبب الفكرة العظيمة, 
لنفترض بأنها كانت فكرة تقال عند الظهر ليكون لها مفعولها. وهو كرجل ميت, 
بالمعنى العاديء لا يستطيع أن يظهر إلا عند منتصف الليل, لذا فسيكون التوقيت 
غير ملائم للفكرة, لا أحد سيضحك. وسيعود ثانية إلى قبره مع فكرته الجيدة. إنه لقبر 
حزين. 

هنا ترقد سيدة بخيلة جدا؛ عندما كانت على قيد الحياة. كانت تنهض في الليل 
وهوء. كي يظن الجيران بأن لديها قطة؛ إلى هذه الدرجة كانت بخيلة. 

هنا ترقد آنسةٌ من عائلة كريمة؛ كانت تحرص على أن يكون صوتها مسموعا في 
كل حفلة؛ وقد شاركت ضمن عرض فني بأغنية إيطالية وقد كان ذلك هو الشيء 
الوحيد الحقيقي في حياتها. 

هنا ترقد شابة من نوع آخر. إن دخل الحب من الباب طار العقل من الشباك. 
انستنا الجميلة كانت على وشك الحصول على لقب زوجة - ولكنها حكاية كل يوم - 
إنشاؤها على أية حال جميل. دع الموتى يرقدون بسلام. 


3531 


هنا ترقد إمرأة ثكلى. كان خارجها لا يشبه داخلها. راحت تدور لتقتنص أخطاء 
الغير. مثل مجلة " صديق الشرطة". تدور وتنبش لتعثر على عيوب هي غير موجودة 
أصلا. 
هنا مدفنة العائلة؛ كل واحد في تلك الأسرة لديه اعتقاد وهو لو أن كل العالم 
والجريدة قالت " هكذا يجب أن يكون الأمر"؛ وجاء الابن الصغير من المدرسة وقال, "أنا 
سمعت إن الأمر بهذه الصورة!" كانت الصورة التي فهم الابن بها الأمر هي الوحيدة 
الصحيحة؛ لأنه ينتمي إلى هذه العائلة. وأن تصادف أن صاح ديك العائلة منتتصف 
الليل في الفناء كان ذلك صباحا حتى وإن كانت ساعة الحارس وكل المدينة تقول إنه 


منتصف الليل. 

الكبير غوته ينهي " فاوست" ب" وهكذا يمكن أن تستمر القصة". تجوالنا هنا في 
المقبرة يمكن أن يكون كذلك؛ أنا أزور المكان ا إن أزعجني أحد من أصدقائي أو 
غير أصدقائي آتي إلى هناء أبحث عن مكان معشو. شب أفتتحه له أو لها من الذين 


أريد قبرهم وأدفنهم بال حال فيرقدون م ميتين لا حول لهم ولا قوة. حتى يعودوا ثانية مثل 
أناس جدد أفضل. حياتهم وطريقة حياتهم أكتبها من وجهة نظريء في كتابي "كتاب 
القبر" وهكذا يجب أن يتصرف كل الناس, لا أن يحزئوا عندما يؤذيهم أحدء أن يدفئوه 
با حال ويحتفظوا بمزاج رائق وجريدة الإعلانات, هذه الجريدة التي كتبت من قبل الناس 
أنفسهم في أغلبها بقلم مُلقّن. 

إن جاء الوقت الذي سيجلدني أنا وقصة حياتي في القبر أكتب الآتي: هنا يرقد 
ذو المزاج الرائق 

هذه هي قصة حياتي 


كتبيت في عام ؟نذما 


352 


جرح القلب 

القصة التي سنقصها تتكون في الحقيقة من جزأين؛ بالإمكان الإستغناء عن الجزء 
الأول منهاء ولكنه يدلي بمعلومات. هي أيضاً مفيدة. 

لقد أقمنا في الريف في عزبة. وتصادف أن السيد قد سافر لمدة يوم بعيدا عن 
العزبة. حينها وصلت إلى هناك سيدةٌ من المديئة القريبة. كانت تصحب كلبتها من نوع 
لبج معها وقد جاءت من أجل أن تم تبيع أسهما في معمل الدباغة الذي قلكه كما قالت. 
كانت أوراقها معها وقد اقترحنا عليها أن تضعها في ظرف تكتب عليه عنوان مالك 
العزية: الجنرال المشير الفارس, إلخ..." 

وقد استمعت إلى كلامناء تناولت قلماء توقفت وترجتنا كي نعيد عليها العنوان 
ولكن ببطء. فعلنا ذلك وأخذت هي تكتب؛ ولكن في منتصف "الجنرال" بقيت يدها في 
مكانهاء تنهدت وقالت: " لا أقدر على كتابة ذلك. لست سوى أرملة بسيطة". وضعت 
الكلبة على الأرض بينما كانت تكتب فأخذت الكلبة تهر؛ فقد جلبتها السيدة معها من 
أجل صحتها ولتسليتها ولذا لا يجب وضعها على الأرض. كانت كلبة فطساء مترهلة. 

" إنها لا تعض" قالت السيدة, " ليس لديها أسئان. إنها عضو من العائلة , 


مخلصة يسهل استثارة غضبها غضبهاء ولكن ذلك كان من جرا ء إستثارة أحفادي لها ؛ كانوا 
يلعبون لعبة " الزفاف” 908 عروساً وذلك ما أتعبها. المسكينة". سلّمت أوراقها 
بست كوي امي 


هذا كان هو الجزء الأول والذي كان بالإمكان الإستغناء عنه. 
تت الكلبة " هو الجزء الثاني. 
كان ذلك بعد مضي أسبوع؛ وصلنا إلى المديئة وأقمنا في فندق صغير. كانت 
نوافذنا مطلة على الفناء الذي قُسّم بسياج خشبي إلى قسمين؛ في الأول منه نُشرت 


253 


الجلود المسلوخة والمدبوغة؛ كل المواد التي تُستخدم في المدبغ كانت هناك وذلك يعود 
إلى الأرملة - ماتت الكلبة هذا الصباح ودفنت في الفناء؛ أحفاد الأرملة. أي صاحبة 
معمل الدباغة وليس الكلبة لأن الكلبة لم تتزوج يوماء قاموا بتجهيز القبر وقد كان 
قبرا جميلا الإستلقاء فيه سعادة. 

كان القير مسوراً بكسر من خزف الأصص, مرشوشا بالرمل؛ وضعوا أعلاه نصف 
زجاجة بيرة, عنقها إلى الأعلى ولم يكن ذلك رمزا لشيء إطلاقاً. 

رقص الأولاد حول القبر وقد كان أكبرهم سنا ولد شاطر عمره سبع سنوات؛ اقترح 
بأن يجعلوا من القبر معرضا يكون للجميع في الزقاق؛ وللدخول يتوجب دفع زر حمالة 
بنطلون, وكل من الأولاد كان يملك ذلك وهو ما سيملكه الولد الشاطر ليعطيه للفتيات 
الصغيرات؛ وقد تم التصويت على الإقتراح بالإجماع. 

جاء كل الأولاد الساكنين في الزقاق والزقاق الخلفي وسلّموا أزرارهم. كان العديد 
في ذلك العصر من الذين مشوا بحمالة بنطلون واحدة. وبهذا تمكن الأولاد من زيارة قبر 
الكلبة. وزيارته كانت تستحق من دون شك. 

ولكن خارج فناء معمل الدباغة وقفت هناك بنت صغيرة مهلهلة الثياب, مخلوقة 
بغاية الرقة. بأجمل شعر مجعد وعينين زرقاوين صافيتين كان النظر إليهما متعة 
كبيرةً. لم تقل ولو كلمة واحدة, ولم تبك كذلك. كانت تنظر بعيدا إلى المكان قدر 
الإمكان في كل مرة تُفتح البوابة. كانت تعرف أنها لا قلك زراً لذلك فقد بقيت خارج 
البوابة يتملكها الحزن لذلك. ظلت واقفة حتى انتهى الجميع من زيارة القبر وغادروا 
المكان. عندها جلست في مكانها على الأرضء. وضعت يديها السمراويتين الصغيرتين 
على عينيها وانفجرت بالبكاء. انها الوحيدة التي لم تتمكن من رؤية القبر. كان ذلك 
جرحا في القلب كبيراء كالذي يصيب الكبار مرارا. 

رأينا ذلك من بعيد وعندما يُرى من بعيد- هذا الجرح وجروح عديدة أخرى تصيبنا 
وتصيب الآخرين يكون بالإمكان الضحك عليها - ها هي القصة والذي لم يفهمها يمكنه 
شراء أسهم في معمل الدباغة للأرملة. 


كتبت عام ١401‏ 


3254 


الجني العابث 


كان هناك طالب بمعنى الكلمة يعيش في علّية بيت ولا يملك شيئاً. وكان هناك 
بقال بمعنى الكلمة يعيش في الطابق الأرضي من هذا البيت الذي يملكه بأكمله. وهو 
الذي اختار الجني العابث أن يسكن عنده؛ فهنا يحصل المرء على صحن هريس وفوقه 
قطعة كبيرة من الزبدة في ليلة عيد الميلاد. وبما أن البقال يقدر أن يهب. لذا بقي الجني 
العابث في دكانه وقد تعلّم لقاء ذلك الكثير. ذات مساء دخل الطالب من الباب الخلفي 
ليشتري شمعا وجبنة؛ لم يكن عنده من يرسله في طلب تلك الأشياءء لذا فقد جاء 
بنفسه وحصل على ما أراد. دفع المبلغ وحياه البقال وزوجته. تلك الزوجة التي كان 
بإمكائها فعل أكثر من مجرد التحية, فقد كانت لديها موهبة الكلام أيضاًء وقد رد 
الطالب التحية وتوقف في مكانه وهو يقرأ في الورقة التي لقت بها قطعة الجبنة. وهي 
ورقة قد تم انتزاعها من كتاب قديم لا يجب أن يمرّق هكذا إلى قطع. كان كتاباً قدياً 

قال البقال: " ما زال عندي المزيد من أوراق الكتاب. لقد أعطيت إمرأة عجوزاً 
قهوة مقابله, اعطني ثمانية فلوس وخذ بقية الكتاب". 

" شكرا لك" قال الطالب, " اعطني إياها بدلا من قطعة الجبنة. سآكل الخبز وحده. 
حرام أن يرّقَ هذا الكتاب هكذا. أنتَ رجل عظيم. رجل عملي. ولكنك لا تفقه شيئاً 
من الشعر أكثر مما يفقهه هذا البرميل". 

وكان ذلك قولا وقحاء بالأخص ما ذكره حول البرميل؛ لكن البقال ضحك وضحك 
الطالب معه. من المؤكد أن ذلك قد قيل كنوع من المزاح. 

ولكن ذلك أغاظ الجني العابث؛ لجراءة أحد على قول كلام كهذا للبقال الذي 
استضافه في منزله والذي يبيع أفضل أنواع الزيدة. 


3255 


عندما أقبل الليل وأقفل الدكان وخلد الجميع إلى النوم. عدا الطالب. دخل الجني 
وأخذ عدةٌ اللسان التي تعود للزوجة. فهي لا تستعملها عندما تنام. وكان يسمع 
العجب في كل مكان يضعها. فالأشياء كانت تلك القدرة على التحدث عن أفكارها 
ومشاعرها بالجودة التي تتحدث فيها الزوجة. ولكن تلك الأشياء كان يجب أن تحصل 
على عدة اللسان هذه الواحد منها بعد الآخر كي لا يقاطع بعضها بعضأ عند الحديث. 

وضع الجني عدة اللسان على البرميل الذي توضع فيه الجرائد القديمة وسأله: " هل 
صحيح أنك تجهل ما هو الشعر؟" 

" بلى أعرف ذلك" قال البرميل, " هو ما يُكتب في قصة مسالسلة في أسفل 
الصفحة من الجريدة. تقّص وتجمع, أظن أن ما في جعبتي أكثر مما لدى الطالبء وأنا 
لست سوى برميل حقير قياساً بالبقال" 

ووضع الجني عدة اللسان على ماكنة طحن القهوة, ويا له من حديث ذلك الذي 
جاءت به. ثم وضعها على وعاء الزيدة وجارور النقود؛ كان رأي الكل من رأي 
البرميل, وما يراه الأغلبية يجب احترامه. 

" والآن أتى دور الطالب؛ عليه أن ينتظرني". صعد الجني إلى العلّية حيث يسكن 
الطالب محاذراً أن يطلق صوتاً. كان في الداخل ضوءً. نظر الجني عبر ثقب الباب 
ورأى الطالب يقرأ في الكتاب المهلهل الذي أخذه من الدكان. ولكن يا للضوء الذي 
كان يشع داخل الغرفة؟ كان هناك شعاع ساطع قد انبعث من الكتاب, تحول إلى جذع, 
ثم إلى شجرة ضخمة ارتفعت إلى أعلى وفرشت أغصانها عَريضةٌ فوق الطالب. كل 
ورقة فيها نضرة؛ وكل وردة كانت وجه فتاة جميلاً. بعضها بعيون غامقة اللون مشعة, 
وبعضها الآخر بعيون زرق بصفاء عجيب, و كل حبة فاكهة تلمع مثل نجمة. وقد أخذت 
تغني وتترنم بالموسيقى بعذوية أحّاذة. 

لم يخطر في بال الجني العابث أبداً رؤية روعة كهذه. أو يخالجه هكذا شعور كهذا. 
ظل واقفاً على أطراف قدميه ينظر وينظر حتى انطفا الضوء في الداخل. إنه الطالب 
ولاشك الذي أطفأ القنديل وذهب إلى النوم. رغم ذلك فقد بقي الجني العابث الصغير 
واقفاً هناك فنغمات الأغنية كانت لاتزال تتردد رقيقة عذبة مثل ترئيمة طفل شجية 
للطالب الذي خلد للنوم. 


256 


" هذا منظر لا شبيه له ". قال الجني العابث, " هذا ما لم أكن أتوقعه. أعتقد أني 
أود المكوث الآن عند الطالب". وراح يفكر ويفكر بعقلانية وإذا به يطلق تنهيدة ويقول: 

" ولكن الطالب لا يملك هريساً". لذا فقد انصرف, أجلء نزل إلى الأسفل عند 
البقال ثانية. وحَسناً فعل؛ فقد كاد البرميل أن يستهلك كل عدة اللسان التي تعود إلى 
زوجة البقال. إذ راح يحكي عن كل ما يحويه جوفه وكان في طريقه إلى البدء من جديد 
تقاما عندما أتى الجني العابث وأَحذ عدة اللسان منه وأعادها إلى الزوجة؛ ولكن كل ما 
في الدكان ابتداءً من جارور النقود إلى عيدان إيقاد الخشب ومنذ ذلك الوقت وهم 
يؤمئون بما يعتقده البرميل, بل يكتون له تقديرا واحتراما كبيرين, وثقتهم به صارت 
عالية إلى الحد الذي أخذوا يظئون فيه أن ما يقرأه البقال في صفحة " الفن والمتابعات 
المسرحية" في الجريدة اليومية عند المساء إنما مصدره البرميل. 

أما الجني العابث الصغير فلم يعد يجلس هادئاً في مكانه ليستمع إلى كل الحكّم 
والعلم والفهم في الأسفل. لا. فحاما ينبعث الضوء في الحجرة تحت السقف كان شعاع 
الضوء مثل حبل مرساة متين يشده إلى الأعلى. وما عليه حينها إلا أن ينهض من 
مكانه لينظر من ثقب الباب, عندها يغمره سحرالعظمة تلك تماما مئلما نشعر نحن 
أمام البحر المائج عندما تمر يد الله تعالى عليه عند العاصفة. وينفجر عندها الجني 
العابث بالبكاء. ولا يدري لم كان يبكي, ولكن كان في بكائه شيء من البركة. 

إنها لمن المؤكد متعة فريدة الجلوس مع الطالب تحت الشجرة ولكن ذلك لا يمكن أن 
يحصل. كان سعيدا بالوقوف عند ثقب الباب. 

وقد ظل واقفاً هناك في الممر البارد عندما كانت ريح الخريف قد بدأت تهب من 
الفتحة أعلى السقف. كان الجو قارساً جداً جداًء ولكن الجني الصغير لم يشعر بذلك إلا 
بعد أن ينطفئ الضوء داخل الحجرة تحت السقف وبعد أن تتلاشى الأنغام في الريح. ما 
الذي يلم به؟ الجني العابث يتجمد من البردء عندها يتسلل إلى الأسفل ثانية ويقبع في 
ركنه الدافئ الذي كان مريحاً ووثيراً. وعندها يأتي أيضاً صحن الهريس بقطعة زبدة 
كبيرة فوقه. ويكون بذلك البقال هو السيد. 

استيقظ الجني منتصف الليل إثر صوت خبطة مفزعة على الشبابيك وجلبة صاخبة من 
الناس في الخارج. صفّر الحارس فقد كان هناك حريق كبير؛ بدا الشارع بأكمله شعلةً مضاءةٌ. 


3357 


هل الحريق في البيت أم عند الجيران؟ أين؟ إنه أمر فظيع. اضطريت زوجة البقال 
جدا حتى إنها نزعت قرطيها الذهبيين من أذنيها ووضعتهما في جيبهاء وركض البقال 
إلى سنّداته. والخادمة بحثت عن وشاحها الحرير الذي تمكنت أخيراً من تدبير مبلغ 
شرائه. كان الكل يود أن ينقذ أفضل ما عنده. ذلك ما كان يريد الجني الصغير أن 
يفعله أيضاً. وببضع قفزات صعدّ السلّم وصار داخل غرفة الطالب. كان الطالب يقف 
عند النافذة المفتوحة ينظر إلى النار بهدوء. كان الحريق في الفناء الخلفي للجيران. 
أمسك الجني العابث الصغير بالكتاب العجيب على الطاولة. ووضعه داخل طربوشه 
الأحمر ومسكه بكلتا يديه: كنز البيت الثمين قد تم انقاذه الآن. 

ثم انطلق من مكانه إلى فوق سطح البيت, ومن ثم إلى المدخنة حيث جلس هناك 
تحت نور البيت المحترق بالجوار ماسكاً بحرص شديد الطربوش الأحمر بيديه. حيث 
الكنز. ها هو قد عرف الآن ما هو قريب من قلبه, ويمن يكون ارتباطه. ولكن بعد أن تم 
إطفاء الحريق وعاد إليه الهدوء, ما الذي تراه حصل بعد ذلك؟ 

" سأورّع نفسي بينهما". قال الجني :" بسبب صحن الهريس لا يمكنني ترك البقال نهائياً" 

وقد كان ذلك من طبع البشرء نحن البشر نذهب أيضا إلى البقال من أجل الهريس. 


كتبت في عام ١861‏ 


258 


بعد عدة ألفيات 


أجل. بعد آلاف السئين سيجيئون على أجنحة ماكنة البخار عبر الهواء فوق بحر 
العالم! ساكنو أمريكا الشباب سيجيئون ليزوروا أوربا العجوز. يأتون لرؤية المعالم هنا 
والمدن الغرقى؛ تماما مثل ما نفعل نحن في عصرنا هذا عندما نيمم شطر جنوب آسياء 

التايمز, الدانوب, الراين مايزال كل منها يجري؛ جبل مونبلائش منتصب بقممه 
الثلجية. الشفق الشمالي يضيء بلدان الشمال. ولكن جيلاً بعد جيل يصير تراباً؛ نسي 
العديد من عظماء الأزمان تلك, مثل الذين يرقدون في التل حيث الطحان يَنجر في 
أرضه مصطبة ليجلس عليها ويتأمل حقل الحنطة المتموج المنبسط. 

" إلى أوروبا” يصدر صوت جيل أمريكا الشاب - " إلى أرض اجدادناء أرض 
الذكريات الجميلة والخيالء أوروبا" 

السفينة تأتي؛ مكتظة بالمسافرين: إذ إن انطلاقها في الهواء أسرع منه في الماء؛ 
الخيط الكهرومغناطيسي تحت البحر قد بلغهم بالتلغراف مقدما عن كبر حجم العربة 
الفضائية. ها هي أوربا تلوح من بعيد. انها شواطئ إيرلندا التي تُرى ولكن الركاب ما 
يزالون نائمين؛ لم يكونوا يرغبون في أن يتم ايقاظهم قبل وصولهم إلى انكلترا؛ هناك 
سيدخلون الأراضي الأوربية في بلد شكسبيرء كما تسمى من قبل أبئاء الأدب؛ بلاد 
السياسة, بلاد المكننة. كما أطلق عليها آخرون. 

تم قضاء يوم بأكمله هناء هؤلاء القوم ورغم انشغالهم يعطون انكلترا العظمى 
واسكوتلتدا هذا المقدار من الوقت. 

الرحلة تمر عبر نفق القناة إلى فرنساء بلاد كارل الأعظم ونابليون, كما يذكر 
مولير. العلماء يتحدثون عن المدرسة الكلاسيكية والرومانسية في العصر القديم وهناك 


2359 


يتم الإحتفاء بالأبطال. الشعراء الجوالين والعلماء والذين لا يعرفهم زمانناء والذين 
سيولدون في فوهة أوروبا: باريس. 

تطير السفيئة فوق البلد الذي انطلق منها كولومبوس. حيث ولد كورتيز. وغنى 
كالديرون أشعارا بإيقاع متموج؛ نساء بناءات جميلات بعيون سود, وما زلن يسكن 
الوادي المزهرء وفي كل الأغاني القديمة يذكر ثذ والحمرا. 

عبر اليواء فرق البح إلى إبطاليا ب حيت روما الفقيفة الأبدية: تقد الفرضت: 
والطبيعة من حولها صارت صحراء؛ سيطلعونهم على أطلال كنيسة بطرس التي 
تنتصب وحيدة, ولكن المرء يشك بحقيقتها. 

إلى اليونان ليناموا ليلة في فندق الأغنياء أعلى قمة أولبياء هكذا يكونون قد 
زاروا المكان؛ الرحلة تتجه إلى بوسبوروس, حيث يرتاح المرء هناك لبضع ساعات وليرى 
المكان أيضاً حيث البيزنطة؛ صيادون فقراء ينشرون شباكهم هناك. حيث تتحدث 
القصص عن حديقة الحريم في زمن الأتراك. 

بقايا مدن عظيمة عند الدانوب القوي. مدن, لم يعرفها زمانناء يطيرون هناك فوق 
هذه وتلك- مدن الذكريات الغنية. التي نشأت. التي أنجبها الزمن- هنا وهناك تهبط 
السفيئة ببطء وترتفع ثانية. 

هناك تقع ألمانييا- التي ربطت في يوم من الأيام بشبكات من سكك حديدية 
متزاحمة وقنوات - الأراضي حيث خطب لوثر. وغوته الذي كتب شعراء حيث حمل 
موزارت في عصره صوبجان النغمات. أسماء كبرى لمعت في مجال العلم والفن أسماء 
لا نعرفها. يوم واحد للاقامة في ألمانيا ويوم للشمالء للأورستاد ولوطن لينيه 
والنرويج, لأرض الأبطال القدماء والشباب النرويجيين. يمرون بإيسلندا في طريق 
العودة؛ لم تعد الشلالات الساخنة تفور هناك, أطفئ بركان هيكلا ولكن إيسلندا جزيرة 
الصخور تقف في البحر الفوار كملحمة على لوحة حجرية. 

" هناك في أوروبا الكثير الذي يزار” يقول الشاب الأمريكي؛ " ولقد رأينا ذلك 
في ثمانية أيام. بالإمكان فعل ذلك. كما يقول الرحالة الكبير"- يُذكّر اسم يعود إلى 
زمنهم - ظهر في كتابه المشهور: " أوروبا في ثمانية أيام ". 


كتبت في عام “وما 


360 


خمس حبات من قرنة بازلاء 


كانت هناك خمس حبات بازلاء في قَرنة. كن خضراً والقرنة كانت خضراء فاعتقدن 
أن كل ما في العالم أخضرء وقد كان ذلك صحيحا إلى حد بعيد! كبرت القرنة وحبات 
البازلاء؛ لقد رتبت امورها وفق المتاح؛ جلست جميعها في صف مستقيم. - اشرقت 
الشمس خارج القرنة وأدفأتها؛ المطر جعلها أكثر صفاء؛ كان داخل القرنة دافئاً جميلاً 
ضوء في النهار وظلمة في الليل. هكذا كما يجب أن يكون. وصارت الحبات أكبر 
واكثر تفكيراً في جلستها هذه. كان عليها القيام على أية حال بفعل شيء. 

" هل سأبقى جالسة هنا طول عمري" سألت كل واحدة منهن, " أقنى ألا أصير 
يابسة من جراء جلستي الطويلة هذه. ألايبدو الأمر بالنسبة إلي وكأن هناك شيئاً ما 
خارج هذا المكان. لدي شعور بذلك" 

ومرت الأسابيع؛ صارت الحبات صفراً والقرنة صارت صفراء: " كل العالم صار 
أصفر" قالت. ولها الحق في قول ذلك. 

شعرت الحبات بهزة بالقرنة؛ كانت القرنة قد قطفت وسقطت في قبضة البشر ومن 
ثم إلى داخل جيب السترة إلى جانب العديد من القرنات الممتلئة. 

" سيّفتح لنا الباب قريبا" قالت, وهو ما كانت تنتظره. 

" أتمنى أن أعرف من منا التي سيصير لها الشأن الأكبر" قالت أصغر حبات 
البازلاء. " أجل سرعان ما سيتوضح الأمر". 

" ليحصل ما يجب أن يحصل" قالت الكبرى. 

" جق" انفلقت القرنة وتدحرجت الحبات جميعا منها إلى ضوء الشمس الصافي؛ 
ووقعت في يد طفلء, ولد صغير حملها وقال, انها حبات مناسبة جدا لقصبتي؛ وسرعان 
ما وضعت إحدى الحبات في القصبة وأطلقت بعيدا. 


361 


" سأطير إلى العالم الفسيح, إلحقني إن استطعت" وطارت. 

" أنا" قالت الثانية, " سأطير إلى عين الشمس. إنها بمثابة قرنة بازلاء حقيقية 
وتناسبني جدا" وابتعدت. 

" سننام حيث نصلء" قالت الإثنتان, " ولكننا سنتدحرج من المؤكد إلى الأمام" 
وتدحرجتا أولا على الأرض قبل أن تصلا إلى القصبة ولكنهما وصلتا. " سنصل إلى 
مكان أبعد من الباقيات" 

" ليحصل ما يجب أن يحصل” قالت الأخيرة وأطلقت في الهواء؛ وطارت عاليا 
تجاه السدة الخشبية تحت نافذة حجرة العلية, مباشرة في شق كان فيه طحلب وتربة 
ليئة؛ قد أغلق عليها الطحلب. بقيت هناك محفوظة ولكنها لم تكن منسيةٌ من قبل 
الله تعالى. 

" ليحضل ما يجب أن يحصل" قالت. 

في داخل هذه الغرفة العلية الصغيرة عاشت إمرأة فقيرة, كانت تنظف المواقد في 
النهار. أجل. تقطع الخشب وتقوم بأعمال شاقة لأنها كانت قوية وشاطرة ولكنها بذات 
المقدار فقيرة؛ وفي البيت في تلك الحجرة كانت ترقد ابنتها الوحيدة التي لم تزل 
صغيرة. كانت نحيفة ورفيعة؛ لقد رقدت في السرير عاما بأكمله و يظهر أنها ما تزال 
تعيش بين الحياة والموت. 

ستلحق بأختها الصغيرة" قالت المرأة. " لم يكن عندي غير هاتين الطفلتين, 

وكم كان من الصعب علي أن أعيلهماء لذا تقاسم الله تعالى الحمل معي وأَحْذ إحداهما 
إليه؛ أود أن أحتفظ بالثانية التي بقيت لي, ولكن الله لا يود تفريقهما عن بعضهما 
بعضاً. ستصعد بالتأكيد إلى اختها الصغيرة" 

لكن البنت الصغيرة بقيت بقيت؛ كانت تستلقي صابرة هادئة طوال اليوم بينما تعمل 
الأم خارج البيت لتحصل على التقوه. 

وحل فصل الربيع وذات صباح باكر عندما كائت الأم توشك على الذهاب إلى 
عملها أشرقت الشمس بجمال كبير على الأرضية عبر النافذة ونظرت البنت الصغيرة 
على مربع زجاج النافذة السفلي. 

ولكن ما هذا الأخضر الذي يبرز عند النافذة؟ إنه يتحرك مع الريح" 


2302 


وتوجهت الأم إلى النافذة وفتحتها قليلا. “ ياه" قالت الأم, " انها في الحقيقة 
بازلاء صغيرة اندفعت بأوراق خضر رقيقة, كيف جاءت هنا إلى هذا الشق؟ ها أنت 

وتم نقل سرير المريضة بالقرب من النافذة كي تتمكن من رؤية البازلاء التي 
برعمت. وذهيت الأم إلى عملها. 

" ماماء أظن بأني أتعافى" قالت البنت الصغيرة تلك الليلة. " أشرقت الشمس لي 
دافئة جدا هذا النهار. البازلاء الصغيرة تنمو وتكبر جيداء أنا أريد أيضا أن أنو وأكبر. 
أقف على قدمي وأخرج لضوء الشمس" 

ليت ذلك يحصل". قالت الأم رغم انها لم تكن تصدق ذلك؛ مع ذلك2 فقد 

أسندت البرعم الأخضر, الذي أمد الطفلة بالأمل بعود صغير كي لا ينكسر من الريح؛ 
ربطت خيطاً من القنب بسدة النافذة وحتى اعلى إطار النافذة ليكون للبازلاء ما تستند 
عليه وتلتف حوله عندما تصعد إلى أعلى وذلك ما فعلته؛ يمكننا أن نرى الان أن النبتة 
كبرت. 

" ياه. لقد أزهرت" قالت المرأة. التي صار عندها الآن الأمل والإيمان بأن البنت 
المريضة تتعافى؛ دار بخلدها أن الطفلة أخذت تتحدث في الأيام الأخيرة بحيوية أكبر, 
في الصباحات الأخيرة كانت تنهض بنفسها من السرير وتجلس بعينين مشرقتين تنظر 
إلى حديقة البازلاء التي أزهرت من حبة بازلاء واحدة. في الأسبوع الذي تلاه كانت 
البنت قد جلست ولأول مرة ساعة بأكملهاء وهي سعيدة تحت أشعة الشمس الدافئة؛ 
كانت النافذة مشرعة وقد انتصبت زهرة بازلاء بلون أحمر مبيض بأبهى تفتحها. أحنت 
البنت الصغيرة رأسها وقبلت بحذر الأوراق الرقيقة. كان ذلك اليوم أشبه بيوم عيد. 

" يا بنتي المباركة ربنا زرعها وجعلها تنبت لتمنحك الأمل والفرح, ولي أيضا", 
قالت الأم الفرحة وابتسمت للزهرة التي كانت مثل ملاك بُعثّ من الرب. 

نعود إلى حبات البازلاء الأخريات!- أجلء والتي طارت إلى العالم الفسيح: 
"خذني إن استطعت"! لقد سقطت في مزراب وانتهت في قانصة حمامة وهناك مكثت 
مثل يونس في بطن الحوت. الإثنتان الأخريتان الكسولتان وصلتا أيضا بعيدا جداء 
التهمهما الحمام أيضاء وفي هذا فائدة كبرى؛ ولكن الرابعة التي شاءت الصعود إلى 


363 


الشمس. سقطت في مجرى المياه الوسخة وبقيت هناك أسابيع وشهوراً, في الماء الآسن 
الذي كان يبقبق. 

" سأكتنز كثيرأ" قالت حبة البازلاء. " سأتفطر من سمنتي, ولا أظن أن حبة بازلاء 
قد وصلت أبعد من هذا أو ستصل, أنا أكثر واحدة من بين الخمس من هي جديرة 
بالإعجاب" وقد أثنى المزراب على كلامها. 

البنت الصغيرة عند نافذة السقف كانت تقف بعينين مضاءتين وخدين بمسحة من 
عافية وقد ضمت يديها الناعميتين حول زهرة البازلاء وشكرت ربنا على ذلك. 

"أنا أراهن على حبتي البازلائية!" قال المزراب. 


كتبت في عام 166 


3604 


هائس الأحمق 
هذه قصةٌ قديمة يُعاد قصّها 


في الريف كانت هناك مزرعةٌ قديمة. يعيش فيها رجل عجوز له ولدان ظريفان؛ 
وكان الإثنان قد عزما التقدم لطلب يد ابئة الملك. وقد تجرأًا على ذلك لأن ابنة الملك قد 
أعلنت أنها ستقبل الزواج من الرجل الذي سيثبت لها بأنه الأكثر بلاغة وظرافة من بين 
المتقدمين لطلب يدها. 

وتدرب الإثنان لمدة ثمانية أيام وتلك هي أقصى مهلة يمكن أن يحصلا عليها. 
ولكنها كانت أيضا كافية لما لهما من امكانات واسعة تفيدهما في هذا الإختبار. 

كان الأول يحفظ الموسوعة اللاتينية عن ظهر قلب والجريدة المحلية لشلاث سنوات 
أيضاء من الغلاف إلى الغلاف؛ والثاني تعلّم كل المواد والفقرات القانونية. وكل ما 
على الشيخ الحكيم أن يعرفه. فالأول يتمكن من التحدث عن الدولة حسب قوله؛ وفوق 
ذلك فهو يجيد تطريز حمالات البنطلونات لأنه كان فناناً ويجيد الأعمال اليدوية 
الدقيقة. 

" سأحصل على ابئة الملك!" قال كلّ منهما. وأعطى والدهما كلا منهما حصانا 
جميلا؛ حصل الذي يحفظ الموسوعة اللاتينية والجرائد على حصان فاحم اللون. والذي 
كان حكيما ويجيد التطريز حصل على حصان بلون حليبي. وقاما بدهن زوايا فميهما 
بزيت الكبد لكي تكون شفاههما أكثر مرونةً وطلاقة. نزْلَ كل الخدم إلى الفناء ليروا 
الإثنين وهما يركبان حصانيهما؛ في اللحظة نفسها وصل الأخ الثالث إذ كانوا في 
الحقيقة ثلاثةٌ إخوة ولكن لا أحد كان يقيم للثالث وزنا بجانب أخويه لأنه لم يكن على 
علم ومعرفة كما كان الإثنان ولم يناد عليه إلا ب هانس الأحمق. 

" إلى أين انتما متوجهان بملابس جميلة كهذه؟" سأل هانس الأحمق أخويه. 


365 


" إلى قصر الملك للتحدث مع ابنة الملك كي نفور بها! ألم تسمع ما نادى الطبّالون 
به في كل أنحاء البلد!" وأخبراه بالقصة. 

" تمام التمام. سأنضمٌ إليكما إذا!" قال هانس الأحمق وضحك الأخوان عليه 
وانطلقا بحصائيهما. 

" أعطني حصانا يا أبي؛" صاح هانس الأحمق. " عندي رغبة بالزواج من ابنة 
الملك. إن قبلت بيء قبلت بي! وإن لم تقبل بي. سآخذها في كل الأحوال!" 

" هذا لغو فارغ!" قال الأب, " لا أعطي حصانا لأمثالك؛ أنت لا تعرف حتى 
التحدث! إن أخويك هما من يستحقان!" 

' ألا يمكنني الحصول على حصان !" قال هانس الأحمق, " إذن سآخذ العنزة, إنها 
ملكي وبإمكانها حملي!" وجلس على ظهر العنزةء ولكز جانبيها بكعبيه وانطلق باتجاه 
الطريق الزراعي. 

هوء هوء! وكم كان ركضها سريعا. 

" أنا قادم!" صاح هانس الأحمق وأخذَ يغني حتى ارتدٌ صدى غنائه عليه. 

كان الأخوان يتقدمائه متطيين حصانيهما بهدوء؛ لم ينبسا بكلمة, كان عليهما 
التفكير بإيجاد الحجج القوية للادلاء بها لأنها يجب ان تكون مدروسة جيدا. 

"هيل هوي!" صاح هانس الأحمق, " أنا قادم! انظرا ماذا وجدت على الطريق 
الزراعي!" وأراهما غراباً ميت كان قد وجده. 

" غبي!" قال الأخوان, " ماالذي تود فعله بهذا ؟" 

" سأهبه لابئة الملك؟" قال هانس الأحمق. 

" افعلها إذاً)" قال الأخوان وهما يضحكان عليه وتابعا طريقهما. 

" هيل هوي! أنا قادمً! قال هانس الأحمقء "انظرا ماذا وجدت هذه المرة؛ شيئا لا 
يجده المرء كل يوم على الطريق الزراعي!" 

واستدار الأخوان مرة ثانية ليريا ما وجد وقالا: " غبي! إنه مجرد قبقاب قديم, 
وقد طار جلده! أ ستحصل ابنة الملك على هذا أيضا؟ " 

" أجل!" قال هانس الأحمق؛ وضحك الأخوان وتقدماه بحصانيهما كثيرا. 

" هيل هوي! ها أنا هنا!" صاح هانس الأحمق قائلاً؛ " بدأت القصة تصير أكثر 
متعة! لا مثيل لها)" 


3066 


" ماالذي وجدته الآن!" قال الأخوان. 

" أوو! " قال هانس الأحمق” أمر لا يمكن وصفه! ستطير من الفرح, ابنة الملك 
تلك!” 

" صبرك يا رب؛" قال الأخوان " لكنه روث: ألقي به من المنحدر!" 

" صحيح. إنه كذلك!" قال هانس الأحمق, " وهو من أجود الأنواع, إذ لا يمكن 
حمله!" وملاً جيبه بمقدار منه. 

انطلق الأخوان بحصانيهما يسابقان الريح ووصلا قبل ساعة من الموعد وترجلا 
عند بوابة المدينة حيث يحصل المتقدمون لطلب يد ابئة املك على رقم تسلسل حسب 
الأسبقية. ستةٌ في كل صف متزاحمون جدا لدرجة يصعب فيها تحريك الأذرع؛ وتلك 
كانت فكرةً حسنة فبخلافها كان أحدهم سيشرط ظهر الآخر لمجرد أن الثاني أخد 
مكانه. 

وقف كل الناس حول القصر عند الشبابيك ليروا ابنة الملك وهي تستقبل المتقدمين 
للإامتحان وعندما دخل أحدهم البهو أصابه الخرس. 

" لا يصلح!" قالت ابئة الملك. " ابتعد عن وجهي!" 

وجاء دور أحد الأخوين الذي كان يحفظ الموسوعة اللاتينية عن ظهر قلب ولكن 
بمجرد وقوفه في الطابور تبخَرَ كل شيء من رأسه وقد صرت الأرضية تحته وكان السقف 
مغطى بالمرايا فرأى نفسه بالمقلوب. عند كل شباك كان يجلس ثلاثةٌ كَمَبَّةَ وحكيم, 
يكتب كل منهم كل ما يقال ليتم طبعه مباشرة في الجريدة لتباع بقرشين في الشارع. 

كان الأمر مفزعا في البهو إذ كانوا يضيفون المزيد والمزيد من الحطب في الموقد 
حتى احمرت المدخنة. 

" الحرارة قاسيةٌ هنا في الداخل" قال المتقدم للإمتحان. 

" ذلك لأن أبي سيشوي الديكة المغرورة اليوم!" قالت ابنة الملك. 

" أأأ! " ووقف متحيرا فهو لم يتوقع كلاماً كهذا. لم تخطر بباله كلمة واحدة 
ليقولها إذ كان بإمكانه الرد عليها بقول ظريف. 

"أ)” 


" لا يصلح!" قالت ابنة الملك. " اغرب عن وجهي؛" وكان عليه الإنسحاب. 


367 


وجاء الآن دور الأخ الثاني. 

" الحرارة قاتلة هنا!" 

" صحيح: فنحن سنشوي الديكة المغرورة اليوم!" قالت ابنة الملك. 

" ماقل- ماذا؟" قال الأخ وكتب كل الكتبة : ماقّل- ماذا! 

" لا يصلح!” قالت ابنة الملك. " إغرب عن وجهي!" 

وجاء هانس الأحمق راكبا عنزته حتى دخل البهو حيث اينة الملك: " إنه جمر هنا!" 
رده قائلاً. 

" ذلك لأنني سأشوي ديكة مغرورة!" قالت ابنة الملك. 

" تمام التمام!" قال هانس الأحمق, " سيمكنني إذا أن أشوي غراباً؟" 

" بكل تأكيد؛" قالت ابئة الملك, " ولكن هل لديك ما تشوي فيه. فليس لدي لا 
قدرٌ ولا مقلاة!” 
“لدي هذا أيضا)" قالهانس الأحمت. " هذا هو طبق من الصفيح" وأخرج 
القبقاب ووضع الغراب فيه. 

" إنه لوجبة كاملة!" قالت ابنة الملك؛ " ولكن من أين سنأتي بصلصة له!" 

" وهذه عندي أيضا في جيبي ؛" قال هانس الأحمق. " لدي الكثير الذي أصب 

منه!" وصب ارت ل د 

" ذلك يعجبني كثيرا!" قالت ابنة الملك؛ " أنت تجيد اختيار إجابتك وتجيد 
التحدث وأريدك زوجا لي! ولكن أتعلم بأن كل كلمة نقولها أو قيلت ستْنشَرٌ بالجرائد 
غدا! تعد كل فياك ترى ثلاثة كتبة وحكيم, والحكيم هو الأدهى لأنه لا يتفاهم!" وقد 
قالت هذا لتخيفه. وصهل كل الكتبة وألقوا بلطشة حبر على الأرض. 

" إنهم سادتنا ولا شك!" قال هانس الأحمق, " وعلي ان أقدم للحكيم أفضل ما 

عندي!" وقلب جيبه ورمى وجه الحكيم بالروث. 

" أحسنت؟" قالت ابن الملك, " لم يكن بإمكاني فعل هذا! ولكتني سأتعلم ذلك بالتأكيد. 

وصار هانس الأحمق ملكاء وحصل على زوجة وتاج وجلس على عرشء هذا ما 
علمناه من جريدة الحكيم, وهي ما لا يمكن الوثوق 


كتبت في عام6 ١40‏ 


368 


> ءاجه اه 


من نافذة في فارتو 


حيث الحصن الأخضر الذي يحيط بكوبنهاجن يقع هناك فناء واسع بطابوق أحمر فيه 
العديد من النوافذ. فت في الأصص التي في شرفاتها نبتتا البلسم الصغير والصندل؛ 
كانت الدار تبدو في الداخل عبر النوافذ فقيرة. يسكنها العجزة الفقراء. إنها فارتو. 

انظر! عاليا على سدة النافذة ميل عانس كبيرة في السن, تقطف الأوراق الذابلة 
من البيلسان وتنظر إلى ال حصن الأخضر, حيث الأطفال يتدحرجون بفرح؛ بماذا عساها 
تفكر؟ دراما حياة بأكملها تتداعى في بالها. 

الصغار الفقراء يلعبون بسعادة! يرقصون على الحصن الأخضرء أية خدود حمر, 
أية عيون مباركة ولكنهم لا يرتدون لا أحذية ولا جوارب. تقول الأسطورة منذ قديم 
الزمان كانت الأرض في ذلك الحصن تنخسف دوما هناك. وذات مرة كان هناك طفل 
بريء قد عُرّر بالورد واللعب بالدخول إلى ذلك القبر المفتوح. ثم أغلقوه بالطابوق؛ بيئما 
كان الصغير يلعب ويأكل. 

ومنذ ذلك الزمن صار الحصن ثابتا يكتسي تدريجيا بالعشب الأخضر الجميل. 
الصغار كانوا لا يعرفون الأسطورة وإلا لسمعوا الطفل ما يزال يبكي تحت الأرضء 
ولعرفوا أن الندى على العشب هو الدموع الحارقة. إنهم لا يعرفون قصة ملك الدفارك, 
عندما كان العدو متربصاً له عند الحصن, امتطى فرسه مارا بال حصن هناك. وأقسم أنه 
سيموت في عشه؛ جاء النساء والرجال وصبوا الماء المغلي على الأعداء الذين ارتدوا 
لباسا أبيض حين كانوا يتسلقون الثلج صاعدين إلى صفحة الحصن الخارجية. 


بمرح يلعب الصغار الفقراء. 
العبي. أيتها البنت الصغيرة! فسرعان ما تأتي السنون- أجلء السنون المباركة: 


3269 


المعمدون يتنزهون يدا بيدء أنت تسيرين ببدلة بيضاء. والتي كلّفت أمك بالتأكيد ما 
يكفيء مع ذلك فقد أعيد تفصيلها من بدلة مستعملة بمقاس كبير! وستحصلين على 
شال أحمرء يتدلى طويلاً إلى الأسفل, ليرى المرء كم هو كبير. كم هو أكبر من كبير! 
أنت تفكرين بزينتك وبالله الكريم. 

جميل هو التنزه على الحصن! والسنون تمر بأيام عديدة مظلمة ولكن بفكر وروح 
شابة. وتحصلين على صديق, أنت لاتعرفين بذلك, تلتقيان؛ ترتحلان على الحصن في 
أول الربيع عندما تدق كل نواقيس الكنيسة في يوم الصلاة الكبير. لم يحن الوقت بعد 
لرؤية زهور البنفسج ولكن خارج قصر الزهرة كانت هناك شجرة تحمل أولى براعمها 
الخضر. هناك ستقفان. وستطلق الشجرة كل عام أغصاناً خضراً؛ هذا ما لا يفعله القلب 
في صدر الإنسان. عبر ذلك تنزلق المزيد من الغيوم المعتمة, أكثر عتمة مما يعيشه 
الشمال. مسكين أيها الطفل. تصير غرفة عرس زوجتك تابوتاً» وأنت ايتها البنت 
الصعيرة تصيرين ابنة متقدمة في السنة«من فارعو'ترين غلك البنلينان الأطفال الذين 
يلعبون؛ ترين قصتك تعاد. 

ما هي إلا دراما الحياة التي تدور في بال الآنسة المتقدمة في السن, العي تنظر 
بعيداً إلى الحصن. حيث الشمس تشرق, حيث الأطفال يخدود حمر يهللون فرحا بدون 
جوارب وأحذية؛ مثل كل طيور السماء الأخر. 


كتبت في عام 146ص 


200 


الأم غُسالة ال ملابس 


وقف العمدة عند النافذة المفتوحة؛ بقميصه الأبيض المنشى, ودبوس الصدر على 
كشكش القميص. كان حليق الوجه بعناية فائقة, وهو نفسه من قام بذلك ورغم ذلك 
فقد جرح نفسه جرحا بسيطأاً وضع عليه قطعةً من ورقة جريدة. 

" أنت أيها الصغير اسمع". صاح العمدة. 

ولم يكن الصغير غير ابن المرأة غسّالة الملابس الذي كان قد مر به وقد رفع 
قلنسوته احتراما؛ لقد طوى مظلة قلنسوته ليتمكن من وضعها في الجيب. وقف الولد 
بخشية واحترام وكأنه يقف أمام الملك بعينه مرتدياً ملابس فقراء ولكنها نظيفة مرئّقة 
بإتقان ومحتذيا قبقاباً ثقيلاً في قدميه. 

" إنك ولد شاطر" قال العمدة. " إنك ولد مؤدب. أكيد أن أمك تغسل الملابس عند 
النهر. وأنك ستذهب لها بهذا الذي في جيبك. إنه لشيء مخز هذا الذي تفعله أمك. 
كم لديك منه؟" 

" نصف زجاجة"., قال الولد بصوت خافت مرتجف. 

" في الصباح حصلت أيضا على نصف زجاجة؟". استمر الرجل بقوله. 

لاء كان هذا بالأمس". قال الولد. 

" نصفان يصيران واحدء إن أمك هذه غير صالحة. كم هو محزن ما يحدث لهذه 
الطبقة من الناس, قل لأمك بأن عليها أن تخجل من نفسها. وأنت, حاذر أن تصير 
سكيراً. ولكنك ستصير على أية حالء أيها الولد الشقي, اذهب من هنا الآن". 

وانصرف الولد يحمل القلنسوة في يده. هبّت الربح على شعره الأصفر فتطايرت 
خصلاته الطويلة. استدار عبر شارع إلى زقاق ضيق يؤدي إلى النهر حيث تقف أمه 
وسط الماء عند المصطبة تضرب الشراشف الثقيلة مضرب لتنظيف الملابس . كان هناك 


32/11 


تيار في النهر إذ كانت سدود النواعير مفتوحة فجرف تيار المياه المتدفقة الشراشف 
منها وكاد أن يقعلع المصطبة» وعلى المرأة غسالة الملابس أن تصمد. 

قالت الأم: " أوشك أن أنجرف مع تيار الماء, جيد أنك حضرت يا بني لأنني بحاجة 
إلى رق يدعم قوايء الماء بارد؛ أنا واقفة هنا منذ ست ساعات. هل أحضرت 
شيئا لي؟" 

وناولها الولد الزجاجة فقربتها من فمها وشربت جرعة منها. 

' آه؛ إن مفعوله عظيم , إنه يبعث الدفء, تماما مثل طعام حارء كما إنه ليس 
باهض الثمن؛ اشرب. هاك اشرب يا بني. تبدو شاحبا جداً؛ إنك تتجمد بهذه الملابس 
الخفيفة, إنه الخريف أيضاء الجو بارد, الماء بارد. ليتني فقط لا أمرض. لا لن أمرض. 
اعطني رشفة, وخذ أنت أيضاًء رشفة صغيرة فقط أنا لا أريدك أن تعتاد عليه يا طفلي 


الفقير المسكين". 
واستدارت حول الجسر وصعدت إلى الجرف والماء يقطر من صدريتها المصنوعة من 
البردي ويسيل من تنورتها. 


" أنا أكدّ وأشقى حتى يطفر الدم من أظافريء ولكن لا فرق عندي طالما أستطيع 
أن أجعل منك رجلاً شريفاً يا بني العزيز". 

في اللحظة نفسها مرت بها إمرأةٌ أكبر منها في السن رنّة الثياب متغضنة الجلد, 
تعرج في إحدى قدميهاء وقد وضعت خصلة شعثاء كبيرة اصطناعية من الشعر على 
إحدى عينيها تريد بها أن تخفي العين المصابة, ولكنها اهرت المي أكبر كانت 
المرأة الأكبر سناً صديقة يقة للأم غسالة الملابس» ينادونها "الجيران" ب " مارن العرجاء ذات 


الشعر الأشعث" 
"يا مسكيئة, اس وما ان ء الباردء أنت بحاجة إلى ما تتدفئين 
به. وهذه القطرات التي تتجرعينها تحر النفس" ؛ كان كلام العمدة للولد بأكمله قد تُقل 


للأم غسّالة الملابس, لأن نارن العكاء ذات خطدلة الشعرة قد قد سمعت كل شيء وقد 
أحزئها بأن يتحدث العمدة هكذا مع الولد عن أمه وعن تلك القطرات التي تحتسيها. 

"بيئما هو قد أحيا حفلة سمر صاخبة قدّم فيها النبيذ في قئان لا يحصى عددها", 
نبيذ فاخرء نبيذ قوي, شرب العديد منه مقدارا أكبر بكثير مما يروي العطش, ولكنهم 
لايسمونه شرباً» إنهم صا حون أما هي فغير صالحة". 


3212 


" إذاً فقد تحدث إليك العمدة يا بني" قالت المرأة غسالة الملابس بشفتين مرتجفتين, 
' أمك غير صالحة, ريما لديه حق, ولكن لم يجب أن يقول ذلك لطفلء يكفي, لقد 
تحملت الكثير من هذا البيت". 

" لقد خدمت في العزبة عندما كان والدا العمدة على قيد الحياة ويقيمان فيها؛ 
مرت سنوات عديدة, أكلوا الكثير من الملح منذ ذلك الوقت. شربوا الكثير ليطفئوا 
عطشهم' قالت مارن ساخرة وهي تضحك. " هناك حفل عشاء كبير عند العمدة. كان 
عليهم تأجيله ولكن الوقت قد تأخر الآن والطعام قد أعد. لقد أخبرني عامل العزية 
بذلك. لقد وصلتهم رسالة منذ ساعة تقول إن الأخ الأصغر قد توفي في كوبنهاجن". 

" مات؟", صرخت المرأة غسالة الملابس وقد شحب وجهها مثل وجه ميت. 

" وليكن, هل أنت حزينة من أجله؟ معقول؟ أنت تعرفينه عندما كنت تخدمين في 
بيتهم", قالت مارن. 

" ولكن هل مات بالفعل؟ كان أفضلهم, أكثر الناس طيبة:؛ لا يوجد الكثير من 
الطيبين أمثاله". وانثالت الدموع على الخدين." يا إلهي. أشعر بالدوران, لأني شربت 
الزجاجة بأكملهاء لم أحتمل الخبر. لست على ما يرام". وأمسكت بالعارض الخشبي. 

" ياه لا تبدين بخير أيتها الأم. حاولي أن تتماسكيء لا. لاء أنت مريضة جداء 
الأفضل أن آخذك إلى البيت". قالت لها مارن. 

" ولكن الثياب هناك" 

" لا عليك. سأعتني أنا بذلك. تشبّثي بي. سيبقى الولد هنا عند الثياب حتى 
اعود واكمل غسلها؛ ليس هناك سوى كومة صغيرة منها" 

وتعثرت قدما الأم في سيرها: " لقد وقفت وقتا طويلا وسط الماء البارد . لم آكل 
ابني", وأخذت تبكي. ' 

وجلس الولد وحيداً قرب الثياب يبكي. ومشت المرأتان ببطء. كانت المرأة غسالة 
الملابس تمَشي مترئحة عبر الزقاق ومن ثم عبر الشارع الذي يمر بعزبة العمدة وقد تداعت 
هناك على الحجر. فتجمع الناس حولها. 

" انها غسالة الملابس" قال العمدة, " لقد شربت أكثر مما يجب؛ إنها غير صالحة. 
ستفسد الولد اللطيف الذي لديها, هذا الولد يعجبني حقيقة, هذه الأم غير صالحة" 


3213 


أعادوها إلى وعيها ثانية ورافقوها إلى بيتها الفقير حيث رقدت في الفراش. 
وراحت مارن المرأة البسيطة تعمل لها كأسا من الجعة الحارة مع زبدة وسكر اعتقدت بأن 
ذلك هو الدواء الأفضل ومن ثم عادت إلى النهر. غسات الملابس بشكل رديء ولكن 
هذا كل ما كانت تستطيعه. سحيت الملابس المبللة إلى الجرف ووضعتها في صندوق. 

وعند المساء جلست مارن في بيت المرأة غسالة الملابس. لقد حصلت من الطباخة 
في بيت العمدة على بضع حبات بطاطا مسلوقة وقطعة لحم من فخذ خنزير شهي 
للمريضة والتي استمتع كل من ابنها الجائع ومارن بها. أما المريضة فاستمتعت برائحة 
الطعام وقالت إنها مغذية جداً. 

ودخل الولد فراش النوم حيث ترقد الأم ولكنه حصل على مكان عند قدميها 
وتغطى بسجادة قدية نُسجت من شرائط من القماش زرق وحمر. 

تحسنت حالة المرأة غسالة الملابس قليلاً فلقد أمدها كأس الجعة الحار بالقوة ورائحة 
الطعام الشهي أدّت مفعولها. 

" شكرا لك أيتها الطيبة" قالت لمارن " سأخبرك بكل شيء عندما ينام الولد, 
أعتقد بأنه قد نام؛ كم يبدو حلواً وطيباً هذا الطفل عندما ينام بهاتين العيئين المقفلتين. 
لا يعلم ما يصيب أمه. عسى ألا يريه الله ما رأته أمه. لقد خدمت عند الياور. عند 
والدي العمدة وصادف أن جاء الطالب وهو أصغر الأبناء في عطلة مدرسية؛ كنت في 
ذلك الوقت شابة, مندفعة ومجنونة ولكني متواضعة,. أجرؤ أن أقولها لوجه الله 
تعالى". قالت غسالة الملابس. " الطالب كان مرحا وسعيدا وطيبا جداء كل قطرة دم 
فيه كانت طيبة جديرة بالإحترام؛ لم يكن هناك مخلوق أفضل منه على وجه الأرض. 
كان هو الإبن في البيت ولم أكن أنا سوى بنت خادمة, ولكننا صرنا حبيبين يجمعنا حب 
عذري والقبلة ليست بخطيئة عندما يحب إثنان بعضهما بعضاً. وأخبر الابن أمه التي 
كانت بمثابة ربنا على الأرض بالنسبة إليه وكانت ذكية جدا وحنونة ومحُبة. لقد سافر 
بعيدا بعد أن ألبسني خاتمه الذهبي في إصبعي. وعندما مر الوقت على سفره دعتني 
السيدة والدته إلى غرفتها والجد يعلو وجههاء لكنها كانت أيضا طيبة. تحدثت إلي 
بقوة ووضوح؛ 

" الآن يرى ابئني جمالك ولكن المظهر غير كاف ولن يدوم فأنت لم تدرسي 


23214 


وتتعلمي مثله, أنت لم تبلغي مابلغه في العلم والمعرفة, وهنا يكمن الخطأ. أنا أقدر 
الفقير" قالت السيدة. " ريما يحصل الفقير على مكانة أعلى من الأغنياء عند الله, 
ولكن على المرء عندما يريد السير في طريق مستقيم على الأرض ألا ينحرف عن 
الطريق فتنقلب العربة وانتما الأثنان ستنقلبان. أعلم أن رجلا محترماء هو صائنع 
قفازات قد تقدم لخطبتك. إنه إريك صانع القفازات, وهو أرمل وليس لديه أطفال, ولا 
بأس بما يملك, فكّري به". كل كلمة قالتها كانت تعمل مثل سكين في قلبي؛ ولكن هذه 
المرأة كان لديها حقّ في كل ما قالته. وهذا ما عصرني وأثقل صدري. قبّلت يدها 
وذرفت دمعاً حاراً, ازداد عندما دخلت غرفتي واستلقيت على سريري. كان وقع الليلة 
التي تبعتها شديدا على قلبي ويعلم الله ما الذي عانيته. توجهت يوم الأحد إلى المذبح 
لأحصل على ضوء منه يئير داخلي. ولما غادرت الكنيسة قابلت إريك صانع القفازات, 
شعرت وكأن ذلك كان قدريء لذا لم يعد عندي شك بأننا نليق لبعضنا بعضاً في 
المنصب والحال, أجل. بل كان هو رجل ميسور الحال. توجهت مباشرة إليه. أخذت يده 
وسألته: هل مازلت تفكر بي؟ - نعم, وإلى الأبد. قال إريك؛ " هل تقبل ببنت تهابك 
وتحترمك ولكنها لا تهواك ولكن ربما يحصل ذلك. - سيحصل. قال إريك وشبكنا 
أيدي بعضنا بعضاً. عدت إلى البيت إلى سيدتي. كان الخاتم الذهبي الذي أعطاني إياه 
الإبن على صدري العاري؛ لم أكن أستطيع وضعه في إصبعي في النهار. لم يكن ذلك 
مكنا إلا في المساء عندما أستلقي على سريري. قبلت الخاتم حتى نزف فمي ثم أعطيته 
إلى سيدتي وقلت لها سيعقد الكاهن قراننا في الأسبوع القادم أنا وإريك صانع 
القفازات. أخذتني إلى حضنها وقبلتنيء لم تقل إني غير صا حة ولكنني ربما كنت 
أفضل بكثير حينها بالرغم من أنني لم أكن بعد قد جرت الكثير من المحن في الحياة. 
وتصادف الزفاف مع عيد طهارة مريم العذراء ومرت السنة الأولى بخير فقد كان لنا 
عامل وخادم وأنت يا مارن خدمت عندنا أيضا في البيت ". 

" ياه. كم كنت سيدة مباركة؛ لن أنسى أبداً كيف كنت طيبة معي أنت وزوجك 
أيضأ", قالت مارن. 

"' كنت عندنا في سئوات الخيرء ولم يكن عندنا أطفال. لم أر الطالب أبداً» بلى 
رأيكدامرة ولكنه لم يرن لقدجاء لحضورردقن أمد. رابعه عند القير: كان شاعيا 


3215 


كالطبشور وشديد الحزن وكان ذلك بسبب وفاة الأم. ومنذ أن توفي والده غادر إلى بلاد 
أجنبية ولم يعد يتردد منذ تلك الفترة. علمت بأنه لم يتزوج أبداً. كان محاميا على ما 
أظن. لم يتذكرني؛ وإن رآني فمن المؤكد سوف لن يعرفني؛ أبدو قبيحة جدا. وهذا 
أيضا أفضل". 

وتحدثت عن أيام محنها وكيف انقلب النحس عليهم. كانا يملكان خمسمائة درهم 
وكان هناك بيت بقيمة مئتي درهم ومن ال ربح هدمه وبناء بيت جديد محله لذا فقد تم 
شراؤه. قدم البنّاء والنجار لهما كشفا حسابيا يقول إن إكمال بناء البيت سيكلّفهم ألفا 
وعشرين درهما. استدان إريك صانع القفازات المبلغ. حصل على النقود كقرض من 
كوينهاجن, ولكن الباخرة التي كانت ستوصل المبلغ غرقت مع النقود في البحر. 

" حينها كنت قد ولدت ابني المبارك هذا الذي ينام هناء وناب الأب مرض عصي 
مزمن وكان علي طيلة ثلاثة أرباع العام أن ألبسه وأنزع عنه ثيابه. لقد تدهور وضعنا 
جداً وبقينا نستدين ونستدين: ثيابنا بليت وتوفي أبونا. لقد كددت وشقيت, حاربت 
وجاهدت من أجل ابني, غسلت سلالم. غسلت شراشف, الخشن والناعم. ولكن مكتوب 
علي أن أشقى. هي مشيئة الله تعالى. ولكنه سيفرجها في يوم علي ويعيل ابني". 

وثامت. 

عند الصباح شعرت أنها في عافية جيدة وأنها قوية بما فيه الكفاية لأن تذهب 
لعملها ثانية. ولكن حالما وصلت الماء البارد اعترتها رجفة ووهن وانتابها صرع مفاجئ 
فخطت خطوة واحدة ثم سقطت, وجهها على الجرف وقدماها في النهر. كان في كل فردة 
من قبقابها الذي كانت تقف به في قاع النهر كومة قش و ا نجرف مع تيار الماء ؛ وهنا 
عثرت عليها مارن التي جليت إليها القهوة. 

كان العمدة قد أرسل بطلبها في الحال لأن لديه ما يقوله لها. لكن الوقت كان 
متأخراً فلقد أتوا بالحلاق ليشق وريدا فيها كي ينزف. الأم غسالة الثياب قد ماتت. 

" لقد قتلت نفسها بشرب الكحول" قال العمدة. 

في الرسالة التي وصلت حول موت الأخ كانت هناك وصية مكتوب فيها بأن أرملة 
صانع القفازات التي خدمت والديه ترث ستمائة درهم. سيتم تسليم النقود إليها وإلى 
ولدها في مبالغ صغيرة أو كبيرة وفق تقدير العمدة الشخصي. 


206 


" كان هناك سر بيئها وبين أخي" قال العمدة, " الحمد لله إنها أزيحت عن طريقه: 
سيرث الولد الان كل المبلغ وسأجعله من الناس المحترمين, من الممكن أن يصير مهنيا 
متازا". وعنئد هذه الكلمات أنزل الله مباركته. 

نادى العمدة على الولد ووعد بأن يعتني به وقال الحمد لله بأن أمه ماتت فهي غير 
صالحة. 

وتم دفن الأم غسالة الملايس في المقبرة, مقبرة الفقراء. زرعت مارن شجيرة ورد 
جوري عند قبرها ووقف الولد إلى جانبها. 

" أمي العزيزة" قال الولد وانهالت دموعه: أ صحيح انها غير صالحة. 

" كلاء بل انها صالحة". قالت المرأة العجوز ونظرت إلى السماء. " أعلم ذلك منذ 
سنوات ومنذ الليلة الفائتة أيضاً. أقول لك إنها صالحة, والله في ملكوته وسماواته 
يقول إنها صالحة أيضاء دع العالم كله يقول إنها غير صالحة". 


كتبت في عام ١40617‏ 


3711 


من مجموعة حكايات خرافية وقصص حديدة 


للفترة بين ه ١1“‏ - "11 


319 


حساء عود السجق' 


"كان عشاءً رائعاً بالأمس" قالت الفأرة لآخر لم يكن معهم في الحفلة. " لقد 
جلست الرقم الواحد والعشرين من ملك الفئران العجوز؛ وذلك ليس بالقليل! هل أخبرك 
عن الوجبات... تم اختيارها بحساب جيد مع بعضها بعضاً. خبز عفن شحم ولحم 
خنزير, جلد خنزير.- والشيء نفنلومن عديدا ذلك ممتاز وكأننا تناولئا وجبتين. كانت 
الأجواء مريحة وكان هناك هذرٌ رائع. مثلما يحدث داخل العائلة؛ لم يتبق شيء البتة, 
عدا عيدان السجق, لذلك أخذنا نتحدث عنهاء ومن هنا ف العكرد. عمل حساء 
بعود سجق؛ الجميع سمع بذلك ولكن لا أحد قد ذاق الحساء. ولا يعرف كيف يعمل 
ذلك اطلاقاً. وقد رفع نخب جميل للغاية للمكتشف. استحق ان يكون مدير دار 
الفقراء! أ ليس ذلك طريفاً؟ وقد نهض ملك الفئران العجوز من مكانه ووعد تلك التي 
تتمكن من بين الفأرات الشابات من صنع الحساء المذكور الأطيب مذاقاً ستكون ملكته 


ولها سئون وأيام لتفكر. " 
" يالها من فرصة عظيمة". قالت فأرة أخرى؛ " ولكن كيف يتم عمل هذا 
الحساء؟" 


" صحيح. كيف يعمل المرء الحساء؟ ذلك ما سأل الجميع عنه أيضاً. كل الفأرات. 

ا ا ا كر وا وار 00 
تتجشم عناء الخروج إلى العالم الفسيح لتتعلم ذلك: وذلك أمر كان ضروريا. 

١‏ المثل :أن يصنع حساء من عود نقائق يعني ان تطلب الكثير من لا شيء تقريباً- بمفهوم إيجابي أي إنه 
لمن الجيد أن يتمكن المرء من تحقيق شيئ . على الرغم من القليل الذي بحوزته . وفي مفهومها السلبي 
تستخدم حول الإشاعات غير المستندة إلى حقيقة- مثل قصة الريشة التي صارت خمس دجاجات . وه .ك . 
أندرسن يقلب في استخدامه التعبير رأسا على عقب عندما يدع ملك الفئران يعد بمكافأة لمن يأتي له بالوصفة 
هذه , وهو بذلك سيوفر ولاشك الكثير من النقود لإطعام الفئران في مملكته 


331 


ولكن لم يكن من السهل على أحدهم ترك العائلة أو أركان البيت العتيقة من أجل 
ذلكء؛ الحياة ليست رقصاً على قشرة الجبن وتشمماً لجلد الخنزير أبداً. لاء قد يجوع 
الإنسان, أجلء وربما يلتهم القط الواحد حياً منا!" 

هذه الأفكار كانت قد أرعبت ولاشك الأغلبية وردعتهم عن الرحيل في سبيل 
المعرفة؛ وقد تقدم هنا للرحلة أربع فأرات فقط. شابات حيويات ولكن فقيرات؛ فكرت 
أن تتوجه كل واحدة منهن إلى زاوية من زوايا العالم الأربع. وسنرى أي منهن سيرافقها 
الحظ؛ كل واحدة منهن اصطحبت معها عود سجق لتتذكر ما سافرت من أجله؛ 
وسيكون العود عصا ترحالها. 

غادرت الفأرات في الأول من أيار وعادت في الأول من أيار بعد عام ولكن دون 
أن تعود الفأرة الرابعة ولم يسمع عنها شيء, وجاء يوم الحسم. 

" لابد وأن يصاحب المتعة شيء من الحزن دوما". قال ملك الفئران؛ ولكنه أعطى 
أمراً بدعوة كل الفئران على مبعدة أميال عديدة بالحضور؛ عليهم التجمع في المطبخ؛ 
الفأرات الثلاث المسافرات قد اصطفت في صف وحدها؛ ووضع عود سجق مع شريط 
أسود للرابعة المفقودة. لم يجرؤ أحد على قول رأيه. قبل أن تتحدث الثلاث والملك يقول 
ما يجب قوله لاحقا. 

والان سنسمع 


" ما الذي رأته الفأرة الأولى وتعلمته في الرحلة 

" عندما طلعت إلى العالم الفسيح, " قالت الفأرة الصغيرة. " كنت أظن مثل كل 
الشباب في عمريء إنني قد هضمت كل حكم العالم؛ ولكن هذا لم يحصلء, يستلزم 
ذلك سئوات وأياماً قبل أن يحدث ذلك. اخترت الإبحار؛ أبحرت في سفينة كانت 
متوجهه صوب الشمال؛ لقد سمعت إن على الطباخ أثناء الإبحار أن يعرف كيف يدبر 
أموره بما لديه. من السهل تدبر الأمر عندما يكون هناك خزين وافر من اللحم وبراميل 
من السمك المقدد وطحين عفن؛ بها يعيش المرء مترفاً! ولكنه لا يتعلم شيئاً يجلب 
الحساء من عود سجق. أبحرنا أياما وليالي عدة, تأرجحاً وبللاً. وعندما وصلنا حيث 
يجب تركت السفينة؛ كان ذلك في أعالي الشمال. 


362 


من الغريب أن يطلع أحدنا من جحره؛ يركب سفينة فيها أيضا نوع من جحرء 
وفجأة يكون على مبعدة مئات الأميال في بلد غريب. كانت هناك غابات موحشة من 
الصنوبر وكانت الأشجار فيها تفوح بعطر نفاذ؛ لا أحب هذا العطر, الأعشاب البرية 
لها رائحة البهارات. جعلتني أعطس, أفكر بالسجق. وكانت هناك بحيرات غابة 
كبيرة, بدا الماء رائقا جدا بالقرب منهاء ولكن على مبعدة منها يبدو أسود كالحبر؛ 
طفت بجعات بيضء تصورتها رغوة؛, كانت تستلقي بهدوء كبير ولكنني رأيتها تطيرء 
رأيتها تمشي؛ انها تنتمي إلى عائلة الإوز. يمكن رؤية ذلك بوضوح في طريقة المشي. 
ال ع ان ب أنا أعود إلى فئران 
الحقول والغابات, والذين بالمناسبة جهلهم فظيع, بالتحديد ما يخص وجبات الطعام. 
ومن أجل ذلك كان أن سافرت إلى الخارج. فكرة عمل حساء بعود سجق كانت بالنسبة 
إليهم فكرة ليست عادية بحيث إنها سرت في كل أنحاء الغابة. ولكن هل بالإمكان 
القيام بالمهمة؟ عد هذا من المستحيل؛ 
لم يخطر على بالي؛ إنني هنا في هذا المكان. وإن أحدهم سيسرني بطريقة عملها 

في ذات الليلة. كان ذلك منتصف الصيف لذا فقد فاح عطر الغابة نفاذاً. لهذا كانت 
الأعشاب مبهرة: البحيرات كانت صافية جدا وغامقة بنفس الوقتء بالبجعات البيض 
على سطحها. في طرف الغابة بين ثلاثة أو أربعة بيوت يرتفع عالياً عمود مثل 
الصاري الأكبرء. في أعلاه كان إكليل وشريط. كان صاري أيار". تسابق الشابات 
والشبان في الرقص والغناء حول الصاري مع مصاحبة عازف الكمان. كان هناك طرب 
وفرح عند غروب الشمس وبعدها تحت ضوء القمر. لكنني لم أذهب معهم, ماذا تفصل 
فأرة صغيرة في حفل الرقص في الغابة؟ جلست على بقعة بقعة أشنات ناعمة ممسكة بعود 
السجق. القمر أضاء بالتحديد بقعة الأشئات عند الشجرة. كانت البقعة رقيقة جداء 
أجل. أجرؤ أن أقول إنها كانت رقيقة مثل جلد ملك الفئران. لكنها كانت خضراء لذا 
فقد كانت ذات نفع للعيون. 
صاري أيار ‏ عمود أوساق شجرة ضخم مزين بالأشرطة والأزهار يتم نصبه ليرقص حوله في شهر أيار . وق 

المعتقدات الشعبية في الدول الإسكندنافية فإطلاق أشجار الزان أغصانها الخضر في الربيع هو تعويذة تقي من 

القوى الشريرة ' ويتم الإحتفال بحلول الصيف بإشعال النار وكذلك للحماية من الشر . هذه العادة لم تعد 

متبعة في الدمارك ولكن يتم إحياؤها بشكل واسع في الويد . 


263 


حينها جاء في اللحظة أشخاص صغار بغاية اللطف والرقة يسيرون على إيقاع 
المارش, لم يصلوا لأكثر من ركبتي, كانوا يبدون مثل أناس ولكن بجسم متئاسق 
بشكل أفضل. أطلقوا على أنفسهم " الجن" ولديهم ثياب راقية من أوراق الأزهار 
مرصعة بأجنحة الذباب والبق. على درجة كبيرة من الجمال. حدث ذلك باللحظة. 
وكأنهم كانوا يبحثون عن شيء, لم أعرف ما هوء وجاء إلي بعدها بعضهم وأشار 
أكثرهم رقي إلى عود السجق الذي كان عندي وقال: " هذا هو بالتحديد ما نحتاجه, 
إنه منحوت, إنه ممتاز!" وصار مسروراً أكثر وأكثر برؤيته لعصا الترحال التي معي. 

" لا بأس باستعارتهاء ولكن ليس أخذها", قلت. 

" ليس أخذها" قال الجميع. وأخذوا عود السجق الذي تركته لهم. رقصوا معه 
حتى بقعة الأشنات ورفعوه إلى منتصف الخضرة. كانوا يودون أن يقيموا حفل صاري 
أيار الصيفي. والعود الذي صار عندهم الآن كان بالحقيقة منحوتا لهذا الغرض وقد تم 
تزيينه؛ أجلء حينها صار له منظر جميل أيضاً. 

نسجت العناكب الصغيرة خيوطاً من الذهب حوله. علقت وشاحات مرفرفة وأعلام» 
كانت منسوجة بمهارة عالية» تَمّ قَصرها بضوء القمر إلى بياض ثلجي حتى غشي لونها 
عيني؛ أخذوا ألواناً من الفراشات رشقوا بها الكتان الأبيض, ولمعت هناك زهور 
وماسات, ولم أعد أتعرف بعدها على عصاي ؛ الشكل الذي صار عليه صاري أيار هذا 
لم يكن له بالتأكيد شبيه في العالم. وحينها بدأ بالفعل حفل الجن الكبيرء كان حفلا 
بدون ثياب على الإطلاق. لا يمكن أن يكون بشكل أكثر رقياً من هذا. ولقد تمت دعوتي 
للتفرج على الحفل؛ ولكن من على مبعدة لأن حجمي كان كبيراً بالنسبة إليهم. 

وبدأوا بلعبة وكأن آلافاً من النواقيس الزجاجية ترن, بكثافة وقوة, ظننت أنها 
بجعات تغني. أجل؛ اعتقدت إني أسمع طائر الوقواق و السمانى. وكأن الغابة بأكملها 
ترن. كانت هناك أصوات اطفال. رئين أجراس وغناء طيورء أرق الألحان. وكل ذلك 
الجمال الموسيقيء الرنين الجميل الآتي من ذلك الصاري كان عزف أجراس بالكامل. وقد 
كانت هي عصاي.لم أتصور أبداً أن يصدر منها كل هذاء ولكن ذلك يعتمد على 
الأيادي التي تعزف عليها. لقد تأثرت جدا بذلك حتى بكيت, بقدر ما يمكن لفأر صغير 
أن يبكي, من شدة الفرح ليس إلا. 


2354 


الليل كان قصيراً جدا! ولكنه لم يكن كذلك هناك في الأعالي في ذلك الوقت. عند 
الفجر جاءت هبة ريح؛ فتموجت صفحة الماء على بحيرة الغابة» كل الوشاحات المحلقة 
والأعلام طارت في الهواء؛ تأرجحت الأبراج, والجسور المعلقة والأسيجة وكل ما يسمى 
ولا يسمى من نسيج العنكبوت التي تنقلت من ورقة إلى ورقة. ثم طار واختفى كل شيء 
وكأن شيئًا لم يكن. جاء ستة من الجن جلبوا عصاي. وسألوني في الوقت ذاته إن كانت 
لدي أمنيةٌ يمكنهم تحقيقها؛ حينها رجوتهم إخباري عن كيفية عمل حساء بعود سجق. 


" كيف سنتصرف؟ ", قال أكثرهم رقياً وضحكاً, " لقد رأيت ذلك للتو بعينيك! 

بالكاد تعرفت على عصاك" ١‏ 
"” تقصدون إن عملها بهذه الطريقة!", قلت قلت وأخبرتهم مباشرة عن سبب سفريء وما 

ينتظرونه مني في بلدي. 

وسألت: " ماذا ينفع ملك الفئران وكل مملكتنا العظيمة إن أخبرتهم إني رأيت كل 
هذا الجمال. لا يمكنني هز العصا والقول ها هي العصاء ستكون هذه نوعاً من وجبةٍ 
يشيع المرء منها!” 

حينها غطس الجني إصبعه الصغير في زهر البنفسج وقال لي: " احذري. سأطلي 
عصاك وعندما ستصلين يلدك حيث قصر ملك الفئران, لامسي بالعصا صدر الملك 
الدافئ وستطلع زهرات البنفسج على طول العصا في أبرد وقت من الشتاء. وهكذا 
سيكون عندك ما تأخذينه لبلدك وشيء صغير فوق ذلك!" وقبل أن تخبرهم الفأرة 
المتغيرة عن له لقني الضفين أذارت:العضا تجا صدر الملك وبالفعل :طلغت 
بالحال أجمل باقة بنفسج فاحت بعطر نفاذ حتى إن ملك الفئران أمر الفئران الذين وقفوا 
على مقرية من موقد النار أن يدسوا ذيولهم في النار كي يحصلوا على القليل من 
رائحة العرق لأن رائحة البنفسج هذه لا يمكن لأحد أن يطيقهاء لم تكن من النوع الذي 

" ولكن ما هو الشيء الصغيرء الذي تحدثت عنه!" سأل ملك الفئران. " نعم" قالت 
الفأرة الصغيرة, " ذلك ما يسمونه التأثير " وأدارت عود السجق بعدها 5 تعد هناك 
أزهار. لقد مسكت عصا عارية لا غير ورفعتها مثل عصا الموسيقي. 


355 


" ازهار البنفسج هي للبصر والشم والإحساس" قال لي الجنيء " ولكن ما يزال 
هناك شيء للسمع والذوق!" وضربت إيقاعا؛ كان موسيقى, لم يشبه ذلك الرنين الذي 
كان في الغابة لحفل الجن. كلاء كان كالذي يمكن سماعه في المطبخ. هكذا إذلًء كان 
هناك طبغ! حصل بلحظة واحدة. كأن الريح تصمّر عبر كل أنابيب المداخن, أباريق غلي 
الماء والقدور تفورء مجرفة الجمر تدق أبريق غلي الماء النحاسي. وبعد ذلك, بلحظة هدأ 
كل شيء؛ سمّعت أغنية ابريق الشاي البخارية, كانت غريبة جداء لم يفهم المرء إطلاقا 
إن كانت قد انتهت أم بدأت؛ والقدر الصغير يغلي والقدر الكبير يغلي؛ ولم يتفق الأول 
مع الثاني وكأنه لم يكن هناك عقل للقدور. وحركت الفأرة الصغيرة عصا الموسيقى 
بعنف اشد واشد, - ازبدت القدور. بقبقت. فارت, والريح صفرت, والمداخن صوتت- 
هووووو! صار الأمر فظيعاً. إلى درجة أن الفأرة الصغيرة رمت العصا من يدها. 

" إنه حساء صعب" قال ملك الفتران, " أ لن تأتي الوجبة إذاً؟" 

" هذا هو كل شي»" قالت الفأرة الصغيرة وانحنت. 

" كل شيء؟", " لنسمع ما لدى الثانية" قال ملك الفئران. 


" ما الذي كان بإمكان الفأرة الثانية قوله 

" لقد ولدت في مكتبة القصرء" قالت الفأرة الثانية, " أنا والعديد منا في العائلة 
لم يحالفنا الحظ أبدا بالحضور إلى غرفة الطعام. ولا حتى إلى غرفة خزن الطعام؛ لم 
أكن قبل سفري قد رأيت مطبخاً. اليوم هئا وللمرة الأولى أرى فيها مطبخاً. نحن 
نعاني حقاً من جوع في المكتبة, ولكننا حصلنا على الكثير من المعرفة. وهناك وصلتنا 
الإشاعة حول الجائزة الملكية التي وضعت لعمل حساء بعود سجق وعندها سحبت 
جدتي العجوز مخطوطةً لا يمكنها قراءتها ولكنها سمعت من قرأها جهراً وقد كُتب 
فيه :"إن كان لز هاعر فبإمكانه عيل حساء تعؤه يتهق *: وسالس إنكت 
شاعرة. كنت بريئة من ذلك فقالت إن علي أن أعمل لكي أكون كذلك. فسألتها وما 
الذي تتطلبه كتابة الشعر؟ بالنسبة إلي فصعوبته مثل صعوبة عمل الحساء؛ ولكن 
الجدة كانت قد سمعت ما كُتب؛ قالت إن هناك ثلاثئة عناصر مهمة: الإدراكء المخيلة 
والإحساس! إن تمكنت من احتوائها فأنت شاعرة وستجدين حينها بالتأكيد حلاً فيما 
يخص عود السجق". 


356 


لذا فقد توجهت غرباً في العالم الفسيح لكي أصير شاعرة. 

قد عرفت أن الإدراك هو الأهم في كل شيء. العنصران الآخران لا يكن المرء لهما 
تقديراً ! ولذا فقد توجهت أولا إلى الإدراك؛ أجل. أين يسكن هذا ؟ "اقصد النمل وكن 
حكيما!". قالها ملك عظيم في بلد اليهود. قرأت ذلك في المكتبة. مشيت ولم أتوقف 
قبل وصولي أول بيت فلة. حيث أخذت أسترق النظر والسمع لكي أصير حكيمة. 

النمل شعب محترم جداء انهم الإدراك بحد ذاته. كل ما يقومون به هو عملية 
حسابية دقيقة, يحسبون دون كسور. يقولون إن العمل ووضع البيض هو العيش في 
الحاضر, وفي الوقت نفسه هو عمل حساب للغد, وهو ما يقومون به فعلاً. فهم يقسمون 
أنفسهم إلى فل نقي, وفل وسخ؛ الرتبة تتألف من أرقام, ملكة النمل هي الرقم واحد 
ورأيها هو وحده الصح, لقد بلعت كل ال حكمة. وكان يهمني معرفة ذلك. لقد قالت 
ملكة النمل الكثير جدا الذي كان يدل على ذكاء حاد. حتى إنني رأيت أن ذلك كان 
غباء. قالت إن بيوتهم هي الأعلى في العالم ولكن عند بيت النمل كانت هناك شجرة 
أعلى. أعلى بكثير, لا يمكن إنكار ذلك, ولم يتحدث أحد حول: ذات ليلة تاهت فلة 
هناك فدبت إلى أعلى الجذع. ولم تصل ولا حتى إلى تاج الشجرة؛ ولكن في الوقت 
نفسه صعدت أعلى مما وصلته قلة من قبل وحينها استدارت وعادت إلى البيت, 
أخبرتهم في بيت النمل عن شيء أعلى بكثير ولكن النمل بأجمعه وجد في ذلك إهانة 
لكل المجتمع وحكم على النملة بكمّامة الفم ووحدة أبدية؛ وبعدها بوقت قصير جاءت 
له أغرى إلى السجرة وقامت يتين الرخلة والأسحشات. وداقك حول ذلك يتعتفل 
وبغير وضوح كما يقال. ولما كانت النملة هذه فلة وقورة, من النمل النقي, فلقد آمنوا 
بما قالت وعندما ماتت وضعوا قشرة بيض لها كتذكار لمعرفتها المحترمة. قالت الفأرة 
الصغيرة " لقد رأيت النمل يركض بدون توقف وبيضه على ظهره؛ سقطت بيضة من 
واحدة منهاء وجهدت كثيراً من أجل أن تعيدها إلى ظهرها ثانية ولكنها لم تفلح, 
حينها جاءت فملتان وساعدتاها بكل قوتهما حتى كادتا أن تُسقطا البيضتين من على 
ظهريهماء لذا توقفت الإثنتان باللحظة: نفسي أولاً. وقالت ملكة النمل بشأن ذلك إن 
الإدراك والقلب كانا معا هنا ولا شك: " الإثنان يضعاننا في الأعلى بين الكائنات 
العقلانية. الإدراك يقتضي أن يؤخذ بالحسإن أولا. ولي أنا أكبر إدراك!", ونهضت من 


367 


مكانها على أرجلها الخلفية. كان بالإمكان تمييزهاء لا يمكن أن أخطأ بشأن ذلك؛ 
بلعتها. "اقصد النمل وكن حكيماً!" لدي الآن الملكة. 
تقربت أكثر من الشجرة المقصودة, كانت شجرة بلوط, لها جذع عالء تاج عظيم 
وقد كانت هرمة جدا؛ علمت إن كائناً حياً يسكن فيها. إمرأة. تدعى "درياد"'. تولد 
مع الشجرة وتوت معها؛ لقد سمعت عن ذلك في المكتبة؛ وها أنا أرى مثل هذه 
الشجرة؛ يا لها من آنسة بلوط؛ أطلقت صرخة مرعبة عندما رأتني أقترب كثيراً؛ كانت 
مثل كل الآنسات تخاف الفئران» ولكن كان لديها أسباب أكثر من الآخرين: فبإمكاني 
قضم الشجرة بأكملهاء وحياتها متوقفة كما تعرف على ذلك. تحدئت معها بشكل 
لطيف وحميمي. مددتها بالشجاعة, فأخذتني بيديها الرقيقتين وعندما علمت عن سبب 
سفري إلى العالم الفسيح وعدتني إن أحصل ربما في هذا المساء على واحد من الكنزين 
اللذين مازلت أبحث عنهما. أخبرتني إن " فانتاسوس"؛ هو صديقها القريب جداء وإنه 
جميل مثل إله الحب. وإنه غالبا ما يأخذ استراحة هنا تحت أغصان شجرة البلوط والتي 
تصفّر حينها بشدة فوقهما معاً. كان يدعوها ب "دريادي". ويدعو الشجرة" شجرتي", 
قالت. البلوط المتعقد. العظيم الجمال كان بالضبط كما يحب. انتشرت الجذور عميقاً 
وبشكل ثابت تحت الأرض, الجذع والتاج ارتفعا عاليا في الهواء النقي وعرفا الثلج 
السافيء الريح العاتية وأشعة الشمس الدافئة كما يجب أن تعرف. أجلء وتابعت 
بعدها. " الطيور تغني هناك في الأعالي عن البلدان الغريبة! وعلى الغصن الوحيد 
الميت بنى اللقلق عشه. ذلك ليصبح المنظر أكثر بهجة؛ ويسمع المرء قليلاً عن بلد 
الأهرامات. كل ذلك كان يعجب فانتاسوس كثيرا. ولم يكن ذلك بالنسبة إليه كافيا 
أيضاً. كان علي أن أحدثه عن الحياة في الغابة منذ أن كنت صغيرة والشجرة كانت 
رضيعة: حتى إن نبتة الحراق كان يمكنها إخفاؤهاء وها هي الآن كبيرة وعظيمة. اجلسي 
خرياد ؛ في الأساباير الافريتية , هن تمذراء أو خورية الغابة أو روح الشجرة بالأخص أشجار البلوط . كل 
شجرة لديها حورية غابة تعيش فيها او بالقرب منها . درياد هي روح انثى الطبيعة التي تتسيد البساتين 
والغايات . كل درياد تولد بشجرة معينة تكون تحت حراستها .حياة الدرياد مرتبطة بحياة الشجرة » إن 
هلكت توت الدرياد معها . 
فانتاسوس ؛ وفق الإسطورة الإغريقية هو المؤول عن توليد صور في الاحلام . استخدمه ه .س . اندرسن 


كمجاز للخيال بشكل عام . 


358 


تحت الإسبرلة العطرية وراقبي جيداء فأنا عندما يصل فانتاسوس سأجد فرصة لأقرصه 
في جناحه. ليهتز وتسقط منه ريشة صغيرة؛ خذيها. فلم يحصل الشعراء على أفضل 
منها؛ وها أنت حصلت على ما يكفي. 

نشاء فاتساسسو وزعت الررشة نه وفيض علدياج "قلت الغارة سمي 
"تركتها في الماء حتى صارت لينة!- ليس :من السهل القضم كي أتحول إلى شاعرة, 
علي في هذه الحال بلع وقضم الكثير. ولكنني قضمتها حتى آخرها! والآن أملك 
الإثنين: الإدراك والمخيلة. ومنهما علمت إن الشيء الثالث يمكن العثور عليه في 
المكتبة. حيث كتب رجل كبير وقال إن هناك روايات وحدها قادرةٌ على تحرير الناس من 
الدموع الزائدة» يعني بمثابة اسفنجة لامتصاص المشاعر. تذكرت بعض تلك الكتب» 
لطالما بدت شهية بالنسبة إلي. كانت كتبا مقروءة جداء مُدَهْة, لابد وأن تحتوي بين 
طياتها على مناهل أبدية. 

عدت إلى البيتء إلى المكتبة. التهمت بالحال ما يقرب من رواية بأكملهاء أقصد 
اللين, اللّب منهاء أما قشر الغلاف المجلد فتركته. وما إن هضمت اللب وآخر غيره حتى 
شعرت إن شيئاً بدأ يتحرك في داخلي, التهمت القليل من الثالث فصرت شاعرة؛ هذا 
ما قلته لنفسي والآخرين. كان عندي ألم في الرأس, ألم في الأمعاء, لا أعرف كل تلك 
الآلام التي ألمت بي, فكرت أي القصص يمكن أن تكون ذات علاقه بعود السجق وقد 
صار عندي الكثير من العيدان في فكري. ملكة النمل كان لديها إدراك غير اعتيادي, 
تذكرت العود الأبيض في فم الرجل الذي تناوله فصار هو والعود غير مرئيين؛ فكرت 
بالعود داخل شراب الجعة*. الوقوف على عود. وضع عود في طريق أحد. من يزرع 
العود لقبره. كل أفكاري دارت حول العيدان! وكان يقتضي كتابةً شعر عنها حين يكون 
أحد ما شاعراً, وهذا ما كنت عليه أنا. فلقد شقيت من أجل أن أكون ذلك! وهكذا كان 
علي أن أطعمكم كل يوم وكل ساعة بعود. بقصة, - أجل, إنه حسائي!" 

" دعونا نسمع الثالثة! قال ملك الفئران. 

" ويص! ويص!" سمع صوت في باب المطبخ, فأرة صغيرة؛ كانت الرابعة فيهن, 
التي اعتقدوا إنها ماتت. خطفت مسرعة, ركضت واصطدمت بعود السجق ذي الوشاح 
م شراب الجقة: هو الجعة مع السكن قافا إليها الكحول ويقدم غاداة ع عد صغير لمزجه في الكأس . 


359 


الأسود في نهايته فسقط. لقد ركضت ليل نهارء ركبت قطار البضائع إذ اتيحت لها 
الفرصة بذلك ومع ذلك فقد وصلت متأخرة تقريباً؛ تدافعت كي تتقدم إلى الأمام وقد 
بدت شعثاء. لقد فقدت عود السجق الخاص بها ولكنها لم تفقد القدرة على الكلام» 
فقد أخذت تتحدث بالحال. وكأن الجميع كانوا إنتظارها والإنصات لها فقط. وكل ما 
تبقى في العالم غير ذي أهمية. تحدثت مباشرة؛ جاءت بشكل غير متوقع؛ إلى درجة 
لم يتسن لأحد حينها الإعتراض عندما كانت تتحدث. وعليئا الآن أن نستمع. 


ماذا كان بإمكان الفأرة الرابعة أن تقول بعد أن تحدثت قبل الثالثة: 
" توجهت بالحال إلى أكبر مدينة " قالت, " لا أذكر الاسم, فأنا لا أتذكر الأسماء 
جيداً. لقد وصلت مع البضائع المصادرة بالقطار إلى مبنى المحافظة, وهناك ركضت إلى 
الشرطي السجان؛ كان يتحدث عن سجنائه, بالأخص عن واحد منهم تفوه بكلمات غير 
محسوبة. وقد تكرر الحديث عنها ثانية وثالثئة وا 0 مذمومة؛ " كل ذلك كان 
حساء بعود سجق!" قالء " ولكن هذا الحساء يمكن أن يكلفه رأسه!", ذلك ما أثار 
اهتمامي بالسجين. " قالت الفأرة الصغيرة, "واغتنمت الفرصة وتسللت إليه؛ خلف 
الأبواب المقفلة هناك دوما جحر فأر!. بدا السجين شاحباً جداًء له لحية كبيرة وعينان 
كبيرتان لامعتان. 
المصباح كان ينفث دخاناً والجدران قد اعتادت ذلك لذا فلم تضح أكثر سواداً. 
السجين كان يخربش الصور والشعر بالأبيض على الأسود. أنا لم أقرأها. أعتقد إنه 
كان طيد را كنت سيفة مرحيا بها لقد أغراتن هايا فطع هين ريناي ركلنات 
ناعمة؛ كان سعيدا بى؛ لقد اطمأننت إليه وصرنا أصدقاء ا لام 
أعطاني الجبنة وقطعة السجق|ا عشت عيشة هانئة؛ كانت بالذات تلك الرفقة 
التي أبقعى: كان يت ركني أركض على يده وذراعه. وحتى أعلى الذراع؛ 00 
أزحف داخل لحيته. يدعوني بصديقته الصغيرة؛ لقد أحببته كثيراً؛ وهذا كان بالتأكيد 
شعوراً متبادلاً! نسيت مهمتي في خضم العالم الفسيح. نسيت عود السجق الذي كان 
عندي في شق في أرضية السجن؛ ما زال العود هناك. كنت أريد اليقاء حيث كنت؛ إن 
رحلت بعيدا فلن يكون لهذا السجين التعيس أحد. و إنه لمن المحزن ألا يكون له أحد 


23250 


في هذا العالم! بقيت, ولكنه لم يبق! لقد تحدث معي بحزن آخر مرة. أعطاني من الخبز 
وقشرة الجبنة الضعف, قبّلني بأصابعه؛ وراح ولم يعد أبداً. أنا لا أعرف قصته. " 
حساء بعود سجق!" قال الشرطي السجان الذي ذهبت إليه. ولكن ما كان يجب أن أثقّ 
به؛ لقد اعتئى بي بيده ولكنه وضعني في قفص.ء في دولاب الدوس؛ كان ذلك قاسياً) 
يركض المرء ويركض ومهما ركض فلن يصل ويغدو إضحوكة! 

حفيدة السجان كانت صغيرة رقيقة بخصلات شعر ذهبية مجعدة؛ وعيئين فرحتين 
جداء وفم يضحك. قالت: " أيتها الفأرة المسكينة!". طلت في قفصي القبيح,؛ سحبت 

سيخ القفل الحديدي فقفزت إلى سدة النافذة ومن ثم إلى مزراب السقف. حرة, حرة! هذا 
ما فكرت به فقط وليس في هدفي من السفرة! 

كانت هناك ظلمة فسيحل الليل, اتخذت غرفة لي في برج قديم. كان يعيش فيه 
حارس وبومة؛ لم أطمئن إلى أي منهما. بالأخص البومة؛ كانت تشبه قطاً وفيها عيب 
كبير فقد كانت تلتهم الفئران؛ ولكن يمكن للمرء أن يكون على خطأ وهذا ما كنت 
عليه؛ كانت بومة متقدمة بالسن محترمة. مثقفة إلى درجة كبيرة. كانت على معرفة 
أكبر من معرفة الحارسء بنفس المقدار الذي كنت عليه. كان صفغار البومة يتذمرون من 
كل شيء؛ قالت لهم: " لا تعملوا حساءً بعود السجق!". وذلك كان أقسى ما يمكن قوله 
هناء كانت تحب عائلتها كثيراً. كنت أثق بها جدا حتى إنني قلت " ويص" من الشقء 
حيث كنت أقيم؛ وقد أحبّت تلك الثقة وضمنت لي إني سأكون في حمايتها؛ لا حيوان 
سيجرؤ على إيذائي. ستقوم هي بذلك في الشتاء إن حصل هناك عوز بالطعام.كانت 
ذكية في كل شيء؛ أثبتت لي إن الحارس لا يمكنه أن ينعق دون بوق معلق بشكل 
منفصل؛ " هو يظن نفسه البومة في هذا البرج! ولابد من التباهي, ولكنه في الحقيقة 
ليس كذلك! حساء بعود سجق؛" رجوتها من أجل أن تعطيني الرعفة. ار لي: 
'"حساء بعود سجق" هو مجرد مثل يقوله الناس. ويفهم بطرق مختلفة, وكل واحد 
يعتقد إن تفسيره هو الأصح؛ ولكن الأمر بكليته لا شي»ء. 

" لا شيء؟" قلت. " قد صَربُتَ على رأسي, الحقيقة ليست دائما مريحة. ولكنها 
هي أعلى شيء! هذا ما قالته ايضاً البومة العجوز. فكرت بذلك وأدركت أنني عندما 
جلبت الحقيقة فذلك يعني أنني جلبت ما هو أكثر بكثير من حساء بعود سجق. لذا فقد 


3901 


أسرعت إنطلاقي لأصل إلى البلد بالوقت المحدد وأجلب الأعلى والأفضل ألا وهي 
الحقيقة. الفئران هم شعب متنور وعلى رأسهم جميعا ملك الفئران. إنه لعلى استعداد 
لتنصيبي ملكة من أجل الحقيقة. 

" حقيقة كاذية! قالت الفأرة التي لم يسمح لها بعد بالتحدث. " بإمكاني صنع 
حساء وهذا ما سأفعله". 


0 كيف تم صنع الحساء 

" أنا لم أسافر؛", قالت الفأرة الرابعة, " لقد بقيت في البلدء وهو الصواب! 
لايتطلب من المرء السفر. فبإمكانه الحصول على كل شيء هنا أيضاً. بقيت: لم أتعلم 
ما تعلمته من كائنات غريبة, لم ألتهم شيئاً لأعرف سر الوصول إلى ذلك. عندي ما 
فكرت به بنفسي. هل لكم أن تضعوا غلاية الماء على الموقد. مملوءةً بالماء. إلى آخرها 
قاماء اشعلوا النار تحتهاء يجب أن تكون ناراً ملتهبة, دعوا الغلاية تفورء تفور جداً 
جدأً والآن القوا العود في الماء. هل يتفضل الملك ويغمس ذيله في الماء الفوار ليحركه! 
كلما طال تحريكه كلما صار الحساء أثخن؛ لايكلف ذلك شيئاً! لاحاجة إلى إضافة 
محتويات, التحريك فقط". 

" ألا يمكن لفأر آخر القيام بذلك؟” سأل الملك. 

" كلا ." قالت الفأرة, " هذه القوة لا توجد إلا في ذيول ملوك الفئران!" 

كان الماء يغلي ويفور. دنا ملك الفئران منه. كان في الأمر مخاطرة وهيأ ذيله كما 
تفعل الفئران في غرف خزن الحليب في المزرعة عندما يخفقون الحليب في طاس لتصعد 
الزيدة ويلعقون الذيل. ولكن لم يكد الملك يغمس ذيله في البخار الحار حتى قفز بالحال: 

" بالطبع أنت ملكتي!" قال الملك, " اما الحساء فيمكننا الإنتظار حتى اليوبيل 
الذهبي لزواجنا وسيكون للفقراء في ملكتي ما يتشوقون له وهي فرحة ستطول. " 

وأقيم العرس؛ ولكن العديد من الفئران قالوا عندما وصلوا بيوتهم: 

" لا يمكن تسميته حساء بعود سجق بل حساء بذيل فأر!" - وقد وجدوا أن بعضاً 
ما قيل عرض بشكل حسن. ولكن الأمر بكليته كان يمكن أن ينتهي بشكل آخر!" لو 
كنت أنا لقلتها هكذا... 


202 


هكذا كان النقدء وهو دوما نقد دقيق ولكن بعد فوات الأوان. 

وهذه القصة دارت العالم بأكمله. وكانت الآراء مختلفة بصددهاء ولكن القصة 
نفسها بقيت كاملة, وهذا هو الصحيح., بخطوطها الكبيرة. والصغيرة: حساء بعود 
سجق؛ ولاحمدا ولا شكورا. 


كتبت في عام 1604 


203 


سياق العدو السريع 


سباق» ولكن للركض طيلة عام. 

" لقد حصلت على الجائزة الأولى!" قال الأرنب؛ " لابد من قليل من عدالة عندما 
تكون العائلة والأصدقاء المقريون في لجنة التحكيم؛ ولكن أن يحصل الحلزون على 
الجائزة الثانية. هذا ما أجد فيه تقريبا إهانة لي" 

" لا". أكد عمود السياج الذي كان قد شهد توزيع الجوائزء " يجب أن يؤخذ بنظر 
الإعتبار المثابرة والرغبة, ذلك ما قيل من قبل العديد من الأشخاص المحترمين. وهذا 
ما أتفهمه أيضاء صرف الحلزون بالفعل نصف عام كي يعبر عتبة الباب ولكنه كسر 
فخذه خلال عجلته هذه. عاش وحيدا متوحدا لهذا السباق. وقد كان يركض حاملا بيتا! 
- كل ذلك جدير بالتقدير - ولذا فقد حصل على الجائزة الثانية)" 

" كان بالإمكان أخذي أنا بنظر الإعتبار!" قالت السنوئو: " لم يظهر من هو أسرع 
مني في الهروب والتحليق على ما اظن. وكم درت هنا وهناك. 

" أجل هو حظك التعس": قال عمود السياج؛ " أنت تهيم على وجهك كثيرا! 
مغادراً دوماء وخارج البلد حالما يبدأ الجو يتجمد هنا؛ ليس عندك حب الوطن هذا! أنت 
غير مستوف للشروط!" 

قال السنونو:" ولكن إن بقيت في المستنقع طيلة الشتاء وقضيت الوقت كله 
بالنوم. هل سأكون مستوفيا للشروط!" 

" إحصل على شهادة من عجوز المستنقعات أنك فت نصف المدة في الوطن وستعد 
مستوفيا للشروط". قال عمود السياج. 

" كنت أستحق بلا شك الجائزة الأولى؛ لا أقل" قال الحلزون." لاتتصور أني لا 


205 


أعلم أن الأرنب كان يركض فقط بسبب جبئه في كل مرة اعتقد أن هناك خطراً سيحل؛ 
أما أنا وعلى العكس فلقد جعلت من الركض واجب حياتي, وقد تعوقت أثناء خدمتي! 
إن كان هناك من يستحق الجائزة الأولى فهو أنا!- ولكني لن أثير ضجة حول ذلك. 
ذلك ما أحتقره!" وبصق. 

" يمكنني الدفاع بالكلمة والخطبة عن كل جائزة. على الأقل الجوائز التي أعطيت 
صوتي لهاء جميعها قد منحت لغرض عادل!" قال دلال المساحة في الغابة الذي كان 
عضوا حاسما في هيئة الحكام. " أنادي دوما بالنظام بمراجعة الأمور وحسابها. قد 
تمتعت بشرف منح الجائزة لسبع مرات قبل هذه: ولكني لم أتمكن قبل اليوم من فرض 
أمنيتي. لقد انطلقت في كل مرة في توزيع الجوائز من شيء ما مؤكد. أنا انطلق دوما 
من البداية في الحروف بالنسبة للجائزة الأولى ومن الأخير للجائزة الثانية. وإن انتبهتم 
حضرتكم فعندما يأخذ من البداية: الحرف الثامن من " ألف إلى ه". لديئا أرنئب 
[هارين بالدماركية], لذا فقد صوت للأرنب بالنسبة للجائزة الأولى, والحرف الثامن 
من الأخيرء هو " أ ييه" لا يدخل بالحساب فله صوت غير مناسب؛ غير المناسب أعبره 
دوماء ولذا يكون "س" هو الحرف الثامن, لهذا صوت للحلزون(' للجائزة الثانية. المرة 
القادمة سيكون الحرف "إي" للأولى و"ر" للشانية! - يجب أن يكون هناك نظام دوما 
لكل شيء! لابد وأن يلتزم المرء بشيء ما. " 

" وأنا كنت أصوت لنفسي لو لم أكن من بين الحكام" قال البغل الذي كان أيضا في 
لجنة التحكيم, " يجب أن يوْخذ بنظر الإعتبار ليس فقط من يسبق أولا ولكن ما يمتلكه 
المتسابق من قدرات أخرى أيضاء مثل الشيء هذا وهو مقدار ما يمكن سحبه. لم اشأ هذه 
المرة التركيز عليه, ولا ذكاء الأرنب في هروبه, فهذا الذكاء يكمن في قفزته بلحظة إلى 
الجانب لا أكثرء لكي يصرف الناس عن المكان الذي يختفي فيه؛ لاء مازال هناك شيء. 
الكثيرون ينتبهون له والذي لا يجب أن يتم تجاوزه. إنه هو الذي يدعونه الناس الجميل؛ 
هذا الذي ركزت عليه هناء نظرت إلى أذني الأرنب الجميلتين اللتين فتا بصحة وعافية, 
إنه لمن المتعة رؤية طولهما! رأيت نفسي عندما كنت طفلا فيهما ولذلك صوت له" 

" إشش" قالت الذبابة» " أنا لا أريد التكلم, أود فقط قول شيء! اعلم جيدا أنني 


. سنايل بالدماركية‎ ١ 


3526 


قد ركضت سابقة أكثر من أرنبء قبل أيام كُسرت الساقان الخلفيتان لأرنب فتي؛ كنت 
جالسة على ماكنة القطارء غالبا ما أفعل ذلك. هو أفضل مكان يمكن للمرء فيه من 
مراقبة سرعته. أرنب فتي ركض متقدما مسافة طويلة, لم يعرف أني كنت هناك؛ أخيرا 
كان عليه أن يستدير ولكن ساقيه الخلفيتين كسرتا على ماكنة القطار لأني كنت جالسة 
عليها. بقي الأرنب مستلقيا في مكانه وأنا انطلقت متابعة. أليست هي مسألة فوز؟ 
ولكنني لست بحاجة إلى جائزة." 

"' أعتقدء" فكرت وردة الجوري البرية ولكنها لم تقلهاء ليس من طبيعتها أن 
تتحدث رغم أنه قد يكون من الأفضل أن تقوم بذلك. " أعتقد أن شعاع الشمس كان 
يتوجب أن يحصل على جائزة الشرف الأولى؛ والثانية معاً! إنه يطير بلحظة في طريق 
لا يمكن قياسه من الشمس وإلى الأسفل إليناء يصل بقوة حتى إن الطبيعة تستيقظ 
بأكملها له؛ له جماله حتى إن خدودنا نحن الزهرات جميعا تتورد خجلا وتفوح عطرأً! 
لا أعتقد أن لجنة الحكام قد لاحظت ذلك! لو كنت شعاع شمس لأععطيت كل واحد منهم 
ضربة شمس- ولكن ذلك لن يجعلهم غير مجانين. مع هذا يمكن أن يحصل ذلك ! لن 
أقول شيئًا!" فكرت الوردة الجورية البرية؛ " سلام في الغابة! وجميل هو الإزهار, 
الضوع عطرا والإنعاش. العيش في الأساطيرء بين الأغاني! شعاع الشمس يبقينا على 
قيد الحياة جميعا!” 

" ما هي الجائزة الأولى؟" سألت دودة المطر التي استيقظت من نوم عميق ووصلت 
للتو هنا. 

" انها دخول مجاني لحديقة الملفوف!" قال البغل؛ " أنا الذي اقترحت الجائزة! 
الأرنب يجب أن يحصل عليها لذلك وكعضو مفكر فعال أخذت اعتيارا معقولا لفائدة 
من يحصل عليها؛ ها هو الأرنب الان قد كفل عيشه. وسمح للحلزون الجلوس على 
السياج الحجري ولعق الطحلب والشمسء و سيئصب كواحد من الحكام الأوائل في 
العدو السريع لاحقا. كم هو رائع أن يجلس واحد من ذوي الإختصاص في من يطلق 
عليها الناس قمة! كلي ترقب للمستقبل. وها نحن قد بدأنا مقدما بداية حسنة!" 


كتبت عام 1464 


2307 


البنت التي داست على قطعة الخبز 


أنت ولا شك قد سمعت عن البنت التي داست على قطعة الخبز لكي لا يتسخ 
حذاؤها وسمعت عن الذي حصل لها جراء ذلك. ذلك كله قد تم كتابته ونشره. 

كانت فتاة فقيرة. مزهوة ومغرورة, وهي الخصلة السيئة التي فيها. كما يقال. 
عندما كانت صغيرة جدا كان قنص الذباب متعتها الكبرى, تنزع أجنحة الذباب 
وتجعلها حيوانات زاحفة. كانت سك بالخنفساء البيضاء وخنفساء الروث, تخز كلا 
منهما بإبرة» وتضع بعدها ورقة نبات خضراء أو بقايا ورقة عند أقدامهماء وتبقى 
الحيوانات المسكينة هذه محبوسة:ء تدور تنقلب تحاول أن تخلص نفسها من الإبرة. 
"ستقرأ الختفساء البيضاء" قالت إنكا , " ياه. كيف تقلب الصفحة". 

وعندما كبرت صار حالها أسوأ وليس افضل مما كان ولكنها كانت جميلة وقد كان 
ذلك مصدر تعاستهاء وإلا لكانت قد تلقت ضربات أقوى من التي تلقتها. 

" رأسها يابس وعنيد هذه البنت" قالت امها. " لطالما دست على صدريتي عندما 
كنت طفلة, أخشى أن تدوسي على قلبي عندما تكبرين" 

وهو ما فعلته البنت. 

عملت البنت خادمة في الريف عند ناس ذوي حسب ونسب» وقد كانت بالتسبة 
إليهم مثل ابنتهم ولهذا كانت ترتدي أحسن الثياب وقد بدت جميلة فتملكها الغرور. 

عندما مر عام على انتقالها قال لها السيد والسيدة: " لابد لك من زيارة والديك 
يا عزيزتي إنكا" 

وغادرت بالفعل ولكن فقط من أجل أن تتباهى أمامهما بنفسها وأن يرى الناس 
الأحوال التي صارت عليها؛ ولكنها وعندما وصلت إلى مدخل المدينة ورأت الفتيات 
والشباب يدردشون فيما بينهم في الزقاق, ورأت أمها التي جلست هناك على صخرة 


209 


لترتاح بعد أن جمعت حزمة حطب من الغابة استدارت عائدة. كانت خجلة وهي التي 
كانت ترتدي ثيابا راقية أن يكون لها أمْ كهذه رثّة الثياب تجمع العيدان. لم تندم أيدأ 
لأنها استدارت عائدة. كانت منزعجة فقط لذلك. 

ومر نصف عام مرة ثانية منذ ذلك الحين. 

" لابد لك من زيارة والديك العجوزين يا عزيزتي إنكا". قالت سيدة البيت لها. 
"هاك خبزة الحنطة هذه لتأخذيها إليهما؛ ستفرحهما رؤيتك" 

وأزئدت إتكا أبهى خلة لها رعذاها الفندين: كانت ترقع رادها اوسن بجدر 
خشية أن تتسخ قدماهاء لا يمكننا بالطبع لومها على ذلك! ولكنها عندما وصلت إلى 
الممر عبر أراضي المستنقع وقد كانت هناك ميأه وأوحال لمسافة طويلة, رمت الخبزة في 
الوحل لكي تدوس عليها وتحافظ على حذائها نظيفا بعبورها الطريق, ولكنها أثناء 
وقوفها بقدم على الخبزة ورفعها القدم الأخرى غطست في الوحل مع الخبزة أعمق 
وأعمق حتى اختفت تَاما ولم يعد بالإمكان رؤية شيء غير حفرة الماء السوداء المبقبقة. 

هذه كانت القصة. 

ترى أين وصلت؟ لقد وصلت إلى عجوز المستنقعات التي تخمر الجعة. عجوز 
المستنقعات كانت عمة البنات الجنيات. كانوا معارف. لقد كتب الناس عنهم اغان 
ورسموهم. يعرف الناس عن عجوز المستنقعات بأن المروج عندما تتبخر فهذا يعني أن 
عجوز المستنقعات تقوم بالتخمير. إنكا كانت قد غرقت في أسفل خمارتها ولم يكن 
من الممكن تحمل المكان. حتى مصفاة المجاري في القاع كانت تعتبر غرفة تشريفات 
جميلة مضاءة قياسا بخمارة عجوز المستنقعات. كان كل وعاء يفوح برائحة نتنة حتى 
إن الناس كان يغمى عليهم بسبب ذلك. والخوابي كانت تضغط على بعضها بعضاً؛ وإن 
توفر شق صغير لينسل المرء من خلاله تعذر ذلك حينها عليه بسبب ضفادع الطين 
اللزجة كلها هناك والثعابين السمينة التي تلبدت ببعضها بعضاأ؛ هنا غطست إنكا 
الصغيرة؛ كل تلك الحيات القبيحة المتلبدة كانت باردة كالثلج حتى اقشعر بدن إنكا لها 
بأكمله. أجل, لقد تجمدت أكثر وأكثر. ولقد تقيدت بالخيزة والخبزة تجذبها مثلما يجذب 
زر من الكهرب قشة صغيرة. 

كانت عجوز المستنقعات في البيت. أما الخمارة فقد زارها الشيطان وجدته 


400 


العانس السامة جدا التي كانت عجوزاء ولكنها لم تكن يوما عاطلة عن العمل؛ لم 
تكن تغادر بيتها من دون عمل يدوي ما بين يديهاء وقد كان معها هنا أيضاء لقد 
خاطت جلدا لأحذية الناس يجعلهم لا يهجعون أبداء ولقد طرزت أكاذيب وحاكت 
كلمات غير موزونة مخربة. كل ذلك لكي تستخدمه للتدمير والإفساد. إنها لأم عجوز 
ماهرة في الخياطة, في التطريز والحياكة . 

لقد رأت إنكا. وضعت زجاجة النظارة على عينها ونظرت إليها ثانية: " انها بنت 
ذات مواصفات " قالت, " أريدها لي كتذكار. تصلح كتمثال في غرفة تشريفات ابن 
ابني!" 

ولقد حصلت عليها. وهكذا دخلت إنكا في الجحيم. الناس لا تصل في العادة إلى 
أسفل مباشرة, ولكن هناك طريق آخر مختصر عندما يكون عندهم مواصفات. 

كانت غرفة التشريفات في اللا نهاية؛ يصيب المرءً دوار عندما ينظر إلى الأمام 
وكذلك عند النظر إلى الوراء؛ وقد احتشد جمع من الهازلين بانتظار أن يفتح لهم باب 
الفرج: قد يتطلب ذلك الإنتظار طويلا. وقد أخذت العتاكب السمينة الضخمة المتهادية 
بمشيتها تنسج:شبكاتها ذات الألف سنة حول أقدامهم وقد حرّ النسيج عليها مثل أداة 
تعذيب القدم وقبضت عليها مثل سلاسل النحاس الأحمر. وفوق هذا كله كان هناك قلق 
ومعاناة أبدية لكل نفس. من بينهم البخيل الذي وقف وقد نسي مفتاح حصالة نقوده 
في الثقب كما علم. إن التفصيل عن كل تلك الآلام والأوجاع التي ألمت بهم سيأخذ 
وقتا طويلا. وكان شعور إنكا فظيعاً بوقوفها مثل تٌثال؛ كأنها مقيدة من الأسفل 
بالخبزة. 

" هذا ما يحصل للمرء لأنه يود الحفاظ على قدميه نظيفتين" قالت محدثة نفسها. 
" كم هو بغيض أن يحملقوا بي هكذا". ذلك صحيح فالجميع كان يحملق فيها؛ كانت 
شهواتهم الشريرة تضيء في أغعينهم وتحكي من دون صوت في زوايا شفاههم. كان 
منظرهم فظيعا. 

" النظر إلي لابد وان يكون متعة" فكرت إنكا الصغيرة؛ " لدي وجه جميل وثياب 
أنيقة" وأدارت عينيها لكن رقبتها كانت متجمدة لم تطاوع التفاتة عينيها. وكم كانت 
متسخة في بيت تخمير عجوز المستنقعات وهذا ما لم تكن تتوقعه. كانت ثيابها 


401 


وكأنها غسلت بمخاط؛ علقت حية بشعرها وتدلت على رقبتها وقد أطلت من كل ثنية 
من ثنيات فستائها ضفادع الطين التي نبحت مثل كلب صالون. كان ذلك مزعجا جدا. 
" ولكن شكل الآخرين هنا يبدو أيضا مفزعاً" ذلك ما صبّرها. ولكن الأسوأ بين كل هذا 
هو شعورها بالجوع. ألا يمكنها أن تنحني لتقطع لها كسرة من الخبزة التي تقف عليها؟ 
كلاء فظهرها كان متجمذاء ذراعاها ويداها كانتا متجمدتين. كل جسدها كان مثل 
مئال من حجر باستثناء عينيها التي كان بإمكانها تدويرهما في رأسهاء تدويرهما دورة 
كاملة حتى كان بإمكانها النظر إلى الخلف وقد كان ذلك منظراً بشعاً. بعدها جاء 
الذباب, دب على عينيها رواحا ومجيئاء وقد أخذت ترمش بعينيها ولكن الذباب لم 
يطر إذ لم يكن بإمكانه ذلك؛ فأجنحتهما قد نتفت وصارت حيوانات زاحفة؛ كان ذلك 
مؤلما وهذا الجوع أيضاء أجل شعرت أخيرا بأن أمعاءها التهمت بعضها بعضأ وبأنها 
صارت فارغة تماما من الداخل, فارغة بشكل مخيف. 

" إن طال الأمر فلن يكون بإمكاني التحمل" قالت إنكاء ولكن عليها أن تتحمّل 
والأمر قد طال هكذا. 

حينها سقطت دمعة حارقة على رأسهاء تدحرجت على وجهها وصدرها حتى 
وصلت الخبزة. سقطت دمعة أخرى, سقط الكثير. من بكى على إنكا الصغيرة؟ ألم 
يكن لديها أمْ فوق على الأرض؟ دموع الأسى لا تجعل الألم إلا أشد إيلاما. وفوقه 
هذا الجوع القاسي وعدم تمكنها من الوصول إلى الخبزة التي داست عليها؛ صار عندها 
أخيرا شعور بأن كل ما في داخلها قد أكل بعضه بعضاً كانت مثل قصبة رفيعة 
مجوفة تجذب كل صوت إلى داخلها؛ كانت تسمع بوضوح كل ما يخصها فوق على 
الأرض وقد كان ما سمعته مؤلما وقاسيا. أمها كانت تبكي من الأعماق بأسى ولكنها 
قالت " ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. هو حظك التعيس يا إنكا! كم آلمت أمك" 

أمها والجميع فوق كانوا يعرفون خطيئتهاء بأنها قد داست على الخبزة». غطست 
في الأرض واختفت تحتها. ذلك ما قاله راعي البقر فقد رأى ذلك بأم عينه من ا منحدر. 

" كم آلمت أمك يا إنكا" قالت الأم؛ " كنت أعرف بما سيحصل" 

فقالت إنكا بداخلها: " ليتني لم أولد أبداً. كان ذلك أحسن بكثيرء ما الذي 
يجدي الآن وأمي تبكي" وسمعت ما قاله سيدها وسيدتهاء الناس المحترمون, الذي 
كانوا مثل والدين بالنسبة إليها: 


402 


" كانت طفلة آثمة" قالواء " لم تحترم هدية ربناء بل داستها تحت قدميهاء باب 
الرحمة لن يكون واسعا لها". 

" كان عليهم أن يربوني بشكل أفضل" فكرت إنكاء " ويخلصوني من تلك 
النزوات. إن كانت لدي" 

لقد سمعت بأن الناس قد ألفوا أغنية كاملة عنهاء " المغرورة التي داست على 
الخبز كي يبقى حذاؤها جميلا" 

وقد غنّاها الصغير والكبير في القرية. 

"كم يجب على المرء أن يسمع ثمنا لإثمه وأن يحتمل من أذى!" فكرت إنكا 
"الآخرون يجب أن يعاقبوا أيضا لآثامهم! أجل. سيكون هناك الكثير من الخطايا التي 
يعاقب عليها! يا ويلي, كم أتألم!" 

وصار عقلها أكثر قسوة من قشرتها. 

" هنا في الأسفل لا يصير المرء أفضل يرفقة هؤلاء! وأنا لا أريد أن أصير أفضل, 
كم هي مزعجة حملقتهم في" 

" لديهم الآن ما يحكون عنه هؤلاء الذين فوق, يا ويلي, كم أتألم" 

وسمعت بأن قصتها أخذت تروى للأطفال والأطفال قد أطلقوا عليها " إنكا 
الجاحدة". - " كانت بشعة جدأً": قالوا " " قبيحة جداء يجب إيلامها حقا" 

كان هناك دائما كلمات قاسية عنها في فم الأطفال. 

ولكن في يوم من الأيام التي كان الجوع يقضم في داخل قشرتها الخاوية سمعت 
اسمها يذكر وقصتها تروى لطفلة بريئة صغيرة فشعرت بالبنت تنفجر بالبكاء من قصة 
المغرورة المتغاوية إنكا. 

" ألن تصعد أبدا إلى فوق على الأرض؟" سألت الطفلة الصغيرة. وكان الجواب 
"لن تصعد أبدا إلى فوق" 

"ولكن ماذا لو طلبت المغفرة ولن تفعلها ثانية؟" 

" ولكنها لا تريد طلب المغفرة" قالوا. 

" أمنى من قلبي لو فعلت ذلك" قالت البنت الصغيرة التي لم يمكن مواساتها. 

" سأعطي بيت لعبي إن صعدت إلى فوق! إن ما يحصل لإنكا المسكينة مرعب 


جدا 


0403 


وقد وصلت هذه الكلمات مباشرة لقلب إنكا. وكأنها جعلتها بشكل أفضل؛ كانت 
هي المرة الأولى التي يقول فيها أحد " إنكا المسكينة" ولا يضيف أقل ما يقال عن 
خطئها؛ طفلة صغيرة بريئة بكت من أجلها وصلت لها. لقد حدث شيء غريب لها إثر 
ذلك كانت تود أن تبكي ولكنها لا تستطيع البكاء وذلك كان أيضا عذابا لها. 


بمرور السنوات فوق على الأرض لم يحصل هناك تغيير في الأسفل. كان من النادر 
أن تسمع صوتاً من الأعلى, قل الحديث عنها؛ عندها سمعت يوما تنهيدة: " إنكاء 
إنكاء كم آلمتني! كنت أعرف ما سيحصل لك" كانت أمها قد ماتت. 

كانت تسمع احيانا اسمها يلفظ من قبل سيديها العجوزين؛ وكانت أرق الكلمات 
التي قالاها: 

" هل يا ترى سنراك ثانية يا إنكاء نحن لا نعلم أين سنذهب" 

ولكن إنكا كانت تدرك بكل تأكيد أن أمها الوقورة لن تستطيع الوصول إليها 
حيث تكون. 

وهكذا مر زمن ثانية. طويل ومر. 

وسمعت إنكا اسمها ثانية ورأت فوقها ما يشبه نجمتين صاحيتين تلمعان؛ كانتا 
عينين لطيفتين قد اغلقتا على الأرض. لقد مر العديد من السنين منذ تلك المرة التي بكت 
فيها الطفلة الصغيرة التي لم يمكن مواساتها على " إنكا المسكينة". حتى إن هذه الطفلة 
صارت إمرأة عجوزا اختارها ربها الان؛ وبهذه اللحظة بالذات. عندما تجمعت كل الأفكار 
لمجمل حياتها تذكرت هي أيضا كيف كانت وهي طفلة صغيرة تبكي بمرارة عندما تسمع 
قصة إنكا ذلك الوقت والإنطباع كانا حيين قريبين للمرأة العجوز في ساعة موتها حتى 
انها صاحت " اللهم. ربي, أ ليس من المحتمل أن أكون أنا أيضا مثل إنكا قد دست على 
نعمتك الطيبة ولم أفكر بذلك؟ أ لا يحتمل أن يكون الغرور قد ركبني وإنك انت برحمتك 
الذي لم تدعني أغرق فأبقيتني فوق؟ لا تتخل عني في لحظتي الأخيرة" 


وانغلقت عينا العجوز وانفتحت عينا الروح للمخفي. عندها كانت إنكا صاحية 
جدا في أفكارها الأخيرة. رأتها. رأت كم سحبت عميقا إلى الأسفل ويهذا المنظر 


404 


انفجرت المرأة التقية بالبكاء. وقفت في ملكوته مثل الطفلة تبكي على إنكا المسكينة! 
هذه الدموع والصلوات رنت مثل صدى في الغلاف الخاوي الفارغ الذي يحيط بالروح 
المعذبة الحبيسة, التي عُمرَت بالحب الذي لم تفكر يوما بأن تقابله. ملاك سماوي بكى 
عليها. لم استحقت هي كل ذلك؟ الروح المعذبة وكأنها فكرت في كل أعمالها التي 
قامت بها في الحياة الدنيا مرة واحدة. اختضت ببكائها الذي لم يمكن لإنكا يوما أن 
تفعله؛ ملأها الأسى على نفسها. ظنت بأن باب الرحمة لن يفتح على وسعه لها يوماء 
وفي هذه اللحظة, أثناء اعترافها المؤلم بإثمهاء أضاء شعاع في الجوف الكبير. وصل 
الشعاع بقوة أكبر من شعاع الشمس الذي أذاب الرجل الثلجي الذي صنعه الأولاد في 
الفناء. وحينها ذاب قوام إنكا المتحجر أسرع بكثير من ندف الثلج الذي يتساقط على 
فم الطفل الدافئ؛ يذوب مثل قطرة ويتبخر. طير صغير حلق كالبرق بخط متعرج عاليا 
تجاه عالم الناس, ولكنه نظر بخوف ووجل لكل ماحوله. خجل من نفسه ومن كل 
المخلوقات الحية وأسرع ليبحث له عن مخبأ في ثقب مظلم وجده في جدار مهدم؛ هناك 
جلس متقرفصاً يختض جسمه بأكمله. ولم يمكنه أن يطلق صوتاء لم يملك صوتا: جلس 
طويلا قبل أن يتمكن بهدوء من النظر والشعور بكل هذه العظمة في الخارج! أجلء انها 
عظمة: الهواء كان منعشا جدا ورقيقاء كان القمر ساطعاً والأشجار والشجيرات فاحت 
بعطرها؛ وقد كان المكان الذي جلس فيه مريحا أآمنا واللباس الريشي نظيفا جدا 
وناعما. ياه, كم كان كل ماخلق من حوله ممنوحا بحب وعظمة. كل هذه الأفكار التي 
لامست صدر الطير كانت تريد ان تنطلق إلى الخارج غناء. ولكن الطير لم يكن قادراً 
على ذلك. ليته يغني مثل الوقواق والعندليب في الربيع. ربنا الذي يسمع حتى تسبيح 
الدودة التي بلا صوت شعر بعرفان الطير هناء الذي تشكل اللحن في رأسه مثل رنين 
ترتيلة دينية في صدر داودء قبل أن يكون كلمة ولحنا. 

وكبرت وتطورت تلك الأغاني التي كانت بلا صوت برور الأيام والأسابيع. كان 
يجب أن تشقّ الصدر وتخرج. بأول خفقة جنح في نية فعل خير. وقد كان على الطير 
فعل الخير بالفعل. 

جاء عيد الميلاد المقدس. الفلاح رفع عمود الشوفان عاليا وربط ضبة شوفان غير 
مدروس لكي تسعد الطيور في السماء بعيد الميلاد وتهناأ بوجبة في أيام المخلص هذه. 


405 


وطلعت الشمس صباح يوم المبلاد وأشرقت على عمود الشوفان و العصافير 
المسقسقة طارت حول عود أكلهاء حينها رن ايضا صوت من الجدار " ويص. ويص" 
الفكرة التي تضخمت أصبحت صوتاء والصفير الضعيف كان اغنية تسبيح للفرح, 
فكرة فعل الخير قد استيقظت وطار الطير من مخبئه؛ ولا شك في أنهم في ملكوته 
السماوي كانوا يعلمون أي طير كان. 

وحل الشتاء بكل قوته. المياه كانت متجمدة قاماً. والطيور وحيوانات الغابة كانت 
في الوقت العصيب من أجل الحصول على طعام. طار الطير الصغير على الطريق 
الزراعي وهناك على آثار الزلاجات بحث ووجد له حبةً هنا وحبةًٌ هناك وفي أمكنة 
الإستراحة عثر على فتات خبز التقط منه قطعة فقط ونادى على كل العصافير 
المتضورة جوعا: هنا يمكن العثور على طعام. طار إلى المدن, باحثا في مكان, حيث يد 
عطوفة نثرت فتات الخبز عند النافذة للطيورء وقد التقط هو قطعة صغيرة فقط وترك 
الباقي للآخرين. 

كان الطير قد جمع واعطى أثناء الشتاء الكثير من فتات الخبزء حتى وصل وزنه 
إلى وزن الخبزة التي داست عليها إنكا الصغيرة كي لا يتسخ حذاؤهاء وفي حبة فتات 
الخبز الأخيرة التي جمعها ومنحها تحول الجناحان الرماديان إلى جناحين أبيضين وانفردا. 

" هناك طائر نورس يطير على البحيرة !" قال الأطفال الذين رأوا الطائر الأبيض؛ 
ها هو يغط في البحيرة, ها هو يرتفع عالياً تحت الشمس.ء إنه يلمع؛ ولم يكن ممكنا 
رؤيته بعدهاء قالوا إنه طار في عين الشمس. 


كتبت في عام ١8465‏ 


406 


ريشة ومحبرة 


روي من داخل مكتب شاعر حالما نُظرَ إلى محبرته الموضوعة على الطاولة: 
"عجيب ما يمكن أن يطلعَ من هذه المحيرة, تُرى ما الذي سيأتي منها بعد؟ أجل إنه لأمر 

" إنه لكذلك" قالت المحبرة؛ " بل لا يمكن استيعابه. هذا ما أقوله دوم" موجهة 
كلامها للريشة وغيرها من هو موجود على الطاولة و يمكنه سماع ذلك. " عجيب كل ما 
يصدرٌ مني. يكاد يكون أمراً يَصعبْ تصديقّه, وأنا شخصياً لا أعرف ما الذي سيأتي 
مني عندما يبدأ هذا الإنسان غرفّهُ مني, فقطرةٌ مني تكفي لنصف صفحة بكل ما يمكن 
أن يأتي فيهاء إنني شيء عجيب حقاً, فمني أَنَتَْ كل أعمال الشعراء. تلك الأعمال هي 
أناسٌ أحياء يعتقد الناس بأنهم يعرفونهم, تلك المشاعر التي تأتي من الأعماق وتلك 
الأمزجة الحسئة, ذلك الوصف الرائع للطبيعة؛ أنا شخصيآ لا أفهمها لأنني لا أعرف 
الطبيعة. ولكن هكذا هو الأمر في داخلي بالفعل. مني خَّرِجّ هذا الحشد من الفتيات 
الرقيقات المتمايلات؛ والفرسان الشجعان على الخيول الجامحة, أجل. أنا لا أعرفهم 
شخصياً, أؤكد لكم بأني لا أفكر بذلك حينها". 

" إنك على حق" قالت الريشة؛ " حضرتك لا تفكرين إطلاقاً. إذ لو فكرت 
فستدركين بأنك لا تعطين غير سائل. غير رطوبة لكي أتمكن أنا من القول وإيضاح مآ 
بداخلي وما أكتبّه على الورق. الريشةٌ هي الكاتب, لا يختلف حول ذلك إثنان من 
البشرء أغلب الناس لا تملك الفهم الكافي للشعر شأنها شأن المحبرة القديمة". 

فقالت لها المحبرة: "كل ما لدى حضرتك هو خَبرةٌ قليلةٌ. لم مض على خدمتك هنا 
غير أسبوع وها أنت قد بّليت» هل تظنين بأنك الشاعر, أنت لست سوى خادمة, وكان 
عندي الكثير ممن هم على شاكلتك قبل أن تأتي إلى هناء وكانوا متحدرين إما من 


407 


عائلة أوز أو من معمل انكليزي؛ أنا أعرف كلاً من الريشة وقلم الحبرء كان عندي 
الكقيرامن الخدم وسأحصل على المزيد مهم عندما يأتي هذا الانسان ويستخدمتي: 
سيأتي ويكتب ما يحصل عليه من جوفي. الله يعلم ما الذي سيصطاده باديء ذي بدء 
مني" . 0 

" أنت لست سوى وعاء حبر ليس إلا" قالت الريشة. 

عندما تقدم المساء وصل الشاعر إلى بيته. وكان قد حضر حفلاً موسيقياً استمع 
فيه إلى عازف كمان رائع ما جَعَلَه مُنتشياً مأخوذاً بذلك العزف الذي لم يكن له شبيه. 
كان انهماراً رائعا للنغمات جاء من تلك الآلة وكأنه رنين قطرات ماء., لوْلوْة بعد لؤلؤة: 
بل سقسقة جوق من العصافير. مثل عاصفة هابة عبر غابة صنوبر؛ ظن الشاعر بأنه 
يسمع قلبه وهو يبكي, وكأنه لحن يسمّعه بصوت إمرأة جميل. وكأن أوتار الكمان لم 
تكن هي التي رنّت. بل زند الكمان, أجلء, مفاتيح الكمان واللوحة المصوتة, كانت أمرآ 
استثنائياً. وصعباً أيضاء ولكنه بدا مثل لعبة وكأن القوس يركض ذهابأ وإياباً على 
الأوتار, يكاد كل واحد يظن أن بإمكانه تقليد ذلك. الكمان رن لوحده, القوس عَرْفَ 
وحدهء الإثنان أَنَمّا العمل بأكمله. نسي المرء السيد الذي قادهماء الذي منحهما الحياة 
والروح؛ نسي المرء العازف ولكن الشاعر فكّر به. ذكره وكتب أفكاره هذه حول العازف 
على الورق؛ 

" يا للغباء, أن يتعالى القوس والكمان على فنيهماء وهو أيضا ما نفعله نحن 
البشر مراراً. الشاعرء الفنانء المخترع, القائد العسكري؛ نحن جميعاً نتعالى, وما نحن 
جميعاإلا آلات يُعزف عليها ربناء له وحده الحمد, أما نحن فليس لديئا ما نتعالى 
3 

هذا ما كتبه الشاعر. كتشبيه أطلق عليه " السيد والآلات". 

"ها أنت قد عرفت الآن يا مدام؛ سمعت بالتأكيد الذي كتبته أنا وقرأه هو بصوت 
عال". قالت الريشة للمحبرة عندما كانتا وحيدتين. 

'" أجل سمعت ما أعطيتك أنا إياه لتكتبيه. كان ذلك لو تعلمين غمزة على 
تعاليك. على عدم فهمك لما يُراد به الهّزء منك. كانت غمزة من أعماقي مباشرةٌ لك 
وهي طريقتي للتشفي منك". 


408 


"أن لبت سوى حمالة حبر اليس إلا" الت الريشة: 

“ وأنت لنت سوئ أداة للكنابة ليس" إلا". قالث المخيرة". 

كان لدى كل منهما قناعةٌ تامةٌ بأنها على صوابء وإنها لقناعة مريحة أن تعلم 
بأنكَ تملك الجواب الصح.ء فبإمكان المرء أن ينام وهو مطمئن لذلك, وهو ما فعلته كل 
منهما؛ أما الشاعر فلم ينم, إنهالت عليه الأفكار مثلَّ أنغام كمان. تتدحرج مثل 
اللؤلؤ. تهب مثل عاصفة عبر الغابة» أحس عندها بوجيب قلبه. وشعر بومضة نور من 
الذات الإلهية الأبدية. " له الحمد وحده". 


كتبت في عام ١45٠0‏ 


009 


من محجموعة الحكايات الخرافية والقصص 


في الهترة ؟185- “1851 


411 


وردة من قبر هوميروس 


في كل أغاني الشرق يُصدح عشق العندليب للوردة؛ في الليالي الصامتة الممتائة 
بالنجوم يمح هذا المغني الْمجنّح وردته العطرة أغنية حب. على مقربة من إزمير تحت 
أشجار الدلُب العالية إذ يحدو التاجر بجماله الْمحَملةَ التي تشمخ بأعناقها الطويلة 
وتدوس متلبكة على أرض مقدسة. هناك رأيت سياج ورد مزهراً. وحماماً يطير بين 
أغصان الشجرة العالية, لمعت أجنحته, إذ انزلق شعاع الشمس فوقها فبدت كأنها 
الصدف. فوق سياج الورد كانت هناك وردة جورية الأجمل من بين الورود. لها تغنى 
العندليب بآلامه في العشق ولكن الوردة كانت صامتة, لم تذرف حتى قطرة ندى على 
أوراقها كدمعة عطف. الوردة تدلّت بغصنها على بضع صخور كبيرة. " هنا يرقد أكبر 
مغن على وجه الأرض". قالت الوردة الجورية," أريد أن أنشر عبقي على قبرهء وأوراقي 
عندما تقتلعها الريح! مغني الإلياذة صار جزءاً من هذا التراب الذي أفو فيه! أنا وردة 
من قبر هوميروس, أنا أقدس من أن أزهر لعندليب فقير!" 

ومات العندليب غناءً. حادي الإبل جاء بإبله المحملة وعبيده السود عندما عثر 
صبيه الصغير على المغني الصغير وقام بدفنه في قبر هوميروس الأكبر؛ ارتعدت الوردة 
بهبوب الريح, حل المساء وأغلقت الوردة أوراقها وحلمت بأن هناك في يوم صحو مشرق 
جميل جاء حشدٌ من الرجال من بلاد الفرنجة مسافرين لحج قبر هوميروس من بين الغرباء 
كان مغن من الشمال من بيوت الضباب والشفق الشمالي, قطع الوردة. ضغطها في 
كتاب وأخذها هكذا معه إلى جزء آخر من العالم إلى أرض أجداده البعيدة. والوردة 
ذبلت من الحزن. محبوسة بين اوراق الكتاب المحشورة الذي فتحه في بلاده وقال: هنا 
توجد وردة من قبر هوميروس. 

هذا ما رأته الوردة في منامها. استيقظت واقشعرت من الريح. سقطت قطرة ندى 


413 


من أوراقها على قبر المغني واشرقت الشمس وصار الجو حارا والوردة ازداد جمالها اكثر 
من قبل, كانت في آسيتها الحارة. حينها سمعّ وقع خطوات. جاء غرباء من الإفرنجة 
وهم الذين رأتهم الوردة في منامها. 

ومن بين الغرباء كان هناك شاعر من الشمال: قطع الوردة وضغط فمها النضر 
بقبلة وأخذها معه إلى بيت الضباب والشفق الشمالي. كمومياء ترقد جثة الوردة الان 
في إلياذته, وكأنها في المنام تسمعه يفتح الكتاب ويقول: هنا وردة من قبر هوميروس 


كتبت في عام ١4517‏ 


414 


الجدة 


الجدة عجورٌ, في وجهها الكثيرٌ من التجاعيد وشعرها أبيض ماماً. ولكن عينيها 
تلمعان مثل نجمتين, يا لجمالهماء إنهما حنونتان والنظر فيهما بَركةٌ. و علاوة على كل 
ذلك فهي تحكي لنا أحلى القصص. تلبس الجدة ثوباً بزهرات كبيرة جداء إنه فستان 
قماشه من الحرير السميك الذي يخشخش. الجدة تعرف الكثير لأنها عاشت طويلا قبل 
الأب والأم. وهذه حقيقةٌ لا شك فيها. لدى الجدة كتاب أناشيد دينية يُقْقَل بإيزيم من 
الفضة, تقرأ فيه بين حين وآخر. وفي منتصفه كانت هناك وردةٌ جوريةٌ جافة مضغوطة 
ليست بجمال الورود الجورية التي تضعها في المزهرية, مع هذا فهي تبتسم لتلك الوردة 
الجافة بكل لطف وحنانء بل ينساب الدمع مترقرقاً من عينيها. لكن لماذا تنظر الجدةٌ 
هكذا إلى تلك الوردة الذابلة في الكتاب القديم؟ هل تعرف السبب؟ في كل مرة تسقط 
دمعةٌ من عيني الجدة على الوردة يعودٌ اللون إليهاء تنتعش وقتليء الغرفةٌ بعطرهاء 
والجدران تختفي مثل غيمة, حولها كل اخضرار الغابة الجميلة حيث يخترق شعاع 
الشمس الأوراق, أما الجدة فتعود صبيةً فتاةً بخصلات شعر ذهبية ووجنتين مدورتين 
حمراويين. جميلة رقيقةٌ ليس هناك زهرةٌ بمثل شبابها اليائع؛ أما عيناها فهما الحنونتان 
المباركتان وهما ما يزالان كذلك. يجلس بجانبها رجل يافع ضحم الجئة جميل الوجه؛ 
يناولها الوردة الجورية فتبتسم له. وهي ابتسامةٌ لا تشبه ابتسامة الجدات, لكن بلى هي 
مازالت تبتسم هكذا. وابتعدَ الشاب ومر العديد من الذكريات والشاب الجميل الطلعة 
ما يزال بعيداً» والوردة الجورية تستريح بين طيات كتاب الأناشيد, أما الجدة فهي 
تجلس مرةً ثانية هناء إمرأةٌ عجوز تنظر إلى الوردة الذابلة المستقرة بين طيات الكتاب. 

وقد ماتت الجدة الآن. كانت ذات يوم تجلس متكئة في كرسيها تسرد القتصص 
الجميلة الطويلة جداء حتى وصلت آخر القصة وقالت: " وعاشوا عيشة سعيدة؛ وانتهت 


415 


القصة, وأنا قد تعبت تّاماً الآنء اتركوني لأنام قليلاً ". بقيت الجدة ساكنة في مكانهاء 
أنفاسها هادئة, وقد نامت. لكن الصمت عم المكان أكثر وأكثر ووجه الجدة يعلوه سلام 
و اطمئنان. وكأن شعاع شمس مر عليه. ومن ثم قالوا إن الجدة قد ماتت 

وقد وضعت الجدة في تابوت أسوة ملفوفة بقماشٍ أبيضن: كانت جميلة جداء رغم 
أن عينيها مغمضتان. ولكن كل الحبياعين اعخفت: و اريت اسان عاق قفي 
كان شعرها أبيض فضياً, يوحي بالوقار. ورغم أنها كانت ميتة فالنظر إليها لم يكن 
مخيفاً بتاتاً: انها هي الجدة الحلوة الطيبة التي تعرفها. وقد وضع كتاب الأناشيد تحت 
رأسها, كما أمرت هي. والوردة بين طياته. وقد تم دفن الجدة. 

عند قبرها زرعوا شجيرة ورد جوري كانت ملأى بالورود. يغني العندليب فوقها, 
وفي الكنيسة يعرف الأورغن وترثّل الأناشيد الدينية المكتوبة في الكتاب تحت رأسها. 
ويسطع القمر قليلاً على القبر, ؛ ولكن الميت لم يكن هناك في المقبرة٠‏ وبإمكان كل طفلٍ 
أن يذهب في منتصف الليل إلى المقبرة ليقطف وردةً دون خوف. الميت يعرف أكثر مما 
يعرفه الأحياء. ا ميت يعرف الخوف الذي نشعر به ازاء حدث غريب كأن يأتي الأموات 
إليناء المبتون أفضل منا جميعا ولن يأتوا. هناك تراب حول التابوت وتراب فيه. 
وسيضير كتاب الأتاشيد بأوراقه تراباًء والوردة وكل الذكريات ستسقط في التراب, 
ولكن فوق القبر ستزهر ورود جديدة. وسيغني العندليب. وسيعرّق الأورغن. سنتذكر 
الجدة العجوز وعينيها الحنونتين اللامعتين إلى الأبد. العيون لا قوت أبداً. عيوتنا 
ستراها ذات يوم , شابةٌ جميلةً. مثلما كانت عندما قبَّلت الوردةً الحمراء اليانعة لأول 
مرة؛ والتي صارت تراب في قبرها الآن. 


كتبت في عام ١8517‏ 


416 


الفتاة اليهودية 


كان هناك بين الأطفال الصغار في مدرسة الفقراء فتاة يهودية صغيرة ذكية وطيبة, 
بل هي من أكثرهم لطفاًء ولكن أمراً واحداً لم تستطع حله ألا وهو درس الدين حيث 
انها كانت في مدرسة مسيحية. 

قرأت خلال درس الدين في كتاب الجغرافية من دون مشكلة, حلت واجبا في مادة 
الحساب؛ وسرعان ما انتهت من قراءة واجباتها كلها. وبالرغم من أن كتاباً مفتوحاً كان 
أمامها لكنها لم تقرأ فيه. جلست منصتة فقط وسرعان ما تنبّه المعلم إلى انها كانت 
تتابع معهم تماماء بل هي أفضل من الآخرين. 

" اقرئي في كتابك " قال لها المعلم بلطف وبجدية ولكنها نظرت إليه بعينيها 
السوداوين اللامعتين ولم تجب, وعندما وجه إليها أسئلةً حول المادة مكنت من الإجابة 
عليها بشكل أفضل من الآخرين؛ فقد كانت تنصت, تفهم وتحفظ. 

كان أبوها فقيراً ولكنه رجل مستقيم؛ وقد اشترط عند دخول طفلته المدرسة ألا 
تُدَرّس المسيحية في درس الدين, وأن تغادر الصف في هذه الحصة, ولأن ذلك سيدعو 
إلى احتقارها ويثير الشكوك من حولها ويؤثر على علاقتها مع الأطفال الآخرين لذلك 
بقيت في الصف, وهذا لم يعد ممكنا بعد الآن. 

ذهب المعلم إلى الأب وقال له. إما أن تنقل ابنتك من هذه المدرسة أو أن تدعها 
تعتنق المسيحية, كما أضاف: " لا يمكنني أن أنظر إلى تلك العينين المحترقتين وذلك 
النداء في أعماقها وكأنه عطش الروح لكلمات الإنجيل". 

وانفجر الأب بالبكاء: " أنا لا أعرف إلا القليل عن دينناء ولكن أمها كانت ابنة 
اسرائيل ذات عقيدة ثابتة قوية ولقد أقسمت لها وهي على سرير الموت ألا تعمد ابنتنا 
كمسيحية؛ وعلي أن أصون وعدي.ء بالنسبة إلي هو عهد قطعته مع الله". 


411 


وتم بعدها إخراج الفتاة الصغيرة من المدرسة المسيحية. 


وفي إحدى المدن الصغيرة في جتلائد كانت هناك فتاة فقيرة من اتباع عقيدة 
موسى تخدم في بيت صغير. كان اسمها سارة؛ شعرها أسود أبنوسي. وعيناها مثل كل 
عيون بنات الشرق غامقتان لكن متألقتان تشعان بالضوء. التعبير المرسوم على وجه 
تلك الفتاة الناضجة هو نفسه الذي كان مرسوما على وجه تلك الطفلة التي جلست على 
مقعدها الدراسي في المدرسة مئصتةً تعكس نظرتها تروياً وتفكيراً. 

كان أورغن الكنيسة يعرف ويرن وتُنشَّدُ التراتيل كل يوم أحد. كان ذلك يُسمّع 
عند 0 لكاي ” ع قار حيث الفتاة اليمهودية نة تقوم بأعمالها ع دؤوبة 
ا و0 غير إحياء هذا اليوم المقدس في 
قلبهاء مع ذلك لم تعتقد بأن هذا كان كافياً. ولكن ما هو اليوم والساعة بالنسبة إلى 
الله تعالى: استيقظت هذه الفكرة في روحها و يوم أحد المسيحين ساعة ذكر الله صار 
أقل إرباكاً؛ فإن وصلها رنين الأورغن والتراتيل الدينية حتى المطبخ حيث تقف عند 
حوض غسيل الصحون سيصير المكان هذا من حولها مقدسا وساكنا. العهد القديم, 
كنوز شعبها 0 لاضركها 0 
شنازة ل تميق 50 ل ك عقيدة أهلها. والعهد الجديد كان بالنسبة 3 
كتاباً مغلقاً بالرغم من أنها تحفظ الكثير منه وقد كان مثل ضوء في ذكريات الطفولة. 

جلست ذات مساء ء في ركن من غرفة الجلوس تسمع سيدها وهو يقرأ عالياً. لقد 
تجرأت على سماع ما يقرأ فلم ب يكن ذلك كتاب الإنجيل, بل كان كتاب تاريخ قديم, ولا 
بأس في انصاتها إليه؛ كان حول فارس هنغاري تم القبض عليه من قبل باشا تركي 
ربطه مع الثيران للحرث, يساط بالسوط ويُذل وراحت صحته تتدهور وتتدهور. زوجة 
الفارس باعت كل مجوهراتها. ورهنت القصر والأرض. وجمع أصدقاؤه مبلغا كبيراً له 
إذ كان ما طُلبّ منهم شيئاً لا يُصدق. وقد أخذوا منهم حتى قطع النقود الصغيرة. 
ورغم ذلك فقد جاء بنتيجة وتم اطلاق سراحه من الأسر والذل. وصل هذا الفارس بيته 


418 


عليلاً يعاني. ولكن سرعان ما تم الإستدعاء لمقارعة أعداء المسيحية, وعندما سمع 
الفارس المريض بذلك لم يهدا له بال ولم يغمض له جفن. ركب حصانه المحارب وقد عاد 
الدم إلى وجنتيه كما استرجع قواه وانطلق. كان النصر حليفه وشاء الحظ أن يقع الباشا 
الذي ربطه للحرث وأذله وجعله يعاني, أسيراً بين يديهء فقاده إلى وطنه والقى به في 
السجن في القلعة. 

جاء الفارس في الساعة الأولى بعد أسر الباشا ليسأله: 

" ما الذي ينتظرك باعتقادك؟" 

فأجابه التركي: " أعرف ما هوء الرد بالمثل بالطبع" 

" نعم, الرد بالمثل مسيحياأ". قال الفارسء " المسيحية تدعونا لأن نغفر لأعدائناء 
وأن نحب الناس جميعاً. الله هو المحبة. إذهب إلى بلدك وأحبائك بسلام؛ كن حنوثاً 
ولطيفاً مع الذين يعانون. 

حينها انفجر السجين بالبكاء: " كيف أصدق أن يحصل هذاء كنت متأكدأ بأنني 
سأعدّب وأعاني, ولقد ابتلعت سماأسيقضي علق بعد ساعات قليلة. سأموت؛ ليس 
هناك من فائدة. ولكن قبل أن أموت. عظني بهذا الدين الذي يسع حباً ورحمة كهذا.ء 
إنه كبير ورباني, دعني أموت على هذه العقيدة. دعني أموت مسيحيا". وقد لُبِيتَ 
دعوته. 

هذه كانت هي القصة الملحمة التي قرأها السيد ولقد سمعوها وأنصتوا لها 
جميعاً. ولكن التي كانت أكثرهم تحرقاً في متابعتها والتي تخيلت القصة حية أمامها 
كانت هي الفتاة التي جلست في الركن, الخادمة سارة, الفتاة اليهودية التي تجمعت 
دموع ثقيلة كبيرة في مآقي عينيها الغامقتين المضيئتين. جلست تفكر بقلب الطفلة 
التي كانت على مقعدها الدراسي وقد شعرت بعظمة كلمات الإنجيل فانثالت الدموع 
من عينيها. 

" لا تدع طفلتي تعتئق المسيحية" كانت هذه آخر كلمات الأم على فراش الموت, 
رنَت الكلمات في روحها وقلبها وبكلمات أمر الله تعالى:" الرحمة بالوالدين". 
"ولكنني لست مسيحية. ينادونني بالفتاة اليهودية, هذا ما قاله لي ابن الجيران 
باحتقار في الأحد الماضي عندما وقفْتْ في مكاني عند باب الكنيسة أطلّ على شموع 


419 


المذبح وهي تحترق والناس ترئّل. فمنذ أيام المدرسة وحتى هذا اليوم والمسيحية شد 
مثل شعاع شمس حتى وإن أقفلت عيني سطع بقوة أكبر في قلبي؛ ولكن اطمئني أماه 
فلن أحزنك وأنت في قبرك. لن أخيّبّ أمَلّك وأنكُتُ العهد. الذي قطعه الأب علي, لن 
أقرأ الإخجيل المسيحي. فلدي رب والدي وأجدادي أوجه له صلاتي" . 

ومرت السنوات. 

توفي السيد وكانت زوجته في عوز فتوجب الإستغناء عن الخادمة؛ ولكن سارة لم 
تغادر. كانت هي العون في الشدة, وحافظت على الأسرة؛ أخذت تعمل طول النهار 
وحتى ساعات متأخرة من الليل؛ أعالت العائلة من تعب جبينها فلم يكن هناك قريب 
للعائلة من وقف إلى جانب العائلة في محنتها. وعندما راحت حالة الزوجة تزداد سوءا 
يوما بعد يوم وبقيت لأشهر على فراش المرض كانت سارة تسهر عليها. تعتني بهاء 
وتعمل, كانت لطيفة قوية؛ هي البركة في هذا البيت الفقير. 

قالت المريضة:" تناولي ذاك الإنجيل واقرئي لي فالمساء طويل. أنا بحاجة من 
الأعماق لسماع كلمات الله". 

وهرّت سارة رأسها موافقة؛ احتوت الإنجيل بين يديها ثم فتحته وأخذت تقرأ منه 
للمريضة؛ انثالت الدموع مراراً من عينيها ولكنهما صارتا أكثر صفاءً. وصار النداء 
في روحها أكثر وضرحاً؛ " أماه, ابنتك لن تتعمد تعميد المسيحيين. لن تُذَكَّر في 
مجتمعهم كما أمرت, سأحفظ لك ذلك. في هذا نحن متفقتان على هذه الأرض. ولكن 
فوق في السماء فالإتفاق أكبر عند الله " هو الذي يغمرنا برحمته عند الموت" " يزور 
الأرضء وبعد أن يبعث العطش فيها يجعلها غنية جداً " أنا أفهم ذلك؛ كيف لا أدري» 
كيف أتت: بعون منهء منه: المسيح". 

سرت في جسدها رعشة لذكر الإسم المقدس. تعميد من ذوؤابات الئار سرت مثل 
تيار أقوى من أن يحتمله جسدها فانحنى وقد أصابه الوهن أكثر من المريضة التي 
كانت تجلس عند سريرها. وقيل " يا للمسكينة سارة, لقد تكبدت عناء العمل والعناية 
بالمريضة حدا فوق طاقتها". 

ووضعوها في ردهة الفقراء في الممستشفى حيث ماتتء ولكنها لم تدفن في مقبرة 
مسيحية, فلم يكن هذا مكاناً لفتاة يهودية. بل في خارجها حيث كان قبرها عند الجدار. 


000 


فشمس الله التي أشرقت على قبور المسيحيين أشرقت على قير الفتاة اليهودية 
أيضا خارج المقبرة, والتراتيل التي ارتفعت الأصوات بها سُمعت أيضاً على قبرها؛ 
وحتى وعظ القس قد وصلها " هناك قيام للمسيح" " إنه السيد الذي قال لأتباعه 
الحواريين: " يوحنا عمد بالماء ولكنكم ستعمدون بروح القدس ". 


كتبت في عام ١4517‏ 


41 


العنقاء 


تحت شجرة المعرفة في جنة عدن كان هناك متسلق ورد جوريء ولد طائر في أول 
جورية تفتحت فيه. كان طيرانه مثل الضوء., لونه أَخَادْ وغناؤه ساحر. 

ولكن عندما قطفت حواء فاكهة شجرة المعرفة وطْردت هي وآدم من الجنة سقطت 
من السيف اللهّاب لملاك العقاب شرارةٌ في عش الطائر فاشتعلت النار به. واحترق 
الطير ومات. ولكن من البيضة الحمراء طار طائر واحدٌ جديد. واحدّ فقط ألا وهو 
العنقاء. وتحكي الأسطورة بأن العنقاء يعيش في بلاد العرب, يحرق نفسه كل مئة عام 
في عشّه فيطير عنقاء جديد, الوحيد في العالم من البيضة الحمراء. 

الطائر يرفرف من حولنا سريعاً مثل الضوءء أخاذاً بلونه وساحراً بغنائه. 

وعندما تهدهد الأم طفلها يحط عند رأس الطفل في مهده, يخفق بجناحيه محوطاً 
رأس الطفل بهالة. وهو يطير عبر غرف المحتاجين, وإذا بلمعان الشمس يلا الغرفة 
والجوارير تفوح بعطر البنفسج. 
الشمالي" في الأراضي الإسكندنافية الشمالية الشلجية. يطيرٌ من وردة صفراء إلى 
أخرى في صيف "غرين لاند" القصير. أسفل مرتفعات النحاس في "فالون": فوق مناجم 
الفحم في انكلتراء ومثل فراشة مكحلة تحلق فوق كتاب التراتيل بين أيدي العمال 


الورعين. 
يبحر على ورقة زنبقة في مياه نهر الكنج المقدّس فتلمع عينا الطفلة الهندوسية 
برؤياه. 


طائر العنقاء. ألا تعرفه؟ إنه طير الجنة, إنه البجعة المقدسة في مملكة الطيور 
المغنية. يجلس على عربة تيسبيس موؤسس المسرح التراجيدي الإغريقي, ومثل غراب 


003 


ثرثار يخفق بجناحيه الملوثين السوداويين؛ وبروح منقاره الأحمر منساباً فوق قيثارة 
إيسلندا. وعلى كتفي شكسبير يقف مثل غراب أودن هامساً في أذنه: الأبدية. ويطير 
فوق بهو ورتبورغ ملهماً المشتركين في مسابقة الغناء. 

طائر العنقاء, ألا تعرفه؟ هو الذي غنى لك النشيد الوطني الفرنسي, فقبلت 
الريشة التي سقطت من جنحه؛ قد جاء بكل ألق الجنة. ولربما استدرت بعيداً عنه تنظر 
إلى العصفور الدوري بجناحيه المغبرين. 

يا طير الجنة, يا من تتجدد كل مئة عام. تُولَدُ في اللهب وقوت في اللهب. يا مَن 
أَطْرتْ صورئه وعَلّقَت في صالات بيوت الأغنياء, يا الذي يطير تائهاً وحيداً. لست 
سوى اسطورة طائر العنقاء في بلاد العرب. 

تحت شجرة المعرفة في جنة عدن ولدت. في حضن أول جورية تفتحت» قبّلك الله 
وأعطاك الاسم الذي يُليق بك, ألا وهو الشعر. 


كتبت في عام ١4517“‏ 


424 


صن محموعة الحكايات والقصص الحديدة 
في الفترة -145١|‏ 18155 


005 


خنفساء الروث 


حصل فرس القيصر على حذاء من الذهب؛ فردة لكل قدم 

لمم حصل على حذاء من الذهب؟ 

كان أجمل حيوان, له ساقان مشوقتان, عينان ذكيتان جداً و شعر تدلى مثل شال 
حريري أسفل رقبته. لقد حمل سيده تحت دخان البارود ووابل الرصاصء سمع الطلقات 
تغني وتصفّر؛ عض وضرب كل مَنْ حوله, شارك في القتال عندما هجموا على الأعداء؛ 
قفز قفزة واحدة هو والقيصر على حصان العدو فتهاوى؛ انقذ تاج القيصر من الذهب 
الأحمرء أنقذ حياة القيصر التي كانت تساوي أكثر بكثير من الذهب الأحمرء لهذا 
السبب حصل فرس القيصر على حذاء من الذهب. فردة لكل قدم. 

زحف خنفساء الروث متقدماً. 

" الكبار أولا ومن ثم الصغار" قالء " رغم ان الحجم ليس هو المقياس" 

ثم مد سيقانه الرفيعة إلى الأمام. 

" ماذا تريد؟" سأل الحداد. 

حذاءً من الذهب". أجاب الختنفساء. 

" أنت بالتأكيد لست عاقلاً ", قال الحداد " أنت أيضا تريد حذاءً من ذهب؟" 

" حذاءً من ذهب" قال الخنفساء. " أ لست أنا بمقام المركوب الكبير الذي يُضيّف 
ويمشّط ويعتنى به. يحصل على الطعام والشراب. أ لا أنتمي أنا أيضا إلى اسطبل 
القيصر؟" 

"ولكن لمّ حصل الفرس على حذاء من ذهب؟" سأل الحداد, " ألا تفهم؟" 

" أفهم؟ أنا أفهم أن هناك احتقاراً يوجه لي" قال الخنفساء. " ان هذا إذلال- لذا 
فسأغادر المكان وأخرج إلى العالم الفسيع" 


4117 


" اغرب عن وجهي" قال الحداد. 

" أيها الحقير" قال الخنفساء وغادر المكان. طار لمسافة قصيرة. ووصل إلى حديقة 
زهور رقيقة صغيرة حيث يفوح عطر الورود الجورية واللافندر. 

أليس المكان هنا جميلاً". قالت إحدى الصغيرات: الدعسوقة التي طارت في 

المكان بنقاط سود على درع جناحيها القويين ال حمراوين. " يا له من عطر هناء يا له من 
مكان رائع" 

" أنا اعتدت على مكان أوسع" قال الخنفساء. " هل تسمون ذلك مكاناً رائعاً؟ لا 
يوجد هنا حتى روث" 

وتأبع سيره إلى الأمام في ظل نبتة قطرات الثلج التي دبّت عليها يرقانة. 

" يا لروعة هذا العالم" قالت دودة الملفوف, " الشمس دافئة جداء كل شيء ممتع 
حقاء وعندما يأتي يوم أنام فيه وأموت كما يسمون ذلك. سأصحو بعدها وقد صرت 
فراشة" 

" أنت تخدعين نفسك" قال الخنفساء, " نطير في المكان كفراشات, أنا أنحدر من 
اسطبل القيصر ولكن لا أحد لديه تصور كهذا ولا حتى فرس القيصر الأثير لديه, الذي 
يدور بحذائي الذهبي القديم الذي منحوني إياه. أنت تحصلين على جناحين؟ أنت 
تطيرين؟, أنا هو الذي تطبر" وطار شياع "لا ريد أن أتضايق, ولكنني متضتايق 
بالرغم من ذلك" 

وسقط في بقعة حشيش كبيرة؛ بقي مستلقياً فيها قليلا وغط بعدها بالنوم. 

وليحفظنا الله. أي وابل من المطر الذي نزل. استيقظ الخنفساء بسبب الطرطشة 
ورغب بالدخول تحت الأرض با حال ولكنه لم يستطع؛ تقلّب. سبح على بطنه وعلى 
ظهره, أما الطيران فلا يمكن التفكير به. لن يستطبع ولاشك الإفلات حياً من هذه 
البقعة أبداً؛ استلقى حيث كان وبقي مستلقياً. 

عندما خف المطر قليلا ورمش الخنفساء لينفض الماء عن عيئيه. لمح شيئا ما أبيض 
اللون. كانت قطعة قماش قد وضعت ليقصر لونها؛ لقد وصل إلى هناء تكرمش في 
ثنية قطعة القماش الرطبة, لم يكن بالحقيقة مثل الإستلقاء في الروث الحار في 
الإسطبل؛ ولكن لم يكن هناك شيء أفضل, وبقي يوما بأكمله, وليلة بأكملها. وبقي 


008 


الجو الماطر على حاله كذلك. في الصباح الباكر طلع الخنفساء. كان متضايقاً جدا بسبب 
الطقس. 

جلست هناك على قطعة القماش ضفدعتان؛ لمعت عيناهما الصافيتان من السعادة 
الخالصة. " انه لطقس مبارك" قالت إحداهن, " يا له من منعش. قطعة القماش 
احتفظت جيدا بالماء. يدغدغني في قدمي الخلفيتين وكأني سأعوم" 

" كم بودي لو أعرف" قالت الأخرى. " إن كانت السنونو التي تطير بعيدا هنا 
وهناك؛ إن كانت في رحلاتها الكثيرة إلى خارج البلاد قد وجدت طقسا أفضل من 
طقسنا؛ لفحة هواء وهكذا ماء. وكأن المرء قد استلقى في منحدر رطبء إن لم يكن 
المرء سعيدا بذلك فهو لا يحب بالحقيقة بلد أجداده." 

" ألم تجربا اسطبل القيصر؟" سأل الخنفساء. " المكان هناك حار ومبهر بنفس 
الوقت. ذلك ما اعتدت عليه؛ إنه طقسي. ولكن لا يمكن للمرء ان يأخذه معه في 
السفر. أ ليس هناك في الحديقة صندوق زرع زجاجي بسماد. حيث يمكن لمن هو من 
اصل راق مثلي أن يدخله ويعتبره بيته؟” 

ولكن الضفدعتين لم تفهما أو لم تشاءا أن تفهما. 

" لن أسأل ثانية أبدا" قال الخنفساء بعد أن سأل ثلاث مرات دون أن يحصل على 
إجابة. 

ومشى مسافة وكان هناك كسرة أصيص خزفي؛ لم يكن مكانها هناك ولكن ما 
دامت قد وجدت فقد صارت ملجاً. 

كانت عائلات عدة من حشرة أبو مقص تسكن هناك؛ لا تشترط مكائاً كبيراً, 
كانت تحب اللّمة؛ الأناث منهن بالذات موهوبات بعاطفة الأمومة, لذا فقد كان صغيرٌ 
كلّ منهن هو الأجمل والأذكى. 

" ابننا قد خطب" قالت إحدى الأمهات. " ابني الحبيب. أقصى ما يتمناه هو أن 
يدب في إذن قس يوما. إنه طفل محبوب جداء والخطوبة تبعده عن الإنحراف, ذلك 
مفرح جدا بالنسبة للأم. 

" ابئنا " قالت أم أخرى, " خرج للتو من البيضة وبال حال بدأ يشاغب؛ يفور, 
متعجلء يريد أن يجرب كل شيء. إنها فرحة عارمة بالنسبة لأم, أ ليس كذلك؟ سيد 
خنفساء, لقد عرفوا الغريب من شكله". 


409 


" كلاكما على حق" قال الخنفساء وقت دعوته إلى البيت قدر ما يستطيع أن يدخل 
تحت كسرة الأصيص الخزفي. 

" عليك أن ترى أيضاً صغيري أبو مقص". قالت ثالثة ورابعة من الأمهات. " انهم 
الأطفال المحبوبون والظريفون, ليسوا أشقياء أبداً, إل عندما يصيبهم ألم في البطن, 
ولكن الإصابة بذلك سهلة في عمرهم هذا". 

وتحدئت كل أم عن صغارهاء والصغار لم ينتظروا تحدثواء استخدموا الشوكة 
الصغيرة التي لديهم في ذيلهم بجر لحية الخنفساء. 

"انهم يفعلون ما لا يخطر على البالء الملاعين هؤلاء". قالت الأمهات وهن يفحن 
برائحة الأمومة؛ ولكن ذلك جعل خنفساء الروث ضجراً وسأل بعد ذلك إن كان الطريق 
إلى صندوق الزرع الزجاجي بالسماد بعيدا من هنا. 

" إنه في مكان بعيد في هذا العالم. في الجهة الأخرى من المنحدر" قالت أم 
مقص, " لا أتمنى لأحد من أطفالي هذا البعد لأنني سأموت لذلك" 

" أما أنا فأريد الوصول بعيدا إلى هناك" قال وذهب دون وداع؛ إنه من اللياقة 
والأدب. 

وعند المنحدر قابل العديد من ملته, كانوا جميعا من خنافس الروث. 

قالوا: " نحن نسكن هناء نحن نستمتع بالدفء هنا! تعال تفضل حضرتك وادخل 
إلى الدسم,ء لابد ان الرحلة قد أنهكتك" 

" نعم صحيح كلامكم". قال خنفساء الروث. لقد مكثت على قطعة القماش في 
الجو الممطر, والنظافة بالذات تضرتي كثيراً. وقد أصبت بالتهاب المفاصل أيضا 
بالوقوف طويلا تحت كسرة أصيص. إنه لمن المنعش العودة أخيرأ إلى البيت". "ربا 
تنحدر من صندوق زرع زجاجي؟": سأل أكبرهم. " لاء أعلى من ذلك" قال خنفساء 
الروث. " أنا انحدر من اسطبل القيصرء حيث ولدت بحذاء من ذهب؛ أنا أسافر لقضاء 
مهمة سرية, لا تحاولوا انتزاع معلومة مني فلن أقول شيئا" 

ونزل خنفساء الروث في الروث الدسم؛ هناك جلست ثلاث خنافس اناث؛ كن 
يتضاحكن فلم يعرفن ما الذي عليهن قوله. 

" انهن غير مخطوبات" قالت الأم. فضحكن ثانية ولكن كان ذلك من الخجل. 


010 


" لم أر أجمل منهن في إسطبل القيصر". قال الخنفساء المسافر. 

" لا تؤذ بئاتي الصغيرات؛ ولا تتحدث معهن إن لم تكن عندك نية صادقة؛ - 
وذلك ما كان عند حضرتك, ولك مباركتي". 

" يعيش" صاح الجميع, وخطب الخنفساء. اولا كانت الخطوبة, ثم العرس فلم يكن 
هناك من داع للإنتظار. مر اليوم التالي بشكل جيد جداً واليوم الثاني مشى بوّدة, 
ولكن في اليوم الثالث كان عليه ان يفكر بالطعام وربما الأولاد. 

" لقد فاجأوني" قال الخنفساء. " إذاً علي أن أفاجئهم بالمقابل". 

وهو ما فعله. كان بعيدا؛ اختفى طوال اليوم: طوال الليل- وصارت الزوجة أرملة. 
وقال خنافس الروث الآخرون إنهم قد قبلوا في عائلتهم متشردا وصارت الزوجة عبئا 
عليهم. 

" هاهي ستعود عازبة ثانية" قالت الأم. " ستصير مثل طفل! اللعنة على هذا 
الخنفساء الحقير الذي تركها" 

كان هو أثناء ذلك في رحلة, أبحر على ورقة ملفوف فوت المنحدر؛ في ذلك 
الصباح الباكر جاء إثنان. كانا قد شاهدا خنفساء الروث والتقطاه. قلباه. تفحصاه وقد 
كان كلاهما عالما متمكناً جداء على الأخص الولد. " الله يرى الخنفساء السوداء على 
الصخرة السوداء في الحقل الأسود. أ ليس هذا ماهو مكتوب في القرآن؟ سأل الولد 
وترجم اسم خنفساء الروث إلى اللاتينية. وصف نوعها وطبيعتها. العالم الأكبر سنا 
كان ضد أن يأخذاه معهما إلى البيت, فلديهما عينات جيدة مشابهة؛ كما قال ولم يكن 
ما قاله لائقاً. برأي خنفساء الروث لهذا فقد طار من يده. طار مسافة لابأس بها. جفت 
جناحاه ووصل إلى البيت الزجاجي والذي تمكن بسهولة كبيرة. بسبب أحد الشبابيك 
الذي كان مفتوحا من التسلل إلى داخله ودفن نقسه في الروث الطازج. 

" يا للذة هنا" قال الخنفساء. 

وسرعان ما غط في النوم وحلم بأن حصان القيصر قد سقط والسيد خنفساء الروث 
قد حصل على حذائه الذهبي وقد وعد بإثنين بالإضافة إلى ذلك. كان ذلك ممتعا وقد 
استيقظ ختفساء الروث وزحف إلى الأعلى وأخذ يتطلع. أي جمال هنا في البيت 
الزجاجي! نخلات كبيرة انتشرت في الأعالي, جعلتها الشمس شفافة؛ من تحتها تدفقت 


431 


الخضرة بغزارة ولعت الزهور هناك حمراً كالنار. صفراً كالكهرب وبيضاً مثل الثلج 
الذي تساقط للتو. 

" إنه جمال نباتي لا مثيل له! يا لطعمه اللذيذ عندما يتخمر": قال خنفساء 
الروث. " انها حجرة مواد غذائية ممتازة؛ لابد وان يعيش هنا أحد من العائلة؛ أريد 
الذهاب لتقفي الأثر. أسعى لأن أجد أحداً يمكنني مخالطته. " أنا فخور بافتخاري", 
وراح يسير وهو يفكر بحلمه حول الحصان الميت والحذاء الذهبي الذي فاز به. 

كان ابن الجنائني الضغير وصديقه في البيت الزجاجي قد رأيا خنفساء الروث 
وأرادا التمتع به؛ وضع على ورقة عنب وأنزل في جيب بنطلون دافئ, اخذ يحوس 
ويحتاسء جاءته كبسة من يد الولد الذي انطلق بسرعة إلى البحيرة الكبيرة في نهاية 
الحديقة. وهناك وضع خنفساء الروث في قبقاب مكسور قديم انخلع غطاؤه؛ وقد ربط 
به خنفساء الروث بوساطة خيط صوفي؛ صار الان بحاراً وعليه النزول إلى الماء ليبحر. 

كانت بحيرةً كبيرة جداء رآها خنفساء الروث كبحر العالم وقد تملكته الدهشة حتى 
إنه انقلب على ظهره وأخذ يضرب بقدميه. 

أبحر القبقاب. كان هناك تيار مائي, ولكن كلما ابتعد المركب قليلاء طوى أحد 
الولدين بنطلونه إلى أعلى ونزل إلى الماء ليجلبه ولكن عندما ا نجرف المركب ثانية نودي 
على الولدينء كان نداءً جديا فأسرعا بمغادرة المكان وتركا القبقاب يكون قبقابا؛ | نجرف 
بعيدا وبعيدا عن اليابسة, أبعد وأبعد. كان ذلك مرعبا للخنفساء؛ لم يكن باستطاعته 
الطيران فقد ربط إلى الصاري. 

وحصل على زيارة من قبل ذبابة. 

" إنه لجو جميل عندنا اليوم" قالت الذيابة. " يمكنني الإستراحة هناء يمكنني أخذ 
حمام شمسي. تبدو حضرتك مستمتعاً. 

" حضرتك تتحدثين وكأنك تفهمين في هذه الامور, أ لا ترين بأني مربوط" 

" أما أنا فلست مربوطة" قالت الذبابة وطارت. 

"ها أنا أعرف ناسي" قال الخنفساء, " إنه لعالم شرير, وأنا الوحيد المستقيم فيه, 
أولا أنكروا علي الحذاء الذهبي. ومن ثم كان علي أن أستلقي على قطعة القماش 
الرطب في مهب الريح وأخيراً باعوني زوجة بالإكراه. وبعد أن خرجت للعالم لأرى كيف 
سيكون عليه حالي جاء انسان جرو ووضعني مربوطا في البحر الهائج. بيئما يسير 


032 


حصان القيصر بحذاء من الذهب. ذلك أشد ما يحزنني؛ لا يتأمل المرء العطف من هذا 
العالم. مسار حياتي مثير للإهتمام جداء ولكن ما عسى ذلك أن ينفع عندما لا يعرفه 
أحد. ولكن العالم لا يستحق أيضا معرفته, وإلا لأعطاني الحذاء الذهبي في اسطبل 
القيصر, عندما احتذاه الحصان الأئير ومدّ ساقه. لوكنت متحت الحذاء الذهبي؛. لصرت 
شرف للإسطبل. ولكنه قد ضيعني والعالم قد ضيعني. كل شيء راح" 

ولكن لم يذهب كل شيء تماما بعد, فقد جاء قارب ببضع صبيات. 

" هاهو قبقاب يبحر" قالت إحداهن. 

" هناك حيوان صغير مربوط فيه" قالت الثانية. 

كن إلى جانب القبقاب تماما فالتقطنه من الماء وتناولت إحدى الفتيات مقصاً 
وقصت الخيط الصوفي دون أن تؤذي خنفساء الروث وعندما وصلن إلى اليابسة وضعته 
على العشب. 

" ازحف, ازحف, طرء طر إن كان بإمكانك" قالت له. " الحرية شيء جميل" 

وطار الخنفساء مباشرة إلى الشباك المفتوح وغط في شعر الحصان الناعم الأملس 
الطويل, حصان القيصر الأثير الذي كان واقفا في الإسطبل الذي ينتمي إليه كل من 
الحصان والخنفساء؛ تشبث جيدا بالشعر وجلس قليلا وتنفس الصعداء. " ها أنا أجلس 
هنا على حصان القيصر الأثير. أجلس مثل فارس, ما هذا الذي أقوله, ها أنا أفهم. 
إنها لفكرة جيدة وصحيحة. لم حصل الحصان على حذاء من الذهب؟ ذلك ما سألني هو 
عنه أيضاء الحداد. ها أنا أدرك ذلك. من أجلي حصل الحصان على الحذا ء الذهبي. 

وتعدل مزاج الخنفساء بعد ذلك وقال: 

" السفر يجعل المرء يرى الأشياء بوضوح". 

أشرقت الشمس عليه جميلة جدا. " لا بأس بالعالم حقا", قال الخنفساء. " على 
المرء ان يعرف كيف يمسك بزمامه. العالم جميل إذ إن حصان القيصر الأثير حصل على 
حذاء ذهبي لأن خنفساء الروث فارسه. " 

" أود الآن النزول إلى الخنافس الأخرى لأخبرها عن مقدار ما عمل من أجلي؛ أود 
إخبارهم عن كل المسرات التي تمشعت بها أثناء سفرتي إلى الخارج. وسأقول بأني 
سأبقى هنا في البيت؛ حتى يبلى حذاء الحصان الذهبي". 


0133 


الوالد دوما على صواب 


سأقصٌ عليكَ حكايةً كنت قد سَمعتّها عندما كنت طفلاء ومُئذ ذلك الحين وفي كل 
َرةٍ كر بها تُصيرٌ أَجْمَلَء فإن ما يحدثٌ مع القصص هو عَيِنُه ما يحدتُ مع البَشر, 
فهم يزدادون جمالا مع تقدّم العمر وذلك هو الممتع في الأمر. 

سَبّقَ لك ولا شك أن زْرتَ الريف. شاهدت أكواحٌ الفلاحين بأسقف القش المائلة» 
تنمو فوقها الأعشاب والطحالب. وثّرى على جانب منها عش لطائر اللقلق, الطائر 
الذي لا يمكن الاستغناء عنه. جُدرانٌ تلك البيوت غير المستقيمة والنوافذ الواطئة, 
لايُمكنٌ كما تعلم فَتْحُ غير واحدة منها فقط. أما الموقد فَيَنْدَفع خارج المنزل كبطنٍ 
صغيرة سّمينةء و شجيرة البِيلّسان تتدلى على السياج الخشبي حيث برَكّةٌ الماء 
الصغيرة, تَعوم فيها بَطَهُ مع فراخها تحت شجرة الصفصاف. وقد تَرى كلبا مربوطا ينبح 
على المارين. 

في مثل بيت ريفي كهذا سَكَنَ فلاح وزوجته. من القليل الذي يملكانه كان عليهما 
التخلي عن قطعة ما في البيت, وكان ذلك هو الحصان الذي يَرُعى ويأكل الحشيش على 
أطراف ال منحدر, والذي اعتاد الوالد أن يَمتّطيه عندما يقْصّدُ المديئة. و يستعيره الجيران 
أيضا فيّحصل الوالدٌ على جزاء مقابلَ إحسانه؛ ولكن ربما كان من الأصلح مع ذلك بيع 
الحصان أو استبدالّه بشيء ما يكون أكثر نفعا لهم. ولكن ما عساه أنْ يكونّ هذا 
الشيء! 

" أنتَ أدرى بما هو أفضل لنا أيها الأب!". قالت الزوجةٌ. " السوق سَتَفْتح أبوايّها 
في البلدة. امتط الحصانّ إلى هناك بعه أو قايضه بما هو أكثر نّفعا. وما تفعله هو 
الصنواب دوما :»عا اذهب إلى السوق”.. ١‏ 

وقامت الزوجةٌ بضبط ريّطة الإيشارب له. على شكل عقدة مزدوجة مُضبوطة: فقد 


015 


م م# 


كانت أفضل منه في أمر كهذا :وقامت كذلك تسد قبعقه بيدها هومن ثم فيلت فمه 
الدافئ. وامتطى الوالدٌ حصائّهُ الذي سَّيباع أو يقايض بشيء له فيه أكثر مَصلحة 
فالوالد يعم بالضبط ما يتوجب فعله. 

الشمس حارقةٌ فالسماء كانت خاليةٌ من الغيوم. والطريق مليئاً بالعُبارء وقد 
احَتَّشّدَ فيه العدية من الجر من راكبي العّربات أو ممتطي الأحصنة أو الماشين سيرا 
على الأقدام, حيث الحرارةٌ لاهبة ولا من ظل في الطريق. 

وفي الطريق سار رَجُلُ يقودٌ بقرةً كانت جميلة بالقدر الذي يمكن أن تكون عليه 
البقرة من جمال. " لاب وإنها تُعطي حليبا ممتازا", فَكْرَ الفلاح» وقد تكون بالفعل 
صفْقة مربِحَةٌ مُقايضةٌ الحصان بهذه البقرة. 

" أنت؛ يا صاحب البقرة؛ أ يمكننا التَحدّثُ قليلا معا؟ كما ترى. أعتقد بأنٌّ ثمنَ 

حصان أغلى من ثمن بقرة, ولكن أنا لا فرقَ عنديء البقرةٌ تعود علي بمنفعة أكبر. ما 
رأيك بأن نتيادل؟" 

"حسناء لم لا " قال صاحب البقرة و تبادل مع الفلاح بالحصان. 

وتَمت الصَّفْقَةٌ وبوسع القلاح الآن العودةً إلى منزله, ذلك انه أنجز ما كان يريد 
انجازه, ولكن بما إنه كان ينوي الوصول مع ذلك إلى السوق فقد رغب بمواصلة السير 
إلى هناك لمجرد التفَرج, وبهذا سار مع بقرته مُكملاً سَيرَه. 1 

سار بهمّة كما سارت بقرئه وما هي إلا خُطوات حتى كانا يَمُشيان بمحاذاة رَجُلٍ 
يقودٌ نَعْجَةٌ. نعجةٌ لا بأس بهاء سليمةٌ وذات صوفٍ كث. 

"إني لأودُ امتتلاك نعجة كهذه". فَكرّ القلاح " عندنا ما يكفي من العشب على 
أطراف المنحدرء بالإمكان ايواؤها في البيت شتاء, في الحقيقة و الواقع من الأفضل لنا 
أن فتلك نعجةٌ بدلا من بقرة. أ تَرْغَبْ بالمقايضة؟" 

نعم, كان الرجل صاحب النعجة راغبا بذلك؛ وقد تم التبادل أيضاء وسار الفلاح 
بتعجّته في الطريق الزراعي. 

وعند السور الحجري رأى الفلاح حينها رجلا يحمل إوزة كبيرة تحت ذراعه. 

" انها أوزة سمينة, هذه التي تَمَلْكُّها "قال الفلاح, " لديها الريش و الشحما 
ستيدو علينا النعمةٌ لمنظر الإوزة وهي مربوطة عند بركة الماء لديناء وأم الأولاد تهوى 


4036 


جمعٌ فضلات الطعام, لطاما تَنت أن يكون لديها وذ ! ها هي يمكنها الآن الحصول على 
واحدة, وستحصل عليها! ما رأيك في التبديل؟ سأعطيك النعجةً مقابل الإوزة مع 
الشكر )" 

نعم, كان الرجل بالطبع راغبا في ذلك, وتم التبادلء وحصل الفلاح على الإوزة. 

وكان الفلاح على مقربة من البلدة» حيث الزحام شديد, وحَسْدٌ من البشر والبهائم 
تمشي على الطريق العام وعلى جانبيه. على مقربة من الطريق كان هناك حقل بطاطا 
عائد لجابي الضرائب على حدود المدينة؛ كانت فيه دجاجات قد ربطت مخافةً ابتعادها 
عند الفزع, وإحدى تلك الدجاجات ذات العجز المنزوع الريش غُمِرَت بإحدى عينيها 
فْبَدَتْ رائعة في مظهرها. " قاق, قاق" صاحَت الدجاجة, ولا أعرف ما عَنَنْه الدجاجة 
في قولها ذاك و لكن ما فَكرٌ به الفلاح حينها كان إنها أجملّ دجاجة رآها في حياته, 
كما إنها أجمل من دجاجة الفقس التي يملكها القس. ليتني أحصل عليها! فالدجاجة 
تجد دوما قمحةً تأكلها. وهي تستطيع تقريبا العناية بنفسها. أعتقد بأنها صفقةٌ 
مقايضة مربحة أن أحصل عليها مقابل الإوزة. "هل تريد التبديل؟". "التبديل" قال 
الحارس." أجلء لا مانع عندي"! وتم التبادل فأخذ الحارس الإوزة فيما أخذ الفلاح 
الدجاجة. 

حقق الفلاح إنجازا كبيراً في رحلته هذه للبلدة, ولم تكن حرارة الجو بالأمر الهين 
وقد كان هو متعبا أيضاء و بحاجة إلى شيء من الجعة وقليل من الطعام, ولما كانت 
الحانة على مقربة منه رَغْبَ في الدخول إليها ولكن عامل الحانة كان في طريقه خارجا 
بكيس متأرجح مملوء بشيء ما عندما التقاه عند الباب. 1 

"ماذا لديك هنا ؟" سأل الفلاح. 

" تفاح نتن" أجاب العامل, " كيس مملوء حتى آخره للخنازير." 

" إن هذه الكمية لكبيرةٌ جدا! كم وددتُ أن ترى أم الأولاد هذا المنظر. ففي العام 
الماضي كانت لدينا تفاحة واحدة فقط على شجرة التفاح الهرمة قرب كوخ الحطب. ولابد 
من خزن تفاح كما تعلم, وقد تم خَرْنْ هذه التفاحة في الخزانة حتى تَشّققتء إنها النعمةٌ 
بعينها. قالت الزوجة؛ لتر الآن أيه نعمة يمكن أن تحصل عليهاء دعها تر ذلك. 

ما تعطيني حضرتك بالمقابل؟" سأل العامل. 


1131 


" أعطيك؟ سأعطيكَ الدجاجة بالمقابل". وأعطاه الدجاجةً مبادلةً وحَصّلَ على 
التفاح ومن ثم دخل الحانة قاصدا البار مباشرة. ووضع كيس التفاح بجانب الموقد دون 
أن ينتبه إلى أن الحطب بداخله كان مشتعلا. كانت الحانة مكتظة بالغرياء. من تجار 
الأحصنة, تجار العجول. و كان هناك رجلان انجليزيان ثريان جدا تشققت جيوبهما لكثرة 
ما يحملان من نقود ذهبية فيهاء ولقداتفقوا على رهانء تابع معي, سأروي لك ما 
حدث! 

" تشء تششش". ما هذا الصوت القادم من ناحية الموقد؟ التفاحات بدأت تطبغ. 

"ما هذا؟ " وسرعان ما علم الجميع بما حصلء القصة بأكملهاء الحصانٌ الذي 
استبدله الفلاح بالبقرة وحتى التفاح النتن. 

"ستتلقى الضرب الْبرح من أم الأولاد عندما تصل المنزل". قال الانجليزيان 


ستحصل لك كارئة. 
" لا سأتلقى قُبّلاً. لا ضرباً", قال الفلاح, " أم الأولاد ستقول ما يفعله الوالد هو 
عين الصواب!" 


" هل ثُراهن على ذلك؟ " قال الانجليزيان. وراهّنا على ذلك مقابل برميل من قطع 
نقود ذهبية! 

"يكفي أن تقلأ ما يساوي دلو خشب !" قال الفلاح: " أنا سأتمكن فقط من الرهان 
على دلو تملوء بالكامل بالتفاح, و معه أنا وزوجتي, وهذا أكثر بكثير من المكيال!". 

" إعتمد!" و اتفقوا على الرهان. 

نا أحضرَت عربةٌ صاحب الحانة, واستقلها الانجليزيان, و الفلاح والتفاح 
النتن. ووصلوا منزل الفلاح. 

"مساء الخير يا أم الأولاد؛" 

"شكرا يا ولي نعمتنا !" 

"لقد أقمت المقايضة " 

" أنتَ الفهيم!" قالت الزوجة و حَضَنَنْهُ ناسية بذلك كيس التفاح و الغرباء من 
حولها. 

" لقد قايضت الحصان ببقرة!" 


038 


" الحمد الله على الحليب" قالت الزوجة." سنحصل الآن على طعام بالحليب. 
سيكون على مائدتنا زبدٌ وجبن. إنها لصفقة ممتازةٌ!" 

"نعم. ولكتي استبذلت البقرةً بنعجة بعدها! " 

أ" وهذا بالتأكيد أفضل بكثير": قالت الزوجة, " أنت تَحُسن التفكير دائماء " 
ولقد خَرَنَا ما يكفي لنعجة. يمكننا الآن الحصول على حليب نعاج و جبن نعاج و جوارب 
من الصوف, نعم؛ وأيضا قميص نوم من الصوف؛. هذا ما لا يمكن للبقرة أن تُعطيه. 
شعرًها يتساقط! أنت فعلا رجلٌ تحسن التفكير!" 

"ولكنني قمت بتبديل النعجة بإوزة!" 

"هل سنقوم فعلا بتناول أوزة في عيد القديس مورتن هذا العام أيها الوالد الرائع! 
أنتَ تفكر دائما بتدليلي. إنها التفاتةٌ جميلةٌ منك! سنبقي الإوزة مربوطة. ستصير 
أُسْمّن لحين حلول عيد القديس مورتن!" 

" ولكنني قمت أيضا بتبديل الإوزة بدجاجة! قال الزوج. 

" دجاجة! إنها مقايضة ممتازة", قالت الزوجة, " إن الدجاجةً تضم البيض الذي 
تعمل على تفقيسه لنحصلّ على الكتاكيت. سنحصل على مزرعة دجاج, وهو ما كنت 
أتمناه فعلا إ" 

"نعم. ولكنني قمتْ بتبديل الدجاجة بكيس تفاح نقن!" 

" أرغبُ الآن بتقبيلك؟" قالت الزوجة, " شكرا يا زوجي يا عزيزي!”سأقولٌ لك 
شيئا. عندما غادرت البيت فكرت بتحضير وجبة طعام محترمة لك: عجة بيضٍ 
باليصل الأخضرء وكان لدي البيض ولكن تَقَصَني البصل. فذهيت إلى مدير المدرسة 
الذي أعرفٌ أن لديهم بصلا ولكن الزوجة بخيلةٌ. تلك البهيمةٌ! طلبت منها منحي بعض 
البصل, - منحي! قالت لي. 

أنت تعلم في حقلنا لا ينبت شئ, ولا حتى تفاحةٌ نتنة! كي أعيرها إياها! لكن 
الآن صار بإمكاني إعارتها عشرّ تفاحات. فلدينا الآن كيس ممتلئ بالتفاح النتن حتى 
آخره! إنه لأمرٌ مسلّ أيها الوالد". وقَبّلئْه على فمه. 

" يعجبنا ذلك!" قال الانجليزيان. رغم أن وضعهما يسير من سيء إلى أسوأ تراها 
دوما سعيدةً في الوقت نفسه! الأمر يستحق دفع ثمن عال!" . وقاما بدفع مائة أوقيةٍ 
من القطع الذهبية للفلاح الذي كان قد تلقى القبلات والحُب و ليس الضرب. 


439 


هكذا ترى, من المجدي دائما أن تُدرِكَ الزوجةٌ وتؤكد أن الوالد هو أذكى رج ل وأن 
بااإفعلة قن الس ّ 

وانتهت القصة؛ التي سمعتها عندما كنت طفلاء و الآن سمعتها أنت أيضا 
وعرفت بذلك أن ما يفعله الوالد هو الصواب دوما. 


كتبت في عام8471١‏ 


الرجل الثلجي 


" شيء ما يدغدغني جداء شعور جميل بالبرودة" قال رجل الثلج. " هذه الريح 
تبعث الروح فينا! وتلك كم هي محملقة, إنها تحملق!" كانت الشمس ما عناه بقوله؛ 
وقد كانت على وشك الغياب. " لن أدعها تجعلني أغض طرفي, أعرف أن بإمكاني 
الحفاظ على كسّر عيني" 

وهما كسرتان كبيرتان مثلئتان من حجرالسقوف للعينين؛ الفم كان قطعة من مدمة 
قديمة لهذا كان لديه أسئان. 

لقد ولد وسط تهليل الأولاد وسلام رئين الجلاجل ولسعات سياط الزلاجات 
الكبيرة. 

وغابت الشمسء وكان القمر قد سطع كاملاء مدورا وصاحيا وجميلاً في تلك 
السماء الزرقاء. 

" ها هي تطل علينا من جانب آخر من جديد" قال الرجل الثلجي. لقد اعتقد بأنها 
الشمس هي التي أطلت مرة أخرى." لقد جعلتها تكف عن حملقتها بي! بإمكانها الآن 
التعلق هناك والإضاءة كي أتمكن من رؤية نفسي. آه لو كان بإمكاني أن أعرف كيف 
أتحرك من مكاني, كم بودي لو أنتقل من مكاني! لو كان ذلك بإمكاني لتزحلقت الآن 
على الجليد مثل ما رأيت الأولاد يفعلون؛ ولكني لا أعرف كيف أركض " 

" ابعد؛ ابعد". نبح الكلب المربوط؛ كان صوته مبحوحا. منذ أن كان كلب صالون 
يستلقي تحت الموقد وهو كذلك. " ستعلمك الشمس ولاشك أن تركض. هذا ما رأيته مع 
من سبقك والذي سبقه من قبل؛ ابعدء وبعيدا صار الكل. 

" أنا لا أفهمك ياصديقي" قال الرجل الثلجي. 

" هل ستعلمني هذه التي هناك في الأعلى أن أركض؟" وقد عنى بذلك القمر؛ 


441 


"ولكن هذا صحيح فهي قد ركضت من قبل حينها قد نظرت إليها بغضب. وها هي 
الآن تتسلل ثانية من الجانب الآخر" 

" أنت لا تعرف شيئاً!" قال الكلب المربوط" فقد لطشوك مؤخراً؛ هذه التي تراها 
أنت الان» تدعى القمرء وتلك التي غابت كانت الشمسء ستأتي ثانية غداً. ستعلمك 
بالتأكيد الركض في الخنادق عند القلعة. سرعان ما سيتغير الجو. بدأت أشعر بذلك 
في ساقي اليسرى الخلفية؛ انها تخزني؛ سيحصل تغير بالجو. " 

" أنا لا أفهمه" قال الرجل الثلجي, " ولكن لدي إحساس بأنه شيء غير مريح هذا 
الذي يقوله. هذه التي حملقت بي وغابت والتي يطلق عليها الشمس هي ليست كذلك 
صديقتي, لدي شعور بذلك" 

" إبعد. إبعد" نبح الكلب المربوط, دار ثلاث مرات حول نفسه ودخل بعدها بيته 
لينام. 

وقد حصل بالفعل تغير بالجو. ضباب كان كثيفا وخانقا خَيم منذ الصباح الباكر 
على المرج بأكمله؛ ارتفع عند الفجر؛ الريح كانت قارسة جداء وصقيع غطى كل شيء, 
ويا له من منظر مدهش عندما أشرقت الشمس. كانت كل الأشجار والشجيرات مغطاة 
بطبقة رقيقة من الثلج؛ وكأنها كانت غابة من المرجان الأبيض, وكأن الأغصان كلها قد 
أغرقت بزهور بيض مشعة. كل هذا اللا حد من الأغصان الناعمة والعروق التي لا يراها 
المرء في الصيف يسبب كثرة الأوراق عليهاء برزت كلها بالتمام والكمال؛ كانت قطعة 
من شغل الدائنتيل ساطعة البياض, كما انهمر لمعان أبيض من كل غصن. البتولا 
المتدلية تحركت بالريح, كانت مفعمة بالنشاط. مثل الأشجار في فصل الصيف. كان 
جمالا لا شبيهله. وعندها أشرقت الشمس أيضاء يا للروعة. كم كان كل شيء 
يتلامع. وكأن كل شيء مسرشوش بمسحوق من الألماس, وعلى الأرض سطعت تلك 
الماسات الكبيرة: أو يمكن للمرء أن يتصور أنها شموع صغيرة جدا لا حصر لها قد 
أوقدت وقد كانت أشد بياضا من الثلج الأبيض. 

" إنه جمال لا شبيه له" قالت بنت شابة وهي تخطو في الحديقة بمرافقة شاب 
ووقفت عند الرجل الثلجي قاماء حيث أخذا ينظران إلى الأشجار المتلألئة. " ليس هناك 
عندنا مثل هذا المنظر الرائع في الصيف" قالت. وقد شعت عيناها 


142 


" وفتى مثل هذا الذي هناك, ليس منه أبدا في الصيف" قال الشاب وأشار الى 
الرجل الثلجي." إنه لرائع" 


ضحكت البنت الشابة؛ حيت الرجل الثلجي برأسها ورقصت بعدها مع صديقها 
على الثلج الذي كان يصرّ تحت أقدامهما وكأنهما كانا يسيران على مادة النشاء. 

" من كان هذان الشايان؟". سأل الرجل الثلجي الكلب المربوط؛ " إنك أقدم مني 
في هذا الفناء. هل تعرفهما؟" 

"أجل " قال الكلب المربوط. " لقد طبطبت هي على ظهري وناولني هو عظما؛ هما 
الإثنان لا أعضهما" 

" ولكن ما الذي يفعلاته هنا؟" 

" عشششش شاق" قال الكلب المربوط. " سينتقلان إلى بيت الكلب ليقضما عظما 
سوية. ابعدء ابعد" 

" هل لهما أهمية كما أنت وأنا؟" سأل الرجل الثلجي. 

انهما يعودان إلى السيد " قال الكلب المربوط؛ " صحيح ما يقال فالمرء لا يعرف 
الكثير عندما يولد بالأمس! هذا ما أشعره فيك! انا عندي العمر والمعرفة, أعرف كل 
الناس في هذا الفناء! ولقد عرفت زمانا لم أكن فيه واقفا في البرد ومقيداً؛ بعدت, 
ا 

" البرد جميل! قال الرجل الثلجي". احك, احك. ولكن لا تخرخش هكذا 
بسلسلتك, سيسبب لي الصداع. 

فنبح الكلب المربوط " بعدت؛ بعدتء. كنت جروا صغيرا؛ صغيراً ولطيفاً؛ قالوا 
عني, وقتها كنت أستلقي في كرسي من المخمل هناك في داخل العزبة. كنت أستلقي 
في حضن أكبر السادة؛ يقبلونني في خطمي, يمسحون ما بين أطرافي بمنديل مطرز؛ كان 
اسمي " الأحلى": " نسنوسي". ولكن صرت بالنسبة إليهم بعدها كبيراً جدا فأعطوني 
إلى مدبرة البيت؛ فنزلت إلى الطابق السفلي في القبو؛ يمكنك التفرج في داخله من 
مكانك حيث تقف؛ يمكنك النظر في الحجرة التي كنت فيها السيد؛ فقد كنت سيداً عند 
مدبرة البيت. صحيح إن المكان كان أقل مستوى من الأعلى ولكن المكان كان أكثر 


043 


راحة؛ الأطفال لم يحضنوني ويجرجروني كما كنت فوق. كان عندي الطعام الجيد ذاته 
كما كان من قبل وأكثر بكثير! كانت لدي وسادتي الخاصة وهناك كان أيضا موقد. 
وهو في وقت كهذا يكون أحلى شيء في العالم! كنت أتقرفص عنده تماما حتى اختفى 
عن النظر. الله. ذاك الموقد. مازلت أحلم به؛ بعدت. بعدت" 

" هل يبدو الموقد جميلا إلى هذا الحد!" سأل الرجل الثلجي. " هل يشبهني؟" 

" إنه على عكسك تّاما! هو أسود فحمي! لديه عنق طويل مع بوق نحاسي. يلتهم 
الحطب حتى إن النار تطلع من فمه. على المرء أن يقف بعيداً عنه. قريباء أمامه أو تحته 
سيكون على غاية من الإزعاج! انظر عبر النافذة سيكون بإمكانك رؤيته حيث تقف" 

ونظر الرجل الثلجي ورأى بالفعل شيئا أسود لامعا ببوق نحاسي؛ وقد أضاءت 
الئار من أسفله. وقد شعر الرجل الثلجي بشيء غريب بذلك؛ لقد تملكه شعور لم يكن 
باستطاعته السيطرة عليه؛ لقد اعتراه شيء لم يكن يعرفه ولكنه شيء يعرفه الناس 
أجمعون إن لم يكونوا رجالاً من الثلج. 

" ولم تركتها؟" قال الرجل الثلجي. لقد شعر بأنها لابد وأن تكون مخلوقة أنثى. 
" كيف تترك مكانا كهذا ؟" 

" كنت مضطرا لذلك” قال الكلب المربوط. " لقد رموني خارجاً وربطوني هنا 
بسلسلة. لقد عضضت السيد الصغير عندهم في عظمة ساقه لأنه رفس العظم الذي 
كنت أقضم فيه؛ والعظم بالعظم. قلت لنفسي! ولكن هذا ما جعلهم بغاية السوء معي, 
ومنذ ذلك اليوم سلسلوني وقد فقدت حنجرتي الصافية, ألا تسمع كم هو مبحوح 
صوتي: بعدء بَعْد! هذه كانت النهاية لكل ما حدث" 

ولم يعد الرجل الثلجي ينصت: كان ما يزال ينظر إلى داخل طابق القبو لمدبرة المنزل 
في غرفة المعيشة حيث الموقد الذي وقف على أربعة سيقان بحجم كحجم الرجل 
الثلجي. 

"يها بطقطق في بشكل عجيب' قال " ألن أدخل هناك أبداً؟ إنها أمنية 
بريئة وأمنياتنا البريئة لابد وأن تتحقق. إنها أقصى ما أتٌنى, أمنيتي الوحيدة سيكون 
تقريبا من المجحف بحقي ألا أشبع رغبتي هذه. علي الدخول إلى هناك. أريد أن أميل 
إليها وإن تطلب ذلك مني كسر النافذة"” 


" لن تصل إطلاقا إلى الداخل" قال الكلب المربوط, " وإن وصلت إلى الموقد في 
الداخل فستختفي, تَبعد. تبعد" 

" أنا على وشك أن أختفي " قال الرجل الثلجي. " سأطق" 

بقي الرجل الثلجي ينظر عبر النافذة إلى الداخل طوال اليوم؛ وفي الظلام الحالك 
صار المنظر في داخل غرفة المعيشة أكثر جذباً؛ لقد شع الموقد برقة كما لم يشع قمر ولا 
شمس من قبلء لاء فقط كما يشع الموقد لاغيره عندما يكون شيء بداخله. إن فتحوا 
الباب ستندلع شعلة الموقد إلى الخارج كالعادة: كان جمرها يشع أحمرارا بوجه الرجل 
الثلجي الأبيضء وقد أضاءت مباشرة صدره يحمرة. 

" لن أحتمل" قال الرجل الثلجي. " يليق لها أن تمد لسانها خارجا” 

كان الليل طويلا جدا ولكن ليس بالنسبة إلى الرجل الثلجي, كان منتصبا سارحا 
بأفكاره التي كانت متجمدة من البرد حتى انها تصدعت. 

في الصباح الباكر كانت نوافذ القبو متجمدة تماما وقد رَسمّت أحلى الزهور من 
الصقيع التي يحلم بها كل رجل ثلجي ولكنها أخفت الموقد عن نظره. لم يشأ زجاج 
النوافذ المتجمد أن يذوب, لذا لم يكن بإمكان الرجل الثلجي رؤية الموقد. والدنيا تصرٌ 
وتتكسر. كان جوا متجمدا تماما كما يحلو إلى رجل ثلجي ولكنه لم يكن مسرورا؛ كان 
من المفروض أن يشعر بالسعادة ولكنه لم يكن سعيداء كان بشوق ولوعة إلى الموقد. 

" إنه لمرض خبيث بالنسبة لرجل ثلجي" قال الكلب المربوط, ؛ " كان لدي بعض 
من هذا امرض ولكئني تجاوزته! ابعد ابعد- سيتغير الجو" 

وقد حصل تغير بالأجواء. تغير اجو وبدأ الثلج بالذوبان 

الذوبان تسارع والرجل الثلجي ذاب. لم يقل شيئاء لم يشتك وهو عين الصواب. 

وفي صباح تهاوى. وكأن شيئاً مثل مقبض مكنسة طويلة قد انتصب في الهواء 
حيث كان يقف. كان الأولاد قد ثبتوه عليه. 

" الآن فهمت اشتياقه ولوعته" قال الكلب المربوط. 

" كان في داخل الرجل الثلجي قاشطة موقد. هي التي تحركت فيه وقد انتهى 
الأمر الآن؛ بعيداً, بعيدا" 

وسرعان ما انتهى الشتاء أيضا 


445 


" بعيدا. بعيدا" نبح الكلب المربوط؛ وغنت الفتيات الصغيرات في الفناء: 
هياء تفتحي زهور الإسبرلة العطرية 

نضرة باذخة 

تدلّ أيها الصفصفاف, اندف قفازاتك الصوفية 

تعال أيها الوقواق, سقسقسي أيتها القبرات 


عني 

ها نحن لدينا الربيع كله 

في أواخر شباط 

وانا أغني معك, سقسق, صو صو 
تعالي حبيبتي الشمس 

تعالي هكذا دوما 


ولم يفك رأحدٌ برجل الثلج 


كتبت في عام ١451‏ 


الفراشة 


أراد ذكر فراشة أن تكون له حبيبةٌ. وبالطيع فقد تمنى لنفسه زهرةٌ رقيقةٌ صغيرةٌ من 
تلك الزهور التي أخذ ينظر إليها. كانت كل واحدة منهن تجلس هادئةً عاقلةً على 
ساقهاء مثل شابة صغيرة غير مخطوبة. كان من الصعب على ذكر الفراشة اختيار زهرة 
من بين كل تلك الزهور, لذا فقد طار وحط عند زهرة عين البقرة البرية, التي يطلق 
عليها الفرنسيون مارغريتاء وكما تعرفون فهذه الزهرةٌ يمكنها قراءة الطالع. وذلك 
عندما يقوم المحبّون بقطف أوراقها الواحدة بعد الأخرى مع ترديد السؤال: " تحبني" أو 
"لا تحبني", " كثيراً جدا " أو " قليلاً جد" أو " أبدا” وهكذاء وكل واحد يسأل بلغته. 
وجاء ذكر الفراشة ليسأل بلغته أيضاً. ولم يقطف ورقة تلو الاخرى كما يفعل الباقون, 
بل قبل الأوراق ورقةً بعد أخرى إذ اعتقد بأنه سينال مراده بذلك. 

قال: " أيتها العزيزة مارغريتا عين البقرة. حضرتك أكثر السيدات ذكاءً من بين 
القون يإفكانك قرزا الطائم. كول لي قل با عسل على هذ أذ عدوم من القن 
سأحصل عليها؟ وهل بإمكاني عندما أعرف من هي أن أطير إليها لأتقدم لطلب 
يدها ؟ 

ولكن مارغريتا لم تجبه إطلاقاً. لم يعجبها أن يطلق عليها لقب سيدة لأنها كانت 
آنسة, لذا فلا يمكن أن تكون سيدة. وعندما سأل ثانية وثالشة ولم يحصل ولو على 
حرف واحد منهاء لم يرغب في البقاء والسؤال مجددأً؛ فطار دون أن يقول شيئاً ليكمل 

كان ذلك في أول فصل الربيع وقد انتشرت زهور أبصال قطرات الثلج والزعفران. 
قال ذكر الفراشة وهو ينظر إليها: " إنها رقيقةٌ جدا. ولكنها جامدة بعض الشيء. لا 
لون فيها". وهو مثل كل الشباب كان ينظر إلى الفتيات الكبيرات. ومن ثم طار إلى 


047 


زهور شقائق النعمان لكنها كانت لاذعة بعض الشيء بالنسبة إليه, أما أزهار البنفسج 
فقد كانت حالمةٌ بعض الشيء, أزهار التيوليب مزهوة جدا بنفسهاء وزهور الترجس 
البيض بورجوازية جداء زهر الزيزفون صغير جدا وعائلته كبيرة جداً. وصحيح أن زهرَ 
التفاح يشبه الورد الجوريء ولكنه يتفتح اليوم ويسقط غداء تلعب بقلبه الريح. سيكون 
زواجاً قصيراً جداء كما ظن. 

زهرة البزاليا كانت أكثرهم لطفا وراحة. حمراء بيضاء, مسْدبةٌ راقيةٌ تنتمي إلى 
فئة البنات من ربات البيوت اللواتي يعتئين بأنفسهن ويجدن إدارة شؤون المطبخ. وكاد 
أن يتقدم إلى خطبتها قبل أن يرى بالقرب منها زهرةً ذابلة على طرف من متسأق نبتة 
البزاليا. وسأل الفراشة: 

" من هذه؟" 

فقالت له زهرة البزاليا:" هذه أختي". 

" هكذا إذاً. أ هكذا تبدون عندما يتقدم العمر بكن ", قالها ذكر الفراشة الذي 
أرعبه المنظر فطار بعيداً. 

تعلّقت أزهار الكابريفوليوم فوق السياج الخشبي والذي شُغلَ مامأ من قبل 
الآنسات, كانت وجوهها طويلة وجلدها أصفر وهذا النوع لا يعجبه ابداً. ولكن ما الذي 
يعجبه؟ بإمكانك أن تسأله. 

مر الربيع وجاء الصيف ومن ثم جاء الخريف ولم يحقق شيمًاً. أتت الزهور بأبهى 
حلة لديهاء ولكن لا فائدة فلم يكن "تلك الفتيات" في ريعان شبابهن ولا عطرهن. مع 
تقدم العمر يحتاج القلب إلى العطر وليس منه الآن الكثير عند زهور الداليا والجوري 
المتسلق. ولذا فقد طار إلى زهرة النعناع. 

" ليس لهذه النبتة زهورء ولكنها بأكملها تبدو كزهرة, يفوح شذاها من الجذر إلى 
الرأس ولدى كل ورقة فيها عطر زهرة؛ سأختارها حبيبة لي". وأخيراً تقدم ليفاتحها 
بالأمر. 

وقفت نبتة النعناع ثابتة جامدة في مكانهاء وأخيراً قالت: " صداقة فقط. ليس 
أكثر من ذلك, أنا متقدمة في السن وأنتَ كذلك؛ يُكننا الإرتباط بصداقة ولكن ليس 
الزواج, إطلاقاً, لا تجعلنا مسخرة للعالم في هذا العمر". 


408 


لم يحصل ذكر الفراشة في النهاية على شيء . قضى وقتاً طويلاً في بحثه وهذا 
ما يجب على المرء تجنبه. وصار ذكر الفراشة اعزب كما يقال. 

كان ذلك في أواخر الخريف حيث الجو ماطر عاصفء والريح كانت تهب باردة على 
جذوع أشجار الصفصاف الهرمة تبعث فيها قشعريرة. ولم يكن من المناسب الطيران 
بملابس صيفية؛ فحينها سيتعرض المرء إلى نزلة برد شديدة. كما إن ذكر الفراشة لم يطر 
كذلك خارجاً, كان قد بقي بالمصادفة داخل منزل ماء حيث النار في الموقد تعطيه حرارة 
الصيف. كان يعيش عيشة راضية؛ " ولكن مجرد عيشء, هذا ليس كافيا" قال ذكر 
الفراشة. " أريد شمساً مشرقة, حرية وزهرةٌ صغيرة إلى جانبي". 

وطار إلى النافذة, فتأمّله الناس وأعجبوا به. ثبتوه بدبوس في صندوق حوى 
النوادر والذكريات؛ أكثر من ذلك لا يمكن عمل شيء له. 

" ها أنا أجلس على ساق مثل زهرة. وهو ليس بالأمر الهين علي وكأنني متزوج, 
فالمتزوجون سجناء ايضاً ". قال ذلك ليواسي نفسه. 

ردت زهور الأصص في الغرفة قائلة: " لن تقنع أحدأ بمواساتك هذه". 

" أوه, هذه الزهور لا يمكن الوثوق بما تقوله, إنها تخالط البشر أكثر من اللازم": 
فكر ذكر الفراشة في داخله. 


كتبت في عام8471١‏ 


49 


الحلزون ومتسلق الورد 


كان هناك سياج من شجيرات البندق يسور الحديقة, أما خارجها فقد كان هناك 
حقول ومروج وبقرات ونعاج, أما في منتصف الحديقة فقد كانت هناك شجيرة متسلق 
ورد جوري جلس تحته حلزون, وقد كان في داخله الكثير الذي يعطيه, كان لديه نفسه. 

" انتظروا حتى يحين أواني" قال الحلزون, " سأنجر ما هو أكثر بكثير من أن أطلق 
وردا جوري أو أحمل بندقا أو أعطي حليبا مثل البقرات والنعاج" 

" أنا أنتظر الكثير الكثير من هذا الوقت الذي سيحين" قالت متسلق الورد " هل 
لي أن أسأل حضرتك؛ متى؟" 

0 أمهل نفسي بعض الوقت" قال الحلزون. " لدى حضرتك الكثير من العجالة! 
وهو ما يفقد الإثارة" 

في العام الثاني استلقى الحلزون تحت الشمس في نفس المكان تقريبا تحت شجيرة 
الورد التي أطلقت براعم تفتحت وروداً. نضرة دوماء جديدة دوما. وزحف الحلزون نصف 
الطريق؛ مدّ مجساته وأعادها ثانية. 

" كل شيء يبدو كما كان من قبل! لا تقدم قد حدث؛ شجيرة الورد الجوري حيث 
الورد الجوريء لم تتقدم' 

راح الصيف, راح الخريف, ومازال لشجيرة الورد زهور وبراعم حتى سقط الثلج, 
وصار الجو رطبا وقاسياً, انحنت شجيرة الورد إلى الأرض وزحف الحلزون إلى داخل 
الأرض. 

بدأ عام جديد وتفتحت الأزهار وطلع الحلزون. 

" أنت الان جذع ورد جوري هرم" قال الحلزون؛ " هيا اذبلي وامضي. لقد منحت 
العالم كل ما تملكين؛ وإن كان لما منحت من معنى فذلك سؤال ليس لدي الوقت للتفكير 


451 


فيه؛ ولكن من الواضح جدا هو أنك لم تفعلي أقل ما يمكن من أجل تطورك الداخلي. 
وإلا لطلع منك شيء آخر. كيف تسمحين لنفسك بذلك؟ هل بإمكانك ان تجيبي؟ 
سرعان ما ستصيرين عودا سقيما! هل تفهمين ما أقوله؟" 

" حضرتك تفزعني!" قالت متسلق الورد. " لم أفكر في ذلك إطلاق" 

" لا. من المؤكد انك لم تعطي نفسك وقتا للتفكير! هل فكرت يوما بأن تحللي 
نفسك بالتفصيل؛ لماذا تزهرين حضرتك؛ وكيف تمكنت هكذا من الإزهارء كيف هكذا 
وليس بشكل آخر؟" 

" لا" قالت متسلق الورد" لقد أزهرت بفرح. لأنني لا أستطيع عمل شيء آخر. 
الشمس كانت حارة جدا والهواء كان عليلا وقد شربت الندى الصافي والمطر الشديد؛ 
كنت اتنفس, كنت أحيا! سرت في من الأرض طاقة وطاقة من الأعلى؛ شعرت بسعادة 
جديدة دوماء كبيرة دوماء لذا كان علي ان ازهر دوما؛ إنها حياتي وأنا لا أستطيع شيئا 
غير ذلك. 

" لقد عشت حياة مريحة جدا" قال الحلرون. 

" أجل حقيقةً؛ لقد مُنحت كل شيء" قال متسلق الورد؛ " ولكن حضرتك متحت 
ماهو اكثر! إنك أحد هؤلاء المفكرين, ذوو الطبيعة الفهيمة المتعمقة, أحد أكبر الموهوبين 
الذين يفاجئون العالم" 

" ليس ببالي شيء على الأخص من هذا القبيل" قال الحلزون. " أنا لا يهمني 
العالم! ما خصني في العالم؛ لدي ما يكفيني مع نفسي؛ وفي نفسي ما أكتفي به " 

" ولكن ألا يتوجب علينا جميعا على هذه الأرض أن نعطي أفضل ما لدينا إلى 
الآخرين! أن نقدم ما بمقدرونا - صحيح أني لم أعط غير الورد الجوري! ولكن حضرتك؟ 
حضرتك الذي حصلت على الكثير, ما الذي أعطيته للعالم؟ ما الذي ستعطيه؟ 

" ما الذي أعطيته؟ ما الذي أعطيه؟ أنا أبصق عليه! إنه غير صالح! لا شأن لي 
به. اعطي ورداء لن تتطوري! دعي شجرة البندق تحمل بندقا! دعي البقرات والنعاج 
تعط حليبا؛ أنا أتقوقع في نفسي وسأبقى هناك. لا شأن لي بالعالم!" 

ودخل الحلزون بيته ومعجنه عليه. 

" ذلك محزن جدا" قالت شجيرة الورد. " لايمكتني أبدا أن أتقوقع على نفسي وإن 


0132 


حاولت. علي أن أتفتح, أن أتفتح ازهارا. الأوراق تتساقط, تطير مع الريح: بل إنني 
شاهدت إحدى الوردات الجورية وقد وضعت بين صفحات كتاب التراتيل لربة البيت» 
وإحدى جورياتي حصلت على مكان عند صدر بنت جميلة؛, وواحدة قبّلها فم طفل بفرح 
عامر. ذلك جعلني مسرورة, إنها البركة بعينها. هذه هي ذكرياتي. هي حياتي”" 

وأزهرت متسلق الورد ببراءة والحلزون نعس كسول مستلق في بيته, لا شأن له 
بالعالم. 

ومرت السنئون. 

الحلزون كان ترابا في التراب ومتسلق الورد كانت ترابا في التراب؛ كذلك وردة 
الذكريات في كتاب التراتيل كانت هناك.ومضت ولكن في الحديقة أزهرت متسلقات 
ورد جديدة, في الحديقة كبرت حلزونات جديدة؛ تقوقعت داخل بيوتهاء بصقت.ء لا شأن 
لها بالعالم. 


هل نقرأ القصة من جديد ؟ لن تختلف. 


كتبت عام 1١857‏ 


053 


ِ .4 ممه جه ات 


كان هناك رجل يعرف الكثير والكثير من الحكايات الخرافية الجديدة ولكنها قد 
استهلكت,. قال الرجل؛ الحكاية التي كانت تأتيه وحدها لم تعد تأتي وتطرق بابه, ولم 
لم تأت؟ أجل. هذا صحيح., الرجل لم يفكر بذلك لأيام وسئين, لم يكن منتظراً أن تأتي 
الحكاية وتطرق بابه, ولابد انها لم تكن هناء فا حرب كانت مندلعة خارج البيت وفي 
الداخل حزن وكرب تجره الحرب معها. 

اللقلق والسنونو عادا من رحلتهما الطويلة؛ لم يفكرا بالخطر وعندما وصلا كان 
العش محروقاء وبيوت الناس قد احترقت وباب المقبرة قد خُلع. أجل اختفى كل شيء 
تماما؛ أحصنة العدو داست على القبور القديمة. كانت أياما عصيبة, مظلمة: ولكن لها 


نهاية أيضا. 

وكان لها أخيرا نهاية. كما يقالء ومع ذلك فلم تطرق الحكاية الباب أو يسمع منها 
خبر. 

" لابد وانها ماتت وراحت مع الكثير الذي راح". قال الرجل. ولكن الحكاية 
الخرافية لن قوت أبدا) 


ومر أكثر من عام وشعر الرجل بغصة ولوعة كبيرتين. 

' هل يا ترى ستأتي الحكاية ثانية وتطرق بابي؟ ". تذكرها حية بكل أشكالها 
التي جاءته بها؛ مرة شابة وجميلة, الربيع بعينه, فتاة صغيرة رقيقة بإكليل من 
الإسبرلة العطرية على شعرها وغصن من الزان في اليد؛ لمعت عيناها عميقتين مثل 
بحيرة غابة تحت شمس صاحية؛ ومرة جاءت أيضا بهيئة بائعة جوالة: فتحت كيس 
حوائجها وأطلقت شريط الحرير يرفرف بقصائد وحروف منقوشة من ذكريات قديمة؛ ولكن 


055 


الأروع بين كل ذلك كان عندما جاءت العجوز بشعر أبيض وعينين واسعتين ذكيتين 
جداً, حينها عرفت بالفعل كيف تروي عن الأزمنة السحيقة, قبل زمن الأميرات بكثير 
عندما كن يغرّلن بمغازل ذهبية:» بينما التنين والثعبان العملاق ملتهم البشر يحرسهن. 
حينها حكت بنبض حي حتى أن بقعا سوداً كانت تظهر أمام عين كل من يسمع. 
الأرضية تصير سوداء من دماء الناس؛ كان فظيعا رؤيةٌ وسماع ذلك. ومع ذلك ممتعا 
لأن زمنا طويلا كان قد مر منذ أن حدث ذلك. 

" ترى أ لن تطرق بابي ثانية؟", قال الرجل وحملق بالباب حتى ظهرت بقع سود 
أمام عينيه. بقع سود على الأرض؛ لم يعرف إن كانت بقعا سوداً أم وشاح حداد من 
الأيام المظلمة الثقيلة. 

ويينما كان جالسا جاءته فكرة, إن كانت الحكاية قد أخفت نفسها في مكان ماء 
مثل الأميرة في الحكاية الخرافية الأصلية وهي تود أن يبِحَثَ عنها؛ وإن عثر عليها 
ستشع بعظمة جديدة أجمل مما كانت عليه يوما ما من قبل. 

" من يعلم, ربما تختفي بين قش ملقى يرتعش عند حافة اليئر. حذارء حذارء ربا 
أخفّت نفسها في وردة ذابلة وُضعت في داخل واحد من الكتب الكبيرة على الرف. 

وراح الرجل, فتح الجديد من الكتب ليتعلم المزيد؛ ولكن لم تكن هناك وردة. كان 
هناك ما يقرأ عن هولكه الداماركي؛ وقرأ الرجل أن كل القصة كان قد اخترعها 
وجمعها راهب من فرنساء وأنها كانت رواية " ترجمت وطبعت باللغة الدماركية؛ " 'بأن 
هولكه الدافاركي لم يوجد في يوم أبداً وهذا يعني أنه لن يعود ثانية كما غنينا نحن 
عن ذلك وأردنا ان نعتقد. والذي كان مع هولكه الدانماركي كان أيضا مع فيلهيلم تيل 
مجرد كلام, لا يمكن الوثوق بهء كتب ببراعة حاذقة". 

" لأظن ما أظن" قال الرجل, " آذان الجدي لا ينبت في المكان الذي لا تدوسه 
الأقداء" 

وأغلق الكتاب. وضعه على الرف وذهب إلى الأزهار النضرة على سدة النافذة؛ 
ريما تكون الحكاية قد أخفت نفسها هناك في زهرة التيوليب الحمراء بحوافها الصفر 
الذهبية: أو في الوردة الجورية النضرة, أو في الكاميليا الصارخة اللون. 

كانت أشعة الشمس بين الأوراق وليس الحكاية. 


456 


" الأزهار هنا كانت في فترة حداد. كانت جميعا أجمل بكثير؛ ولكن أطرافها قد 
قصت, كل واحدة منهاء ربطت في إكليل وضع في النعش ونشر العلم فوقه. ربما كانت 
الحكاية قد دفنت مع تلك الأزهار! ولكن الأزهار كانت ستعلم بذلك, ولشّعر النعش 
والأرض بها وكل قشة من العشب تطلع كانت ستحكي عنها. الحكاية لا قوت أبداً. 

ورئما كانت هي هنا أيضاً وطرقت الباب. ولكن من كان له أذنْ ذلك الوقت أو 
ذهن؟ كان المرء ينظر بعتمة وتشاؤم وربما بغضب إلى أشعة شمس الربيع. سقسقة 
طيوره وكل الإخضرار الممتع؛ أجلء لم يكن اللسان ليحتمل الأغاني الشعبية القديمة, 
لقد وُضعت على الرف جانباً مع الكثير العزيز على قلوبنا. من المحتمل أن تكون 
الحكاية قد طرقت الباب؛ ولكن لم تسمعء لم يرحب بها فابتعدت. 

أود أن أذهب للبحث عنها. في الريف. في الغابة. وعلى الشاطيء المكشوف. 


بعيداً كانت هناك عزية قديمة بجدران حمرء واجهة مسنمة من القرميد وعلم يرفرف 
على البرج. كان العندليب يغني تحت أوراق الزان ذات الشرشفة الدقيقة, بيئما كان 
ينظر إلى أشجار التفاح المزهرة ظناً منه بأنها تحمل ورداً جورياً. وهنا كان النحل تحت 
شمس الصيف مشغولاً. يحوم بأغنية طن حول الملكة. عاصفة الخريف تتحدث عن 
الصيد البري. عن فناء الأجيال و أوراق الغابات من البلوط والزان المنطلقة. 

وعندما تحل فترة الميلاد تغني البجعات البرية بعيدا عن البحر المفتوح بينما يميل 
المرء داخلا في المزرعة القديمة عند نار الموقد إلى سماع الأغنيات والملاحم. 

في الجزء القديم من الحديقة. حيث الشارع الكبير المشجر بالكستناء البرية, 
الغاوي بشبه ظلمته. هناك مشى الرجل الذي كان يبحث عن الحكاية؛ هنا صفرت الريح 
يوما له عن " فالدمار دو وابنته". درياد في الشجرة, كانت أم الحكاية هي التي أخبرته 
عن حلم شجرة البلوط العجوز. في زمن الجدة كانت هنا أسيجة مشكلة أما الآن فلا 
ينمو غير السرخس والحراق؛ انتشرعلى البقايا المتنائرة من التماثيل القديمة؛ قد نما 
الطحلب في عيونها ولكن كان بإمكانها البصر مثلما كانت من قبل ولكن الرجل 
صاحب الحكاية لم يمكنه ذلك بعد في بحثه عنهاء لم ير الحكاية. أين كانت؟ 

طارت الغربان بالمئات فوقه وفوق الأشجار الهرمة وصرخت: " من هناء من هنا" 


0317 


ومشى من الحديقة إلى الحصن. دخل غابة صغيرة من أشجار مرايا الماء؛ كان 
هناك بيت صغير بستة جوانب مع بيت للدجاج ومزرعة للبط. في منتصف غرفة 
المعيشة جلست العجوز التي كانت تدير كل شيء وتعرف بدقة عن كل بيضة وضعت 
وعن كل فرخ دجاج قد خرج من البيضة؛ ولكنها لم تكن الحكاية التي كان الرجل يبحث 
عنها؛ قد أئثبتت ذلك بشهادة تعميدها وشهادة التلقيح, كلاهما كان في السحارة. 

كان هناك في الخارج ليس بعيدا عن البيت تلة فت فيها أشجار السلاسل الذهبية 
والزعرور البري. وهناك كانت حجارة قبر قديم, جيء بها من مقبرة المدينة إلى هنا منذ 
سنوات عديدة كتذكار لواحد من كبار مستشاري المدينة الشرفاء؛ كانت زوجته وبناته 
الخمس يقفن حوله بأياد مضمومة وياقات من البليسيه. منحوتات جميعهن في 
الحجارة. 

يمكن للمرء التأمل في هذا طويلا حد التصور بتأثيره على الفكر وهذا بدوره يؤثر 
على الحجر ليحكي الأخير عن الأزمان الماضية؛ هكذا على الأقل مر الحال مع الرجل 
الذي كان يبحث عن الحكاية. عندما وصل إلى هنا رأى فراشة حية تجلس على جبهة 
المستشار المنحوت على الحجارة؛ ضربت بجناحيها. طارت مسافة صغيرة وحطت ثانية 
عند حجارة القبر وكأنها كانت تريد أن تشير إلى ما كان ينمو. لقد نما البرسيم, كانت 
هناك سبعة عيدان مصطفة مع بعضها بعضاً يحوي كل منها على الورقات الأربع 
الجالبة للحظ. إن أتى الحظ. ياتي دفعة واحدة! قطف البرسيم ووضعه في جيبه. 
السعد جميل مثل النقود. ولكن حكاية جديدة جميلة هي أجمل بكثير من هذاء فكر 
الرجل, ولكنه لم يجدها هناك. 

ونزلت الشمس, حمراء, كبيرة؛ يصعد البخار من المرج. عجوز المستنقعات أخذت 
تخمر الجعة. 


وقف الرجل في آخر المساء ينظر إلى الخارج؛ عبر الحديقة. عبر المرج؛ المستنقع 
والشاطئ؛ القمر ساطع؛ وقد تجمع البخار فوق المرج, وكأنه بحيرة, وقد كانت هنا 
بالفعل بحيرة ذات مرة؛ قد أشيعت أسطورة حولها وفي سطوع القمر تجلت واضحة. 
عندها فكر الرجل بما قرأه في المدينة, بأن فيلهيلم تيل وهولكه الدانماركي لم يوجدا 


058 


يوما ولكن وفق المعتقدات الشعبية صارا برهانا حيا مثل البحيرة هناك. ولهذا 
ف هولكه الدافاركي سيأتي ثانية! 

وفي اللحظة التي كان فيها واقفا يفكر ضرب شيء بقوة على النافذة. هل كان 
طيرا؟ خفاشاً أم بوماً؟ والمرء لا يفتح النافذة لهؤلاء وإن طرقوا. النافذة انفجرت 
ونظرت إمرأة عجوز بوجه الرجل. 

" ماذا!" قال الرجل. " من أنت؟ تنظرين مباشرة من الطابق الأول. هل تقفين عند 
السلم؟" 

" لديك برسيم في جيبكء" قالت, " نعمء لديك سبعة عيدان ذات الأربع ورقات, 
وواحد منها بست اوراق" 

"من أنت؟" سأل الرجل. 

" عجوز المستنقعات, عجوز المستنقعات التي تخمر الجعة؛ كنت منهمكة بذلك؛ 
كان الصنبور مثبتاً ببرميل الجعة ولكن أحد صغار المستنقعات خلع باستهتار الصنبور 
ورماه باتجاه المزرعة هنا حيث ضرب النافذة؛ وقد أخذت الجعة تسيل على الأرض ولم 
يستفد متها احد." 

" اخبريني بربك" قال الرجل. 

" انتظر قليلا" قالت العجوزء " لدي أمر آخر علي إنجازه" واختفت. 

كان الرجل على وشك أن يغلق النافذة عندما رأى العجوز واقفة ثائية هناك. 

" انتهينا من المهمة " قالت؛ " وبإمكاني تخمير نصف الجعة في الغد, إن صار 
الجو ملائما لذلك. والان قل لي ما الذي كنت تود السوّال عنه؟ لقد عدت ثانية لأنني 
عند كلمتي دائماء وانت لديك في جيبك سبعة عيدان من البرسيم, عود منها يحمل 
ست ورقات, إنها تجلب الإحترام, إنه وسام, هذا الذي ينمو على الطريق الزراعي, 
ولكن ليس بإمكان الكل العثور عليه. ماذا لديك من أسئلة؟ لا تقف هناك مثل 
الأطرش في الزفة, علي الإسراع بالذهاب إلى صنبوري وبرميلي". 

سأل الرجل عن الحكاية الخرافية, فيما لو كانت عجوز المستنقعات قد رأتها في 
طريقها. " عجيب أمرك؛ تخمير بتخمير" قالت العجوز. " أ ليس لديك ما يكفي منها 
" أعتقد أن الكثيرين قد حصلوا على ما يكفي. هنا يوجد غير هذا مما يجب تولي أمره 


459 


والإعتناء به. حتى الأطفال يجتازون ذلك. اعط الأولاد الصغار سيجارة والبئنات 
الصغيرات تنورة. سيحبونها أكثر! اما سماع حكاية خرافية لا لاء هناك غير هذا ما 
يتوجب القيام به, أمر أهم يجب تحضيره" 
ما الذي تعنينه بذلك؟" قال الرجل. " وما الذي تعرفينه أنت عن العالم؟ أنت 

أصلا لا ترين غير الضفادع وذوي المصابيح. " ّْ 1 

" صحيح وعلى حضرتك الحذر من ذوي المصابيح ". قالت العجوز. " انهم فرواء 
فروا وهم يتجولون أحراراً الآن! هؤلاء هم من يجب أن نتحدث عنهم. تعال إلي في 
المستنقع. يتوجب حضوري الان هناك؛ سأخبر حضرتك عن كل شيء ٠‏ ولكن أسرع 
قليلا مادام البرسيم ذو الأربع ورقات وواحد بست لازال نضراً» وما دام القمر عاليا في 
السناء " 

وبعيدا اختفت العجوز. 

دقت الساعة الثانية عشرة في البرج وقبل أن تدق الربع كان الرجل خارجا في 
المزرعة, غادر الحديقة ووقف في المرج. كان الضباب قد تكائف وقد كفت العجوز عن 
التخمير. 

" لم تأت بسرعة " قالت عجوز المستنقعات." العفريت يصل أسرع من البشرء وأنا 
سعيدة لأني ولدت عفريتة!" 

" والآن ما الذي لديك لتقوليه لي؟ " هل لديك كلمة عن الحكاية؟" 

" أ لا يمكنك بحق الله العيش دون أن تسأل عن ذلك؟ " قالت العجوز. 

" هل هو عن شعر المستقبل ما يمكنك التحدث عنه؟" 

" لا تبالغ في جديتك" قالت العجوز, " وسأجيبك! أنت تفكر فقط بالشعر. تسأل 
عن الحكاية وكأنها سيدة كل شيء! لابد وإنها الأكبر عمراء ولكنها تدّعي دوما بأنها 
الأصغر. أنا أعرفها بما فيه الكفاية! أنا كنت أيضا يوما شابة ولم يكن هذا مرض 
أطفال. لقد كنت مرة طفلة عفريتة رقيقة أرقص مع الآخرين تحت ضوء القمرء سمعت 
العندليب. مشيت في الغابة وقابلت الآنسة الحكاية, التي كانت تهيم على وجهها 
دوما. في لحظة تراها في وردة تيوليب نصف متفتحة أو في وردة المروج الصفراء؛ 
وتارة تراها تنسل إلى الكنيسة وتتلحف بوشاح الحداد المتدلي من شموع المذيح" 


0600 


" أنت تعرفين الكثير ". قال الرجل. 

" بالطبع؛ في الحقيقة فأنا أعرف بقدر ما تعرف حضرتك" قالت عجوز 
المستنقعات. " الحكاية والشعرء انهما وجهان لعملة واحدة. انهما يبيتان أينما شاءاء 
كل مؤلفاتهما وكلامهما بالإمكان تحضير خمر مقلّد منه فيحصل المرء على شيء أفضل 
وأرخص. يمكنك أن تحصل عليها مجاناً عندي. لدي خزانة ملأى لآخرها بالشعر في 
قناني. إنه روح الشعر وأفضل ما فيه؛ العشب الحلو واللاذع. لدي في القئينة كل ما 
يتمناه البشر من الشعر, والمرء يضع في الكنيسة القليل منه على المنديل للتعطر!” 

إنه فعلا أمر غريب هذا الذي تقولينه " قال الرجل. 

” وأكثر مما تطيق" قالت العجوز. " هل تعرف البنت التي داست على الخبزة كيلا 
يتسخ حذاؤها ؟ انها حكاية كتبت وطبعت " 

" ولكئني أنا الذي رويتها!" قال الرجل. 

" حسناء إذا أنت تعرفها" قالت العجوز. " وتعرف أنها غطست تحت الأرض إلى 
عجوز المستنقعات, بالضبط عندما كانت جدة الشيطان في زيارة لرؤية الخمارة. لقد 
رأت البنت التي غرقت وأرادت الحصول عليها كتمثالء كتذكار لزيارتها ولقد أخذتها 
وحصلت أنا بالمقابل على هدية لم أستفد منها. صيدلية سفرء خزانة مملوءة بأكملها 
بالشعر في قناني. الجدة الأم اخبرتني أين يجب أن تُصّف الخزانة وهي ما تزال هناك في 
مكانها. هل ترى! لديك سبعة العيدان من البرسيم وواحد منها بست. إذاً يمكنك رؤيتها 
بالتأكيد" 

وبالفعل. كان في منتصف المستنقع ما يشبه جذعاً هرماً مجوفاً. كان هو خزانة 
جدة الأم. وهي مفتوحة لعجوز المستنقعات ولكل واحد في كل البلدان وفي كل 
الأوقات, قالت, ولكن فقط لمن يعرف أين مكان الخزانة. انها تفتح من الأمام والخلف, 
من كل الجوانب والأطراف, انها قطعة فنية رائعة؛ ومع ذلك فلم تبدٌ إلا كجذع مجوف 
لشجرة قديمة. 

كل شعراء البلدان. على الأخص شعراء بلدنا كانوا قد صنعوا هنا؛ كانت روحهم 
قد حُسبت؛ حللت: ررمت؛ استخلصت ووضعت في القناني. بإحساس غريزي عال, كما 
يقال, إن لم نقل بعبقرية. أخذت الجدة من الطبيعة كل ما له طعم هذا أو ذاك من 


460 


الشعر. أضافت له بعضا من الشيطنة فصار عندها شاعر في كل قنينة لكل 
المستقبل". 
دعيني أر" قال الرجل. 

"' ولكن هناك أموراً أهم يجب أن تسمعها". قالت عجوز المستنقعات. 

" ولكننا الان عند الخزانة" قال الرجل ونظر إلى الداخل. 

" توجد قناني بكل الأحجام. ماذا في هذه؟ وماذا في تلك؟ 

" هذا هو الذي يسمونه عطر أيار" قالت العجوزء " لم أجربه. ولكني أعرف أنه 
لو ألقى المرء قطرة منه على الأرض تحولت بالحال إلى بحيرة غابة جميلة بزنابق الماء 
وزهر الأسل والنعناع. ولكن إن صب ا مرء مجرد قطرتين على دفتر قديم من الصف 
الأول الإبتدائي يصير الكتاب كوميديا عطرية, يمكن للمرء حقيقة استخدامها في 
المسرح فسيخلد إلى النوم خلالها, أجل. إلى هذه الدرجة حاد عطرها. وإنه لمن الذوق 
والأدب أن كتب على القنينة : " جعة عجوز المستنقعات". 

وهاهي قئينة الفضائح. تبدو وكأن ليس فيها غير ماء وسخ وهو ماء وسخ ولكن 
أضيف إليه مسحوق فقاقيع من فيمة المدينة؛ تقريبا خمسين غراما من الكذب, وخمسة 
غرامات تقريبا من ا حقيقة تُحرك بغصن من البتولاء ليس بسوط التعذيب المغموس 
بالملح والمدمى من جسم الجاني, أو من عقب عصا مدير مدرسة, لاء بل قطعة أخذت من 
عصا مكنسة كنست للتو مجرى مياه قذرة. 

وهاهي القئينة بالشعر الفضيل بنغم ترتيلة ديئنية. كل قطرة لها رنينء مثل صفق 
باب الجحيم. من دم العقاب وعرقه؛ البعض يقول إنه مجرد مرارة حمام؛ ولكن الحمام 
هو من أكثر الحيوانات فضيلة, ليس لديهما مرارة؛ يقول الناس الذين ليس لديهم فهم 
بمادة الأحياء. 

وهاهي القنينة الأهم من بين القناني؛ انها أم القنائي: قنيئة ال حكايات اليومية؛ 
كانت مغلقة بجلد الخنزير وجلد المثانة فلا يجب أن تفقد القنينة جزءاً من قوتها. كل 
أمة يمكنها هنا الحصول على حسائهاء وذلك بأن يقلب المرء القنينة ويرجها. كان هنا 
حساء دم عتيق ألماني بكرات لحم اللصوصء وايضا حساء فلاح خفيف برجال الحاشية 
الحقيقيين والذين بدوا مثل جذور في الحساء. فوقهما كانت تسبح عيون فلسفية دهينة. 


462 


كان حساء مربية أطفال انكليزية, وحساء الروائي الفرنسي كوك, معمول بساق ديك 
وبيض العصفورء يطلق عليه بالدماركية ب حساء كانكان؛ ولكن أفضل الوصفات كان 
هو حساء كوبنهاجن, قالت العائلة. 

وها هو مكتوب " مأساة" على قنيئة شمبانيا؛ كانت يمكن أن تصدر صوت 
اطلاقات, وهو ما يجب ان يكون. المسرحية بدت وكأنها رمل ناعم يرمى في عيون 
الناس وهذا يعني أنها المسرحية الأرقى؛ الأكثر فظاظة هي المسرحيات الترفيهية وكان 
أيضا على القنينة ولكنه فقط ل ملصقات برنامج الموسم القادم حيث كل مسرحية لم 
تكن أكثر من مجرد اسم قوي. كانت كوميديات تحمل عناوين عظيمة مثل: " هل تجرؤ 
على البصق على العمل المسرحي؟": " لكمة على الخد". " الحمار الحلو" و" السكرانة". 

سرح الرجل بأفكاره هنا ولكن عجوز المستنقعات تابعت حديثها تود أن تضع 
نهاية له. 

"ها قد رأيت ولا شك ما يكفي مما في الصرة, الآن تعرف ما هو؛ ولكن الأهم 
الذي يجب أن تعرفه لم تعرفه بعد. ذوو المصابيح في المدينة الان! وهم يعنون أكثر مما 
يعني الشعر والحكايات الخرافية. علي ألا أفتح فمي بقول شيء ولكن هناك شيئا ما 
يسيطر علي. قدر. شيئا ما هذا الذي يحدث لي ويقف مستعرضا في البلعوم. يجب أن 
5 

" ذوو المصابيح في المدينة الآنء قد فلتوا وهم أحرار حذار حذار أيها الناس" 

" لم أقهم كلمة من كل هذا" قال الرجل. 

" تعال حضرتك تفضل واجلس على الخزانة" قالت, " ولكن إياك أن تسقط فيها 
وتكسر القناني؛ أنت تعرف ما في داخلها. سأخبرك بالحدث الكبير؛ انه ليس أعتق من 
تخمير الأمس؛ وقد حدث من قبل. مازال أمام هذا الحدث ثلاثمئة وأربعة وستون يوما 
ليعيش. تعرف عدد أيام السنة حضرتك, أليس كذلك؟" 

وتحدثت عجوز المستنقعات 

" لقد حدث شيء كبير بالأمسء في المستنقعات! كان هنا حفل ميلاد لطفل! قد 
ولد هنا ذو مصباح صغيرء ولد إثنا عشر واحدا من فقسة واحدة, قدّر لهم الظهور كبشر 
إن أرادواء يتصرفون و يأمرون, كما لو انهم ولدوا بشرا. إنه حدث كبير في ا مستنقع 


0103 


ولذلك فقد رقص كل ذوي المصابيح وزوجاتهم على هيئة شموع صغيرة هناك فوق 
المستنقع والمرج؛ كان هناك أيضا أناث ولكن لم يأت أحد على ذكرهن. لقد جلست في 
الخزانة هناك والإثنا عشر صغيرا في حضني؛ ذوو مصابيح رضّع؛ لمعوا مثل دود سانت 
هانس؛ وسرعان ما بدأوا بالقفزء يكبرون بالدقائق حتى أخذوا خلال ربع ساعة حجمهم. 
حيث أن كل واحد منهم بدا بحجم الأب أو العم. وهناك قانون موروث وامتيازات, بأنه 
عندما يقف القمر كما كان ليلة البارحة تماما وتلك الريح تهب كما هبت البارحة سيمكن 
لكل ذوي المصابيح الذين ولدوا في تلك الساعة والدقيقة أن يصيروا بشراًء ويمارس كل 
واحد منهم سلطته على مدار سنة. ذو المصباح يمكن أن يدور البلاد والعالم إن لم يكن 
يخشى الوقوع في البحيرة او تطفئه الريح في عاصفة عاتية. يمكنه ان يدخل مباشرة 
في الإنسان. يتحدث بلسانه ويقوم بكل ما يريد أن يقوم به من حركات. يمكن لذوي 
المصباح أن يتخذ أي شكل أو قوام. رجل أو امرأة؛ يتعامل بروحهم ولكن بكل ما 
يرغب به هو إلى أبعد حد لكي يتحقق ما يريده؛ ولكن خلال سنة عليه أن يحرف 
ثلاثمئة وخمسة وستين إنسانا عن الطريق القويم أي إبعادهم إلى حد كبير عن الحقيقة 
والصح؛ بذلك سيبلغ أقصى ما يمكن لذوي مصباح أن يتمكن منهء أي يُعيّن خادما 
ركاضاً أمام عربة التشريفات للشيطان. يحصل على بدلة لهبية اللون صارخة متوهجة. 
وشعلة النار تندلع من بلعومه. يمكن لأبسط ذي مصباح أن تثير لعابه. ولكن هناك 
خطورة ومتاعب جمة لذوي المصابيح المتحمسين الذين ينوون لعب الدور. إن وقعت عين 
أحد من البشر على الذي يقوم بذلك وأطفأه. فسيبتعد وعليه العودة إلى المستنقع؛ إن 
أخذه الشوق للعودة إلى عائلته قبل أن تدور السنة عليه واستسلم لذلك فسيختفي. لا 
يعود يشتعل بصفاء وسرعان ما سينطفئ ولا يمكنه الإشتعال ثانية؛ وإن انتهت السنة 
من دون أن يحرف ثلاثمئة وخمسة وستين انسانا عن الحقيقة وعن الجيد والجميل 
فسيحكم عليه بالبقاء في شجرة متعفنة واللمعان دون قدرة على الحركة وهو أبشع 
عقاب يمكن أن يحصل عليه ذو مصباح حيوي. لقد عرفت كل ذلك وقلته للاثني عشر 
طفلا من ذوي المصابيح الذين وضعتهم في حضني وقد كانوا متهللين من الفرح. قلت 
لهم أن ذلك هو الأسلم والأكثر راحة بأن يتنازلوا عن الحصول على شرف مهنة الخادم 
الركاض ولا يعملوا شيئا؛ لكن الشعيلات الصغيرة لم ترد ذلك. وسرعان ما بدوا صفراً 
صارخين متوهجين بشعلة نابعة من حناجرهم. 


464 


" ابقي عندنا" قال عجوز بينهم. " العبي على البشر” قال آخرون, " البشر جففوا 

مرجناء انهم يسحبون الماء! ما الذي سيحصل للذين يأتون من بعدنا!" 
نريد أن نشتعل" قال ذوو المصابيح الرضّع وتم ذلك. 

وأقيم حفل رقص لدقيقة, لم يكن من الممكن ان يكون أقصر من ذلك! الجنيات 
تأرجحت ثلاث مرات في المكان مع كل الآخرين, كي لا يظن المرء أنهن متعاليات وإلا 
فهن يفضلن الرقص وحيدات. بعدها وزعت هدايا الآباء المتبنين: " رميت شطحا", كمأ 
يقولون. طارت الهدايا فوق مياه المستنقع مثل حجر السيليكون. ومنحت كل واحدة من 
الجنيات قطعة من وشاحها: ' هاك خذ" قلن. " سيمكنك بالحال ان تؤدي أعلى 
الرقصات, أصعب تحليقة وتقليبة إن لزم الأمر؛ ستحصل على استقامة الجسم 
الصحيحة في الحفلات الراقية. لقد علّم طائر الليل كل واحد من صغار ذوي المصابيح 
أن يقول: " قاقي راقي " وقولها في الوقت المناسبء وانها لهدية ثمينة مكافأة بحد 
ذاتها. البوم واللقلق ذرقاء ولكن ذلك لا يستحق الذكرء قالاء ولهذا فلن نتحدث عنه. 
الملك' فالدامار مع من رافقه في الصيد هبوا عابرين فوق المستنقع اما وعندما سمع 
هؤلاء الرجال عن الحفل أرسلوا زوجا من الكلاب من النوع الأصيل كهدية. كلاب 
تصطاد بسرعة الريح, تحمل إثنين من ذوي المصابيح أو ثلاثة. وكان في الحفل أيضا 
كابوسان إمرأتان عجوزتان يعتاشان على ركوب صدور الناس في النوم؛ تعلمتا بالحال 
فن الإنزلاق من ثقب المفتاح وكأن الأبواب كلها مفتوحة للكل. ولقد عرضتا على صغار 
ذوي المصابيح أخذهم إلى المدينة التي يعرفانها جيدا. كانتا تمتطيان عبر الهواء كالعادة 
شعر رقبتهما الطويل الذي ربطتاه بعقدة لتجلسا بثبات عليه ولكتهما الان تمتطيان 
كلاب الصيد البرية. أخذتا الصغار في حضنيهماء الصغار الذين كانوا ينوون إغواء 
الناس وتضليلهم, - هوبء فغابوا عن النظر. كل ذلك حدث البارحة. وذوو المصابيح 
في المدينة الآنء لقد تمكنوا الانء ولكن بأي شكل وكيف؟ أجل, اخبرني! لدي خيط 
طقس عبر ابهام قدمي, انه يخبرني دوما يما هو مهم." 

" انها حكاية خرافية لحالها" قال الرجل. 


. أسطورة تحكي عن الملك فالدمار الذي حكم عليه بركوب حصانه إلى الأبد وخروجه إلى الصيد مع رفاقه كمقاب‎ ١ 


0465 


" أجل؛ انها مجرد بداية لواحدة؛" قالت المرأة. " هل بإمكانك أن تخبرني أين 
"يتدحرجون" الان وكيف يتصرفون, أي هيئة اتخذوا لكي يحرفوا البشر عن طريقه," 

" نعم" قال الرجل؛ " أعتقد أن بالإمكان كتابة رواية بحالها حول ذوي المصابيح, 
بإئني عشر جزءاً. كل جزء لواحد من ذوي المصابيح, وربما ما هو أفضل, كوميديا 
شعبية بحالها!" 

قالت المرأة: " هذا ما عليك كتابته, أو بالأحرى عليك ألا تفعل ذلك!" 

" أجل, هذا أكثر راحة للبال والخاطر " قال الرجل؛ " يتحر المرء من أن يُربط مثل 
الحيوان بجريدة. الضيق ذاته ماما عندما يحكم على ذي مصباح بالبقاء عند شجرة 
متعفنة, يلمع من دون أن يجرؤ على النطق بحرف" 

" بالنسبة إلي فالأمر سيان" قالت العجوزء " ولكن من الأفضل أن تدع الآخرين 
يكتبون, هؤلاء الذين يقدرون والذين لا يقدرون. أنا سأعطي من برميلي صنبورا قديما 
يفتح الخزانة ذات قناني الشعرء منها يمكنهم أن يحصلوا على ما ينقصهم! ولكن 
حضرتك أيها الصديق العزيز أنا أعتقد بأنك حبّرت أصابعك بما فيه الكفاية ولقد 
وصلت من العمر والإستقرار مالا يجبرك على الجري فيه كل عام وراء حكاية, هنا 
توجد أشياء أهم بكثير يتوجب فعلها! لابد وانك فهمت ما يحدث؟" 

" ذوو المصابيح دخلوا المدينة” قال الرجل, " سمعت ذلك؛ فهمته. ولكن ما الذي 
تريدين مني فعله؟ لن يحميني الناس إن رأيت وقلت : انظرواء هذا واحد من ذوي 
المصابيح يتنكر ببدلة محترمة-!" 

" انهم يرتدون أيضا تئورات" قالت العجوز. 

" حضرتك أيضا يعوزك شيء" قالت العجوز. " ذوو المصابيح يتخذون كل 
الهيئات ويوجدون في كل الأمكنة. أحدهم يحضر إلى الكنيسة؛ ليس من أجل ربناء 
ربما يكون قد دخل في القس! يتحدث في يوم الإنتخابات, ليس من أجل البلد والمملكة 
ولكن من أجل نفسه هو فقط؛ إنه فنان, لديه عدة الألوان. عدة التمثيل؛ إن حصل على 
سلطة فعلى الدنيا السلام. أنا أقول وأقول, أريد ان أخرج هذا الذي يقف في بلعومي 
ولكن على حساب عائلتي؛ ولكن علي الان أن أكون منقذة للبشر! إنه ليس الذي أريده 


006 


ولا من أجل ال حصول على ميدالية. أقوم بقدر ما يمكنني من ارتكاب حماقة, أقول كل 
ذلك لشاعر كي تعرف المدينة بأسرها با حال" 

" المدينة لن تأخذ ذلك على محمل الجد". قال الرجل. " لن يؤثر ذلك في أحدء 
سيعتقدون جميعا بأني أروي لهم حكاية خرافية عندما أقول لهم بكل جوارحي: " ذوو 
المصابيح قد دخلوا المدينة. قالت عجوز المستنقعات: حذار" 


00 


القرش الفضي 


كان هناك قرش قد طلعٌ من بطن أمه قطعة النقود الكبيرة فأخد يقفز ويرن: 
"ياللفرحة. سأرى أخيراً هذا العالم الفسيح" وقد رآه بالفعل. 

وحافظ الطفل جيدا على القرش بيدين دافئتين. يدا الرجل العجوز البخيل تكون 
باردتين لزجتين؛ فهو يقلّب قطعة النقود ويدورها عدة مرات, بيئما مع الشباب تنزلق 
قطعة النقود متدحرجة في طريقها. القرش كان من الفضة مع قليل من النحاس وقد 
أكمل من العمر السنة منذ أن خرج إلى العالم. وهذا يعني أنه قد جاب البلاد حيث تم 
2 

ولقد غادر القرش البلاد و كان آخر قطعة نقدية للبلد تبقت في محفظة السيد 
المسافر الذي لم يعلم أنه كان يملكها قبل أن تصطدمٌ أصابعٌه بها. 

قال بسره: " مازال لدي قرش من بلدي. سيمكنه السفرٌ معي". وقد رن القرش 
وقفز من الفرح عندما أعاده السيد إلى محفظته مرة أخرى. وقد بقي في جيب المسافر 
برفقة أصدقاء غرباء كانوا يروحون ويجيئون وكل قطعة نقود تفسح الطريق للأخرى, 
أما القرش من بلد المسافر فقد كان يبقى دوماً في مكانه في المحفظة, وكان ذلك شرفاً 
له. 

ومرت بضعةٌ أسابيع وقد جاب القرش أماكن بعيدة في العالم دون أن يعرف هو 
نفسه في أي مكان كان. سمع القرش من القطع النقدية الأخرى أنها كانت فرنسية أو 
ألمانية. أحدهم قال إننا هناء والآخر قال إننا الآن في مكان آخرء ولكن ذلك لم يعن 
للقرش شيئاً فالمرء لا يرى ما يدور حوله في العالم عندما يكون دوماً في كيسء وكان 
هو داخل كيس بالفعل. 

وذات يوم بيئما كان القرش في محفظة النقود شّعَر أنها كانت مفتوحةً فتسلّل إلى 


469 


الفتحة لكي يرى العالم قليلا في الخارج. كان عليه ألا يفعل ذلك ولكن الفضول كان 
قد تملكه. وهو عقاب بحد ذاته. تسرسح القرش حتى استقر في جيب البنطلون. وعندما 
أخريت الحفظة مسا ووضعت على الطاولة كان القرش لايزال مستقرا في الهيب ثم 
انتتقل مع ا ملابس إلى المدخل حيث وقع بالحال على الأرض. ولم يسمع بذلك أحدٌ ولم 
ير. 

وفي الصباح الباكر جيء بالملابس إلى السيد الذي لبسها وسافر بعيداً؛ ولكنه لم 
يأخذ القرش معه هذه المرة. ولقد وجده أحدهم. لذا فقد رافق القرش ثلاث قطع نقود 
جديدة. 

وفكرَ القرش بسره: " كم هو بمتع التجوال في العالم, التعرق على أناس جدد 
وعادات جديدة". 

وسمع صوت باللحظة يقول: " أي قطعة نقدية هذه؟ إنها ليست من عملة البلد. 
انها مزيفةٌ, لا تصلع". 

وهكذا بدأت قصة القرش الفضي التي أخدَ يرويها منذ ذاك اليوم. 

قال القرش نف ٠لا‏ أصلح؟ ؛ هذا القول يميتني: أعلم أني من الفضة, 8 
رن خاصةٌ وختمي حة حقيقئ, أنهم ولا شك على خطأ, لا يمكن أن يعنوني أناء ولكنهم 
عنوني بذلك. إنه أنا لعزا بقولهم مزيف, وأني لا أصأح". والرجل الذي حصل 
علي قال: 

" سأستخدمه عندما يحل الظلام". وقد دفعت في الظلام ولكن سرعان ما أخذوا 
بشتمي مرةًٌ ثانية عندما حل الصباح, " مزيف, لا يصلح, يجب التخلص منه". 

كان القرش يرتجف بين الأصابع في كل مرة يُحاول فيها دفعه بالخفية مع باقي قطع 
نقود البلد. 

" يا لي من قرش تعس, لن تفيدني فضتي بشيء. ولا قيمتي أو ختمي عندما لا 
تكون لها قيمة هنا. قيمتي هي ما يقرره العالم لي» إنه لأمر فظيع أن يونْبك ضميرك 
بشدة كل مرة تنسل فيها بطريق الغش مع الباقين» خصوصا وأنا البريء, أشعر 
بالإرتباك لمجرد الشعور بأنني أبدو مزيّفاً. صرت أخشى العيون التي تريد تفخصي في 
كل مرة يخرجونني من المحفظة, إذ كنت أعلم أني سأعاد حيث كنت أو يرمى بي على 
الطاولة وأَعَدٌ كذبآً وخداعا. 


8 


0/0 


ذات مرة وصلت إلى يد امرأة فقيرة مسكينة حصلت على كأجر يوم لقا تعبها 
وشقائهاء ولكنها لم تستطع التخلص مني فلم يقبل أحدٌ بي وقد صرت مصدر نحسٍ 
لها. 

فقالت المرأة الفقيرة: " سأضطر إلى خداع شخ صما بالقرش هذا ٠‏ لا قدرة لي على 
ادخار قرش مزيف, سأخدع به الخباز الغني, ' إمكانيته كنه من تحمل ذلك. يبقى فعلي 
رغم ذلك غير عادل؟. تنهّدَ القرش قائلاً: " ها أنا الآن أجعل المرأة تونب ضميرها 
أيضاً؛ أ هكذا صرت آخر سنوات حياتي؟". وذهبت المرأة إلى الخباز الغني ولكنه 
تعرف جيداً على تلك القروش من عملة البلد ولم يُسمّح لي بالبقاء حيث وضعت» بل 
رماني بوجه المرأة ولم تحصل على خبز مقابلي, وقد تأثرت كثيرأً لكوني صرت مصدراً 
لإهانة الآخرين, أنا الذي كنت في أيام شبابي جريئاً واثقاً من نفسي, واعياً لقيمتي 
ولأصالة ختمي, صرت قرشاً مسكيناً حزيناً جداً كما يحدث لقرش حزين عندما يرفضه 
الكل. وأخذتني المرأةٌ وعادت بي إلى بيتها. تفحصتني تمعن وبحئان ولطف. لق 
أعود لأخدعَ أحداً بك, سأعمل تقبأ فيك كي يعرف الكل أنك مزيف, وها أنا أيضاً 
أفكر بأنك ربما تكون قرش السعد. أجل, هذا ما أعتقده وما جال في خاطري الآن, 
سأعمل ثقبا فيك وأنظمُك في شريط ليلبسه طفل الجيران حول رقبته ليجلب له الحظ. 

ولم يكن الأمر بالهين علي عندما تُقَبتَتي ي؛ لكن وكما يقال كل شيء يهون ما دام 
المرجو من ذلك خيراً وأدخل الشريط عبر الثقب وصرت بمثابة ميدالية يمكن حملها. وتم 
تعليقي في عنق الطفل الصغير. ابتسم الطفل لي وقبّلني وقد استقررت طيلةًٌ الليل 
على صدره الدافيء البريء. 

وعند الصباح الباكر قلبتني الأم بين أصابعها ونظرت إلي وقد خطر لها خاطر 
حينها. هذا ما شعرت به بالحال, فقد تناولت المقصّ وقطعت الشريط. 

قالت: " إنه قرش السعد. لنرَ إن كان كذلك " وقامت بغمسي في حام ضٍ كي 
أصير أخضر اللون. وقامت بمعجنة الثقب وفركتني قليلاً ومن ثم ذهيت بعد أن حل 
الظلامُ إلى بائع اليانصيب لتحصل على ورقة يانصيب تجلب لها السعد. 

وكم كنت مرتبكاً, آذتني بطني وكأني سأكْسر إلى نصفين. كنت أعرف مقدماً أنهم 
سيدعونني بزيّف, وسيرمونني أمام الجمع والقطع النقدية التي كانت فخورة بنقشها 
ووجهها. ولكني نجوت, فقد كان هناك حشدٌ كبيرٌ من الناس عند بائع اليانصيب وقد كان 


411 


مشغولاً جداً فنزلت رناتاً مع القطع المعدنية الأخرى في الجارور. هل فازت ورقة 
اليانصيب. هذا ما لا أعرفه, الذي أعرفه هو أنني كنت قد عرفت منذ اليوم الذي تلاه 
كقطعة مزيفة؛ وضعت على جنب لتنتقل إلى آخرين بالغش, مرة مرتين وهكذا. كان أمراً 
لا يمكن احتماله عندما يكون للمرء شأ وهذا ما لا يمكنني إنكاره على نفسي. 

انتقلت لسنوات وأيام من يد إلى أخرى, ومن بيت إلى بيت. أتعرض للشستم 
دائماً. ينظرون إلي باحتقارء لم يصدقني أحدً بل أنا نفسي لم أصدق نفسي فكيف 
العالم. كان وقتاً عصيباً. 

وذات يوم مر مسافرٌ وقد خُدِعَ بالطبع بي؛ كان ساذجاً عندما قبل بي كعملة, 
عادية. ولكنه نقدني لأحدهم فسمعت ثانيةً صراخ الآخرين: " لا يصلح. مزيف", 
"ولكنهم نقدوني إياه كعملة حقيقية هنا". قال الرجل وأمعن النظر بي بدقة. عندها 
أشرقت معاني وجهه, مانا لد ا عدوامن انين الذي لكين عور قال الرجل: 
" يا إلهي. ما الذي بين يديء إنها إحدى القطع النقدية لعملة بلدناء إنه قرش أصيلٌ 
مخلص من بلدي. وقد ثقبه أحدهم وأطلق عليه لقب مزيف. يا له من أمر شيق, 
سأحتفظ به وأعود به إلى بلدي". 

اغمرتئي السعادةٌ فقد أطلق علي القرش المخلص الأصيل وسأعود إلى بلدي حيث 
الكل سيعرفني» ويعلم تمامآً أني مصنوع من الفضة وختمي أصيل. كان بودي أن أقدح 
شرراً من الفرح ولكن هذا ليس من طبيعتي. هذا ما يمكن للحديد أن يفعله وليس الفضة. 

وقد لُفَفْتَ بورق أبيض صقيل كي لا أختلط مع القطع النقدية الأخرى وأفقّد. كان 
عرضي يتم فقط في ا مناسبات الخاصة عندما يجتمع رجال البلد وحينها يحكى عني 
وأمدَحّ بشكل كبيرء يقولون إنني عملةٌ مثيرة للإهتمام؛ إنه لمن المضحك أن يكون المرء 
مثيراً للإهتمام دون أن يضطرً لقول كلمة واحدة. 

وقد عدت إلى بلديء وانتهت أيام شدتي. وبدأت أيام سعادتي, فلا تنسوا إنني 
من الفضة ولي ختم أصلي. وبالنسبة إلي لم يضايقني الثقب الذي عملوه بي قييزاً لي 
كمزيف, لا يهم الأمر ما دام المرء أصيلاً. إذ يتوجب على المرء حينها احتمال ذلكء لا 
بد أن يظهر الح في وقتهء هذه هي قناعتي الآن". قال القرش. 


كتبت في عام ١476‏ 


0412 


في غرفة الأطفال 


الأب والأم وكل الأخوة قد ذهبوا إلى المسرح لمشاهدة ملهاة, فقط "أنَا" الصغيرة 
وعرابها بقيا وحيدين في البيت. 

" نحن أيضا نريد مشاهدة ملهاة قال العرابء " وبالإمكان أن تبدأ بالحال!" 

" ولكن ليس عندنا مسرحء" قالت أنّا الصغيرة:؛ " ليس لنا من يمثّل! دميتي 
القديمة لا يمكنها ذلك؛ لأنها قبيحة جداء والجديدة غير مسموح لها أن تليس ثيابها 
الجديدة المتنغضنة" 

" بإمكان المرء دوما الحصول على ممثلين إن تناول ما عنده!" قال العراب. " لنقم 
الان مسرحاً. سنضع كتابا هناء وهذا واحد ويكفي واحد آخر. نصفّها في صف معوج. 
وثلاثة في الجانب الآخر؛ ها قد صارت عندنا كواليس! العلبة القديمة. نضعها هناء يمكن 
أن تكون ستارة خلفية؛ لنقلب قاعدتها إلى الخلف. المسرح يصور الآن غرفة, لا يغيب 
ذلك عن أحد! عليئا الان أن نأتي بالذين سيمثلون! دعينا نر ما هو موجود في جارور 
لعب الأطفال! الأشخاص أولا. بعدها نعمل الملهاة, الواحد يعتمد على الآخرء ستكون 
ملهاة رائعة! ها هو رأس غليونء وها هي فردة قفاز. يمكن أن يكونا أبأ وابنة؛ " 

" ولكنهما شخصان إثنان فقط!" قالت أنَا الصغيرة. " ها هو صّدار أخي العتيق! 
ألا يمكنه أن يمثّل في الملهاة؟" 

" نعم إنه كبير بما يكفي ليشارك" قال العراب. " سيكون الحبيب, لا شيء في 
خيية: الأمر ممتع مقدماء إنه حب نصف فاشل!- وها نحن لدينا جزمة كسارة البندق 
بمنخس في الخلف. بم. بم. مازوركا!. بإمكانه "الدبك" والتتحية. سيكون هذا هو 
المتقدم للخطبة المزعج الذي لا يعجب الآنسة. أي نوع مسرحية ترغبين به؟ مسرحية 
حزينة أم للعائلة؟" 


413 


" للعائلة!" قالت أنّا الصغيرة؛ " هذا ما يحبه الآخرون كثيراء هل بإمكانك عمل 
واحدة؟" 

" بإمكاني عمل مئة!" قال العراب. الأكثر إقبالا عليه هو المسرح الفرنسي ولكنه 
غير مناسب للفتيات الصغيرات. بإمكاننا حاليا أخذ واحدة من الألطف بينها. في 
الأساس فهي تشبه بعضها بعضاً. والآن سأهرٌ الكيس! شكشك شكء اسمعي الان 
لائحة الأدوار. " وتناول العراب جريدة وأخذ يمثل بأنه يقرأ بصوت عال: 


الرأس الغليون والرأس المليان 
مسرحية عائلية من فصل واحد 


الشخوص: 
سيد راس غليون, الأب 
آنسة قفازء ابنئة 


سيد صدارء الحبيب 


والان سنبدأ!؛ تصعد الستارة؛ ليس لدينا ستارة ولكئها الان قد صعدت. كل 
الشخوص في الداخل؛ نأتي بهم با حال. سآخذ أنا دور الأب رأس غليون. إنه غاضب 
اليوم. ظاهر أن رأسه مدخن: 

" جين جين عرقجين, أنا سيد هذا البيت! أنا أب ابنتي! هل هناك من يود 
الإنصات لما أقوله! فون جزمة لامع ينعكس وجهك عليه جلد مغربي على الجزء العلوي 
ومنخس على الجزء السفلي؛ جين جين هو الذي سيأخذ ابنتي!" 

حافظي على الصدار يا أنا الصغيرة!" قال العراب. " والان سيتحدث الصدار. له 
ياقة مطوية. متواضع جداء يعرف قدر نفسه وله الحق في قول ما يقوله" 

" خال من البقع أنا! الخصائص يجب أن تؤخذ أيضا بالإعتبار. أنا من الحرير 
الأصلي وأحمل شرائط" 


414 


" ليوم الزفاف لا أكثر. الشرائط ستفقد لونها من أول غسلة!" إنه السيد رأس 
غليون 9 يتحدث. " فون جزمة صامد للماءء قوي في جلده وفي الوقت نفسه راق 
يطقطق, يقعقع بمنخس وله ملامح إيطاليا" 
" ولكنهم يجب أن يتحدثوا بقافية!" قالت أنّاء " يجب أن يكون أرقى شيء" 
" يمكنهم ذلك" قال العراب. "عندما يصمّق النظارة يجب أن نظهر شطارة!- انظري 
إلى الآنسة الصغيرة قفاز وهي تمد أصابعها": 


' نهاري ونبلن 
تشقق جلدي يا ويلي 


قفاز من دون سمير 


"جين جين ", كان ذلك هو الأب رأس غليون؛ والآن سيد صدار: 


" حبيبتي قفاز! 
وإن صاروا اسبان 
قولي أنا من فاز 


ضربت الجزمة؛ دبكت على الأرض؛, قعقعت بمنخسها وهدمت ثلاثة كواليس 
معها." 
"هذا جميل للغاية" قالت أنَا الصغيرة. 
" هدوء؛ هدوء" قال العراب؛ " التصفيق الصامت يظهر أنك من النظارة المتعلمين 
الجالسين في المقدمة. والآن ستغني الانسة قفاز مقطوعتها الكبرى بصوت متكسر: 


015 


" لا يمكنني قول الكثير 

غير الصياح 

عيعو عيعووو, عيعو عيعووو 
في البهو الكبير " 


والآن جاء الشيق يا أنَا الصغيرة! إنه الأهم في الملهاة. 

هل ترين» سيد صدار يزرر نفسه. رمى خطبته مباشرة عليك لكي تصفقي؛ لا 
تقومي بذلك! ذلك أكثر رقياً. نعم. انصتي, كم هي خشخشة الحرير عالية: " نحن الان 
في الذروة, راقبيهم؛ جاء دور المخادع! 

أنت؛ حضرتك رأس غليون, وأنا الرأس المليان. - هوب, فاختفى رأس الغليون!" 
هل رأيت ذلك عزيزتي أنا؟" قال العراب. " إنه سيناريو لمسرحية كوميدية رائعة: 
قبض سيد صدار على رأس الغليون العجوز ووضعه في جيبه؛ صار الان في الجيبء 
وقال الصدار: 

" أنت الان في جيبي. في أعمق جيب عندي! أبدا لن تخرج من هناك قبل أن تعد 
حضرتك بأن تجمعني بابنتك, هي قفاز لليسرى؛ أنا أمدّ اليمنى" 

" ذلك جميل جدا جدا" قالت أنَا الصغيرة. 

" والآن سيجيب رأس غليون العجوز: 


" يصيبني دوار 
ذلك لم يكن قبلاً 
أين مزاجي الراسي ؟ 
أفتقد أنبوبي المجوف 
آخ لم يكن قبلاً 
أواه, اخرج رأسي 

من الجيب حالا 


06 


وكن لابنتي خطيبا إذأً 
يا أيها القاسي!” 


" هل انتهت المسرحية ؟" قالت أنَا الصغيرة. 
” صبرك. قال العراب, " لقدانتهت فقط بالنسبة إلى سيد جزمة. جاء دور 
العاشقين الراكعين, هي تغني: 


ينا بابا" 


والصدار يقول : 
" تفضل هاكَ رأسك 
لتبارك لي ولابنتك!" 


وقت مباركتهماء أقيم حفل الزفاف, الأثاث غنى في كورال: 
" طيق طاق طقم 
ألف شكر لكم 


وقد انتهت مسرحيتنا" 

" والان نصفق!" قال العراب, " نادى عليهم جميعا ليظهرواء والأثاث معهم. انهم 
من الماهوغاني!" 

" هل مسرحيتنا جيدة مثل مسرحيتهم التي يرونها الآن على المسرح الحقيقي؟ 


" مسرحيتنا أفضل بكثير؛" قال العراب؛ إنها أقصر. وهي عرض مجاني. وحان 
وقت شرب الشاي”" 


كتبت في عام 1١456‏ 


477 


الخاتلة 


ليتك تعرفت على خالتي! كانت رقيقة! أي نعم, هذا يعني انها لم تكن رقيقة كما 
نعتقد من قول كلمة رقيقة ولكنها كانت حلوة وطيبة؛ مرحة على طريقتهاء تستحق 
الحديث عنها عندما نود أن نتحدث ونضحك. كانت من النوع المناسب وضعه في عمل 
كوميديء وذلك كله بسبب انها عاشت حياتها لمسرح الكوميديا وما في داخله مما 
يتعلق به. كانت محترمة جدا لكن الوكيل شهاب. والذي كانت الخالة تسميه هباب», 
كان يدعوها مخبولة كوميديا. 

" المسرح مدرستي” قالت, " مصدر معرفتي, منه حصلت على ققصتي المصورة 
المنعشة :"" موسى"". "" يوسف وأخوته"". إنها أوبرا! من المسرح عرفت تاريخ العالم, 
الجغرافياء العلوم الإنسانية! أعرف من العرض المسرحي الفرنسي حياة باريس- بذيئة 
ولكن شيقة للغاية! وكم بكيت على " عائلة ريكوبورك": كم هو مؤسف أن ذلك الرجل 
قتل نفسه من الشرب لكي تتمكن هي من الحصول على حبيبها الشاب!- أجلء وكم 
وكم من الدموع ذرفت خلال الخمسة والعشرين عاما التي عملت فيها اشتراكا لحضور 
المسرح!" 

الخالة كانت تعرف كل عرض مسرحي, كل ديكورات الكواليس كل شخص يصعد 
على المسرح أو صعد. كانت تعيش فقط في الأشهر التسعة من عروض الكوميديا. 
وقت الصيف الذي كان من دون مسرحيات هو وقت يجعلها عجوزاء بينما كوميديا في 
المساء تمتد إلى ما بعد منتصف الليل كان قديدا للحياة. لم تكن تتحدث مثل الآخرين: 

" سيأتينا الربيع؛ اللقلق وصل" " ها قد كتب في الجريدة عن أول حبة فراولة", 
بهذا كانت تعلن أن الخريف على الأبواب. " هل رأيتم. مقصورات المسرح عرضت للبيع 
في المزاد. سيبدأ موسم العروض؟" 


419 


كانت تحسب قيمة السكن والموقع الجيد وفق قربه من المسرح. كان جرحا بالنسبة 
لها أن تترك الزقاق الضيق خلف المسرح وتنتقل إلى الشارع العريضء أبعد قليلا من 
هناك وتعيش في بيت من دون جيران قبالتها. 

" في بيتي كانت نافذتي هي مقصورتي! واحدنا لا يكتفي بنفسه. لابد لنا من أن 
نرى بشرمأ! وأنا الآن أعيش وكأني انتقلت إلى الريف. إن وددت أن أرى بشرا علي 
الذهاب إلى مطبخي والجلوس على حوض الغسيلء فلم يكن لي جيران إلا في هذه 
الجهة. ياحسرتي. عندما كنت أقيم في زقاقي هناكء كان يمكنني رؤية بيت البقال 
مباشرة والمسرح كان على مبعدة ثلاثمائة خطوة والآن صار هناك ثلاثة آلاف خطوة 
حرس. " 

يمكن ان تمرض الخالة ولكن مهما كان وضعها سيمًا لم تكن تقصر وتتخلف عن 
عرض كوميدي واحد. قد وصف لها الطبيب ذات مرة عجينة مخمرة لتحت القدمين ' 
وقد فعلت ما قال ذهبت إلى المسرح والعجينة تحت قدميها. لو ماتت هناك لأسعدها 
ذلك. ثورفالدسن مات هناك. سمى ذلك " موتاً هنيئأً” 

وقد أكدت أنها لا تتصور جنة من دون مسرح؛ ونحن لم نُوعّد بذلك ولكن هذا ما 
نتصوره؛ بأن كل هؤلاء الممثلين الرائعين والممثلات الذين غادروا إلى أعلى لابد وان 
يستمروا في عملهم. 

كان للخالة خط كهربائي من المسرح إلى بيتها؛ كان يصلها تلغراف كل أحد مع 
القهوة. خطها الكهربائي كان " سيد سيفرتسن المسؤول عن المكننة في المسرح". هو الذي 
يعطي الأوامر أعلى وأسفل وإلى الداخل و الخارج بالنسبة للستارة وديكور الكواليس. 

منه حصلت على تحقيق لبي قصير عن العروض. "العاصفة" ل شكسبير دعاها 
ب هذر ملعون! لأن هناك الكثير الذي عليه عمله. والعرض يبدأ أيضا بال ماء في أول 
الكواليس! " هذا يعني, أن الأمواج المتعالية يجب أن تصل قريبا من مقدمة المسرح. لو 
كان هناك نفس الديكور لغرفة عبر خمسة فصول لقال إنها كانت قطعة معقولة 
ومكتوبة كتابة جيدة و انها كانت قطعة استراحة لعبت دورها بنفسها من دون قثيل. 
١‏ عجيتة مخمرة محفوظة م اليم السايق كانت تستخدم كدوا :توضع بالأخس تمت القدمين في حالة رتفاع 

حرارة الحسم والصداع ووجع الأسنان . 


430 


في السابق, منذ كذا وثلاثين عاما خلت, كما كانت الخالة تقول. كانا شابين. هي 
والسيد سيفرتسن ال معين حديثا؛كان يعمل مع المكائن, وكما سمته " فاعل الخير" الذي 
لديها. كان هناك في الحقيقة تقليد في مسرح المدينة الوحيد والكبير في ذلك الوقت ألا 
وهو جلوس النظارة أيضا في السقف عند عرض المساء؛ كل عامل ماكنة يحصل على 
مكان أو مكانين للتصرف بهما. الأماكن غالبا ما كانت ملأى تماماء والرفقة كانت على 
مستوىء من الجنرالات إلى كبار المستشارين؛ كان النظر ممتعا إلى أسفل خلف 
الكواليس ومعرفة كيف يتحرك الناس في كل مرة يسدل الستارة. 

الخالة كانت هناك مرات عديدة. سواء في عروض المأساة او الملهاة, إذ إن تلك 
العروض التي شارك فيها كبار طاقم المسرح كانوا يبدون شيقين من السقف. كان 
الواحد يجلس تقريبا في الظلمة؛ والغالبية كانت تأتي بطعام العشاء معها؛ ذات مرة 
سقطت ثلاث تفاحات وخبزة مدهونة عليها شريحة لحم في مسرحية سجن " أوغولينو"., 
حيث الناس فيها وكأنها قوت جوعاً, انفجر الجمهور بالضحك على ذلك. شريحة اللحم 
هي أحد اهم الأسباب التي دعت الإدارة إلى أن تلغي أمكنة الفرجة في السقف. 
" ولكني كنت هناك سبعا وثلاثين مرة" قالت الخالة, " ولا أنسى أيدا سيد 
سيف رتسن" 

وبالتحديد فقد كانت آخر ليلة كان فيها السقف مفتوحا للجمهور هي في عرض 
"حكم سليمان ", الخالة تتذكر ذلك جيدا جدا؛ كانت وعن طريق سيد سيفرتسن فاعل 
الخير لديها قد حصلت للوكيل شهاب على بطاقة دخول رغم أنه لم يكن يستحق ذلك 
إذ إنه كان مرارا ما يستخف بالمسرح ويجعل منه أضحوكة؛ ولكنها كانت قد صعدته 
فوق في السقف. كان يريد أن يرى هذه الذي يطلقون عليها بالكوميديا على البطائة, 
وكانت هذه كلماته هو وكلماته تشبهه. قالت الخالة. 


وقد رأى " حكم سليمان" وغط في النوم؛ يكاد المرء يظن أنه قد حضر المسرح بعد 
أن رفع الكثير من الأنخاب. نام وانحبس هناك. كان يجلس غاطا بالنوم في الليل 
المظلم أعلى في سقف المسرح وعندما استيقظ, قال والخالة لم تصدقه: إن حكم سليمان 
قد راح؛ كل المصابيح والشموع كانت قد راحت. كل الناس فوق وتحت قد راحوا؛ عندها 


431 


فقط بدأت الكوميديا الحقيقية ل "ما بعد العرض ". كان ذلك هو ما يستحق التفرج 
عليه. قال الوكيل. انبعثت الحياة في المعمعة بأكملها! لم يكن حكم سليمان الذي ظهر 
بل كان يوم القيامة على المسرح. وكل هذه الوقاحات قام الوكيل شهاب بإيهام الخالة 
بحدوثها؛ كان هذا مكافأة لها لتمكنها من إدخاله إلى السقف. 

وما الذي قاله الوكيل حينهاء اجل؛ كان من الغريب بحق سماع ما قاله. كان 
مبطنا بالشر والمناكفة. 

" كانت الدنيا معتمة جدا في الأعلى" قال الوكيل" ومن ثم بدأت أعمال السحر 
والشعوذة. عرض ضخم. كل مفتشي التذاكر وقفوا عند الباب. وكل مشاهد كان ينبغي 
عليه ان يظهر كتاب حسن سلوكه. وإن كان يجرؤ على الدخول بيدين محلولتين أم 
مقيدتين, بكمامة على الفم أو بدون كمامة. السادة الذين جاؤوا متأخرين بعد أن بدأ 
العرض مثل الشباب الذين من المستحيل أن يلتزموا بالوقت. بقوا مرابطين في الخارج, 
وضع لهم نعل من اللباد تحت أقدامهم ليدخلوا في بداية الفصل الثاني, وبعدها كمامة 
الفم. بعدئذ بدأت كوميديا يوم القيامة على المسرح! " لا شيء غير الشر الذي لا يعرفه 
حتى الله سبحانه وتعالى", قالت الخالة. 

إن كان الصباغ يريد الصعود إلى السماء. كان عليه تسلق سلّم طلاه بنفسه والذي 
لم يستطع أحد من البشر الصعود عليه. كان مجرد خداع بصر بالرسم. كل النباتات 
والمبائي التي وضعها عامل الماكنة بعناء كبير للديكور لم تكن تنتمي إلى العمل 
المسرحي. كان على العامل المسكين أن ينقلها إلى المكان الصحيح وذلك قبل صياح 
الديك إن كان يريد دخول الجنة. كان على السيد شهاب في الحقيقة أن يفكر فيما إذا 
كان سيسمح له بالدخول إلى الجنة؛ والذي قاله عن الممثلين في المأساة والملهاة في 
الغناء والرقص كان الأكثر عتمة من قبل السيد شهاب, هباب! إنه لا يستحق الجلوس 
في السقف. لم تشأ الخالة لفظ كلماته على فمها. تم كتابة كل شيء , قال ال هباب 
هذا! وستنشر بعد وفاته واختفائه, لا قبل؛ هو لا يريد ان يسلخ. 

مرة واحدة فقط أصاب الخوف الخالة وتأوهت في معبد سعادتها المسرح. كان يوما 
شتائياء واحدا من الأيام التي لا يدوم النهار فيها إلا لساعتين ورماديا أيضا. كان بردا 
وثلجاً ولكن الخالة يجب أن تذهب إلى المسرح؛ عرضوا " هيرمان فون أونه". أوبرا 


052 


صغيرة وباليه ضحم, بالاضافة إلى المقدمة وكلمة الخاقة؛ ستستمر حتى ما بعد 
منتصف الليل. وعلى الخالة الذهاب هناك؛ اعارتها الساكنة عندها جزمة بصوف 
خروف من الداخل وفرو من الخارج؛ وقد وصلت أعلى ركبتيها. 

وصلت المسرح, وصلت المقصورة؛ الجزمة كانت دافئة ولم تنزعها. باللحظة صاحوا 
حريق!؛ وقد انبعث دخان من احد الكواليس, دخان من السقف؛ حل فزع مخيف. انطلق 
الناس إلى الخارج؛ الخالة كانت الأخيرة في المقصورة, - " الطابق الثاني إلى اليسار, 
أفضل موقع لتأمل الديكور من هناك!" قالت, " ينصب الديكور دائما بحيث يبدو في 
أجمل صوره من الجناح الملكي!" - كانت الخالة تريد الخروج: والذين كانوا أمامها 
أغلقوا الباب بخوف ومن دون تفكير؛ هناك بقيت الخالة. لم يكن بإمكانها لا الخروج, 
ولا الدخول؛ أي في المقصورة المجاورة, القاطع الزخرفي بينهما كان عالياء اخذت 
تصيح, لا احد كان يسمع. نظرت إلى الطابق تحتها. كان خالياء كان منخفضاً, قريبا 
منها؛ شعرت الخالة في خضم الخوف بانها شابة جدا وخفيفة؛ كانت تريد ان تقفزء 
رفعت أيضا إحدى ساقيها فوق السياج؛ والثانية من المصطبة؛ وهاهي وكأنها فرس, 
متزينة بتنورة جوانية مزهرة. بساق طويلة متدلية خارج السياج. ساق بجزمة ثقيلة؛ 
كان منظرا مبكيا مضحكا! وعندما صار بالإمكان رؤيته صار بالإمكان أيضا سماع 
الخالة» وتخليصها من الإحتراق في الداخل لأن المسرح لم يحترق. 

كان ذلك اكثر ما يستحق تذكره على مر حياتهاء قالت. وكانت سعيدة لأنها لم تر 
نفسها وإلا لكانت قد ماتت من الخجل. 

فاعل الخير الذي لديهاء عامل الماكنة. ما زال يزورها كل احد.ء ولكنه وقت طويل 
من الأحد إلى الأحد؛ لذلك فقد كانت لديها لاحقا طفلة صغيرة منتصف الأسبوع 
ل البقاياء هذا يعني التمتع بما تبقى من طعام الغداء في العشاء. كانت طفلة صغيرة 
من الباليه والتي كانت بحاجة إلى طعام. كان للصغيرة دور الجني و الخادم الصغير؛ 
أصعب الأدوار كان هو أرجل خلفية للأسد في " الناي الساحر", ولكنها كبرت فصار 
لها دور الأرجل الأمامية للأسد وقد حصلت على ثلاث ماركات فقط لذلك, للأرجل 
الخلفية كانت تحصل على ريسدالء, فقد كان عليها أن َي متقرفصة من دون نسمة 
هواء نقية. معرفة ذلك شيء مثير, قالت الخالة. 


003 


لقد استحقت الخالة ان تعيش طالما عاش المسرح ولكنها لم تقاوم مع ذلك؛ ولم تمت 
كذلك هناك؛, بعزة وشرف ماتت في فراشها؛ وبالمناسبة فقد كانت اخر كلماتها ذات 
معنى عميق, لقد سألت: " ما الذي سيعرضونه في الغد؟" 

تركت بعد وفاتها على الأرجح تقريبا خمسمائة ريسدال؛ يخمن أن الفوائد كانت 
عشرين ريسدالاً. وقد قررت الخالة منحها إلى امرأة عانس محترمة ليس لديها عائلة؛ 
تعطى سنويا لاشتراك في مقعد في الطابق الثاني, الجانب الأيسر ليوم السبت. إذ في 
هذا اليوم تقدم أفضل العروض. كان واجبا واحدا يتوجب على من يتمتع بالمنحة عمله 
ألا وهو أن يتذكر الخالة التي ترقد في قبرها. 

هذا كان دين الخالة. 


454 


ضفدع الطين 


كان البئر عميقاً, لذا فقد كان الحبل طويلاً والرافعة تصرّ عندما يقوم ا مرء بسحب 
الدلو إلى فوق حافة البئر. لم تتمكن الشمس أبداً من أن تصل إلى سطع الماء لترى 
نفسها بمرآته رغم صفائه. ولكن النبات الأخضر نا بين الصخور إلى حيث كنت 
الشمس من أن تشرق داخل البئر. 

كانت هناك عائلة تنحدر من نسب ضفدع الطين, هاجرت وجاءت لتعيش في البثر. 
أخيراً وصلت مسرعة إلى حيث تسكن أم ضفدع الطين التي كانت لاتزال حية؛ 
فالضفادع الخضر التي عاشت منذ زمن طويل هنا وسبحت في الماء أقرت برابطة 
العمومة بينها وبين العائلة الجديدة, ونادتها ب" ضيوف البئر". كانت هذه الضفادع 
الخضر تنوي البقاء هنا؛ لقد عاشت في النعيم, بين جنبات ا حجر الرطب الذي أطلقت 
عليه البر. 

أم الضفدع الأخضر قد سافرت ذات مرة في دلو الماء عند صعوده إلى أعلى, 
ولكن الضوء كان بالنسبة إليها ساطعاً جداً لذا فقد غشي بصرهاء وتمكنت لحسن الحظ 
من أن تنجو من الدلوء لكنها سقطت بخبطة كبيرة في الماء وبقيت مستلقية دون حراك 
لشلاثة أيام بسبب آلام ظهرها. لم يكن بإمكانها الحديث كثيراً عن العالم فوقهم. 
ولكنها كانت تعلم: كما كانوا يعلمون جميعا أن البئر لم يكن هو كل العالم. 

كان يمكن لأم ضفدع الطين أن تقول شيئا ما عن العالم خارج البئرء ولكنها لم تكن 
تجيب أبداً عندما كانت تُسأل, لذا كف المرء عن سوّالها. 

" دميمةٌ بدينة, فظةٌ سمينة", قالت صغار الضفادع الخضر. 

" صغارها سيكوئون بمثل فظاظتها" 

"هذا تمكن"؛ قالت أم ضفادع الطين, " ولكن في رأس أحدهم جوهرة, أو ربما في 
راق أناة: 


4005 


سمعت الضفادع الخضر ما قالت وحملقت فيهاء وعئدما لم يعجبها ما قيل قطبت 
وجوهها ونزلت إلى القاع. أما صغار ضفدع الطين فمدوا سيقانهم الخلفية زهواً ليس 
إلاء فكل واحد منهم ظن بأن في رأسه جوهرةٌ وجلسوا بعدها ورؤوسهم ثابتة في 
مكانهاء لكنهم أخيرا سألوا عن سبب زهوهم, وما عساها أن تكون هذه الجوهرة. 

" إنه شيء عظيم ونفيس". قالت أم ضفدع الطينء " إلى درجة يصعب علي فيها 
وصفه, إنه شيء يرتديه المرء من أجل متعته الخاصة. في الوقت الذي يتحسر الآخرون 
عليه. ولكن لا تسألوني فلن أجيب". 

" أنا لا أملك جوهرة "؛ قال أصغر ضفادع الطين, وقد كان على مقدار كبير من 
البشاعة, " ولمّ أحصل أنا على عظمة كهذه؟ وبما إن ذلك سيثير حسرة الآخرين فهو لن 
متعني. كل ما أقناه هو السماح لي مرة بالصعود إلى حافة البثر ورؤية الخارج؛ لابد 
وأن يكون ذلك رائعاً ". 

" ابقَ على حالك". قالت العجوزء " هنا أنتَ تعرف المكان بما فيه, احذر الدلو, 
سيسحقك. وإن أفلحت بالقفز فيه فستسقط خارجه, ليس الجميع محظوظا مثلي. 
يحتفظ بكامل أعضائه وبيضاته كما احتفظت أنا بها". 

"نق نق", قال الصغيرء وهذا يماثل عند الناس حين يقولون اخ. 

كانت رغبة الصغير كبيرة جدا بالصعود إلى حافة البئر والنظر من هناك. شعر 
باشتياق كبير للنباتات والعشب الأخضر فوق. وعندما مُلئ الدلو بالمصادفة صباح اليوم 
التالي بالماء ليَرفَعَ إلى فوق. توقف للحظة أمام الحجر داخل البئر حيث يجلس ضفدع 
الطين. ارتعد الحيوان الصغير ومن ثم قفز إلى الدلو المملوء وسقط إلى قعر الدلو الذي 
سحب إلى أعلى بالماء الذي دلقوه بعدها. 

" أف. يا له من نحس". قال عامل المزرعة الذي رأى الضفدع. " إنه أبشع ما 
رأيت في حياتي". ورفس بقبقابه ضفدع الطين الذي أوشك أن ينسحق تاماً ولكنه تمقكن 
من الفرار عندما دخل بين نباتات الحراق العالية. رأى ساقاً بعد ساق. نظر أيضا 
عالياً. حيث الشمس تشرق على الأوراق؛ كانت شفافة قاماء كان ذلك بالنسبة إليه 
مثلنا نحن البشر عندما ندخل فجأة غابة كبيرة يتخلل شعاع الشمس فيها الأغصان 


والأوراق. 


056 


" هنا المكان أجمل بكثير من أسفل البثرء هنا يرغب المرء بالبقاء طيلة حياته"؛ 
قال ضفدع الطين الصغير. وبقي مستلقياً لساعة, لساعتين, " ما الذي تراه يوجد هناك 
في الخارج؟ علي المواصلةٌ طالما أني قطعت شوطأ". وزحف معافى جدا وسريعا يجاهد 
قدر استطاعته حتى تمكن من الوصول إلى الطريق حيث الشمس تشرق والغبار يذرٌ 
عليه فقد كان يسير اتجاه الطريق الزراعي. 

" يا للهناء؛ هذا هو النعيم بعينه حقاً, هذا كثير علي. أشعر بشيء يدغدغني". 

ووصل إلى المنحدر الذي فت فيه أزهار لا تنسني و الختمة, وبالقرب كان سياج 
صخري منخفض ينبت فيه البلسان والزعرور البري ومتسأق اللبلاب أيضا؛ وما أكثر 
الألوان هنا؛ وحينها طارت فراشة اعتقد ضفدع الطين أنها زهرة تحررت من نبتتها 
لترى العالم من حولها بشكل أفضل: ذلك كان أيضا تفكيراً معقولاً. 

" أ يمكن للمرء أن يطير هكذا مثلها". قال ضفدع الطين, " نق نق ناق. أي جمال 
هذا". 

مرت عليه ثمان ليال بأيامها عند المنحدر لم يفتقد الضفدع فيها الطعام. وفي 
اليوم التاسع فكر بسره: " لأواصل طريقي" ولكن هل هناك أجمل من هذا ؟ ربما أحتاج 
إلى ضفدعة طين صغيرة وبضعة ضفادع خضر. في الليلة ما قبل الأخيرة سمعٌ على 
مقربة صوت أبناء العمومة تنقله الريح. 

قال ضفدع الطين:" كم هي جميلة الحياة. الخروج من البئر الإستلقاء تحت نبات 
الحراق. الزحف تجاه الطريق الترابي والإستراحة عند المنحدر الرطب, ولكن لأواصل, 
لأسعى إلى العثور على ضفادع أو ضفدعة طين صغيرة؛ لا يمكن للمرء الإستغناء عن 
ذلك. الطبيعة وحدها لا تكفي". وبدأ رحلته ثانية. 

ووصل إلى حقل فيه بركة ماء كبيرة يحفّها البردي فلجأً فيها. 

" ألا تظن أن هذا المكان رطب جدا بالنسبة إليك؟ قالت الضفادع له. " ولكن على 
العموم فأهلا بك. أ أنت ذكر أم أنثى؟ ولكن ذلك غير مهم فأنت مرحبٌ بك". 

وقت دعوته إلى حفل موسيقي في المساء. حفل عائلي: إعجاب كبير وأصوات 
ضعيفة كالعادة, وهو ما نعرفه. لم يكن هناك ضيافة, ما عدا الماء الذي كان مجاناً, 
بل كل ماء البركة إن كان بإمكانهم شربه. 


437 


" لأسافر مواصلا طريقي": قال ضفدع الطين الصغير الذي كان يشعر دوما بحاجة 


إلى شيء أفضل. 
رأى النجوم تزمض كبيرة جدا وواضحة, رأى القمر الذي هل مضيئاً. رأى الشمس 
وهي ترتفع في السماء. أعلى وأعلى. 


" لابد أنني ما زلت في البئر. في بئر أكبر. علي الصعود إلى أعلى. في داخلي 
قلق وبي حنين", وعندما صار القمر كاملاً مدوراً فكر الحيوان المسكين في سره: " أ تراه 
يكون الدلو الذي يتدلى إلى الأسفل والذي علي أن أقفز إلى داخله لأصل إلى أعلى؟ 
أم تراها الشمس هي الدلو الكبير؟ كم هي كبيرة, كم هي ساطعة, بإمكانها احتواؤنا 
جميعاً, علي أن أنتهز الفرصة:, الله. يا له من نور مضيء في رأسي. لا أعتقد أن 
بإمكان الجوهرة أن تضيء بشكل أفضل من هذا ولكنني لا أملك الجوهرة وأنا لست 
حزينا بسبب ذلك, يا للروعة, لا لا. أريد الصعود أعلى كثيراً حيث الألق والسعادة. 
في داخلي يقين. لكني في الوقت نفسه خائف. هذه خطوة من الصعب اتخاذهاء لكنها 
ضرورية؛ هيا سر إلى الأمام, على امتداد الطريق الزراعي". 

وخطا الضفدع خطوة يستطيع حيوان زاحف أن يخطوهاء وإذا به يصل الطريق 
العام حيث الناس تسكن؛ كان هناك حديقة ورد وحديقة ملفوف. فاستراح الضفدع في 
حديقة الملفوف. 

" يا للمخلوقات المختلفة الكثيرة من حولي التي لم أعرفها في حياتي. وكم هو 
كبير ومبارك هذا العالم. ولكن على المرء أن يجول فيه. وألا يبقى ثابتا في مكان 
واحد". وقفز الضفدع في حديقة الملفوف. 

“أي أغصرارء أي جمال هذا * 

" أعلم ذلك" قالت يرقانة الفراشة على الورقة. " ورقتي هي الأكبر هناء انها 
تخفي نصف العالم, ولكن بإمكاني الإستغناء عنه" 

صاح صوت " قاق, قاق", قد جاءت الدجاجات. انها تسرّح في حديقة الملفوف, 
إحدى الدجاجات كان عندها بعد نظرء رأت يرقانة الفراشة على الورقة المكرمشة 
وراحت لتنقرها فسقطت الدودة على الأرض حيث تلوت وقلبت نفسها. نظرت الدجاجة 
بعينها الأولى ومن ثم بالثانية إذ لم تعرف ما الذي سيتأتى من الدودة بتقلبها هذا. 


438 


" انها لا تستسلم". فكرت الدجاجة ورفعت رأسها لتسدد نقرة ثانية. ملك ضفدع 
الطين الفزع فزحف مباشرة باتجاه الدجاجة. 

فقالت الدجاجة: " ولديها قوة انقاذ أيضا! أي وجه قبيح لهذا المخلوق الزاحف", 
ومن ثم استدارت " لا تعجبني هذه اللقمة الخضراء الصغيرة. سيتحشرج بلعومي 
بسببها" وكان رأي الدجاجات الأخريات من رأيها فغادرت جميعاً المكان. 

" لقد تلويت اتقاءً منهم". قالت الدودة؛ " من الضروري أن يمتلك المرء سرعة 
بديهة, ولكن الأصعب الان هو العودة إلى مكاني فوق ورقة الملفوف. أين هي؟" 

وجاء ضفدع الطين الصغير وقدم مواساته. كان سعيدا لأنه ببشاعته تكن من 
تخويف الدجاجات. " ماذا تقصد حضرتك بذلك؟" سألت يرقانة الفراشة, " لقد لويت 
نفسي لإبعاد الدجاج. رؤيتهم لا تبعث على الإطمئنان. هل لي أن أخلو في بيتي؟ ها 
أنا أفوح برائحة ملفوف, ها أنا الآن بالقرب من ورقتي, ليس هناك أحلى من أن يكون 
المرء في بيته. ولكن علي أن أصعد إلى أعلى". 

" أجل. أعلى. أعلى": قال ضفدع الطين الصغيرء " أعلى؛ لديها نفس إحساسي, 
ولكنها ليست بمزاج طيب اليوم؛ ذلك بسبب الفزع. كلنا نريد الصعود إلى أعلى"؛ 
وأخذ ينظر أعلى ما استطاع. 

جلس اللقلق في عشّه على سقف بيت الفلاح يلقلق بمنقاره وأم اللقلق تلقلق أيضاً. 


" ياه, انهم يسكنئون عاليا جدا", فكر ضفدع الطين. " ليتني استطيع الصعود إلى 
هناك؟" 

كان يعيش داخل بيت الفلاح طالبان شابان أحدهما شاعر والثاني دارس علوم 
طبيعية, الأول كان يغني ويكتب بسعادة عن كل شيء. عما خلقه الله تعالى: وما 
انعكس في قلبه, والذي أخذ يتغنى به عالياً. مختصراء واضحا وغنيا بمقاطع مموسقة. 
الثاني يمسك بالشيء. يشرطه عندما يقتضي الأمر. جعل خلق الله تعالى مثل مسألة 
حسابية؛ يطرح ويضرب؛ يود أن يعرف داخلها وخارجها ويتحدث عن علم عنها. كان 
علماً بحاله؛ يتحدث عنه بسعادة وذكاء. كانا انسانين طيبين سعيدين. 

" ها هنا عيئة مناسبة من ضفدع الطين" قال دارس العلوم؛ " أريد ان أضعها في 
الكحول" 


489 


"' ولكن عندك اثنين منه مقدما". قال الشاعر؛" دعه يهنأ بسلام". 

" ولكنه جميل يقبحه" قال الثاني. 

" لو كان في رأسه جوهرة لكنت شاركتك شرطه", قال الشاعر. 

" جوهرة؟" قال الثاني, " أراك تعرف قصة الطبيعة!" 

" ولكن أ ليس جميلا هذا الإعتقاد الشعبي بأن ضفاع الطين. وهو أبشع 
الحيوانات. يخفي دوماً في رأسه أغلى جوهرة, ألا يشمل الأمر الناس أيضاً؟ أية 
جوهرة في رأس لقمان. وسقراط؟" 

لم يسمع ضفدع الطين أكثر من ذلك. ولم يفهم نصف ما قيل حوله. ومشى 
الصديقانء. وقد نجا هو من وضعه في الكحول. 

قال بسره: " لقد تحدثا عن الجوهرة أيضاً. حمدا لله أني لا أملكهاء وإلا لتعرضت 
إلى متاعب بسببها". 

حينها لقلقت اللقالق فوق سقف بيت الفلاح, أبو اللقلق كان قد ألقى محاضرة 
للعائلة وهو ينظر بزاوية عينه إلى الأسفل حيث الشابان في حديقة الملفوف. وقال: 

" الإنسان هو أكثر المخلوقات غروراً. اسمعوا كيف يلقلقون, مع هذا فلا يمكنهم أن 
يطلقوا صوتا ذا اعتبارء ينفشون ريشهم لمقدرتهم على الكلام بلغتهم, لكنها لغة قليلة 
الفائدة تنقلب إلى لغة مبهمة للناس في كل يوم سفر نقطعه فلا يمكن لإنسان أن يفهم 
آخرء أما لغتئا فيمكئنا التحدث فيها في كل انحاء العالم, في الدفارك كما في مصر. 
كما لا يمكن للناس الطيران, انهم يطيرون بوساطة اختراع يطلقون عليه " السكة 
الحديدية" وغالباً ما يفشلون أيضاً. أوه تصيبني قشعريرة في منقاري لمجرد التفكير 
بذلك. يمكن للعالم أن يسير دون ناس. يمكننا الإستغباء عنهم, نحن حقيقة لا يهمنا إلا 
الإحتفاظ بالضفادع ودود المطر". 

"يا لها من خطبة عظيمة", فكر ضفدع الطين الصغير. "يا له من رجل عظيمء 
ويا لعلو المكان الذي يجلس فيه, لم أر للآن أحداً يجلس في مثل هذا العلو. يا له من 
سباح ماهر" صاح قائلا عندما رأى اللقلق يطير بجناحيه المفردين عبر الهواء. 

وتحدئت أم اللقلق في عشها عن مصرء عن ماء النيل وعن كل أنواع الطين التي 
كانت في البلد الغريب والتي لا شبيه لها؛ بدا كل ذلك جديدا ورائعا لضفدع الطين 
الصغير. 


490 


" علي الذهاب إلى مصر" قال الضفدع. " ليت اللقلق أو أحد صغاره يأخذني معه. 
سأخدمه يوم عرسه بالمقابل. يلى,. سأذهب إلى مصرء لأنني سعيد. وكل هذا الشوق 
والرغبة التي بي. هي بالفعل أفضل من أملك جوهرة في رأسي". 

ولكنه كان يملك بالفعل الجوهرة في رأسه: هذا الشوق الأبدي والرغبة؛ الصعود, 
الصعود دوما إلى أعلى. قد أضاءت بداخله. أضاءت بالفرح, شعت بالرغبة. 

عندها جاء اللقلق في اللحظة ذاتها؛ ف رأى ضفدع الطين على الحشيش, حط 
وقنص الحيوان الصغير دون رحمة. انطبق المنقار عليه. الريح أخذت تصفرء لم يكن 
الأمر مريحاً ولكنه كان آخذا بالتصاعد. الصعود باتجاه مصرء أدرك الضفدع ذلك ولذا 
فقد لمعت عيناه؛ وكأن شرارة قد طفرت منها. 

" نق نق» آخ' ا 

الجسد قد مات, ضفدع الطين قد قتل. ولكن الشرارة التي طفرت من عينيه أين 
هي؟ 

لقد أخذتها أشعة الشمس.ء أشعة الشمس حملت الجوهرة من رأس الضفدعة. إلى 
أين؟ 

لا يجب أن تسأل دارس العلوم الطبيعة, بل الأفضل لك أن تسأل الشاعر؛ 
سيحكيها لك مثل قصة خرافية؛ ويرقانة الفراشة مشتركة في القصة, وعائلة اللقلق 
أيضا. تصورء يرقانة الفراشة تتحول إلى فراشة وعائلة اللقلق تطير فوق الجبال وتبتعد 
إلى أقصى أفريقياء ومع ذلك تجد الطريق الأقصر للعودة إلى الدمارك. تعود للمكان 
ذاته ولسقف البيت ذاته. أجل؛ إن ذلك ليبدو تقريبا خرافياًء ومع ذلك فهو حقيقي؛ 
بإمكانك أن تسأل دارس العلوم الطبيعية, سيضطر إلى الإعتراف بذلك؛ وأنت بنفسك 
تعرف ذلك لأنك رأيته. 

- ولكن ماذا عن الجوهرة في رأس ضفدع الطين؟ 

ابحث عنها في الشمس, انظر إليها إن استطعت. 

اللمعان كان شديدا جدا هناك. وما زلنا لانملك عيوناً لترى كل هذه العظمة التي 
خلقها الله تعالى؛ ولكن يوماً ما سنحصل على العيون هذه. وستصير أجمل حكاية 
خرافية لأننا سنكون المشتركين فيها. 

كتبت في عام ١4577‏ 


401 


صن محموعة نصوص للفتوة 
في 18151 


003 


للاعب مسرح الدمى 


كان على باخرة رجل يبدو عليه الكبر بوجه منبسط حتى إنه وهذا ليس كذبا لابد 
أن يكون أسعد انسان على الأرض. وقد كان بالفعل كذلك. قال؛ لقد سمعت ذلك من 
لسائه هو؛ كان دماركياء من أبناء بلدي وكان مدير مسرح جوال. معه كل طاقمه. 
موضوع في صندوق كبير؛ كان لاعب مسرح الدمى. مزاجه الرائق الموروث؛ قالء نقّاه 
خريج العلوم الصناعية وبهذه العملية صار سعيدا بالكامل. 

في البدء لم أفهمه. ولكنه بسط أمامي حكايته واضحة وها هي. 

قال " كان ذلك في مدينة " سلايلسه,. حيث قدمت عرضا في فندق ساحة البريد 
وكان لي مسرح متألق وجمهور متألق. على الأخص من الأولاد والبنات غير المعمّدين 
بعد. وعلى القرب من زوج سيدات عجائز. جاء شخص بثياب سود بمظهر طالب. جلس 
وأخذ يضحك كثيراء خصوصا في المواقف الصح. يصفّق بشكل ممتازء كان متفرجا غير 
اعتيادي! كان علي أن أعرف من يكون, فأسمع أنه خريج معهد المعلمين للعلوم 
الصناعية, قد أرسل إلى الأرياف ليعلم الناس هناك. كان عرضي ينتهي في الساعة 
الثشامنة. على الأطفال أن يذهبوا باكرا إلى الفراش وعلى المرء أن يفكر أيضا براحة 
الجمهور. بدأ الخريج في الساعة التاسعة بقراءاته وتجاربه, وقد كنت أنا الآن من 
مستمعيه. كان الإنصات إليه والنظر غريبا. أغلب الأشياء كانت غير مفهومة بالنسبة 
إلي: تدخل من إذن وتخرج من الثانية كما يقال. ولكن علي أن أفكر: هل يمكننا نحن 
البشر أن نجد هذا النوع الذي تعسر الروح من خلاله أطول من العمر الذي نوضع فيه 
تحت التراب. كانت معجزات صغيرة تلك التي فعلها وهي بالمقابل جميعها مناسبة؛ من 
الطبيعة مباشرة. كان هذا الخريج الصناعي سيكون واحداً من حكماء البلد في عهد 
موسى والأنبياء. ولكان قد حرق في العصور الوسطى. لم أنم طوال الليل وعندما 


005 


قدّمت عرضا في مساء اليوم الذي تلاه وكان الخريج حاضرا ثانية عاد إلي مزاجي 
الرائق. أحد الممثلين قال لي إنه أثناء قثيله لدورعاشق كان يفكر فقط بواحدة من 
النظارة, لها كان يمثّل وينسى الباقين في المسرح؛ هذا الخريج الصناعي كان ال " هي" 
بالنسبة إلي؛ متفرجي الوحيد الذي كنت أستعرض له. عندما انتهى العرض نودي على 
كل الدمى: وقد دعيت من قبل الخريج لتناول كأس من النبيذ عنده؛ تحدث عن 
الكوميديا التي قدمتها وتحدثت معه عن علومه وأعتقد أننا كنا على مستوى واحد من 
التمتع ببعضنا بعضاً. ولكي مع ذلك احتفظت بما عندي, فلقد كان هو يحوي الكثير 
الذي لم يكن بمقدوره أن يفصله؛ مثل القول إن قطعة حديد تسقط عبر لولب فتصير 
مغناطيساً, أجل, ما هذا الحديث؛ الروح تصعّده؟ ولكن من أين تأتي؟ إنها مثل بشر 
هذا العالم, أفكر بأن ربنا يجعلهم يسقطون عبر لولب الوقت والروح تصعد فيهم وهناك 
ثمة نابليون, ثمة لوثر أو ما شابه من أشخاص. ' كل العالم هو بمثابة سلسلة من 
العجائبء" قال الخريج, " ولكتنا قد اعتدنا جدا عليها إلى درجة أننا نسميهم بأشياء 
يومية." وتحدث وشرح, وقد حصل أخيرا وكأنه قد رفع غطاء رأسي. واعترفت بصراحة 
أنني لو لم أكن هذا الأعزب العجوز لكنت قد دخلت بالحال معهد العلوم الصناعية هذا 
وتعلمت أن أدرس العالم عن كثب. وذلك بالرغم من كوني أحد أسعد الناس. " أحد 
أسعد الناس!" قالها وكأنه قد ذاقها. سألني " هل حضرتك سعيد؟", " نعم" قلت, 
"أنا سعيد ومرحب بي في كل المدن, أينما حللت مع رفاقي. صحيح أن عندي أمنية 
تعترضني مثل جني. مثل كابوس بهيئة امرأة يمتطي مزاجي الرائق وهي: أن أكون مدير 
مسرح لفرقة ممثلين أحياء. رفاق من البشر الحقيقيين." " هل تتمنى أن تتحول دُماك 
إلى أحياء. تتمنى أن يكونوا بالفعل ممثلين؟ " قال, " وتريد حضرتك أن تكون المدير 
وحينها ستكون سعادتك كاملة؟" لم يصدق ذلك ولكني كنت أؤمن بهذا وقد تحدثنا 
رواحا ومجيئا حتى اقتربنا بوجهات نظرنا من بعضنا بعضاً تقريباء ولكن تصادمنا 
بالكؤوس وقد كان النبيذ فاخراً؛ ولكن كان فيه سحر وإلا ستكون كل القصة هي أنني 
كنت منتشياً. وذلك لم يكن فقد كانت عيناي مفتوحتين. كان هناك مثل شعاع شمس 
في الصالة؛ لمع من وجه خريج العلوم الصناعية, وفكرت بالآلهة القديمة بشبابها الخالد 
عندما دارت في العالم؛ وهذا ما قلته له فابتسم, أجرؤ على أن أقسم بأنه كان إلها 


006 


متنكراً أو ذا نسب مع العائلة, - ولقد كان- فأغلى ما تمنيته قد تحقق, الدمى صارت 
حية, وأنا صرت مديرا لبشر. شربنا نخب ذلك؛ حرّم كل الدمى في الصندوق الخشبي 
وربطه على ظهري وجعلني أسقط في لولب؛ مازلت أسمع أين سقطت؛ استلقيت على 
الأرض. ذلك يقين وحقيقة. وكل مرافقي قفزوا من الصندوق, انبعثت الروح فيهم. كل 
الدمى صارت ممثلين رائعين. قالوا ذلك يأنفسهم وقد كنت مديراً؛ كل شيء كان جاهزا 
للعرض الأول؛ كل الرفاق كانوا يرغبون في التحدث معي والتظارة أيضا. الراقصة 

قالت لو لم تقف هي على ساق واحدة لانهار البيت كله, كانت استاذة بكل شيء وتود 
أن تعامل كذلك. الدمية التي لعبت دور القيصرة ودت أن تعامل كقيصرة خلف 
الكواليس أيضا وإلا فستترك التمرين؛ وذاك الذي استخدم ليقوم بدور رسول يدخل 
ويسلم الرسائل جعل من نفسه شيئا مهما مثل العاشق الأول: إذ إن الصغار مهمون كما 
الكبار في عمل فني واحدء قال. وطالب البطل بأن يكون كل دوره متكونا من مقطع 
واحد فذلك هو ما صفق له النظارة؛ سيدة الأوبرا لا تريد أن تؤدي دورها إلا تحت ضوء 
أحمر لأن ذلك كان يناسبها أكثر- لا تريد أن تكون تحت الأزرق. كان ذلك مثل ذبابة 
في قنينة وأنا الذي كنت داخل القنيئة. كنت مديراً. انقطعت أنفاسي, طار عقلي, كنت 
تعيسا جداً قدر ما يمكن أن يكون عليه الإنسان من تعاسة, كان نوعا من البشر جديدا 
قد وجدت نفسي في وسطه, تنيت لو أجمعهم جميعا في الصندوق ثانية ولو لم أكن 
في يوم مديراً. قلت لهم من دون لف أو دوران إنهم كانوا جميعا دمى فقتلوني. 
استلقيت على السرير في غرفتي. كيف وصلت إلى هنا من عند خريج العلوم 
الصناعية, لابد وأنه يعرف فأنا لا أعرف. سطع القمر على الأرض حيثُ صندوق الدمى 
كان منقلبا وكل الدمى ارتّت. الكبار والصغار. الطامة بأكملها؛ ولكني لم أتأخر. 
هببت من السرير وجمعتهم كلهم في الصندوق. بعضهم على الرأس وبعضهم على 
الساق؛ صفقت غطاء الصندوق وجلست بنفسي عليه؛ ا هل بإمكاتك ان 
ترى ذلك», بإمكاني رؤيته. " لن تطلعوا من الصندوق» " قلت, " وأبدا لن أتمقنى فى 

حياتي أن يكون لكم دم ولحم! "- كنت أسعد إنسان بين البشر؛ عرج العلزم القسناعية 
قد نقاني؛ جلست بسعادة مجردة على الصندوق وغططت بالنوم, وفي الصباح- كان 
في الحقيقة الظهر. قد فت طويلا بشكل غريب ذاك الصباح, وكنت لم أزل جالسا 


007 


هناك سعيداء عندما أدركت بأن أمنيتي السابقة كانت غبية؛ سألت عن خريج العلوم 
الصناعية ذاك ولكنه كان قد اختفى. مثل الآلهة الإغريقية والرومانية. ومنذ ذلك الحين 
صرت الأسعد بين الناس. أنا مدير سعيد. والموظفون عندي لا يفكرون وكذلك النظارة, 
ذلك يبهج أعماق القلب؛ بحرية يمكنني أن أعمل عروضي جميعا بنفسي. آخذ من كل 
الكوميديا الأفضل الذي أريده ولا يتأسف أحد على ذلك. العروض التي قدمت على 
المسارح الكبرى والتي جرى النظارة خلفها وبكوا منذ ثلاثين عاماء هذه العروض آخذها 
الان وأعطيها إلى الصغار فيبكون مثلما بكى الآباء والأمهات؛ أعطي " يوهان مون 
فوكون" و " ديفيكه" بشكل مختصر لأن الأطفال لا يطيقون الهذر العاطفي الطويل, 
يريدونها: حزينة ولكن بسرعة. ها أنا سافرت طولا وعرضا في الدفارك. أعرف كل 
الناس ويتعرفون علي مجددا؛ وها أنا ذاهب إلى السويد. فإن حالفني الحظ وجمعت 
مالا وفيرا صرت من المنادين بالإسكندنافية, وإلا فلاء ها أنا أقولها لحضرتك أنت 
الذي من أبناء بلدي. 

وأنا الذي من أبناء البلد أروي بالطبع ذلك بالحال ثانية لمجرد أنني أريد أن أروي. 


كتبت عام 1845 


08 


السيدة إبريقة الشاي' 


كانت هناك إبريقةٌ شاي فخورةٌ بنوع الخزف الصيني المصنوعة منه. فخورة 
بخرطومهاء فخورةً بمقبضها العريض فلديها من الأمام بروز ومن الخلف أيضاً؛ ال خرطوم 
في المقدمة, والمقبض في الخلف؛ ولكن الإبريقة لم تذكر شيئًا عن غطائها الذي كان 
تكبورا وملعوماء كان شن ما فى هذه السيذة ناقفنا:ولا أعدّ يفل الخديث عننا 
ينقصه. هذا ما يقوم به الآخرون بدلا عنا. الأكواب, وعاء الحليب وعاء السكر و طقم 
الشاي يتذكرون جيدا عيب الغطاء ويتحدثون عنه. أكثر ما يتذكرون عن المقبض الجيد 
و الخرطوم الرائع؛ كانت السيدة إبريقة الشاي تعلم بذلك. 

" أنا أعرفهم!" قالت إبريقة الشاي لنفسهاء " وأعرف نقصي جيدا أيضاء وأعترف 
بهء وهنا يكمن ذلي وتواضعيء نحن جميعا لدينا نواقصناء ولكن المرء له أيضا 
مواهبه. الأكواب حصلت على أياد.. ووعاءً السكر على غطاء, أما أنا فقد حصلت 
على الإثنين. و شيء آخر فوق ذلك والذي لن يحصلوا عليه في حياتهم أبدا. هو أني 
قد حصلت على خرطوم, الأمر الذي يجعلني الملكة على طاولة الشاي. وعاء السكر 
واناء الحليب سمح لهما أن يكونا خدمَ الشاي الراقي. ولكن أنا هي المانحةٌ؛ الناصحة, 
أنشر البركةً على الإنسائية العطشى؛ في داخلي تُعامّل أوراق الشاي الصينية في ماء 
فائر خال من الطعم. 

كل هذا كانت إبريقة الشاي قد قالته في سنوات شبابها الجريئة. وقفت على 
الطاولة المعَدَةَ وقد تم حملها من قبل أرفع وأرقى الأيادي؛ ولكن أرفع وأرقى الأيادي 
كانت عسراً, فوقعّت السيدة إبريقة الشاي. وانفصل الخرطوم وسقط المقبضء أما 
الغطاء فلا يستحق أن يُتَحَدثَ عنه. فقد قيل بما فيه الكفاية. سقطت إبريقة الشاي 


١‏ جاء إبريق الشاي بصيغة المؤنث في النسخة الأصلية للكاتب 


499 


على الأرض مغمياً عليها وسال الماء المغلي منها. كانت وقعدً شديدةٌ على الأرض تلك 
التي تعرضّت لها والأسوأ من هذا أخذوا يضحكونء لقد ضحكوا عليها و ليس على 
الأعسر. 

" سأبقى حبيسةٌ هذه الذكرى أبدأ؟" تقول إبريقةٌ الشاي كلما تحدثت مع نفسها عن 
حياتها منذ الحادثة, " صاروا يدعونني بالمعوقة, لقد ألقوا بي في زاوية من البيت. 
وفي اليوم التالي مُنِحْت إلى إمرأة تتسول الطعام؛ فهويت إلى فقر مدقع وتشوش 
فكري. ولكن حياتي الأفضل بدأتْ من حيث ثركت. كما نعلم فالمرء اليوم هو غيره في 
اليوم الثاني. فقد وضعوا التراب في داخلي؛ الأمر بالنسبة إلى إبريقة الشاي كما لو 
كان يوم دفنهاء ولكن في هذا التراب وضعت بصلهٌ زهرة؛ من الذي وضعها؟ من الذي 
منحها؟ لا أدري ولكنها حت تعويضاً عن أوراق الشاي الصينية والماء المغلي. 
تعويضاً عن المقبض والخرطوم المكسورين. وبقيت البصلةٌ في التراب؛ بقيت البصلةٌ في. 
صارت قلبي. قلبي النابض. مثل هذا الشعور لم يكن لدي من قبل أبداً. وكأن حياةً قد 
بُعقَتْ في» أخذت حركةٌ نشطةٌ قور في داخلي؛ تسارعَ النبضُ وإذا بالبصلة تدفع أول 
براعمها. وقد أوشكت أن تنفجر من الأفكار والمشاعر فتفتحت البراعم عن أزهار؛ لقد 
رأيتهاء حملتها. ونسيت نفسي في جمالها؛ مبارك هذا الذي ينسى نفسه في الآخرين! 
لم تشكرني, لم تفكر بي؛ نالت الإعجاب والثناء لنفسها. كنت بغاية الفرح من أجل 
ذلك. والبصلة بالتأكيد أكثر فرحاً. وذات يوم رأوا بأنها تستحق أصيصا أفضل فجاء 
أحدهم ليكسرني نصفين؛ لقد كان ألما مبرحاً. فالزهرةٌ وضعت في أصيص أفضل, أما 
أنا فقد تم رميي في الفناء الخلفي. ملقاةٌ ككسرة زجاج قديمة. ولكني أملك الذكريات, 


كتبت في عام ١87/4‏ 


500 


من مجموعة الثلات حكايات الخرافية 
اا 


5301 


. مه 1 ةرأس القد 0 8 


كان لعزبة سيد غني حديقة رائعة ومعتنى بهاء فيها من الأشجار والأزهار ما ندر. 
كان الضيوف يعبرون عن سعادتهم بها والناس من الجوار في الريف والمدينة يجيئون 
أيام الآحاد والأعياد الدينية ليطلبوا الإذن في رؤيتهاء أجل وكل المدارس تأتي بزيارات 
مشابهة. 

في خارج الحديقة, عند سياج المزرعة إلى الشارع كانت هناك عشبة " رأس القنفذ" 
ضخمة وكبيرة جداء تفرعت من جذرها أغصان عديدة, حتى إنها لانتشارها يمكن 
تسميتها ب شجيرة. لم ينظر إليها أحد غير الحمار الهرم الذي كان يجر عربة الحلأبات. 
مد عنقه إليها وقال: " أنت جميلة! أود التهامك" ولكن الحبل لم يكن طويلا كفاية كي 
يصل الحمار إليها ويلتهمها. 

في يوم ما كان هناك تجمع كبير في فناء العزية, سادة نبلاء من المدينة. شباب, 
بنات حسناوات ومن بيتهم آنسة قادمة من مكان بعيد: قدمت من اسكوتلنداء من اصل 
راقء ثرية جداء كانت عروساً تستحق أن يمتلكها أحد. كما قال أكثر من سيد شاب, 
واللأمهات كذلك. 

تدحرج الشباب على العشب ولعبواء قشوا بين الأزهارء وكل واحدة من الفتيات 
الشابات قطفت وردة ووضعتها في فتحة زر صّدار أحد السادة الشباب. أما الآنسة 
الإسكوتلندية فكانت تنظر إلى ما حولها طويلاء تصنف وتفرز: لم تعجبها أي من 
الزهور وحينها وقعت عيناهاء خارجا عبر السياج. على عشبة رأس القنفذ بأزهارها 
الخشنة الحمر المزرقة. ابتسمت عندما رأتها وترجت ابن البيت من أجل قطف واحدة 
منها. 

"انها زهرة اسكوتلندا" قالت. " انها تتصدر درع البلدء اعطني إياها" 


2303 


جلب الشاب أحلى الزهور فوخزت أصابعه وكأنها أشحذ شوكة فت في هذه 
العشبة. 

وضعت الفتاة زهرة رأس القنفذ في فتحة زر صّدار الشاب, فشعر بأنه نال شرفا 
كييراً. كل واحد من السادة الشباب الآخرين تنى لو أعطى الآنسة الإسكوتلتدية الزهرة 
الجميلة لتضعها بيديها الرقيقتين على صدره. وما شعر ابن البيت به من شرف. شعرت 
به عشبة رأس القنفذ مرات مضاعفة. وكأن ندى و شعاع شمس احتواها. 

أنا على قدر أكبر ما كنت أظن". قالت عشبة رأس القنفذ في سرها " أنا 

انتمي بلا شك إلى ما داخل السياج وليس خارجه. غريب أمر اختيار مقامنا في العالم» 
ها أنا الآن على أية حال لدي واحدة من بناتي عبر السياج في الداخل والأكثر من ذلك 
في فتحة زر صدار" 

وأخبرت عشبة رأس القنفذ كل برعم طلع وتة تفتح بتلك الحادثة. ولم تقض سوى أيام 
ا 7 الطيورء بل من الهواء 
نفسه الذي ينقل الصوت وينشره من ممرات الحديقة الخفية والصالات . حيث النوافذ 
والأبواب كانت مفتوحة, ا السيد الشاب الذي حصل على زهرة رأس القنفذ 
من يدي الآنسة الإسكوتلتدية الرقيقتين قد حصل الآن أيضا على يدها وقلبها. كانا 
زوجين رائعين, صفقة زواج مربحة. 

" أنا التي ربطتهما معا" اعتقدت العشبة وفكرت بالزهرة التي وضعت في فتحة 
الصدار. كل زهرة تفتحت سمعت عن هذه القصة. 

" لابد أنهم سيزرعونني داخلا في الحديقة" فكرت العشبة. " ريما يضعونني في 
أصيص أصغر من حجمي, ذلك سيكون أرقى . السيدات ذوات الأقدام الصغيرة أرقى 


بالتأكيد وأكثر نبلا" 
وفكرت العشية بصور حية حول ذلك حتى انها قالت بقناعة تامة : " سيضعونني 
في | 9 ريا 


ووعدت عشية رأ س القنفذ كل زهرة صغيرة تفتحت بأن توضع في الأصيص ايضاء 
وربما في فتحة زر: وهو أقصى ما يمكن أن تصل إليه ولكن لا زهرة وضعت في 
أصيصء وإطلاقا في فتحة زر حتى الان؛ شريوا الهواء والضوءء لعقوا أشعة الشمس 


504 


في النهار والندى في الليلء أزهرواء ومر النحل والزنابير بزيارة. بحثوا عن المهرء 
العسل في الزهرة. ولكنهم أخذوا العسل وتركوا الزهرة لحالها: " هؤلاء اللصوص" قالت 
العشبة " ليتني استطيع شكّهم, ولكن ليس بإمكاني ذلك" 

تدلت الزهور من رؤوسها وذوت ولكن حلت محلها زهور جديدة ثانية. 

" وصلتم في وقتكم", قالت العشبة, " أنتظر في كل دقيقة أن نكون عبر 
السياج" 

كان زوجان بريئان من زهرة البابونج البرية وزهرة ضفاف الطريق البرية الطويلة 
الضيقة يستمعان بإعجاب عميق مصدقين كل ما قيل. 

كان الحمار العجوز لعرية الحليب على حافة الطريق وعينه على عشبة رأس القنفذ 
المزهرة والحبل لم يكن طويلا ما يكفي ليصل إليها. فكرت العشبة طويلا ب عشبة 
اسكوتلندا التي اعتقدت بأنها تنحدر من أصلهاء حتى اعتقدت في النهاية بأنها 
منحدرة من اسكوتاندا وبأن والديها نفسيهما قد نبعا وترعرعا في درع المملكة. كانت 
فكرة عظيمة, ولكن عشبة رأس القنفذ العظيمة لديها ايضا أفكار عظيمة. 

" غالبا ما نتتحدر من عوائل راقية جدا لدرجة أننا لا نمجرؤ على معرفة ذلك". 
قالت نبتة الحراق التي فت بالقرب. كان لديها بعض شعور في كونها يمكن أن تصير 
حرير الحراق لو تمت معاملتها بشكل جيد. 

وراح الصيف وراح ا خريف ؛ تساقطت الأوراق من على الأشجارء صار للأزهار 
لون غامق وعطر أقل. غنى البستاني عبر السياج هناك في الحديقة: 

يوما في أعلى التلة 

يوما أسفل التلة 

هكذا هي ا حياة 


بدأت شجرة عيد الميلاد الفتية في الغابة تشعر بحنين لأيام الميلاد ولكن كان 
هناك الكثير من الوقت ليحل عيد الميلاد. 

" ها أنا مازلت واقفة في مكاني" قالت عشبة رأس القنفذ. وكأن لا أحد يفكر بي 
وأنا التي جمعت بين اثنين؛ صارا مخطوبين وأقاما حفل زفاف وها قد مرت ثمانية 
أيام. لايمكنني أن أخطو خطوة واحدة فليس ذلك بإمكاني" 


5205 


ومرت بضعة أسابيع أخرى؛ لم يبق للعشبة إلا زهرة أخيرة» كبيرة تمتلئة؛ كانت قد 
برزت قريبا من الجذر. هبت الربح عليها باردة, اختفت الألوان وذهب الألق. التاج 
الكبير للزهرة صار مثل زهرة نبات الأرضي شوكي, بدا مثل عباد شمس مفضضاأً. 

حينها جاء الزوجان الشابان إلى الحديقة, هما الآن زوج وزوجة؛ تمشيا على طول 
السياج. نظرت السيدة الشابة إليها وقالت:" مازالت عشية رأس القنفذ الكبيرة 
موجودة. لم يعد فيها أزهار" 

" إنه شبح للزهرة الأخيرة" قال الشاب مشيرا إلى بقايا الزهرة المشعة بالفضة, 
والتي كانت زهرةً بحد ذاتها. 

"انها جميلة على أية حال" قالت الزوجة. " مثل هذه يجب أن تنحت في الإطار 
حول صورتنا." 

وكان على الرجل الشاب ان يعبر السياج ثانية ليقطع تاج الزهرة. حصل على وخزة 
في أصابعه منها فلقد سماها كما نعرف ب "شبح". دخلت الزهرة إلى الحديقة والفناء 
ومن ثم إلى داخل البهو؛ كانت هناك لوحة فنية: " الزوجان الشابان" وقد رسمت زهرة 
رأس القنفذ في فتحة زر صدار العريس. وكان هناك حديث عن ذلك وحديث عن تاج 
الزهرة الذي جلباه؛ تلك الزهرة الفضية الأخيرة التي ستنحت في الإطار. 

وحمل الهواء الحديث خارجا, شرقا وغربا. 

" يا للكثير الذي فر به " قالت عشبة رأس القنفذء " وليدتي الأولى وضعت في 
فتحة زر صدارء ووليدتي الأخيرة وضعت في إطار! ترى أين سأصل ا 

ووقف الحمار عند حافة الطريق وعينه عليها. 

" تعالي إلي, أيتها الشهية: لايمكنني الوصول إليك؛ الحبل ليس طويلا بما يكفي" 

ولكن العشبة لم تجب؛ كانت تمعن في التفكير أكثر وأكثر: فكرت وفكرت حتى 
مستهل أيام الميلاد وبعدها وضعت الفكرة زهرتها. 

" مادام أولادنا في الداخل هناك؛ يمكننا نحن الأمهات أن نحتمل البقاء خارج 
السياج" 

" إنه لتفكير نبيل" قالت أشعة الشمس. " لابد لك من أن تحصلي أنت ايضا على 


مكان جيد" 


5306 


" في الأصيص أم في الإطار؟" سألت العشبة. 
" في حكاية خرافية" قالت أشعة الشمس. 
وهاهي انتهت. 


كتبت في عام ١41٠١‏ 


5307 


مت مجموعة حكايات خوافية وقصص حديدة 


للفترة 11 


509 


الحظ فد يكمن في عود 


سأروي حكاية عن الحظ. نحن جميعا نعرف الحظ: البعض يراه على مدار السنة, 
آخرون في سنوات معينة؛ ليوم واحدء أجل قد يعطى لناس لمرة واحدة فقط في حياتهم, 
ولكتنا جميعا نرأه. 


لا داعي لأن أحكي فكل واحد يعرف بأن الله تعالى هو الذي يرسل الطفل الصغير 
ويضعه في حضن أمه. يمكن أن يكون ذلك في القصر الفخم وبيت المقتدرين؛ ولكن 
أيضا في الحقول المفتوحة حيث الربح الباردة تهب؛ ومع هذا فليس كل أحد يعرف. ومع 
ذلك ربما يعرف الجميع أن ربنا في اللحظة التي يأتي بها بالطفل يأتي بهدية حظ معه, 
ولكن من الواضح بأنها لا توضع إلى جانبه؛ توضع في مكان ما في العالم. في مكان 
لا يفكر المرء العثور فيه على حظه. رغم أنه يكون هناك دوما؛ ذلك مفرح. يمكن أن 
يوضع الحظ في تفاحة؛ وذلك بعينه كان بالنسبة للعالم الذي اسمه نيوتن!؛ التفاحة 
سقطت فعثر هو على حظه. ألا تعرف هذه الحكاية؟ إذاً اطلب من هؤلاء الذين 
يعرفونها أن يقصوها لك؛ لدي قصة أخرى يمكن أن تروى وهي قصة كمثرى. 

كان هناك رجل مسكين, ولد في فقر مدقع, ونشأ في فقر مدقع وتزوج. كان 
بالمناسبة نجارا خراطا وقد كان يخرط على الأخص مقابض مظلات وحلقات للمظلات؛ 
ولكن بالكاد كان له ما يعتاش منه. 

" لن أجد الحظ أبدأ” قال. إنها قصة معاشة حقا وبالإمكان ذكر البلد والمكان الذي 
عاش فيه الرجل ولكن هذا لن يشكل فارقاً. 

حبات عنب الروان الحمر الحامضة كبرت بشكل زينت فيه ما حول البيت والحديقة. 
في الحديقة كانت هناك أيضا شجرة كمشرى, ولكنها لم تحمل يوما ولو ثمرة كمثرى 


511 


واحدة ومع ذلك فقد وضع الحظ في حبة الكمثرى هذه. وضع في حبات الكمشرى 
البعيدة عن النظر. 

ذات ليلة هت الريح بشكل مخيف؛ كتب في الصحف بأن عربة البريد رفعتها 
العاصفة إلى الأعلى وألقتها مثل خرقة. غصن كبير من شجرة الكمثرى كان قد 
انكسر. ووضع الغصن في ورشة النجارة والرجل خرط على سبيل اللهو كمثرى كبيرة 
منه. ومن ثم أقل حجما وبعدها بعض حبات صغار. 

على هذه الشجرة أن تحمل ولو مرة ثمرة كمشرىء قال ثم أعطى الحبات بعدها 
للأطفال ليلعبوا بها. 

من ضروريات الحياة في بلد كثير المطر هو ولا شك مظلة. كل العائلة كانت 
تتقاسم مظلة واحدة فقط؛ إن هبت الريح قوية جدا انقلبت المظلة على ظهرهاء أجل؛ بل 
انها انكسرت بضع مرات, ولكن الرجل قام بتصليحها ثانية؛ الأتعس في الأمر أن الزرٌ 
الذي يحبس ثنيات المظلة إلى بعضها عندما تغلق غالبا ما كان يخلع, أو الحلقة التي 
توضع حولها تعطل. 

ذات يوم انخلع الزر: بحث الرجل عنه على الأرض فعثر على واحدة من أصغر 
حبات الكمثرى المخروطة, واحدة من الحبات التي حصل عليها الأطفال للعب بها. 

" لا يمكن العثور على الزر” قال الرجل, " ولكن هذا الشيء الصغير يمكن أن يفي 
بالغرض نفسه!" وعمل ثقيا به. مرّر حبلا رفيعا فيه فضبطت حبة الكمثرى الصغيرة مع 
الحلقة المكسورة. وكان بالفعل أفضل ما حصلت عليه المظلة من حابس حتى الآن. 

وعندما أرسل الرجل مقابض نظلات إلى العاصمة في السنة التالية؛ أرسل بدوره 
معها حبات الكمثرى الصغيرة المخروطة مع نصف حلقة وترجاهم تجربتها وهكذا وصلت 
إلى أمريكا. عندها لوحظ با حال بأن الكمشرى الصغيرة تدوم أطول بكثير من كل 
أنواع الأزرار. ولذلك طلب التاجر بأن تكون كل المظلات التي ستصل بعد الآن مقفولة 
بكمثرى صغيرة. 

هكذا إذاً. وصلت له طلبيات! كمثرى بالآلاف! كمثرى خشبية على كل المظلات! 
على الرجل الان أن يجدّ . وخرط وخرط. كل شجرة الكمثرى راحت في حبات كمثرى 
خشبية صغيرة! عادت له بقروش. عادت بدثنائير! 


512 


" في أشجار الكمثرى هذه كمن حظي!" قال الرجل. حصل الان على ورشة نجارة 
كبيرة مع صناع وصبيان. كان دوما بمزاج رائق: يردد: " يمكن للحظ أن يكمن في عود" 

وأنا أقول ذلك أيضاء أنا الذي أروي الحكاية. 

المثل يقول :" ضع عودا أبيض في فمك تصير غير مرئي!" ولكن لابد له من أن 
يكون العود الصحيح هو الذي يعطى لنا في هدية الحظ من ربنا تعالى. وقد حصلت 
علييهاء وبإمكاني أيضا مثل الرجل أن آتي بالذهب الرنان, الذهب اللماع والأفضل, 
ذلك الذي يلمع في عيون الأطفالء ذلك الذي يرن من فم الأطفالء ومن الأب والأم 
أيضا. هم يقرؤون الحكاية وأنا معهم. وسطهم في البيت ولكن غير مرئي. فلدي العود 
الأبيض في فمي؛ إن شعرت الآن بأنكم سعداء بما أقص عليكم سأقول حينها أيضا : 
الحظ قد يكمن في عود! 


كتبت عام 7م١1‏ 


513 


الشموع 


كانت هناك شمعةٌ راقية تعرف قيمة نفسها جيداً. " أنا قد ولدت بالشمع و صببت 
في قالبء أنا أضيء أفضل من الآخرين ويطول احتراق شمعي أكثر بكثير من الآخرين 
ومكاني هو في الثريا أو الشمعدان الفضي". " يا لها من حياة تلك التي تعيشينها". 
قالت شمعة الشحم الحيواني: " أنا لست غير شحم حيواني: لست سوى فتيل يغط في 
الشحم مراراًء ولكن ما يواسيني والحمد لله هو أنني أعلى منزلةً قليلاً من فتيلة 
الشحم الرخيص التي تُعْمَسَ في الشحم مرتين فقطء أما أنا فقد عمست في الشمع 
ثماتي مرات لأحض ل على قرام الموكر هناء آنا زاضنية:صهيع أن الذي يولد في 
الشمع له مكانة أرفع وحياة أهنأ من الذي يولد في الشحم, ولكن نحن لا نقرر 
مصائرنا عندما نأتي للعالم, هكذا هي الحياة, أنت توضعين في الثريا الزجاج في سقف 
الصالة وأنا أوضع في المطبخ, ومع هذا فلا بأس بالمطبخ, منه يحصل هذا البيت على 
طعامه". 

" ولكن هناك شيئا أهم من الطعام”؛ قالت الشمعة الراقية؛ " الحفلات والمناسبات, 
رؤية البريق والألق في تلك الحفلات, ومنظري وأنا أشعٌ فيهاء في هذا المساء هناك 
حفلة رقص وسيأتون لنقلنا أنا وكل عائلتي إلى الصالة". 

وحالما قالت ذلك جاؤوا لأخذ كل الشموع, بما فيهم شمعة الشحم الحيواني. السيدة 
نفسها مَنْ حَمَلئها بيدها الرقيقة وأخذتها إلى المطبخ. كان هناك ولد صغير يحمل سلّة) 
مُلنّت بالبطاطا بالإضافة إلى بضع حبات تفاح. لقد أعطت سيدة المنزل الطيبة كل ذلك 
إلى الولد الفقير. 

" وهاكَ هذه شمعة الشحم يا عزيزي الصغير". قالت له السيدة, " أمك تعمل 
طوال الليل. وستفيدها هذه الشمعة". 


5215 


كانت الإبنة الصغيرة في البيت على مقربة منهما وعندما سمعت بكلمة " طوال 
الليل" قالت بفرح كبير من الأعماق:" أنا سأبقى أيضاً طوال الليل, لدينا حفل رقص 
وستعقّدٌ في شعري وردات كبيرةٌ من الشرائط الحمر". 

د وجهها مشعاً. كان ذلك لفرط سعادتها ٠‏ لا يمكن لشمعة راقية أن تشع 
مثلما تشع عينا طفل هكذا. 

" كم هو مبارك النظر إليها": فكرت شمعة الشحم الحيواني مع نفسهاء "لن أنسى 
ذلك ما حييت, ولا أعتقد أني سأرى مثل ذلك ثانية أبدأ ". ووضعت الشمعةٌ في 
السلّة تحت الغطاء وذهب الولد بها إلى بيته 

فكرت شمعة الشحم الحيواني حينها " أين سأذهب الآن. سأذهب إلى الناس 
الفقراء. ورما لن أحصل حتى على شمعدان من النحاسء بينما الشمعةٌ الراقيةٌ تجلس 
هناك في الفضة بين الناس الراقين, لابد أن الإضاءة للناس الراقين أمر جميلء إنه 
قدري الذي جعلني شمعة شحم حيواني وليس من شمع راق". 

ووصلت شمعة الشحم إلى بيت الناس الفقراء. أرملةٌ وثلاثة أطفال في غرفة 
صغيرة منخفضة السقف بمحاذاة بيت الأغنياء. 

" الله يبارك هذه السيدةً الطيبة لما منحته" قالت أم الطفل. " وهذه شمعةٌ جيدة 
ستظل مشتعلةً طوال الليل". وتم إشعال شمعة الشحم الحيواني. 

" يا للرائحة الكريهة", قالت الشمعة " أوقدت بعيدان ثقاب ذات رائحة منقّرة, 
هذا لا يمكن أن يحدث في بيت الأغنياء, أن يُوقَدَ الشمعة الراقية بنوع كبريت كهذا". 

وقد أوقدت الشموع ولاح ضوءها في الشارعء العربات ضجّت بال ركاب المتزينين» 
والموسيقى اخذت تصدح. 

" ها هم قد بدؤوا ا ٠‏ أحسّت شمعة الشحم الحيواني مُتذكرة وجه بنت 
الأغنياء الصغيرة الذي كان يث يشعٌ أكثر من كل الشموع الراقية. " لن أرى ذاك المنظر 
ثانية أبدأ" 

وجاء أصغر الأطفال في البيت الفقير وقد كانت بنتاً صغيرة؛ أمسكت برأسي 
أخيها وأختهاء كان لديها أمرٌ مهم جداً تود قوله لهما ولكن بهمس: " هذا المساء, 
تصورا. هذا المساء سنتناول بطاطا مسلوقة" وأشرق وجهها سعادة: شعت شمعة الشحم 


516 


بضوئها على وجهها مباشرة فرأت فرح سعادة غامرة مثل تلك التي كانت في بيت 
الأغنياء عندما قالت البنت الصغيرة. " أنا سأبقى أيضاً طوال الليل, لدينا حفل رقص 
وستعقّد في شعري وردات كبيرة من الشرائط ا حمر". 

" هل للحصول على بطاطا مسلوقة الوقع ذاته على قلب الطفلة؟". فكرت شمعة 
الشحم الحيواني, " انها الفرحة ذاتها هنا بين الصغار” وعطست الشمعة حينها. وذلك 
يعني بأن شمعها كان يلتهب عند احتراقه وأكثر من هذا لا يمكن لشمع الشحم أن 

وقد أعدّت المائدة وأكلت البطاطا. كانت وجبةً دسمةٌ وقد حصل كل فرد فوق ذلك 

أشكرك يا ربي الكريم 

لإشباعك لي ثانية 

08 

" أليس ما قلته جميلا يا أمي؟". قال الطفل الصغير. 

" لا يجب أن تسأل و تقول هذا ". قالت الأم. 

" عليك أن تشكرّ ريك الكريم الذي أشبعك في سرك" 

وراح الأطفال إلى أسّرتهم وحصلوا على قبلة وناموا في الحسال. وجلست الأم 
لتكمل الخياطة طوال الليل لتعيلَ أسرتها. وقد شعٌ نور الشموع هناك في بيت الأغنياء 
وصدحت الموسيقى. وسطعت النجوم على كل البيوت. على بيوت الفقراء كما الأغنياء 
بالصفاء ذاته والبركة نفسها. 

" حقاً كان المساء جميلاً جداً " كان هذا رأيّ شمعة الشحم, " ترى هل كانت 
الشمعةٌ الراقية التي تجلس في الشمعدان الفضي أكثر سعادة مني؟ آه كم أتمنى لو 
أعرف ذلك قبل أن أحترق تماما" 

وفكرت بالابنتين الإثنتين اللتين كانتا بالمقدار ذاته من السعادة, الأولى تضيئها 
الشمعة الراقية والثانية شمعة الشحم ا حيواني. 

وها هي قصتنا تنتهي. 

كتبت في عام1/ا41١‏ 


517 


من العجائب 


مَنْ سيكون بإمكانه فعل ما يشير العجب سيتزوج من ابنة املك ويحصل على 
نصف المملكة. 

وراح الشبابء بل الشيوح أيضاً يمعنون التفكير ويشحذون عقولهم. بعضلات 
ومفاصل متقلصة. أحدهم مات متخوماً؛ والآخر سكران من أجل فعل عمل عجيب. كل 
وفق ذوقه, رغم أن الأمر لم يتوجب أن يكون بهذا الشكل. الأولاد المتسشردون في 
الشوارع أخذوا يتدربون على البصق على ظهورهم. وقد خالوا ذلك فعلاً عجيباً. 

وقد حَدّدَ اليوم الذي سيتم فيه استعراض الأعمال العجيبة. وكانت لجنة التحكيم 
مكونة من أطفال بعمر ثلاث سنوات إلى شيوخ في التسعين من عمرهم. لقد كان 
استعراضا كبيراً لأعمال عجيبة شتى لكن الجميع كان متفقا على أن العمل العجيب 
كان بالفعل هو الساعة الجدارية العجيبة التي صنعت بشكل دقيق من الداخل والخارج. 
في كل دقة للساعة تظهرٌ صورةٌ حيةٌ تُظهر التوقيت. كان هناك اثنا عشر عرضا 
بأشكال متحركة وغناء وقصص. وقد قال الناس " إنها من العجائب". 

دقّت الساعة الواحدة فوقف موسى على الجبل يكتب على لوحة فروض الله تعالى 
أول وصايا العقيدة: " لا إله إلا هو". 

ودقّت الساعة الثانية فظهرت فردوس الجنة حيث التقى آدم حواء. صارا سعيدين 
من دون أن يملكا حتى خزانة ملابس, كما إنهما لم يكونا بحاجة إلى ذلك. 

في الدقة الثالثة ظهر الملوك الثلاثة القديسون, أحدهم كان أسود إذ لم يمكنه فعل 
شيء حيال الشمس التي صبغته. وقد جاؤوا ثلاثتهم بالبخور والنفائس. 

في الدقة الرابعة ظهرت الفصول الأربعة: الربيع بعصفور على غصن الزان اليانع, 
والصيف بجندب على سنبلة قمح, الخريف بعش لقلق فارغ بعد أن طار الطير بعيداء 
الشتاء بغراب عجوز يروي عند زاوية الموقد حكايات عن ذكريات قديمة. 


5319 


عندما دقت الخامسة ظهرت الحواس الخمس: النظر كمصلّح عوينات: السمع 
كصائغ نحاسيات:, الشم كان أزهار بنفسج وإسبركة. وحاسة الذوق كان طباخاً؛ اللمس 
كان دفاناً يشدٌ على ذراعه رباط حزن تحف أذياله على الأرض. 

في الدقة السادسة ظهر هناك مَنْ يلعب التَرد. رماه فكان الرقم ستة. 

بعدها جاءت أيام الأسبوع السبعة أو ذنوب الموت السبعة, ولم يكن الجميع متفقين. 
كان الإثنان ذوي علاقة ببعضهما بعضاًء كما لم يكن من السهل الفصل بينهما. 

وجاء بعد ذلك جوق الرهبان وغنى نشيد الساعة الثامنة مساء. 

في الدقة التاسعة جاءت آلهة الإلهام. إحداها كانت لها وظيفة في الفلك؛ وواحدة 
في أرشيف التاريخ؛ والباقيات ينتمين إلى المسرح. 

في الدقة العاشرة برز موسى ثانية مع لوحة فروض الرب التي كان مكتوب عليها 
كل وصاياه وقد كانت عشر. 

وعندما دقت الساعة مرة أخرى تقافز حينها الصبية والصباياء كانوا يلعبون لعبة 
وهم يغنون: " هيا يا شجرة إنها الحادية عشرة " و حينها دقّت الساعة. 

وستدق الآن الشانية عشرة. تقدّم الحارس الليلي يلبس طاقية, ويحمل بيده 
صولجاناً وقد غتى أغنية الحراس القديمة: 

" مخلّصنا قد ولد منتصف الليل" 

وبينما هو يغني الأغنية فت ورود جورية وكبرت فصارت رؤوس ملائكة محمولة 
على أجنحة بألوان قوس قزح. 

كان رائعاً ما سمعوا ورائعاً ما رأوا. كان عملاً فنياً لا شبيه له في جماله. عملاً 
من العجائب, قال الناس جميعاً. 

الفنان الذي صنئع الساعة كان شاباً. طيب القلب, فرحا مثل طفل. صديقاً يوثق 
به. يساعد أبويه الفقيرين. يستحقّ الأميرة ونصف المملكة. 

وجاء يوم الحسم ووقف أهل المدينة جميعاً بكامل زينتهم بينما جلست الأميرة على 
عرش البلاد الذي قاموا بتنجيده ورغم ذلك لم يكن جميلا ولا مريحا بالنسبة إليها. 
أما الحَكَام فقد جلسوا ينظرون بتواطىء إلى الذي سيفوزء وقد وقف الشاب مسالا 
سعيداً. سيحالفه الحظ بالتأكيد فهو الذي صَّنَعَ هذا العمل العجيب. 


220 


وفي اللحظة ذاتها صاح رجل معضل :" لا. أنا الذي سأصنع العمل هذاء أنا 
الرجل صانع العجب". وقام برمي فأس كبير على العمل الفني, وسمع صوت كبر 
الساعة التي سقطت شظايا على الأرضء فتدحرجت العجلات في جهة والنوابض في 

لقد تمكنت من ذلك, لقد غلبت عمله وغلبتكم كلكم: " لقد قمت بصنع العجب". 

" بالفعل. بتحطيمك لعمل فني كهذا" . قال الحكام "يا له من فعل يثير 
العجب". 

وعندما رده الناس ذلك جميعاً. صار من حقه أن يأخذ الأميرة ونصف المملكة 
حيث إن القانون قانون لا مفر منه رغم أنه قانون يثير العجب. 

ونفخ في الأبواق في كل أبراج الحصون والمدينة: " سيتم الإحتفال بالزفاف". لم 
تكن الأميرة على قناعة بكل ما حصل ولكنها بدت باهرة الجمال وقد ارتدت بدلة ثمينة 
جداً. أضيئت الكنيسة بالشموع فتجلى منظرها بأبهى صورة له آخر المساء. وغنّت 
شابات المدينة النبيلات يرافقن العروس, وغنى جوت ال محاربين مرافقين العريس وقد 
انتصب جسمه وكأن ظهره لن يقصم أبداً. 

توقف الغناء فجأة وعم المكان هدوءً حتى لكأن بإمكان المرء سماع صوت الإبرة 
وهي تقع على الأرض. ولكن في غمرة الصمت هذا انفتح باب الكنيسة على مصراعيه 
بصوت رعدي مدو وما هي إلا ثوان حتى تقدمت الساعة في خطوات مارش عبر تمر بهو 
الكنيسة ووقفت بين العريس والعروس. لا يمكن للناس الأموات أن يحيوا ثانية؛ هذا ما 
نعرفه جيدلٌ ولكن الأعمال الفنية يمكنها ذلك فقد تحطّم جسد الساعة . هذا صحيح 
ولكن ليس روحهاء كان شبح روح الفن ولم تكن تلك مزحة. 

كانت الساعة منتصبة هناك؛ حية جديدة وكأن لم يصبها شيء أو يمسسها أحد. 
وقد سُّمعٌ صوت دقاتها الواحدة بعد الأخرى حتى الثانية عشرة؛ وكل الشخصيات 
والأشكال قد ظهرت. في البدء ظهر موسى الذي لمع جبينئه بضوء يشبه ذؤابة شمعة, 
وقد رمى باللوحة الحجرية على قدمي العريس وربطهما على أرض الكئيسة. ثم قال : 
"لا أستطيع أن أرفعك من على الأرض مرة ثانية. لقد سَلَلْتَ ذراعي, ابق هكذا في 
مكانك". 


521 


وجاء آدم وحواءء والحكماء الثلاثة من بلاد الشرق والفصول الأربعة. قالوا له 
كلمات نابية: " العار لك". ولكنه لم يخجل من نفسه. 

كل الشخصيات التي ظهرت عند كل دقة للساعة تقدمت خارج الساعة وقد كبرت 
بحجمها بشكل مخيف, حتى تخال وكأنه لم يعد هناك مكانّ للناس الحقيقيين. وعندما 
برز الحارس عند الساعة الثانية عشرة بطاقيته وصوجانه حدئت حركة غريبة فال حارس 
قد تقدم مباشرة إلى حيث العريس وضربه على جبهته بالصولجان. 

" ابقَ في مكانك على الأرضء العين بالعين. ها نحن انتقمنا لأنفسنا وللسيد 
صاحب العمل الفني أيضاً. والآن سنختفي". 

واختفت القطعة الفنية بأكملها بعد ذلك. وصارت الشموع حول الكنيسة وروداً 
ضوئية كبيرة وسطعت النجوم المذهبة في سقف الكنيسة بضوء صاف وعزف الأورغن 
وحده. وقال الناس إنه أعجب ما رأوه في حياتهم. 

قالت الأميرة: " هلاً أعلنتم إذاً عن الفائز. هذا الذي صنع عملاً عجيباً والذي 
سيصير زوجي وسيدي". 

وقد كان الفائز واقفا في الكنيسة, وكان كل الناس من أنصاره؛ فرحين به مباركين 
له. ولم يكن هناك حاسد واحدء إنه لمن العجب. 


كتبت في عام17 ١41‏ 


522 


ثعبان الماء الكبير 


كانت هناك سمكة بحرية صغيرة تنحدر من عائلة أصيلة لا أذكر اسمهاء ربما على 
طلاب العلم أن يقولوا لك ذلك. كان للسمكة مئة وثمانية عشر أخاً وأختاً؛ كلهم في 
ذاته العمر؛ لم يعرفوا أباهم ولا أمهم, كان عليهم تدبر أمرهم وحدهم وأن يعومواء 
ولكن كان في ذلك متعة كبيرة لهم؛ كان لهم فائض من الماء للشربء بحر العالم كله, 
ولم يقلقوا بشأن الطعام, فقد كان لديهم منه ما يكفي؛ كل واحد منهم كان يتبع 
رغباته. وكل منهم ستكون له قصة حياته, لكنهم لم يفكروا بذلك. 

أشرقت الشمس في الماء. أضاءت ما حولهم, كان الماء صافيا جداً. عالم بأعجب 
المخلوقات, بعضها كبير جدا بشكل مفزع بإمكانه أن يبلع والمئة والثمانية عشر أخا 
وأختاًء رغم انهم لم يفكروا بذلك فلم يحصل شيء من هذا القبيل لحد الآن. 

الصغار سبحوا سوية قريبا من بعضهم, كالرنكة والأسقمري؛ ولكن في غمرة 
فرحهم وعومهم في الماء وبينما لم يفكر أحدهم بشيء إطلاقاً هبط في منتصفهم 
ويصوت مخيف من أعلى شيء ثقيل طويل وكأنه لن ينتهي؛ امتد أطول وأطول في 
الماء ودعست كل من السمكات الصغيرة التي اصطدم بها أو أصابها كسر لا يمكن أن 
يلتحم. كل الأسماك الصغيرة والكبيرة أيضا من سطح البحر إلى قاعه انطلقت جميعها 
إلى الجانبين مذعورة؛ هذا الشيء الثقيل الضخم كان يهبط وبهبط أعمق وأعمق؛ يصير 
أطول وأطولء يمتد أميالا عبر البحر كله. 

الأسماك والحلزونات وكل ما يعوم, كل ما يزحف أو ما تدفعه تيارات الماء شعر 
بهذا الشيء المفزع الضخم الفظيع المجهول هذا الأنقليس الذي نزل فجأة إلى الأسفل. 

ما عساه أن يكون هذا الشيء؟ نحن نعلم ما هو! كان أميالا من حبل تلغراف 
ألقاه البشر في البحر يربط بين أوروبا وأمريكا. 


223 


أثار ذلك الذعرء عم القلق بين السكان الشرعيين حيث غطس الحبل. السمكة 
الطيارة طفرت إلى سطح الماء أعلى ما في استطاعتهاء وسمكة العُرنار عامت مثل 
طلقة فوق الماء فقد كان بإمكانها فعل ذلك؛ الأسماك الأخرى لجأت إلى قاع البحر 
منطلقة بسرعة البرق حتى انها وصلت قبل أن يرى الحبل في القاع بوقت طويل؛ وقد 
أفزعت كلا من سمكة القّدٌ والسمكة المفلطحة اللتين عامتا بسلام في أعماق البحر 
والتهمتا الأجناس الأخرى. 

بعض من سمك خيار البحر قذفت معدتها خارجا ولكنها ما زالت تعيش رغم ذلك 
لأنها كانت قادرة على فعل شيء كهذا. العديد من السرطانات البحرية والسلطعون 
خرجت من دروعها المنيعة وتركت سيقانها داخلا. 

في خضم كل هذا الفزع والإرتباك جاء المئة والثسانية عشر أخاً وأختاً. لم يلتقوا 
ببعضهم من قبل أو يعرفوا بعضهم, والقليل منهم. حوالي عشرة فقط بقي في المكان 
نفسه. وعندما بقوا هادئين لبضع ساعات, تكنوا بعدها من التغلب على خوفهم الأولي 
وتملكهم الفضول. 

نظروا حولهم. نظروا إلى أعلى. ومن ثم إلى أسفل. هناك في العمق رأوا هذا 
الشيء المرعب الذي أفزعهم, أفزع الكبار والصغار. هذا الشيء كان مستقراً في قاع 
البحر طويلا على امتداد بصرهم. كان دقيقاً جدا ولكتهم لم يعرفوا مقدار الحجم الذي 
يمكن أن يكون عليه هذا الشيء مقدار قوته. كان مستقرا بهدوء تام في القاع ولكنهم 
فكروا بأن ذلك قد يكون احتيالا منه. 

" دعه حيث هو في مكانه, لا شأن لنا به". قال أكثر الأسماك الصغيرة حذراء 
ولكن أصغرها حجما أصرت على أن تتعرف على ماهية هذا الشيء؛ لقد جاءت من 
أعلى البحرء و المكان في أعلى البحر هو الأفضل في الحصول على تفسير ما حول ذلك 
فسبحت جميعها باتجاه السطح. حيث كان البحر ساكنا جدا. 

وقابلت هناك الدلفين؛ وهو قمّاز ماهر. عازف على أوتار البحر, يمكنه الشقلبة 
فوق سطح الماء. لديه عينان يرى بهماء لابد أنه قد رأى وعلم شيئاً عن ذلك؛ وسألوه 
مباشرة ولكنه لم يكن يفكر إلا بنفسه وشقلباته, لم ير شيئاًء لم يعرف بماذا يجيب, 
ولزم الصمت بعدها وبدا فخوراً. 


524 


بعدها توجهت إلى الفقمة الذكر الذي كان قد غط للتو؛ كان أكثر أدبا على الرغم 
من أنه يلتهم الأسماك الصغيرة؛ لكنه اليوم شبعان وقد كان أكثرٌ علما ومعرفة بقليل 
من السمكة القفازة. 

" لطالما جلست ليال على صخرة رطبة أتأمل اليابسة, البعيدة أميالاً من هنا؛ هناك 
مخلوقات محتالة. يطلقون على أنفسهم بشراً بلغتهم, إنهم يطاردونناء لكتنا غالبا ما 
ننجو منهم والحمد لله هذا ما تعلمته. ولقد تعلم ذلك الأنقليس الضخم الذي تسألون 
عنه. كان هذا تحت قبضتهم, كان فوق على اليابسة في سالف الزمان؛ لقد وضعوه في 
سفينة لينقلوه إلى أرض نائية أخرى عبر البحر. لقد رأيت أي جهد بذلوه في ذلك. وقد 
مكتوا منه فلقد صار واهناً على اليابسة. لقد لفوه في حلقات فوق بعضهاء سمعت كيف 
رن وخرخش عندما وضعوه في السفينة, ولكنه تكن من الإفلات منهم. وفرٌ إلى هنا. 
حاولوا مسكه بكل ما في وسعهم, أمسكت به أياد كثيرة ولكنه مكن من الإفلات بالرغم 
من ذلك وانسل إلى قاع البحر هنا؛ هناك يستقر على ما أعتقد". 

" ولكنه نحيف", قالت الأسماك الصغيرة. 

" لقد جوعوه" قال الفقمة الذكرء, " ولكنه سرعان ما سيستعيد حجمه الكبير 
وبدانته. أنا أزعم بأنه ثعبان البحر الكبير الذي يخشاه البشر بشدة والذي يتحدثون 
كثيرا عنه؛ لم أره من قبل إطلاقا ولم أصدق وجودهء ولكنني الان أعتقد بأنه هو", 
وغط الفقمة بعدها في الماء. 

"يا لها من معرفة تلك التي لديهء يا له من حديث هذا الذي قاله". قالت 
الأسماك الصغيرة؛ " لم نكن يوما في حياتنا على علم ومعرفة مثل اليوم, إن لم يكن 
الذي قاله كذبا". 

" ولكن بإمكاننا النزول إلى أسفل والتحقق من الأمر"؛ قالت أصغر الأسماك, 
"وفي الطريق سنسمع رأي الآخرين أيضا". 

" لن نحرك زعانفنا لنحصل على معلومة". قالت الأسماك الأخرى واستدارت. 

" ولكن أنا سأفعل ذلك". قالت أصغرهم وانطلقت سريعة إلى أعبماق البحر؛ 
ولكنها كانت بعيدة جدا عن المكان الذي استقر فيه ذلك الشيء الغاطس الطويل. 
وراحت السمكة الصغيرة تدور وتبحث في كل الإتجاهات في طريقها إلى عمق البحر. 


525 


لم تشعر يوما في حياتها بأن العالم كبير جدا. أسماك الرنكة راحت تسبح في 
أفواج لامعة مثل قارب من فضة؛ وتبعتها أسماك الأسقمري وقد بدت هي الأخرى أكثر 
بهاء. وهناك جاءت أسماك بكل الأشكال والرسوم وبكل الألوان؛ الميدوزا التي كانت 
زهوراً شبه شفافة والتي تركت لتيارات الماء أن ترفعها وتسير بها. وقد علت نباتات 
كبيرة من قاع البحر. الأعشاب العالية بارتفاع المترين وأشجار بقوام النخيل احتلت 
الطفيليات اللماعة كل ورقة فيها. 

واخيرا لمحت السمكة الصغيرة شريطا غامق اللون طويلاً في الأسفل فانطلقت 
تجاهه ولكنه لم يكن سمكة ولا حبلاً. كان قطعة من سياج سفينة كبيرة غارقة كان 
سطحها الأعلى والأسفل قد تحطما بسيب ضغط البحر. سبحت السمكة الصغيرة إلى 
داخل الغرفة التي مات فيها العديد من الناس عندما غرقت السفينة؛ الماء كان قد حمل 
البشر بعبيدا من هنا عدا اثنين, إمرأة مستلقية على امتداد طولها وطفل صغير بين 
ذراعيها. كان الماء يرفعهما وكأنه يهدهدهما كي يناما. أصاب السمكة الصغيرة الخوف 
فلم تكن تعرف بأن الأم وطفلها لن يصحوا أبداً. نباتات الماء كانت معلقة مثل زخارف 
نباتية على سياج السفينة وعلى جثتي الأم وطفلها الجميلتين. كان الهدوء يعم المكان 
الذي كان موحشا أيضاء لذا فقد أسرعت السمكة الصغيرة لتبتعد عن المكان قدر 
استطاعتهاء تود الوصول إلى حيث الماء أصفى والمكان أكثر ضوءاً حيث توجد 
الأسماك. ولم تقطع في عومها الكثير حتى صادفت حوتا شاباً كان مخيفا لكبر 


ححجحمةه 


قالت السمكة الصغيرة:" لا تبلعني, حجمي صغير. لست بحجم حتى لقمة لك. 
وإنه لن المؤنس لي أن أعيش» 


فسألها الحوت" ما الذي كنت تفعليئه إذاً في عمق البحر وحيث الأسماك من 
نوعك لا تصل إلى هناك؟". وأخبرته السمكة الصغيرة عن الأنقليس الضخم العجيب 
أو ما يكون عليه هذا الشيء الذي هبط من الأعلى وأفزع أكثر المخلوقات البحرية 
شجاعة. 

" هو هو", قال الحوت وسحب الماء بقوة حتى إنه أطلق نافورة عندما صعد إلى 
السطح وتنفس. " هو هوء إذاً هذا هو الشيء الذي خرمش ظهري عندما أدرت جسمي, 


26 


تصورته صاري سفينة يمكنني استعماله عصا لأحك بها جسمي, ولكن ذلك لم يحدث» 
لاء إنه يستقر في القاع بعيدا جدا من هنا. أود أن أتحقق من الأمر فليس لدي ما 
أعمله حالياً ". 

وسبح الحوت إلى الأمام تتبعه السمكة الصغيرة التي لم تكن قريبة جدا منه ففي 
انطلاقة الحوت عبر الماء كان ينبعث مثل تيار جارف فيما حوله. 

وقابلا في طريقهما سمك قرش وسمك المنشار؛ لقد سمعا هما الآخران عن هذا 
الأنقليس الضخم الغريب, الطويل جدا النحيف جدا؛ لم يرياه بعد ولكنهما يودان رؤيته 
أيضاً. 

وجاء سمك قط البحر. 

" لأذهب معكم", قال, فهو سيقصد الطريق نفسه. 

" إن كان ثعبان البحر ليس أغلظ من حبل مرساة؛ فبإمكاني قطعه بعضة واحدة", 
وفتح فكه وأراهم صفوف أسنانه الستة. " بإمكاني أن أترك علامة في المكان, بالحقيقة 
يمكنني قطع هذا السلك بأسناني". 

" ذاك هو" قال الحوت الكبيرء " إنني أراه": أعتقد أنه يرى بشكل أفضل من 
الآخرين. " انظروا كيف يرفع نفسه. انظروا كيف يتمايل, يتلوى ويتثنى". 

ولكنه لم يكن هو بل أنقليس كبير, يقترب منهم على بضعة أنصاف أمتار. 

" لقد رأيت هذا من قبل" قال سمك المنشارء " لم يثر ضجة يوماً في البحر أو 
يفزع سمكة كبيرة". 

وحدثوه عن الأنقليس الجديد وسألوه إن كان يرغب في الانضمام إليهم في رحلة 
بعتم 0 0 0 0 

فسألهم أنقليس البحر: " أ هو أطول مني؟ لن ينجو منا" 

قال الآخرون" أجل , قطعاء ما دمنا كثيرين فلا يجب أن نقبله بيننا", وانطلقوا 
إلى الأمام. 

ولكن حينها قطع طريقهم وحش عجيب أكبر منهم جميعا. 

بدا وكأنه جزيرة عائمة لم تستطع أن تبقى على سطح البحر. كان حوتا هرماً. 
كست رأسه نباتات البحر واحتلت ظهره الحيوانات الزاحفة وملايين من المحار والأصداف 
حتى بدا جلده الأسود أبيض مرقطاً. 


5327 


قال له الآخرون " هيا تعال معنا أيها العجوز. لقد وصلت هنا سمكة جديدة لا 
يجب التهاون معها" 

" أفضل أن أبقى في مكاني, دعوني بسلام. دعوني مستلقياً هناء آخخخ, أحمل 
مرضا خطيراء الشفاء منه هو الصعود إلى سطح البحر وجعل ظهري يعلو على سطح 
الماء كي تأتي طيور البحر وتنبشه, ذلك يريحني جداً لو انها تحاذر ألا تنقر عميقا 
جدا في جلديء غالبا ما تنقرني في شحمي. انظروا بربكم ما جرى ليء لايزال على 
ظهري عمود فقري بأكمله, إنه يعود لطير أنبَتَ مخالبّه عميقا في ظهري ولم يتمكن 
من الإفلات عندما نزلت إلى قاع البحر. لقد نبشته الأسماك الصغيرة. انظروا إلى 
منظره وإلى منظريء أنا مريض". 

قال الحوت " إنه مجرد وهمء لم أكن يوماً مريضاء ليس هناك سمك يمرض". 

قال العجوز" ولكن المعذرة؛ الأنقليس مصاب برض جلديء والشبوط بالجدري, 
ونحن جميعا لدينا دود الأمعاء." 

" هراء". قال الحوت ولم تكن له رغبة بسماع المزيد وكذلك الآخرون, لقد كان 
عندهم ما يشغلهم. 

وأخيرا وصلوا المكان حيث حبل التلغراف بطوله يتمدد هناك. لقد شغل مسافات 
طويلة من قاع البحر من أوروبا إلى أمريكاء فوق التلال الرملية وطمي البحرء فوق 
الصخورء غابات النباتات. غابات من مرجان بأكملها. 

تحركت تيارات الماء في الأسفل. ودارت سورات الماء و تزاحمت الأسماك, العديد 
منها في أفواج تفوق أعداد أسراب الطيور التي لا تحصى والتي يراها البشر في موسم 
هجرة الطيور. هناك أنبوب, وحدث خبط في الماء. أزيز وطنين: هذا الطنين الذي لايزال 
يتردد في محارات البحر الكبيرة الفارغة عندما نضعها على آذاننا. 

" ها هو الحيوان": قالت الأسماك الكبيرة والصغيرة ايضاً. لقد رأت الحبل الذي 
اختفت بدايته ونهايته عن مدى نظرهم. 

كان الفطر, ونباتات البوالب و المرجان. تتمايل» تهبط وتنحني عليه حتى إنه 
يختفي تارة ويظهر أخرى. قنفذ البحرء الحلزون والديدان تتحرك حوله؛ عناكب ضخمة 
الحجم فوقها طاقم كامل من الحيوانات الزاحفة راحت باتحجاه الحبل. أسماك خيار البحر 


528 


الزرق الداكنة أو ما يمكن أن يطلق على هذا الحيوان الزاحف تلتهم بكل أجزاء جسمها 
وكأنها أخذت تتشمم الحيوان الجديد الذي حط الرحال في قاع البحر. السمك المفلطع 
والقّدٌ أخذت تتقلب في الماء لتتنصت في كل الإتجاهات. أما نجمة البحر التي تحفر 
دوما في طمي البحر والتي ليس لديها غير عودين اثنين طويلين وعيون خارجية 
استقرت وأخذت تحملق لترى ما يمكن أن يأتي من هذا الأنبوب. 

لم تصدر أية حركة من حبل التلغراف. بل كانت تسري فيه حياة وأفكار؛ أفكار 


البشر كانت تسري فيه. 
" هذا الشيء محتال" قال الحوت. " إنه قادر على أن يضربني في بطني وهي 
دعونا نتتحسسه". قالت البوالب, " لدي أذرع طويلة, لدي أصابع مرنة؛ لقد 


مسته. وسأحاول الآن أن أتحسسه بشكل أفضل" 

ومد بالحال أطول أذرعه المرئة إلى الحبل والتقّت حوله. 

" ليس لديه قشرة". قالت البوالب؛ " ليس لديه جلدء لا أعتقد بأنه ينجب صغارا 
أحياء". 

قدد الأنقليس على طول حبل التلغراف قدر استطاعته. 

ثم قال" هذا الشيء أطول مني. ولكن ليس الطول هو المهم؛ المهم أن يكون للمرء 
جلد. بطنّ و مرونة". 

أما الحوت الشاب, الحوت القوي فانحنى إلى الأسفل أكثر من اي وقت مضى 
وسأل الشيء:" هل أنت سمكة أم نبات؟ أم أنك مجرد شيء مصنوع في الأعلى لا 
يمكئه العيش هنا عندنا ؟" 

ولكن حبل التلغراف لم يجب؛ ليس الأمر هكذا معه. تسير الأفكار عبره, افكار 
البشر؛ يمكن سماعها تتدفق في دقيقة واحدة عبر العديد من مئات الأميال من بلد إلى 
بلد. 

" هل تجيب ام تود ان تكسرّ ؟" قال القرش المفترس, وسألت كل الأسماك الكبيرة 
الأخرى السؤال ذاته: " هل تجيب أم تريد أن تكسَّر؟ 

لم يتحرك الحبل؛ كان غريب الأطوار وهكذا يكون من هو مملوء بالأفكار. 


5329 


دعهم يكسروني, سأسحب إلى فوق ليتم اصلاحي ثانية. لقد حصل ذلك 

لآخرين من نوعي في مياه بحرية ضحلة" 

لذا لم يجب, لديه ما هو منشغل بهء إنه يرسل رسائل تلغراف, وقد جاء لقاع 
البحر في مهمة رسمية. 

غابت الشمس في الأعلى كما يقول الناس. صارت مثل الثار الشديدة الحمرة 
ولمعت غيوم السماء بالأحمر كالنارء الواحدة أروع من الأخرى. 

" سنحصل على إضاءة حمراء" قالت البوالبء " وربما سيمكن رؤية هذا الشيء 
بشكل أفضل إن اقتضى الأمر". 

صاحت سمكة قط البح ر "هجوم هجوم" وكشرت عن أسنانها. 

"هجوم هجوم ' قال المنشارء والحوت وأنقليس البحر. 

انطلقوا متقدمين إليه وفي مقدمتهم قط البحر؛ ولكن في اللحظة التي هم فيها 
قط البحر أن يعض الحبل غرس سمك المنشار منشاره بقوة في مؤخرة قط البحر. قد 
جاء ذلك خطأ وفقَد قط البحر قواه فلم يعد باستطاعته عض الحبل. 

وجرى هناك عراك في وحل قاع البحر: أسماك كبيرة. أسماك صغيرة؛ خيار 
البحر وحلزونات تتراكض باتجاه بعضها بعضاً. تلتهم بعضها بعضاً. تدعسء تكسر. 
بينما بقي الحبل ساكناً هناك يقوم بواجبه وهذا ما على المرء أن يقوم به. 

خيم الظلام فوق ولكن ملايين ومليارات من الحيوانات البحرية الصغيرة أضاءت. 
السرطانات التي لم تكن أكبر من رأس دبوس أضاءت. كان كل شيء رائعاً. وهكذا 
كان هو الأمر. 

أخذت حيوانات البحر تنظر إلى الحبل. 

" ولكن ما عساه ان يكون هذا الشيء, وما عساه ألا يكون؟ 

أجل. كان هذا هو السؤال. 

حينها مرت بقرة بحر عجوز. البشر يسمونها ب حورية البحر أو حوري البحر. 
كانت أنثى: لديها ذيل وذراعان قصيران تجدف بهماء وصدر معلق. وعلى رأسها 
عشب بحري وحيوانات طفيلية كانت فخورة بها. 

" هل تودون الحصول على المعرفة؟" قالت, " فأنا الوحيدة التي يمكنها أن تدكم 


230 


بذلك. ولكني أطالب بالمقابل بمنطقة آمنة لأكل العشب في قاع البحر لي ولصغاري. أنا 
سمكة مثلكم. وأنا بالممارسة حيوان زاحف أيضا. أنا أذكى الحيوانات في البحر؛ 
أعرف كل شيء يخص المكان هنا في الأسفل وكل ما يخص الأعلى هناك. الشيء هناك 
والذي تدورون حوله هو من الأعلى وكل ما يسقط من الأعلى ميت لا حول له ولا قوة؛ 
دعوه لما هو مخصص له. إنه من اختراع البشر ليس إلا". 

" ولكني أعتقد بأن هناك ما هو أكثر من ذلك بشأنه" قال السمكة الصغيرة. 

" اخرسي", قالت بقرة البحر الكبيرة. 

" تافهة, مدّعية", قال الآخرون وقد كان في ذلك القول إهانة أكبر. 

وأوضحت لهم بقرة البحر أن هذا الحيوان الممدد بطوله والذي با مناسبة لم يأت 
بنأمة كان اختراعا يعود إلى اليابسة. وألقت محاضرة صغيرة حول حيلة البشر 
ودهاتهم. 

" هم يودون الفتك بنا", قالت بقرة البحرء" هذا هو السبب الوحيد الذي يعيشون 

من أجله. إنهم ينشرون شباك الصيدء يضعون الطعم على ستارة لكي يوقعونا في 
شراكهم. هذا الذي هناك أشبه بخيط الصيد الطويل, يظئون أننا سنعضه. يا لهم من 
أغبياء. نحن لسنا كذلك. حاذروا أن تلمسوا هذا العمل التافه. ستتفكك خيوطه, 
سينتهي كل شيء إلى سخام ووحل. كل ما يأتي من فوق خَرِبء لا يصلح". 

" لا يصلح" رددت كل المخلوقات البحرية وتبنت رأي بقرة البحر لكي يكون 
للمخلوقات رأي. 

واحتفظت السمكة الصغيرة برأيها الخاص بها. " هذا العجيب بطوله؛ الثعبان 
النحيل لابد أن يكون أجمل الأسماك في البحر. لدي شعور بذلك". 

" هو أروع ما في الوجود" نقول نحن البشرء نقولها عن معرفة وقناعة. 

هذا هو ثعبان البحر الذي تحدثوا عنه منذ قديم الزمان في الأغاني والملاحم, لقد 
ولد وحمل, ٠‏ نبع من دها ء البشر وضع في قاع البحرء امتد من بلدان الشرق إلى بلدان 
الغرب, حامل الرسائل السريع مثل شعاع ضوء ء من الشمس إلى الأرض. إنه يكبر 
ويكبرء تزيد أهميته , يكبر سنة بعد اخرى, عبر البحار أجمع, حول الأرض بأكملهاء 
تحت الماء المائج والماء الرقراق, حيث البحار ينظر إلى اسفل؛ وكأنه أبحر فوق الهواء 
الشفاف, يرى السمك المتزاحم مثل ألعاب نارية ملونة. 


531 


في العمق هناك امتد ثعبان الأرض الوسطى'. يعض ذيله الذي يلتف حول 
الأرض؛ السمك والحيوانات الزاحفة تصدم جباهها بعناد يائس بالحبل؛ انها لا تفهم هذا 
الشيء الذي جاء من الأعلى: عبان المعرفة المملوء بإفكار البشرء ينطق في الوقت 
ذاته بكل لغات البشرء دون أن يُسمّعٌ له صوت, السار والضار. أروع روائع البحر. إنه 
ثعبان البحر الكبير لزماننا هذا. 


كتبت في عام ١41/1‏ 


١‏ تعبان الأرض الوسطى (3/108350501311) : وفق الأساطير الشمالية ثعبان عملاق يسكن في بحر العالم 
ويطوق الآرض 


5332 


البستائي وحضرة السيد 


كانت هناك على مبعدة ميل من العاصمة عزبة قديمة ذات أسوار متينة. وأبراج 
وسقوف جملون مقرنصة. 

هناء عاش سيد نبيل غني ولكن لفترة الصيف فقط ؛ هذه العزبة كانت من أجمل 
العزب المملوكة؛ بدت منتصبة وكأئها قد صَبت حديثاً من الخارج, ذات حميمية وراحة 
في الداخل. نحت سلاح العائلة في الصخر على البوابة التي التفّت حولها وحول 
الشروية ررق سويلة: وقد امتد بساط من العشب أمام البيت؛ كانت هناك شجيرات 
شوكية حمر وبيض و زهور نادرة حتى في خارج مشتل العزية. 

كان للسيد أيضاً بستاني ماهر؛ كان النظر إلى الحديقة متعة كبيرة. حيث الفاكهة 
وحديقة الخضروات. أعلاها كانت لاتزال هناك بقايا الحديقة القديمة: بعض من أسيجة 
شجر البفّسء مُقلّمة تأخذ شكل التيجان والأهرام. خلفها انتتصبت شجرتان ضخمتان 
هرمتان؛ كانتا تقريبا دوماً بلا أوراق. سرعان ما يظن المرء أن ريحاً عاصفة أو إعصاراً 
قد صفقهما بكتل سماد ولكن كل كتلة كانت هي عش طير. بنتها الغربان المتزاحمة 
المتصارخة في تلكما الشجرتين في السئوات الخوالي: كانت مدينة طيور بأكملها 
والطيور فيها كانت هي السيد و محتلة العقار. هي مالكة العزبة الأصلية, هي السادة 
الحقيقيون للعزبة. لم تعر الطيور البشر اهتماماً وتحملت تلك المخلوقات التي تسير 
على الأرضء بالرغم من أن البشر يطلق رصاصاً من البندقية أحياناً فتسري رعدة في 
ظهور الطيور التي تصعد عالياً بسبب ذلك خوفاً وهلعا وهي تصرخ: رعاع. رعاع. 

كان البستاني يتحدث دوما مع حضرة السيد حول ضرورة قطع تلك الأشجار 
الهرمة, فمنظرها ليس جميلاً, وإن ذهبت تلك الأشجار سنتخلص من الطيور الصارخة 
إذ ستلجأً إلى مكان آخر. 


233 


ولكن السيد لم يكن يريد التخلص لا من الأشجار ولا حشد الطيور. كان ذلك 
شيئا لا يمكن للعزبة أن تفقده. كان شيئاً من الماضي وهذا بالأخص ما لا يجب محوه. 

" هذه الأشجار هي إرث الطيور. دعها تحتفظ بها يا عزيزي الطيب لارسن" 

لارسن هو اسم البستاني ولكنه هنا لا يعني شيئاً. 

" أ ليس لديك عزيزي لارسن مكانّ كاف للعمل؟ حديقة الزهور بأكملها. المشتل, 
حديقة الفواكه والخضراوات؟" ١‏ 

أجل كانت لديه كل تلك الحدائق» يرعاهاء يعتني بهاء يعشقها بشعور من الحماس 
والاحتراف. وقد أقرّ حضرته بذلك ولكن حضرته لم يكن يخفى عليه بأنه غالباً ما 
يتذوق فاكهة عند الآخرين ويرى زهورا أجمل يكثير مما لديه في حدائق حضرته وهذا ما 
يحزن البستاني لأنه كان يريد الأفضل ويبذل ما بوسعه أيضاً. كان طيب القلب 
ومخلصا في عمله. 

ذات يوم دعاه السيد وأخبره بكل رقة وتحضر بأنه كان بالأمس عند أصدقاء له من 
السادة المحترمين وقد تذوق نوعا من التفاح والكمثرى رياناً» بطعم رائع حتى إن كل 
الضيوف تحدثوا عنه بإعجاب. الفاكهة على ما يبدو لم تكن محلية؛ بل يجب 
استيرادها و إن لاءمها الجو تثبت. يقال بأنه قد تم شراؤها من عند فاكهاني ممتاز في 
المدينة. على البستاني أن يركب العربة إلى المدينة كي يعرف من أين أتت هذه الفاكهة 
ويطلب الأغصان المطعمة لزراعتها. 

كان البستاني يعرف الفاكهاني هذا معرفة جيدة, فقد كان لا يبيع الفائض من 
الفاكهة التي تنبت في حديقة السيد إلا له. 

وتوجه البستاني إلى المدينة وسأل الفاكهاني عن المكان الذي اشترى منه التفاح 
والكمثرى التي حازت الإعجاب الكبير. 

" إنها من حديقتكم أنتم". قال الفاكهاني وأراه التفاح والكمثرى الذي تعرف 
عليه. 

وكم كانت فرحته كبيرة؛ أسرع إلى سيده ليخبره بأن كلا من التفاح والكمثرى 
كانا من حديقته هو. 

صعب على السيد تصديق ذلك. " ولكن هذا مستحيل يا لارسن, هل يمكئك أن 
تحصل على تأكيد خطي من الفاكهاني؟". 


234 


وقد تمكن البستاني من ذلك. إذ جاء للسيد بوثيقة خطية. 
" إن ذلك لعجيب” قال السيد. 
وصارت توضع على مائدة السادة آنية كبيرة مملوءة بحبات التفاح والكمثرى 
العظيمة من حديقته كل يوم؛ وأرسلت البراميل وأطنان من تلك الفاكهة للأصدقاء في 
المدينة وخارج المديئة, أجل بل وصلت الفاكهة حتى إلى خارج البلاد. كانت تلك فرحة 
كبرى. بل قال السيد أيضا إن فصلي الصيف كانا ممتازين وخاصين بالنسبة إلى أشجار 
الفاكهة التي كان جنيها وفيرا في كل ائحاء البلد. 


ومرت أيام وكان السيد يتناول العشاء عند الملك. وفي اليوم التالي استدعى 
حضرة السيد البستاني ثانية. لقد تناولوا أثناء العشاء الملوكي هذا بطيخاً ممتلئاً 

" عليك يا لارسن الطيب أن تذهب إلى بستاني ا ملك وتحضر لي بععضا من بذور 
هذا البطيخ الثمين ". 

" ولكن بستائي الحاشية قد حصل على البذور منا". قال البستاني بمرح. 

" إذاً لابد ان الرجل هذا قد طور هذه الفاكهة" قال السيد. " كل بطيخة بحد ذاتها 
كانت تحفة ". 

فقال البستاني:" إذاً بإمكاني أن أفتخر بذلك, أبلغك أيها السيد الرحيم. بأن 
بستاني قصر الملك لم يحالف بطيخه الحظ لسنوات, وعندما رأى شكل بطيخنا البهي 
وذاق طعمه, طلب منه ثلاثاً للقصر". 

" لارسن. لا توهم نفسك بأن تلك البطيخات هي من حديقتنا". 

" أنا أعتقد ذلك" قال البستاني وذهب إلى بستاني القصر وحصل منه على شهادة 
خطية تنص على ان البطيخ الذي قدم في العشا » الملوكي قد جاء من حديقة السيد. 

كان ذلك مفاجأة كبيرة للسيد. ولم يخف السيد تلك الشهادة عن أحد. أجل وتم 
إرسال بذور البطيخ شرقاً وغرباً كنا تم إرسال الأغصان المطعمة قبلها. 

وقد تم نشر بلاغ حول ذلك: د م ا علب را در تلق لان 
كبيراً وتم إطلاق اسم عزية السيد عليهاء ويمكن قراءة الاسم الآن بالإنكليزي, الألماني 
والفرنسي 


535 


" أخشى أن يغتر البستاني بنفسه لذلك" قال السيد. 

لكن البستاني نظر إلى الأمر بشكل مختلف. كل ما يريده هو أن يحافظ على 
اسمه كواحد من أفضل البستانيين في البلاد. يجرب في كل عام أن يأتي بصنف مميز 
بين أصناف الحدائق وقد نجح بذلك؛ ولكن غالبا ما كان يسمع بأن أول صنف جاء به, 
التفاح والكمثرى, كان الأفضل. والأنواع التي جاءت بعده كانت دونه بكثير. البطيخ 
كان بالتأكيد جيداً ولكنه كان صنفاً آخر تماما؛ وكان يمكن أن يطلق على الفراولة 
"الصنف المنتتقى"؛ ولكنها بالرغم من ذلك لم تكن أفضل بكثير من التي كانت في 
مزارع السادة الآخرين. وعندما لم يفلح في زراعة صنف الفجل ذات عام أخذوا 
يتحدثون فقط عن الفجل السيء, وليس عن عداه من الجيد. 

وكأن السيد كان يخفف عن نفسه بقوله شامتاً: " لم تفلح هذا العام يا عزيزي 
لارسن". كان يحس بسعادة لقوله: " ليس هذا العام". 

كان البستاني يحضر ورداً نضرا منسقاً بذوق رفيع بضع مرات في الإسبوع في 
بهو القصر؛ عندما تتجمع الألوان في باقة تبدو بارزة يانعة وكأنها تحت الضوء. 

" لديك ذوق رفيع يا لارسن" قال السيدء " إنها هبة منحك إياها الله تعالى؛ ليس 
منك انت". 

وذات يوم جاء البستاني بإناء كبير من البلور وضع فيه ورقة زنبق الماء وفوقها 
وضعت وردة زرقاء رائعة بحجم وردة عباد الشمس وساق متيئة طويل استقر في ماء 
الإناء. 

" يا للروعة. لوتس هندوستان" صاح السيد. 

لم ير السيد أبداً زهرة كهذه. كانت توضع في النهار جهة أشعة الشمس وفي 
المساء تحت الضوء الذي تحتاجه. كل من يراها يجدها في غاية الجمال والندرة. أجل, 
هذا ما قالته عنها أرقى فتيات البلاد, الأميرة الذكية ذات القلب الطيب بنفسها. 

ونال السيد الشرف بمناولته الأميرة الزهرة التي صعدت بها إلى قصرها. 

ونزل السيد يوما إلى الحديقة ليقطف بنفسه زهرة من النوع ذاته ولكنه لم يجد 
المزيد منهاء لذا فقد أرسل بطلب البستاني وسأله عن المكان الذي حصل منه على زهرة 
اللوتس الزرقاء. 


2316 


قالالسيد " لقد بحثنا دون طائل عن الزهرة, كنا في المشتل ودرنا في انحاء 
حديقة الزهور أيضا" 

'" صحيح ما تقوله, إنها مجرد وردة متواضعة من حديقة الخضراوات. ولكن 
أليست هي حقاً جميلة؛ إنها تبدو مثل زهرة المطاط الزرقاء وليس مجرد زهرة 
ا خرشوف" 

" كان عليك أن تخبرنا بهذا في الحال. ظننا بأنها زهرة غريبة نادرة. لقد فضحتنا 
أمام الأميرة, لقد رأت الزهرة عندناء ووجدتها بغاية الجمالء لم تعرف نوعها رغم انها 
تفهم في علم النبات, ولكن هذا العلم لا علاقة له بخضراوات المطبخ. كيف فكرت يا 
لارسن العبقري بأن تضع زهرة كهذه فوق في البهو. لقد جعلت منا إضحوكة. 

وأخرجت الوردة التي تعود إلى حديقة الخضراوات من بهو السيد التي لا تعود 
إليها. أجل. حضرة السيد اعتذر من الأميرة وأخبرها بأن الزهرة كانت مجرد نبتة من 
خضراوات المطبخ التي فكر البستاني بأن يعرضها ولكنه قد حصل على توبيخ قاس من 
السيد لهذا الفعل. 

فقالت الأميرة " إنه أمر مؤسف وفيه ظلم, إنه فتح عيوننا على جمال زهرة لم نكن 
نلتفت إليها أبداً. لقد أرانا الجمال في المكان الذي لم نفكر في أن نبحث فيه. على 
بستاني القصر أن يجلب في البهو لي كل يوم زهرة ال خرشوف طيلة فترة إزهاره "؛ وهذا 
ما حصل بالفعل. 

وأرسل السيد بأحدهم ليخبر البستناني بأنه يتوجب عليه أن يحضر وردة نضرة 
من الخرشوف للسيد مجددا. 

" في الحقيقة إنها جميلة" قال السيد, " ملفتة للنظر جدا". وحصل البستاني على 
المدح والثناء. 

قال السيدء" لارسن يعشق ذلكء, إنه طفل مدلل". 

في الخريف حدثت عاصفة رهيبة؛ اشتدت كثيراً أثناء الليل. كانت عاصفة عاتية 
حتى إن الكثير من الأشجار الكبيرة في الأطراف تزعزعت جذورها وقد كان من دواعي 
أسف السيد الشديد- الأسف كما قيل للسيد والفرح للبستاني- أن قُلعَت تلكما 
الشجرتان بأعشاش الطيور التي فيهما. وقد سمع الناس صياح الغربان والغدفان أثناء 
العاصفة. كانت تضرب بأجنحتها على النوافذ كما قال الناس في المزرعة. 


537 


قال السيدء "لابد انك سعيد الآن يا لارسنء العاصفة أطاحت بالشجرتين والطيور 
لجأت إلى الغابة» لم يعد هنا من منظر يدل على ماضي المكان؛ ذهبت كل إشارة وكل 
إيحاء. هذا يكدّر حضرتنا نحن". 

لم يقل البستاني شيئا ولكنه فكر بما كان يحلم به منذ وقت طويل بأن يستغل 
المكان المشمس الجميل الذي لم يكن بمقدوره التصرف به. ستكون زينة الحدائق وفرحة 
السيد. 

الأشجار المقلوعة دمّرت وسحقت الأسيجة العتيقة ذات النباتات المشكلة وذهبت 
بتشكيلاتها. غرس البستاني أشجاراً محلية من الحقل والغابة محلها. 

وغرس البستاني في حديقة السيد كل ما يحتاجه الجميع, وما لا يمكن أن يخطر 
في بال بستاني أن يزرح. وفي الظل والضوء كما تحتاج كل الأصناف. رعاها بحبه 
فنمت وازدهرت. 

ارتفعت شجيرة العرعر من مروج جتلاند في شكل ولون يشبه السرو الإيطالي. 
ونبتة شوكة المسيح الصقيلة المشوكة الخضراء دوماء في برد الشتاء وشمس الصيف, 
كان منظرها يسر الناظر. وكل السرخسيات موجودة بالأنواع العديدة منها. بدا بعض 
منها وكأنها أطفال من أشجار نخيل, وآخر بدا وكأنه أولياء أمور الأشجار النامية 
الرقيقة الجميلة التي نطلق عليها اسم "شعر فينوس". وكان هناك أيضا الأرقطيون الذي 
بدا في نضارته تلك غاية في الجمال حتى ليمكن عمل باقة ورد منه. الأرقطيون كان 
في الجزء الجاف. ولكن في المكان الأوطأ من الأرض. حيث الجزء الأكثر رطوبة هناك نما 
الحماض. وهي نبتة عادية بدت بإرتفاعها وأوراقها العريضة جميلة كلوحة. كما 
ارتفعت بطول مترين نبتة آذان الدب. زهرة بصف زهرة مثل شمعدان ضخم بأذرع عديدة 
زرعت في الحقل. وقد اصطف الأسبرلة العطرية؛ وزهرة الربيع والزنبق الأبيض. الكالة 
البيضاء والنَّقّل الثلاثي الورقة. كم كان المنظر مبهجاً. 

أمام ذلك فت أشجار كمثرى صغيرة من أصل فرنسي في صف منتظم وداعمت 
بأسلاك معدنية. وقد أثمرت بسرعة حبات فاكهة كبيرة عصيرية كالتي في البلد التي 
جلبت منه للشمس والعناية الجيدة التي حصلت عليها. 

وبدلا من شجرتين هرمتين عاريتين وضعت سارية علم تحمل العلم الدفاركي الذي 


5238 


كان يرفرف وبجانبه كان هناك عمود آخر يلتف حوله في الصيف ووقت الحصاد متسلق 
حشيشة الدينار بأزهاره الكروية العطرة. ولكن في الشتاء ووفق التقليد القديم كان يتم 
تعليق باقات الشوفان كي تحصل طيور السماء على وجبة أكل لها في أيام المبلاد 
السعيدة. 

" هذا العزيز لارسن قد صار حالما بتقدمه في العمر" قال السيد, " ولكنه أمين 
ومخلص لنا" 

عند حلول السنة الجديدة جاء في أحد مجلات العاصمة المصورة صورة للعزبة 
القديمة؛ يرى المرء سارية العلم وباقات الشوفان لطيور السماء في أيام أعياد الميلاد 
السعيد وقد كتب عن ذلك وتم إبرازه كفكرة جميلة: إن تقليدا قديما تم اتباعه. وكان 
الوصف دقيقا لهذه المزرعة القديمة. 

" كل ما يفعله لارسن يطبل له الآخرون. يا له من رجل محظوظ, الظاهر أن علينا 
أن نفخر به." 

ولكن السيد لم يكن فخورا بذلك إطلاقاًء شعر بأنه السيدء وكان بإمكانه أن يقيل 
لارسن من عمله ولكنه لم يفعل ذلك. فقد كان رجلا طيبا وهناك الكثيرون جدا من 
أمثاله وذلك ما يسعد كل لارسن. 

ها هي قصة " البستاني والسيد" 

يمكنك الآن أن تفكر في ذلك. 


كتبت في عام ١411‏ 


5239 


مفتاح البوابة 


لكل مفتاح قصته وهناك الكثير من المفاتيح: مفتاح الياور, مفتاح الساعة, 
مفتاح سانت بيتر إلى السماء. يمكننا الحديث عن كل المفاتيح ولكننا سنتحدث هنا 
فقط عن مفتاح البوابة للمستشار. المفتاح تم صنعه على يد صائغ رغم ان المفتاح 
بنفسه اعتقد أن الرجل كان حداداً يطرق ويبرد. كان حجمه كبيرا بالنسبة إلى جيب 
البنطلون لذا اقتتضى وضعّه في جيب المعطف. ولطاما استلقى في هذا المكان المظلم 
ولكن وبالمناسبة كان له مكائّه اثثايث على الجدار يجائب صورة للمستشار: وهي 
بروفيل أسود كان يبدو فيه مثل حبة بطاطا بكشاكش قميص. والتي تعود إلى أيام 
الطفولة. 

يُقال: كل إمرئ يحصل على ما هو مقدرٌ له من البرج الذي يولد فيه, الشور, 
العذراء. العقرب. كما يطلقون على الأبراج في التقويم. زوجة المستشار لم تذكر شيئا 
عن ذلكء, قالت أن زوجها ولد في برج "العربة ذات العجلتين" يحتاج إلى دفعة دائماً. 
إذا دَفَعَه والده إلى دخول المكتبء دفعته أمه إلى دخول ذلك الزواج وزوجته دفعته إلى 
منصب المستشار, ولكنها لم تذكرٌ بالحرف هذا الأخير, كانت إمرأة متأنية, محترمة, 
تسكت في الوقت المناسب, تتحدث وتدفع نحو المكان الصحيح. وقد تَقَدِمْ العمر 
بالمستشارء صار في بحبوبة كما يقول. رجلٌ بتحصيل واندفاع, وصار أيضاً خبير 
مفاتيح: وهو أمرٌ يقتضي أن نفهمّه. كان بمزاج جيد دائماء يحب الناس جميعا ويهوى 
التحدث معهم, إذا خرج إلى المدينة يصعب إرجاعه إلى البيت مرة ثانية, خاصة إن لم 
تكن أم الأولاد معه لتدفعه لذلك. كان يتحدث مع كل واحد من المعارف الذين يلتقي 
بهم؛ لديه الكثير من المعارف, وهذا ما كان ينسحب على موعد وجبة العشاء. 

زوجة المستشار تراقبه من النافذة. " ها قد أتى!" تقول للخادمة, " ضعي القدر 


5341 


على النار! ها هو يقف ويتحدث مع أحدهم, إرفعي القدر عن النار وإلا سيطبخ الطعام 
كثيرا! ها هو قد أتى! ضعي القدر على النار" ولكنه لم يأت بالرغم من ذلك 
ويحدث أن يصل المستشار حد النافذة عند البيت ويهرٌ رأسه محييا إياهاء ولكن إن مر 
به أحدٌ من المعارف, عندها لا يمكنه إلا أن يتبادل معه بضع كلمات, وإذا أتى شخص 
ثان وهو يتحدث مع الأول أمسك به من فتحة ازرار سترته و الثاني في يده, بينما 
يصيعٌ على ثالث عابر ير به. كان هذا اختبار صبر لزوجة المستشار. " أيها المستشار, 
أيها المستشار!" تصيح الزوجة حينهاء " هذا الرجل ولد في برج العربة ذات العجلتين, 
لا يمكن أن يتزحزح من مكانه إن لم يدفعه أحد". 

كان يحب الذهاب إلى محلات بيع الكتب ليتفرج على الكتب والمجلات. يُكرم 
صاحب المحل ليقرأ الكتب الجديدة في بيته وهذا يعني السماح له بشق أوراق الكتتاب 
عرضاً من الأعلى ولكن ليس طولا. كان المستشار بمثابة جريدة حية بكل شعبية 
الجريدة. يعلم بأمر الخطوبات, الأعراس, الفواتح, حديث الكتب وال مان يلقي بحديث 
جانبي ملغز إشارة إلى أنه يعلم ما لا يعلمه أحد. يحصل على ذلك من مفتاح البوابة. 

عندما كانا شابين حديثي الزواج سكن المستشار وزوجته في مزرعتهما الخاصة 
ومن يومها امتلكا المفتاح ذاته للباب الخارجي, ولم يكونا حينها قد اكتشفا قوة المفتاح 
العجيبة, إذ عرفا بذلك لاحقا. 

كان ذلك في عهد الملك فريديريك السادس. لم يكن في كوبنهاكن في ذلك 
الوقت غازء كانت هناك مصابيح زيتية, ولم تكن هناك مديئنة الألعاب "تيفولي" ولا 
كازينوهات, لا ترمواي وسكك حديد. لم يكن هناك الكثير من التسلية قياسا بما هو 
موجود اليوم. الناس تخرج في أيام الآحاد للنزهة خارج بوابة المديئة إلى ملحق المقبرة, 
تقرأ المكتوب على شواهد القبورء تفترش العشب, تأكل ما أعدته من طعام في السلّة, 
وتشرب بعدها النبيذ الُقطرء أو يقصدون حدائق فريدريكسبيرك. حيث تُعرق أمام 
القصر موسيقى الحرس الملكي. كان الكثير من الئاس يأتون ليروا العائلة الملكية تجدف 
في القنوات المائية الضيقة؛ حيث الملك العجوز يقود المركب. ويحيي هو و الملكة كل 
الناس دون تفرقة. 


كما تأتي العوائل المرفّهة من المدينة لشرب شاي المساء. والتي يمكنها أن تحصل 


542 


على الماء المغلي من بيت فلاح صغير في الحقل خارج المتنزه. ولكن كان عليهم أن 
يُحضروا السماور معهم. وقد جاءت عائلة المستشار للتنزه في يوم أحد مشمس بعد 
الظهر. تتقدمهم الخادمة حاملة السماور وسلة الطعام وقنينة نبيذ فاخر. 

" خذ مفتاح الباب الخارجي معك!" قالت زوجة المستشار , " كي نتمكن من 
الدخول أثناء العودة إلى بيتناء تعلم أنهم يقفلون بوابة المدينة عندما يحل الظلام وحبل 
جرس ساعة البوابة قد تعطّلَ منذ الصباح! سنصل بلا شك متأخرين إلى البيت. إذْ 
سنتوجه بعد فريدريكسبيرك إلى "مسرح كاسورتي" في منطقة "فيستربغو" لرؤية 
العرض الإيمائي " هارلكين, رئيس ذراري الحنطة": ينزل الممثلون في غيمة على المسرح؛ 
قيمة التذكرة ماركان للشخص الواحد. 

وذهبوا إلى فريدريكسبيرك., سمعوا الموسيقى. ورأوا المركب الملكي بعلمه 
الهفهاف. ورأوا الملك العجوز والبجعات البيض. وبعد أن شربوا شاياً ممتازاً أسرعوا 
بمغادرة المكان, ولكنهم وصلوا بالرغم من ذلك متأخرين إلى المسرح. 

فقرة الرقص على الحبل كانت قد انتهت, فقرة الرقص بالدعامات الخشبية كانت 
قد انتهت, وقد بدأ العرض الإيمائي؛ وصلوا المسرح كعادتهم متأخرين والسبب هو 
المستشارء ففي كل لحظة في الطريق يتوقف ليتحدث مع أحد من المعارف؛ وفي داخل 
المسرح وجد أيضا أصدقاء حميميين, وعندما انتهى العرض كان من الضروري عليه هو 
وزوجته مرافقتهم لزيارة عائلة والتمتع بكأس شراب في " الفيستربغو". ستكون زيارة 
لعشر دقائق ولكنها ستطول إلى ساعة بأكملها. كلام وكلامء كان الأكثر تسلية على 
الأخص مع البارون السويدي, أم تراه كان ألمانياً, لا يتذكر المستشار حقيقة ذلك, 
بالمقابل فالفن الذي علمه إياه البارون بشأن المفتاح يتذكره كل الوقت. كان ممتعا 
للغاية! فقد أمكنه أن يجعل المفتاح يجيب على كل الأسئلة التي يسألها المرء. حتى 
أكثرها سرية. 

مفتاح الباب الخارجي للمستشار يصلح بالذات لهذه المهمة, كان وزثه ثقيلا لذا 
فقد جعل البارون رأس المفتاح يتدلى ويستقر في سبابة يده اليمنى. تعلق المفتاح 
متدلياً مرتخياًء وكل نبض في أطراف الأصابع يجعل المفتاح يتحرك بحيث إنه يدور, 
وإن لم يدر فقد كان البارون يعرف كيف يجعله يدور كما يريد. كل دورة كانت حرفا من 


532/3 


الألف. وكل ما يريده المرء. حتى آخر الأبجدية. عندما يعثرٌ على أول حرف يدار 
المفتاح إلى الجهة المعاكسة؛ حيث يختار المرء الحرف الذي يليه وهكذا حتى يحصل على 
كلمة كاملة وجملة كاملة, جواباً على السؤال. كل المسألة هي كذبٌ بكذب ولكنها دوما 
متعة, كان ذلك هو ما فكرٌ به المستشار أيضاً لأول وهلة. ولكنه صار مغرماً بلعبة 
المفتاح. 

" زوجي! زوجي!" صاحت زوجة المستشار. " البوابة الغربية تُغلق في الساعة 
الثانية عشرة! لن نتمكن من الدخول, ليس لدينا غير ربع ساعة فقط. علينا الإسراع. 

كان عليهم الإسراع؛ وقد مر بهم العديد من الناس الذين كانوا يقصدون دخول 
المديئة . وأخيرا اقتربوا من بيت الحرس الأول. حينها دقت الساعة معلنةً الساعة الثانية 
عشرة. انصفقت البوابة؛ الكثير من الناس وقفوا عندهاء ومن بينهم عائلة المستشار 
والخادمة والسماور وسلّة الطعام الفارغة. بعضهم وقف هناك وقد اصابه فزع كبير, 
وآخرون اغتموا لذلك؛ كل تقبّلها بطريقته, ما الذي سيفعله الآن؟. لحسن الحظ أن قراراً 
قد أتخدٌ منذ وقت قصير بعدم غلق البوابة الشمالية, حيث يكن للسابلة التسلل من 
خلال بيت الحرس إلى داخل المدينة. 

ولم يكن الطريق قصيراً جداً ولكن الجو كان رائعاء السماء صافية بالنجوم 
والشهب, والضفادع تنقّ في المنحدر والمستنقع. والجمع الماشي بدأ بالغناء, الأنشودة 
تلو الاخرى ولكن المستشار لم يغن ولم يتأمل النجوم, لم ينظر حتى إلى قدميه فوقع 
على بطنه عند حافة المنحدر. وظن الئاس أنه قد شرب كثيراء ولكن لم يكن الشرب هو 
السببء كان ذلك هو المفتاح الذي صعد في رأسه وأداره. وأخيراً وصلوا بيت الحرس, 
وقكنوا من الإنسلال عبر الجسر إلى داخل المدينة. 

" ها أنا أسترد فرحتي!" قالت زوجة المستشار" ها هو بابنا الخارجي", " ولكن 
أين مفتاح البوابة!" قال المستشار. لم يكن في الجيب الخلفي ولا الجانبي. " رحمتك يا 
رب" قالت زوجة المستشار. " أليس المفتاح عندك؟ لا بد أنك قد أضعته عند البارون, 
كيف سندخل الآن؟ أنتَ تعلم أن حبل الجرس قد تعطّل في الصباح, والحارس لا يملك 
مفتاحا للبيت. يالها من مشكلة تغم النفس". 

شرعت الخادمة بالعويل. قال المستشار الذي وحده لم يفقد صوابه: " علينا أن 


544 


نكسر زجاج نافذة محل البقال, نوقظه وننسل إلى الداخل". فكسر زجاجة؛ زجاجتين 
وصاح " يا بيترسن". و ضرب الزجاج بمقبض المظلة ليحدث ضجة؛ حينها صرخت ابنة 
صاحب القبو بصوت عال. وفتح صاحب القبو باب المحل وصاح " أيها الحارس". وقبل 
أن يرى عائلة المستشار ويتعرف عليها وبدخلهم. اجابه الحارس ومن ثم أجابه حارس 
آخر في الزقاق الآخر وهو يصمَّر. نظرت الناس من الشبابيك, " أين الحريق! أين 
المشادة؟" سألوا ومازالوا بينما كان المستشار في غرفة المعيشة ينزع معطفه الذي كان 
المفتاح فيه. ليس في الجيب ولكن في البطانة؛ لقد انزلق من ثقب في الجيب لا يُفتَرض 
أن يكون فيه. 

ومنذ ذلك المساء حصل مفتاح الباب الخارجي على أهمية كبيرة خاصة. ليس 
فقط عند الخروج ليلا ولكن عندما يكونون في البيت والمستشار جالس يريهم شطارته 
فيجعل المفتاح يعطي جواباً لكل سؤال. 

كان يفكر بأجوبة معقولة جدا ويدع المفتاح يقولهاء وحتى اعتقد هو نفسه أخيرا 
بها؛ ولكن هذا ما لم يصدقه الصيدلاني الشاب الذي كان قريباً للمستشار. 

هذا الصيدلاني كان له عقل يفكّرٌ. عقلٌ ناقد, فمنذ أن كان تلميذاً كان يكتب 
نقداً حول الكتب والمسرحء ولكن باسم مستعار ومثل صا يسمونه ذا أدب وتعليم. 
ولكن الصيدلاني لا يؤمن بالذات بالأرواح, على الأقل أرواح المفاتيح. 

" لم لاء لنصدّق ذلك" قال الصيدلاني, " أيها المستشار الطيبء إنني أؤمن 
بمفتاح البوابة وكل أرواح المفاتيح, تماما كإيماني بالعلم الحديث الذي بدأ اكتشافه. هل 
سمعت أيها المستشار عن رقص الطاولة والأرواح في الأثاث القديم والحديث عن ذلك. 
أنا سمعت. ولكنني شككت, وتعلم حضرتك أنني إنسان شكاك ولكنني صرت على 
العكس عندما قرأت في مجلة أجنبية قصة رهيبة. أيها المستشارء هل ترغب 
بسماعها. سأسردها لك كما سمعتها: طفلان ذكيان شاهدا أبويهما وهما يوقظان الروح 
في طاولة طعام كبيرة. كان الصغيران وحدهما ذات يوم فأرادا أن يحاولا بنفس الطريقة 
أن يفركا الخزائة الخشب القديمة ليبعثا الحياة فيها. انبعثت الحياة, استيقظت الروح 
ولكن الخزانة لم تحتمل أوامر الأطفال؛ فنهضت وصرت, ودفعت بجواريرها إلى الخارج, 
ووضعت أقدام الخزانة الأطفال, كل واحدٍ منهما في جارور؛ وركضّت بهما إلى الخارج 


515 


عبر الباب المفتوح, نزلت السلّم خارجة إلى الشارع ومن ثم إلى النهر حيث سقطت 
وأغرقت الطفلين. دفئت جشة الطفلين في أرض مسيحية:. لكن الخزانة كُدّمَت إلى 
محاكمة قضائية وحكمّ عليها بجريمة قتل طفلين, وتم حرقها حيّةً في الساحة. لقد 
قرات ذلك “قال الصبدلاتي “رات ذلك فى مجلة أحبية: وليس فيهنا ع ؛ من 
اختراعي. فليأخذني المفتاح إن لم أقل الحق! و أنا أقسم". 

وجد المستشار في هذه القصة مزحة ثقيلة. لم يتحدئا إطلاقا عن المفتاح, والذي 
كان الصيدلاني غبيا بشؤونه. 

انغمس المستشار بعلم المفتاح؛ المفتاح كان متعته و مصدر ذكائه. 

وذات ليلة بينما كان المستشار في طريقه إلى الفراش وقف نصف عار حين دق 
باب المدخل. كان ذلك صاحب القبو الذي جاء آخر الليل» وكان هو الآخر نصف عار ء 
وقال للمستشار أن فكرةً قد خطرت بباله فجأة وهو يخشى ألا تحتمل الإنتظار حتى 
الصباح: 

" إنها ابنتي؛ لوته لينه. التي أود الحديث عنهاء إنها ابنة لطيفة؛ قد عمدت وأوهٌ 
الان أن أطمئن على مستقبلها". 

قال المستشار: " أنا لست أرملاً بعد" وضحك ضحكة قصيرة؛ " وليس لدي ابن 
أعرضها عليه" 

" أعتقد أن حضرتك تفهم" قال صاحب القبوء " البنت يمكنها العزف على البيانو, 
يمكنها الغناء؛ لا بد أنكم قد سمعتم صوتها في البيت, ليست لديك فكرة عما يمكن أن 
تجيده هذه البنت؛ يمكنها أن تقلّد جميع الناس. لقد خُلقَت للكوميديا؛ إنه طريق جيد 
للبنات اللطيفات من عائلات ذات حسب ونسب, ويمكنهن الزواج من رجل نبيل؛ ولكن 
ذلك ليس هو ما أفكرٌ به ولا إبنتي. هي تجيد العزف على البيانو. وتجيد الغناء. لذا 
ذهبت معها إلى مدرسة الغناء. وقد غنّت؛ٍ لكن ليس في صوتها ما أسميه قراراً عند 
النساء. ولا صرخة طير الكناري في النغمات العالية المطلوبة الآن من المغنيات. ولذا 
فقد نصحومها بالإبتعاد بالذات عن هذا الطريق. هكذا إذنء لذا فكرت, إن لم يكن 
بإمكانها أن تكون مغنية فيمكنها أن تكون ممثلةً فلا يُراد غير الصوت فقط. وقد 
تحدئت اليوم مع المخرج كما يسمونه". 


" هل تطالع؟", سألّ المخرج 
قلت: " لا". 
لا يمكن إطلاقا بدون ذلك, المطالعة مهمة للفنان" قال المخرج. 

لايزال بإمكانها الحصول على ذلك. قلت للمخرج وعدت بها إلى البيت. يمكنها 
الذهاب إلى المكتبة لاستئجار الكتب وقراءتها. وهنا خطرّ ببالي التالي؛ لم تؤجر هي 
كتباً مادام بالإمكان استعارثّها فقد امتلأت رفوف المستشار بالكتب, لتدعها تقرأها, 
يوجد هنا ما يكفي للقراءة وبإمكانها الحصول على ذلك مجانا". 

قال المستشار: " لوته-لينه فتاة طيبة, فتاة جميلة. وستحصل على ما تريده من 
الكتب. ولكن هل لديها ما يسمونه اللمعان؟ وهل لديها ما هو أيضا بالأهمية ذاتها, 
الحظ. أهي محظوظة؟" 

" لقد فازت مرتين في سحبة بضائع" قال صاحب القبوء " فازت مرةً بخزانة ثياب, 
ومرة بستة أزواج شراشف, هذا أسميه حظاً وهو ما لديها". 

" سأسأل المفتاح!" قال المستشار. 

ووضع المفتاح في سبابته اليمنى وعلى سبابة صاحب القبو اليمنى؛ جعل المفتاح 
يدور وبعطي الحرف بعد الحرف. 

قالالمفتاح : " نصر وحظ سعيد". وهكذا تقررٌ مستقبل لوته-لينه. أعطى 
المستشار الفتاة بالحال كتابين للقراءة: كتاب " دوفيكه" و كتاب للمؤلف كنيك بعتوان 
" مخالطة الناس". منذ ذلك المساء بدأ نوع من تعارف قريب بين لوته-لينه وعائلة 
المستشار. وقد وجدها المستشار فتاة ذكية تؤمن به وبالمفتاح. وقد رأت زوجة المستشار 
في انفتاحها شيئًا طفولياً فيه براءة. حيث في كل لحظة تكشف لها عن جهلها الكبير. 
أحبها الزوجان كل على طريقته وهي قد أحبتهما. 

" هناك رائحة تجئّن فوق", قالت لوته-لينه. 

كانت هناك روائح وعطور. فهناك عطر تفاح في المدخل حيث وضعت زوجة 
المستشار برميلا كاملا من التفاح الأخضر المصفر الحامض. وهناك أيضا عطر بخور ورد 
جوري ولافندر في كل الغرف. 

" من شأنه أن يوحي بالترف": و أشرقت عيناها لمرأى كل تلك الورود الجميلة التي 


54117 


تضعها زوجة المستشار دائما؛ نعم . حتى في منتصف الشتاء تزهر أغصان السيرينجا 
والكرز. الأغصان المقطوعة الخالية من الورق توضع في الماء فتعطي الأوراق والأزهار 
في الصالون الدافي»ء. 

" يعتقد المرء أنالحياة قد فارقت تلك الأغصان العارية. ولكن انظروا يا ناس 
كيف تصحو من الموت؛ لم أع ذلك من قبل أبدأ” قالت لوته-لينه. " يا لجمال الطبيعة)" 


وتركها المستشار تطلع على كتابه " كتاب المفتاح". حيث كتبت أشياء غريبة 
قالها المفتاح. حتى عن نصف كعكة التفاح التي اختفت ذلك المساء الذي استقبلت فيه 
الخادمة حبيبها. وسأل المستشار مفتاحه:" من الذي أكل كعكة التفاح, القط أم 
الحبيب؟ أجاب مفتاح البوابة : " الحبيب". وكان المستشار قد فكر بذلك قبل أن يسأل 
والخادمة اعترفت. هذا المفتاح اللعين يعرف تاما كل شيء. 

قال المستشار: " أجلء, إن هذا لعجيب, يا له من مفتاح, وقد قال عن لوته-لينه 
" نصر وحظ سعيد". دعونا نرء أنا أؤكد ذلك". 

" ذلك يجنّن” قالت لوته-لينه. أما زوجة المستشار فلم يكن لديها إِيانٌّ بالمفتاح 
ولكنها لم تكشف عن شكها لزوجهاء ولكنها أسرت للوته-لينه بأن المستشار كان 
مأخوذا بشكل خاص بالمسرح في أيام صباه. لو دفعه أحدهم تلك المرة لصار ممثلاً 
بالتأكيد, ولكن العائلة دفعته بعيدا عن ذلك. كان يود الظهور على خشبة المسرح, 
ولكي يصل إلى هناك كتب مسرحية كوميدية. 

' إنه سر كبير الذي أمبرك به يا عزيزتي لوته-لينه, قد تم قبول القطعة الكوميدية 
في المسرح الملكي. ولكن الجمهور صقر لها هازئاً. حتى لم يسمع بعدها أي شيء عنها. 
وأنا لسعيدة بذلك. أنا زوجته وأعرفه. وأنت تريدين الآن أن تسلكي الطريق نفسه؛ 
أمنى لك كل النجاح, ولكني لا أعتقد أن ذلك سيتحقق, أنا لا أؤمن بمفتاح البوابة" . 

تؤمن لوته-لينه بالمفتاح وفي هذا الإيمان تلتقي مع المستشار. ولقد جمعهما حب 
عذري. 

بالمناسبة فالبنت الطفلة لديها مواهبٌ عديدة والتي تقدرّها زوجة المستشار. فهي 
تجيد عمل النشأ من البطاطا. خياطة القفازات الحرير من الجوارب الحريرية القديمة, 


248 


تغيير غلاف حذاء الرقص الحريري, بالرغم من أنها تملك الإمكانية لشراء كل الملابس 
الجديدة. كان لها حسب ما يقول أبوها البقال: قرش في الجارور وآخر للسندات. 

فكرت زوجة المستشار بأن الفتاة في الحقيقة تصلح زوجة للصيدلاني؛ ولكنها لم 
تصرح بذلك ولم تدع المفتاح يقولها. الصيدلاني على وشك أن يرثّب أمر مستقبله. فهو 
يملك صيدليته الخاصة به والتي ستكون في إحدى أكبر مدن الأطراف القريبة من هنا. 

لوته-لينه مازالت تقرأ " ديفيكه" و "مخالطة الناس" للكاتب كنيك . لقد 
احتفظت بالكتابين لمدة سنتين وقد تَكُنت من حفظ ديفيكه وكل الأدوار عن ظهر قلب, 
ولكنها تريد تمثيل دور واحد فقط هو ديفيك؛ وهي لا تريد التمثيل في العاصمة حيث 
الحسد كثير. وقد يرفضها الناس. هي تريد أن تبدأ طريق فنها كما أسماه المستشار في 
إحدى مدن الأطراف. 

وتصادف وياللعجب أن يكون ذلك المكان بالذات هو المكان الذي استقر فيه 
أصغر صيدلاني في المديتة» إن لم يكن الوحيد فيها. 

وأتى المساء المرتَقَبُ الكبير, الذي ستمثل لوته-لينه فيه وستفوز بنصر وحظ 
سعيدينء كما قال المفتاح. المستشار لم يكن هناك. فقد لازم سريره. وقامت زوجته 
برعايته, يجب أن يعالجَ بمناديل دافئة وشاي البابونج, المناديل ستكون حول بطنه 
والشاي في بطنه. 

لم يحضر الزوجان عرض ال" ديفيكه" ولكن الصيدلاني كان هناك وقد كتب رسالة 
حول ذلك لقريبته زوجة المستشارء قال فيها ياقة ديفيكه هي أفضل ما كان في 
العرض, لو كان مفتاح المستشار في جيبي لأخرجته و لصفّرت به استهزاءً. هذا ما 
تستحقه وما يستحقه المفتاح, الذي كذب عليها وقال دون حياء : " نصر وحظ سعيد". 

قرأ المستشار الرسالة وقال: كل ما جاء في الرسالة كان فيه شر وعداء. وكره 
المفتاح كان على حساب تلك البنت البريئة. 

وحالما تمائل للشفاء وصار إنساناً مرة ثانية أرسل رسالة قصيرة ولكنها لاذعةٌ 
سامةٌ إلى الصيدلائي الذي أجاب عليها وكأنه لم يفهم منها شيئا غير النكتة والمزاح. 

شكره الصيدلاني على هذه الرسالة التي ستكون إسهامةٌ طيبة مستقبلية لإعلان 
رسمي لقيمة ومعنى المفتاح الذي لا شبيه له؛ بعدها أسرٌ الصيدلاني المستشارء بأنه قد 


5349 


كتب “الرواية المفتاح" وهي رواية واقعية مكنّاة بأسماء وهمية؛ حيث كل الأشخاص 
الذين فيها هم مفاتيح, مفاتيح فقط لا غير؛ "مفتاح البوابة" كان بالطبع هو البطل 
ومفتاح المستشار للباب الخارجي كان القدوة. فهو موهوب بنظرة خاصة وقابلية على 
التكهن, وحوله تدور كل المفاتيح الأخر: مفتاح الياور الذي عرف بريق الحاشية 
واحتفالاتها؛ مفتاح ساعة الجيب الصغير. ناعم وراق بقيمة قروش عند بائع الأدوات 
المنزلية؛ مفتاح كراسي الكنيسة للعلماء والذي بقي ليل بأكملها في ثقب مفتاح 
الكنيسة ف رأى أرواحا. ومفتاح حجرة المواد الغذائية, حجرة الحرق و مفتاح قبو النبيذ, 
الكل ينهض بشكل رسمي. ينحني ويدور حول مفتاح البوابة. أشعة الشمس تجعله 
فضياً. والريح روح العالم تدخل في المفتاح ليصفَّر. كان مفتاح بوابة المستشار مفتاحاً 
لكل المفاتيح , والآن صار مفتاحّ بوابة السماء, إنه مفتاح الباباء إنه المحصوم عن 
الخطأً. 

" هذا شر" قال المستشارء " شر لا حدّ له" 

الصيدلاني والمستشار لم يريا بعضهما بعضأً مرة ثانية حتى يوم دفن زوجة 
الممفببار: 

عم البيت حزن لفقدها. حتى أغصان الكرز المقطوعة التي أعطت زهراً وورداً حزنت 
وذبلت. كانت منسية, فلم تكن زوجة المستشار تعتني بها. 

مشى الصيدلاني والمستشار خلف الجثمان. جنبا إلى جنب كقريبين قريبين إلى 
بعضهما بعضاً؛ لم يكن هناك وقت أو جو للملاسنات. 

ربطت لوته-لينه زهور الحداد حول قبعة المستشار. كانت في البيت. فقد عادت 
منذ زمن طويل إلى بيتها دون نصر أو حظ في ساحة الفن. ولكن قد يحالفها الحظ, 
فلها مستقبل واعدٌ . هذا ما قاله المفتاح وكذلك المستشار. 

صعدت لوت- لينه إلى المستشار في بيته وتحدئا عن الفقيدة وبكياء لوته-لينه 
كانت رقيقة جداً, وتحدثا عن الفن. وكانت لوته-لينه قوية. 

" حياة المسرح تجئّن" قالت لوته-لينه. " ولكن هناك الكثير من اللغو الفاغ 
وال حسد! أفضّل أن أسلك طريقي الخاص. نفسي أولاً ومن ثم الفن". 

لقد ذكر كنيك الحقيقة في فصل الفنانين. وأقرت هي بذلك. والمفتاح لم يقل 
الحقيقة ولم تخبر لوته-لينه المستشار بذلك لأنها تحبه. 


230 


كان مفتاح البوابة بالمناسبة عزاءه الوحيد في الترويح عن نفسه طيلة عام الحداد . 
يعطيه سؤالاً ليمنحه جواباً. وعندما مرت السنة وكانا هو ولوته-لينه جالسين ذات 
مساء سأل المستشار المفتاح: 

" هل سأتزوج. ومن التي سأتزوجها ؟ 

لم يكن أحد قد دفعه, هو الذي دفع المفتاح فقال: " لوته-لينه!" 

وقد تم ذلك بالفعل وأصبحت لوته-لينه زوجة المستشار. 

" نصر وحظ", هذه الكلمات قد قيلت قبل من قبّل مفتاح البواية. 


كتبت في عام1 ١41‏ 


551 


الخالة وجع أسنان 


من أين حصلنا على القصة؟ 

هل تود أن تعرف؟ 

قد حصلنا عليها من سلّة مهملات حوت أوراقاً قديمة. كان كتابا ذا قيمة كبيرة 
ونادراً ما انتهى عند البقأل والعطار. ليس للقراءة ولكن لأسباب عملية. كانوا 
يحتاجونه لعمل ظروف مخروطية لبيع النشا وحبوب القهوة ولف السمك المملح, والزيدة 
والجبن. يظهر أن ما هو مكتوب يصلح لإستخدامات أخرى أيضاً. ويرمى في القمامة 
غالبا ما لا يجب أن يرمى. أعرف ولّدا عطاراً, ابن بقّال قد ترقّى من القبو إلى الدكان 
في الطابق الأرضي؛ كان قارئاً نهمأً. قارئ ظروف مخروطية مكتوبة أو مطبوعة. لديه 
مجموعةٌ شائقة تحوي العديد من الكتابات المهمة التي تعود لسلة مهملات بعض 
موظفين شاردي الذهن. بعض رسائل سرية من صديقة إلى صديقتها وبلاغات حول 
شائعات لا يجب أن تُنقل ولا يتداولها أي انسان. هذا الولد هو واسطة إنقاذ لمواد أدبية 
ليست بقليلة, لديه ما يغطي مساحةٌ واسعة من الأدب, لديه دكان الوالدين ودكان رب 
العمل, وقد أنقذٌ فيها العديد من الكتب. وأوراقاً لكتاب ب يستحق أن يقرأ مرتين. 

لقد أراني مجموعته الغنئية من المكتوب والمطبو ل 
المجموعة الأغنى كانت من عائلة البقّال. فقد كان هناك بضع أوراق لدفتر كبير جدا 
مكتوبٍ بخط اليد؛ خطَّه في غاية الجمال والوضوح, ما شد انتباهي با حال. 

" لقد كتبه الطالب؛" قال ابن العطارء " الطالب الذي سكن في الطابق الأعلى 
ومات منذ شهر. لقد عانى من وجع أسنان, كما يبدو. إنها لمتعة هي القراءة! ولايزال 
لدي القليل من الذي كُتب» كان كتابا بأكمله وأكثر قليلًء لقد أعطى والدي مقابله ربع 
كيلو من الصابون الأخضر لصديقة الطالب. وهذا كل ما تبقى واحتفظت به. 


5253 


استعرته, قرأتّه, والآن سأرويه: 
كان العئوان: 
الخالة وجع أسئان 


١ 

كانت خالتي تعطيني ا حلوى عندما كنت صغيراً. أسناني قاومت ولم تَنخَّر؛ وقد 
صرت كبيرا الآن؛ صرت طالبا وهي مازالت تُدلكني بالحلوى, وتقول لي بأنني شاعرٌ . 

في داخلي شاعرٌ ولكنه ليس مكتملاً. غالبا وعندما أسيرٌ في شوارع المدينة, 
يتراءى لي وكأني أسير في مكتبة كبيرة؛ البيوتٌ مكتبات كتبء كل طابق هو رف 
كتب. إنها قصةٌ كل يوم مسرحية كوميدية جيدة, صنوف من العلوم في كل 
الإتجاهات, فهنا أدب رديء وهناك آخرٌ جيد. يمكتني التخيل والتفلسف حول كل شيء 
ما يخص هذه المؤلفات. 

في داخلي شاعرٌ ولكنه ليس مكتملاً. من المؤكد أن الكثير من الناس عندها من 
هذا الشيء مثل ما عندي, ولكنها لا تحمل قطعةً أو سلسلة عنق تحمل اسم شاعر. 

لقد منحوا ومنحت هديةً الله. البركة, وحدها البركة كبيرةٌ جدا لواحد بحد ذاته, 
ولكنها صغيرة جدا لكي تصل إلى الآخرين. تأتي مثل أشعة شمسء تقلأ الروح والفكر؛ 
تأتي مثل عطر زهرة, مثل لحن يعرفه المرء ولا يتذكر من أين. 

في أحد المساءات جلست في غرفتي الصغيرة؛ كنت بحاجة إلى قراءة, لم يكن 
عندي كتاب ولا مجلة, في اللحظة ذاتها سقطت ورقةٌ نضرة خضراء من شجرة زيزفون. 
حملها الهواء إليّ عبر النافذة. 

تأملت الأوردة المتشعبة في الورقة. حشرةٌ صغيرة تتحرك فوقها. وكأنها تنوي 
دراسة الورقة بتعمق. حينها توجب علي أن أفكرّ في حكمة الإنسان؛ نحن نزحف أيضا 
على الورقة ولا نعرف غير ذلكء, فنقيم محاضرات حول الشجرة الكبيرة بأكملها. 
الجذرء الساق والبذرة؛ الشجرة الكبيرة هي الله, العالم والخلود رغم أن كل ما نعرفه 
عن هذا هو ورقةٌ صغيرةٌ ليس إلا. 

وبيئما كنت جالساً جاءت الخالة "ميله" بزيارة لي. أريتها الورقة وال حشرة. حدثتها 


5534 


عن أفكاري حول ذلك. لمعت عيئا خالتي إثرها وقالت: " إنك شاعر! وربما أكبر 
الشعراء لديناء فإن عشت لليوم الذي أراك فيه شاعراً مشهوراً سأموت هانئةٌ في قبري. 
أنت كنت دوماً تفاجئني بمخيلتك العظيمة منذ مراسم دفن صانع الجعة غاسموسن. 

هذا ما قالته الخالة ميله و قبّلتني. 

مَن كانت الخالة ميلة ومن كان صانع الجعة غاسموسن؟ 


3 

كنا ننادي نحن الأطفال خالةً أمُنا بخالة,لم يكن لدينا اسم آخر لها. 

تعطينا ا مربى والسكر بالرغم من أن ذلك يسبب ضررا كبيرا لأسنانناء ولكنها 
كانت تضعف أمام الأطفال الحلوين بالذات, كما تقول. إن من القسوة أن ننكرّ عليهم 
هذا المقدار الصغير من الحلو والذي يحبونه كثيراً. 

ولهذا كنا نحبّها جداً. 

كانت عانساً عجوزاً مذ كنا صغاراً ! وبقيت عجوزاً دوماً وكأن العمرَ قد توقف 
بها. عانت في سنواتها المبكرة كشيرا من وجع الأسنان وكانت تتحدث عن ذلك دائما 
ولذلك أطلقَ عليها صائع الجعة غاسموسن صديقها الطريف ب الخالة وجع أسنان. 

لم يخمّر غاسموسن الجعة في السنوات الأخيرة؛ عاش من فوائد نقوده. يأتي 
لزيارة الخالة مراراً وكان أكبرٌ منها عمراً. لم يكن له أسنانٌ إطلاقا. ليس سوى قروم 
سود. 

وقد قال لنا تحن الأطفال إنه قد أكلّ الكثير من السكر عندما كان صغيراً» ولهذا 
سيبدو المرء بمثل حالته. أما الخالة لم تأكل من المؤكد السكر نهائياء فلديها أحلى 
أسنان وأنصعها بياضاً. لقد كانت تقتصدّ في استعمالها أيضاً لم تنم بها ليلاً! قال 
صانع الجعة غاسموسن. 

كنا نظن بأنه يريد في ذلك قولاً سيئاًء ولكنه لم يقصد بذلك شيئاً, قالت الخالة. 

ذات مرة عند الغداء روت الخالة لنا حلما مخيفا حلمت به في الليلء قالت إن أحد 
أسنائها قد سقط. 

" وهذا يعني بأني سأفقد صديقا أو صديقة مخلصة؛" قالت الخالة. 


555 


هل كان سنا اصطناعيا!" قال صانع الجعة وضحك ضحكة قصيرة. " إذآً لا يهم. 
هذا يعني أنك ستفقدين صديقاً اصطناعياً فقط!" 

" إنك سيد عجوز غير مهذب !" قالت الخالة غاضبة والتي لم أرها هكذا لا من 
قبل ولا بعد. 

بعد ذلك بفترة قالت إن ذلك كان مجرد مزاح من صديقها العجوز؛ إنه أكرم البشر 
على وجه الأرض وعندما سيموت يوماً سيصير ملاك الله الصغير في السماء! 

لقد فكرت كثيرا بهذا التحول الذي سيحدث له. تساءلت في سري إن كنت 
سأتمكن من التعرف عليه في هيئته الجديدة. 

وقد كان غاسموسن قد تقدم لخطبة الخالة عندما كانت شابة وكان هو شاباً. لكنها 
فكرت مع نفسها أطول فترة ما يجبء ففاتهًا قطار العمرء بقيت عانساً عجوزاً ولكنها 
بقيت صديقة وفية دائماً. 

بعد فترة مات صانع الجعة غاسموسن. حملت نعشه أغلى العربات لدفنه. وقد سار 
خلفه حشد كبيرء أناس تحمل النياشين على صدورها وترتدي زياً خاصاً. 

وقفت الخالة مرتدية ثياب الحداد عند النافذة معنا نحن الأطفال ما عدا الأخ 
الصغير الذي كان اللقلق قد جلبّه قبل أسبوع. وقد مرت عربة النعش والناسء وأصبح 
الشارع خالياً؛ وأرادت الخالة أن تذهب ولكني لم أشأ ذلك لأنني كنت أود رؤية الملاك 
صانع الجعة غاسموسن؛ لابد أنه قد صار الآن طفل الله الصغير وسيظهر لنا بجناحين. 

قلت: " خالة! ألا تعتقدين أنه سيأتي الآنء أم إن اللقلق سيأتي بالملاك غاسموسن 
عندما يأتي لنا بأخ آخر". 

تأئّرت الخالة بمخيلتي كثيراً فقالت: " هذا الطفل سيصيرٌ شاعراً كبيرا؟" وقد 
كررت ذلك طوال سنوات المدرسة, بعد التعميد وفي سنوات الثانوية. 

كانت ولاتزال أكثر الصديقات مشاركة لي في وجع الشعر ووجع الأسنان. إذ 
تعتريني نوبات من كليهما. 

قالت ذات مرة: " لا عليك إلا أن تكتب كل أفكارك على الورق» ضعها في 
الجارور؛ هذا ما فعله جان بول؛ لقد صار شاعرا كبيراً؛ لا أحبه حقيقة فهو لا يشدئي 
في القراءة. يجب عليك أن تشدّ القارئ إليكَ! وستشده بالتأكيد !" 


2356 


في الليلة التي تلت هذا الحديث استلقيت في الفراش وبي شوق وألم. وبي حاجة 
ورغبة لأن أصير الشاعر الكبير الذي تراه الخالة فّي وتشعرٌ به؛ استلقيت على وجع 
الشعر! ولكن كان هناك وجع أشد: وجع الأسنان؛ لقد عجنني و هرسني؛ صرت مثل 
دودة زاحفة تتلوى. 

" أعرف هذا" قالت الخالة. 

كانت ضحكةٌ حزينةٌ حول فمها؛ لمعت أسنائها بيضاء ناصعة. ولكنني سأبدأ بفقرة 
جديدة عن قصتي وقصة 506 


7 
لقد أستأجرت غرفتين من بيت أسكن فيه لمدة شهر. وقد حدثت الخالة حول سكني 
هناك. " أعيش عند عائلة هادئة؛ العائلة لا تفكّر بي بالرغم من إنني أضرب الجرس 
ثلاث مرات. بالمناسبة فقد كان بيتا ضاجاً بأصوات وضوضاء من الجو والريح والناس. 
فغرفتي قريبةٌ من البوابة؛ كل عربة تدخل أو تخرج تجعل اللوحات تهتّز على الحائط. 
والبوابةٌ عند إغلاقها أو فتحها تهرّ البيت وتجعله يدوي وكأنها هزةٌ أرضيةٌ. وإذا' كنت 
مستلقيا في السرير تسري الرجفة في كل أجزاء بدني؛ لاشك إنها مقوية للأعصاب. 
وإن هبّت الريح: والريح هنا كما تعرفين تعصف دائما في هذا البلد, تأخدٌ أقفال 
الشبابيك الحديدية بالتدكي جيئة وذهابا تضرب بالجدار. ومع كل عصفة ريح يدق جرس 
بوابة الجيران عند الفناء. 
جيراننا يعودون إلى البيت على دفعات آخر المساء. وبعد منتصف الليل. 
فالساكن فوقي, الذي كان يعطي دروساً في عزف الباسون أثناء النهار. يعود متأخرا 
إلى البيت ولا يخلد إلى النوم قبل أن يأخذٌ نزهة منتصف الليل القصيرة بخطوات ثقيلة 
بجزمته المغطاة بالحديد. 
لم تكن هناك نوافذ ذات زجاج مزدوج, وقد ألصقت مالكة البيت الورق على 
زجاجة مكسورة في النافذة ولكن الريح هبّت بالرغم من ذلك إلى الداخل الريح تهبّ 
عَبِرَ الشق وتصدر صوتاً كأنه يعود إلى ذبابة التّبر وهي تثرّ. إنها موسيقى للنوم. وإن 
غَططت في النوم صحوت على صوت صياح الديك. الدجاجةٌ والديك اللذان يعودان إلى 


55357 


صاحب القبو هما من يعلنان عن طلوع الصباح. والأحصنةٌ الصغيرة لم يكن لها 
اسطبل, ربطت تحت السلم قريباً من مدخل البوابة حيث يُخرّن الرمل, كانت ترفس 
الباب والعمود لتحرك أجسامها. 

عندما ينكشف النهار يستيقظ البواب الذي ينام مع عائلته في الطابق تحت 
السقف ويخبّط نازلا السلّم؛ القبقاب يصفّق, البوابة تنصفق بضربات قوية, البيت يهترٌ 
وإذا انتهى كل ذلك يبدأ الساكن فوقي بأداء تمارين جمناستيكء فيرقَعٌ في كل يد كرةٌ 
حديدية ثقيلة لا يمكنه حملّها؛ تسقط وتسقط كل مرة, بينما يتدافع شباب البيت الذين 
سيذهبون إلى المدرسة في الوقت نفسه صارخين. أتوجه إلى النافذة أفتحها لأشم هواءً 
نقياًء وهو منعش إن تمكنت من الحصول عليه؛ عندما لا تكون العانس في البيت الخلفي 
هناك تغسل القفازات بالبنزين وهو مصدر رزقها. بالمناسبة فإن البيت لطيف وإني 
أسكن عند عائلة هادئة". 

كان ذلك ملخصاً أعطيته لخالتي حول سكني؛ أعطيتها النسخة الأكثر حيوية, 
الحديث الشفوي يكون أكثر تعبيراً من المكتوب. 

" أنت شاعر!" صاحت الخالة. " اكتب ما قلته وستكون بمكنة ديكنز! أنت تثير 
اهتمامي أكثر الان! أنت ترسم عندما تتحدث! أنت تصف بيتك بصورة يمكن بها 
رؤيته! يقشعر الجلد لذلك! واصل نَظْم الشعر. ضع شيئا حياً فيه ناساً. أناساً لطفاء. 
ويُفَضّل التعساء منهم.!" 

البيت وصفته على الورق. كما هو بأصواته ونواقصه ووجودي فيه. دون أي حدث. 
هذا جاء فيما بعد. 


03 
كان الفصل شتاء؛ عند المساء وبعد العرض الكوميدي المعتادء صار الجر رهيباً, 
لقد هيت عاصفةٌ ثلجية حتى يكاد العابر يقف في مكانه. 
وحينها كانت الخالة في المسرح. وقد جئت لأرافقها إلى البيت, كان يصعب على 
المرء أن يسير بنفسه. والأمر أصعب إن كان عليه مساعدة الآخرين. عربات التأجير قد 
شغلت كلهاء والخالة كانت تسكن بعيدا عن المدينة, وسكني بالمقابل قريب من المسرح, 
وإلا لاضطررنا إلى البقاء تحت أي سقف حتى إشعار آخر. 


53568 


مشينا بخطوات جامدة في الثلج العميق, تلفنا دوامات من ثُدف الثلج. رفعت 
الخالة. حملتهاء دفعتها إلى الأمام. وقعنا مرتين وقعتين بسيطتين. 

وصلنا بوابة بيتي حيث نفضنا الثلج عن ملابسناء وفعلنا ذلك مرةً أخرى عند 
السلّم ومع هذا امتلأت أرضية المدخل كلها بالثلج. 

خلعنا معاطفنا وما تحتهاء وكل ما يمكّن خلعه. مالكة البيت أعارت خالتي 
جوارب جافة ومعطفاً صباحيا؛ إنه ضرروي, قالت صاحبة البيت. وأضافت. وهي 
بالفعل على حقء إن الخالة لا يمكن أن تعود إلى البيت هذه الليلة ويمكنها أيضا أن 
تستغني لها عن الصالون ؛ يمكنها إعداد فراش لها على الأريكة أمام الباب المقفل 
المؤدي إلى غرفتي. 

وهذا ما حصل. 

أشعلت النار في الموقد, ووضع السماور على الطاولة فصار الجو دافئا حميميا في 
الغرفة الصغيرة: بالطبع ليس كدفء وحميمية سكن الخالة. حيث تُسدّل ستارة سميكة 
في الشتاء على الباب. وستائر سميكةٌ على النوافذ. وعلى الأرض سجادتان تحتها 
ثلاث طبقات من الورق السميك ؛ يجلس ال مرء هناك وكأنه داخل زجاجة معبأة بهواء 
دافيء. ولكن كما قلنا كان جو الغرفة دافئاً حميمياً عندي بينما الريح تئز في الخارج. 

وبدأت الخالة تسترجع أيامها؛ زمن الصبا حضر ثانية. وحضر زمن صانع الجعة, 
عادت ذكريات قديمة جدأً. تذكّرت أولَ سن شق في فمي و فرحة العائلة بذلك. 

السن الأول! السن اللبني, لمع مثل قطرة حليب بيضاء, ذلك السن البريء. 


وطلع السنّ الأولء طلع الشاني؛ طلعٌ طقم بأكمله, جنباً إلى جنب. فوق وتحت, 
أجمل أسنان طفل, وهي بمثابة قوات المقدّمة, هي ليست بالحقيقية التي ستبقى إلى 
الأبد والتي تطلع بعد ذلك بما فيها أسنان العقل. هي صفوف في جناحين أيسر وأيمن 
تشق طريقها بصعوبة بالغة تحت وطأة الألم والعذاب. 

وتسقط ثانية, كلهاء تسقط قبل انتهاء وقت الخدمة, حتى السن الأخير يسقط. 
وهذا ليس يوم عيدء بل هو يوم حزين. 

وهكذا يصير المرءء عجوزا, بالرغم من قلبه الأخضرء الحديث عن هذه الأفكار 


5259 


والقصص ليس مسلياً. تصور بأننا تحدثنا عن كل ذلك. رجعنا إلى سنوات الطفولة. 
نحكي ونحكي, حتى أكملت الساعة الثانية عشرة فذهبت الخالة لتخلدٌ للنوم في 
الغرفة على مقربة مني بعد أن قالت: 

" تصبح على خيرء طفلي الحبيب! سأنام مثل طفل في مهده". 

وذهبت لترتاح ولكن لا راحة داخل هذا البيت ولا في خارجه. العاصفةٌ تهرٌ 
الشبابيك, وتتصارع مع الأقفال الحديدية الطويلة المتدلية؛ وتضربُ جرس الباب في 
الفناء الخلفي للجيران. الساكن فوقي قد وصل البيت. وبدأ نزهته الليلية ذهابا وإياباً 
مرة أخرى؛ رمى جزمتّهء وراح إلى الفراش ليرتاح؛ ولكنه يشخر بصوت يمكن لمن لديه 
حاسة سمع أن يسمعّه من خلال السقف. 

لم أجد راحة, ولم أهدأ؛ ولم يهدأ الجو بالخارج؛ كان هائجا. الريح تئر وتغئّي 
بطريقتهاء وأسناني بدأت أيضا حفلتّهاء أزْت وغنّت بطريقتهاء وياله من وجع أسنان. 

كان تيار هواء ير عبر النافذة. والقمر يسطعٌ على الأرضية؛ الضوء يجيء ويذهب, 
مثل الغيوم تجيء وتذهب في هذا الجو العاصف. كانت هناك حركة قلقة في الضوء 
والظل. ولكن أخيرا رأيت الظل على الأرض يشبه شيئاً ما؛ رأيت هذا المتحرك 
وأحسست بريح متجمدة. جلس على الأرضية قوام رفيع طويل يشبه ما يَرسْمّه طفل 
بالطبشور على اللوحة يريد به إنساناً؛ الجسم كان خطأً رفيعا واحداً؛ ثم خط من هنا 
وخط آخر هناك هما الذراعان؛ الساقان أيضا مجرد خطين, والرأس متعدد الزوايا. 
وتوضح الجسم في الحال, لبس ما يشبه الثوب. نحيف جداء وأنيق: ما يُشَكّلٌ جسد 
أنثى. عندها سمعت طنيناً. أ كانت هي أم الريح تطنّ مثل ذبابة الثبر في شق زجاجة 
النافذة. لاء كانت هي بنفسهاء الآنسةٌ وجع أسنان ! صاحبة السمو وجحيمهاء ليحفظنا 
الله ويبعدنا عن زيارتها. 

" إنه لمكان مناسب للتواجد فيه!" وشوشت الآنسة وجع أسنان؛ " إِنّه مأوى جيد! 
أرض مستنقع. هنا جال البق يطن والسم في أبرته, لدي الآن أبرته. يجب أن تُشحَذ 
على أسنان البشر. إنها تلمع بياضا عند هذا النائم على الفراش. قاومت الحلو 
والحامض, الحار والبارد؛. قشور المكسرات والتوى! ولكنتي سأحركها. أحفرهاء أسمّد 
الجذر بتيارات هواء وأجعله يقشعر". 


2060 


كان كلاما فظيعاء زائرا فظيعا. 

" هكذا إذن؛ أنت شاعر؛" قالت الآنسة وجع أسئان. " سأشعرك بكل مقاييس 
بحور الألم! سأدق بدنّك؛ وألعب في كل شعيرة من شعيرات أعصابك!" 

وكأن مخرزاً مجمراً اخترق عظمة الفك؛ لقد تلويت وتقلبت. 

. طقم أسئان رائع!" قالت, " كأنه أورغن يعرف عليه عزف هارمونيكاء يا 
للروعة. طبول وترومبيتات, أبواق. باسون يعزف في سن العقل. لكل حصته. وحصة 
الشاعر العظيم موسيقى عظيمة". 

أجل؛ لقد عزفت و قد بدت لي بشكل مخيف رغم أن المرء لا يرى منها غير اليدء 
اليد الباردة الرمادية كالظل بأصابعها المخارز الرفيعة الطويلة؛ كل واحد منهم كان أداة 
ألم: الإبهام والسبابة لديهما الكلآب ومفك البراغي. الوسطى انتهت بمخرز مدبب» 
البنصر كان مَتْقَباً والخنصر يرش سم البق. 

" سألقّنكَ أصول المقاطع الشعرية!" قالت الآنسة وجع أسنان, " حصة الشعراء 
الكبار ألم أسنان كبيرء وللشعراء الصغار ألم أسئان صغير!" 

" آي. دعيني أكن صغيراً!" دعيني ألا أكون إطلاقاً! وأنا لست شاعراء كل ما 
لدي هو نوبة من الشعرء مثل نوبة وجع الأسنان! ابتعدي, ابتعدي!" 

قالت:" هل تعترف بأني أعظم من الشعرء الفلسفة, الرياضيات وكل الموسيقى! 
أعظم من كل المرسوم والمنحوت في الرخام! أنا أقدّم منهم جميعا. لقد ولدت قريبا من 
حدائق الجنة. في خارجهاء حيث الريح تعصف والفطر الرطب ينمو. لقد جعلت حواءً 
ترتدي ملابس في الجو البارد وآدم معها. لا تظن الأمر كان سهلا مع وجع السن الأول 
لآدم وحواء!" 

1 أصدّق كل شي ء!" قلت. " ابتعدي, ابتعدي!" 

" حسناء هل ستتخلى عن أن تكون شاعراء وتكف إطلاقا عن كتابة مقطع شعر 
على الورق. على لوحة أو أية مادة للكتابة؛ سأتركك إذاً. ولكني سأعود أيها الشاعر 
إن كتبت الشعر ثانية!" 

" أقسم!" قلت, " لا تدعيني أرك أو أحس بك بعد الآن؛" 

' يجب أن تراني في شخص عزيز عليك, أكثر امتلاءً مني الآن! يجب أن ترى بي 


253601 


الخالة ميلة؛ وسأقول لكَ: إكتب الشعر يا ولدي العزيز! إنك شاعر كبيرء أكبر الشعراء 
لديئا! ولكن إن صدقتني وبدأت تكتب الشعر سأموسق مقاطعك الشعرية, أعزفُها على 
هارمونيكا فمك! يا طفلي العزيز! تذكرني عندما ترى الخالة ميلة!” 

واختفت. 

وكأن مخرزاً مجمراً عُررَ في فكي عند مغادرتها؛ ولكن الألم سرعان ما خف 
وأناء وكأنني قد تزحلقتُ على الماء الناعم, رأَيتُ زتبق الماء الأبيض وأوراقّه الخضر 
العريضة تنحني؛ تغرق تحتي, تذبل: تنحل. وأنا أغرق معهاء أنحل بسلام وراحة. 

تناهى إلى سمعي مقاطع غناء ورنين في الماء: 

" أن قوت, أن تذوب مثل الثلج!" 

" أتلاشى في الغيمة, أبتعد كالغيمة!" 

لمعت أسماءً كبيرة مضيئة عبر الماء إلي في الأسفلء شعارات على أعلام: براءة 
اختراع للخلود هلي أجنحة حشرة ضوئية ستعيش يوماً واحداً. 

كان النوم عميقاء نوم بدون أحلام. لم أسمع الريح المصفّرة, البواية التي تصرء 
جرس الجار الذي يدق ق أو رياضة المؤجر الصعبة. 

إنها لسعادة! 

حينها هبّت العاصفة حتى انفتح الباب المؤدي إلى غرفة الخالة على مصراعيه. 
قفزت الخالة من مكانها وارتدت حذاءهاء ولبست ملابسها وأتت إلي. 

لقد مت مثل الملاك. قالت ليء ولم تجرؤ على إيقاظي. 

لقد استيقظت وحديء فتحت عيني؛ نسيت تاما أن الخالة كانت هنا في البيت, 
ولكني سرعان ما تذكرت ذلك. تذكرت رؤيا وجع الأسنان. 

" هل كتبت شيئا البارحة؛ بعد أن نينا لبعضنا أن نُصبح على خير؟ سألتني 
الخالة. " أرجو أن تكون قد فعلت ذلك! إنكَ شاعري وستبقى!" 

اعتقدت بأنها ابتسمت ابتسامة صفراء. لم أعلم إن كانت هي الخالة ميلة التي 
تحبني, أم الخالة الفظيعة التي أعطيتها وعداً الليلة الفائتة. 

" هل كتبت شعرا ! يا طفلي العزيز؟” 

"لا لاا" صحت. " أنت الخالة ميلة, أليس كذلك." 


252062 


" ومن يكون غيري!" قالت. وقد كانت هي الخالة ميلة. 


ثم قبلتني واستقلت عربةً وغادرت. 
كتبت المكتوب هنا. وهو ليس مقطعا شعريا ولا يجب أن يُطبع إطلاقا. 
أجل, هنا انتهى المخطوط. 


صديقي الشاب. صبي العطار الواعد لم يتمكن من إكمال الناقص الذي وصل 
العالم ورقا للف السمك والزيدة والصابون وها قد تم استخدامه لهذا الغرض. 

صانع الجعة توفي, الخالة توفيت, الطالب توفي, هو الذي انتهت شذرات أفكاره 
في البرميل. 

هذه هي نهاية القصة, قصة الخالة وجع الأسنان. 


كتبت في عام17 ١41‏ 


563 


من محموعة الحكايات الخرافية والقصص 


للفترة 1111 


565 


- 
ووه‎ ٠. 


حرق 

كان هناك خارج المصنع ركام عال من كومات خرق مكدسة تم جمعها من الغرب 
والشرق؛ كل خرقة لها قصتهاء كل واحدة قالت خطبتها, ولكننا لا يمكننا سماعها 
كلها. بعض الخرق كانت محلية, أخرى كانت من دول أجنبية. وهنا كانت خرقة دفاركية 
تقابل خرقة نرويجية؛ الأولى كانت دفماركية خالصة والأخرى نرويجية أصلية, وذلك ما 
كان شائقاً في الأمر. ذلك ما سيقوله كل نرويجي ودغفاركي. 

لقد عرفا بعضهما بعضاً من خلال اللغة, على الرغم من أن كلتيهما. كما قالت 
النرويجية, تختلف عن الأخرى اختلاف الفرنسي عن العبري. " نحن نذهب إلى سفح 
الجبل لنأتي بالخام والأصلي؛ والدنماركيون يصنعون طبق هراء حلو” 


وتحدثت الخرق, والخرقة خرقة في كل مكان, لا قيمة لها إلا في كومة خرق. 

" أنا نرويجية!" قالت النرويجية, " وعندما أقول أنا نرويجية أعتقد بأني قلت ما 
يكفي! أنا من نسيج متين, مثل الحقول الأزلية في النرويج القديمة, البلد الذي فيه مثل 
دستور أمريكا ال حرة! ذلك يدغدغني في شرشفاتيء لمجرد التفكير بهويتي, وأدع فكري 
يدق كالحديد في كلمات من الغرانيت " 

"ولكن نحن لديئا أدب!" قالت الخرقة الدفاركية, " هل تفهمين حضرتك ما هو؟" 

" أفهم!" كررت النرويجية, " يا ساكنة البلد المستوي. هل أرفعها إلى حقل 
وأضيئها بالضوء الشمالي, يا خرقة ! عندما يذوب الثلج للشمس النرويجية, حينها 
تصعد تلك السفن الصغيرة الدماركية فوق إلينا بالجبنة والزيدة. بضاعة صالحة للأكل 
بحق! يتبعها بعد ذلك الأدب الدفاركي مثل ثقل لتوازن السفينة. نحن لسنا بحاجة 
إليه! المرء يفضل الإستغناء عن جعة غير مختمرة هناك حيث الماء ا منعش يفور في 


5607 


ينابيع لم تحفرء غير معروفة في ثرثرات الجرائد. وبين الاصدقاء ورحلات الكتاب في 
أوروبا. أتكلم بحرية ملء الرئة وعلى الدفاركي أن يعتاد على هذا الصوت الحر, 
وسيعتاد التصاقه الاسكندنافي لبلد الصخور المزهوة, تلال العالم الأزلية " 

" بهذه الطريقة لا يمكن لخرقة دنماركية أبداً أن تتحدث " قالت الدفاركية, " ليست 
هذه طبيعتناء أعرف نفسي وكما هي أناء كذلك خرقنا الأخرى, نحن طيبون مسال مون 
جداء متواضعون جداء لا نعتد إلا قليلا بأنفسناء ولا يفوز المرء بشيء حقيقة بهذاء 
ولكنني مع هذا أحب ذلك, أجده لطيفا جدا! وبالمناسبة, أؤكد لحضرتك بأني أعرف اما 
امتيازاتي أناء ولكني لا أتحدث عنهاء مثل خطأ كهذا لا أود لأحد أن يتهمني به. أنا 
ناعمة ومرنة, أتحمل كل شيء, لا أحسد أحداً. أذكر الناس بالطيب؛ برغم أن ليس 
هناك الكثير من ذلك الذي يقال عن أغلب الآخرين: ولكن دعيهم لسوئهم! أنا أجعل 
من ذلك دوما فكاهة لأنني موهوية جداً " 

" لا تتحدثي معي هكذا بلغة الأرض المستوية الناعمة الدبقة, أشعر بالغثيان 
من ذلك!" قالت النرويجية وتحررت من خلال الريح من الكومة إلى أخرى. 

صارت كلاهما ورقاً. وتشاء المصادفات أن تصير الخرقة النرويجية ورقة كتب 
عليها نرويجي رسالة عشق صادق إلى فتاة دماركية, والخرقة الدفاركية صارت 
سيناريو لقصيدة مدح دماركية لعظمة النرويج وقوتها. 

يأتي من الخرق ما فيه الخير أيضاء حالما يخرجون من كومة الخرق ويتم تحويلها 
إلى الحقيقة والجمال. انها تشع بالفهم وبالفهم بركة. 

هذه هي القصة, انها شائقة بحق ولا يتعرض فيها أحد إلى الإهانة عدا الخرق . 


كتبت عام 1١41/4‏ 


565 


القرادة والبروفيسور 


حدث لقائد منطاه حادث مؤْلم إذ تشقق منطاده وارتَطم الرجل بالأرض وتحطم. 
وكان لابنه الذي رافَقّه حينها مهلةٌ دقيقتين فاستطاع خلالها أن ينزل بمظلته. كان الولد 
محظوظا ولم يصبّه ضررء وخرجّ بحصيلة هي أنه قد تأهل لأن يصير قائدَ منطاد ولكنه 
لم يكن يملك منطادا ولا إمكانيةً للحصول عليه. 

كان عليه أن يعيش, لذا فقد لجأ لإستخدام مهاراته وفنونه الأخرى, إذ كان 
يستطيع أن يتحدث من بطنه وهو ما يطلق عليه بالتكلم من البطن. كان شاباً جميل 
الطلعة, وعندما مت لحيته وارتدى لباسا حسنا كان بالإمكان أن يعد من أبناء النبلاء. 
أعجبت النساء به. بل كانت هناك شابةٌ صغيرةٌ أخذّت بجماله كلياً وبفنه الماهر حتى 
إنها رافقئه في مدن وبلدان غريبة. هناك أطلقَ على نفسه لقب بروفيسور. وليس أقل 
لك 

طموحه الأزلي كان هو الحصول على منطاد والطيران به مع زوجته الصغيرة. 
ولكنهما لا يملكان الإمكانية بعد. 

قال: " سيأتي اليوم". 

" يا ليت"؛ قالت الزوجة. 

" مازلنا شباباء وأنا الآن بروفيسور, فتات الخبز خبرٌ أيضا]" 

كانت زوجته الصغيرة تساعده بإخلاص. تقف عند الباب وتبيع التذاكر للعرض. 
تلك كانت متعة باردةٌ في الشتاء. كانت تساعده أيضا في إحدى فقراته الفنية. فهو 
يضعها في جارور الطاولة, وهو جارور كبيرء تزحف إلى مؤخرته فلا يمكن رؤيتها في 
مقدمة الجارور؛ كان ذلك بمثابة خُداع بصر. 


569 


ولكن ذات ليلة وعندما سحب الجارور لم يستطع هو الآخر رؤيتها؛ لم تكن في 
مقدمة الجارور. ولا في مؤخرته. ولا في البيت كله, لا تُرى ولا تُسمّع. كانت تلك هي 
مهارتها الفنية. لم تعد ثائية أبداً؛ لقد تحملت ما يكفي, وكان هو حزينا لذلك, فَقَدَ 
مزاجّه الخفيف المرح. لم يستطع أن يضحك أو يعمل المقالب, ولم يأت الناس لعروضه. 
فساءت الخدمة وصارت الثياب باليةٌ ؛ لم يكن يِلّك أخيراً سوى قرادة كبير. من تركات 
زوجته, لهذا فقد أحب هذا القرادة كثيراً. أَلبَسَهُ ثوبا وعلّمه من مهاراته الفنية, علّمه 
أن يستعرض البندقية ويطلق المدفع, ولكنه مدفع بحجم صغير. 

كان البروفيسور فخورا بالقرادة والقرادة كان فخوراً بنفسه؛ لقد تعلّم أشياء كثيرة 
وكان له دم بشر. وجاب أكبر المدن. وشاهده الأمراء والأميرات, وفارَ بإعجابهم الكبير. 
وكُتب عنه في الجرائد والملصقات. وكان يعلم أنه ذو شهرة تمَكّنه من إعالة بروفيسوره 
بل عائلة بأكملها. 

كان فخوراً ومشهوراً. ولكن بالرغم من ذلك كانا يحجزان مكائاً من الدرجة 
الرابعة عند السفر في القطار فهما بالتالي يصلان بالسرعة ذاتها التي يصل بها ركاب 
الدرجة الأولى. كان بيتهما وعد ضمني بألا ينفصلا عن بعضهما بعضاً أبد الدهر, ولا 
يتزوجاء القرادة سيبقى عازبا والبروفيسور أرملاً. كان اتفاقا عادلا. 

قال البروفيسور ذات يوم: " المكان الذي تحقّق فيه نجاحاً لا يجب أن تكون فيه 
مرتين" , فقد كان من الذين يعرفون بواطن الناس وهذه أيضا مكنة بحد ذاتها. 

وأخيرا فقد زارَ كل البلدان عدا بلد الوحوش, فرغب في زيارة هذا البلد؛ هناك 
يأكلون لحم المسيحيين. كما سمّعٌ البروفيسور ولكنه لم يكن مسيحياً حقيقياً والقرادة لم 
يكن إنسانا لذا فقد فكّر بأنه عليه السفرَ إلى هناك ليقدّم عروضه. 

سافرا بباخرة وسفينة شراعية؛ قدمٌ القرادة عرضاً من فنونه ئما جعلهما يحصلان 
على سفر مجاني في الطريق ووصلا لبلد الوحوش. 

كانت هناك أميرةٌ صغيرة عمرها ثماني سنوات تحكُم البلد؛ انتزعت الحكم من 
أبيها وأمها لأنها كانت تملك عزيمة قوية ولا شبيه لها في جمالها ووقاحتها. 

وحالما قدّم القرادة عرضاً بالبندقية وأطلق المدفع, أخذّت الأميرةٌ به حتى قالت: 
"أما هذا أو لا ". وزادها حبّها توحشا أكثر ما كانت عليه. 


200 


"يا حلوتي, يا صغيرتي, أيتها الطفلة العاقلة؛ تمهلي". قال الأب " أ لا نستطيع 
تحويله إلى إنسان أولةٌ " 

" دع ذلك لي أيها العجوز ". قالت الأميرة, ولم يكن هذا قولاً مهذباً ذلك الذي 
قالته الأميرةٌ الصغيرة لأبيهاء ولكنها كانت متوحشة. 

وضعت الأميرةٌ القرادةً على يدها الصغيرة. قالت له: " أنت الآن بشرء تحكم 
معي؛ ولكن عليكَ أن تفعل ما أقوله لك. وإلا قتلتك وأكلت البروفيسور. " 

وحصل البروفيسور حينها على طابق كبير ليسكُن فيه. جدرانه من قصب السكرء 
يمكنه أن يلعقها ذهاباً وإياباً ولكنه لم يكن يحب الحلو. وقد حصل على السرير 
الأرجوحة لينام فيه. وكأنه مستلق في منطاد. وهذا ما تمناه هو دوماء والذي كان لايزال 
يفكّر به. 

بقي القرادة عند الأميرة, يجلس على يدها الصغيرة وعلى عنقها الناعم. أخذت 
الأميرةٌ شعرةً من رأسها وطلبت من البروفيسور أن يربط ساقي القرادة, وبعدها ريَطْنْهُ 
بقطعة المرجان الكبيرة التي كانت معلّقة في شحمة أذنها. 

فكرت الأميرة:" كم هو ذهبي هذا الزمان لي وأيضا للقرادة". ولكن البروفيسور لم 
يكن مقتنعاء فقد كان رحالةء يعشق الترحال من بلد إلى بلدء وكثيراً ما يُقرأ في 
الصحف عن إصراره و مهاراته في تعليم القرادة كل الأفعال التي يقوم بها البشر. 

وجاء يوم ومر آخر وهو جالسٌ في أرجوحته. كسولٌ يحصل على طعامه اللذيذ؛ 
بيض طيور طازج؛ عيون فيل و فخذ زرافة مشوي, فأكلة لحوم البشر لا يعتاشون على 
لحم البشر فقط. إنه بمثابة مقبّلات عندهم, فأم الأميرة تقول: " أكتاف طفل بصلصة 
حارة هي اشهى المقبلات". 

أصاب البروفيسور الملل ورغب بالإبتعاد عن بلد الوحوش, وكان عليه أن يأخدٌ 
القرادة معه فقد كان أعجوبتّه في الدنيا ومصدرٌ رزقه. كيف سيقنصه؟ كيف يحصل 
عليه. لم يكن هذا بالأمر السهل. 

ركرٌ تفكيره وحفرٌ كل قدراته وقال بعدها: " وجدثها". 

" يا والد الأميرة؛ قال البرفيسور. " اسمح لي بعمل شيء! هل لك أن تسمح لي 
بتدريب السكان في عرض ما يسمونه في أكبر بلدان العالم ب" التدريب المتقدم"؟". 


53/11 


" وماذا يمكنك تعليمي": سأل والد الأميرة. 

" أكبرَ مهاراتي!" قال البروفيسور, " أن أطلق المدفع فتهتزٌ أركان الأرض وتسقط 
أشهى طيور السماء مشوية على الأرض! إطلاقته عظيمة". 

قال والد الأميرة: " هاتوا المدفع". 

لم يكن هناك مدفعٌ في البلد كله. عدا المدفع الذي جلبه القرادة وكان حجمّه 
صغيراً. 

ٍ بإمكاني صب واحدٍ أكبر": قال البروفيسورء " فما عليك إلا أن تعطيني 
المكونات! أريدٌ حريراً جيدا ء خيطاً وإبرة. حبلاً ورباطاً بالإضافة إلى قطرات و غازاً 
في البطن, إنها تنفخ وترفع المنطاد عن الأرض وتحمله عالياء فصوت الغازات مدو. 

حصل البروفيسور على كل ما طلبه. 

وجاء كل من في البلد ليرى المدفع الكبير.لم يناد البروفيسور عليهم قبل أن يجهرٌ 
البالون للنفخ والإرتفاع عن الأرض. 

جلس القرادة على يد الأميرة يتفرج. بيئما ملئْ البالون وانتَفَحَ حتى صَعْبّ 
الإمساك به كان متوحشا جدا. 

" علي الطيران با منطاد في الهواء الآن كي يبرد ". قال البروفيسور ودخّل السلّة 
المعلقةَ تحت البالون. " لا يمكنني قيادته وحدي, أحتاج إلى رفيق لديه الخبرةٌ بذلك لكي 
يساعدتي. وليس غير القرادة هنا من يمكنه ذلك." 

شين عر السناء بذلك!" قالت الأميرة, ولكنها سلمت القرادة بالرغم من 

ذلك إلى البروفيسور والذي وضعه على يده. 

' ارغرا الزباط والميل الآن* ,قال التو فيشتورة. © ميهد بارج الآن)* 

اعتقدوا جميعا أنه قال: " المدفع". 

وارتفع البالون أعلى وأعلى فوق السحبء بعيدا عن بلد الوحوش. 

وقفت الأميرةٌ الصغيرة ووالد الأميرة ووالدتها وجميع الناس منتظرين. وما زالوا 
ينتظرون. وإن لم تصدّق ذلك عليك السفرٌ إلى بلد الوحوش لترى كل طفل هناك 
يتحدث عن البروفيسور والقرادة. حيث يعتقدون بأنهما سيعودان عندما يبرد المدفع؛ 


52 


ولكنهما لن يعوداء إنهما في بلدهما بيننا هناء يسافران في الدرجة الأولى في القطار 
وليس في الدرجة الرابعة. إِنْ عملهما حقَّقَ لهما دخلاً كبيراء وبالوناً كبيراً. لا أحد 
يسأل كيف حصلا على البالون أو من أين أتيا به. إنهما مرفّهانء أناس ذوو حسب 
ونسب الآن هما البروفيسور والقرادة. 


كتبت في عام ١41/1‏ 


213 


حكايات خرافية خاوج المجاميع التي صدوت 


حكايات فاوجٍ المجاميع المطبوعة 


5315 


«*جه جم 


نفهيقى 


جلست كل طيور الغابة على الأشجار التي كان لها الكثير جداً من الأوراق. ومع 
ذلك فقد جمعتهم رغبة واحدة ألا وهي الحصول على أوراق جديدة جيدة ضمن مجلة. 
كانوا جميعاً يحلمون بمجلة نقد. والتي لدى البشر منها ما يكفي ويزيد. الطيور 
الشاديةٌ نت أن تحصل على نقد موسيقي : مدح لكل طير على حدة ونقد للآخرين. 

الشيء الذي لم تكن الطيور متفقةً عليه فيما بينها هو اختيار نقّاد حياديين, 
"لابد أن يكون النقاد من الطيور": قال البوم الذي تم انتخابه كرئيس للجمعية وهو طير 
الحكمة, " لا يجب تجاوز حيوانات البحر في اختيارناء فالأسماك تطير مثل العصافير 
في الهواء. وهو الشيء الوحيد الذي يربطها بناء ولكن لا تنسوا هناك الكثير من 
الحيوانات ما بين الأسماك والطيور". 

طقطق اللقلق بمنقاره ليجذب انتباه الجميع و قال" هناك كائنات ما بين الأسماك 
والطيور: الضفادع بئو جرذان المستنقعات, إني أصوت لها. فلها آذان موسيقية مُرهفة, 
تغئي في جوقات كورالية؛ مثل نواقيس الكنائس في غابة موحشة؛ يصيبني حنينٌ 
للسفر كلما سمعتهاء وتنمل جناحاي عندما تغني". 

" أنا أصوّت أيضاً للضفادع" قال مالك الحزين؛ " إنها ليست بطيور ولا أسماك. 
فهي تعيش عند الأسماك وتغني مثل الطيور". 

قال البوم: " حسناً, كان هذا ما يخص الجانب الموسيقي. ولكن على المجلة أن 
تتحدث أيضاً عن كل ما هو جميل في الغابة. يجب أن يكون عندنا فريق عملء دعونا 
نفكر بهذه النقطة, كل مع عائلته على حدة ". حينها عنّى طير القبّرة الصغير بعذوبة: 
"لا يمكن للضفدعة أن تكون رئيس تحرير للمجلة؛ لا للضفدع.. نعم للعندليب". 

" كفاك سقسقة", قال البوم, " النظام أرجوكم, أنا أعرف العندليب جيداً فكلانا 


5 


طيور ليلية؛ كل طير منا يغني على ليلاه؛ لا يجب انتخابه ولا أنا أيضاً؛ إذ ستصبح 
المجلة بذلك إما أرستقراطية أو فلسفية, وحيث النخبة فقط لها الكلمة, المجلة يجب أن 
تَثّلٌ العامة أيضأ". 

ولم يكونوا متفقين على اختيار اسم للمجلة. هل هو يجب أن يكون نقيق الصباح, 
أو نقيق امسا أو مجرد نقيق. وأخيرا صوتوا على الاسم الأخير. 

وجاءت الآن مرحلة اختيار عاملين أكفاء أو ممن يُعدون أكفاء. 

النحلة والنملة والخُلد وعذوا بأن يكتبوا عن التصنيع, عن الأعمال الهندسية, 
حيث لديهم باع طويل في هذا المجال. 

طير الوقواق كان شاعر الطبيعة, لم يعد من الطيور الشادية, ولكنه يحوز شعبية 
كبيرة "إنه متعال دوماً؛ أكثر الطيور غروراً. رغم أن منظره لا يستحق". قال الطاووس. 

وجاء ذباب السروء الأزرق البطن إلى هيئة التحرير في الغابة. " جئنا لنعرض 
عليكم خدماتناء نحن نعرف الناس الذي يعملون في مهنة التحرير. نعرف نقد البشر, 
يجب أن يمسك المرء باللحمة الطازجة ويبصق عليها وستتعفن خلال أربع وعشرين 
ساعة, يمكننا أن ندمر مواهب بأكملها إن اقتضى الأمر في سبيل خدمة هيئة التحرير, 
في مجلة عالية المقام لحزب واحد متحد مثلنا يجرؤ المرء على أن يكون فظأ وإن خسرنا 
مشتركاً نحصل على عشرة بدلا منه. كونوا صلفين. اطلقوا عليهم ألقاب مُضحكة, 
شهروا بهم, تحرشوا بهم وكأنكم إلى جانبهم كالشباب, هكذا تكونون سلطة في 
الدولة". 

ثم قفزت الضفدعة عندما رأت اللقلق وقالت: ' يا له من صعلوك هوائيء ياه, 
كان مَثَلي الأعلى عندما كنت صغيرة, كنت أكُنَ له كل الإحترام والتقدير. وعندما كان 
يدور في المستنقعات ويتحدث عن مصر توسعت دائرة نظري حول تلك البلدان العجيبة, 
ولكنه لم يعد يحركُني الآنء لم يبق إلا صدى تلك الأيام. صرت أذكى وأفهم وأهم, 
فأنا اليوم أكتب مقالات نقد لمجلة نقيق. أنا وكما يذكر في قاموس كتابة ونطق لغة 
الدفاركيين "نقاقة". في عالم البشر يوجد صنف كهذا من أمثالي. لقد كتبت نصاً حول 
ذلك في رواية المجلة التي تصدر في حلقات". 


5318 


الفهرس 


مقدمة 5 
قوى الأعماق 11 
الحب عند أندرسن: بيتر براسك (بروفيسور. تاريخ الأدب) 15 
المجيء إلى العالم: بيتر براسك 21 
حول فن التشكيل بالقص وأندرسن 47 

"حكايات خرافية تروى للأطفال" ه41١‏ - /ا9م١‏ 
القداحة 67 
كلاوس الصغير وكلاوس الكبير 75 
الأميرة وحبة البزاليا 57 
زهور إيدا الصغيرة 59 
إنجليسا 577 
الولد الشقي 107 
رفيق السفر 109 
حورية البحر الصغيرة 127 
ثوب القيصر الجديد 149 

الحكايات الخرافية للفترة من ١81417 - ١474‏ 
زهرة البابونج البرية 157 
جندي الصفيح الصامد 161 
البجع البري 165 
الحقيبة الطائرة 151 


209 


الحنطة السوداء 153 
من مجموعة الحكايات الخرافية الجديدة في الفترة بين ١844 - ١8144‏ 
العندليب 157 
ملكة الثلج 207 
المحبون 237 
فرخ البط القبيح 211 
شجرة عيد الميلاد 2531 
تل الجن 259 
الققازون 267 
الراعية ومنظف المداخن 269 
المصباح العجوز 215 
إبرة الرفو 251 
الظل 285 
قطرة المطر 277 
بائعة أعواد الكبريت الصغيرة 299 
العائلة السعيدة 303 
قصة أم 307 
القبة 313 
من الحكايات الخرافية في الفترة ١46٠‏ 
ملاك البيلسان 3219 
الناقوس 32277 
من مجموعة القصص في الفترة ١4866 - ١467‏ 
حكاية فصول العام 335 
عند الحصن 3213 
إنها الحقيقة صدقوني! 345 


5330 


ذو المزاج الرائق 249 


جرح القلب 253 
الجني العابث 255 
بعد عدة ألفيات 259 
خمس حبات من قرنة بازلاء 361 
هانس الأحمق - هذه قصةٌ قديمة يُعاد قصها 365 
من نافذة في فارتو 2369 
الأم غسالة الملابس 371 
من مجموعة حكايات خرافية وقصص جديدة للفترة بين ١4108‏ - /ا ١/41‏ 
حساء عود السجق 351 
سباق العدو السريع 3295 
البنت التي داست على قطعة الخبر 209 
زئشة ومخيرة 407 
من مجموعة الحكايات الخرافية والقصص في الفترة ١46517 - ١4517‏ 
وردة من قبر هوميروس 413 
الجدة 415 
الفتاة اليهودية 41 
العنقاء 003 
من مجموعة الحكايات والقصص الجديدة في الفترة ١ككلذما‏ - 55مىا 
خنفساء الروث 437 
الوالد دوما على صواب 435 
الرجل الثلجي 441 
الفراشة 017 
ال حلزون ومتسلق الورد 451 
عجوز المستنقعات 04535 
القرش الفضي 469 


551 


في غرفة الأطفال 
الخالة 
ضفدع الطين 
من مجموعة نصوص للفترة في ١414‏ 
لاعب مسرح الدمى 
السيدة إبريقة الشاي 
من مجموعة الثلاث حكايات الخرافية ١41٠١‏ 
عشبة رأس القنفذ 
من مجموعة حكايات خرافية وقصص جديدة للفترة ؟/41١‏ 
الحظ قد يكمن في عود 
الشموع 
من العجائب 
تعبان الماء الكبير 
البستاني وحضرة السيد 
مفتاح البوابة 
الخالة وجع أسنان 
من مجموعة الحكايات الخرافية والقصص للفترة ١41/4‏ 
9 
القرادة والبروفيسور 
حكايات خرافية خارج المجاميع المطبوعة 
حكايات خرافية خارج المجاميع التي صدرت 


552 


03 
419 
45 


005 
409 


2303 


5311 
515 
5319 
53023 
233 
541 
3533 


53627 
569 


57 





أند رسن 1872 


303 








158180/:2-84305-853-6 


لاما 


225